شعار الموقع

شرح كتاب الجامع من سبل السلام_32

00:00
00:00
تحميل
77

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

[الْإِشَارَة بِالْيَدِ فِي السَّلَام]

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) الْإِفْشَاءُ لُغَةً الْإِظْهَارُ وَالْمُرَادُ نَشْرُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ وَعَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» وَلَا بُدَّ فِي السَّلَامِ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظٍ مُسْمِعٍ لِمَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ.

(الشرح)

بَعْض النَّاس يسلم بينه وبين نفسه. ولا أحد يسمعه, لَابُدَّ أن ترفع صوتك؛ حَتَّى تسمع, وَكَذَلِكَ بَعْض النَّاس ما يرد السلام, يرد بينه وبين نفسه, تسلم عَلَيْهِ ما تسمع رد, تقول: يا فلان لماذا لا ترد السلام؟ قَالَ: رديت عليك, طيب دريت بينك وبين نفسك أراد أن أسمع.

(المتن)

 وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «إذَا سَلَّمْت فَأَسْمِعْ فَإِنَّهَا تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» قَالَ النَّوَوِيُّ أَقَلُّهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ فَإِنْ شَكَّ اسْتَظْهَرَ.

وَإِنْ دَخَلَ مَكَانًا فِيهِ أَيْقَاظٌ وَنِيَامٌ فَالسُّنَّةُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمِقْدَادِ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِيءُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا وَيَسْمَعُ الْيَقْظَانُ فَإِنْ لَقِيَ جَمَاعَةً يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَيَكْرَهُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمْ بِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ الْوَحْشَةَ» ، وَمَشْرُوعِيَّةُ السَّلَامِ لِجَلْبِ التَّحَابِّ وَالْأُلْفَةِ فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّونَ بِهِ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».

(الشرح)

وَهُوَ من أسباب دخل الْجَنَّةَ ومن أسباب الإيمان, قَالَ عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نفسي بيده لا تدخلوا الْجَنَّةَ حَتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حَتَّى تحابوا أولا أدلكم عَلَى شيء إِذَا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم».

(المتن)

وَيُشْرَعُ السَّلَامُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَوْقِفِ كَمَا يُشْرَعُ عِنْدَ الدُّخُولِ لِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسَلِّمْ وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى أَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ» وَتُكْرَهُ أَوْ تَحْرُمُ الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ وَالرَّأْسِ لِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ الْيَهُودِ فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالرُّءُوسِ وَالْأَكُفِّ» إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالَ الصَّلَاةِ فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا تَحْقِيقَ ذَلِكَ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ.

(الشرح)

يشير بيده إِذَا كَانَ سلم عَلَيْهِ وَهُوَ يصلي يشير إليه بيده هكذا ورد هَذَا, وورد أَيْضًا أن يشير بأصبعه, وورد أمر ثالث وَهُوَ يؤخر السلام حَتَّى يسلم له هَذَا, إِمَّا أن يشير بيده أو يشير بأصبعه أو إِذَا سلم عَلَيْهِ يرد عَلَيْهِ, كُلّ هَذَا ورد, وَكَذَلِكَ الإشارة بالرأس يَعْنِي في غير رد السلام, في قصة أسماء أشارت برأسها أنعم.

لكن أَيْضًا قَدْ يستثنى من هَذَا إِذَا كَانَ الإنسان بعيد, ثُمَّ سلم عَلَيْهِ يسلم ويشير باليد؛ حَتَّى يعرف, بَعْض النَّاس إِذَا كَانَ بعيد يشير بيده ولا يسلم, هَذَا ما هُوَ سلام, السلام أن تقول: السلام عليكم بلسانك وتشير بيدك؛ حَتَّى ينتبه لك, أَمَّا أن تشير باليد فقط أو بالرأس هَذَا سلام اليهود ما يكفي, إِذَا كَانَ بعيد تشير باليد وتسلم وَإِذَا كَانَ قريب ما في داعي أن تشير بيدك.

(المتن)

وَجُوِّزَتْ الْإِشَارَةُ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ بَعُدَ عَنْ سَمَاعِ لَفْظِ السَّلَامِ.

(الشرح)

لَابُدَّ من اللفظ.

(المتن)

 قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِالْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الِابْتِدَاءُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ وَالشَّرِيعَةُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ا. هـ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي التَّسْلِيمِ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتِعْمَالُ التَّوَاضُعِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ شِعَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي مَشْرُوعِيَّةِ السَّلَامِ عَلَى غَيْرِ مَعْرُوفٍ اسْتِفْتَاحُ الْمُخَاطَبَةِ لِلتَّأْنِيسِ لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ إخْوَةً فَلَا يَسْتَوْحِشُ أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى صِلَةِ الْأَرْحَامِ مُسْتَوْفًى وَعَلَى إطْعَامِ الطَّعَامِ فَيَشْمَلُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إنْفَاقُهُ وَيَلْزَمُهُ إطْعَامُهُ وَلَوْ عُرْفًا أَوْ عَادَةً وَكَالصَّدَقَةِ عَلَى السَّائِلِ لِلطَّعَامِ وَغَيْرِهِ فَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى فِعْلِ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ. وَالْأَمْرُ بِصَلَاةٍ اللَّيْلِ فِي قَوْلِهِ (وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ) قَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ ذَلِكَ وَمَا يَشْمَلُ نَافِلَةَ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ (تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) إخْبَارٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَكَأَنَّهُ بِسَبَبِهَا يَحْصُلُ لِفَاعِلِهَا التَّوْفِيقُ وَتَجَنُّبُ مَا يُوبِقُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحُصُولُ الْخَاتِمَةِ الصَّالِحَةِ.

[عِمَاد الدِّينِ وَقَوَامَهُ النَّصِيحَةُ]

(عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) هُوَ أَبُو رُقَيَّةَ تَمِيمُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَارِجَةَ، نُسِبَ إلَى جَدِّهِ دَارٍ وَيُقَالُ الدِّيرِيُّ نِسْبَةً إلَى دَيْرٍ كَانَ فِيهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ الْمُوَطَّأُ دَارِيٌّ وَلَا دَيْرِيٌّ إلَّا تَمِيمٌ، أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ، كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، وَكَانَ رُبَّمَا رَدَّدَ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ اللَّيْلَ كُلَّهُ إلَى الصَّبَاحِ.

(الشرح)

يَعْنِي شابه عثمان فغ، عثمان رضي الله عنه ختم الْقُرْآن في ركعة, ونزلت فِيهِ هَذِهِ الآية: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}[الزمر/9].

قِيلَ: نزلت في عثمان رضي الله عنه يختم الْقُرْآن في ركعة يَعْنِي وتر, يبدأ من أول الليل إِلَى آخر الليل وَهَذَا ممكن في ليل الشتاء, عشر ساعات ممكن, ممكن يقرأ الجزء في ربع ساعة أو ثلاث ساعة, الساعة فِيهَا ثلاثة أجزاء, وتكون أقل من هَذَا, لكن هَذَا يكون في بَعْض الأحيان, بخلاف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما يكون يقوم ليلة كاملة؛ حَتَّى الصباح, إِلَّا في العشر كَانَ يشد المأزر ويحي الليل ويوقظ كُلّ صغير وكبير.

(المتن)

 سَكَنَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهَا إلَى الشَّامِ، وَرَوَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ قِصَّةَ الْجَسَّاسَةِ وَالدَّجَّالِ وَهِيَ مَنْقَبَةٌ لَهُ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنْ الْأَصَاغِرِ.

(الشرح)

ظاهره أَنَّهُ أسلم متأخر.

(المتن)

وَلَيْسَ لَهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ شَيْءٌ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ ثَلَاثًا أَيْ قَالَهَا ثَلَاثًا قُلْنَا: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) هَذَا الْحَدِيثُ جَلِيلٌ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّهُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوهُ بَلْ عَلَيْهِ مَدَارُ الْإِسْلَامِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ مَعْنَاهَا حِيَازَةُ الْحَظِّ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَمَعْنَى الْإِخْبَارِ عَنْ الدِّينِ بِهَا: أَنَّ عِمَادَ الدِّينِ وَقَوَامَهُ النَّصِيحَةُ قَالُوا: وَالنُّصْحُ لِلَّهِ الْإِيمَانُ بِهِ وَنَفْيُ الشِّرْكِ عَنْهُ وَتَرْكُ الْإِلْحَادِ فِي صِفَاتِهِ وَوَصْفُهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ كُلِّهَا وَتَنْزِيهُهُ تَعَالَى عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّقَائِصِ وَالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ وَالْحُبُّ فِيهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ وَمُوَالَاةُ مَنْ أَطَاعَهُ وَمُعَادَاةُ مَنْ عَصَاهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ لَهُ تَعَالَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَبْدِ مِنْ نَصِيحَةِ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ نُصْحِ النَّاصِحِينَ وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِهِ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ كَلَامُهُ تَعَالَى وَتَحْلِيلُ مَا حَلَّلَهُ وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَهُ وَالِاهْتِدَاءُ بِمَا فِيهِ وَالتَّدَبُّرُ لِمَعَانِيهِ وَالْقِيَامُ بِحُقُوقِ تِلَاوَتِهِ وَالِاتِّعَاظُ بِمَوَاعِظِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِزَوَاجِرِهِ وَالْمَعْرِفَةُ لَهُ.

وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصْدِيقُهُ بِمَا جَاءَ بِهِ وَاتِّبَاعُهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ وَتَعْظِيمُ حَقِّهِ وَتَوْقِيرُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَمَحَبَّةُ مَنْ أَمَرَ بِمَحَبَّتِهِ مِنْ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَعْرِفَةُ سُنَّتِهِ وَالْعَمَلُ بِهَا وَنَشْرُهَا وَالدُّعَاءُ إلَيْهَا وَالذَّبُّ عَنْهَا، وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إعَانَتُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ وَأَمْرُهُمْ بِهِ وَتَذْكِيرُهُمْ لِحَوَائِجِ الْعِبَادِ وَنُصْحُهُمْ فِي الرِّفْقِ وَالْعَدْلِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمِنْ النَّصِيحَةِ لَهُمْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ. وَتَعْدَادُ أَسْبَابِ الْخَيْرِ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَا تَنْحَصِرُ قِيلَ، وَإِذَا أُرِيدَ بِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْعُلَمَاءُ: فَنُصْحُهُمْ بِقَبُولِ أَقْوَالِهِمْ وَتَعْظِيمِ حَقِّهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَيْهِمَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا, وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِإِرْشَادِهِمْ إلَى مَصَالِحِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ وَتَعْلِيمُهُمْ مَا جَهِلُوهُ وَأَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ يَحْتَمِلُ الْإِطَالَةَ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ.

وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّصِيحَةَ تُسَمَّى دِينًا وَإِسْلَامًا وَأَنَّ الدِّينَ يَقَعُ عَلَى الْعَمَلِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْقَوْلِ، قَالَ: وَالنَّصِيحَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ يُجْزِئُ فِيهَا مَنْ قَامَ بِهَا وَتَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ وَالنَّصِيحَةُ لَازِمَةٌ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ إذَا عَلِمَ النَّاصِحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ نُصْحُهُ وَيُطَاعُ أَمْرُهُ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَكْرُوهَ فَإِنْ خَشِيَ أَذًى فَهُوَ فِي سَعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَإِن قِيلَ: قوله فَإِذَا شك استظهر أيْ استظهر منهم السلام؟ يستظهر يَعْنِي إِمَّا يعيد إِذَا ما رد السلام يكرر السلام أو يطلبه من رد السلام.

النصيحة لله كُلّ إنسان عَلَيْهِ النصيحة لله بالإيمان بِهِ وعبادته وإخلاص الدين لله, والنصيحة للرسول فرض علين عل كُلّ أحد, لكن النصيحة من حيث هُوَ فرض كفاية, هَذِهِ واجبات عينية فروض عينية, كُلّ واحد يَجِبُ أن ينصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة الْمُسْلِمِين وعامتهم, ما يكفي أحد عَنْ أحد, كيف يكون فرض كفاية؟! نصيحة زيد ما تكفي عَنْ نصيحة عمرو, زيد ينصح لله بالإيمان بِهِ, وعمرو ينصح لله بالإيمان بِهِ, كيف يكون فرض كفاية, كَذَلِكَ الإيمان بالرسول, وَكَذَلِكَ الإيمان بالكتاب, وَكَذَلِكَ أَيْضًا النصيحة لعامة الْمُسْلِمِين, كيف تكون فرض كفاية؟!.

قوله: (وَالنَّصِيحَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ يُجْزِئُ فِيهَا مَنْ قَامَ بِهَا وَتَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ), كيف يكون هَذَا؟! هَذِهِ مطالب بها كُلّ أحد ما يكفي أحد عَنْ أحد.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد