شعار الموقع

شرك كتاب مسائل الجاهلية_5

00:00
00:00
تحميل
77

بسم الله الرحمن الرحيم

القارئ:

الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

المسألة الخامسة والثمانون: الفخر بالأحساب.

شرح الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

المسألة الخامسة والثامنون من مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الجاهلية من الأميين، وأهل الكتاب، والكفرة من الأميين وأهل الكتاب: (الفخر بالأحساب)؛ أي: التفاخر على الناس في الأحساب والأنساب؛ بأن يفخر على غيره بأنه أحسن منه حسبًا، وأحسن منه نسبًا، وهذه من خصال الجاهلية، وقد بيَّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  في الحديث الصحيح أنها باقية في هذه الأمة؛ لقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت».

فهذه من أمور الجاهلية، وهذا الحديث يفيد أمرين:

الأمر الأول:أن هذه الأمور واقعة في هذه الأمة، وأنها لا بد أن تقع.

والأمر الثاني: التحذير من هذه الخصال؛ حتى لا يكون ممن يتخلق بشيء من أخلاق الجاهلية، والأحساب والأنساب، إنما جعلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى للتعارف، يتعارف الناس، وليصل الإنسان رحمه، وليعرف الناس بعضهم بعضًا، لا ليتفاخروا، ولا ليتعاظم بعضهم على بعض، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[الحجرات: 13]، ولم يقل: لتفاخروا.

فالواجب: الحذر من التفاخر بالأحساب، الواجب التواضع لله عَزَّ وَجَلَّ، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10]؛ فأنت أخو المؤمن وهذا أخوك، وليس لك فضل عليه إلا بالتقوى، قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود؛ إلا بالتقوى».

القارئ:

المسألة السادسة والثمانون: الاستسقاء بالأنواء.

شرح الشيخ:

(المسألة السادسة والثمانون: الاستسقاء بالأنواء)، الاستسقاء: طلب السقية والمطر بالأنواء، والأنواء: جمع نوء، وهو النجم، وهذا من خصال الجاهلية، كانوا يستسقون بالأنواء، كانوا يزعمون أنه في كل ثلاثة عشرة ليلة يسقط نجم من جهة المشرق، ويطلع رقيبه من جهة المغرب، وأنه إذا سقط هذا النجم وطلع رقيبه وجد مطر، وينسبونه إليه؛ وهذا باطل لا أصل له؛ فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لم يجعل هذا سببًا في هذا.

والاستسقاء بالنجوم على حالتين:

الحالة الأولى: أن يعتقد أن للنجم تأثيرًا في إنزال المطر؛ هذا شرك أكبر في الربوبية؛ لأن النجم مسخر ليس له من الأمر شيء.

الأمر الثاني: أن يعتقد أن الله تعالى أجرى العادة في إنزال المطر عند سقوط النجم؛ وهذا شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعله سببًا.

أن يعتقد أن النجم سبب في إنزال المطر، أو أن الله أجرى العادة في نزول المطر؛ عند سقوطه؛ وهذا شرك أصغر، إذا اعتقد أن النجم له تأثيرٌ في إنزال المطر؛ فهو شرك أكبر؛ لأنه شرك في الربوبية، وهو من جنس الصابئة قوم إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، الذين بعث إليهم الخليل.

والثاني: أن يعتقد أن النجم سبب في إنزال المطر، وهذا شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعله سببًا.

وهذا الحديث فيه تحذير من خصال الجاهلية «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن ...»، وذكر منها: «الاستسقاء بالنجوم»، والحديث يفيد التحذير من مشابهة أعداء الله في نسبة السقية، والمطر إلى النجم.

القارئ:

المسألة السابعة والثمانون: الطعن في الأنساب.

شرح الشيخ:

(المسألة السابعة والثامنون: الطعن في الأنساب)،الطعن في الأنساب: عيبها وتنقصها؛ بأن تنقص إنساناً بغيره، ويدعي أنه أحسن نسبًا من غيره؛ هذه من خصال الجاهلية، الأنساب لا تقدم ولا تؤخر، والفضل إنما يكون بالتقوى،كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]، وفي الحديث: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»؛ المعنى: من أخره العمل بأن كان عمله سيئًا؛ فلا يلحقه النسب بالصالحين، ولو كان كريمًا، ولو كان من أولاد الأنبياء، لا ينفع الحسب ولا النسب مع سوء العمل؛ ولهذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».

فلا يجوز للإنسان أن يطعن في الأنساب، وأن يعيبها؛ لأن الله تعالى جعل الناس شعوبًا وقبائل، وكانت الأنساب للتعارف، لا للتفاخر، ولا للعيب، فيقول: نسبي أحسن من نسبك، جدي أحسن من جدك على وجه التفاخر، التفاخر بنسبه، وعيب والطعن والعيب في نسب الآخرين؛ كل هذا من خصال الجاهلية المحرمة.

والواجب: الحذر كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي موجودة في هذه الأمة لابد أن توجد، وهذا في علم من علم النبوة حيث قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:«أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت».

القارئ:

المسألة الثامنة والثمانون: النياحة.

شرح الشيخ:

(المسألة الثامنة والثمانون: النياحة على الميت)؛ وهي من الخصال الأربع التي في هذه الأمة، من خصال أهل الجاهلية لا يتركونهن كما في هذا الحديث: «الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت».

والنياحة؛ معنى: رفع الصوت بالبكاء على الميت، وتعداد محاسن الميت، وفعل ما يغضب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ كأن يرفع صوته بالبكاء، الصراخ والعويل على الميت، وتعداد محاسن الميت؛ كأن يقول: كان كذا، وكان عضدي، وكان ناصري، وكان يطعمني، وكان، وكان، يعدد نسبه، يعدد مآثره، ومحاسنه، أو يلطم خدًا، أو يشق ثوبًا، أو ينتف شعرًا؛ كل هذا من النياحة.

والنياحة من كبائر الذنوب؛ ولهذا جاء الوعيد الشديد، قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تتُبْ قَبْل مَوْتِهَا تُقَامُ يوْمَ الْقِيامةِ وعَلَيْها سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، ودِرْعٌ مِنْ جرَبٍ» تسربل النائحة من قطران، ويكون عليها سربال قميص أو سترة من قطران، ويكون عليه درع من جرب؛ حتى يكون اشتعال النار أشد، وحرارته أعظم؛ هذا وعيد شديد، يدل على أنه من الكبائر، "والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ"، الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة.

أما إذا حزن الإنسان بقلبه على الميت، ودمعت عيناه؛ فلا يضر، دمع العين من غير رفع الصوت في البكاء، دمع العين وحزن القلب لا يُلام عليه الإنسان؛ لأن الله تعالى جبل الإنسان على هذا، لابد أن يحزن، من طبيعة الإنسان هذا، جبل على الرحمة، تدمع عينه؛ ولهذا لما مات إبراهيم ابن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان طفلًا صغيرًا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات توفي؛ فحزن عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودمعت عيناه، وقال: عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» ولما جاء جعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة سلف الأمراء الذين بعثهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جيش مؤتة، جاء خبر نعيهم وقتلهم، جلس عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على المنبر، يُعرف في وجهه الحزن.

وكون الإنسان يحزن وقلبه، وتدمع عينه لا يلام؛ إنما يلام على ما يغضب الله من رفع الصوت في البكاء، وأن تعمل جوارحه ما يغضب الله.

ولما مات أبو سلمة دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهله، وقال: «لا تقولوا إلا خيرًا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون»، ثم قال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقده في الغابرين واغفر لنا وله يا ربَّ العالمين» أو كما قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

القارئ:

المسألة التاسعة والثامنون: أن أجل فضائلهم الفخر بالأنساب، فذكر الله فيه ما ذكر.

شرح الشيخ:

(المسألة التاسعة والثامنون: أن أجل فضائلهم الفخر بالأنساب)؛ هذا أجل مآثرهم أهل الجاهلية؛ التفاخر بالأحساب، حتى إنهم أقاموا أسواق يذكرون فيها مآثر الآباء والأجداد، ويتفاخرون، وينشدون الأشعار في مآثر آبائهم وأجدادهم وأسلافهم، يفخر بعضهم على بعض؛ فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك، والتحذير من هذه الخصلة الذميمة؛ ولأن الفخر بالأحساب مما يوغر الصدور، صدور بعضهم على بعض، ويفرق الناس، ويجعلهم شيعًا وأحزابًا، والناس لا فرق بين بعضهم، لا فرق بين الواحد منهم وصاحبه إلا بالتقوى؛ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10]، «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى».

القارئ:

الفخر بالأنساب.

شرح الشيخ:

(الفخر بالأنساب) نعم؛ الأنساب والأحساب متقاربة، يفخر بنسبه، نسبي أحسن من نسبك، قبيلتي أحسن من قبيلتك، أبي وجدي كذا وكذا، ويتفاخر، والإنسان إنما ينفعه عمله، لا ينفعه مآثر آبائه وأجداده، ولو كان آباؤك وأجدادك لهم مآثر، وأنت عملك سيء ما نفعك، ولو كان آبائك وأجدادك لهم أعمال طيبة، وأنت لك أعمال سيئة ما نفعك، إذا كان الإنسان عمله سيء فلا ينفعه نسبه ولو كان من أولاد الأنبياء، كما قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».

القارئ:

المسألة التسعون: أن أجل فضائلهم أيضًا الفخر ولو بحق، فنهي عنه.

شرح الشيخ:

(المسألة التسعون: أن أجل فضائلهم أيضًا الفخر ولو بحق، فنهي عنه)؛ يعني: أن التفاخر على الناس ولو كان بحق لا يجوز، فكيف إذا كان بالباطل؟!

التفاخر بالأحساب باطل، لكن الفخر منهي عنه، ولو كان بحق؛ ولأن التفاخر من أسباب البغي، كما جاء في الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما معناه: «إن الله أوحى إليّ أنْ تواضعوا؛ حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد».

فالتفاخر ولو بحق لا ينبغي؛ فإذا فضلك الله على غيرك بعلم أو مال أو جاه، عليك أن تشكر الله، ولا تفخر، إذا فضلك الله بالعقل، أو فضلك الله بالعلم، أو فضلت بالمال والجاه والسلطان، عليك أن تشكر الله عَزَّ وَجَلَّ، وأن تصرف هذه النعمة وتستعملها في طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ، لا أن تفخر ولو كان بحق، فالعالم، من رزقه الله علمًا عليه أن يزيد تواضعًا وألا يفخر، وكذلك من رزقه الله عقلًا، أو مالًا، أو جاهًا عليه أن يستعمل هذه الأمور في طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ؛ حتى تكون سببًا في نجاته وسعادته، أما إذا استعملها فيما يغضب الله صار سببًا في هلاكه، نسأل الله السلامة والعافية؛ ولهذا لما افتخر الكفار بأموالهم وأولادهم؛ رد الله عليهم أنها لا تنفعهم، وأنها لا تقربهم إلى الله، وأن الذي يقرب إلى الله هو العمل الصالح؛ كما قال سبحانه: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}[سبإ: 35]، رد الله عليهم بقوله: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}[سبإ: 36- 37]؛ فبين الله عَزَّ وَجَلَّ أن الأموال والأولاد لا تقربهم؛ وإنما الذي يقرب إلى الله الإيمان والعمل الصالح.

القارئ:

المسألة الحادية والتسعون: أن الذي لابد منه عندهم تعصب الإنسان لطائفته، ونصر من هو منها ظالمًا أو مظلومًا؛ فأنزل الله في ذلك ما أنزل.

شرح الشيخ:

المسألة الحادية والتسعون من مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكفرة من الكتابيين والأميين: التعصب لطائفته، ونصر من كان من حزبه سواء كان ظالمًا أو مظلومًا؛ فأنكر الإسلام هذه الخصلة ونهى عنها، وحذر منها، من التعصب؛ فلا يجوز للإنسان يتعصب لطائفته، أو لقبيلته، أو لأهل بلده، أو لجنسه، لا يتعصب الإنسان بالقبيلة الفلانية، ولا بالبلد الفلاني، ولا يتعصب للعرب، ولا لغيرهم، بل عليه أن يعمل بالحق، ويقبل الحق، سواء كان معه أو مع غيره، وأن ينصر المظلوم، وأن يحذر من نصر الظالم؛ فإن أهل الجاهلية ينصرون أهل حزبهم وطائفتهم، سواء كانوا ظالمين أو مظلومون؛ فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك، وقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «انصر أخاك ظالـمًا، أو مَظْلومًا»، قيل يا رسول الله: أنصره إذا كان مَظْلومًا، كيف إذا كان ظالـمًا؟ قال: «تَحْجُزُه، وتمنعه؛ فإنَّ ذلك نَصْره».

والواجب على المسلم الحذر من خصال أهل الجاهلية، فلا يتعصب الإنسان لأهل بلده، ولا لطائفته، ولا لأهل مذهبه، ولا لقومه، وإنما يتعصب للحق، إن قيل: إن هذا تعصب، لكن لا يسمى هذا تعصب، وإنما يدور مع الحق حيثما دار، ويكون مع الحق سواء كان معه أو مع غيره، فلا يتعصب للمذهب إذا كان حنبليًّا، بل إذا وجد الدليل مع المالكي أو مع الشافعي أو مع الحنفي يأخذ به، وكذلك الحنفي لا يتعصب لمذهبه، وكذلك الشافعي، وكذلك المالكي، وكذلك أي إنسان لا يتعصب لأهل بلده، والعربي لا يتعصب للعرب، وهكذا، بل على الإنسان ان يقبل الحق، وأن يكون مع الحق أينما كان، فالحق أحق أن يتبع.

القارئ:

المسألة الثانية والتسعون: أن دينهم أخذ الرجل بجريمة غيره، فأنزل الله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}[الأنعام:146].

شرح الشيخ:

(المسألة الثانية والتسعون: أن دينهم أخذ الرجل بجريرة غيره وبجريمة غيره، فأنزل الله قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}[الأنعام:146])،فأهل الجاهلية إذا اعتدى عليهم شخص، أو قتل شخص رجلًا، فإنهم يقتلون واحدًا من القبيلة، ولو كان غير القاتل، وقد يزيدون؛ فإذا قتل منهم شخص قتلوا شخصين، وهذا من الظلم والعدوان، كيف يقتل شخص شخص ثم يقتل آخر ليس له من الأمر شيء؟! كيف يقتل شخص ويقتل عدد أو جماعة؟ ولهذا أنزل اله عَزَّ وَجَلَّ:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}[الأنعام:146].

فإذا قتل شخص شخصا ذهبوا وقتلوا أباه، أو قتلوا أخاه، أو قتلوا ابن عمه، أو قتلوا واحدًا من القبيلة؛ هذا من الظلم والعدوان، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}[الأنعام:146].

يعني: لا يحمل شخص ذنب غيره؛ فإن كل إنسان يحمل ذنب نفسه، لا يحمل ذنب غيره، ولا يؤاخذ الإنسان بما فعله غيره، ولو كان أباه، ولو كان ابنه، الإنسان يؤاخذ بفعله، فأنزل الله هذه الآية، وأنزل سُبحَانَهُ وَتَعَالى القصاص؛ فقال سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: 179]، قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}[البقرة: 179]، والقصاص: قتل القاتل بمثل ما قتل به، وقتل غير القاتل ظلم وعدوان، قتل القاتل بمثل ما قتل به؛ فإذا قتله بالسيف قتل بالسيف، وإذا قتله بإلقاءه في الساحق يُلقى في السحق، وإذا قتله بالسم يقتل بالسم، وهكذا، هذا هو القصاص، وهذا هو العدل، قتل القاتل بمثل ما قتل به؛ أما قتل غيره؛ فهذا من الظلم والعدوان، ولهذا حذر الإسلام، ونهى عن ذلك أشد النهي.

القارئ:

المسألة الثالثة والتسعون:تعيير الرجل بما في غيره، فقال: «أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية».

شرح الشيخ:

 (الثالثة والتسعون: تعيير الرجل بما في غيره)، فنهى الإسلام عن ذلك، وقال: («أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية») وهذا وقع لأبي ذر رَضِي اللهُ عَنْهُ؛ لما حصل بينه وبين بلال خصومة عيره بأمه وقال له: يا ابن السوداء؛ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي ذر: («أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية») فقال يا رسول الله: أعلى كبر سني؟ قال: «نعم»، هذه من خصال الجاهلية.

استدل العلماء بهذا الحديث على أن الإنسان الرجل الصالح؛ قد يكون فيه شيء من خصال الجاهلية؛ لأن أبا ذر من خيار المؤمنين، ومن الصحابة الأجلة، ومع ذلك صارت فيه هذه الخصلة، ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبه، وحذره من ذلك، والصحابة أصدق الناس إلى امتثال أمر الله، وأمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى قبول الأوامر الإلهية والنبوية.

وهذا فيه تحذير من أن يعير الإنسان شخصًا بشيء ليس فيه، فالإنسان لا يعير ولا يعاب بما في أبيه، أو بما في ابنه، أو بما في جده، أو خاله، أو ابن عمه، لا يعير الإنسان ولا يعاب؛ إنما يعاب صاحب العيب، صاحب العيب، من فعل العيب هو الذي يعار، أما أن يعير شخصٌ آخر ولو كان له به صله؛ فهذا من خصال الجاهلية، الذميمة التي نهى الإسلام عنها.

القارئ:

المسألة الرابعة والتسعون: الافتخار بولاية البيت، فذمهم الله بقوله: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ}[المؤمنون:67].

شرح الشيخ:

(الخامسة والتسعون: الافتخار بولاية البيت، فذمهم الله بقوله: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ}[المؤمنون:67]) فالفخر بولاية البيت، الجاهلية كانوا يفتخرون بولاية البيت، وأنهم يلونه، وأنهم أهل البيت، وسداد البيت، وأن معهم مفاتيح البيت؛ فذمهم الله بقوله: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ}[المؤمنون:67]، ولما افتخروا بأنهم يسقون الحجيج الماء، وأنهم عامروا المسجد الحرام، وأن هذا من أفضل الأعمال، بين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن هذه الأعمال "سقاية الحج، وعمارة المسجد الحرام" لا يمكن أن تقارن بالإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله، قال سبحانه: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚوَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[التوبة: 19- 22].

فافتخار قريش بولاية البيت؛ مع كفرهم بالله لا يفيد، لا ينفعهم؛ لأن الكافر لا ينفعه أي عمل، وإنما الذي ينفع الأعمال إنما تنفع مع الإيمان والعمل الصالح، ثم أيضًا مع الإيمان والعمل الصالح لا يجوز للإنسان أن يفتخر، حتى ولو كان بحق، فكيف إذا افتخر بالباطل؟! ولا يجوز للإنسان أن يفتخر لا بحق، ولا بالباطل، الفخر ممنوع؛ وإنما على الإنسان إذا أنعم الله عليه بنعمة، وخصه بشيء؛ فإن عليه أن يشكر الله عَزَّ وَجَلَّ، وأن يصرف هذه النعمة في مرضات الله عَزَّ وَجَلَّ، يستعملها في طاعته.

القارئ:

المسألة الخامسة والتسعون: الافتخار بكونهم ذرية الأنبياء، فأتى الله بقوله: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ}الآية [البقرة: 134].

شرح الشيخ:

(المسألة الخامسة والتسعون: الافتخار بكونهم ذرية الأنبياء)، فأنزل الله هذه الآية {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ} الآية [البقرة: 134]؛ فالافتخار بكون الإنسان من أولاد الأنبياء، أو سُلالة الأنبياء، أو من ذرية الأنبياء، أو الافتخار بأن الإنسان من العرب، أو من ذرية إسماعيل لا يفيده، ولا يقدمه عند الله، وقد شابه أهل الجاهلية في هذا الافتخار؛ ولهذا رد الله عليهم: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} يعني: مضت، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ}؛ لها ما كسبت من الأعمال الصالحة، ولها ثوابها، ولكم ما كسبتم أنتم، وفي الآية الأخرى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: 286]؛ لها ما كسبت من الحسنات، وعليها ما اكتسبت من السيئات.

وكذلك الإنسان إذا أفتخر بأنه من ذرية الأنبياء؛ فإن هذا لا يفيده؛ لأن الذي يفيد هو العمل؛ ولهذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»؛ يعني: من أخره العمل بأن كان عمله سيئًا، فلا يلحقه نسبه الشريف بالأخيار؛ لأن النسب لا يقدم ولا يؤخر؛ الذي يلحقه بالأخيار وينزله منازل المتقين هو الإيمان والعمل الصالح.

القارئ:

المسألة السادسة والتسعون: الافتخار بالصنائع، كفعل أهل الرحلتين على أهل الحرث.

شرح الشيخ:

(المسألة السادسة والتسعون: الافتخار بالصنائع، كفعل أهل الرحلتين على أهل الحرث)، من خصال الجاهلية الافتخار بالصنائع، إذا كان الإنسان في يده صنعة، أو كان في يده تجارة، أو كان في يده حرفة؛ بأن يكون كاتبًا، أو مثلًا: بيده وظيفة بأن يكون تاجرًا، أو زارعًا، أو وزيرًا، أو مديرًا، أو له صنعة فيها رفعة له يفتخر على الناس، هذه من خصال الجاهلية، والافتخار ممنوع أي كان، لو كان الافتخار بالنسب، أو الافتخار بالصنعة، أو الافتخار بالعلم، أو بالعقل، أو بالمال كل هذا من خصال الجاهلية.

والواجب على من أتاه الله مهنة، أو صنعة، أو شرفًا أن يشكر الله، وأن يستعمل ذلك في مرضات الله.

وأهل الجاهلية يفتخرون بالصنعتين، كان أهل قريش لهم رحلتان: رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام للتجارة، كانوا يفتخرون بذلك على أهل الحرث، أهل الزراعة؛ يعني: مكة ما عندهم زراعة، عندهم تجارة، رحلتان لهم رحلتان رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، يحصلون على أموال وتجارة، ويفتخرون على أهل المزارع في الأمصار الأخرى؛ فبيَّن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن هذه النعم هي عليهم، وأن عليهم أن يشكروا الله، وأن يعبدوه، ويوحدوه، ويتبعوا رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقال فأنزل الله هذه السورة الكريمة سورة قريش:{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}[قريش: 1- 4].

عليهم أن يعبدوا رب هذا البيت الذي سهل، ويسر لهم هاتين الرحلتين، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من المخاوف، عليهم أن يشكروا الله، لا ليفتخروا على أهل المزارع، وأهل الحرث، فالافتخار ممنوع حتى ولو بحق؛ فكيف إذا كان بالباطل.

القارئ:

المسألة السابعة والتسعون: عظمة الدنيا في قلوبهم، كقولهم: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف: 31].

شرح الشيخ:

المسألة السابعة والتسعون: عظمة الدنيا في نفوسهم، هذه من خصال الكفرة، أن الدنيا عظيمة في نفوسهم؛ لأنهم لا يرجون ما عند الله؛ لأن همهم هذه الدنيا، وليس لهم همة عالية، لا تتجاوز همتهم الدنيا؛ ولهذا ركنوا إليها، وأحبوها، وكرهوا الموت؛ ولهذا لما ادعى اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه أنكر الله عليهم، وبيَّن أنهم كذبة في هذا، وأنهم لو كانوا صادقين، إن كانوا صادقين فليتمنوا الموت، قال سبحانه: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 94]، ثم أخبر الله قال: {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}[البقرة: 95]،

وكذلك قريش الكفرة لما عظمت الدنيا في قلوبهم، وفي نفوسهم؛ أنكروا أن تكون الرسالة لمحمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رجل يتيم فقير ليس في يده مال، ولا جاه، ولا سلطان، ثم يعطى النبوة، قالوا: لماذا لا تعطى النبوة، وينزل القرآن على رجل شريف تاجر عنده أموال، وله مكانة في المجتمع، ومركز في المجتمع كعظيم الطائف، وعظيم مكة، وقالوا: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف: 31].

ما تعطى النبوة إلا لهذا اليتيم الفقير! لماذا لا يعطى هذا؟ عروة بن مسعود الثقفي هذا الشريف، الذي له مكانة في المجتمع في الطائف، أو الرجل الشريف الآخر في مكة، ما يختار إلا هذا اليتيم الفقير! هذا تحكم على الله، وقالوا: ({لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف: 31])، رد الله عليهم بقوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف: 32].

القارئ:

المسألة الثامنة والتسعون: التحكم على الله كما في الآية.

شرح الشيخ:

(المسألة الثامنة والتسعون: التحكم على الله كما في الآية) كما تحكموا على الله وقالوا: لماذا ينزل ربنا الرسالة والنبوة على هذا اليتيم الفقير، والقرآن؟! لماذا لم يختار للنبوة وإنزال القرآن رجل شريف له مكانة ووجهة في المجتمع؟! هذا تحكم على الله، فالتحكم على الله، والاعتراض على الله من خصال الكفرة، وهذا يفيد الحذر من المشابهة بأعداء الله.

والواجب على المسلم أن يُسلم لله، ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليعلم أن الله حكيم، والله تعالى له الحكمة، وهو سبحانه أعلم بالمحل الذي يصلح لغرس الكرامة، فيختاره سبحانه، كما قال سبحانه: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[القصص: 68].

القارئ:

المسألة التاسعة والتسعون: ازدراء الفقراء، فأتاهم الله بقوله:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}[الأنعام:52].

شرح الشيخ:

(المسألة التاسعة والتسعون: ازدراء الفقراء)؛ يعني: احتقارهم وعيبهم وتنقصهم؛ فأنزل الله هذه الآية:({وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}[الأنعام:52])، ولما جاء أشراف قريش للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعنده الضعفاء كبلال بن رباح وصهيب الرومي وسلمان الفارسي، ازدروا هؤلاء الفقراء؛ فقالوا: اطرد اطردهؤلاء الفقراء حتى نسمع منك، حتى نسمع ما عندك؛ فأنزل الله {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنعام:52]، وفي الآية الأخرى قال سبحانه: {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: 28].

القارئ:

المسألة المائة: رميهم أتباع الرسل بعدم الإخلاص وطلب الدنيا، فأجابهم بقوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} الآية [الأنعام: 52] وأمثالها.

شرح الشيخ:

(المسألة المائة: رميهم أتباع الرسل بعدم الإخلاص وطلب الدنيا)؛ وهذا من تلبيس أعداء الله، وتمثيلهم، وصدهم الناس عن دين الله، يرمون أتباع الأنبياء بعدم الإخلاص، وأنهم ليسوا مخلصين، وإنما يطلبون الدنيا، ولهم مطامع؛ فأنزل الله ردًّا عليهم: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} الآية [الأنعام: 52]، وما من حسابك عليهم شيء، حسابهم على الله، الله تعالى هو الذي يحاسب عباده، والسرائر والقلوب لها الله عَزَّ وَجَلَّ، والإسلام إنما يحكم بالظاهر، وأما البواطن فإلى الله، وهذه الخصلة موجودة في كثير من الناس، يتدخلون في السرائر والنيات، ويقول: فلان منافق، فلان كذا، فلان يقصد كذا، فلان ليس صادقًا في تدينه، فلان ليس صادقًا في إعفاء لحيته، فلان كذا، وفلان كذا، هذا من مشابهة أعداء الله.

الواجب على الإنسان الحذر من هذه الخصلة، ومن أظهر الخير فإننا نظن به خيرًا، ليس لنا إلا الظاهر، وأما نيته وقلبه وكذا ندعه إلى الله، أما أن نتدخل بغير دليل هذا لا يجوز، أما إذا وجد دليل فلا بأس، إذا وجد الدليل يحكم الإنسان به، أما أن يظن بالناس ظنًا مجردًا ليس عليه دليل؛ فهذا هو الظن الباطل الذي يجب اجتنابه كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}[الحجرات: 12]، وهو الذي لم يقم عليه دليل، فالظن بغير دليل هو الإثم، أما إذا قام الدليل فلا بأس.

القارئ:

المسألة الحادية بعد المائة: الكفر بالملائكة.

شرح الشيخ:

(المسألة الحادية بعد المائة: الكفر بالملائكة)؛ هذا من خصال الجاهلية؛ فإن أهل الجاهلية أنكروا الملائكة، وأنهم أشخاص، وذوات محسوسة، وقالوا: إن الملائكة بنات الله؛ فأنكر الله عليهم، ورد عليهم بقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف: 19]؛ هذا وعيد شديد، ما شهدوا خلقهم، ولا حضروه، والقوم يسألون عن هذه الشهادة، وسماها الله شهادة؛ فدل على أنه من أخبر شيء فإنه يعتبر شهادة، وكذلك أعداء الله من الفلاسفة أنكروا الملائكة، الفلاسفة؛ فلاسفة اليونان أرسطوا وأتباعه؛ كابن سينا، والفرابي يقولون: ينكروا أن تكون الملائكة ذوات وأشخاص محسوسة، تنزل وتطلع بصورة، وتجيء وتخاطب الرسول، وتصف عند ربها، وتكتب أعمال العباد، ولها وظائف، يقولون: هي أشباح وأشكال نورانية يتصورها النبي في نفسه، فهؤلاء الكفرة أعداء الله أنكروا الملائكة.

القارئ:

المسألة الثانية بعد المائة: الكفر بالرسل.

شرح الشيخ:

(الثانية بعد المائة: الكفر بالرسل)؛ هذه من خصال الكفرة، ومن أعمالهم الكفرية التي صاروا بها كفارًا مخلدين في النار إذا ماتوا عليها خالفوا الرسل؛ لأن الرسل، الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان، وأصل من أصول الدين، وكذلك الإيمان بالملائكة، وهذه أصول جاءت من الشرائع، أنزلت بها الكتب، وأرسل الله بها الرسل، واتفق عليها جميع المسلمين، فمن أنكر واحدًا منها خرج عن دائرة الإسلام، وصار من الكافرين.

الإيمان بالله؛ هذا الأصل الأول.

الثاني: الإيمان بالملائكة.

الثالث: الإيمان بالكتب.

الرابع: الإيمان بالرسل.

الخامس: الإيمان باليوم الآخر.

السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره.

كما سبق الكلام عليها، فهذه أصول الدين، وأركان الإسلام، أركان الإيمان، لابد من الإيمان بها؛ فمن جحد واحدًا منها خرج عن دائرة الإسلام، وصار من أهل الأوثان، نسأل الله السلامة والعافية.

القارئ:

المسألة الثالثة بعد المائة: الكفر بالكتب.

شرح الشيخ:

(المسألة الثالثة بعد المائة: الكفر بالكتب) فسبق أن الإيمان بالكتب أصل من أصول الدين، وركن من أركان الإيمان، فمن لم يؤمن بالكتب المنزلة فهو من أهل الكفر.

القارئ:

المسألة الرابعة بعد المائة: الإعراض عما جاء عن الله.

شرح الشيخ:

(المسألة الرابعة بعد المائة: الإعراض عما جاء عن الله)؛ وهذا أيضًا من نواقض الإسلام، من أعرض عن دين الله، لا يتعلم، ولا يعبد الله فهو كافر في هذا الإعراض، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ}[الأحقاف: 3]؛ فنواقض الإسلام متعددة:

قد يكون بالاعتقاد: كأن يعتقد أن لله صاحبة أو ولدا؛ فيكون مرتد في هذا الاعتقاد.

أو يجحد ربوبية الله، أو شيء من أسمائه، أو صفاته، أو ألوهيته، أو يجحد الملائكة، أو الكتب، أو الرسل، أو يجحد البعث بعد الموت، أو يجحد القدر؛ فيكون كافرًا في هذا الاعتقاد.

وقد يكون الناقض من نواقض الإسلام عمل: كأن يسجد للصنم؛ فيكون مرتد بهذا العمل، يسجد للصنم، أو يدوس المصحف بقدميه، أو يوسخه بالنجاسة؛ فيكون كافرًا.

وقد تكون الردة في القول: كأن يسب الله، ويسب رسوله، أو يسب دينه، أو يستهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله؛ فيكون مرتدًا بهذا القول.

وقد تكون الردة في الشك: كأن يشك في الملائكة، أو في الكتب، أو في الرسل، أو في البعث، أو في الجنة، أو في النار؛ فيكون مرتدًا بهذا الشك.

وقد يكون بالإعراض:كأن يعرض عن دين الله، لا يتعلم، ولا يأخذ به.

فالكفر يكون بالاعتقاد بالقلب، ويكون بالقول، ويكون بالفعل، ويكون بالشك، ويكون بالإعراض؛ خلافًا للمرجئة؛ المرجئة يقولون: ما يكون الكفر إلا بالقصد؛ لابد يعتقد؛ أما إذا سجد للصنم يكون هذا ليس كفر؛ لكن دليل على الكفر، ننظر إلى قلبه إذا كان عنده جحود؛ وإلا فلا كفر، وإذا سب الله وسب الرسول؛ يقول: هذا ليس بكفر أو دليل على كفر؛ هذا من أبطل الباطل.

الكفر يكون بالاعتقاد، ويكون بالقول، ويكون بالفعل، ويكون بالشك، ويكون بالإعراض.

القارئ:

(المسألة الخامسة بعد المائة: الكفر باليوم الآخر).

شرح الشيخ:

(المسألة الخامسة بعد المائة: الكفر باليوم الآخر) هذا كفر بأصل من أصول الدين، وركن من أركان الإيمان، كما في حديث جبريل لما سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان قال: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره»، فمن كفر باليوم الآخر وأنكره فهو مرتد بإجماع المسلمين، خارج من الملة، فهذه من خصال الكفرة، من الكفرة الأميون، ومن أهل الكتاب منهم من ينكر اليوم الآخر، واليوم الآخر هو يوم القيامة، واليوم الأول هي الدنيا، والآخر مقابل اليوم الأول، فالدنيا هي كلها يوم اليوم الأول، والآخرة هي يوم الآخر، وقيل له: آخر؛ لأن ليس بعده يوم، واليوم الآخر هو يوم القيامة.

فمن أنكر هذا اليوم فهو كافر، من أنكر البعث بعد الموت، وأن الله يبعث الأجساد، ويعيدها الذرات التي استحالت؛ فهو كافر، كذلك من أنكر الجنة، أو النار، والصراط، والميزان، وأنكر ما يكون في القبر من سؤال منكر ونكير، وعذاب القبر ونعيمه؛ فإنه كافر، نسأل الله السلامة والعافية.

القارئ:

(المسألة السادسة بعد المائة: التكذيب بلقاء الله).

شرح الشيخ:

(المسألة السادسة بعد المائة: التكذيب بلقاء الله)؛ وهذا كفر وضلال، فمن كذب بلقاء الله فهو كافر، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}[يونس: 45]؛ فمن كذب بلقاء الله فإنه كافر؛ فإن الله تبارك وتعالى يحاسب العباد يوم القيامة، ويحاورهم محاورة، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا}[الانشقاق: 6- 12].

فمن كذب بلقاء الله فهو مكذب للقرآن، ومن كذب بالقرآن كفر، فلابد من الإيمان بلقاء الله، وأن كل إنسان يلاقي ربه يوم القيامة، ويحاسبه الله محاسبة، فالله تعالى يجمع الخلائق في صعيد واحد، فينفذهم البصر، ويسمعهم الدَّاعِي ، ويحاسب الجميع في وقت واحد، لا يلهيه شأن عن شأن؛ فكل إنسان ملاقي ربه.

القارئ:

المسألة السابعة بعد المائة: التكذيب ببعض ما أخبرت به الرسل عن اليوم الآخر.

شرح الشيخ:

(المسألة السابعة بعد المائة: التكذيب ببعض ما أخبرت به الرسل عن اليوم الآخر)؛ مما يكون في اليوم الآخر، وهذا كفر وضلال، فمن كذب بجميع ما يكون في اليوم الآخر فهو كافر، ومن كذب ببعض ما أخبرت به الرسل فهو كافر.

اليوم الآخر يبعث الله فيه الأجساد، وينزل الله مطرًا تنبت منه أجساد الناس؛ فإذا تم خلق قرون الشؤون تنشأة قوية، الذوات هي هي، والصفات تختلف، ثم يأمر الله إسرافيل بالنفخ في الصور؛ فتتطاير الأرواح إلى أجسادها، ويقوم الناس من قبورهم للحساب؛ فمن أنكر بعث الأجساد فهو كافر بنص القرآن، قال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}[التغابن: 6]، أمر الله نبيه أن يخبر عن البعث في ثلاث مواضع من كتابه؛ هذا الموضع الأول.

والثاني:قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ}[التغابن: 6]؛ يعني: البعث، {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}[التغابن: 6].

والثالث:قوله تعالى في سورة سبأ:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}[سبأ: 3].

وكذلك من أنكر لقاء الله فهو كافر هذا مما يكون في يوم القيامة، وكذلك من أنكر الجنة فهو كافر، من أنكر النار فهو كافر، من أنكر الصراط والميزان، من أنكر الحشر والنشر، فمن أنكر اليوم الآخر فهو كافر، ومن أنكر بعض ما يكون في اليوم الآخر فهو كافر؛ وهذا من خصال أهل الجاهلية؛ لأنهم هم الذين يجحدون اليوم الآخر، أو يجحدون بعض ما يكون في اليوم الآخر.

القارئ:

قال: التكذيب ببعض ما أخبرت به الرسل عن اليوم الآخر، كما في قوله: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ}[الكهف: 105].

شرح الشيخ:

نعم؛ هذا كفر ببعض ما أخبرت به الرسل وهو لقاء الله.

القارئ:

ومنها التكذيب بقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: 2].

شرح الشيخ:

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: 2]؛ هو يوم الجزاء والحساب؛ فإذا كذب بالجزاء وبالحساب كفر.

القارئ:

وقوله: {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ}[البقرة: 254].

شرح الشيخ:

نعم؛ أخبر الله أن يوم القيامة لا بيع فيه، ولا خلة، ولا شفاعة؛ فمن كذب وقال: فيه بيع وخلة وشفاعة؛ فقد كفر؛ لأنه مكذب لله.

القارئ:

وقوله: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف: 68].

شرح الشيخ:

{إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف: 68]؛ يعني: لابد أن يكون الإنسان إذا تكلم بشيء يكون عن علم وشهادة، وهؤلاء يكذبون بشيء لا يعلموه، ومن كذب بشيء لم يعلمه من أمور الغيب كان كافرًا.

القارئ:

المسألة الثامنة بعد المائة: الإيمان بالجبت والطاغوت.

شرح الشيخ:

(المسألة الثامنة بعد المائة: الإيمان بالجبت والطاغوت)؛ هذا من خصال الجاهلية، و(الجبت): كل ما لا خير فيه، ولا فائدة، ويدخل في ذلك السحر، و(الطاغوت): كل ما عبد من دون الله، كل ما تجاوز فيه العبد حدّه من معبود أو متبوع أو مطاع، ويدخل في ذلك الكهان، وعبادة الشيطان.

فأهل الجاهلية من خصالهم أنهم يؤمنون بالجبت والطاغوت، يؤمنون بالسحر، وبالكهانة، وبالتحاكم إلى الكهان، وبعبادة غير الله؛ كل هذا من الجبت والطاغوت، فمن آمن بالجبت والطاغوت فإنه كافر، وهو من مشابه أهل الجاهلية أعداء الله.

القارئ:

المسألة التاسعة بعد المائة: تفضيل دين المشركين على دين المسلمين.

شرح الشيخ:

(المسألة التاسعة بعد المائة: تفضيل دين المشركين على دين المسلمين)؛ وهذا ردة عن الإسلام،  وهذا ردة، من فضل دين المشركين على دين المسلمين؛ فهو كافربإجماع المسلمين، ومن ذلك أن قريش جاؤوا إلى اليهود في المدينة وقالوا لهم: أنتم أهل الكتب، أنزل الله عليكم الكتب، فهل نحن خير أم محمد؟ هل ديننا خير أم محمد؟ فقالوا: ما أنتم؟ قالوا: نحن أهل البيت، وأهل الحرم، وأهل الكرامة والضيافة، ننحر السوماء من الإبل ونطعم ونسقي، وأما محمد فهو (51:24) اتبعه طراق الحديد من مزينة ومضر، فقالوا: لهم: أنتم أحسن دينًا من محمد، فأنزل الله هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِأَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}[النساء: 51- 52].

فهؤلاء الكفرة اليهود فضلوا ما عليه قريش من الوثنية على دين الله، على التوحيد دين الله الذي دعا إليه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن فضل دين الكفرة على دين الإسلام فهو من أهل الكفر والضلال.

القارئ:

المسألة العاشرة بعد المائة: لبس الحق بالباطل.

شرح الشيخ:

(المسألة العاشرة بعد المائة: لبس الحق بالباطل)،فأهل الجاهلية يلبسون الحق بالباطل، من الأميين وأهل الكتاب، فقد أخبر الله عنهم وحذرهم ونهاهم: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}[البقرة: 40-42] هذا لبس {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 42]؛ فلبس الحق بالباطل من خصال الكفرة من اليهود والأميين.

والواجب على المسلم أن يحذر من لبس الحق بالباطل، وأن يبين الحق ويوضحه ويقبله ويرضا به ويختاره، وأن يحذر من اختيار الكفر، أو تلبيبس الحق بالباطل؛ حتى لا يشابه الكفرة وأعداء الله، سواء كان في الفروع أو في الأصول.

القارئ:

المسألة الحادية عشرة بعد المائة: كتمان الحق مع العلم به.

شرح الشيخ:

(المسألة الحادية عشرة بعد المائة: كتمان الحق مع العلم به) كما في هذه الآية: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 42]؛ فمن خصال الكفرة كتمان الحق مع العلم، لا مع الجهل؛ فاليهود كتموا الحق مع العلم، يعلمون أن محمد رسول الله حقًّا، وأنه هو نبي الله حقًّا، كما أنهم يعرفون أبنائهم، ليس عندهم شك، ومع ذلك جحدوه وكتموا الحق، وقالوا: لا ليس هذا هو النبي حسدًا وبغيًا، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ}؛ يعني: محمد، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة: 146]، لا عن جهل يكتمون الحق ومع العلم، وهذا فيه تحذير للمسلم من أن يتصف بخصال الكفرة، من كتم الحق مع العلم، والواجب عليه الاعتراف بالحق وقبوله وإظهاره، والحذر من كتمانه.

القارئ:

المسألة الثانية عشرة بعد المائة: قاعدة الضلال، وهي القول على الله بلا علم.

شرح الشيخ:

(المسألة الثانية عشرة بعد المائة: قاعدة الضلال، وهي القول على الله بلا علم) هذه من خصال الكفرة، القول على الله بلا علم هذا من الكفر، قد جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى القول على الله بلا علم فوق الشرك، وجعله من إرادة الشيطان، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: 33]، الإثم والفواحش، {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}[الأعراف: 33]، الفواحش والإثم والبغي بغير الحق والشرك والافتراء على الله بلا علم.

جعل الله الافتراء على الله بلا علم في المرتبة الخامسة، أعظم من الشرك، فوق الشرك، وجعل القول على الله بلا علم في الآية الأخرى من إرادة الشيطان، في آية البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة:168-169].

فجعل القول على الله بلا علم من أمر الشيطان وإرادته، وما جاءت إلا لأن القول على الله بلا علم يشمل الشرك وغيره؛ فمن أشرك بالله فقد قال على الله بلا علم، وزعم أن لله شريكًا، وتنقص الرب سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وصرف ما لحقه إلى غيره.

ومن القول على الله بلا علم: ادعاء علم الغيب، ومن القول على الله بلا علم: إنكار أسمائه وصفاته وأفعاله، وتأويلها، وتحريف الكلم عن مواضعه، ومن القول على الله بلا علم: التحليل والتحريم بغير دليل، {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[النحل: 116]؛ فهذه قاعدة الضلال، وهي القول على الله بلا علم.

القول على الله بلا علم في أسمائه، وفي صفاته، وفي أفعاله، وفي حقه سبحانه كفقه العبادة، والقول على الله بلا علم في شرعه ودينه، في الأحكام، يشرع للناس بغير دليل، هذا من القول على الله بلا علم، يأمر بالباطل ويقول: إن هذا من الشرع، هذا من القول على الله بلا علم، يفعل الباطل ويقول: هذا من الشرع، هذا من القول على الله بلا علم، ينكر أسماء الله، يجحد أسماء الله ويتأولها بالباطل، ويقول: معنى استوى: استولى؛ هذا من القول على الله بلا علم، يفتي بالباطل هذا من القول على الله بلا علم، يقول: هذا حرام بغير دليل؛ هذا من القول على الله بلا علم، يقول: هذا حلال بغير حلال؛ هذا من القول على الله بلا علم؛ فالقول على الله بلا علم قاعدةالضلال، يشمل الشرك وغيره، نسأل الله السلامة والعافية؛ ولهذا جعلها الله في المرتبة الخامسة فوق الشرك، فهي قاعدة الضلال.

القارئ:

المسألة الثالثة عشرة بعد المائة: التناقض الواضح لما كذبوا الحق، كما قال تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ}[ق: 5].

شرح الشيخ:

(المسألة الثالثة عشرة بعد المائة: التناقض الواضح لما كذبوا الحق) لما تبين لهم في قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ}[ق: 5]، فهم يتناقضون، الكفرة يتناقضون، وقد سبق في بعض المسائل أمثلة لتناقضهم، فهم يزعمون أنهم يتبعون الحق، ويخدمون الحق، فلما جاءهم الحق تناقضوا، وشكوا، وصاروا في أمر مريج؛ ولهذا أنزل الله: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ}[ق: 5]هم يقولون:نريد الحق، ونريد شيئًا واضحًا يدلنا على الحق، فجاءهم الحق الواضح؛ فتناقضوه وكذبوه.

فالواجب على المسلم أن يقبل الحق، وأن يحذر من خصال الكفرة للتكذيب بالحق بعد وضوحه وظهوره.

القارئ:

المسألة الرابعة عشرة بعد المائة: الإيمان ببعض المنزل دون بعض.

شرح الشيخ:

(المسألة الرابعة عشرة بعد المائة: الإيمان ببعض المنزل دون بعض) وهو أن يؤمن بما يوافق هواه، ولا يؤمن بما لا يوافق هواه؛ فيكون متبعًا لهواه؛ وهذا كفر وضلال، فمن آمن ببعض ما أنزل الله، وكفر ببعض ما أنزل الله؛ فهو كافر بالجميع، ولما فعل بعض بني إسرائيل ما أنزل عليهم وتركوا البعض؛ توعدهم الله، وجعل ذلك ردة؛ فإن الله أخذ الميثاق على بني إسرائيل أنهم لا يسفكون، لا يسفك بعضهم دم بعض، ولا يخرجونهم من ديارهم، ثم بعد ذلك فعلوا فعل شيئًا مما نهاهم الله عنه، وتركوا شيئًا مما نهاهم الله عنه؛ فحصل القتال بين اليهود، فإنهم يسفك بعضهم دم بعض، ثم بعد ذلك يحصل مفداة الأسرى؛ فأنكر الله عليهم ذلك، وجعل هذا من الإيمان بالبعض المنزل والكفر بالبعض الآخر، قال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة: 84- 85].

فهؤلاء اليهود عملوا ببعض ما أخذ عليهم من الميثاق، ولم يعملوا بالبعض الآخر؛ فهم يقتلوا بعضهم بعضا، ويخرج بعضهم من ديارهم، ثم يفادون الأسرى؛ فمن آمن ببعض المنزل وكفر ببعض المنزل فإنه كافر بالجميع؛ لأنه متبع لهواه، ولأنه جاحد للحق، والواجب على المسلم أن يؤمن بجميع ما أنزل الله؛ فمن أنكر شيء مما أنزل الله فهو كافر، من أنكر وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو وجوب الحج، أو أنكر تحريم الزنا، أو تحريم الربا، أو تحريم الخمر، مما هو المعلوم من الدين بالضرورة فإنه كافر، لابد من الإيمان بجميع ما أنزل الله.

القارئ:

المسألة الخامسة عشرة بعد المائة: التفريق بين الرسل.

شرح الشيخ:

(المسألة الخامسة عشرة بعد المائة: التفريق بين الرسل)؛ فيؤمنون ببعض الرسل، ويكفرون بالبعض، كما فعل اليهود؛ فإنهم يزعمون أنهم آمنوا بموسى، يفرقون فيؤمنون بموسى ويكفرون بمحمد؛ وهذا كفر بالجميع، من كفر بواحد من الأنبياء؛ فهو كافر بالجميع، ومن كذب واحد من الأنبياء؛ فهو مكذب للجميع، كما أخبر الله بقوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء: 105] نوح كذبوا واحد، كذبوا نوح؛ لكن الله جعل تكذيبهم لنوح تكذيب للجميع، {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء: 123] كذبوا نبيهم واحد هود؛ فجعله الله تكذيبًا للجميع، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء: 141]، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء: 160]، {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء: 176].

وذلك أن دين الأنبياء واحد، دين الأنبياء هو التوحيد، كل الأنبياء أمروا بتوحيد الله، ونهوا عن الشرك، وأمروا بطاعة الأنبياء، وتعظيم الأوامر، أما الشرائع فهي تختلف، كما قال سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة: 48].

والأنبياء متضامنون، فالمتقدم فسر بالمتأخر، والمتأخر صدق بالمتقدم، دينهم واحد، فمن فرق بين الرسل، وآمن ببعض وكفر ببعض؛ فهو كافر بالجميع، ولا يعتبر إيمانهم ببعض الرسل إيمانًا.

القارئ:

المسألة السادسة عشرة بعد المائة: مخالفتهم فيما ليس لهم به علم.

شرح الشيخ:

(المسألة السادسة عشرة بعد المائة: مخالفتهم فيما ليس لهم به علم)؛ فهذا من خصال الكفرة أنهم يخالفون شيئًا لا يحيطون به علمًا، لا يعلمونه، والواجب على المسلم أن لا يخالف، وأن لا يزعم شيئًا، ولا يدعي شيء إلا بعلم، أما أن يخالف، وينكر شيئًا لا يحيط به علمًا فهذا من خصال الكفرة؛ فالشيء الذي لا يحيط به علمًا يكل علمه إلى الله، حتى يتبين له الحق، يتوقف ويكل علمه إلا الله، أما أن يخالف وينكر شيئًا وهو لا يعلمه؛ هذا باطل، وهو من خصال الكفرة.

القارئ:

المسألة السابعة عشرة بعد المائة: دعواهم اتباع السلف مع التصريح بما خالفتهم.

شرح الشيخ:

(المسألة السابعة عشرة بعد المائة: دعواهم اتباع السلف مع التصريح بما خالفتهم)؛يدعون أنهم على الحق، ويدعون أنهم أتباع الأنبياء، مع أن أعمالهم تخالف ذلك، هذا من التناقض، الدعوة لابد لها من دليل يصدقها، كما ادعى اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه، وكما ادعى قوم أنهم يحبون الله؛ فامتحنهم الله بقوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران: 31]؛ هذا هو الدليل؛ ولهذا تُسمى هذه الآية آية المحنة، من ادعى محبة الله فهناك دليل، الدليل: اتباع الرسول، من اتبع الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؛ فهو صادق في محبته، وإلا فهو كافر.

وكذلك دعوة اليهود أنه لا يدخل الجنة إلا اليهود، ودعوة النصارى أنه لا يدخل الجنة إلا النصارى، طالبهم الله بالدليل: {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ}، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:111].

فكون الإنسان يدعي أنه على طريقة السلف، أو أنه متبع للأنبياء، وهو يخالف في ذلك بأفعاله؛ فهي دعوة باطل، وهي من خصال الكفرة.

القارئ:

المسألة الثامنة عشرة بعد المائة: صدهم عن سبيل الله من آمن به.

شرح الشيخ:

(المسألة الثامنة عشرة بعد المائة: صدهم عن سبيل الله من آمن به)؛هذه من خصال الكفرة، فإن الكفرة ؛كفار قريش وغيرهم يصدون الناس عن دين الله، ويفتنون الناس، ويعذبون من آمن هذا من صدهم، ولما أنكرت قريش القتال في الأشهر الحرم، بيَّن الله أنهم وقعوا في شيء أشر منه وأعظم، وهو الصد عن سبيل الله، وإخراج المؤمنين من المسجد الحرام، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖوَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖوَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}[البقرة: 216- 217]، ثم قال سبحانه: {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ}[البقرة: 217].

أنتم تعيرون المسلمين بالقتال في الشهر الحرام؛ لكن أنتم وقعتم في شيء أعظم، فالصد عن سبيل الله، وإخراج المسلمين من البلد الحرام؛ هذا أعظم من القتال في الأشهر الحرم.

والمفروض أنه يجب على الإنسان أن يحذر من مخالفة أهل الجاهلية، ما المسألة؟

القارئ:

صدهم عن سبيل الله من آمن به.

شرح الشيخ:

الواجب على الإنسان أن يحذر من أن يصد عن دين الله، وأن ينفر من دين الله، والكفار الذين يصدون عن سبيل الله عذابهم مضاعف فوق عذاب الكفار الذين لا يصدون عن سبيل الله، قال سبحانه: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}[النحل: 88].

القارئ:

المسألة التاسعة عشرة بعد المائة: مودتهم الكفر والكافرين.

شرح الشيخ:

(المسألة التاسعة عشرة بعد المائة: مودتهم الكفر والكافرين)؛ يعني: محبتهم للكفر، ومحبتهم للكافرين، وهذا ردة، من أحب الكفار لدينهم، وأحب الكفرة فهو كافر منهم، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: 51].

والتولي؛ معناه: محبة الكفار بالقلب، محبتهم ثم يتبع بعد ذلك نصرتهم على المسلمين، نصرة الكفرة، وإعانتهم بالمال، أو الرأي والسلاح على المسلمين، فمن أحب الكفرة لدينهم، وأحب دينهم فهو كافر مثلهم.

القارئ:

المسألة العشرون بعد المائة، والحادية، والثانية، والثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة، والتاسعة والعشرون، وتمام الثلاثين بعد المائة: العيافة، والطرق، والطيرة، والكهانة، والتحاكم إلى الطاغوت، وكراهة التزويج بين العيدين، والله أعلم.

شرح الشيخ:

هذه المسائل مسائل جاهلية، (المسألة الأولى: العيافة) العيافة هي: زجر الطير، هذه من خصال الجاهلية، زجر الطير، إذا أراد سفرًا أو أراد تجارة، والتشاؤم بها، يزجر الطير فإذا ذهبت جهة اليمين تيامن، وقال: هذا سفرٌ سعيد وسافر، وإذا ذهبت جهة الشمال تشائم، وقال: هذا سفر مشؤوم ولا يسافر، أو إذا أراد أن يتزوج يزجر الطير فإذا ذهب جهة اليمين تزوج، وإذا ذهب جهة الشمال أحجب، أو إذا أراد أن يدخل في تجارة زجر الطير، ولها أسماء يسمونها: السوارح والبوارح ،ومن أتى من أمامك من الطيور يسمونها: الناطح والنطيح، ومن أتى من الخلف سمونه: القاعد والقعيد.

وكانت بعض القبائل في الجاهلية لهم معرفة في زجر الطير، ومن كان لا يعرف زجر الطير؛ يأتي إلى هذه إلى القبيلة، ويضرب منهم زجر الطير، يزجرون له، ولهذا يقول الشاعر الجاهلي:

خَبيرٌ بَنُو لهبٍ فَلاَ تَكُ مُلْغِيا
 

 

مَقَالَةَ لِهْبِي إذَا الطيرُ مَرَّتِ
 

 

عندهم خبرة في زجر الطير، فإذا زجر لهبي من بني لهب الطيرـ لا تخيب مقالته؛ لأنه من أهل الخبرة؛ فالعيافة من خصال أهل الجاهلية، وهي زجر الطير، والتشاؤم بالطيور، والتيامن والتشاؤم، فالواجب الحذر، الطير ليس عنده شيء، الطير مسكين ليس عنده شيء، وليس عنده عقل، بهيمة، ما الذي عند هذا الطير إذا ذهب جهة اليمين، أو جهة الشمال، أو الأمام والخلف، لكن لو كان أهل الشرك يعقلون.

القارئ:

الطرق.

شرح الشيخ:

(الطرق) هو الخط يخط في الأرض، أو يضرب به الحصى أو الودع، ويزعمون أنهم يدعون بذلك شيء من علم المغيبات، يعرف الحظ حظ الإنسان، أو مستقبله، أو ما أشبه ذلك، ويدعون علم الغيب عن طريق خط في الرمل، أو ضرب الحصى والودع؛ وهذا من خصال الجاهلية، ومن دعوة علم الغيب، فالواجب الحذر من ذلك.

القارئ:

الطيرة.

الشيخ:

و(الطيرة): التشاؤم، التشاؤم بالمرائيات والمسموعات، التشاؤم بالطيور، والتشاؤم بالأشخاص، أو بالألفاظ، أو بالبقاع، أو بالأسماء ؛كل هذا من خصال الجاهلية، ومن خصال الكفرة؛ ومن ذلك: إن آل فرعون كانوا يتشاءمون بموسى عليه السلام، إذا أصابهم حظ وسعى قالوا: لنا هذا، وإن أصابهم جدب وقحط قالوا: هذا بسبب موسى؛ فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ في ذلك:{ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ}[الأعراف: 131] قال الله ردًّا عليهم: {أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ}[الأعراف: 131]؛ يعني: شرهم وما أصابهم إنما هو بسبب أعمالهم الخبيثة، لا بسبب موسى، وأخبر الله أيضًا عن الرسل: أن الذين ردوا عليهم تطيرو{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ}[يس: 13- 19]؛ يعني: شركم وما أصابكم إنما هو بسبب أفعالكم، لا بأفعال المرسلين، فهذا من خصال الجاهلية التشاؤم (74:23، أو بالأسماء.

القارئ:

والكهانة.

شرح الشيخ:

(والكهانة) كذلك من خصال الجاهلية، وهي دعوة علم الغيب عن طريق الإخبار عن مغيبات المستقبل، دعوة الإخبار عن مغيبات المستقبل، أو الإخبار عن ما في الضمير عن طريق الكهانة، وهو أن يكون له رِئي من الجن، فيدعي الأمور المغيبة؛ وهذا كفر وضلال، دعوة علم الغيب كفر وضلال.

القارئ:

والتحاكم إلى الطاغوت.

شرح الشيخ:

كذلك التحاكم إلى الطاغوت؛ هو كل ما خالف الشرع؛ وهذا من خصال الجاهلية، من تحاكم إلى غير شرع الله؛ فقد تحاكم إلى الطاغوت، في القوانين، أو الآراء أي كانت.

القارئ:

وكراهة التزويج بين العيدين.

شرح الشيخ:

كذلك من خصال الجاهلية (كراهة التزويج بين العيدين)؛ يعني: في شوال وفي ذي القعدة، وبين عيد الفطر وعيد الأضحى، هذا من تشاؤمهم، وقد أنكرت عائشة رَضِي اللهُ عَنْهُا على بعض الناس لما قالوا ذلك، وقالت: "إني تزوجت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شوال، أيكن أحظى مني"؛ يعني: صار لها مكانة وحظ ومحبة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد تزوجت بين العيدين، فهذا من خصال الجاهلية، نعم.

والتزاوج إنما في أي وقت في أي زمان، وفي أي مكان.

القارئ:

والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الشيخ:

وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد