بسم الله الرحمن الرحيم
القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله بِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
فقال المؤلف رحمه الله تعالى:
المسألة الخمسون: قولهم: {مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:91].
شرح الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المسألة الخمسون من مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكفرة من الكتابيين والأميين: (قولهم:{مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:91])، المعنى: أنهم يجحدون الكتب التي أنزلها الله أنبيائه ورسله، قال الله تعالى إخبارًا عنهم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:91]؛ جحدوا وأنكروا الكتب المنزلة على الأنبياء والرسل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، قال الله تعالى ردًّا عليهم: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا }[الأنعام:91].
الجحد والإنكار بما أنزل الله من خصال أهل الجاهلية، ومن صفاتهم، فالواجب على المسلم الحذر من الاتصاف بصفاتهم من الجحد والإنكار للحق، الجحود جحود الحق، وإنكاره من خصال أهل الكفرة، ومن صفات أهل الكفرة، أما المؤمن فإنه يعترف بالحق ويقبل الحق، ويؤمن بالله، ويؤمن بكتب الله وبرسله، وبالكتب المنزلة، وبالرسل، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
القارئ:
المسألة الحادية والخمسون: قولهم في القرآن:{إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر:25].
شرح الشيخ:
(المسألة الحادية والخمسون: قولهم في القرآن: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر:25])؛ إنكارهم أن يكون الله تعالى تكلم بالقرآن؛ فهذه صفات الكفرة كما أخبر الله تعالى عن الوليد بن المغيرة أنه قال: إن هذا القرآن كلام البشر، قال الله تعالى عنه: {ثُمَّ نَظَرَ * ُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر:21-25]، ووعده الله بقوله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}[المدثر:26-30]، فمن قال: إن القرآن كلام المخلوق وكلام البشر فقد توعده الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بهذا الوعيد، فمن صفات الكفرة إنكار أن يكون الله تكلم بالقرآن، وهذا فيه الوعيد الشديد على من وافق الكفرة في هذه الخصلة، ومن ذلك: أن أهل البدع يقولون: إن القرآن ليس كلام الله، المعتزلة يقولون: القرآن مخلوق، والأشاعرة يقولون: كلام الله معنى قائم بنفسه، ليس بحرف ولا صوت، وأما هذا الذي يقرأ في المصاحف ليس كلام الله، بل هو عبارة عن كلام الله، تأدى به، وأما كلام الله فهو قائم بنفسه، وأما ما يقرأ في المصاحف فإنما هو عبارة عبر به جبريل، أو عبر به محمد، فهؤلاء لهم نصيب من هذا الوعيد نسأل الله السلامة والعافية.
فالواجب على المسلم الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وأنه كلام الله حقيقة تكلم به حقيقة، وأنزله على نبيه الكريم وحيًّا، نزل به كما قال سبحانه: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:193، 194]، فليس هو مخلوق كما تقول المعتزلة، بل هو صفة من صفات الله، كلام الله صفته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، القرآن كلام الله نصه ومعناه، بنصه وبألفاظه ومعانيه وحروفه كله كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، فمن قال: إن القرآن لفظه ومعناه مخلوق؛ فقد كفر كما قال السلف رضوان الله عليهم، كالإمام أحمد وغيره، قالوا: "من قال القرآن مخلوق فقد كفر"، فالمعتزلة يقولون: القرآن مخلوق لفظه ومعناه، والأشاعرة يقولون: معناه غير مخلوق، ولفظه مخلوق؛ اللفظ والحروف؛ هذا كلام البشر، وأما المعنى هو قائم بنفس الرب، الكلام يكون للمعنى، وقد ضلَّ هؤلاء وهؤلاء، والحق الذي لم يعترفوا به أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه (5:45)، صوت يسمع سمعه منه جبرائيل، ونزل به على قلب محمد صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ.
القارئ:
المسألة الثانية والخمسون: القدح في حكمة الله تعالى.
شرح الشيخ:
(المسألة الثانية والخمسون: القدح في حكمة الله تعالى)؛ فهذه من مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكفرة، أنهم يقدحون في حكمة الله عَزَّ وَجَلَّ، ويعترضون على الله، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أخبر عن نفسه أنه حكيم، قال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[يوسف:6]، وهو العليم الحكيم، فمن قدح في حكمة الله، أو اعترض على الله فقد شابه الكفرة، والواجب على المسلم التسليم لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاعتراف بحكمة الله، فالله تعالى حكيم في خلقه، حكيم في شرعه، وحكيم في قدره، فهو لا يخلق شيء إلا لحكمة، ولا يأمرك إلا لحكمة، ولا ينهى إلا لحكمة، ولا يقدر إلا لحكمة سُبحَانَهُ وَتَعَالى، {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[يوسف:6]، فمن قدح في قسمة الله، أو اعترض على الله، أو أنكر القدر؛ فقد اعترض على الله عَزَّ وَجَلَّ وشابه الكفرة.
الجبرية ينكرون أن يكون الله حكيم، ينكرون الحكمة، ويقولون: إن الله يفعل بالمشيئة والإرادة، إن الله يفعل بالإرادة المجردة من غير حكمة، فيسوي بين الأمور المختلفة المتفاوتة، ويفرق بين الأمور المتماثلة، ويقولون: المشيئة الإلهية تخرج عشواء من دون حكمة؛ وهذا من أبطل الباطل، فهؤلاء كفرة، وهذا كفر وضلال نسأل الله السلامة والعافية.
الله حكيم في خلقه، وحكيم في شرعه؛ أمره ونهيه، وحكيم في قدره، فخلقه مبني على الحكمة، وشرعه مبني على الحكمة، وقدره مبني على الحكمة سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
القارئ:
المسألة الثالثة والخمسون: إعمال الحيل الظاهرة والباطنة في دفع ما جاءت به الرسل، كقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}[آل عمران:54]، وقوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ}[آل عمران:72].
شرح الشيخ:
المسألة الثالثة والخمسون: إعمال الحيل الظاهرة والباطنة في دفع والاعتراض على ما أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، إعمال الحيل الباطنة والظاهرة في رد ما جاءت به الرسل، ودفع ما جاءت به الرسل؛ هذا من صفات الكفرة، ومن كفرهم وضلالهم، كما أخبر الله عنهم قالوا: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[آل عمران:54]؛ مكروا مكرهم؛ إعمالهم الحيل في دفع ما أنزل الله، في دفع ما جاءت به الرسل، ورد ما جاءت به الرسل، ومكر الله عقوبتهم على ذلك مجازاتهم على صنيعهم؛ هذا عدل منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ومن مكرهم؛ مكر اليهود وحيلهم في رد ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحق الذي أنزله الله عليه: أنه قال بعضهم لبعض أظهروا الإيمان أول النهار، ثم أظهروا الكفر في آخر النهار، في أول النهار أظهروا الإيمان، وأظهروا أنهم آمنوا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودخلوا دينه، فلما كان في آخر النهار رجعوا وارتدوا، وقصدهم من هذا: حتى يقول الناس ويقول أهل مكة: ما رجعوا عن هذا الدين إلا أنهم رأوا فيه عيب ونقص؛ لأهم أهل كتاب، أهل الكتاب يعرفون الحق من غيره، فلولا أنهم وجدوا عيبًا في هذا الدين الذي جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونقصًا لما رجعوا، وقصدهم من ذلك: أن يضلوا الناس حتى يتبعهم الناس في ذلك كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}[آل عمران:72، 73]، قال الله ردًّا عليهم: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[آل عمران:73، 74]؛ هذا من مكرهم وحيلهم.
يقول بعضهم لبعضهم: أظهروا الإيمان بمجمد والدخول في الدين الذي جاء به محمد، أظهروا للناس أنكم آمنتم، وأنكم دخلتم في الدين، ثم في آخر النهار أظهروا أنكم رجعتم عن هذا الدين حتى يقول الناس: لولا أنهم وجدوا فيه عيب ما رجعوا، هؤلاء أهل الكتب المنزلة، هؤلاء نزلت عليهم التوراة، يعرفون الصواب من الخطأ ويعرفون الحق من الباطل فلولا أنهم وجدوا عيب في هذا الدين الذي جاء به محمد لما رجعوا؛ هذا من مكرهم، فالواجب على المسلم أن يقبل الحق ويرضاه، وتنشرح صدره به، وأن يحذر أن يشارك الكفرة في ردِّ الحق، أو الاعتراض عليه، أو تنقصه، أو عيبه.
القارئ:
المسألة الرابعة والخمسون: الإقرار بالحق ليتوصلوا به إلى دفعه كما قال في الآية.
شرح الشيخ:
(المسألة الرابعة والخمسون: الإقرار بالحق ليتوصلوا به إلى دفعه)؛ هذا من خصال الكفرة، الجاهلين الإقرار بالحق ليتوصلوا إلى دفعه؛ كما أخبر الله في هذه الآية، اليهود أقروا بالحق، وأظهروا الدخول في دين الإسلام؛ ليتوصلوا بهذا الإقرار إلى دفع الحق ورده؛ هذا من مكرهم {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ}[آل عمران:72]، ما القصد من ذلك؟ {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[آل عمران:72]؛ لعل من آمن بمحمد يرجع عن دينه، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فهم أقروا بالحق لا قبولًا له، ولا اقتناعًا به، ولا إيمانًا به، لكن أقروا بالحق ليتوصلوا إلى ردِّ الحق وإبطاله، وإلى إضرار الناس، هم أقروا أول النهار بالحق، وأظهروا أنهم دخلوا في الدين، ثم رجعوا عنه في آخر النهار لعل من آمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتر بهم فيرجع عن الإسلام نسأل الله السلامة والعافية.
فالواجب على المسلم أن يحذر من هذه الصفات الخبيثة، وأن يحذر رد الحق بأي وسيلة من الوسائل، بل الواجب على المسلم أن يقبل الحق، وأن يقبل هدى الله، وأن يسأل الله الثبات على دين الإسلام.
القارئ:
المسألة الخامسة والخمسون: التعصب للمذهب، كقوله فيها: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}[آل عمران:73].
شرح الشيخ:
المسألة الخامسة والخمسون: التعصب للمذهب، كقوله عن اليهود: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}[آل عمران:73]، التعصب للمذهب من صفات الكفرة، فالواجب على المسلم أن يقبل الحق، ولا يتعصب للمذهب، ولا لطائفة معينة، بل الحق حق أن يتبع، فهؤلاء اليهود تعصبوا لمذهبهم ولدينهم، وإن كانوا على الباطل؛ ولهذا قال بعضهم لبعض: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}[آل عمران:73]؛ وهذا فيه التحذير من التعصب للمذهب، وأن الواجب على المسلم أن يقبل الحق، ولا يتعصب للمذهب المعين، ومن ذلك أن بعض أهل المذاهب يتعصبون لمذاهبهم، المذاهب الأربعة:
الحنفي، والشافعي، والمالكي، والحنبلي؛ كلها مذاهب حق، وأئمتها أئمة هدى، ولهم اجتهادات رضوان الله عليهم، لكن لا يجوز لأتباع هذه المذاهب أن يتعصبوا لمذهبهم، إذا كنت حنفيًّا، ثم ظهر لك أن الحق مع المالكي، أو مع الشافعي، أو مع الحنبلي فاقبله، واترك القول الذي يخالف الدليل، إذا وجدت أن في مذهبك الحنفي، أو مذهبك المالكي، أو مذهبك الشافعي، أو الحنبلي قولًا لا دليل عليه، ووجدت قولًا آخر عليه الدليل فخذ بالقول الآخر الذي عليه الدليل، واترك المذهب الذي أنت عليه إذا كان مخالفًا، ولا تتعصب لمذهبك وتشابه الكفرة الذين يتعصبون لدينهم الباطل، وكل واحد من الأئمة رضوان الله عليهم قالوا: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي"، قال هذا أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، كل واحد منهم يقول: إذا قلت قولًا يخالف الحديث فخذوا بقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واضربوا بقولي عرض الحائط، وقال الشافعي رَضِي اللهُ عَنْهُ: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي"، قال بعضهم: إذا قلت قولًا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالفه فأنا راجع عنه، فلا يجوز للإنسان أن يتعصب لمذهبه إذا تبين له الحق في مذهب آخر، إذا عرف الحق بدليله يقبله، ويترك المذهب حتى لا يشابه الكفرة في تعصبهم لدينهم الباطل.
القارئ:
المسألة السادسة والخمسون: تسمية اتباع الإسلام شركًا، كما ذكره في قوله تعالى:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ}[آل عمران:79]الآية.
شرح الشيخ:
المسألة السادسة والخمسون: تسمية اتباع الإسلام شركًا، كقوله تعالى عنهم:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}[آل عمران:79]، فالكفر يسمون اتباع الإسلام شركًا، اتباع الإسلام هو الحق، اليهود يرون أن من اتبع الإسلام فقد أشرك، وأن ما هم عليه من اليهودية هو الحق، وهو التوحيد، والنصارى يرون أن اتباع الإسلام شركًا، وما هم عليه من النصرانية الباطلة المنحرفة هو الحق، والوثنيون من الأميين العرب، يرون أن ما هم عليه من الوثنية حق، وأن اتباع الإسلام شركًا ولهذا يسمون من أسلم صابة؛ خرج عن دينه، خرج عن دينهم الذي يدعون أنه الحق، وقالوا: الدين الآخر شرك؛ هذا من خصال الكفرة، فالواجب على المسلم أن يحذر من تسمية الإسلام بما ينافيه ويناقضه، وأن يعلم أن دين الإسلام هو الحق، وهو التوحيد، دين الإسلام هو الاستسلام لله للتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله؛ هذا هو دين الإسلام، ليس شركًا، بل هو توحيد، الشرك نافي دين الإسلام؛ ولهذا ردَّ الله عليهم بقوله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ}[آل عمران:79]؛ يعني ما يصح، ولا ينبغي، ولا يكون لبشر يهديه الله الكتاب والحكم والنبوة، ثم يدعو الناس إلى عبادته؛ لا يمكن هذا.
بل النبي الذي أتاه الله الكتاب والحكم والنبوة موحد رباني، يعلم الناس الخير، وينهاهم عن الشرك، ويحذرهم من الشرك ووسائله وذرائعه، فدين الإسلام توحيد ليس شركًا، والنبي الذي بعثه الله يدعو إلى التوحيد، لا يدعو إلى نفسه؛ إلى عبادة نفسه {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}[آل عمران:79].
القارئ:
المسألة السابعة والخمسون: تحريف الكلم عن مواضعه.
شرح الشيخ:
(المسألة السابعة والخمسون: تحريف الكلم عن مواضعه)؛ هذه من صفات الكفرة يحرفون الكلم عن مواضعه؛ كما أخبر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنهم في قوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة:41]، فمن صفات أهل الجاهلية من الكفرة والأميين: تحريف الكلم عن مواضعه، يحرفون الكلم عن مواضعه، يحرفون كلام الله؛ كما أخبر الله عن طائفة من اليهود في قوله: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:75]، فالكفرة وأهل الكتاب حرفوا الكتب المنزلة، وقدموا وأخروا، وزادوا ونقصوا؛ فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه.
الله تعالى أنزل في التوراة الرجم؛ رجم الزاني المحصن، والمحصن الذي تزوج، فحرف اليهود ما أنزل الله من الرجم، وابتدعوا حكمًا من عند أنفسهم، فصار من زنا لا يرجمونه، ولا يجلدونه، وإنما يسودون وجه، ويركبونه على دابة من جهة الخلف، ويطوفون به في الأسواق؛ ولهذا لما جاء بعض اليهود إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويطلبون منه أن يحكم بينهم في رجل وامرأتين زنيا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما تجدون عندكم في التوراة؟» فقالوا: نجلدهم ويحممون؛ يعني يسود وجوههم، تطمس بالفحم، فقال عبد الله بن صوريا: "كذبتم، بل في التوراة آية الرجم"، فقال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أأتوا بالتوراة»، فأتوا بالتوراة، فقرأ قارئ فلما وصل إلى آية الرجم وضع يده عليها، وقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن صوريا رَضِي اللهُ عَنْهُ كان من بني إسرائيل الذين منَّ الله عليهم بالإسلام: "ارفع يده"، فرفع يده، فإذا آية الرجم تلوح، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم فيهم بحكم التوراة، وبحكم القرآن، فأمر برجمهما؛ لأنهما قد أحصن، قال الراوي في الحديث: "فرأيت الرجل يجني على المرأة يقيها بنفسه من الحجارة" فهو عند الموت يكون دونها حتى تكون الحجارة وقاية لها نسأل الله السلامة والعافية.
فهذا من تحريف، يحرفون الكلم عن مواضعه؛ حرفوا كتب الله لفظًا ومعنى، فالواجب على المسلم أن يحذر صفات الكفرة، والقرآن كتاب الله محفوظ، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9]؛ لا يستطيع أحد أن يحرف لفظه، ولا يستطيع أحد أن يزيد منه، أو ينقص منه، فهو محفوظ بحفظ الله، ولكن قد يحرف بعض الناس المعنى كما حرف بعض المبتدعة وأهل التعطيل الاستواء، وقالوا معناه الاستيلاء، وحرفوا بعض الجهمية كلام الله، قال: و(كلم اللهَ موسى تكليمًا)بالشكل، حتى يكون موسى هو المتكلم، والله هو المكلم حتى ينفى الكلام عن الله، قال: (وكلم اللهَ موسى تكليمًا)، فقال له بعض العلماء: هب يا عدو الله أنك تحرف هذه الكلمة بالشكل، فكيف تقول: في قوله: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف:143]؟ فبهت الجهمي.
القارئ:
المسألة الثامنة والخمسون: تلقيب أهل الهدى بالصباة والحشوية.
شرح الشيخ:
المسألة السابعة والخمسون من مسائل الجاهلية: تلقيب أهل الحق بألقاب سيئة، ونبذهم فيها تشويهًا لسمعتهم، وخسًّا لكرامتهم، وتنفيرًا الناس عنهم؛ هذه من صفات الكفرة، فوافقوا فيها أهل البدع، أهل البدع من الجهمية والمعتزلة الذين ينكرون، ينفون أسماء الله وصفاته، ينبذون أهل السنة بألقابهم، فمن أثبت الأسماء والصفات لله يسمونه مشبه مجسم حسويًّا، النبات؛ الشيء الذي ينبت في الزرع، وهو خارجًا عنه، وهو نُبات، أو نبات حشويًّا؛ شيء حشو لا قيمة له.
الصباة؛ هذا له وجه، وكذلك أيضًا ينبذون من النبات الصباة والحشوية، الصباة ؛ أي خارج، وهو الخارج من دين إلى دين، فكانت قريش تسمي من أسلم صابة حتى أنهم سموا النبي صابة، قالوا: ماذا يقول هذا الصابة، الذي خرج عن دينهم يسمونه صابة، والمبتدعة يسمونه حشوي، يسمونه مجسم مشبه؛ كل هذا من صفات الكفرة، فالواجب على المسلم أن يقبل الحق، وأن يواري أهل الحق، وليحذر تلقيب أولياء الله بألقاب سيئة تنفر الناس عن الحق، فالكفار يسمون أهل الحق بالصباة؛ يعني الخارج عن الدين الذي هم عليه، فقريش تسمي من أسلم صابة، والمبتدعة من الجهمية والمعتزلة يسمون أهل السنة حشوية، حشو لا قيمة له، وأحيانًا يطلقون عليه النبات؛ يعني الشيء الذي ينبت في الزرع، ليس منه يفسده، فهم نبات؛ وهو الشيء الذي ينبت في الزرع يضره ويهلكه وهو ليس منه، وكذلك يزعمون أن أهل السنة ضرر على الناس، فالواجب على المسلم قبول الحق، ومولاة أهل الحق، والحذر من التنفير عن الحق، وتلقيب أهل الحق بألقاب سيئة.
القارئ:
المسألة التاسعة والخمسون: افتراء الكذب على الله.
شرح الشيخ:
المسألةالتاسعة والخمسون: افتراء الكذب على الله؛ هذه من صفات الكفرة، وافتراء الكذب على الله كفر وضلال، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}[العنكبوت:68]، فمن كذب على الله فقد كفر، أو كذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متعمدًا فقد كفر، قال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ}[الأنعام:93].
فافتراء الكذب على الله من صفات الكفرة، ومن أعمالهم الكفرية، وهو كفر وضلال، فالواجب على المسلم الحذر من القول على الله بلا علم حتى لا يكون ممن افترى على الله الكذب، فلا يقول على الله في شرعه وفي دينه، فلا يقول: هذا حلال، وهذا حرام إلا عن بصيرة، إلا بالدليل حتى لا يكون ممن افترى على الله الكذب، فلا يقول: هذا حلال، أو هذا حرام، أو هذا حق، أو هذا باطل، أو هذا الصواب، أو هذا خطأ إلا بدليل، قال الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النحل:116، 117]
القارئ:
المسألة الستون: كونهم إذا غلبوا بالحجة فزعوا إلى الشكوى للملوك، كما قال:{ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ}[الأعراف:127].
شرح الشيخ:
المسألة الستون: كونهم إذا غلبوا بالحجة فزعوا إلى السلاطين والملوك؛ هذه من صفات الكفرة، إذا غلبهم أهل الحق بالحق، وبيَّنوا لهم الحق وجحدوا باطلهم ما يقابلون الحجة بالحجة، وإنما يقابلون بالشكوى إلى السلاطين والأمراء حتى يعاقبوا أهل الحق؛ هذه من صفات الكفرة قديمًا وحديثًا، ومن صفات أعداء الله ومن صفات أهل البدع؛ أنهم إذا غلبهم أهل الحق بالحجة والبيان لجؤوا إلى السلطان وشكوه، وطلبوا حدهم وبردهم، وسجنهم وقتلهم؛ وهذا داء قديم.
فالكفرة أتباع فرعون في زمن موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لجؤوا إلى شكوى موسى ومن معه إلى فرعون، وطلبوا من فرعون أن يعاقبهم،{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}[الأعراف:127]، هكذا، سموا ما جاء به موسى من الإصلاح والدعوة إلى الله سموه إفسادًا في الأرض، وسموا ما عليه فرعون والكفرة إصلاحًا؛ هذا انتكاس نسأل الله العافية، قالوا: موسى يفسد في الأرض، شكوه إلى فرعون، قالوا: كيف تترك موسى ومن معه يفسدون في الأرض {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}[الأعراف:127]، استدل به العلماء على أن فرعون له آله يعبدونها من دون الله، فرعون مشرك له آله، ويذرك وآلهتك، كيف تترك موسى وقومه يفسد في الأرض، ويتركك، ويترك آلهتك التي تعبدها قال: ردًّا عليهم قال الله عنهم: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}[الأعراف:127]؛ وعدهم فرعون أنه سيقتل الأبناء، ويبقي الإناث.
والواجب على الإنسان إذا كان بينه وبينهم مناظرة أن يقارع الحجة بالحجة لا أن يلجأ إلى القوة، هات حجتك اعرض حجتك أنا أعطيتك الحجة والدليل، أعطي الحجة والدليل، أما أن تذهب تلجأ إلى الشكوى؛ هذا ظلم وضلال، كذلك أهل البدع، أهل البدع يتصفون بهذه الصفات إذا غلبهم أهل السنة والجماعة بالحجة لجؤوا إلى السلطان كما فعل أحمد بن أبي دؤاد؛ شيخ المعتزلة ورئيس القضاة في زمن الخليفة المأمون، لما غلبه الإمام أحمد وأهل السنة في الحق، وبيَّنوا معتقد أهل السنة والجماعة، وهو ما دلَّ عليه القرآن والسنة من أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، والمعتزلة يقولون: أنه مخلوق، شكوا الإمام أحمد إلى المأمون، وطلبوا منه برده وسجنه، سجن الإمام أحمد مدة وظلم وسكت.
هذا من خصال أعداء الله، والواجب على الإنسان أن يدلي بالحجة، الحجة، تجادله بالحجة، فإن كان الحق معه الواجب قبول الحق سواء كان معي، أو معك، أما أن تلجأ إلى العقوبة هذا من صفات الكفرة.
القارئ:
المسألة الحادية والستون: رميهم إياهم بالفساد في الأرض، كما في الآية.
شرح الشيخ:
المسألة الحادية والستون: رميهم إياهم بالفساد في الأرض؛ من صفات الكفرة أنهم إذا غلبهم أهل الحق بالحجة والبيان رموهم بأنهم مفسدون في الأرض كما أخبر الله عن أتباع فرعون أنهم قالوا عن موسى ومن معه: أنهم مفسدون في الأرض {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}[الأعراف:127]، وهكذا أهل الباطل في كل زمان ومكان يصفون أهل الحق بأنهم يفسدون في الأرض، وأنهم يفرقون، وأنهم يريدون أن يبعثوا القلاقل والفتن في المجتمع، وأنهم وجدوا ليفرقوا الناس؛ هذه خصلة من صفات الكفرة، والواجب على الإنسان أن يحذر من الاتصاف بهذه الصفات الخبيثة، وأن يقبل الحق، وأن ينصر الحق وأهله حتى يكون من أولياء الله وحزبه.
القارئ:
المسألة الثانية والستون: رميهم إياهم بانتقاص دين الملك كما قال تعالى: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}[الأعراف:127]، وكما قال تعالى: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}[غافر:26] الآية.
شرح الشيخ:
(المسألة الثانية والستون: رميهم إياهم بانتقاص دين الملك)؛ فأهل الباطل إذا غلبهم أهل الحق بالحجة والبيان قالوا: هؤلاء يريدون أن يزعزعوا الملك، ويريدون أن يصلوا إلى الحكم، ويريدون أن يتلقوا صوت الملك حتى يوغروا صدر السلطان عليهم، وحتى يعيذوا إليه بسجنهم وضربهم وقتلهم، قالوا: هؤلاء يريدون الحكم، يريدون الوصول إلى الحكم، إذا رأى واحد يدعو إلى الله، وينهى عن المنكر وينهى عن الباطل، قالوا: هذا يريد أن يصل إلى الحكم، يريد أن يفرق الناس، يريد أن يجعل الناس أحزاب، يريد أن يبعث القلاقل والفتن في المجتمع كما أخبر الله عن آل فرعون أنهم قالوا: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}[الأعراف:127]، وكما أخبر الله عن فرعون أنه وصف موسى بأنه يبدل الدين {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26]، هكذا يقول فرعون يخاف أن موسى يبدل الدين ويفسد في الأرض، انتكس انتكاس للحقائق، موسى المصلح يسميه فرعون مفسد، نسأل الله السلامة والعافية، فالواجب على المسلم الحذر من صفات أعداء الله، والواجب عليه قبول الحق، وعدم السعي في وصف الحق بما ينافيه، أو يناقضة، والواجب نصرة أهل الحق والتعاون معهم على الخير، والحذر من إيذائهم؛ بأي وسيلة من الوسائل.
القارئ:
المسالة الثالثة والستون: رميهم إياهم بانتقاص آلهة الملك، كما في الآية.
شرح الشيخ:
الثالثة والستون: رميهم إياهم بانتقاص دين الملك، من خصال الكفرة أنهم إذا غلبهم أهل الحق بالحجة والبيان رموهم بانتقاص دين الملك، قالوا: هذا يتنقص دينك، يتنقص ما أنت عليه كما أخبر الله عن أهل فرعون أنهم قالوا لفرعون: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}[الأعراف:127]، قالوا: موسى مفسد في الأرض كيف تتركه وهو ينتقص دينك فيتركك وآلهتك؛ وهذا فيه التحذير من هذه الخصال، والاتصاف بصفات الكفرة.
القارئ:
المسألة الرابعة والستون: رميهم إياهم بتبديل الدين؛ كما قال: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26].
شرح الشيخ:
المسألة الرابعة والستون: رميهم إياهم بتبديل الدين؛ كما في الآية: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26]، فمن خصال الكفرة أنهم يرمون المصلحين بأنهم يريدون أن يبدلوا الدين، وأن الدين هم ما عليه، ومن أراد الإصلاح رموه بتبديل الدين، كما قال الله عن فرعون إنه قال: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26]؛ وهذا فيه التحذير من هذه الخصال حتى لا يشابه المسلم الكفرة.
القارئ:
المسألة الخامسة والستون:رميهم إياهم بانتقاص الملك، كقولهم:{وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}[الأعراف:127]
شرح الشيخ:
الخامسة والستون: رميهم إياهم بانتقاص الملك كقوله: ويذرك أنت وآلهتك.
الأولى: رميهم بانتقاص دينه؛ التي قبلها، وهذه رميهم بانتقاص الملك نفسه، قول: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}؛ هذا انتقاص له، {وَآلِهَتَكَ}؛ انتقاص لآلهتك؛ هذه من خصال الكفرة سواء رموه بانتقاص الآلهة، أو بانتقاص الملك نفسه، أو رميهم إياهم بأنهم يريدون الفساد في الأرض كل هذا من خصال الكفرة، فالواجب الحذر منها.
القارئ:
المسألة السادسة والستون: دعواهم العمل بما عندهم من الحق، كقوله: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} [البقرة: 91] مع تركهم إياه.
شرح الشيخ:
السادسة والستون: دعواهم العمل بما هم عليه مع تركهم ذلك، فهم يدعون أنهم يعملون بما أنزل عليهم من الكتب، اليهود يزعمون أنهم يعملون بالتوراة، والنصارى يزعمون أنهم يعملون بالإنجيل، وهم كذبة، فإذا دعوا إلى الإيمان بالله، وبرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالكتاب المنزل، قالوا: لا؛ نؤمن بما أنزل علينا يكفينا ما عندنا، نؤمن بما أنزل علينا من التوراة، وهم كذبة، والإنجيل، قالوا: نؤمن بما أنزل علينا، فأخبر الله عنهم بقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[البقرة:91]؛ فهذا من خصال الكفرة زعمهم أنهم مؤمنون بما أنزل عليهم وهم كذبة كفرة.
فالواجب على المسلم الحذر من هذه الصفات، والواجب على المسلم قبول الحق، وعدم رده بأي نوع من أنواع الرد.
القارئ:
المسألة السابعة والستون: الزيادة في العبادة، كفعلهم يوم عاشوراء.
شرح الشيخ:
(المسألة السابعة والستون: الزيادة في العبادة، كفعلهم يوم عاشوراء)، فالزيادة في العبادة من خصال الكفرة العبادة هي التي شرعها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، من صفاتها وكيفياتها، فمن زاد في العبادة، أو نقص؛ فقد كفر، فالعبادة لا يزاد فيها، كفعلهم في يوم عاشوراء لما يزيدون من العبادات التي يشرعونها من عند أنفسهم.
هل هناك تعليق عليها؟
الطالب: نعم، يوجد، قال: "يشير المؤلف رحمه الله تعالى بهاتين المسألتين إلى نوعين من أنواع البدع التي وقع فيها أهل الجاهلية، وهذان النوعان هما:
البدعة الفعلية؛ التي منها التعبد بما لم يشرعه الله، أو الزيادة على ما شرع.
والبدعة التركية؛ التي منها التعبد بترك ما شرعه الله؛ وهذا النوعان كان لأهل الجاهلية القِدح المعلى فيهما؛ حيث كانوا يبتدعون في دين الله ما لم يأذن به الله، وينتقصون منه ما وجب عليهم العمل به، وقد ذكر المؤلف رحمه الله تعالى مثالًا على الزيادة في العبادة بقوله: كفعلهم يوم عاشوراء، ولعل مراده بهذا اتخاذ اليهود ذلك اليوم عيدًا، وهو لم يشرع لهم اتخاذه كما جاء في الحديث أن أهل خيبر كانوا يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدًا، ويلبسون نساءهم فيه حليهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فصوموه أنتم»، فالزيادة في العبادة هو باتخاذهم إياه عيدًا لا في صيامه؛ لأنهم في صيامه متبعون لشريعة موسى، وأما ما جاء من صيام قريش يوم عاشوراء فلعه من بقايا شرع سابق؛ لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قامه وصامه معهم.
الشيخ: وهذا واضح، الزيادة في العبادة من خصال أهل الجاهلية، والواجب على المسلم أن يتعبد لله بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يزيد في العبادة ولا ينقص منها؛ لأن لا يشابه الكفرة، فما يزيدونه في عاشوراء من فرح، والألبسة، ما يلبسونه من الألبسة الخاصة؛ كل هذا من الزيادة، أما الصيام فهو مشروع؛ لأنه ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة وجد اليهود يصمون اليوم العاشر، فسألهم، فقالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله، فنحن نصومه، فقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «نحن أحق بموسى منهم، فصامه وأمر بالصيام»، ثبت أن يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه معهم، وقريش كانت تقتدي باليهود وتأخذ منهم؛ لأن اليهود أهل كتاب، فهم يسألونهم، ويعملون ويوافقونهم في بعض الأعمال، ومن ذلك: صيام يوم عاشوراء في الجاهلية.
فالمقصود: أن الزيادة في العبادة محرمة، كما أن النقص فيها محرم، فلا يجوز للإنسان أن يزيد في العبادة شيئًا لم يشرعه الله، ولا ينقص منها؛ لأن لا يشابه الكفرة، ولأن لا يتعبد لله بما لم يشرعه.
القارئ:
المسألة الثامنة والستون:نقصهم منها، كتركهم الوقوف بعرفات.
شرح الشيخ:
(الثامنة والستون: نقصهم من العبادة؛ كتركهم الوقوف بعرفات)، فأهل الجاهلية كانوا يحجون وهم على كفرهم وشركهم؛ لأنهم ورثوا الحج عن إبراهيم؛ دين إبراهيم عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، لكن ابتدعوا في أركان الحج ونقصوا، ومن ذلك أن قريش كانت تحج إلا أنها تنقص من الحج، فلا تقف في عرفة، وإنما تقف في مزدلفة، وتقول: نحن أهل الحرم، فلا نتجاوز الحرم، والحجاج من غير أهل مكة يقفون بعرفة، وحجاج مكة يقفون بمزدلفة؛ لأنها حدود الحرم، ويقولون: نحن أهل الحرم فلا نتجاوز الحرم؛ فهذا من نقصهم في العبادة.
المسألة الأولى: الزيادة في العبادة؛ وهذا نقص في العبادة، ويسمون أنفسهم أهل الحمص، الحمص: يعني التشدد في العبادة، ولما رأوا النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ تجاوز ذلك قبل الهجرة، وقف مع الناس بعرفة، قالوا: ما له أحمصي، من الحمص، ويتجاوز الحرم؛ فهذا من كفرهم وضلالهم، هذا من ضلالهم كونهم يتركون الوقوف بعرفة، ويقفون بمزدلفة، وينقصون من دين الله، من دين إبراهيم الذي شرعه الله.
القارئ:
المسألة التاسعة والستون: تركهم الواجب ورعًا.
شرح الشيخ:
التاسعة والستون: تركهم الواجب ورعًا؛ هذا من خصال الجاهلية يتركون الواجب ويزعمون أن هذا ورع، وتورع؛ هذا من خصال أهل الجاهلية، يتركون الوقوف بعرفة، يزعمون أن هذا من الحمص من الورع، وأنهم أهل الحرم فلا يتجاوزون الحرم، ومن ذلك أن ما ابتدعه أهل الجاهلية من عدم ستر العورة، مع أن ستر العورة واجب، فكان الحجاج إذا حجوا من خارج مكة يخلعون ثيابهم التي عليهم ولا يطوفون بها، يزعمون أنهم عصوا الله فيها فلا يطوفون بها، فيطلبون ثيابًا من مكة، ويسألون أهل مكة أن يعطونهم ثياب يطوفون بها، فإن وجدوا ثياب حد من أهل مكة طافوا بها، وإن لم يجدوا طافوا عراة، يطوف عريانًا حتى إن المرأة في الجاهلية إذا لم تجد ثوبًا خلعت ثوبها وطافت عريانة، وتضع يدها على فرجها، وتطوف بالبيت وتقول:
اليوم يبدو كله أو بعضه |
|
وما بدا منه فلا أحله |
يعني فرجها، موضع العورة، هكذا تلاعب بهم الشيطان، تركت ما أوجب الله عليها من ستر؛ ستر العورة وطافت عارية تقرب بذلك إلى الله، وتقول: إنها لا تحل فرجها لأحد وهي تكشفه للناس نسأل الله السلامة والعافية، فالواجب الحذر من صفات أهل الجاهلية، ومن ترك الواجب الذي أوجب الله به العبادة.
القارئ:
المسألة السبعون:تعبدهم بترك الطيبات من الرزق.
شرح الشيخ:
(المسألة السبعون:تعبدهم بترك الطيبات من الرزق)؛ يعني ما أحل الله لهم من الرزق يتركونه تعبدًا بزعمهم، كأن يحرم على نفسه نوعًا من الطعام، أو نوعًا من الثياب؛ فهذا من خصال أهل الجاهلية فردَّ الله عليهم بقوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الأعراف:32].
القارئ:
المسألة الحادية والسبعون: تعبدهم بترك زينة الله.
شرح الشيخ:
(المسألة الحادية والسبعون: تعبدهم بترك زينة الله) التي أباحها لهم من اللباس الطيب، من اللباس الذي يستر يواري به الإنسان عورته؛ كما سبق أن الحجاج الذين يحجون في الجاهلية من غير أهل مكة يتركون الزينة التي أباحها الله لهم، ويطوفون عراة، إن الثياب زينة، قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف:31]؛ يعني اللباس، وقال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}[الأعراف:27]، قال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف:26]، فاللباس زينة أي الإنسان لباس، {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف:31]؛ يعني ثيابكم، فالثياب زينة ولو لم يكن جميلًا، هؤلاء يتعبدون بترك الزينة أهل الجاهلية؛ وهذا فيه التحذير للمسلم أن يشابه الكفرة أعداء لله بترك الزينة التي شرعها الله.
القارئ:
المسألة الثانية والسبعون: دعواهم الناس إلى الضلال بغير علم.
شرح الشيخ:
(المسألة الثانية والسبعون: دعواهم الناس إلى الضلال بغير علم)؛ هذه من صفات الجاهلية، الدعوة إلى الباطل من غير علم؛ وهذا فيه التحذير من مشابهة الكفار، والواجب على الإنسان أن يدعو إلى الحق بعلمه وبصيرته، أما يدعوا إلى الضلال بغير حق كالذي يدعو من بعض الكفرة يدعو إلى عبادة القبور بغير علم، يدعو إلى الذبح لغير الله، النذر إلى غير الله، يدعو إلى دعاء الميت، وسؤال المدد وتفريج الكروبات، وكذلك أهل البدع يدعوا إلى البدعة، وكذلك الفسقة يدعون إلى المنكرات والضلال، يدعو إلى التعامل بالربا، ويدعو إلى الزنا يسهل فعل الفاحشة في الناس، كل هذا من صفات أهل الجاهلية، الدعوة إلى الضلال بغير علم، والواجب على المسلم أن يقبل الحق، وأن يدعو إلى الحق بعلم وبصيرة حتى لا يشابه أعداء الله.
القارئ:
المسألة الثالثة والسبعون: دعواهم محبة الله مع تركهم شرعه، فطالبهم الله سبحانه بقوله:{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ}[آل عمران:31]
شرح الشيخ:
المسألة الثالثة والسبعون: دعواهم محبة الله مع تركهم شرعه، فطالبهم الله بالدليل، فمن خصال الكفرة: أنهم يدعون محبة الله مع أنهم يتركون شرع الله، ولا يعملون بدين الله، ولا يتبعون رسوله، فطالبهم الله بالدليل، فأزل قوله سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران:31]؛ فهذه الآية تسمى آية المحنة، امتحان، امتحنهم الله، ادعوا محبة الله فامتحنهم الله بهذه الآية، من ادعى محبة الله فلا بد له من دليل، والدليل هو اتباع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن اتبع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو صادق في دعواه محبة الله، ومن خالف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو كاذب في دعواه محبة الله،{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ}[آل عمران:31]؛ يعني إن كنتم صادقين فيما تدعون له، فاتبعوني، الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اتبعوني، فاتباع الرسول بما جاء به من الشرع، طاعة أوامره واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره، والتعبد لله بما شرعه؛ هذا هو الدليل على صحة المحبة، فإن لم يكن كذلك فتكون المحبة كاذبة.
ومن ذلك: دعوى اليهود أنهم أبناء الله وأحباءه من بين الشعوب، ومن بين سائر الناس، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة:18]، ردَّ الله عليهم بقوله: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}[المائدة:18].
القارئ:
المسألة الرابعة والسبعون: دعواهم إياهم إلى الكفر مع العلم.
شرح الشيخ:
(المسألة الرابعة والسبعون: دعواهم إياهم إلى الكفر مع العلم)، هذه من خصال الكفرة أنهم يدعون الناس إلى الكفر مع علمهم أنهم على الباطل؛ وهذا دليل على عنادهم وعتوهم وتوغلهم في الكفر، كيف يدعون إلى الضلال وإلى الكفر مع علمهم بأنهم على باطل وعلى ضلال، فالواجب على المسلم الحذر من هذه الصفات، فلا يدعو إلى الباطل، لا إلى البدع، ولا إلى المعاصي مع علمهم بذلك حتى لا يشابه الكفرة وأعداء الله.
القارئ:
المسألة الخامسة والسبعون:المكر الكبار، كفعل قوم نوح.
شرح الشيخ:
(المسألة الخامسة والسبعون:المكر الكبار، كفعل قوم نوح)، قال الله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:22، 23]، المكر: أعمال الحيل في الاستمرار على الباطل، ومن ذلك أنه يوفي بعضهم بعضًا في لزوم عبادة الأصنام والاستمرار عليها ، (ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر)؛ هذا أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما ماتوا صوروا صورهم ليتذكروا عبادتهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، فصارت أصنام وأوثان، صنم ود، وصنم سواع؛ هذه أسماء الرجال، ويغوث ويعوق، فعبدوهم من دون الله، فلما نهاهم نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يقبلوا ومكروا، ومن مكرهم: أنه يوفي بعضهم بعضًا بلزوم هذه الأصنام والاستمرار عليها، {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23]؛ لا تتركوا هذه الأصنام، بل الزموها واستمروا على عبادتها، تكلم عن (60:50)؟
الطالب: قال: "مضى الكلام واستوطن على هذه المسألة ضمن الكلام على مسألة إعمال الخير الظاهرة والباطنة بدفع ما جاءت به الرسل، والفرق بين هاتين المسألتين أن تلك أعم من هذه، فكل مكر حيلة، وليس كل حيلة مكرًا كما سبق بيان ذلك.
القارئ:
المسألة السادسة والسبعون:أن أئمتهم: إما عالم فاجر، وإما عابد جاهل، كما في قوله: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ }[البقرة:75]، إلى قوله: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}[البقرة:78]
شرح الشيخ:
السادسة والسبعون:أن أئمة الكفرة: إما عالم فاجر، أو عابد جاهل، كقوله سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}[التوبة:31]، فالكفرة لا يأتمونبعلماء ربانيين، وبعباد صالحين، بل يأتمون بعلماء فسقة فجرة انحرفوا عن الحق وضلوا، أو بعباد جهال؛ يتعبدون على جهل وضلال؛ ولهذا قال الله سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}[التوبة:31]، والأحبار: هم العلماء، والرهبان: هم العباد، وكذلك قوله: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:75]؛ هؤلاء يحرفون الكلم من بعد ما عقلوه؛ وهذا يدل على فجورهم وفسقهم، علماء ضلال يحرفون الكلم من بعد ما عقلوه وعرفوه، فيقتضي بهم هؤلاء الجهال والضلال من أتباعهم من الكفرة.
فالواجب على المسلم أن يقتضي بالعلماء الربانيين، العالمين الذي منَّ الله عليهم بالعلم والعمل يقتضي بهم، ويأخذ بأقوالهم، حتى يرشده إلى الدليل وإلى الحق، وليحذر الأخذ عن العالم الفاسد، والعابد الجاهل.
القارئ:
المسألة السابعة والسبعون: تمنيهم الأماني الكاذبة، كقوله لهم:{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}[البقرة:80]، وقولهم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}[البقرة:111]
شرح الشيخ:
(السابعة والسبعون: تمنيهم الأماني الكاذبة)؛ يعني يتمنون على الله الأماني مع كفرهم وضلالهم، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}[البقرة:80]؛ وهي الأيام التي عبدوا فيها العجل، وثبت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء عند بعض اليهود فسألهم: فقال: «من أهل النار؟»، فقالوا: ندخل النار أيام بقدر عبادتنا للعجل، ثم نخرج منها وتخلفونا بعدنا أنتم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كذبتم والله لا نخلفكم».
فهذا من تمنيهم الكاذبة، يقولون: تمسنا النار عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل، يعني عبدوا العجل من دون الله، فردَّ الله عليهم بقوله: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:80]، ماذا تقولون، هل عندكم عهد من الله؟ أعطاكم العهد أنكم لن تدخلوا النار إلا هذه المدة، أم أنكم كذبة؟ واحد من الأمرين، والواقع انهم كذبه، ومن تمنيهم أنهم قالوا: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}[البقرة:111]، قال اليهود: لا يدخل الجنة إلا اليهود، وقال النصارى: لا يدخل الجنة إلا النصارى، قال الله: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}[البقرة:111]؛ هاتوا الدليل، من أين لكم هذا إن كنتم صادقين؟
فالواجب على المسلم أن يحذر من تمني الأماني الكاذبة، وأن يجد ويشمر في طاعة الله وعبادته مع خوفه ورجاءه والحذر من مشابهة الكفرة في تمني الأماني الباطلة، فالواجب على المسلم العمل مع الخوف والرجاء.
القارئ:
المسألة الثامنة والسبعون: اتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد.
شرح الشيخ:
(المسألة الثامنة والسبعون: اتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد)؛ هذه من خصال الكفرة أنهم يتخذون قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلون عندها ويدعون عندها، ويعكفون عندها، ويقرأون عندها؛ وهذا من وسائل الشرك، وقد حذر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبلغ التحذير من اتخاذ القبور مساجد، وبيَّن أن من فعل ذلك هو من شرار الناس، لأنه وسيلة قريبة إلى الشرك؛ لأن الشيطان يسلط الإنسان يدعوه أولًا أن يصلي عند المقبرة، ويقرأ القرآن ويدعو الله، ويقول: هذا مكان قبر فيه صالح، فاقرأ القرآن هنا وادعو، ثم بعد مدة يدعوه إلى أن يدعو الميت نفسه من دون الله فيقع في الشرك؛ ولهذا حذر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد التحذير، وهو في سياق الموت، وقبل أن يموت بأيام قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك».
أولًا: لعن اليهود على هذا الفعل، ثم قال: «لا تتخذوا»؛ نهي، ثم قال: «فإني أنهاكم»، لعنهم تحذيرًا أن يفعل مثل فعلهم، ثم نهى فقال: «لا تتخذوا»، ثم جاء النهي بلفظ الفعل: «فإني أنهاكم عن ذلك»، وقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد»، شرار الناس صنفان:
الصنف الأول: من تقوم عليهم الساعة وهم الكفرة.
والصنف الثاني: الذين يتخذون القبور مساجد؛ بمعنى: يصلون عندها، ويدعون عندها، ويقرأون عندها؛ لأنها توصلهم إلى الشرك؛ وسيلة إلى الشرك.
القارئ:
المسألة التاسعة السبعون:اتخاذ آثار أنبيائهم مساجد، كما ذكر عن عمر.
شرح الشيخ:
(المسألة التاسعة السبعون:اتخاذ آثار أنبيائهم مساجد، كما ذكر عن عمر) هل تكلم عليه الشارح؟ ماذا قال؟
الطالب: كما ذكر عن عمر
الشيخ: لا، الكلام على قوله كما فعل عمر.
الطالب: (68:49)
الشيخ: المقصود أن هذه المسألة اتباع آثار الأنبياء، تتبع آثار الأنبياء هذا ليس بمشروط.
الطالب: قال: "ومن الأدلة على اتخاذ الآثار مساجد: ما أشار إليه المؤلف رحمه الله تعالى بقول: (كما ذكر عن عمر)، فإن النهي عن ذلك، ونص القصة: أن المعروف بن سويد قال: "خرجنا مع عمر في حجة فقرأ بنا في الفجر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[الفيل:1]، و{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ}[قريش:1]، فما قضى حجه ورجع، والناس يبتدرون، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعًا، من عرضت له منكم الصلاة فليصل، ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصلي فيه".
الشيخ: المقصود: أن اتباع آثار الأنبياء من خصال الجاهلية؛ يعني المكان الذي ينزل فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، والمكان الذي يصلي فيه لا يشرع للإنسان أن يتتبعه؛ لأن هذا من خصال الجاهلية يتتبعون آثار أنبيائهم فهلكوا، وقد كان ابن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُ يجتهد فيتتبع آثار النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ المكان الذي ينزل فيه النبي ينزل فيه، والمكان الذي يبول فيه يبول فيه؛ وهذا من اجتهاده رَضِي اللهُ عَنْهُ، والصواب: أنه لا يشرع تتبع آثار النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ؛ ولهذا نهى عنه عمر وهو أفضل منه، كبار الصحابة لا يفعلون شيئًا من ذلك، وإن هذا اجتهاد من ابن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُ، آثار الأنبياء لا تتبع، المكان الذي نام فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، والمكان الذي أكل فيه، أو شرب فيه، أو بال فيه، أو صلى فيه لا يشرع إلا ما شرعه النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ كالصلاة في المسجد الحرام، والصلاة في المسجد النبوي؛ هذا مشروع، أما تتبع آثار النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ في البراري والصحاري؛ هذا لا أصل له، وهو من خصال أهل الجاهلية الذين يتتبعون آثار أنبيائهم.
القارئ:
المسألة الثمانون:اتخاذ السرج على القبور.
شرح الشيخ:
(المسألة الثمانون:اتخاذ السرج على القبور، المعنى: إضاءة القبور، إضاءتها بالسرج والكهرباء؛ فإن هذا من وسائل الشرك، وكذلك اتخاذ القباب عليها، أو وضع الزهور الرياحين، أو صب الطيب عليها؛ كل هذا من وسائل الشرك؛ لأنها إذا أضيئت بالكهرباء، وجعلت سرج، ولمبات على نفس القبر، وأضيئت صار هذا دعوى في تعظيم لها، ودعوة إلى الشرك، ودعوة إلى المكث عندها، والعكوف، والجلوس عندها فيكون ذلك وسيلة إلى عبادتها من دون الله، فالواجب على المسلمين أن يحذروا أسباب الشرك والبدع، فلا يرفع القبر أكثر من شبر، ولا يوضع عليه قبة، ولا يوضع عليه أنوار خاصة، ولا زهور ولا رياحين ولا أطياب؛ كل هذا من البدع، ومن وسائل الشرك، ولا يكتب أيضًا عليه، ولا يكتب اسم الميت؛ كل هذا من وسائل الشرك كما جاء في الحديث: «أن النبي نهى أن يبنى على القبر، ونهى أن يجصص القبر، ونهى أن يكتب على القبر»، لكن تجعل علامة غير الكتابة، إذا أردت أن تعرف ميتك تجعل علامة حجر، أو عظم، أو ما شابه ذلك.
القارئ:
المسألة الحادية والثمانون: اتخاذها أعيادًا.
شرح الشيخ:
(المسألة الحادية والثمانون: اتخاذها أعيادًا)؛ اتخاذ القبور أعياد، بمعنى: أنه يكرر الزيارة في وقت محدد يجعله عيد، كالعيد الذي يتكرر كل أسبوع، أو في السنة، يجعله عيد يوم معين يزور فيه قبره، ويكرر، فيجعله عيد، ويمكث عنده؛ هذا من وسائل الشرك، ومن البدع، ومن خصال الكفرة.
القارئ:
المسألة الثانية والثمانون: الذبح عند القبور.
شرح الشيخ:
(المسألة الثانية والثمانون: الذبح عند القبور) الذبح عند القبور من وسائل الشرك؛ لأن الشيطان يتدرج بالإنسان فيذبح أولًا لله عند القبر، ثم يدعوه إلى أن يذبح لصاحب القبر، فيقع في الشرك، والواجب على الإنسان إذا أراد أن يذبح يذبح بعيداً عن القبور، وإذا أراد أن يصلي، يصلي بعيد عن المقبرة، لا يصلي في المقبرة، ولا يذبح في المقبرة عند القبر، ولا يقرأ القرآن عند القبر، ولا يدعو لنفسه عند القبر، يذهب إلى المسجد، أو إلى بيته، يذبح في بيته، ادعو الله في بيتك، أو في المسجد، اقرأ القرآن في بيتك، أو في المسجد، إما أن تقرأ القرآن عند القبر، أو تذبح عندالقبر؛ فهذا من وسائل الشرك، ولما نذر رجل أن يذبح عجلًا بوان؛ مكان يسمى بوان، شك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية؟ فقال: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال: لا، قال: فأوفي بنذرك؛ فإنه لا وفاء في نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم».
القارئ:
المسألة الثالثة والثمانون:التبرك بآثار المعظمين، كدار الندوة.
شرح الشيخ:
(المسألة الثالثة والثمانون: التبرك بآثار المعظمين، كدار الندوة)؛ هذا من وسائل الشرك، يتبرك بآثار المعظمين من الأنبياء والصلحاء، أو الكبراء، أو الأغنياء، أو الملوك، أو الرؤساء، يتبرك بآثارهم، آثارهم التي جلسوا فيها، والأمكنة التي يجلس فيها، يدعون هذا التبرك إلى التعظيم، وإلى الشرك، ثم أيضًا هذا التبرك في نفسه بدعة لا أصل له، وهو من خصال الكفرة الذين يتبركون بآثار أنبيائهم.
فالواجب على المسلم الحذر من التبرك بآثار العظماء والكبراء والرؤساء، والصالحين؛ لأن هذا من وسائل الشرك، ومن خصال الكفرة وأعداء الله.
القارئ:
المسألة الرابعة والثمانون:افتخار من كانت تحت يده بذلك، كما قيل لحكيم بن حزام: بعت مكرمة قريش؟
شرح الشيخ:
المسألة الرابعة والثمانون:افتخار من كانت تحت يده بذلك؛ كقوله: بعت مكرمة قريش؟
هل تكلم عليه؟
الطالب: قال: "يشير المؤلف بهاتين المسألتين إلى ما كان عليه أهل الجاهلية من الغلو في آثار معظميهم، فقد ذكر من مظاهر ذلك الغلو التبرك بها، والمراد بالتبرك بها: التيامن بها، وطلب حصول الخير بالقرب منها وملابستها".
الشيخ: الذي بعده.
الطالب: قال: "واستدل على افتخارهم بذلك بقول عبد الله بن الزبير بن حكيم بن حزام لما ابتاع منه معاوية رَضِي اللهُ عَنْهُ دار الندوة بمائة ألف درهم، فقد سماها عبد الله بن الزبير رَضِي اللهُ عَنْهُ: مكرمة قريش مما يدل على عظم شأن من كانت تحت يده في الجاهلية، ولا يعني قول ابن الزبير هذا: أنه رَضِي اللهُ عَنْهُ يعدها مفخرة بعد مجيء الإسلام، فهو أجل من أن يحيي مآثر الجاهلية ويعظمها، وإنما لعله يعني ما كانت تعده قريش مكرمة، ومما يدل على تفرق أهل الجاهلية بآثار المعظمين: ما سبق من ذكر قصة عبادة ود وسواع ويغوث".
الشيخ: أعد المسألة.
الطالب: المسألة الرابعة والثمانون: افتخار من كانت تحت يده بذلك؛ كما قيل لحكيم: بعت مكرمة قريش؟
الشيخ: (المسألة الرابعة والثمانون: افتخار من كانت تحت يده بذلك)، المعنى: أن من تتبع آثار الأنبياء ، وما ورثه في الجاهلية يفتخر بهذا الشيء، فالافتخار بما عليه أهل الجاهلية، وما يزعمون أنه من آثار الأنبياء؛ كل هذا من خصال الجاهلية، فالواجب على المسلم أن لا يفتخر، الافتخار ممنوع حتى في غير ذلك، حتى لو افتخر بشيء مشروع فلا يجوز له أن يفتخر، الافتخار ممنوع، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما معنى الحديث: «إن الله نهى عن البغي، إن الله أمرني أن أتواضع حتى لا يسخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد»، فالافتخار من خصال الجاهلية، وإذا كان الافتخار بشيء من أمور الجاهلية كان الأمر أشد وأعظم، من ذلك الافتخار بالأحساب والأنساب.
وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح.