بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المتن:
قال رحمه الله تعالى: باب في الإيمان بطلوع الشمس من مغربها
قال محمد: وأهل السنة يؤمنون بطلوع الشمس من مغربها. وقال الله : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا[الأنعام/158].
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: ....
فهذا الباب الثاني والعشرين من أبواب هذا الكتاب "أصول السنة" لمحمد بن عبد الله بن أبي زمنين في الإيمان بطلوع الشمس من مغربها.
قال محمد وهو المؤلف: "قال محمد: وأهل السنة يؤمنون بطلوع الشمس من مغربها. وقال الله : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا[الأنعام/158]).
كما قال المؤلف رحمه الله: أهل السنة يؤمنون بطلوع الشمس من مغربها، وأنه شرط من أشراط الساعة، وعلامة من علاماتها الكبار.
وقد جاء في تفسير هذه الآية: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا[الأنعام/158].
جاء في تفسيرها أن هذا البعض هو طلوع الشمس من مغربها، وذلك أن طلوع الشمس من مغربها يغلق باب التوبة، إذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة، لا ينفع نفسا إيمانها، كما جاء في الحديث: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها.
فإذا طلعت الشمس من مغربها، كل يبقى على ما كان، ليس هناك إيمان جديد، المؤمن يبقى على إيمانه، والكافر يبقى على كفره.
وأشراط الساعة الكبار كما سبق عشر، وهي متتابعة، إذا خرج أولها تتابعت، وهي مشبهة بالعقد الذي إذا انقطع سلكه تتابعت، أولها المهدي، لم يذكره المؤلف، خروج المهدي وهو رجل من آل النبي ﷺ اسمه كاسمه، وكنيته ككنيته: محمد بن عبد الله المهدي، يبايع له في وقت ليس للناس فيه إمام بين الركن والمقام في الكعبة.
وتحصر الناس الفتن، فيجتمعون في الشام، وفي أيامه تكون حروب طاحنة بين النصارى والمسلمين، ومن آخرها فتح القسطنطينية، وبعد فتح القسطنطينية تخرج العلامة الثانية: يخرج الدجال، ثم يمكث في الأرض أربعين -كما سبق- أربعين يومًا، ثم ينزل في زمانه في وقت الدجال عيسى ابن مريم، وهي العلامة الثالثة، فيقتل الدجال، ثم يخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى وهي العلامة الرابعة.
هذه العلامات الأولى القديمة المتقدمة من أشراط الساعة الكبار متتالية مرتبة، ثم تتتابع أشراط الساعة، فمنها هدم الكعبة المشرفة، يهدمها رجل من الحبشة ينقضها حجرا حجرا، فيلقيها في البحر، ومنها نزع القرآن من الصدور من المصاحف وصدور الرجال، إذا ترك الناس العمل به.
ومنها الدخان الذي يملأ ما بين السماء والأرض، ومن آخرها طلوع الشمس من مغربها، ومنها الدابة التي تسم الناس في جباههم، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها مقترنتان، فأيتهما خرجت فالأخرى على أثرها قريبًا.
ثم العلامة العاشرة: النار التي تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا، جاء وقت النوم وقفت لينام الناس، فإذا انتهى النوم تسوقهم وتقيل معهم إذا قالوا، في وقت القيلولة تقف، وإذا انتهت القيلولة تسوقهم، ومن تخلف أكلته، هذه أشراط الساعة العشر، والمؤلف ذكر بعضها، ما ذكر المهدي، والمهدي جاءت في أحاديث بعضها ضعيف، وبعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها موضوع، لكن الأحاديث ثابتة.
المتن:
وحدثني أبي، عن علي، عن أبي داود، عن يحيى قال: حدثنا عثمان، عن نعيم بن عبد الله، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا كلهم، فذلك يومٌ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا[الأنعام/158].
الشرح:
فذلك يوم: قالها في نصف الآية يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا
هذا الحديث سنده ضعيف، فيه شيخ المصنف ووالده متكلم فيه، وفيه أيضًا علي المري متكلم فيه، وفيه يحيى بن سلام، وكذلك عثمان بن عبد الرحمن الجمحي، فالسند ضعيف، لكن الحديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري، ومسلم، أخرجه البخاري في صحيحه عن طريق إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة مرفوعا، وأخرجه مسلم في الصحيح من طرق عن إسماعيل بن أبي جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة .
فالحديث صحيح، والمتن صحيح، والسند ضعيف، والمؤلف رحمه الله أغلب الأحاديث التي جاء بها متونها صحيحة وأسانيدها ضعيفة، فلماذا اختار الأسانيد الضعيفة لهذه المتون الصحيحة؟ والحديث فيه إثبات طلوع الشمس من مغربها، وأن طلوع الشمس من مغربها من أشراط الساعة الكبار، وأنها إذا طلعت أغلق باب التوبة، والتوبة مستمرة إلى طلوع الشمس من مغربها، إذا طلعت كل يبقى على ما كان، ما فيه إيمان جديد، المؤمن يبقى على إيمانه، والكافر يبقى على كفره.
المتن:
يحيى قال: وحدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن باب التوبة مفتوح من قبل المغرب، أو إن بالمغرب باب التوبة مفتوح مسيرة خمسمائة عام، لا يزال مفتوحًا للتوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت أغلق.
الشرح:
نعم هذا الحديث موصول بالإسناد السابق، يحيي قال: حدثني أبي، عن علي، عن أبي داود، عن يحيي، فالحديث سنده ضعيف كسند الحديث السابق، فيه والد المصنف المؤلف، فيه علي المري، وفيه يحيى بن سلام، وفيه أيضًا عاصم بن بهدلة بن أبي النجود أحد القراء، هو جيد في القراء، لكنه ضعيف في الحديث.
ولكن الحديث لا بأس به، متنه حسن لا بأس به، الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند، والترمذي في الجامع، وابن ماجه وابن جرير في التفسير، وأبو داود والطيالسي، وجمع، وعبد الرازق في المصنف، والدارقطني في السنن الكبرى.
لكن هنا في الحديث باب التوبة مفتوح مسيرة خمسمائة عام، وأكثر الروايات على سبعين سنة، أو أربعين عامًا بدل خمسمائة، والحديث فيه دليل إثبات على طلوع الشمس من مغربها، وأنها حق، وأنها شرط من أشرط الساعة، وأن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها انتهى، فلا تقبل التوبة، هذا عام لجميع الناس.
وهناك أيضًا شرط خاص، وهو بالنسبة لكل شخص: تقبل توبة كل إنسان ما لم تصل الروح إلى الحلقوم، إذا وصلت الروح إلى الحلقوم انتهى الأمر، فلا تقبل التوبة، هذا بالنسبة لكل شخص، وأما العام الذي لكل أحد: فطلوع الشمس من مغربها، هذا عام.
المتن:
يحيى وحدثني المعلى، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: إن الشمس تطلع من حيث يطلع الفجر، فإذا أرادت تطلع تقاعست حين تغرب بالعمد، وتقول: يا رب، إني إذا طلعت عبدت دونك.
فتطلع على ولد آدم، فتجري حتى تأتي المغرب، فتسلم، فيرد عليها، وتسجد فينظر إليها، ثم تستأذن، ثم تستأذن لها فتجري إلى المشرق، والقمر كذلك، حتى يأتي عليها يوم تغرب فيه فتسلم، فلا يرد عليها، وتسجد فلا ينظر إليها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فتحبس حتى يأتي القمر، فيسلم فلا يرد عليه، ويسجد فلا ينظر إليه، ثم يستأذن فلا يؤذن له.
ثم يقال لهما: ارجعا من حيث جئتما، فيطلعان من المغرب كالبعيرين المقترنين، فلذلك قوله الله : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ[الأنعام/158]. . الآية.
