الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قول الله جل وعلا: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين}[الأعراف:44].
{الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون}[الأعراف:45]^
قال رحمه الله: يخبر تعالى بما يخاطب أهل الجنة أهل النار إذا استقروا في منازلهم، وذلك على وجه التقريع والتوبيخ: {أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا [فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا] } أن" هاهنا مفسرة للقول المحذوف، و"قد" للتحقيق، أي: قالوا لهم: {قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم} كما أخبر تعالى في سورة "الصافات" عن الذي كان له قرين من الكفار: {فاطلع فرآه في سواء الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين * ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين} [الآيات:55-59].
أي: ينكر عليه مقالته التي يقولها في الدنيا، ويقرعه بما صار إليه من العذاب والنكال، وكذا تقرعهم الملائكة يقولون لهم: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون * أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون * اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون} [الطور:14-16] .
وكذلك قرع رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلى القليب يوم بدر، فنادى: "يا أبا جهل بن هشام، ويا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة -وسمى رءوسهم-: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا". فقال عمر: يا رسول الله، تخاطب قوما قد جيفوا؟ فقال: "والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا".
وقوله: {فأذن مؤذن بينهم} أي: أعلم معلم ونادى مناد: {أن لعنة الله على الظالمين} أي: مستقرة عليهم.
ثم وصفهم بقوله: {الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا} أي: يصدون الناس عن اتباع سبيل الله وشرعه وما جاءت به الأنبياء، ويبغون أن تكون السبيل معوجة غير مستقيمة، حتى لا يتبعها أحد. {وهم بالآخرة كافرون} أي: وهم بلقاء الله في الدار الآخرة كافرون، أي: جاحدون مكذبون بذلك لا يصدقونه ولا يؤمنون به.
فلهذا لا يبالون بما يأتون من منكر من القول والعمل؛ لأنهم لا يخافون حسابا عليه، ولا عقابا، فهم شر الناس أعمالا وأقوالا.
{وبينهما حجاب ...}.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فهذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم} هذه الآية فيها العبرة والعظة والدلالة على أن أهل الجنة وأهل النار يتخاطبون مع البعد العظيم الذي بينهم, فالجنة فوق في أعلى سقف عرش الرحمن, والنار في الأسفل سافل تبرز يوم القيامة, ومع ذلك يتخاطبون يسمع بعضهم بعضا, والله تعالى أرانا في هذه الدنيا نماذج الهاتف الآن تكلم الإنسان من المشرق تكلمه وأنت في المغرب في لحظة واحدة في الجوال, فإذا كان هذا في الدنيا في دار الدنيا فلا يستنكر أن يكون هذا في الآخرة, في الدنيا أرانا الله نموذج يكلم يكلم من في المشرق وهو في المغرب وبالعكس في لحظة واحدة, فكذلك أهل النار وأهل الجنة يكلم بعضهم بعضا ويخاطب بعضهم بعضا مع البعد العظيم, بل ويرونهم كما في آية الصافات في قصة القرين {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون}[الصافات:50]^
{قال قائل منهم إني كان لي قرين}[الصافات:51]
{يقول أئنك لمن المصدقين}[الصافات:52]
{أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون}[الصافات:53]
{قال هل أنتم مطلعون}[الصافات:54]
{فاطلع فرآه في سواء الجحيم}[الصافات:55]
هذا مؤمن له قرين كافر, كان ينكر البعث, وينكر الحساب, فلما مات صار في النار فتذكر صاحبه قرينه الذي في الجنة, وقال لأصحابه: هل نطلع على صاحبنا نراه, فاطلع فرآه يتقلب في النار يبصره مع البعد العظيم, يعني اطلع عليه وهو في الجنة وهذا في النار يتقلب في النار في وسط النار, والله تعالى أرانا نموذج في هذا أنت الآن تشاهد في الشاشات الآن من في المشرق ومن في المغرب أمامك يشاهدهم الإنسان مع البعد العظيم, ومن باب أولى أحوال الآخرة المؤمنون يطلعون على الكفار, وهم يعذبون, ويضحكون منهم كما كانوا يضحكون منهم في الدنيا {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون}[المطففين:29]
وينظرون {على الأرائك ينظرون}[المطففين:35]
ويخاطبه مع البعد العظيم ويقرعه ويوبخه, يقول أنت تنكر البعث في الدنيا تقول ما في بعث {أفما نحن بميتين}[الصافات:58]
{إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين}[الصافات:59]
الآن ألست بعثت ألست تعذب, فهو يوبخه {أفما نحن بميتين}[الصافات:58]
{إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين}[الصافات:59]
والله تعالى أرانا في هذه الدنيا عبر يستدل بها على أمور الآخرة, فأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار ويقولون لهم {وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم} يعني أعلن معلن {أن لعنة الله على الظالمين}, والمراد بالظلم هنا ظلم الكفر الكفرة, بدليل قوله: {الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون}[الأعراف:45]^
الظلم الأعظم هو ظلم الكفر, الظلم ثلاثة أنواع كما هو معروف: ظلم الكفر والشرك كما قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}, ظلم العباد فيما بينهم في الدماء أو في الأموال أو في الأعراض, وظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله دون الشرك, المراد بالظلم في هذه الآية ظلم الكفر {الذين يصدون عن سبيله} يصدوا عن شرع الله ودينه {ويبغونها عوجا} يريدون أن تكون السبيل معوجة حتى لا يقبل الحق أحد, {وهم بالآخرة كافرون} جاحدون للقاء الله وللبعث وللحساب, فوقعوا في الظلم الأكبر وهو ظلم الشرك. نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
{وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون (46) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين (47) }.
لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار، نبه أن بين الجنة والنار حجابا، وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة.
قال ابن جرير: وهو السور الذي قال الله تعالى: {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} [الحديد:13] وهو الأعراف الذي قال الله تعالى: {وعلى الأعراف رجال}.
ثم روى بإسناده عن السدي أنه قال في قوله [تعالى]: {وبينهما حجاب} وهو "السور"، وهو "الأعراف".
وقال مجاهد: الأعراف: حجاب بين الجنة والنار، سور له باب.
قال ابن جرير: والأعراف جمع "عرف"، وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى "عرفا"، وإنما قيل لعرف الديك عرفا لارتفاعه.
وحدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة.
الشرح: أعراف جمع عرف مثل أقفال جمع قفل عرف وأعراف مثل قفل وأقفال.
(المتن)
وحدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول: الأعراف هو الشيء المشرف.
وقال الثوري، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: الأعراف: سور كعرف الديك.
وفي رواية عن ابن عباس: الأعراف، تل بين الجنة والنار، حبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار. وفي رواية عنه: هو سور بين الجنة والنار. وكذلك قال الضحاك وغير واحد من علماء التفسير.
وقال السدي: إنما سمي "الأعراف" أعرافا؛ لأن أصحابه يعرفون الناس.
واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم، وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. نص عليه حذيفة، وابن عباس، وابن مسعود، وغير واحد من السلف والخلف، رحمهم الله. وقد جاء في حديث مرفوع رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه:
قال: حدثنا عبد الله بن إسماعيل، قال: حدثنا عبيد بن الحسين، قال: حدثنا سليمان بن داود، قال: حدثنا النعمان بن عبد السلام، قال: حدثنا شيخ لنا يقال له: أبو عباد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته، فقال: "أولئك أصحاب الأعراف، لم يدخلوها وهم يطمعون".
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه من وجه آخر، عن سعيد بن سلمة ابن أبي الحسام، عن محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف، فقال: "إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم، فقتلوا في سبيل الله".
وقال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معشر، قال: حدثنا يحيى بن شبل، عن يحيى بن عبد الرحمن المزني عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "أصحاب الأعراف" فقال: "هم ناس - قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم النار قتلهم في سبيل الله".
هكذا رواه ابن مردويه، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق، عن أبي معشر به وكذلك رواه ابن ماجه مرفوعا، من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري [رضي الله عنهما] والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة وقصاراها أن تكون موقوفة وفيه دلالة على ما ذكر.
(الشرح)
والأقرب كما سبق أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ثم يغفر الله لهم ويدخلهم الجنة, هذا هو المشهور عن السلف, وفيه الحديث السابق وإن كان فيه بعض الضعف, ولكن يشكل على هذا أن السور الذي بين الجنة والنار في الأعراف مع البعد العظيم بين الجنة والنار, الجنة في العلو سقف عرش الرحمن, والنار في الأرض أسفل, كيف يكون هذا الحجاب بينهما, وسور مانع من الوصول إلى الجنة, فيقال الله أعلم والبينية كما هو معروف في اللغة العربية لا يلزم منها المماسة ولا المحاذاة ولا المقاربة, قال الله تعالى: {والسحاب المسخر بين السماء والأرض}[البقرة:164].
فالسحاب ليس مماسا للأرض بعيد عنها, وليس مماسا للسماء, في الحديث: «قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء».
وإذا عرفت البينية في لغة العرب يزول الإشكال, يعني ما يلزم أن يكون هناك مقاربة, والله أعلم بهذا الحجاب هو حجاب مانع عليه أهل الأعراف يطلعون على النار ويطلعون على أهل الجنة.
ثم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ثم يغفر الله لهم ويدخلهم الجنة, كما روي هذا عن جمع من السلف وجاء هذا في بعض الأحاديث, كما ذكر المؤلف الحافظ رحمه الله.
(المتن)
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن الشعبي، عن حذيفة؛ أنه سئل عن أصحاب الأعراف، قال: فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلفت بهم حسناتهم عن النار. قال: فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم.
وقد رواه من وجه آخر أبسط من هذا فقال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: قال الشعبي: أرسل إلي عبد الحميد بن عبد الرحمن -وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش -وإذا هما قد ذكرا من أصحاب الأعراف ذكرا ليس كما ذكرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا هات.
فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} فبينا هم كذلك، اطلع عليهم ربك فقال لهم: اذهبوا فادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم.
الشرح: هذا موقوف على حذيفة.
(المتن)
وقال عبد الله بن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار.
ثم قرأ قول الله: {فمن ثقلت موازينه [فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون (10) ] } [المؤمنون:102، 103] ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح، قال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الصراط، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أصحاب النار قالوا: {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} فتعوذوا بالله من منازلهم.
قال: فأما أصحاب الحسنات، فإنهم يعطون نورا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطى كل عبد يومئذ نورا، وكل أمة نورا، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة. فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا: {ربنا أتمم لنا نورنا} [التحريم:8] . وأما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع، فهنالك يقول الله تعالى: {لم يدخلوها وهم يطمعون} فكان الطمع دخولا. قال: وقال ابن مسعود: على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة. ثم يقول: هلك من غلبت واحدته أعشاره.
رواه ابن جرير.
الشرح: ذكر له سند عن ابن مسعود.
القارئ: وقال عبد الله بن المبارك, عن أبي بكر الهذلي, قال: قال سعيد جبير وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود.
الشرح: هذا ابن مسعود وحذيفة يعني كلها عن الصحابة أن أهل الأعراف قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم, ثم يغفر الله لهم ويدخلهم الجنة.
(المتن)
وقال أيضا: حدثني ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس قال: "الأعراف": السور الذي بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بدا لله أن يعافيهم، انطلق بهم إلى نهر.
الشرح: يعني إذا أراد الله إذا أراد الله وليس المراد أنه ظهر له شيء لم يظهر له المراد يعني إذا أراد الله, .
(المتن)
حتى إذا بدا لله أن يعافيهم، انطلق بهم إلى نهر يقال له: "الحياة"، حافتاه قصب الذهب، مكلل باللؤلؤ، ترابه المسك، فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم، وتبدو في نحورهم بيضاء يعرفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم أتى بهم الرحمن تبارك وتعالى فقال: تمنوا ما شئتم فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفا. فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، يسمون مساكين أهل الجنة.
وكذا رواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن يحيى بن المغيرة، عن جرير، به. وقد رواه سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث، من قوله وهذا أصح، والله أعلم. وكذا روي عن مجاهد والضحاك وغير واحد.
وقال سنيد بن داود: حدثني جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف قال هم آخر من يفصل بينهم من العباد، فإذا فرغ رب العالمين من فصله بين العباد قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلوا الجنة، فأنتم عتقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم". وهذا مرسل حسن.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "الوليد بن موسى"، عن منبه بن عثمان عن عروة بن رويم، عن الحسن، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب، فسألناه عن ثوابهم وعن مؤمنيهم؟ فقال: "على الأعراف، وليسوا في الجنة مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فسألناه: وما الأعراف؟
الشرح: كأن هناك سقط أيضا آخر وقيل: أولاد الزنا, وقيل: مؤمن الجن, وروى الحافظ بن عساكر ...
لأن رواية الحافظ تريد قول آخر وهم أنهم مؤمن الجن, صار فيه ثلاثة أقوال, قيل: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم, وقيل هم أولاد الزنا, وقيل مؤمنو الجن ثلاثة أقوال ساقطة وقيل مؤمن الجن, يدل عليها قول: وروى الحافظ بن عساكر, لأن هذا تأييد القول الثالث, وقيل هم أولاد الزنا, وقيل هم مؤمن الجن, حكاه القرطبي, ورواه الحافظ بن عساكر, يراجع القرطبي في هذا ××× القرطبي ما هو موجود يراجع القرطبي في هذا في ذكر الأقوال هذه, وقيل هم أولاد الزنا وقيل مؤمنوا الجن حكاه القرطبي وروى الحافظ بن عساكر أثرا يؤيد أنهم مؤمنوا الجن.
(المتن)
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "الوليد بن موسى"، عن منبه بن عثمان عن عروة بن رويم، عن الحسن، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب، فسألناه عن ثوابهم وعن مؤمنيهم؟ فقال: "على الأعراف، وليسوا في الجنة مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فسألناه: وما الأعراف؟
فقال: "حائط الجنة تجري فيه الأنهار، وتنبت فيه الأشجار والثمار".
رواه البيهقي، عن ابن بشران، عن علي بن محمد المصري، عن يوسف بن يزيد، عن الوليد بن موسى، به.
وقال سفيان الثوري، عن خصيف، عن مجاهد قال: أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء.
وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز في قوله تعالى: {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم} قال: هم رجال من الملائكة، يعرفون أهل الجنة وأهل النار، قال: {ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الأعراف رجالا} في النار {يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة} قال: فهذا حين دخل أهل الجنة الجنة: {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}.
وهذا صحيح إلى أبي مجلز لاحق بن حميد أحد التابعين، وهو غريب من قوله وخلاف الظاهر من السياق: وقول الجمهور مقدم على قوله، بدلالة الآية على ما ذهبوا إليه.
(الشرح)
قول الجمهور: أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم, مقدم على القول بأنهم أولاد الزنا أو مؤمنوا الجن, أو قوم من الملائكة هذه كلها أقوال مرجوحة, الأرجح أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ثم يغفر الله لهم ويدخلهم الجنة. هذا قول الجمهور وهو الصواب.
(المتن)
وقول الجمهور مقدم على قوله، بدلالة الآية على ما ذهبوا إليه.
وكذا قول مجاهد: إنهم قوم صالحون علماء فقهاء فيه غرابة أيضا. والله أعلم.
(الشرح)
نعم هذا قولهم قوم فقهاء صلحاء حلماء يعني غريب هذا كيف قوم وفقهاء وصلحاء ومحبوسون بين الجنة والنار, يعني قيل قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم, وقيل أولاد الزنا, وقيل مؤمنو الجن, وقيل من الملائكة, وقيل قوم صلحاء حلماء فقهاء, هذا غريب.
(المتن)
وقد حكى القرطبي وغيره فيهم اثني عشر قولا منها: أنهم شهداء أنهم صلحاء تفرعوا من فرع الآخرة، دخلوا يطلعون على أخبار الناس. وقيل: هم أنبياء. وقيل: ملائكة.
الشرح: ... وهذا مثل قول مجاهد هذا, هذا مثل قول مجاهد قريب هذا الشهداء الصلحاء ما يحبسون بين الجنة والنار, لأنهم شهداء صلحاء.
(المتن)
أنهم شهدوا أنهم صلحاء تفرعوا من فرع الآخرة، دخلوا يطلعون على أخبار الناس.
الشرح: .... لعلها هرعوا, هرعوا يعني هرعوا من فزع الآخرة لعلها أقرب نعم هرعوا.
طالب: وخلق يطلعون على أخبار الناس.
الشرح: هذه من الأقوال التي ساقها القرطبي, كان القرطبي استقصر الأقوال ذكر اثنا عشر قول.
طالب: ×××
الشرح: هذا في القرطبي إذا كان هذا صحيح صح هذا ××× تأكدوا من القرطبي صح على ما فيه.
(المتن)
وقيل: هم أنبياء. وقيل: ملائكة.
الشرح: لا كل هذا بعيد هذا.
(المتن)
وقوله تعالى: {يعرفون كلا بسيماهم}.
الشرح: بعيد جدا أنبياء الأنبياء كيف يكونوا في الأعراف بين الجنة والنار وكذلك الملائكة نعم بعيد هذا وقيل.
(المتن)
وقيل: هم أنبياء. وقيل: ملائكة. وقوله تعالى: {يعرفون كلا بسيماهم}.
الشرح: بركة, سم.
القارئ:-
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى: وقوله تعالى: {يعرفون كلا بسيماهم}.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه، وأهل النار بسواد الوجوه. وكذا روى الضحاك، عنه.
وقال العوفي، عن ابن عباس أنزلهم الله بتلك المنزلة، ليعرفوا من في الجنة والنار، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه، ويتعوذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين. وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بسلام، لم يدخلوها، وهم يطمعون أن يدخلوها، وهم داخلوها إن شاء الله.
وكذا قال مجاهد، والضحاك، والسدي، والحسن، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وغيرهم.
وقال معمر، عن الحسن: إنه تلا هذه الآية: {لم يدخلوها وهم يطمعون} قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم، إلا لكرامة يريدها بهم.
وقال قتادة [قد] أنبأكم الله بمكانهم من الطمع.
(الشرح)
وهذا في آخر الآية صريح في أنهم دخلوا الجنة {لم يدخلوها وهم يطمعون} يعني دخلوها جعل الله الطمع في قلوبهم, فدل على أن أهل الأعراف يدخلون الجنة يحبسون أولا بين الجنة والنار ثم يدخلوها, {لم يدخلوها وهم يطمعون} يعني دخلوها مع الطمع الذي حصل لهم.
(المتن)
وقوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}, قال الضحاك، عن ابن عباس: إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا: {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.
وقال السدي: وإذا مروا بهم -يعني بأصحاب الأعراف -بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا: {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.
وقال عكرمة: تحدد وجوههم للنار، فإذا رأوا أصحاب الجنة ذهب ذلك عنهم.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} فرأوا وجوههم مسودة، وأعينهم مزرقة، {قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.
{ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون (48) أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون (49) }.
يقول الله تعالى إخبرا عن تقريع أهل الأعراف لرجال من صناديد المشركين وقادتهم، يعرفونهم في النار بسيماهم: {ما أغنى عنكم جمعكم} أي: كثرتكم، {وما كنتم تستكبرون} أي: لا ينفعكم كثرتكم ولا جموعكم من عذاب الله، بل صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب والنكال. {أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني: أصحاب الأعراف {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: {قالوا ما أغنى عنكم جمعكم [وما كنتم تستكبرون] } الآية، قال: فلما قالوا لهم الذي قضى الله أن يقولوا -يعني أصحاب الأعراف لأهل الجنة وأهل النار-قال الله [تعالى] لأهل التكبر والأموال: {أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}.
(الشرح)
يعني أهل الأموال وأهل الكبر أقسموا أن هؤلاء الفقراء أو هؤلاء الأعراف لا يدخلون الجنة, فقال الله لهم: "ادخلوا الجنة", هؤلاء الذين أقسمتم أنهم لم يدخلوا الجنة دخلوا الجنة قال الله لهم: ادخلوا الجنة.
(المتن)
وقال حذيفة: إن أصحاب الأعراف قوم تكاثفت أعمالهم، فقصرت بهم حسناتهم عن الجنة، وقصرت بهم سيئاتهم عن النار، فجعلوا على الأعراف، يعرفون الناس بسيماهم، فلما قضى الله بين العباد أذن لهم في طلب الشفاعة، فأتوا آدم فقالوا: يا آدم، أنت أبونا، فاشفع لنا عند ربك. فقال: هل تعلمون أن أحدا خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وسبقت رحمته إليه غضبه، وسجدت له الملائكة غيري؟ فيقولون: لا فيقول: ما علمت كنهه، ما أستطيع أن أشفع لكم، ولكن ائتوا ابني إبراهيم. فيأتون إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيسألونه أن يشفع لهم عند ربهم، فيقول: [هل] تعلمون من أحد اتخذه الله خليلا؟ هل تعلمون أن أحدا أحرقه قومه بالنار في الله غيري؟
فيقولون: لا. فيقول: ما علمت كنهه، ما أستطيع أن أشفع لكم. ولكن ائتوا ابني موسى. فيأتون موسى، عليه السلام، [فيقولون: اشفع لنا عند ربك] فيقول: هل تعلمون من أحد كلمه الله تكليما وقربه نجيا غيري؟ فيقولون: لا، فيقول: ما علمت كنهه، ما أستطيع أن أشفع لكم، ولكن ائتوا عيسى. فيأتونه، عليه السلام، فيقولون له: اشفع لنا عند ربك. فيقول: هل تعلمون أحدا خلقه الله من غير أب غيري؟ فيقولون: لا. فيقول: هل تعلمون من أحد كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله غيري؟ قال: فيقولون: لا. فيقول: أنا حجيج نفسي. ما علمت كنهه، ما أستطيع أن أشفع لكم. ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيأتونني فأضرب بيدي على صدري، ثم أقول: أنا لها. ثم أمشي حتى أقف بين يدي العرش، فآتي ربي، عز وجل، فيفتح لي من الثناء ما لم يسمع السامعون بمثله قط، ثم أسجد فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع. فأرفع رأسي، ثم أثني على ربي عز وجل, ثم أخر ساجدا, فيقال لي: ارفع رأسك, وسل تعط واشفع تشفع, فأرفع رأسي, فأقول: ربي أمتي. فيقول: هم لك. فلا يبقى نبي مرسل، ولا ملك مقرب، إلا غبطني بذلك المقام، وهو المقام المحمود. فآتي بهم الجنة، فأستفتح فيفتح لي ولهم، فيذهب بهم إلى نهر يقال له: نهر الحيوان، حافتاه قصب مكلل باللؤلؤ، ترابه المسك، وحصباؤه الياقوت.
فيغتسلون منه، فتعود إليهم ألوان أهل الجنة، وريح [أهل الجنة] فيصيرون كأنهم الكواكب الدرية، ويبقى في صدورهم شامات بيض يعرفون بها، يقال لهم: مساكين أهل الجنة".
(الشرح)
وهذه الشفاعة خاصة, السند عن موقوف عن من عن حذيفة. هل ذكر سند لحذيفة.
القارئ: ما ذكر سند.
الشرح: هذه شفاعة خاصة.
(المتن)
{ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون (51) }.
يخبر تعالى عن ذلة أهل النار وسؤالهم أهل الجنة من شرابهم وطعامهم، وأنهم لا يجابون إلى ذلك.
قال السدي: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله}, يعني: الطعام وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يستطعمونهم ويستسقونهم.
وقال الثوري، عن عثمان الثقفي، عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال: ينادي الرجل أباه أو أخاه فيقول له: قد احترقت، أفض علي من الماء.
فيقال لهم: أجيبوهم. فيقولون: {إن الله حرمهما على الكافرين}.
وروي من وجه آخر عن سعيد، عن ابن عباس، مثله [سواء].
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {إن الله حرمهما على الكافرين} يعني: طعام الجنة وشرابها.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: أخبرنا موسى بن المغيرة، قال: حدثنا أبو موسى الصفار في دار عمرو بن مسلم قال: سألت ابن عباس -أو: سئل -: أي الصدقة أفضل؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة الماء، ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا: {أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله}.
(الشرح)
وهذا التحريم تحريم قدري أن الله تعالى حرمهما على الكافرين, مثل قول تعالى: {وحرمنا عليه المراضع من قبل}[القصص:12]؛ يعني حرم الله على أهل النار تحريما قدريا - أعد الحديث -
(المتن)
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: أخبرنا موسى بن المغيرة، قال: حدثنا أبو موسى الصفار في دار عمرو بن مسلم.
الشرح: موسى بن المغير, وأبو موسى الصفار تكلم عليهم؟ مجهولان.
طالب:
الشرح: ضعيف فيكون ضعيف هذا.
(المتن)
قال: "أفضل الصدقة الماء، ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا: {أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله}.
وقال أيضا: حدثنا أحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال: لما مرض أبو طالب قالوا له: لو أرسلت إلى ابن أخيك هذا، فيرسل إليك بعنقود من الجنة لعله أن يشفيك به. فجاءه الرسول وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: إن الله حرمهما على الكافرين.
ثم وصف تعالى الكافرين بما كانوا يعتمدونه في الدنيا باتخاذهم الدين لهوا ولعبا، واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفها عما أمروا به من العمل للآخرة.
وقوله: {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} أي: يعاملهم معاملة من نسيهم؛ لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ولا ينساه، كما قال تعالى: {في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} [طه:52].
وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة، كما قال: {نسوا الله فنسيهم} [التوبة:67] وقال: {كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه:126] وقال تعالى: {وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا} [الجاثية:34].
(الشرح)
إذا المراد بالنسيان هنا المعنى: أن يعاملهم معاملة المنسي جزاء لعملهم, والجزاء من جنس العمل, فكما نسوا أوامر الله فلم يفعلوها ونسوا محارم الله فاجترحوها عاملهم الله معاملة المنسي, تركهم ووكلهم إلى أنفسهم وتركهم من رحمته وإلا فالله تعالى لا يضل ولا ينسى كما قال الله, وهذا من باب المقابلة {نسوا الله فنسيهم}, {يسخرون سخر الله منهم}, {يستهزئون الله يستهزئ بهم}, {ويمكرون ويمكر الله}, {إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا}.
(المتن)
وقال العوفي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في [قوله]: {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} قال: نسيهم الله من الخير، ولم ينسهم من الشر.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: نتركهم، كما تركوا لقاء يومهم هذا. وقال مجاهد: نتركهم في النار. وقال السدي: نتركهم من الرحمة، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.
وفي الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: "ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول الله: فاليوم أنساك كما نسيتني".
(الشرح)
كما نسوا لقاء الله فلم يعملوا لليوم الآخر عاملهم الله معاملة المنسي فنسيهم من رحمته وتركهم في النار, نسأل الله العافية. نعم.
(المتن)
{ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون}[الأعراف:52]
(انتهى)