(المتن)
... وليتبعنه؟ فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، قام صالح، عليه السلام، إلى صلاته ودعا الله، عز وجل، فتحركت تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها.
(الشرح)
وبراء يعني عليها صوف وبر.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
هذه الآيات الكريمة فيها قصة ثمود وما جرى لهم مع نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام, قال: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}[الأعراف:73].
يعني: وأرسلنا إلى ثمود, أخاهم: يعني أخاهم في النسب لا في الدين, {وإلى عاد أخاهم هودا} [هود:50].
وكذلك {وإلى مدين أخاهم شعيبا}[هود:84].
أخاهم في النسب أما الدين فلا يكون أخا إلا لمن آمن به, وثمود قبيلة أرسل الله إليهم صالحا يدعوهم إلى التوحيد, وهذه دعوة الرسل جميعا من أولهم إلى آخرهم (أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره), وهذا هو معنى: "لا إله إلا الله", كلمة التوحيد, فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله. التوحيد لابد فيه من أصلين: (النفي, والإثبات) نفي العبادة عن غير الله, وهي البراءة من كل معبود سوى الله, وإنكار عبادة ما سوى الله ونفيها وبغضها وبغض أهلها ومعاداتهم.
والثاني الوصف الثاني: الإيمان بالله, فالتوحيد لا يكون إلا بهذين الأمرين: (النفي, والإثبات) "لا إله إلا الله", لا إله: هذا النفي, وهو الكفر بالطاغوت وهو البراءة من كل معبود سوى الله.
والثاني: الإيمان بالله, قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}[البقرة:256].
وكل نبي يقول: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره), اعبدوا الله: هذا الإثبات, ما لكم من إله غيره: هذا النفي, اشتملت على نفي وإثبات, ولا يكون التوحيد إلا بالأمرين: بالنفي والإثبات.
فلو عبد الإنسان الله سبحانه وتعالى فقط لا يكون موحدا حتى يكفر بعبادة ما سواه, حتى ينكر عبادة ما سوى الله ويكفر بها, حتى يكفر اليهود والنصارى والوثنية يعتقد أنهم على كفر, وأنهم على دين باطل, لابد من هذا, فمن لم يكفر الكفار أو شك في كفرهم أو صح مذهبهم فهو كافر مثلهم, لأنه لم يأت ببراءة من كل معبود سوى الله, لابد من هذا, قال الله تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}[الممتحنة:4].
فلابد من الكفر بالطاغوت وهي البراءة من كل معبود سوى الله, وتكفير الكفار, يعتقد أنهم على دين باطل, وأنهم كفار, ولا يلزم من هذا قتالهم أو أخذ أموالهم لا الكفار قسمان:
كفار محاربون, هؤلاء أموالهم حلال ودماؤهم حلال, ما بيننا وبينهم إلا القتال.
وكفار غير حربيين ذميين ولهم عهد ولهم ذمة دخلوا البلاد بعهد أو بأمان, ولو كان قومه كفار إذا دخلوا البلاد بأمان أو عهد فإنهم تكون دماؤهم معصومة, وأموالهم معصومة, والذمي لابد أن يحسن إليه, لا بأس يحسن إليه ويطعم ويسقى ويعامل معاملة حسنة, ويكون هذا من أسباب هدايته, لكن مع ذلك أنت تبغضه دينا تبغضه دينا وتبغض ما هو عليه من الدين وتنكره وتعلم أنه على دين باطل وتعتقد هذا وإن كنت تعامله معاملة حسنة, {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}[الممتحنة:8].
ولما جاءت أم أسماء في الهدنة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين, تطلب الإفتاء سألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال لها: صلي أمك. لا بأس بأن الصحابة يصلوا عمر رضي الله عنه لما جاءته حلة حرير أرسل بها إلى خال له مشرك في مكة, فبغض الكافر شيء, والإحسان إليه شيء آخر, الإحسان إليه إذا لم يكن مقاتلا, ولم يكن حربيا, ولم يكن مؤذيا للمؤمنين, ولا يحاربهم ولا يقاتلهم ولا يؤذيهم وهم على عهد أو ذمة أو أمان هذا يحسن إليه, لكنه يبغضه لدينه يعتقد أنهم على دين باطل, فمن رضي بدينه أو أقره على دينه أو اعتقد أنه يجوز له التدين بما هو عليه فهو مرتد هذه ردة على الإسلام, نسأل الله السلامة والعافية.
لابد من اعتقاد كفر الكفار وأنهم على دين باطل وأنهم على كفر, وأنهم أعداء لله, عدو, كل كافر هو عدو لله {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}[البقرة:98].
فالكافر جنس كل من كفر بالله فهو عدو لله, اليهودي عدو لله, والنصراني عدو لله, والوثني عدو لله, والمجوسي عدو لله, والمنافق عدو لله, والشيوعي عدو لله, والملحد عدو لله, كل هؤلاء أعداء لله, لابد من اعتقاد أنهم عدو لله, ولا تسميه الآخر تسميه الكافر ما تسميه الآخر, نسبة العلمانيين الآخر هذا من المداهنة, العلمانيين يسمون نحن والآخر ايش الآخر نحن والكافر, نحن مسلمون وهذا كافر, الله سماه كافر, والرسول سماه كافر, ما يستطيعون يسمونه كافر, نحن والكافر قال الله يسمى كافر هذا كافر بنص القرآن وبنص السنة, كيف يقال الآخر؟! هذا من المداهنة ومن الذوبان للكفرة حتى يزول البراء, عقيدة الولاء والبراء تذوب في هذا ما يكون هناك ولاء ولا براء ولا معاداة الآخر, والتعايش السلمي, والعولمة كل هذا صنعه الكفرة حتى يذيبوا الولاء والبراء وحتى لا يكون هناك فرق بين المسلم والكافر, وحتى يكون الناس كالبهائم يعيشون يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة, بالتعايش السلمي, التعايش السلمي, والعولمة, ولا في مسلم ولا في كافر تعايش كالبهائم ولا في ولاء ولا براء, هكذا يريد الكفرة, المسلم لابد أن يكون متميز, المسلم له دين, وله عقيدة, ومن أصول عقيدته: (الولاء والبراء).
وكل نبي بعثه الله جاءهم ببينة وحجج وبراهين, ولهذا قال صالح: {قد جاءتكم بينة من ربكم}.
والبينة هذه الناقة ذكر المؤلف أنه اقترحوا أن يخرج لهم من صخرة صماء والله أعلم, هذا يحتاج إلى دليل, أنهم اقترحوا ذلك وأنه أخرج بقرة من صخرة صماء, فالله أعلم, إذا جاء دليل على المعصوم عليه الصلاة والسلام نقول به, وإلا فالله أعلم اقترحوا أن قالوا اقترحوا أن يأتيهم ببينة فجاءهم الله بالبينة.
سؤال: أحسن الله إليك, هل هناك فرق بين الموالاة والتولي؟
الشرح: التولي ردة على الإسلام, قال تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.
التولي محبة الكفار محبتهم والرضا بدينهم هذا التولي, والموالاة هي المعاشرة والمصادقة معاشرة الكافر ومصادقته والإفضاء له بالأسرار هذه كبيرة من كبائر الذنوب, وقد تكون تولي إذا رضي بدينه قد تكون موالاة, منهم من يقول موالاة, موالاة كبرى وموالاة صغرى الموالاة بمعنى التولي, والتولي محبة الكفار والرضا بدينهم, أصلها محبة الكفار والرضا بدينهم, ثم ينشأ على ذلك المساعدة والمعاونة لهم على المؤمنين.
وأما الموالاة والمعاشرة والمصادقة واتخاذه صديق يفضي له بالأسرار دون غيره, هذه من كبائر الذنوب, مسألة المهادنات بين ولاة الأمور هذا شيء آخر المهادنات والرسل التي تكون بين ولاة الأمور هذه تكون في حدود الحاجة والضرورة.
(المتن)
ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها.
الشرح: يعني على صوف ووبر. نعم.
(المتن)
يتحرك جنينها بين جنبيهاكما سألوا، فعند ذلك آمن رئيس القوم وهو: "جندع بن عمرو" ومن كان معه على أمره وأراد بقية أشارف ثمود أن يؤمنوا فصدهم "ذؤاب بن عمرو بن لبيد" "والحباب" صاحب أوثانهم، وربان بن صمعر بن جلمس، وكان ل"جندع بن عمرو" ابن عم يقال له: "شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد بن جواس"، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فأراد أن يسلم أيضا فنهاه أولئك الرهط، فأطاعهم، فقال في ذلك رجل من مؤمني ثمود، يقال له مهوش بن عنمة بن الذميل، رحمه الله:
وكانت عصبة من آل عمرو ... إلى دين النبي دعوا شهابا ...
عزيز ثمود كلهم جميعا ... فهم بأن يجيب فلو أجابا ...
لأصبح صالح فينا عزيزا ... وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا ...
ولكن الغواة من آل حجر ... تولوا بعد رشدهم ذئابا ...
فأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة، تشرب ماء بئرها يوما، وتدعه لهم يوما، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها فيملئون ما شاءوا من أوعيتهم وأوانيهم، كما قال في الآية الأخرى: {ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر} [القمر:28].
وقال تعالى: {هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} [الشعراء:155] وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها؛ لأنها كانت تتضلع عن الماء، وكانت - على ما ذكر - خلقا هائلا ومنظرا رائعا، إذا مرت بأنعامهم نفرت منها.
فلما طال عليهم ذلك واشتد تكذيبهم لصالح النبي، عليه السلام، عزموا على قتلها، ليستأثروا بالماء كل يوم، فيقال: إنهم اتفقوا كلهم على قتلها.
قال قتادة: بلغني أن الذي قتل الناقة طاف عليهم كلهم، أنهم راضون بقتلها حتى على النساء في خدورهن، وعلى الصبيان [أيضا].
قلت: وهذا هو الظاهر؛ لأن الله تعالى يقول: {فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها} [الشمس:14].
وقال: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها} [الإسراء:59].
وقال: {فعقروا الناقة} فأسند ذلك إلى مجموع القبيلة، فدل على رضا جميعهم بذلك، والله أعلم.
(الشرح)
نعم والرضا كالفاعل يعني لو قتلها واحد أو اثنين أو ثلاثة قدار بن سالف والباقي راضون والراضي كالفاعل, وهم أقروا فنسب القتل إليهم لأنهم تمالئوا على ذلك, وإن كان الذي باشر القتل واحد أو اثنين لكن تمالئوا واتفقوا على هذا ورضوا بهذا فصاروا كلهم قتلة, لا يشترط أن يباشر كلهم القتل يباشر القتل واحد أو اثنين أو ثلاثة والباقي تمالئوا واتفقوا على ذلك ولهذا نسب القتل إليهم جميعا, قال: {فعقروها}.
والإثم يعمهم جميعا, والحكم لكلهم القاتل وغير القاتل كلهم حكم واحد كلهم يعمهم العذاب لأنهم كلهم فاعلون, متواطئون وراضون نعم ومتمالئون.
(المتن)
وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير، رحمه الله، وغيره من علماء التفسير في سبب قتل الناقة: أن امرأة منهم يقال لها: "عنيزة ابنة غنم بن مجلز" وتكنى أم غنم كانت عجوزا كافرة، وكانت من أشد الناس عداوة لصالح، عليه السلام، وكانت لها بنات حسان ومال جزيل، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود، وامرأة أخرى يقال لها: "صدوف بنت المحيا ابن دهر بن المحيا" ذات حسب ومال وجمال، وكانت تحت رجل مسلم من ثمود، ففارقته، فكانتا تجعلان لمن التزم لهما بقتل الناقة، فدعت "صدوف" رجلا يقال له: "الحباب" وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة، فأبى عليها.
فدعت ابن عم لها يقال له: "مصدع بن مهرج بن المحيا"، فأجابها إلى ذلك -ودعت "عنيزة بنت غنم" قدار بن سالف بن جندع وكان رجلا أحمر أزرق قصيرا، يزعمون أنه كان ولد زنية، وأنه لم يكن من أبيه الذي ينسب إليه، وهو سالف، وإنما كان من رجل يقال له: "صهياد" ولكن ولد على فراش "سالف"، وقالت له: أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة! فعند ذلك، انطلق "قدار بن سالف" "ومصدع بن مهرج"، فاستفزا غواة من ثمود.
الشرح: غواة جمع غاوي الغاوي هو المنحرف يعني عن بصيرة, هذا الغاوي, الغاوي الذي يعمل معصية مع العلم وهو عالم بها أنها معصية, والضال هو الذي يعمل بغير علم.
(المتن)
فاتبعهما سبعة نفر، فصاروا تسعة رهط، وهم الذين قال الله تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} [النمل:48] وكانوا رؤساء في قومهم، فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها، فطاوعتهم على ذلك، فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها "قدار" في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها "مصدع" في أصل أخرى، فمرت على "مصدع" فرماها بسهم، فانتظم به عضلة ساقها وخرجت "أم غنم عنيزة"، وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس وجها، فسفرت عن وجهها لقدار وذمرته فشد على الناقة بالسيف.
الشرح: ذمرته يعني شجعته وحرضته على قتلها. ذمرته بالذال وتشديد الميم ذمرته يعني شجعته وحرضته على قتل الناقة.
(المتن)
ثم طعن في لبتها فنحرها.
الشرح: اللبة هي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر يقال لها: لبة.
(المتن)
وانطلق سقبها - وهو فصيلها - حتى أتى جبلا منيعا، فصعد أعلى صخرة فيه ورغا -فروى عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع الحسن البصري أنه قال: يا رب أين أمي؟ ويقال: إنه رغا ثلاث مرات. وإنه دخل في صخرة فغاب فيها، ويقال: بل اتبعوه فعقروه مع أمه، فالله أعلم.
الشرح: الله أعلم, الحسن بينه وبين ثمود دهور, هذه كلها الله أعلم من أخبار بني إسرائيل والله أعلم.
(المتن)
فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة، بلغ الخبر صالحا، عليه السلام، فجاءهم وهم مجتمعون، فلما رأى الناقة بكى وقال: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام [ذلك وعد غير مكذوب] } [هود:65].
وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء، فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح [عليه السلام] وقالوا: إن كان صادقا عجلناه قبلنا، وإن كان كاذبا ألحقناه بناقته! {قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون. ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} الآية. [النمل:49-52].
فلما عزموا على ذلك، وتواطؤوا عليه، وجاءوا من الليل ليفتكوا بنبي الله صالح، أرسل الله، سبحانه وتعالى، وله العزة ولرسوله، أرسل عليهم حجارة فرضختهم سلفا وتعجيلا قبل قومهم، وأصبح ثمود يوم الخميس، وهو اليوم الأول من أيام النظرة، ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح، عليه السلام، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل، وهو يوم الجمعة، ووجوههم محمرة، وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت، ووجوههم مسودة، فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه، عياذا بالله من ذلك، لا يدرون ماذا يفعل بهم، ولا كيف يأتيهم العذاب؟
و [قد] أشرقت الشمس، جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة {فأصبحوا في دارهم جاثمين} أي: صرعى لا أرواح فيهم، ولم يفلت منهم أحد، لا صغير ولا كبير، لا ذكر ولا أنثى -قالوا: إلا جارية كانت مقعدة -واسمها "كلبة ابنة السلق"، ويقال لها: "الزريقة" – وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح، عليه السلام، فلما رأت ما رأت من العذاب، أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شيء، فأتت حيا من الأحياء فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها، ثم استسقتهم من الماء، فلما شربت، ماتت.
قال علماء التفسير: ولم يبق من ذرية ثمود أحد، سوى صالح، عليه السلام، ومن اتبعه.
الشرح: والله أعلم, أقول يعني استثناء هذه الجارية الله أعلم هذه الجارية وأنها كذا وأنها ذهبت كل هذا يحتاج إلى دليل من المعصوم صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
قال علماء التفسير: ولم يبق من ذرية ثمود أحد، سوى صالح، عليه السلام، ومن اتبعه رضي الله عنهم، إلا أن رجلا يقال له: "أبو رغال"، كان لما وقعت النقمة بقومه مقيما في الحرم، فلم يصبه شيء، فلما خرج في بعض الأيام إلى الحل، جاءه حجر من السماء فقتله.
وقد تقدم في أول القصة حديث "جابر بن عبد الله" في ذلك، وذكروا أن أبا رغال هذا هو والد ثقيف" الذين كانوا يسكنون الطائف.
قال عبد الرزاق: قال معمر: أخبرني إسماعيل بن أمية؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر أبي رغال فقال: "أتدرون من هذا؟ " فقالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا قبر أبي رغال، رجل من ثمود، كان في حرم الله، فمنعه حرم الله عذاب الله. فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن هاهنا، ودفن معه غصن من ذهب، فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عنه، فاستخرجوا الغصن".
وقال عبد الرزاق: قال معمر: قال الزهري: أبو رغال: أبو ثقيف.
هذا مرسل من هذا الوجه، وقد روي متصلا من وجه آخر، كما قال محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، حين خرجنا معه إلى الطائف، فمررنا بقبر فقال: "هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم فدفع عنه.
الشرح: يعني دفع عنه الحرم يعني.
(المتن)
فلما خرج [منه] أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه. وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشم عنه أصبتموه [معه] فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن".
وهكذا رواه أبو داود، عن يحيى بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، به.
قال شيخنا أبو الحجاج المزي: وهو حديث حسن عزيز.
قلت: تفرد بوصله "بجير بن أبي بجير" هذا، وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث. قال يحيى ابن معين: ولم أسمع أحدا روى عنه غير إسماعيل بن أمية.
قلت: وعلى هذا، فيخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو، مما أخذه من الزاملتين.
قال شيخنا أبو الحجاج، بعد أن عرضت عليه ذلك: وهذا محتمل، والله أعلم.
وقوله تعالى:{فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين (79) }.
هذا تقريع من صالح، عليه السلام، لقومه، لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه، وتمردهم على الله، وإبائهم عن قبول الحق، وإعراضهم عن الهدى إلى العمى - قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعا وتوبيخا وهم يسمعون ذلك، كما ثبت في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل بدر، أقام هناك ثلاثا، ثم أمر براحلته فشدت بعد ثلاث من آخر الليل فركبها ثم سار حتى وقف على القليب، قليب بدر، فجعل يقول: "يا أبا جهل بن هشام، ويا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، ويا فلان بن فلان: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا".
قال له عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أقوام قد جيفوا؟ فقال: "والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون".
وفي السيرة أنه، عليه السلام قال لهم: "بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم".
وهكذا صالح، عليه السلام، قال لقومه: {لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم}.
الشرح: ويكون هذا مستثنى من قوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى} [النمل:80], {وما أنت بمسمع من في القبور}[فاطر:22].
والأصل: أن الميت لا يسمع, والنبي صلى الله عليه وسلم قال: إنهم يسمعون, كلمهم, هذا مستثنى, وكذلك يسمع الميت قرع نعال المشيعين, قال: «إنه يسمع قرع نعالهم إذا ولوا».
وهذا مستثنى من قوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى} [النمل:80], {وما أنت بمسمع من في القبور}[فاطر:22].
الأصل: أن الميت لا يسمع, لكن ما جاء من النصوص أنه يسمع هذا مستثنى, مثل: تكليم النبي صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر وقال إنهم يسمعون ××× إلا أنهم لا يستطيعون الجواب مستثنى, ومثل يسمع الميت قرع نعالهم هذا مستثنى.
سؤال: ×××
الشرح: لا، يكون مستثنى يعني, وكذلك الحديث الثاني أنه يسمع قرع نعالهم استثناء غير التخصيص.
سؤال: ×××
الشرح: هذا استثناء والقاعدة أنه لا يسمع لكن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسمع يكون مستثنى, ما يسمع إلا في هذا الموضع سمع مستثنى.
سؤال: ×××
الشرح: لا هو الذي جاء أنه يسمع قرع نعالهم, أما المدة الله أعلم, ويأتيه الملكان أزرقان أسودان ويسألانه: من نبيك؟ ومن ربك؟ وما دينك؟ نعم يسمع قرع نعالهم الله أعلم, المهم أنه ××× ويسمع قرع النعال فهل يكون هذا قبل مجيء الملكين أو بعده, الله أعلم.
(المتن)
وهكذا صالح، عليه السلام، قال لقومه: {لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم}, أي: فلم تنتفعوا بذلك، لأنكم لا تحبون الحق ولا تتبعون ناصحا؛ ولهذا قال: {ولكن لا تحبون الناصحين}.
الشرح: وهذا قاله بعد أن ماتوا وهلكوا يخاطبهم صالح قال: {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين}.
مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لقتلى قليب بدر: يا فلان, يا فلان, يا فلان, إني وجدت ما وعدني ربي حقا, فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا.
(المتن)
وقد ذكر بعض المفسرين أن كل نبي هلكت أمته، كان يذهب فيقيم في الحرم، حرم مكة، فالله أعلم.
الشرح: ولا شك الله أعلم لأن الحرم هذا كان بعد إبراهيم.
(المتن)
وقد قال الإمام أحمد – رحمه الله - : حدثنا وكيع، قال: حدثنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال: "يا أبا بكر، أي وادي هذا؟ " قال: هذا وادي عسفان. قال: "لقد مر به هود وصالح، عليهما السلام، على بكرات حمر خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق".
هذا حديث غريب من هذا الوجه، لم يخرجه أحد منهم.
الشرح: يعني لم يخرجه أحدا من أصحاب الكتب الستة, وزمعة بن صالح ضعيف, والله أعلم, يحجون ما بنيت الكعبة في ذلك الوقت في زمن هود وزمن صالح ما بنيت الكعبة الذي بناها إبراهيم.
المتن: -
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير سورة الأعراف, قال الله تعالى: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين (80) إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون (81) }.
يقول تعالى: {و} قد أرسلنا {لوطا} أو تقديره: {و} اذكر {لوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}.
ولوط ابن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل، عليهما الصلاة والسلام، وكان قد آمن مع إبراهيم، عليه السلام، وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله [تعالى] إلى أهل "سدوم".
الشرح: يكون لوط ابن أخي إبراهيم يكون إبراهيم عمه يعني إبراهيم عمه أخو أبيه, لوط بن هاران بن آزر, وإبراهيم بن آزر, هاران وإبراهيم أخوان, وأبوهما آزر, يكون آزر والد إبراهيم وجد لوط, ووالد لوط هاران, هاران أخو إبراهيم.
(المتن)
فبعثه الله [تعالى] إلى أهل "سدوم" وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله، عز وجل، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها.
الشرح: التي اخترعوها: يعني ابتدعوها من عند أنفسهم ابتدعوها, ولهذا قال لهم لوط: [ما سبقكم بها من أحد من العالمين] ابتدعوها ابتدعوا هذه الفاحشة فاحشة اللواط وهي إتيان الذكر الذكر, كما سيذكر المؤلف أن الوليد بن عبد الملك قال: لولا أن الله ذكر اللوطية ما صدقت أن رجلا يعلو رجلا أن ذكرا يعلو ذكرا.
(المتن)
والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور. وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل "سدوم" عليهم لعائن الله.
قال عمرو بن دينار: قوله: {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} قال: ما نزا ذكر على ذكر، حتى كان قوم لوط.
وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي، باني جامع دمشق: لولا أن الله، عز وجل، قص علينا خبر لوط، ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا.
ولهذا قال لهم لوط، عليه السلام: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء} أي: عدلتم عن النساء، وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال، وهذا إسراف منكم وجهل؛ لأنه وضع الشيء في غير محله؛ ولهذا قال لهم في الآية الأخرى: { [قال] هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} [الحجر:71].
فأرشدهم إلى نسائهم، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن، {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد} [هود:79] أي: لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء، ولا إرادة، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك.
وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى بعضهن ببعض أيضا.
قال تعالى: {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (82) }.
أي: ما أجابوا لوطا إلا أن هموا بإخراجه ونفيه ومن معه [من المؤمنين] من بين أظهرهم، فأخرجه الله تعالى سالما، وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين.
وقوله تعالى: {إنهم أناس يتطهرون} قال قتادة، عابوهم بغير عيب.
وقال مجاهد: {إنهم أناس يتطهرون} من أدبار الرجال وأدبار النساء.
الشرح: عابوهم بأن يتطهروا من الفواحش, كما قال تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}[البروج:8].
عابوهم ما عابوهم إلا أنهم عابوهم بالمدح بشيء فيه مدح هذا عابوهم هو المدح عابوهم بأنهم يتطهرون من الفواحش.
(المتن)
وقال مجاهد: {إنهم أناس يتطهرون} من أدبار الرجال وأدبار النساء.
وروي مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا.
قال تعالى: {فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين (83) وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين (84) }.
يقول تعالى: فأنجينا لوطا وأهله، ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط، كما قال تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} [الذريات:35، 36].
الشرح: ولم يضره عليه الصلاة والسلام أدى ما عليه, أدى الرسالة, وبلغ الأمانة, ونصح الأمة, ولو لم يؤمن به إلا أهل بيته ما يضره أدى ما عليه, عليه الصلاة والسلام, وله أجره, أجره كامل {إن عليك إلا البلاغ}, الرسل ما عليهم وكذلك المصلحون ما عليهم إلا البلاغ, والنصح, وقد بلغوا, والهداية بيد الله.
(المتن)
إلا امرأته فإنها لم تؤمن به، بل كانت على دين قومها، تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم؛ ولهذا لما أمر لوط، عليه الصلاة والسلام، أن يسري بأهله أمر ألا يعلم امرأته ولا يخرجها من البلد.
ومنهم من يقول: بل اتبعتهم، فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم. والأظهر أنها لم تخرج من البلد، ولا أعلمها لوط، بل بقيت معهم؛ ولهذا قال هاهنا: {إلا امرأته كانت من الغابرين} أي: الباقين. ومنهم من فسر ذلك {من الغابرين} [من] الهالكين، وهو تفسير باللازم.
وقوله: {وأمطرنا عليهم مطرا}.
الشرح: التفسير باللازم يلزم من بقائها الهلاك, ما دام بقيت معهم يلزم من بقائها الهلاك, ما دام فسرها بالباقين نعم هذا الصحيح بقيت, وإن فسرها بالهالكين يعني أنها لما بقيت هلكت لزم من بقائها هلاكها معهم.
(المتن)
وقوله: {وأمطرنا عليهم مطرا} مفسر بقوله: {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} [هود 82، 83].
الشرح: مطر سوء كما قال الله: {ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء}[الفرقان:40], مطر سوء, ومطر عذاب, نسأل الله العافية.
(المتن)
ولهذا قال: {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} أي: انظر -يا محمد -كيف كان عاقبة من تجهرم على معاصي الله وكذب رسله.
وقد ذهب الإمام أبو حنيفة، رحمه الله، إلى أن اللائط يلقى من شاهق، ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط.
وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصنا أو غير محصن. وهو أحد قولي الشافعي، رحمه الله، والحجة ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من حديث الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
وقال آخرون: هو كالزاني، فإن كان محصنا رجم، وإن لم يكن محصنا جلد مائة جلدة. وهو القول الآخر للشافعي.
الشرح: وهذا يعني ذكر ثلاثة أقوال يعني قيل: إنه يلقى اللوطي يلقى من أعلى شاهق في البلد ويتبع بالحجارة, وعلى هذا القول مثل ما يكون عندنا نذهب به إلى الفيصلية أعلى شيء في البلد في الفيصلية ونلقيه منها نلقيه منها ونتبعه بالحجارة أعلى مكان في البلد, وقيل: يرجم بالحجارة حتى يموت, وقيل: إن كان محصنا رجم, وإن كان بكرا جلد, وأظن في قول رابع قيل: يحرق بالنار, والصواب: أنه يقتل مطلقا محصنا أو غير محصن, الصواب: أنه يقتل, اللوطي يقتل سواء كان محصن أو غير محصن إذا ثبت.
فالمفعول هذا فيه تفصيل إن كان مكرها فلا, وإن كان مطاوع نعم حكمه حكمه, إن كان مكره فالمكره لا اختيار له, وإن كان مطاوع حكمه حكم كلهم كلا منهما يقتل نسأل الله العافية.
سؤال: ×××
الشرح: يقتل بالسيف محصن أو غير محصن, والقول بأنه يرجم ليس ببعيد يعني عن الزاني.
..... في الغالب هذا يثبت بالإقرار والاعتراف
(المتن)
وأما إتيان النساء في الأدبار، فهو اللوطية الصغرى، وهو حرام بإجماع العلماء، إلا قولا [واحدا] شاذا لبعض السلف، وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم الكلام عليها في سورة البقرة.
الشرح: وهذا قد تشتكي بعض النساء بأنها يفعل بها زوجها اللوطية الصغرى, وهذا نفتيها بأنها تطالب إذا لم يتب فإنها تطلب بالفسخ تذهب إلى أهلها وتطالب بالفسخ.
(المتن)
قال الله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين (85) }.
قال محمد بن إسحاق: هم من سلالة "مدين بن مديان بن إبراهيم". وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر قال: واسمه بالسريانية: "يثرون".
قلت: وتطلق مدين على القبيلة، وعلى المدينة، وهي التي بقرب "معان" من طريق الحجاز، قال الله تعالى: {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون} [القصص:23] وهم أصحاب الأيكة، كما سنذكره إن شاء الله، وبه الثقة.
{قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} هذه دعوة الرسل كلهم، {قد جاءتكم بينة من ربكم} أي: قد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به.
ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميزان، ولا يبخسوا الناس أشياءهم، أي: لا يخونوا الناس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس، وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسا، كما قال تعالى: {ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون * ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين:1-6] وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، نسأل الله العافية منه.
ثم قال تعالى إخبارا عن شعيب، الذي يقال له: "خطيب الأنبياء"، لفصاحة عبارته، وجزالة موعظته.
{ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين (86) وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين (87) }.
ينهاهم شعيب، عليه الصلاة والسلام، عن قطع الطريق الحسي والمعنوي.
الشرح: الحسي: في قوله: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} [الأعراف:86], والمعنوي: في قوله: {وتصدون عن سبيل الله}, فهم أشركوا بالله ويصدون عن سبيل الله ويقطعون الطريق ويطففون الميكال والميزان هذه جرائمهم الشرك بالله.
والجريمة الثانية: تطفيف الميكال والميزان.
والجريمة الثالثة أيضا: قطع الطريق, قطع الطريق يقطعون الطريق الحسي, والطريق المعنوي يصدون عن سبيل الله, كما أن قوم لوط أشركوا بالله وفعلوا فاحشة اللواط, فهذه جرائم بالإضافة إلى الشرك, الشرك هذا الدرجة الأولى قطع الطريق الحسي, وقطع الطريق المعنوي, والصد عن سبيل الله يعني يشركون بالله ويصدون الناس عن سبيل الله, ويقطعون الطريق على الناس, ويأخذون منهم العشر وهو المكوس يأخذون المكوس.
(المتن)
ينهاهم شعيب، عليه الصلاة والسلام، عن قطع الطريق الحسي والمعنوي, بقوله: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} أي: توعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم. قال السدي وغيره: كانوا عشارين.
الشرح: يعني يأخذوا العشر من الأموال وهي المكوس يأخذوا العشر من الأموال وهذا مكس المكوس من أعظم الذنوب, وقد جاء في حديث الزانية: «لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبلت», هذا يدل على أن صاحب المكس ذنبه أعظم من ذنب الزانية, لو تاب صاحب مكس المكوس يأخذ من أموال الناس جزءا منها يأخذ منهم المكوس بغير حق, يعشرون ايش وكانوا يأخذون المعشار.
(المتن)
قال السدي وغيره: كانوا عشارين.
الشرح: يعني يأخذون العشر من أموال الناس.
وهذا قطع الطريق المعنوي الحسي.
(المتن)
وعن ابن عباس [رضي الله عنه] ومجاهد وغير واحد: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} أي: تتوعدون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه. والأول أظهر؛ لأنه قال: {بكل صراط} وهي الطرق.
الشرح: الأظهر القول الثاني أنهم يمنعون الناس من إتيان شعيب.
القول الأول: أنهم يقطعون الطريق.
(المتن)
وهذا الثاني هو قوله: {وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا} أي: وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة. {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم} أي: كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عددكم، فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك، {وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} أي: من الأمم الخالية والقرون الماضية، ما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب رسله.
وقوله: {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا} أي: [قد] اختلفتم علي {فاصبروا} أي: انتظروا {حتى يحكم الله بيننا} أي: يفصل، {وهو خير الحاكمين} فإنه سيجعل العاقبة للمتقين، والدمار على الكافرين.
قال الله تعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين (88) قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين (89) }.
هذا إخبار من الله [تعالى] عما واجهت به الكفار نبي الله شعيبا ومن معه من المؤمنين، في توعدهم إياه ومن معه بالنفي من القرية، أو الإكراه على الرجوع في ملتهم والدخول معهم فيما هم فيه. وهذا خطاب مع الرسول والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملة.
وقوله: {أولو كنا كارهين} يقول: أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنا كارهين ما تدعونا إليه؟ فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه، فقد أعظمنا الفرية على الله في جعل الشركاء معه أندادا. وهذا تعبير منه عن أتباعه. {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا} وهذا رد إلى المشيئة، فإنه يعلم كل شيء، وقد أحاط بكل شيء علما، {على الله توكلنا} أي: في أمورنا ما نأتي منها وما نذر {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} أي: افصل بيننا وبين قومنا، وانصرنا عليهم، {وأنت خير الفاتحين} أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبدا.
قال تعالى: {وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون (90) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (91) الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين (92) }.
يخبر تعالى عن شدة كفر قوم شعيب وتمردهم وعتوهم، وما هم فيه من الضلال، وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحق، ولهذا أقسموا وقالوا: {لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون} فلهذا عقب ذلك بقوله: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} أخبر تعالى هاهنا أنهم أخذتهم الرجفة كما أرجفوا شعيبا وأصحابه وتوعدوهم بالجلاء، كما أخبر عنهم في سورة "هود" فقال: {ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} [هود:94].
والمناسبة في ذلك -والله أعلم -أنهم لما تهكموا بنبي الله شعيب في قولهم: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد} [هود: 87] فجاءت الصيحة أسكتتهم.
وقال تعالى إخبارا عنهم في سورة الشعراء: {فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم} [الشعراء:189] وما ذاك إلا لأنهم قالوا له في سياق القصة: {فأسقط علينا كسفا من السماء [إن كنت من الصادقين] } [الشعراء:187] فأخبر أنه أصابهم عذاب يوم الظلة، وقد اجتمع عليهم ذلك كله: أصابهم عذاب يوم الظلة،" وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم، فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس وخمدت الأجساد، {فأصبحوا في دارهم جاثمين}.
الشرح: فزهقت الأرواح يعني هلكت نسأل الله العافية, صيحة رجفة وصيحة صحية من السماء لأنهم يتهكمون فجاءتهم صيحة أسكتتهم, ولما قال {فأسقط علينا كسفا من السماء}[الشعراء:187], أمطر الله عليهم نارا تلظى, وهنا قالوا ائتنا بما تعدنا, فجاءتهم الرجفة, اجتمعت صيحة من السماء, ورجفة من الأرض, ونار من السماء نعوذ بالله نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس وخمدت الأجساد، {فأصبحوا في دارهم جاثمين}.
ثم قال تعالى: {كأن لم يغنوا فيها} أي: كأنهم لما أصابتهم النقمة لم يقيموا بديارهم التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها.
ثم قال مقابلا لقيلهم: {الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين}.
قال تعالى: {فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين (93) }.
أي: فتولى عنهم "شعيب" عليه الصلاة والسلام بعد ما أصابهم ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال، وقال مقرعا لهم وموبخا: {يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم} أي: قد أديت إليكم ما أرسلت به، فلا آسف عليكم وقد كفرتم بما جئتكم به، ولهذا قال: {فكيف آسى على قوم كافرين} ؟.
الشرح: نعم لا يأسى على الكافرين لا يأسى على الكافرين ولا يحزن عليهم, فنصر الله لأوليائه وخذلانه لأعدائه لا يأسى على نقمة الله عليهم, بل يفرح بنصر الله لأوليائه وإهلاكه لأعدائه, وهذا قاله شعيب بعد أن هلكوا {وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم}[الأعراف:93].
كما قال صالح, وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر.
(المتن)
قال تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نبي ... }.
الشرح: بركة
(انتهى)