مقدمة:-
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: غفر الله لك. يقول الله تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين}[الأعراف:37].
يقول تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته}.
(المتن)
يقول الحافظ بن كثير: أي: لا أحد أظلم ممن افترى الكذب على الله، أو كذب بآيات الله المنزلة.
{أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} اختلف المفسرون في معناه، فقال العوفي عن ابن عباس: ينالهم ما كتب عليهم، وكتب لمن يفتري على الله أن وجهه مسود.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما, يقول: نصيبهم من الأعمال، من عمل خيرا جزي به، ومن عمل شرا جزي به.
وقال مجاهد: ما وعدوا فيه من خير وشر.
وكذا قال قتادة، والضحاك، وغير واحد. واختاره ابن جرير.
وقال محمد بن كعب القرضي: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} قال: عمله ورزقه وعمره.
وكذا قال الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وهذا القول قوي في المعنى، والسياق يدل عليه، وهو قوله: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم} ويصير المعنى في هذه الآية كما في قوله [تعالى]: {إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون* متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون} [يونس: 69، 70] وقوله: {ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور * نمتعهم قليلا [ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ] } [لقمان: 23، 24].
وقوله [تعالى]: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم [قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله] } الآية: يخبر تعالى أن الملائكة إذا توفت المشركين تفزعهم عند الموت وقبض أرواحهم إلى النار، يقولون لهم أين الذين كنتم تشركون بهم في الحياة الدنيا وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله؟ ادعوهم يخلصوكم مما أنتم فيه. قالوا: {ضلوا عنا} أي: ذهبوا عنا فلا نرجو نفعهم، ولا خيرهم. {وشهدوا على أنفسهم} أي: أقروا واعترفوا على أنفسهم {أنهم كانوا كافرين}.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين}[الأعراف:37].
في هذه الآية بيان أنه لا أحد أظلم ممن كذب على الله, ممن افترى على الله الكذب أو كذب بآياته فمن افترى على الله الكذب فهو أظلم الناس افترى على الله الكذب, أو كذب بآياته, افترى على الله الكذب في شرعه, أو في دينه, أو في تحليله, أو في تحريمه, أو تقول على الله ما لم يقل, ومن الذي افترى على الله الكذب دعاء غير الله وصرف العبادة لغير الله هذا من أعظم الكذب وأعظم الظلم, أعظم الظلم وضع العبادة في غير محلها, فالمشرك وقع في أعظم الظلم, والظلم كما هو معلوم ثلاثة أنواع: (ظلم الشرك), لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه, المشرك أظلم الناس لأنه وضع العبادة في غير محلها, هذا صرف العبادة لغير الله, ثم ظلم العباد في دماءهم أو أموالهم أو أعراضهم, ثم ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله دون الشرك.
يقول الله تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته} لكفرهم وشركهم {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}, الأرجح كما قال الحافظ رحمه الله ينالهم نصيبهم من الكتاب, يعني ما قدر الله له من الرزق والعمر والعمل يناله ويحصل له في هذه الدنيا, ثم إذا جاءه الموت تفزعهم الملائكة, وتنقل أرواحهم إلى النار, كما قال الله تعالى: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم} وتوبخهم {قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله} ادعوهم يخلصونكم وينجوكم من عذاب الله؟ لا يستطيعون {قالوا ضلوا عنا} ذهبوا ما نراهم {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين}[الأعراف:37].
في ذلك الموقف يشهدون على أنفسهم أنهم كانوا كافرين جاحدين لعبادة الله, نسأل الله السلامة والعافية.
فالكافر يناله ما قدر الله له من الرزق والعمل والعمر الذي كتب له في هذه الدنيا, حتى إذا جاءه الموت أفزعته الملائكة, ونقلت روحه إلى النار, ووبخوا, وشهدوا على أنفسهم بالكفر, نسأل الله السلامة والعافية, وقد أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم يعترفون إذا دخلوا النار أنهم ليس لهم عقول ترشدهم إلى قبول الحق, وليس لهم أسماع صحيحة, وإلا لما كانوا من أهل النار, {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}[الملك:10].
قال الله: {فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير}[الملك:11]. نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
{قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون (38) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون (39) }.
يقول تعالى مخبرا عما يقوله لهؤلاء المشركين به، المفترين عليه المكذبين بآياته: {ادخلوا في أمم} أي: من أشكالكم وعلى صفاتكم، {قد خلت من قبلكم} أي: من الأمم السالفة الكافرة، {من الجن والإنس في النار} يحتمل أن يكون بدلا من قوله: {في أمم} ويحتمل أن يكون {في أمم} أي: مع أمم.
وقوله: {كلما دخلت أمة لعنت أختها} كما قال الخليل، عليه السلام: {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض [ويلعن بعضكم بعضا] } الآية [العنكبوت:25] . وقوله تعالى: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار} [البقرة:166، 167].
وقوله [تعالى]: {حتى إذا اداركوا فيها جميعا} أي: اجتمعوا فيها كلهم، {قالت أخراهم لأولاهم} أي: أخراهم دخولا -وهم الأتباع -لأولاهم -وهم المتبوعون -لأنهم أشد جرما من أتباعهم، فدخلوا قبلهم، فيشكوهم الأتباع إلى الله يوم القيامة؛ لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل، فيقولون: {ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار} أي: أضعف عليهم العقوبة، كما قال تعالى: {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب [والعنهم لعنا كبيرا (3) ] } [الأحزاب:66-68].
وقوله: {قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون} أي: قد فعلنا ذلك وجازينا كلا بحسبه، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا [فوق العذاب بما كانوا يفسدون (4) ] } [النحل:88].
وقال تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون (5) ] } [العنكبوت:13].
وقال: {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [ألا ساء ما يزرون (6) ] } [النحل:25].
{وقالت أولاهم لأخراهم} أي: قال المتبوعون للأتباع: {فما كان لكم علينا من فضل} قال السدي: فقد ضللتم كما ضللنا.
{فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} وهذا الحال كما أخبر الله تعالى عنهم في حال محشرهم، في قوله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين * قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}
[سبأ:31-33].
(الشرح)
نعم, هذه الآيات في بيان مصير الكفرة في العذاب والمحاورة بين المتبوعين والأتباع, وأنهم كلهم اجتمعوا في النار, وإن كان المتبوعون سبقوهم بالدخول لكنهم اشتركوا, قال تعالى: {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار}[الأعراف:38].
لهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب وكذبوا بآياته قال الله لهم: {ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجنس والإنس في النار}, ادخلوا مع أمم يحتمل المعنى ادخلوا مع أمم سبقوكم, أو في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار فتكون هذه الأمم هم من الجن والإنس, تكون بدل من الجن والإنس في النار, أو في بمعنى مع ادخلوا مع أمم قد خلت من الجن والإنس في النار.
فالمعنى: أنه ادخلوا مع أمم من أشكالكم وألوانكم ممن سبقوكم من الكفرة ادخلوا النار معهم, واجتمعوا معهم نسأل الله السلامة والعافية, {كلما دخلت أمة لعنت أختها} يعني سبتها اللعن معناه السب يعني سبتها ولامتها وقالت أنها السبب في شقاءها ودخولها النار {كلما دخلت أمة لعنت أختها} تسبها وتدعي أنها هي التي أضلتها, وهي السبب في شقاءها, {حتى إذا اداركوا فيها} إذا اجتمعوا صارت المحاورة بين المتبوعين والأتباع, { حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم} الأتباع {لأولاهم} المتبوعين, يعني المتبوعين دخلوا النار أولا الرؤساء والكبراء دخلوا النار أولا ثم دخل الأتباع بعدهم, ثم كانت المحاورة, فيقول أتباع المتبوعين الضعفاء للكبراء والمستكبرين ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار}.
يقول الأتباع: يا ربنا إن هؤلاء هم الذين ضلونا هم السبب في شقاءنا فأضعف عليهم العذاب, قال الله: {قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون}.
{وقالت أولاهم لأخراهم} يقول المتبوعون للأتباع {فما كان لكم علينا من فضل} أنتم الذين قبلتم الباطل, وأنتم أشقياء مثلنا, فليس لكم فضل وزيادة علينا, {فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون}[الأعراف:39], هذه محاورة ولا تغني عنهم شيئا, وفيه دليل على أن الأتباع يدخلون النار مع المتبوعين, وأنه لا يفيدهم كونهم يدعون أنهم أضلوهم, كونهم هو السبب في شقاءهم, والآيات فيها التحذير من التقليد الأعمى, وأنه لا يجوز لإنسان أن يقلد التقليد الأعمى, وأن عليه أن ينظر في الحق, ويقبل الحق في التحذير من التقليد الأعمى, وأنه لا يفيده هؤلاء المقلدون لا يفيدهم شيئا, كونهم يدعون أن هؤلاء أضلوهم, ليس هناك تقليد في أصل الدين الإيمان بالله ورسوله, يجب عليه أن ينظر في الحق, ويجب عليه أن يقبل الحق, وليس له أن يقلد في دينه في الآباء والأجداد, فتقليد الآباء والأجداد بالباطل أنكره الله على المشركين,قالوا{ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}[الزخرف:23].
ولم يفيدهم ولم يخلصهم من عذاب الله, في الآية التحذير من التقليد الأعمى, والأخذ بالباطل وعدم النظر في الحق, فمن بلغ القرآن والسنة وعلم ببعثة الرسول فإنه غير معذور قال الله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}[الإسراء:15]
وقال سبحانه: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}[الأنعام:19].
فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة ولا يخلصه من عذاب الله كونه يدعي أن فلانا أضله وفلانا أضله, ولهذا قال الله: {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا}[الأحزاب:67]
ولم يفيدهم ذلك شيئا, بل دخلوا النار جميعا, واشتركوا جميعا, كذلك المحاورة في المحشر في سورة سبأ {يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين}[سبأ:31]
{قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين}[سبأ:32]
{وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا} قال الله: {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب}[سبأ:33]
فاشتركوا في العذاب جميعا, ولم يكن لهم عذر في ادعاءهم أن المتبوعين هم الذين أضلوهم, فلا يقلد الإنسان في دينه الرجال, بل يجب عليه أن يقبل الحق, وأن ينظر فيما جاءت به الرسل, وبما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الحق, وليس له أن يقلد في دينه الرجال, ولا يعذر في كونه يدعي أن فلان أضله, وأنه عبد غير الله بعد أن بلغه القرآن, وبلغه بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام, فلا عذر له.
(المتن)
يقول الله تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين (40) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين (41) }.
قوله: {لا تفتح لهم أبواب السماء} قيل: المراد: لا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء.
قاله مجاهد، وسعيد بن جبير. ورواه العوفي وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. وكذا رواه الثوري، عن ليث، عن عطاء، عن ابن عباس.
وقيل: المراد: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء.
رواه الضحاك، عن ابن عباس. وقاله السدي وغير واحد، ويؤيده ما قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن المنهال -هو ابن عمرو -عن زاذان، عن البراء؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر.
(الشرح)
وكلا المعنيين صحيح لا يرفع لهم عمل, ولا دعاء, ولا تفتح أبواب السماء لأعمالهم ولا لأرواحهم, كلاهما حق كما دل عليه حديث البراء أنه لا تفتح أبواب السماء إذا قبضت روح الكافر وصعدت إلى السماء أغلقت أبواب السماء دونها, فلا يرفع لهم عمل ولا يرفع لهم دعاء ولا تفتح لأعمالهم أبواب السماء, ولا تفتح لأرواحهم لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأعمالهم, ولا يصعد لهم عمل ولا دعاء, نسأل الله السلامة والعافية, لا تفتح أبواب السماء, يعني لا تفتح أبواب السماء لأعمالهم ولا لأرواحهم, ولا يرفع لهم عمل ولا دعاء, نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن المنهال -هو ابن عمرو -عن زاذان، عن البراء؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر وأنه يصعد بها إلى السماء، قال: "فيصعدون بها، فلا تمر على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان، بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له فلا يفتح له". ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تفتح لهم أبواب السماء [ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط] } الآية.
هكذا رواه، وهو قطعة من حديث طويل رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، من طرق، عن المنهال بن عمرو، به وقد رواه الإمام أحمد بطوله فقال:
حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب [رضي الله عنه].
(الشرح)
هذا حديث البراء حديث صحيح وإن كان فيه عنعنة الأعمش لكن الأعمش عنعنته قليلة ومحتملة, والحديث له طرق كما ذكر المؤلف, أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة من طرق.
وفيه دليل على أن عمل الكافر والفاجر لا يرفع تغلق أبواب السماء دونها كما دلت الآية: {لا تفتح لهم أبواب السماء}.
وفي حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية, لما ذكر الفاجر وأنها لا تفتح أبواب السماء, ثم قرأ هذه الآية «لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط», هذا حديث حسن لا بأس به.
(المتن)
قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد. فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر". مرتين أو ثلاثا ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال إلى الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد بصره. ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان".
قال: "فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط.
ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض. فيصعدون بها فلا يمرون -يعني-بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله، عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى".
قال: "فتعاد روحه، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة". "فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره".
قال: "ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير. فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي".
(الشرح)
هذا فيه دليل على أن ملك الموت معه أعوان يساعدونه وهو الذين يتناول قبض الروح ثم تأخذها الرسل, كما قال الله تعالى: {توفته رسلنا}, وقال: {قل يتوفاكم ملك الموت}, فملك الموت هو المقدم ومعه الملائكة يساعدونه, يعني يتولونه, الله تعالى جعل لقبض الروح ملائكة ولكن ملك الموت هو المقدم يأخذها ملك الموت, ثم لا يدعونها في يده طرفة عين حتى تأخذها الملائكة ويضعونها في الحنوط, ويخرج منها المؤمن كأحسن ريح وجدت على وجه الأرض, وهذه الريح لا يشمها أهل الأرض, وإنما يشمها الملائكة, ويشمها الموكلون, ويشمها من بين السماء والأرض, أما الناس في الدنيا لا يشمونها, وفيه أن عمله يمثل له العمل يمثل له صورة رجل حسن الوجه, طيب الريح, رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي. لأن له أهل ومال في الجنة, وسيأتي أنه يهتدي إلى أهل وماله أكثر من هدايته إلى أهله وماله في الدنيا, ويحتمل أن أهله وماله في الدنيا ويقال هذا من باب يعني أنه دهش, لكن الظاهر أنه يرجع إلى أهله وماله في الجنة.
سؤال: الريح الآن تشم ريحة المسك وكذا؟
الشرح: ما تشم ، ما نشم شيء الآن ،الأموات ما نشم لهم شيء الريح هذه تشمها الطيب اللي يضعوه الناس, هذه ريح تشمها الملائكة, أحسن يعني أطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض, والفاجر يخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض, توفى الكفرة ما نشم منهم شيء يشمهم الملائكة ويشمه من بين السماء والأرض.
القارئ: -
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في حديث البراء رضي الله عنه, قال: "وإن العبد الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر.
(الشرح)
المسوح كفن ويشبه أكفان أهل الكتاب أو أكفان النصارى مسوح أسود نسأل الله العافية, والمؤمن كفن من الجنة وحنوط من الجنة أبيض.
(المتن)
فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط الله وغضب". قال: "فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول.
(الشرح)
السفود الشوك, الشوك الذي يكون فوق الشعر في الغنم الشاة, الشاة إذا كان فيها شوك في شعرها ثم أصابه ماء ما تستطيع تخلص الشوك الصوف إذا أصابه ماء أصابه بلل وفيه شوك في وسطه كيف تستطيع أن تخلصه؟ فملك الموت ينتزعها ينتزع روح هذا الفاجر كما ينتزع السفود؟ الشوك من الصوف المبلول على ظهر الشاة, نسأل الله العافية, فيه صعوبة شديدة في تخليصه.
(المتن)
فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض.
(الشرح)
يشمها الملائكة وهم بين السماء والأرض, وبنو آدم لا يعلمون شيئا من أحوالهم.
(المتن)
فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان ابن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} فيقول الله، عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى. فتطرح روحه طرحا".
ثم قرأ: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [الحج:31].
"فتعاد روحه في جسده. ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري. فيقولان ما دينك؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري فيقولان ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري. فينادي مناد من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار. فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك؛ هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر. فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة".
(الشرح)
هذا عمله قلبه الله صار شخصا الأعمال تكون أجسام, قوله فافرشوا عندك فأفرشوا ولا فافرشوا الأصل أن يكون في همزة وصل عندك همزة فأفرشوا.
القارئ: همزة قطع
الشرح: نعم محتمل شوف القاموس أفرش, افرش.
القارئ: في نسخة الشعبي بهمزة وصل أحسن الله إليك.
(المتن)
وقال أحمد أيضا: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن يونس بن خباب، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب رضي الله عنه, قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة، فذكر نحوه.
وفيه: "حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله، عز وجل، أن يعرج بروحه من قبلهم".
وفي آخره: "ثم يقيض له أعمى أصم أبكم، في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة فيصير ترابا، ثم يعيده الله، عز وجل، كما كان، فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين". قال البراء: "ثم يفتح له باب من النار، ويمهد له فرش من النار".
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه وابن جرير -.
(الشرح)
ويبقى هكذا والعياذ بالله في البرزخ يفتح له باب إلى النار والروح تعذب مع الجسد وتعذب مفردة, كما أن المؤمن تنقل روحه إلى الجنة وتنعم مفردة ومتصلة بالجسد, وإذا بلي الجسد وصار ترابا بقيت الروح روح المؤمن في نعيم في الجنة.
كما في الحديث: «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه».
نسمة: يعني روحه, طائر يعني تأخذ شكل طائر, يعلق: يأكل, وأما أرواح الشهداء, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن أرواح الشهداء في حواصر طير خضر تسرح في الجنة ترد أنهارها وتأكل من ثمارها, وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش».
أرواح الشهداء تتنعم في الجنة أكمل من تنعم أرواح سائر المؤمنين, روح المؤمن غير الشهيد تنعم وحدها, تأخذ شكل طائر, روح الشهيد تنعم بواسطة هذا الطير, وذلك لأن الشهيد بذل جسده لله وأتلف جسده لله, فعوض الله روحه جسدا آخر تتنعم بواسطته وهي الطير الخضر, والجسد يبلى ويكون ترابا والروح باقية في نعيم أو عذاب, ولها صلة بالجسد, والأحكام تكون على الروح أغلب في دار البرزخ.
الدور ثلاث: دار الدنيا, ودار البرزخ, ودار القرار.
دار الدنيا: من ولادة الإنسان إلى موته, الأحكام تكون على الجسد أكثر, إذا ضرب الإنسان يكون الجسد يتعذب أكثر ولو تنعم يكون الجسد أكثر الأحكام على الجسد أكثر, ودار البرزخ من الموت إلى قيام الساعة, إلى يوم القيامة هذه دار البرزخ الأحكام على الروح أغلب أشد, النعيم على الروح أشد, والعذاب أشد, ولهذا الجسد يبلى والروح باقية في نعيم أو عذاب, وفي يوم القيامة إذا بعث الله الأجساد وعادت الأرواح إلى أجسادها يكون النعيم أو العذاب على الروح والجسد على حد سواء, كل ينال قسطه من النعيم, أو من العذاب, ودار البرزخ هي أكملها هي أكمل الدور, أكمل الدور للمؤمن نعيما وللفاجر عذابا, نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه وابن جرير -. واللفظ له -من حديث محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة [رضي الله عنه] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس المطمئنة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان، فيقولون ذلك حتى يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقولون: من هذا؟ فيقولون: فلان.
فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان، فيقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله، عز وجل.
وإذا كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج، فيقولون ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان. فيقولون: لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لم تفتح لك أبواب السماء، فترسل بين السماء والأرض، فتصير إلى القبر".
(الشرح)
نسأل الله العافية, نعم مردها إلى القبر, وفي الحديث الآخر: تطرح روحه طرحا.
(المتن)
وقد قال ابن جريج في قوله: {لا تفتح لهم أبواب السماء} قال: لا تفتح لأعمالهم، ولا لأرواحهم.
وهذا فيه جمع بين القولين، والله أعلم.
(الشرح)
وهو حسن لا تفتح لا لأرواحهم ولا لأعمالهم.
(المتن)
وقوله: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} هكذا قرأه الجمهور، وفسروه بأنه البعير. قال ابن مسعود: هو الجمل ابن الناقة. وفي رواية: زوج الناقة. وقال الحسن البصري: حتى يدخل البعير في خرق الإبرة. وكذا قال أبو العالية، والضحاك. وكذا روى علي بن أبي طلحة، والعوفي عن ابن عباس.
وقال مجاهد، وعكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه كان يقرؤها: " [حتى] يلج الجمل في سم الخياط" بضم الجيم، وتشديد الميم، يعني: الحبل الغليظ في خرم الإبرة.
الشرح: في سم الخياط بالطاء ... سيأتي معنا في التفسير في سم الخياط الحبل الغليظ في الإبرة ونفس ثقب الإبرة, لكن القراءة الأولى الجمل ابن ناقة {حتى يلج الجمل في سم الخياط}, والمعنى: أنه محرم عليه دخول الجنة, كما قال الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة}[المائدة:72].
لا يمكن دخولهم الجنة, كما أنه لا يمكن دخول الجمل في ثقب الإبرة فلا يمكن دخولهم الجنة, وهذا قراءة الجمهور حتى يلج الجمل, وقراءة ثانية: الجمل, يعني الحبل: الحبل الغليظ, الحبل المتين الغليظ لا يدخل في ثقب الإبرة, تكلم عليها. طيب اقرأ الذي بعده.
القارئ: ما تكلم أحسن الله إليك, لكن في النسخة الثانية المصرية: في سم الخياط.
الشرح: هذا هو الظاهر في سم الخياط مثل الكلام في الجمل, قراءة الجمهور الجمل ابن الناقة, والقراءة الثانية الجمل الحبل الغليظ, أو حبل السفينة لا يدخل في ثقب الإبرة.
(المتن)
وقال مجاهد، وعكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يقرؤها: " [حتى] يلج الجمل في سم الخياط" بضم الجيم، وتشديد الميم، يعني: الحبل الغليظ في خرم الإبرة.
(الشرح)
في خرم الإبرة واضحة كأنها خياطة جعل الميم طاء.
(المتن)
وهذا اختيار سعيد بن جبير. وفي رواية أنه قرأ: "حتى يلج الجمل" يعني: قلوس السفن، وهي الحبال الغلاظ.
(الشرح)
لكن الظاهر أن هذه قراءة شاذة, وقراءة الجمهور ما تكلم عليها, يراجع القراءة يمكن ابن جرير يتكلم على القراءات في هذا, الأولى قراءة الجمهور {حتى يلج الجمل في سم الخياط}, وهذه القراءة (حتى يلج الجمل), فالأقرب أنه يراجع هذا, ظاهره أن قراءة غير الجمهور تكون قراءة شاذة, يراجع القراءات في هذا, وابن جرير يتكلم عن القراءات فيها هل هي قراءة صحيحة, , أو قراءة شاذة, إذا كانت قراءة شاذة يكون الإسناد من التفسير. .
القارئ : الفرق بين قراءة سعيد بن جبير وابن عباس؟
قال بعد القراءة الثانية هذا اختيار سعيد بن جبير. وفي رواية أنه قرأ: "حتى يلج الجمل" يعني: قلوس السفن، وهي الحبال الغلاظ.
الشيخ : في قراءة واحدة ولا قراءة ثانية خلاف الجمهور ؟
القارئ : قراءة واحدة ، القراءة الأخيرة هل هي مخالفة القراءة الثانية ؟
الشيخ : الجمل مخالفة في اللفظ وفي المعنى في قراءة الجمهور( حتى يلج الجمل) يراد به الجمل ابن الناقة والقراءة الثانية الجمل بضم المجيم وتشديد الميم والمراد بها الحبل الغليظ اختلف المعنى واللفظ.
(المتن)
وقوله: {لهم من جهنم مهاد [ومن فوقهم غواش] } قال محمد بن كعب القرظي: {لهم من جهنم مهاد} قال: الفرش، {ومن فوقهم غواش} قال: اللحف.
(الشرح)
اللحف يعني الغطاء فراش وغطاء بئس الفرش, وبئس الغطاء, الفراش من النار, واللحاف من النار نعوذ بالله الفراش من النار والغطاء من النار نسأل الله العافية بئس الفرش واللحف، نسأل الله السلامة والعافية وهؤلاء هم الكفرة الذين تغمرهم النار يصلوها من جميع الجهات, بخلاف المؤمن العاصي فإنه لا تغمره من جميع الجهات تصيبه النار ولا تأكل مواضع السجود مواضع السجود ما تأكلها النار,الجبهه و ولا تغمره من جميع الجهات, بخلاف الكافر فهي تغمره من جميع الجهات, {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش}[الأعراف:41].
لحاف وغطاء لحافه النار وغطاءه النار نعوذ بالله, تصلاه من جميع الجهات, نسأل الله السلامة والعافية نعوذ بالله نعوذ بالله من ذلك.
(المتن)
قال الله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (42) ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (43) }.
لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر حال السعداء، فقال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي: آمنت قلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم، ضد أولئك الذين كفروا بآيات الله، واستكبروا عنها.
وينبه تعالى على أن الإيمان والعمل به سهل؛ لأنه تعالى قال: {لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}.
(الشرح)
والله تعالى كثيرا ما يعطف بصفات أهل النار على صفات المؤمنين, أو صفات المؤمنين بعد صفات الكافرين يجمع للمؤمن ليكون المؤمن بين الترغيب والترهيب يكون راغبا راهبا, فلما ذكر حال الأشقياء عطف بحال السعداء, وبين أن الإيمان سهل قال: {لا نكلف نفسا إلا وسعها} يسير على من يسره الله عليه, {والذين آمنوا وعملوا الصالحات}, فيه أنه لابد من أمرين: (إيمان, وعمل).
فالإيمان: التصديق بالقلب يتحقق بالعمل.
والعمل الذي بالجوارح يصدقه الإيمان في الباطن.
لابد من أمرين: إيمان يتحقق بالعمل, وعمل يصدقه التصديق والإيمان.
إيمان يتحقق بالعمل وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون يصدق لكن ما عنده عمل ما تحقق إيمانه بالعمل, وكذلك العمل لابد له من إيمان يصححه وإلا صار كأعمال المنافقين, المنافقون لهم أعمال لكن ما عندهم إيمان يصححها, وإبليس وفرعون مصدق بقلبه لكن ما عنده عمل يتحقق به هذه المعرفة التي في قلبه, ما ينفع, وقد يكون التصديق بالقلب وحده إذا أسلم ثم مات في الحال بأن قتل أو مات في الحل, وأسلم, ولم يتمكن من العمل يدخل الجنة بهذا الإيمان, كما جاء في بعض الأحاديث أن رجل أسلم ثم قتل قبل أن تأتي الصلاة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عمل قليلا وأجر كثيرا», {والذين آمنوا وعملوا الصالحات}.
يعني آمنوا صدقوا بقلوبهم, آمنوا بقلوبهم, وصدقت جوارحهم ذلك بالعمل, العمل هو الذي يتحقق به الإيمان الذي في الباطن, والعمل الذي في الظاهر يصححه الإيمان في الباطن, ولهذا قال الله تعالى: {فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى} فلا صدق: يعني لم يؤمن, ولا صلى: لم يعمل, ولكن كذب وتولى.
(المتن)
{ونزعنا ما في صدورهم من غل} أي: من حسد وبغضاء، كما جاء في الصحيح للبخاري، من حديث قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة؛ فوالذي نفسي بيده، إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا".
الشرح: مثل ما قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم}[يونس:9].
(المتن)
وقال السدي في قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار} الآية: إن أهل الجنة إذا سبقوا إلى الجنة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل، فهو "الشراب الطهور"، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم "نضرة النعيم" فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدا.
الشرح: نضرة النعيم هذا لفظ الآية نظرة فلم ايش يشعثوا.
(المتن)
فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدا.
الشرح: ××× فلم يشعثوا ولم يشحبوا.
(المتن)
فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدا.
وقد روى أبو إسحاق، عن عاصم، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه, نحوا من ذلك كما سيأتي في قوله تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} [الزمر: 73] إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان.
وقال قتادة: قال علي، رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} رواه ابن جرير.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال: سمعت الحسن يقول: قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}.
وروى النسائي وابن مردويه -واللفظ له -من حديث أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني، فيكون له شكرا. وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو أن الله هداني فيكون له حسرة".
ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا: {أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} أي: بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم, وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنة".
قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
(الشرح)
نعم وهذا هو الجمع بين النصوص أن دخول الجنة برحمة الله, ولكن الرحمة لها سبب وهي العمل, فمن جاء بالعمل نالته الرحمة فيدخل الجنة برحمة الله يدخلون الجنة المؤمنون برحمة الله ويتقاسمون الدرجات بأعمالهم, في قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} والباء للسبب سببية يعني بسبب أعمالكم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» هذه الباء للعوض, يعني لن يدخل أحدكم الجنة عوضا عن عمله, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».
فلا يدخل الإنسان عوضا عن عمله, ولكن يدخل الجنة برحمة الله, وأما العمل فهو سبب, سبب للرحمة, ما أتى بالسبب نالته الرحمة, ويكون اقتسام الدرجات بالأعمال. نعم.
(المتن)
قال الله تعالى{ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ... }
سؤال : ....
الشيخ : بلى لكن من آمن ثم مات أيضا ولم يعمل مات في الحال الرسول صلى الله عليه وسلم قال إنه عمل قليلا وأجر كثيرا لكن ما تمكن من الصلاة والسجود لله إذا لم يأت وقت الصلاة وكذلك من مات في الحال ولو لم يعمل لم يتمكن من العمل فإيمانه صحيح صادق عن صدق فإنه يدخل الجنة في هذه الحالة .
(انتهى)