الشرح:
هذا الحديث فيه العلل السابقة: والد المؤلف، وفيه علي المري، وفيه أيضًا يحيى بن سلام، وفيه أيضًا المعلى بن هلال الكوفي، هذا قال العلماء: إنه كذاب وضاع؛ ولهذا قال: إن هذا الحديث موضوع.
كان الأولى بالمؤلف أن ينزه كتابه عن مثل هذا الحديث الذي فيه الوضاع، فإنه موضوع معلى بن هلال، قال عنه الذهبي: كذاب وضاع بالاتفاق، والأحاديث الصحيحة في طلوع الشمس من مغربها كافية.
وهذا الحديث فيه نكارة، النكارة " أن الشمس تستأذن ثلاث مرات ثلاثة أيام"، وأنها تسلم أيضًا "الشمس تسلم"، وأنها "تخرج مع القمر"، وأنهما "يطلعان كالبعيرين المقترنين"، كل هذا جاء في الحديث الذي فيه هذا الوضاع.
لكن جاء في الأحاديث: أنها تستأذن في تلك الليلة فلا يؤذن لها، فيقال لها: اطلعي من حيث أتيتي.
أما هذا الحديث أن "تستأذن ثلاث مرات، وأنها تسلم أيضًا، وأنها تطلع مع القمر، يطلعان مقترنين كالبعيرين". هذا ما جاء في هذا الحديث الذي فيه هذا الكذاب الوضاع، والأحاديث الصحيحة فيها غنية عن مثل هذا الحديث، كان الأولى بالمؤلف رحمه الله ألا يذكر مثل هذا الحديث.
المتن:
يحيى قال: وحدثني إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الليلة التي تطلع في صبيحتها الشمس من مغربها طولها قدرة ثلاث ليال".
الشرح:
وهذا الحديث موصول بالإسناد السابق، قال: حدثنا أبي، عن علي، عن أبي داود، عن يحيى، قال: وحدثني إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس، والحديث سنده ضعيف، فيه العلل السابقة، وفيه أيضًا كذلك إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وفيه أيضًا صالح بن نبهان مولى التوأمة، فالحديث سنده ضعيف، وفيه: "أن الليلة التي تطلع في صبيحتها طولها قدر ثلاث ليال".
هذا جاء في هذا الحديث الضعيف، فلا يعتمد حتى يأتي بسند صحيح، وهذا السند ضعيف، فلا يثبت به ما دل عليه من أن الليلة طولها ثلاث ليال إلا بدليل صحيح.
المتن:
باب الإيمان بخروج الدجال
قال محمد: وأهل السنة يؤمنون بخروج الدجال، أعاذنا الله وإياك من فتنته.
الشرح:
وهذا الباب الثالث والعشرون: الإيمان بخروج الدجال.
قال محمد وهو المؤلف: "وأهل السنة يؤمنون بخروج الدجال أعاذنا الله وإياك من فتنته، آمين".
لا شك أن خروج الدجال من أشراط الساعة الكبار، يؤمن به أهل السنة والجماعة، خلافًا لأهل البدع والمعتزلة وغيرهم، وكذلك العقلانيون لا يؤمنون بالدجال ولا بنزول عيسى، ولا بطلوع الشمس من مغربها، يقولون: هذه ثبتت بأخبار آحاد، وأخبار الآحاد لا تفيد العلم.
هذه طريقة أهل البدع من الخوارج والمعتزلة، وكذلك العقلانيون في العصر الحاضر، العقلانيون ممن يؤمنون بالعقل يردون هذه الأحاديث، وإذا قلت لهم، قالوا: العقل ينفيها، ينفي أن يخرج الرجل صورته كذا وكذا، والحديث الذي جاء حديث خبر آحاد، وخبر الآحاد لا يعتمد في العقائد، لا يفيد العلم، وهذا من جهلهم وضلالهم.
فخبر الآحاد إذ صح السند وعدلت رواته، ولم يكن شاذًا ولا معللاً، فهو مفيد للعلم على الصحيح، ويجب العمل به، والأحاديث كلها أخبار آحاد، كل أحاديث السنة أخبار آحاد، ما عدا الأحاديث المتواترة، وهي تقارب أربعة عشر، منها أحاديث الحوض والشفاعة، ومن بنى لله مسجدًا، وحديث من كذب علي متعمدًا، والباقي كلها أخبار آحاد، معنى هذا أن ترد السنة كلها.
خبر الآحاد سواء كان غريبًا أو عزيزًا أو مشهورًا، إذا صح السند وعدلت الرواة، ولم يكن معللاً ولا شاذًا، فإنه مقبول، يجب اعتقاده والعمل بما دل عليه، ومن ذلك أحاديث الدجال وأحاديث طلوع الشمس من مغربها، وحديث المهدي، كلها حق، وحديث الدابة، ولكن أهل البدع هكذا منهجهم، منهج أهل البدع: الخوارج، والمعتزلة، وكذلك العقلانيون في العصر الحاضر، لكل قوم وارث، يردون هذه الأخبار، يقولون: أخبار آحاد ما يعمل بها في العقائد، وهذا من جهلهم وضلالهم.
والدجال رجل من بني آدم، يخرج في آخر الزمان، كما جاءت في ذلك الأحاديث، أولا يدعي الصلاح أنه رجل صالح، ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية ويدعي أنه نبي، ثم ينتقل ويدعي الربوبية ويقول: أنا ربكم.
وهو رجل أعور، عينه اليمنى كأنها عنبة طافية، مكتوب بين عينه كافر، يقرؤها كل إنسان، كل مؤمن يقرؤها، ويمكث في الأرض أربعين، اليوم الأول طوله كسنة، والثاني كشهر، والثالث كجمعة، وسائر الأيام كأيامنا، ومعه صورة الجنة والنار، وسمي دجالًا من الدجل، صيغة مبالغة لكثرة دجله وتضليله.
والله تعالى ابتلى به العباد، له فتنة عظيمة، جاء في الحديث: من سمع عن الدجال فلينأ عنه»، فإن الإنسان قد يأتي ويرى أنه لن يتأثر بفتنته، ثم يفتن والعياذ بالله.
جاء في الحديث: ليخرجن الناس ينفرون عن الدجال بالجبال.
وفي صحيح مسلم: ما خلق الله ما بين خلق آدم وقيام الساعة أمرٌ أو خلقٌ أكبر من الدجال، معه صورة الجنة والنار، ويسلط على رجل ويقطعه نصفين، ومن فتنته أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت.
ومن فتنته أن من استجاب له كثر ماله، وكثرت الخيرات عنده، ومن رد عليه دعوته يكون فقيرًا ويمحل، وتهلك أنعامهم وحروثهم وزروعهم، وهذا من الابتلاء والامتحان، نسأل الله السلامة والعافية، ولهذا أمرنا في كل صلاة أن نستعيذ بالله من فتنة المسيح الدجال كما سيأتي في الحديث.
المتن:
وحدثني سعيد بن فحلون، عن العكي، عن بن بكير قال: حدثنا مالك، عن أبي الزبير المكي، عن طاووس اليماني، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات.
الشرح:
نعم هذا الحديث صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي الزبير، وقال الإمام مسلم عقبه: بلغني أن طاووسًا قال لابنه: أدعوت بها في صلاتك؟ قال: لا، قال: أعد صلاتك.
طاووس بن كيسان اليماني كان يرى وجوب الدعاء بهذه الدعوات الأربع، قال: لابنه يومًا: هل دعوت الله، استعذت بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال؟ قال: لا، قال: أعد صلات.
والجمهور يروا أنه مستحب وليس بواجب، لكن طاوس يرى أنه واجب، وهذا الحديث رواه الإمام مسلم، يقول: كان يعلمهم.
ورواه الإمام البخاري بلفظ: كان يدعو، رواه الإمام البخاري المحقق يوهم أنه لم يروه إلا مسلم، قال: ما ذكر إلا مسلم، نعم رواه مسلم بهذا اللفظ: كان يعلمهم هذا الدعاء.
لكن رواه البخاري قال: كان النبي يدعو بهذه الدعاء اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال.
وهذا فيه إثبات الدجال، فهو ثابت في الصحيحين، الاستعاذة بالله من فتنة المسيح الدجال، دليل على وجوده وثبوته، وفيه الرد على من أنكره من العقلانيين، ومن المعتزلة وغيرهم، ولولا أن فتنته عظيمة لما أمر الله في كل ركعة، في كل صلاة أن نستعيذ بالله من فتنة المسيح الدجال، فتنة عظيمة، والدجال صيغة مبالغة من الدجل، والدجاجلة كثيرون، كل الكهنة والسحرة دجاجلة، دجال من الدجل صيغة مبالغة من كثرة الدجل، وهي المخرقة والكذب والتضليل والتدليس والتلبيس، هذا الدجال، وآخرهم الدجال الأكبر وهو المسيح الدجال، الذي يأتي في آخر الزمان، هو آخرهم آخر الدجاجلة أكبرهم، وإلا هو موجود الآن دجاجلة كثيرة، كل السحرة دجاجلة، الدجاجلة الآن السحرة والمشعوذين في كل مكان هم الدجاجلة، لكن الدجال الأكبر الذي يأتي في آخر الزمان، والاستعاذة من فتنة المسيح الدجال ثابتة في الصحيحين في البخاري ومسلم، وهذا دليل على ثبوتها، وفيه الرد على من أنكر الدجال، من العقلانيين ومن المعتزلة.
المتن:
وحدثني إسحاق، عن أحمد، عن ابن وضّاح، عن ابن أبي شيبة، قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال: سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله ﷺ: ألا أحدثكم عن الدجال حديثًا لم يحدث به نبي قبل، إنه أعور، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة فهي النار، والتي يقول: إنها النار هي الجنة، وإني أنذركم به، كما أنذر به نوح قومه.
الشرح:
الحديث سنده ضعيف، في سنده إسحاق التجيبي، فيه محمد بن وضاح اليشكري، فيهما كلام، وأما متن الحديث فهو صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من طريق محمد بن رافع، قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، فالحديث صحيح، وفيه إثبات الدجال، والرد على من أنكره، وإثبات أنه أعور، والأعور هو الذي ليس له إلا عين واحدة، وفيه إثبات أنه يجيء معه مثل الجنة والنار، هذه فتنته، مثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، والتي يقول إنها النار هي الجنة معكوسة.
جاء في الحديث الآخر أنه معه الجنة والنار فالجنة خضراء تجري، والنار سوداء تدخن، فمن أطاعه ألقاه في النار، التي يرى الناس أنها النار وهي الجنة، ومن عصاه ألقاه في التي يرى الناس أنها النار، وهي الجنة معكوسة، جنته نار وناره جنة، نسأل الله السلامة، وفيه إثبات العينين لله .
في الحديث الآخر إن الدجال أعور، وإن ربكم ليس بأعور الأعور الذي ليس له إلا عين واحدة، والله ليس بأعور له عينان سليمتان .
المتن:
ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة، ومحمد بن بشر قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ ذكر المسيح الدجال بين ظهراني الناس، فقال: إن الله ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عيينة عنبة طافئة.
الشرح:
والحديث صحيح، هذا الحديث صحيح، أخرجه الشيخان في البخاري ومسلم، وفيه إثبات الدجال والرد على من أنكره من العقلانيين والمعتزلة، وفيه أن الدجال أعور ليس له إلا عين واحدة، وأن الله ليس بأعور، وفيه إثبات العينين لله .
المتن:
وحدثني وهب عن أحمد بن خالد، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني عمر بن ثابت الأنصاري، أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ أخبره أن رسول الله ﷺ قال للناس وهو يحذرهم فتنة الدجال: إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه من كره عمله.
الشرح:
وهذا الحديث صحيح، حديث صحيح أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، وكذلك أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، من طريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب فالحديث صحيح قال: أخبرني عمر بن ثابت إلى آخر الحديث، والحديث فيه إثبات الدجال، والرد على من أنكره من العقلانيين والمعتزلة، وفيه أن له فتنة، وفيه تكذيب الدجال في قولة للناس: أنا ربكم.
يقول النبي ﷺ: إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت؛ لأن الدجال ادعى الربوبية، ويراه الناس.
والنبي ﷺ يقول: لن يرى أحدكم ربه حتى يموت؛ وفيه دليل للجمهور على أن النبي ﷺ لم ير ربه ليلة المعراج بعين رأسه، وإنما رآه بعين قلبه قال: إنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت.
وفي لفظ آخر لمسلم أنه قال: واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا.
لأن الله لا يراه أحد، ما يستطيع أحد يراه في الدنيا، ما يستطيع، لأنه احتجب بالحجب، ولو كشف الحجاب لاحترق الناس، احترق الخلق، لكن في يوم القيامة ينشأ الناس تنشئة قوية، يتحمل المؤمنون رؤية الله يوم القيامة، وفيه أن الدجال مكتوب بين عينيه كافر، وأنه يقرؤه كل من كره عمله يعني كل مؤمن، يقرؤه الذي يكره عمله كل مؤمن يقرؤه.
المتن:
وحدثني أبي، عن علي، عن أبي داود، عن يحيى قال: حدثنا المعلى بن هلال، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يونس بن مهران، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: إن الرجم حد من حدود الله، فلا تفتنّ عنه، فإنه سيأتي قوم يكذبون بالرجم، وبالدجال وبالميزان، وبالحوض وبطلوع الشمس من مغربها وبالشفاعة، وبأقوام يخرجون من النار.
الشرح:
وهذا الحديث في سنده ضعفاء متكلم فيهم والد المؤلف، وعلي المري، ويحيى بن سلام، وفيه علي بن زيد بن جدعان، وفيه يوسف بن مهران، مسلسل بالضعفاء، وأشدهم المعلى بن هلال، هذا وضاع، فالحديث سنده موضوع، والمتن ضعيف أيضًا، وكان الأولى بالمؤلف ألا يذكر مثل هذا الحديث، يغني عنه الحديث الصحيح، فالدجال ثابت في الأحاديث الصحيحة، ولا حاجة لمثل هذا الحديث الذي فيه وضّاع، وهو مسلسل بالضعفاء أيضًا.
المتن:
قال محمد: وأهل السنة يؤمنون بنزول عيسى، وقتله الدجال، وقال : وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ[الزخرف/61]؛ يعني عيسى.
وقال: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا[النساء/159]؛ يعني قبل موت عيسى.
الشرح:
وهذا الباب الرابع والعشرون في الإيمان بنزول عيسى، وقتله الدجال، ونزول عيسى ابن مريم شرط من أشراط الساعة الكبار، وهو الشرط الثالث.
الشرط الأول: خروج المهدي الذي يحكم الأرض ويملؤها عدلًا، كما ملئت جورًا.
والشرط الثاني: خروج الدجال.
والشرط الثالث: نزول عيسى ابن مريم فيقتل الدجال.
ولهذا قال المؤلف: قال محمد: وأهل السنة يؤمنون بنزول عيسى، وقتله الدجال، وقال : وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ[الزخرف/61]؛ يعني عيسى.
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ[الزخرف/61].
وفي قراءة: وإنه لعَلَمٌ للساعة؛ يعني: علامة.
وقال تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا[النساء/159]؛ يعني قبل موت عيسى.
وقيل: الضمير يعود إلى موت الشخص، وإن من أهل الكتاب وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا[النساء/159]؛ قبل موته هو، قبل موت الشخص من أهل الكتاب.
وعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مرفوع، رُفع رَفَعه الله، نبي كريم من أولي العزم الخمسة، أرسله الله إلى بني إسرائيل، فأرادوا قتله، فرفعه الله وألقى شبهه على أحد الحواريين، ثم رفعه الله إلى السماء، قال الله: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ[آل عمران/55].
توفاه الله، المراد بالتوفية القبض، وقيل المراد بها أنه رُفع وهو نائم، وبقي في السماء ورآه النبي ﷺ ليلة المعراج في السماء الثانية مع يحيى بن زكريا، وهما ابنا الخالة، وسينزل في آخر الزمان، وهو علم من أعلام الساعة، ويحكم بشريعة نبينا محمد ﷺ فيكون فردًا من أفراد الأمة المحمدية.
ينزل على أنه فرد من أفراد الأمة المحمدية، يحكم بشريعة محمد؛ لأن كل نبي أخذ الله عليه الميثاق لئن بعث محمد وأنت حي لتؤمنن به ولتنصرنه، فهذا عيسى نزل وهو حي مأخوذ عليه الميثاق فيحكم بشريعة نبينا محمد ﷺ لا يحكم بشريعة الإنجيل، انتهت، منسوخة.
لهذا يقال: أفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى، لماذا؟ لأنه نبي وفرد من أفراد هذه الأمة، ثم يليه أبو بكر الصديق، فعيسى نبي وفرد من هذه الأمة، أفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى؛ لأنه فرد من أفراد الأمة المحمدية، يحكم بشريعة نبينا محمد ﷺ.
ومن ذلك أنه يقتل الخنزير إذا نزل، ويكسر الصليب، ولا يقبل الجزية، ليس هذا حكم جديد كونه لا يقبل الجزية، الرسول ﷺ كان يقبل الجزية من النصارى أو أمر بقبول الجزية.
فاليهود والنصارى يخيرون بين الإسلام وبين الجزية أو القتال، لكن هذا مغير بنزول عيسى، فإذا نزل عيسى انتهى حكمه، وهو دفع الجزية، عيسى ما يقبل إلا الإسلام أو السيف، اليهودي والنصراني ما فيه إلا الإسلام أو السيف، فمن قبل نزوله تقبل منهم الجزية، ولهذا الحديث والذي يقول النبي ﷺ: لينزلن عيسى ابن مريم حكما مقسطًا، يعني عدلًا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية؛ يعني ما يقبل الجزية، ما يقبل من اليهود والنصارى إلا الإسلام أو السيف.
المتن:
وحدثني أبي، عن علي، عن أبي داود، عن يحيى قال: حدثني خالد عن الحسن قال: قال رسول الله ﷺ: الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، إنه ليس بيني و بينه نبي، وإنه نازل لا محالة، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع الخلق، بين ممصرتين إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، كأن رأسه يقطر ماءً، وإن لم يصبه بلل، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويقاتل الناس على الإسلام، ويُهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، وحتى تقع الأمنة في الأرض، وحتى يرتع الأسد مع الإبل، والنمور مع البقر.
الشرح:
الأسد جمع أسد حتى يرتع الأسد مع الإبل، الأسد جمع أسد، والنمر جمعه نمور، والذئب جمعه ذئاب؛ يعني مجموعة الأسود ترعى مع الإبل.
المتن:
وحتى يرتع الأسد مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الغلمان بالحيات، لا يضر بعضهم بعضًا.
قال: محمد الثياب الممصرة، هي التي فيها صفرة خفيفة.
الشرح:
نعم، وهذا الحديث إسناده ضعيف، وفيه الضعفاء السابقين، مسلسل بالضعفاء والد المؤلف، وعلي بن المري، ويحيى بن سلام، ثم أيضًا هو مرسل، مرسل عن الحسن، ومراسيل الحسن ضعيفة، لكن الحديث أصل الحديث في الصحيحين، في البخاري ومسلم.
ولهذا الحديث له شاهد أخرج شطره الأول البخاري في الصحيح، وكذلك مسلم من طريق الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات، ليس بيني وبينه نبي.
هذا ثابت في الصحيحين، الأنبياء إخوة لعلات، يعني إخوة، إخوة العلات هو أبوهم واحد، والأمهات متعددة، إخوة لعلات يعني أنهم أن أبوهم واحد، وأمهاتهم متعددة، شبههم بالشرائع، شرائع الأنبياء متعددة، ولكن دينهم واحد، وهو التوحيد، دين الأنبياء واحد، إخوة لعلات دينهم واحد، كل الأنبياء دينهم التوحيد، الإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، والنهي عن الشرك، لكن الشرائع مختلفة كما قال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا[المائدة/48].
فشبههم بالإخوة العلات، أبوهم واحد، وأمهاتهم شتى، وأما الإخوة إذا كانت أمهم واحدة، وآباؤهم متعددين يسمون إخوة الأخياف، الأخياف الأم واحدة، والآباء متعددين، وأما الأشقاء الإخوة الذين أبوهم وأمهم واحدة، يقال لهم الأشقاء، ويقال لهم الإخوة الأعيان، الإخوة الأعيان أو الأشقاء.
وإذا كان أبوهم واحد، والأمهات متعددة، يقال لهم: الإخوة العلات، أولاد علات، وإذا كان بالعكس الأم واحدة والآباء متعددين، إخوة الأخياف، فالأنبياء إخوة العلات، الدين واحد والأب، دينهم واحد وهو التوحيد، والشرائع مختلفة الحلال والحرام، والأوامر والنواهي، كل واحد له شريعة لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ[المائدة/48].
قول النبي: أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، إنه ليس بيني وبينه نبي.
كل هذا جاء في الأحاديث الصحيحة، وأما ما زاد عن ذلك وكذلك كونه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقاتل الناس على الإسلام كل هذا صحيح، كل هذا في الأحاديث الصحيحة، وكذلك كونه نازل مربوع الخلق يعني متوسط، بين ممصرتين يعني الثياب الممصرة التي فيها صفرة، سبط الرأس يعني مسترسل الشعر ليس مجعدًا، كأن رأسه يقطر كل هذا جاء في الأحاديث الصحيحة.
أما ما زاد على ذلك في قوله: وحتى تقع الأمنة، وحتى يرتع الأسد مع الإبل، يعني ترعى الأسد مع الإبل والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم ويلعب الغلمان بالحيات هذا زيادة على ما في الصحيحين، هذا جاء في هذا الحديث، والحديث في سنده ضعف.
المتن:
حدثني إسحاق، عن أحمد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن الخصرمي بن لاحق، عن أبي صالح، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: دخل رسول الله ﷺ ورآني أبكي، فقال: ما يبكيك قلت: يا رسول الله ذكرت الدجال، قال: لا تبكي، فإن يخرج وأنا حي أكفيكموه، وإن أمت فإن ربكم ليس بأعور، وإنه يخرج معه يهود أصبهان، ويسير حتى ينزل بناحية المدينة، ولها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها، فينطلق حتى يأتي لُد، فينزل عيسى فيقتله، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريبًا منه، إماما عدلًا وحكمًا مقسطًا.
الشرح:
نعم، والحديث السابق أيضًا رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، من طريق حماد بن يحيى، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال: الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه ليس بيني وبينه نبي، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع الحمرة والبياض، بين ممصرتين كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، وتقع الأمنة في الأرض، حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات، لا تضرهم فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون.
هذا يكون شاهد للحديث السابق، يكون له أصل وقوع الأمنة، يعني يحصل الأمان الأسود ترعى مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، الآن ما فيه أمان، الذئب ما يؤمن على الغنم، لكنه في ذلك الوقت يؤمن، وصحح إسناده الحافظ بن حجر رحمه الله وكذلك المحدث الألباني رحمه الله.
وأما هذا الحديث فإن في إسناده ضعف، في إسناده إسحاق، وابن وضاح، وعنعنة يحيى بن كثير، وكذلك الحضرمي بن لاحق متكلم فيه، ولكن المتن متنه لا بأس به، متنه له شواهد، وفيه أن قول النبي ﷺ: إن ربكم ليس بأعور، هذا جاء في الأحاديث الصحيحة وأنه يخرج معه يهود أصبهان يعني اليهود هم أتباعه، الدجال ملك اليهود، الآن هم ينتظرون الدجال، تجمعوا ينتظرون خروجه هو ملكهم.
وفيه: أنه يسير حتى ينزل بناحية المدينة ولها يومئذٍ سبعة أبواب، هذا جاء في الأحاديث الصحيحة.
على كل باب ملكان فيخرج إليه شرار أهلها، فينطلق حتى يأتي لد، وهي بلدة قرية قرب بيت المقدس فينزل عيسى فيقتله يقتل الدجال.
ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريبًا من ذلك، إمامًا عدلًا وحكمًا مقسطًا.
اختلف العلماء في كون معنى أربعين سنة، هل معناها أنه انتظر أربعين سنة بعد نزوله، أو المعنى أن أربعين سنة تضاف إلى مكثه في الدنيا قبل رفعه؛ لأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين، فيمكث في الأرض سبع سنين، فتتم أربعين ثم يتوفى، هكذا قال بعض العلماء، وجاء في بعض الأحاديث أنه يمكث سبع سنين، سبع سنين وهو لما كان رفع ابن ثلاث وثلاثين، فإذا ضممت سبع سنين إلى ثلاث وثلاثين صار عمره أربعين، فيتوفاه الله ويصلي عليه المسلمون، والحديث فيه إثبات للدجال، والرد على من أنكره.
المتن:
وحدثني أبي عن علي عن أبي داود عن يحيى في قوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ [الزخرف/61]. قال: حدثني سعيد عن قتادة قال؛ يعني: نزول عيسى فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا؛ بالساعة، وتشكن فيها.
الشرح:
وهذا السند فيه ضعفاء كما سبق فيه، والد المؤلف وعلي المري، وهو من كلام يحيى مقطوع في تفسير الآية وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ [الزخرف/61].
قال: حدثني سعيد عن قتادة، أيضًا روى هذا التفسير عن قتادة، قال: يعني نزول عيسى.
فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا؛ بالساعة، ولا تشكن فيها، هذا المعنى صحيح، وإنه يعني عيسى لعلم للساعة، وتقرأ لعَلَم يعني علامة من علامات الساعة، فلا تشكن بها فهذا المعنى تفسير الآية صحيح، لكن السند ضعيف.
المتن:
قال: حدثني قتادة في قوله: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ[النساء/159]. قال: قبل موت عيسى إذا نزل، ويكون يوم القيامة عليهم شهيدا، بأنه قد بلغ رسالات ربه، وأقر بالعبودية على نفسه.
الشرح:
وهذا في تفسير أيضًا الآية، والسند ضعيف إلى قتادة، ولكن المعنى صحيح تفسير الآية: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء/159]؛ يعني قبل موت عيسى إذا نزل، من أهل الكتاب اليهود والنصارى منهم من يؤمن به، ومنهم من لا يؤمن به، فالذي لا يؤمن به لا يؤمنون بهم، لا يؤمنون به يقتلهم، ولا يقبل منهم إلا الإسلام: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ به إذا نزل.
قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا[النساء/159]؛ يعني يشهد بأنه قد بلغ رسالات الله، وأقر بالعبودية على نفسه.
المتن:
باب في الإيمان بالقدر
قال محمد بن عبد الله: ومن قول أهل السنة: أن المقادير كلها خيرها وشرها، حلوها ومرها، من الله فإنه خلق الخلق، وقد علم ما يعملون، وما إليه يصيرون، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وقال تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين:
وقال: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِين[الأعراف/54].
وقال: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا[الأحزاب/38].
وقال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر[القمر/49].
وقال: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا[التوبة/51].
وقال: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون[الأنبياء/35].
وقال: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ[الأنفال/24].
وقال: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُون[يونس/96].
قال: وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا[السجدة/13].
قال: إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ[النحل/37].
مثل هذا في القرآن كثير.
الشرح:
هذا الباب الخامس والعشرون من أبواب الكتاب، في الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، وأصل من أصول الإيمان الستة، لا يصح الإيمان إلا به، من لم يؤمن بالقدر فليس بمؤمن، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[القمر/49].
وقال سبحانه: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا[الفرقان/2].
وثبت في صحيح مسلم، من حديث عمر بن الخطاب أن جبرائيل جاء إلى النبي ﷺ في صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، فسأل النبي ﷺ عن الإسلام، فأخبره بأركانه الخمسة، ثم سأله عن الإيمان فقال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
هذه أصول الإيمان الستة، جاءت في القرآن الكريم، دلت عليها الآيات الكريمة، والأحاديث الصحيحة، وأجمع عليها المسلمون، ولم يجحد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام، وصار من الكافرين، من لم يؤمن بالقدر فهو كافر، والإيمان بالقدر لا بد فيه من الإيمان بمراتبه الأربعة كلها، الإيمان بالقدر هو الإيمان بالمراتب الأربعة، من لم يؤمن بهذه المراتب الأربعة، فليس بمؤمن.
المرتبة الأولى: العلم، علم الله الشامل، يؤمن بأن الله موصوف بالعلم، بأن الله علم كل شيء، علم الأشياء في الأزل، ما كان في الماضي في الأزل، ويعلم ما يكون في الحاضر، ويعلم ما يكون في المستقبل، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، الشيء الذي لا يكون يعلمه لو كان، قال الله تعالى للكفار لما طلبوا العودة على الدنيا: بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام/28]. الله عالم حالهم، لو ردوا ولكنه لا يردون.
وقال عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك: لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ[التوبة/47]. لمعرفة حالهم ماذا يعملون.
والمرتبة الثانية: الإيمان بالكتاب بكتابة الله للمقادير في اللوح المحفوظ.
المرتبة الثالثة: المشيئة والإرادة العامة لكل موجود، لكل ما يقع في هذا الوجود، سبقت به إرادة الله ومشيئته.
المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد، الإيمان بأن كل شيء في هذا الوجود خلقه الله وأوجده.
هذي مراتب الإيمان بالقدر، من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر، العلم. والكتابة والإرادة، والمشيئة، والخلق، والإيجاد.
علمٌ كتابة مولانا مشيئته خلقه وهو إيجاد وتقدير هذه مراتب الإيمان الأربعة.
قال: محمد بن عبد الله هو المؤلف محمد بن عبد الله بن أبي زمنين: ومن قول أهل السنة: أن المقادير كلها خيرها وشرها، حلوها ومرها من الله .
هذا من الله خلقًا وإيجادًا وتقديرًا، فإنه خلق الخلق وقد علم ما يعملون، وما إليه يصيرون، لا بد من الإيمان أنه خلق قد علم ما يعملون علم في الأزل، وعلم ما إليه يصيرون، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، إذا منع الله شيئًا لا يمكن لأحد أن يعطيه، وإذا أعطى الله أحدًا لا يمكن لأحد أن يمنعه.
قال تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[الأعراف/54].
الخلق هذا القدر والأمر الشرع، سبحانه وتعالى له الخلق والأمر، لابد من الإيمان بالقدر والشرع، الخلق هذا القدر، والأمر الشرع.
وقال: مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا[الأحزاب/38]؛ في إثبات القدر.
وقال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[القمر/49].
وقال: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ[التوبة/51]؛ في إثبات أن الله كتب المقادير.
وقال: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون[الأنبياء/35]؛ يعني ابتلاء وامتحان، يعني قدر ذلك.
وقال: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ[الأنفال/24]؛ ابتلاء وامتحان له الحكمة البالغة, وقال: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُون[يونس/96]؛ حقت كلمة الله لأنه قدره عليهم ابتلاء وامتحانًا لما له من الحكمة.
وقال: وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا[السجدة/13]؛ هذا إثبات المشيئة لله.
وقال: إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلّ [النحل/37].
فيه إثبات أن الله يضل، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، فهو يهدي من يشاء برحمته وفضله وإحسانه، ويضل من يشاء بعلمه بعدله وحكمته، لا يسأل عما يفعل؛ لأنه أفعاله مبنية على الحكمة فهو لا يخلق إلا لحكمة، ولا يقدر إلا لحكمة، ولا يأمر إلا لحكمة، ولا ينهى إلا لحكمة، ولا يسمع إلا لحكمة، أفعاله وأوامره ونواهيه مبنية على الحكمة، وإرادته ومشيئته مبنية على الحكمة.
المتن:
وحدثني أحمد بن مطرف، عن عبيد الله بن يحيى، عن أبيه، عن مالك، عن زياد بن سعد، عن عمرو بن مسلم، عن طاوس اليماني أنه قال: أدركت ناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ يقولون: كل شيء بقدر، قال: طاوس وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله ﷺ: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز.
الشرح:
نعم، وهذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام مالك في الموطأ، عن زياد ومن طريق أخرجه الإمام مسلم في الصحيح، وهو الحديث صحيح، وفيه إثبات أن كل شيء في هذا الوجود مقدر حتى العجز والكيس، الكيس النشاط والقيام بالشيء، والعجز إذا كان الكسل يعني العجز الكسل، الكسل مقدر والكيس مقدر، الكيس ضد الكسل، النشاط مقدر، والكسل مقدر، حتى العجز والكيس، كل شيء مقدر، إذا أصابك عجز وعدم نشاط، صار عندك عجز، ولم تذهب تحضر الحلقة في المسجد، اعلم أن هذا مكتوب، وإذا كان لك نشاط وذهبت للحلقة فهذا مكتوب، فالعجز والكسل كله مقدر، كل شيء بقدر، طاوس بن كيسان اليماني التابعي الجليل قال: "أدركت ناسًا من أصحاب النبي ﷺ يقولون: كل شيء بقدر، كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس، حتى النشاط مكتوب، والكسل مكتوب ".
المتن:
وحدثني وهب، عن ابن وضاح، عن أبي محمد سعيد بن مريم، عن نعيم بن حماد، عن محمد بن شعيب قال: "أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن محمد بن المنكدر، أنهما أخبراه أن عمرو بن العاص قال: من ذا الذي يزعم أن الله يقدر علي أمرا يعذبني عليه؟ فقال: فقام إليه أبو موسى الأشعري فتخطى الناس حتى جلس بين يديه، فقال: أنا الذي يزعم ذلك، فقال عمرو: إنا لله وإنا إليه راجعون، كدت أهلك، صدقت أبا موسى، فلما خرج رسول الله ﷺ ذكر ذلك له، فقال رسول الله ﷺ: لا يؤمنن أحدكم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
الشرح:
هذا الحديث سنده ضعيف، فيه ابن وضاح متكلم فيه، وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف ضعفه الجماعة، والحديث أخرجه مختصرًا ابن أبي عاصم في السنة، وما دل عليه الحديث من أن لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، هذا صحيح له شواهد دلت عليه الحديث، أما قوله أن عمرو بن العاص قال: من ذا الذي يزعم أن الله يقدر علي أمرا يعذبني، هذا جاء في هذا الحديث الضعيف، هذا فيه نكارة، هذا بعيد أن يصدر من عمرو بن العاص، إنه ينكر، إنه يعترض، ولكن ما دل عليه الحديث من أن لا يؤمن حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، هذا صحيح له شواهد، فالحديث متنه صحيح، إلا أن مقالة عمرو بن العاص هذه جاءت في هذا الحديث الضعيف، فلا يثبت بها بهذا السند الضعيف.
المتن:
وحدثني إسحاق، عن أسلم بن عبد العزيز، عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد قال: حدثني عبد الرحمن بن قتادة السلمي أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: خلق الله آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره، فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي، قال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر.
الشرح:
وهذا الحديث في سنده إسحاق، وهو متكلم فيه، وإسناده لا بأس؛ لأن متنه صحيح، والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وإن كان في إسناده إسحاق، إلا أنه محتمل، وفيه إثبات أن الله خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره، هذا له شواهد جاءت في أحاديث كثيرة إن الله تعالى مسح ظهر آدم، واستخرج ذريته أمثال الذر، وقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي، فقال قائل: يا رسول الله ﷺ فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر.
هذا له شواهد وفيه دليل على إثبات القضاء والقدر، وأن كل إنسان صائر إلى ما قُدِّر، ولكن الإنسان مأمور بالعمل، ولما أشكل هذا على الصحابة قالوا: يا رسول الله فيم نعمل الآن في شيء فرغ منه، أو فيما مستقبل؟ قال: فيما فرغ منه، قالوا: فيم العمل يا رسول الله؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له.
أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ [الليل/5-10].
فالقدر من شئون الله أنت مأمور بالعمل اعمل أنت، اعمل وأنت ميسر لما خلقت له، القدر ليس من شئونك، من شئون الله، ليس من شئونك، أنت عبد مأمور، مأمور بالعمل، اعمل ولا تتوقف.
المتن:
ابن وهب قال: وأخبرني أبو هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبوري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء.
الشرح:
وهذا الحديث في إسناده إسحاق، وهو متكلم فيه، فإسناده محتمل، وأما متن الحديث فهو صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، من طريق ابن وهب، كتب الله مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، هذا رواه الإمام مسلم في الصحيح.
وفيه إثبات المقادير، وإثبات أن الله تعالى كتب المقادير في اللوح المحفوظ، وفيه إثبات الكتابة، وأنها وصف من أوصاف الله، ومن الصفات الفعلية لله، كتب إثبات الكتابة، وإنها صفة من صفات الله الفعلية، وفيه إثبات اللوح المحفوظ، وإثبات كتابة المقادير، وسبق الحديث أن الله خلق القلم أول ما خلق القلم قال: اكتب، فقال ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، وكان هذا قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
والكتابة مرتبة من مراتب القدر، لا بد من الإيمان بكتابة الله للمقادير في اللوح المحفوظ، في إثبات المقادير وإثبات الكتابة لله، وإثبات أن المقادير مكتوبة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
المتن:
ابن وهب، وحدثني سعيد بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله ﷺ قال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وإنه لمن أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وإنه لمن أهل الجنة.
الشرح:
إسناد الحديث محتمل، فيه إسحاق كما سبق، ولكن متن الحديث صحيح، أخرجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله، من طريق أبي حازم عن سهل، بأتم من هذا، وفيه أن الرجل في الحديث يقول النبي ﷺ: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وإنه من أهل النار، فهذا هو المنافق والعياذ بالله، يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وإنه لمن أهل النار.
وإن الرجل يعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وإنه من أهل الجنة، هذا يكون لأسباب يكون له أسباب، إنه عمل يعمل بعمل أهل النار يكون لأسباب؛ لأنه مكره أو لأجل الخوف على نفسه، ما يستطيع الهرب بدينه، ويعمل بعمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وإنه من أهل الجنة.
وقد يكون هذا يعمل بعمل أهل النار في أول حياته، ثم يختم له بعمل أهل الجنة، كما جاء في حديث ابن مسعود : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه رواه الشيخان أربعين يوم نطفة، ويكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
ثم قال النبي ﷺ: والله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل الجنة فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وهذا فيه إثبات القدر، وأن كل شيء كل إنسان صائر لما قدر.
المتن:
ابن وهب، وحدثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبيد بن أبي طلحة المكي، أن أبا الطفيل البكري أخبره، أنه سمع ابن مسعود يقول "إن الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعد بغيره، فقلت: كيف يشقى من لم يعمل؟ ولقيت حذيفة بن أسيد الغفاري فأخبرته بما قال ابن مسعود، فقال لي: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله إذا أراد أن يخلق العبد قال الملك: يا ربنا ذكر أم أنثى، فيقول الرب ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول الملك ربنا شقي أم سعيد فيقول الرب ما شاء ويكتب، ثم يقول الملك: ما رزقه؟ فيقول الرب ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول يا ربنا ما أجله؟ فيقول الرب ما شاء ويكتب الملك.
الشرح:
الحديث سنده ضعيف، في إسناده ما سبق إسحاق بن إبراهيم التجيبي، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وكذلك في الإسناد عبيد بن أبي طلحة، فالسند ضعيف لكن متن الحديث صحيح، وفي الحديث إثبات القدر، وأنه يكتب على الإنسان، وهو في بطن أمه، يكتب الرزق، والأجل والعمل، والشقاء والسعادة.
وهذا له الشواهد يشهد له حديث ابن مسعود الذي سمعتكم إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة، ثم يأتيه الملك فيؤمر بأربع كلمات، كتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد هذا فيه إثبات القدر وأن كل شيء مقدر، الرزق والأجل، والعمل والشقاء.
فالحديث صحيح، ويشهد له حديث ابن مسعود في الصحيحين، في كتبة الرزق والأجل، والعمل والشقاوة، فلا بد من الإيمان بالقدر.
المتن:
ابن وهب قال: وأخبرني هشام بن سعد، عن سليمان بن حفص القرشي، عن النبي ﷺ قال: سيفتح على أمتي في آخر الزمان، باب من القدر، ولا يسده شيء، ويكفيكم أن تقرءوا هذه: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير[البقرة/106].
وقوله: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير[الحج/70].
الشرح:
هذا الحديث ضعيف، سنده ضعيف، فيه إسحاق بن إبراهيم التجيبي، وكذلك فيه هشام بن سعد، قالوا عنه: صديق مشهور، وفيه سلمة بن حفص القرشي، قال أبو حاتم: مجهول، والحديث أيضًا مرسل، وهو ضعيف، ويغني عنه الأحاديث الأخرى في القدر، والآية لا شك أن الآية كل من الآيتين، فيها دليل إثبات القدر: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[البقرة/106].
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚإِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير [الحج/70].
لكن هذا الحديث ضعيف، الحديث أخرجه اللالكائي في شرح السنة، لكن الحديث بهذا السند ضعيف.
المتن:
ابن وهب قال: وحدثني حفص بن ميسرة، عن رجاء بن سويد " أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام سأل ربه فقال: يا ربي إنك عدل وقضاؤك عدل، فكيف يقضى الذنب على العبد، ثم تعذبه عليه، فقال: يا ابن البتول، إله عن هذا فإنه من مكنون علمي.
الشرح:
هذا أثر من الآثار الإسرائيلية، أن فيه اعتراض عيسى على الله ما يليق هذا، عيسى يقول: يا ربي إنك عدل، كيف تقضي الذنب على العبد، ثم تعذبه عليه، فقال الله: يا ابن البتول-البتول مريم-إلهى عن هذا، هذا أثر من الآثار الإسرائيلية، ورجاء بن سويد ما أدرك عيسى، بينه وبين عيسى أزمان، تنقطع دونها أعناق المطي.
وفيه اعتراض عيسى على الله، وهذا ما يليق، ما يليق بعيسى، ولا يمكن عيسى أن يعترض على الله، ورجاء بن سويد هذا ما أدرك عيسى، وهو من الآثار الإسرائيلية، كان الأولى بالمؤلف رحمه الله أن ينزه كتابه عن مثل هذا.
المتن:
ابن وهب قال: أخبرني حفص بن ميسرة، عن سفيان بن سعيد الثوري أن "عزيرًا سأل ربه عن مثل ما سأله عيسى، فقال: انتهِ عن هذا، فأعاد ذلك مرارا، قال له: سألتني عن علمي، وإن عقوبتك عندي أن أمحو اسمك من النبوة".
الشرح:
وهذا كذلك أثر باطل، أثر من الآثار الإسرائيلية، إسناده ضعيف كالسابق، والمتن باطل لا يصح، هذا فيه سؤال عيسى، وقيل: إن الله محا اسمه من أسماء النبوة، هذا باطل، وكل موقوف على سفيان بن سعيد الثوري ما أدرك عزيرًا.
والمقصود أن هذا أثر باطل من الآثار الإسرائيلية كسابقه، والأولى بالمصنف أن ينزه كتابه عن مثل هذا، فلا حاجة لمثل هذه الآثار الإسرائيلية الباطلة، النصوص كافية من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ النصوص الصحيحة من السنة والآيات القرآنية كافية في إثبات القدر، ولا حاجة إلى مثل هذه الآثار الإسرائيلية الباطلة، التي في فيها نكارة، بأن الأنبياء يعترضون على الله.
المتن:
ابن وهب قال: وأخبرني ابن مهدي، عن عمرو بن محمد قال: "سمعت سالم بن عبد الله بن عمر وسأله رجل فقال له: الزنا مقدر، فقال: نعم، قال: كل شيء كتبه الله عليَّ، قال: نعم، قال: كتبه عليَّ ويعذبني عليه؟ قال: فأخذ سالم الحصى فحصبه".
الشرح:
حصبه يعني رماه بالحصب، أخذ الحصب ورماه بها، هذا موقوف على ابن عمر؛ لأن رجل اعترض على ابن عمر، قال: " الزنا مقدر، قال: نعم، فاعترض الرجل فقال: كيف يعذبنا عن شيء كتبه الله علي، فرماه بالحصى ".
وهذا السند ضعيف، بإسحاق بن إبراهيم التجيبي، وهو موصول بالإسناد السابق، والأثر أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة، والآجري في الشريعة، ولكنه موقوف على عبد الله بن عمر، وفيه أن عبد الله بن عمر أدب هذا رماه بالحصى، تأديبًا للذي اعترض على القدر، وليس حديثًا، وليس من كلام النبي، ولكنه من فعل ابن عمر.
المتن:
ابن وهب، وحدثني أنس بن عياض، "أن غيلان وقف على ربيعة، فقال: يا ربيعة، أنت الذي تزعم أن الله يحب أن يعصى، قال ربيعة: ويحك يا غيلان، فأنت الذي تزعم أن يعصى قسرًا".
الشرح:
وهذا أيضًا أثر سنده ضعيف، كما سبق فيه ضعفاء، وفيه أن غيلان اعترض على ربيعة شيخ الإمام مالك، فقال: يا ربيعة، هذا غيلان الدمشقي أول من تكلم بالقدر، الدمشقي الذي أنكر القدر، مبتدع ضال، غيلان هذا قُتل؛ لأنه ينكر القدر، شخص ضال يقال له غيلان الدمشقي.
أول من تكلم في القدر قال بعضهم: معبد الجهمي، وغيلان الدمشقي، هذا غيلان ضال وقف على ربيعة يعترض قال: يا ربيعة أنت الذي تزعم أن الله يحب أن يعصى؛ لأنه قدري، والقدري لا يفرق بين الإرادة الدينية، والإرادة الشرعية.
فقال ربيعة: ويحك يا غيلان، أنت الذي تزعم أن الله يعصى قسرًا، والقسر يعني القهر والغلبة؛ يعني هل أن تزعم أن الله يعصى بدون اختياره؟ قصده من ذلك أن يثبت القدر أن الله تعالى قدر المعاصي لحكم، قدر المعاصي والكفر لحكم؛ ولكن لا يباح دينًا وشرعًا، قدرها كونًا وقدرًا لحكم وأسرار.
من الحكم ظهور آثار العبادة المتنوعة، عبادة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبودية الجهاد في سبيل الله، وعبودية الحب في الله والبغض في الله، كل هذا من الحكم في خلق المعاصي، قال: "أنت التي تزعم أن الله يحب أن يعصى، فقال له ربيعة: ويحك تزعم أن الله يعصى قسرًا"؛ أي بدون اختياره لا يقع في ملك الله إلا ما يريد.
وإذا وقعت المعاصي والكفر بإرادة كونه وقدره، فله الحكمة البالغة في هذا، لما ترتب عليها من الحكم التي يرضاها من المحبوبات لله، وهي العبودية المتنوعة، ولولا خلق الله للكفر والمعاصي ما وجدت العبودية المتعددة، عبودية الاستغفار، عبودية التوبة، عبودية الجهاد في سبيل الله، عبودية الولاء والبراء، عبودية الحب في الله، والبغض في الله، ظهور آثار أسماء الله العفو الغفور الكريم التواب الرحيم، كل هذا آثار أسمائه، كلها سبب تقديره المعاصي والكفر.
المتن:
ابن وهب، وأخبرني ابن مهدي، عن عمر بن ذر، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: "إن الله لو أراد أن لا يعصى لم يخلق إبليس".
الشرح:
وهذا إسناد فيه ضعف، وهو محتمل، والأثر هذا صحيح، وهو موقوف على عمر بن عبد العزيز، وقوله: "إن الله لو أراد"، يعني لو أراد أي كونًا وقدرًا لا دينًا وشرعًا، "لو أراد أن لا يعصى لم يخلق إبليس"، هذا الأثر أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة، والآجري في الشريعة، واللالكائي في السنة، والبيهقي في الاعتقاد، كلهم من طرق عن عمرو بن ذر، فقال البيهقي عقبه: وقد روي في هذا خبر مرفوع رجاله كلهم ثقات.
المتن:
ابن وهب، وأخبرني زيد الحباب، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن سليمان الأعمش، عن سعيد بن جبير أنه قال في قول الله : مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ[النساء/79]. قال: فذنبك وأنا قدرته عليك.
الشرح:
وهذا الإسناد ضعيف، فيه إسحاق التجيبي، وفيه زيد بن الحباب، ثم هو موقوف على سعيد بن جبير، من كلام سعيد بن جبير في تفسير الآية: مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ[النساء/79].
قال: معناها فذنبك وأنا قدرته عليك، يعني ما أصابك من سيئة يعني بسبب ذنبك، وأنا قدرته عليك، قدره لحكمة، هذا تفسير الآية من سعيد بن جبير.
المتن:
وحدثني أحمد بن عون، عن عبد الله بن جعفر بن الورد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الأرطاني، عن أحمد بن أبي الحواري، قال: "سمعت أبا سليمان يقول في قوله : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن[الرحمن/29].
قال: ليس في إحداث، ولكن في تنفيذ ما قدر أن يكون في ذلك اليوم، ليس من أمره شيء يحدث".
الشرح:
وهذا السند موقوف على أبي سليمان، في تفسير الآية: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن/29].
قال: ليس في إحداث ولكن في تنفيذ ما قدر أن يكون ذلك في ذلك اليوم، ليس من أمره شيء يحدث، يعني المقصود ليس من أمره شيء، يحدث يعني أن كل شيء مقدر، المقصود أن يكون كل شيء مقدر؛ ولكن جاء عن بعض السلف في تفسير الآية: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ[الرحمن/29].
قالوا: المعنى يعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويشقي ويسعد، كل يوم هو شأن ، وهذا في تفسير الآية، المقصود من أبي سليمان أن كل شيء مقدر كل شيء سبق به قدر الله بعلمه وكتابته للأشياء.
المتن:
حدثني وهب، عن المعفاني، عن يونس بن عبد الأعلى، عن أشهب عن مالك أنه قال: ما من شيء أبين في الرد على أهل القدر من قول الله : وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا[الإنسان/30].
يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[الإنسان/31].
وقال : إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ[الأعراف/155].
وقال: وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء[إبراهيم/27].
وقال : لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا[الإسراء/4].
وقال مالك رحمه الله تعالى: ومثل هذا في القرآن كثير.
الشرح:
وهذا السند موقوف على الإمام مالك، في إثبات القدر، عن مالك أنه قال: ما من شيء أبين في الرد على أهل القدرية من هذه الآيات.
الإمام مالك يبين رحمه الله إن هذه الآيات فيها رد على القدرية قال: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا[الإنسان/30]؛ بيّن الله تعالى أن مشيئة العبادة تابعة لمشيئة الله.
وقال: يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[الإنسان/31]؛ إذًا أثبت المشيئة له في الرد على من أنكر المشيئة، وهم المعتزلة الذين يقولون: إن مشيئة العباد إرادتهم هم الذين أرادوا أفعال العباد، أفعالهم هم الذين، لم يرد الله وقع العباد من خير أو شر، بل العباد هم الذين أرادوا بأفعالهم وهم الذين خلقوها.
قالوا هذا فرارا من توهم أن الله تعالى إذا قدر المعاصي وعذب عليها يكون ظالمًا قالوا الله ما قدر أفعال العباد، لا الخير ولا الشر والطاعات والمعاصي، العباد هم الذين شاءوا أعمالهم، وهم الذين خلقوها بأنفسهم من دون الله.
فالعبد هو الذي يخلق فعل نفسه، طاعة ومعصية، وهو الذي أراد، والله لم يرد المعاصي، ولم يقدرها ولم يخلقها، بزعمهم أن هذا تنزيه لله عن الظلم، ولكنهم وقعوا في شر ما فروا منه، وقعوا في أن يقع في ملك الله ما لا يريد، وأن مشيئة العبد تغلب مشيئة الله.
الإمام مالك رحمه الله يقول فيها رد على القدرية، هذه الآيات يقول: من أبين ما يكون في الرد على القدرية.
يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[الإنسان/31]؛ إذًا أثبت لنفسه المشيئة.
إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ[الأعراف/155]؛ إذًا الإضلال بمشيئة الله، والهداية بمشيئة الله.
قال: وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء[إبراهيم/27]؛ عام حتى أفعال العباد.
وقال: لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا[الإسراء/4].
يعني إن الله قدر عليهم بنو إسرائيل، لتفسدن يعني في المستقبل، يعني الله كتب عليهم هذا.
وقال مالك رحمه الله: ومثل هذا في القرآن كثير، صدق رحمه الله الآيات في هذا كثيرة، فيها بيان أن الله تعالى قدر الأشياء، وسبق بها، وسبقت بها مشيئته وإرادته، وأنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريد.
خلافًا المعتزلة القدرية القائلين: بأن العباد يريدون ما لا يريده الله، ويشاءون ما لا يشاءه الله، فالله تعالى يريد من عبده الإيمان، والعبد هو الذي يريد الكفر، هذا كما يقولون: والله يريد من عبده الطاعة وهو يريد المعصية، ويقولون: إن العبد هو الذي يخلق المعصية، وهو الذي يخلق الطاعة فرارًا من توهم في زعمهم من توهم أن العبد إذا خلق الله المعصية وعذب عليها، صار ظالمًا، ففروا من ذلك، وقالوا: إن العبد هو اللي يخلق المعصية، وهو اللي يخلق الطاعة، وهو الذي يريد المعصية، وهو الذي يريد الطاعة، وهذا من جهلهم وضلالهم.
وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.