شعار الموقع

شرح كتاب الجامع من سبل السلام_29

00:00
00:00
تحميل
51

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

[مِنْ يرد اللَّه بِهِ خيرا يفقهه فِي الدِّين]

 (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ شَيْءٍ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حَقِيقَتِهِ بِمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِعَادَةِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ.

[إذَا لَمْ تستح فاصنع مَا شئت]

(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) الْحَيَاءُ فِي اللُّغَةِ تَغَيُّرٌ يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مِنْ خَوْفِ مَا يُعَابُ بِهِ وَفِي الشَّرْعِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ.

وَالْحَيَاءُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً.

(الشرح)

يَعْنِي شيء غريزي مغروز في الإنسان مطبوع فيه.

(المتن)

 فَهُوَ فِي اسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إلَى اكْتِسَابٍ وَعِلْمٍ وَنِيَّةٍ فَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ الْإِيمَانِ. وَقَدْ يَكُونُ كَسْبِيًّا.

(الشرح)

كسيبًا يَعْنِي مكتسب.

(المتن)

 وَمَعْنَى كَوْنِهِ مِنْ الْإِيمَانِ أَنَّ الْمُسْتَحِي يَنْقَطِعُ بِحَيَائِهِ عَنْ الْمَعَاصِي فَيَصِيرُ كَالْإِيمَانِ الْقَاطِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعَاصِي.

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانَ فَسُمِّيَ إيمَانًا كَمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا قَامَ مَقَامَهُ وَالْحَيَاءُ مُرَكَّبٌ مِنْ جُبْنٍ وَعِفَّةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ وَلَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ» فَإِنْ قُلْت قَدْ يَمْنَعُ الْحَيَاءُ صَاحِبَهُ عَنْ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ إخْلَالٌ بِبَعْضِ مَا يَجِبُ فَلَا يَتِمُّ عُمُومٌ " إنَّهُ لَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ " قُلْت: قَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْحَيَاءِ فِي الْأَحَادِيثِ الْحَيَاءُ الشَّرْعِيُّ، وَالْحَيَاءُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ تَرْكُ بَعْضِ مَا يَجِبُ لَيْسَ حَيَاءً شَرْعِيًّا بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَمَهَانَةٌ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْحَيَاءُ لِمُشَابَهَتِهِ الْحَيَاءَ الشَّرْعِيَّ، وَبِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْحَيَاءُ مِنْ خُلُقِهِ فَالْخَيْرُ عَلَيْهِ أَغْلَبُ أَوْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَيَاءُ مِنْ خُلُقِهِ كَانَ الْخَيْرُ فِيهِ بِالذَّاتِ فَلَا يُنَافِيهِ حُصُولُ التَّقْصِيرِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ شَرْحِ مُسْلِمِ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جُمِعَ لَهُ النَّوْعَانِ مِنْ الْحَيَاءِ الْمُكْتَسَبِ وَالْغَرِيزِيِّ وَكَانَ فِي الْغَرِيزِيِّ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا وَكَانَ فِي الْمُكْتَسَبِ فِي الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ) لَفْظُ الْأُولَى لَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ بَلْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ " إنَّ آخِرَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى - إلَى آخِرِهِ " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ.

وَالْمُرَادُ مِنْ النُّبُوَّةِ الْأُولَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ وَلَمْ يُنْسَخْ كَمَا نُسِخَتْ شَرَائِعُهُمْ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْعُقُولُ. وَفِي قَوْلِهِ (فَاصْنَعْ مَا شِئْت) قَوْلَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَيْ صَنَعْت مَا شِئْت وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الَّذِي يَكُفُّ الْإِنْسَانَ عَنْ مُدَافَعَةِ الشَّرِّ هُوَ الْحَيَاءُ فَإِذَا تَرَكَهُ تَوَفَّرَتْ دَوَاعِيهِ عَلَى مُوَاقَعَةِ الشَّرِّ حَتَّى كَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ أَوْ الْأَمْرُ فِيهِ لِلتَّهْدِيدِ أَيْ اصْنَعْ مَا شِئْت فَإِنَّ اللَّهَ مُجَازِيك عَلَى ذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ اُنْظُرْ إلَى مَا تُرِيدُ فِعْلَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ فَافْعَلْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَحَى مِنْهُ فَدَعْهُ وَلَا تُبَالِ بِالْخَلْقِ.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد