مقدمة:-
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
أما بعد:
(المتن)
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله تعالى – في تفسير سورة الأعراف, قال الله تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون}[الأعراف:117].
{فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون}[الأعراف:118].
{فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين}[الأعراف:119].
{وألقي السحرة ساجدين}[الأعراف:120].
{قالوا آمنا برب العالمين}[الأعراف:121].
{رب موسى وهارون}[الأعراف:122].
يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى، عليه الصلاة والسلام، في ذلك الموقف العظيم، الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه، {فإذا هي تلقف} أي: تأكل {ما يأفكون} أي: ما يلقونه ويوهمون أنه حق، وهو باطل.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فجعلت لا تمر بشيء من حبالهم ولا من خشبهم إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء، وليس هذا بسحر، فخروا سجدا وقالوا: {آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون}.
وقال محمد بن إسحاق: جعلت تبتلع تلك الحبال والعصي واحدة، واحدة حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا، ثم أخذها موسى عليه الصلاة والسلام فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجدا {قالوا آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون} لو كان هذا ساحرا ما غلبنا.
وقال القاسم بن أبي بزة: أوحى الله إليه أن ألق عصاك، فألقى عصاه، فإذا هي ثعبان فاغر فاه، يبتلع حبالهم وعصيهم. فألقي السحرة عند ذلك سجدا، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
هذه الآيات الكريمات فيها بيان نصر الله تعالى لعبده ورسوله موسى عليه الصلاة والسلام, وأن الله نصره على القوم الكافرين على فرعون والسحرة, فقال الله تعالى: {وما النصر إلا من عند الله}.
لما تواعد موسى والسحرة تواعدوا في يوم يجتمعون فيه وكل يأتي بما عنده واجتمع الناس في صعيد واحد تبارز موسى مع السحرة موسى وحده وأخوه معه ربه, والسحرة الكثر مع فرعون, وكان السحرة جازمين بأنهم سينتصرون, وكانوا يعتمدون على فرعون ويتوكلون عليه, فقالوا له يعني في حالة الابتهاج والعجب بما هم عليهم وأنهم سينتصرون إما أن تلقي وإما أن نلقي, أينا يلقي, فقال لهم موسى: ألقوا أنتم ما عندكم.
والحكمة في هذا والله أعلم أنهم يبدؤون ويخرجون ما عندهم من الباطل حتى يراه الناس, ثم بعد ذلك يأتي الحق ويذهبوا به, فألقوا ما في أيديهم من العصي والحبال وكانوا قد هيئوها في قبل أيام وأعدوا أنفسهم وتهيئوا لهذا الأمر العظيم, وكانوا اتفقوا على أن يأتوا بعصي وحبال ويضعوا عليها الزئبق فصارت تتلوى وسحروا أعين الناس صارت تتلوى حيات وعقارب حتى امتلأ الوادي, فأصاب الناس رهبة, رهبة عظيمة ولهذا قال الله: {واسترهبوهم} أصابهم رهبة وخوف, وادي مد البصر كله حيات وعقارب تتلوى! حتى إن موسى مع جلالة قدره وتوكله على ربه حصل في نفسه خوف, {فأوجس في نفسه خيفة موسى}, فأوحى الله إليه {لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك}, فألقى العصا التي في يمينه فصارت حية عظيمة فاغرة فاها وجعلت تبتلع هذه العصي والحبال واحدا واحدا حتى لم يبق شيء, فعند ذلك انبهر الناس والسحرة الذين لهم علم وتخصص بالسحر مدة طويلة عندهم تخصص بمعرفة السحر دقيقه وجليله عرفوا أن هذا ليس من صنع البشر, فعند ذلك آمنوا وخروا لله سجدا.
{قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون}, قذف الله الإيمان في قلوبهم, فاستنارت نفوسهم بنور الإيمان فانبعث الجوارح على الطاعة فخروا لله سجدا, ولما رآهم فرعون بهذه الحال توعدهم وتهددهم هذا أمر اتفقتم عليه مع موسى بليل أمر قضي بليل هذا أمر اتفاق, تريدون أن تخرجوا أهل المدينة وتكون لكم....
وهذا من تلبيسه وإلا هو يعلم أن موسى ما له علاقة بالسحرة, علاقته علاقة عداوة بينه وبينهم, وهم الذين جاءوا إلى فرعون وقالوا: {إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين}, انغلبنا تعطينا أجر: {قال نعم وإنكم لمن المقربين}, نعطيكم ونقربكم, لكن هذه مقالة المهزوم المغلوب, وهذا من نصر الله تعالى لحزبه وأوليائه ولأنبيائه ورسله نصر معجل مع ما أعد الله لهم في الآخرة من الثواب العظيم, وهذه عقوبة عاجلة للكفرة مع ما أعد الله لهم من العذاب والخزي في الآخرة, فخروا لله سجدا مؤمنين موحدين.
أما قول القاسم بن أبي بزة أنهم ما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ورأوا الثواب هذا من أخبار بني إسرائيل لا يعول عليها
لكنهم سجدوا لله مؤمنين وموحدين, أما كونهم رأوا الجنة والنار هذا لابد فيه من دليل من المعصوم عليه الصلاة والسلام, الجنة والنار يرونهما يوم القيامة.
(المتن)
قال الله تعالى: {قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون (123) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين (124) قالوا إنا إلى ربنا منقلبون (125) وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين (126)}.
يخبر تعالى عما توعد به فرعون، لعنه الله، السحرة لما آمنوا بموسى، عليه الصلاة والسلام، وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله: {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها} أي: إن غلبه لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك، كقوله في الآية الأخرى: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} [طه:70], وهو يعلم وكل من له لب أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل؛ فإن موسى، عليه السلام، بمجرد ما جاء من "مدين" دعا فرعون إلى الله، وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه ومعاملة سلطنته، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ببلاد مصر، ممن اختار هو والملأ من قومه، وأحضرهم عنده ووعدهم بالعطاء الجزيل. وقد كانوا من أحرص الناس على ذلك، وعلى الظهور في مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون، وموسى، عليه الصلاة والسلام، لا يعرف أحدا منهم ولا رآه ولا اجتمع به، وفرعون يعلم ذلك، وإنما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجهلتهم، كما قال تعالى: {فاستخف قومه فأطاعوه} [الزخرف:54] فإن قوما صدقوه في قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات:24] من أجهل خلق الله وأضلهم.
وقال السدي في تفسيره بإسناده المشهور عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة رضي الله عنه، في قوله تعالى: {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة} قالوا: التقى موسى، عليه السلام، وأمير السحرة، فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي، وتشهد أن ما جئت به حق؟ قال الساحر: لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر، فوالله لئن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أنك حق. وفرعون ينظر إليهما، قالوا: فلهذا قال ما قال.
وقوله: {لتخرجوا منها أهلها} أي: تجتمعوا أنتم وهو، وتكون لكم دولة وصولة، وتخرجوا منها الأكابر والرؤساء، وتكون الدولة والتصرف لكم، {فسوف تعلمون} أي: ما أصنع بكم.
ثم فسر هذا الوعيد بقوله: {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} يعني: يقطع يد الرجل اليمنى ورجله اليسرى أو بالعكس. و {لأصلبنكم أجمعين} وقال في الآية الأخرى: {في جذوع النخل} [طه:71] أي: على الجذوع.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: وكان أول من صلب، وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف، فرعون.
وقول السحرة: {إنا إلى ربنا منقلبون} أي: قد تحققنا أنا إليه راجعون، وعذابه أشد من عذابك، ونكاله ما تدعونا إليه، وما أكرهتنا عليه من السحر، أعظم من نكالك، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب الله، لما قالوا: {ربنا أفرغ علينا صبرا} أي: عمنا بالصبر على دينك، والثبات عليه، {وتوفنا مسلمين} أي: متابعين لنبيك موسى، عليه الصلاة والسلام.
وقالوا لفرعون: {فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا * إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى * إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا * ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا} [طه:72-75].
فكانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة.
(الشرح)
على أنه قتلهم يعني في أول النهار سحرة فجرة, وفي آخر النهار شهداء بررة, قتلهم فرعون فصاروا شهداء, فيكون هؤلاء ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيغلب عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
وقت قليل عملوا بعمل أهل الجنة ثم قتلوا فصاروا شهداء, فدخلوا الجنة.
(المتن)
قال ابن عباس، وعبيد بن عمير، وقتادة، وابن جريج: كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء.
قال الله تعالى: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون (127) قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (128) قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون (129) }.
يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملأه، وما أظهروه لموسى، عليه الصلاة والسلام، وقومه من الأذى والبغضة: {وقال الملأ من قوم فرعون} أي: لفرعون {أتذر موسى وقومه} أي: أتدعهم ليفسدوا في الأرض، أي: يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك، يالله العجب! صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون، ولكن لا يشعرون.
(الشرح)
وهكذا المنافقون وأهل الشر في كل زمان يرمون أهل الخير بما هم بريئون منه, يرمونهم بالفساد كما قيل: رمتني بدائها وانسلت. فالملأ من قوم فرعون مشفقون يقولون: نخشى موسى يفسد على الناس دينهم, متى كان المنافقون مصلحون, فالمنافقون في كل زمان يرمون أهل الخير بأنهم كذا, وبأنهم يعطلون المصالح, وبأنهم يعرقلون الحركة, وبأنهم يمنعون كذا, ويمنعون التقدم, ويمنعون الحضارة, فالتاريخ يعيد نفسه فالملأ من قوم فرعون يقولون: كيف تترك موسى يفسد في الأرض ويتركوا آلهتك, وهؤلاء المنافقون كيف يترك هؤلاء, هؤلاء المتدينون وهؤلاء كيف يتركون يمنعون التقدم ويمنعون مسايرة الناس في ركب الحضارة, وكل شيء يمنعونه وكل شيء باسم الدين وكل شيء يقولون هذا حرام, هذا حرام, المؤمن لا يحل ولا يحرم المحل والمحرم هو الله .
ولكنهم إذا كان أهل العلم يظهرون يبينون للناس شرع الله ودينه, هذه من علامات المنافقين في كل زمان, في زمن موسى هكذا يقولون كيف تترك موسى, قال في الآية الأخرى قال الله تعالى: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}[غافر:26].
فرعون مشفق على الناس يظهر أنه مشفق على الناس, موسى أنه يخاف يبدل الدين ويترك في الأرض الفساد يقول اتركوني اقتله حتى لا يفسد دينكم, فرعون يظهر نفسه أنه مشفق على الناس, وهنا الملأ والكبراء والأشراف من قوم فرعون يقولون كيف تترك موسى يذرك وآلهتك, وهكذا المنافقين في كل زمان يظهرون أنفسهم أنهم أهل إصلاح, وأن أهل العلم وأهل الدين وأهل البصيرة هم هؤلاء يريدون أن يعرقلوا حركة التقدم ويمنعوا الأمم من التطور ومسايرة ركب الحضارة, وهكذا, فلابد من منعهم ولابد من كذا ولابد من التحجيم عليهم, وتحديد صلاحياتهم حتى لا يمنعوا ركب الحضارة, ومسايرة التقدم حتى لا نتهم بأننا رجعيون ولا نتهم بأننا كذا فالتاريخ يعيد نفسه, ولكن الله سبحانه وتعالى جلا للمؤمنين صفات المنافقين في سورة البقرة وفي غيرها.
{ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}[البقرة:8].
{يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون}[البقرة:9].
{قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء}[البقرة:13].
{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام}[البقرة:204].
{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا}[النساء:60].
{وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون}[المائدة:104].
وهكذا.
فالنصوص في صفات المنافقين جلاها الله في عدد من السور في سورة التوبة تسمى الفاضحة
ذكر الله أوصافهم حتى خافوا أن يسموا بأسمائهم, في سورة المنافقون {إذا جاءك المنافقون ...}[المنافقون:1], ذكر الله شيئا من صفاتهم, وفي سورة محمد ذكر الله شيئا من صفاتهم, وفي سورة البقرة في أولها وفي وسطها, وفي سورة النساء, وفي عدد من السور حتى يكون المؤمن على بصيرة من هؤلاء, وحتى يحذر صفاتهم, لأنهم وهم كما قال الله: {هم العدو فاحذرهم} هم العدو اللدود هم أشد الناس عداوة من اليهود والنصارى, لأن اليهود والنصارى عدو ظاهر مكشوف كل يأخذ حذره, بخلاف المنافق الذي هو يظهر الإسلام ويبطن الكفر فإنه عدو ملتبس يعيش بين المسلمين, وبين أظهرهم, وهو يدبر المكائد للقضاء على الإسلام والمسلمين وهو بين الناس, نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون، ولكن لا يشعرون, ولهذا قالوا: {ويذرك وآلهتك} قال بعضهم: "الواو" هنا حالية، أي: أتذره وقومه يفسدون وقد ترك عبادتك؟
(الشرح)
نعم, وهذا فيه دليل على أن فرعون له آلهة يعبدها من دون الله, وفي الآية الأخرى: {ويذرك وآلهتك}, كما سيذكر المؤلف قيل أنه له معبود في السر يعبده.
وهذا لابد منه كل إنسان كل شخص له معبود ولابد من لا يعبد الله عبد الشيطان ولابد, فالمؤمنون يعبدون الله, وغيرهم يعبدوا الشيطان وعبادة الشيطان طاعته
قال الله تعالى في إبراهيم أنه قال لأبيه: {يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا}[مريم:44].
وقال الله تعالى: {وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم}[يس:61].
{إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون}[يس:55].
{هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون}[يس:56].
{لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون}[يس:57].
{سلام قولا من رب رحيم}[يس:58].
{وامتازوا اليوم أيها المجرمون}[يس:59].
{ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين}[يس:60].
{وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم}[يس:61].
عبادة الشيطان بطاعته يأمر بالشر ومن أطاع الشيطان فقد عبده.
(المتن)
وقرأ ذلك أبي بن كعب: "وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك"، حكاه ابن جرير.
وقال آخرون: هي عاطفة، أي: لا تدع موسى يصنع هو وقومه من الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى تركه آلهتك.
وقرأ بعضهم: "إلاهتك" أي: عبادتك، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد.
وعلى القراءة الأولى قال بعضهم: كان لفرعون إله يعبده. قال الحسن البصري: كان لفرعون إله يعبده في السر.
الشرح: يعني في الخفاء لا يعلمون عنه.
(المتن)
وقال في رواية أخرى: كان له جمانة في عنقه معلقة يسجد لها.
وقال السدي في قوله تعالى: {ويذرك وآلهتك} وآلهته، فيما زعم ابن عباس، كانت البقر، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم فرعون أن يعبدوها، فلذلك أخرج لهم عجلا جسدا.
فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله: {سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم} وهذا أمر ثان بهذا الصنيع، وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى، عليه السلام.
(الشرح)
يعني مرتين نكل بهم أولا في ولادة موسى لما رأى الرؤية وأن زوال ملكه على يد رجل من بني إسرائيل, أمر بأن تقتل الأبناء بأن يقتل الأبناء ويستحيى النساء, فلما قيل له إن هذا يفني بني إسرائيل, وبني إسرائيل هم الخدم هم الذين يخدمونه, فإذا قتلت الأبناء ما بقي أحد من بني إسرائيل, ولا نجد أحد يخدمنا من يخدمنا, فكان بني إسرائيل هم الذين يخدمون الناس, مستعبدون, مستذلون هم العمال والخدم, فأمر بأن يقتل الأبناء في سنة ويتركوا في سنة, فولد موسى في السنة التي يقتل فيها الأطفال, وولد هارون في السنة التي يبقى يتركوا فيها الأطفال, ولكن مع ذلك فالأمر لله, ما استطاع أن يقتله حتى في السنة التي يقتل فيها الأولاد, ثم توعدهم مرة أخرى الآن بعد أن أرسل الله موسى إليه قال: {قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون}[الأعراف:127].
هذا أيضا كذلك عذاب آخر لبني إسرائيل.
(المتن)
وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى، عليه السلام حذرا من وجوده، فكان خلاف ما رامه وضد ما قصده فرعون. وهكذا عومل في صنيعه [هذا] أيضا، إنما أراد قهر بني إسرائيل وإذلالهم، فجاء الأمر على خلاف ما أراد: نصرهم الله عليه وأذله، وأرغم أنفه، وأغرقه وجنوده.
ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل.
(الشرح)
كما قال الله تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}[القصص:5].
{ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}[القصص:6].
(المتن)
ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا} ووعدهم بالعاقبة، وأن الدار ستصير لهم في قوله: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} أي: قد جرى علينا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى، ومن بعد ذلك. فقال منبها لهم على حالهم الحاضرة وما يصيرون إليه في ثاني الحال: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم [ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون] }.
(الشرح)
حالهم الحاضرة الشدة والبأساء والضر, استدل استدلال فرعون لهم يسومهم سوء العذاب, فأصيبوا بالبأساء والضراء, فأوجب عليهم الصبر, والاستعانة بالله.
ثم الحالة الثانية: ابتلوا بالسراء, أهلك الله فرعون وقومه, وأورث الله بني إسرائيل الأرض وصارت لهم جنات, وعيون, وأنهار, وصار لهم الكلمة والدولة ابتلوا بالسراء بعد الضراء, كما قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}[الأنبياء:35], {وبلوناهم بالحسنات والسيئات}[الأعراف:168].
فالله تعالى يبتلي بالسراء والضراء, ابتلاهم أولا بالضراء تسليط فرعون والشدة والفقر والتقتيل والإيذاء والاستعباد, فالله تعالى ابتلى عباده بالضراء ليصبروا, فمن صبر فله العاقبة الحميدة, هذه مصيبة حلت ببني إسرائيل, والله تعالى قال: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه}[التغابن:11].
قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
إن عظم الجزاء من عظم البلاء, فمن صبر فله الرضا, ومن سخط فعليه السخط.
ابتلاهم الله بالضراء ليصبروا, ثم في ثاني الحال ابتلاهم الله بالسراء.
الحالة الثانية: أهلك الله فرعون وهم ينظرون, وأورثهم الأرض, وصارت لهم الدولة, والكلمة, والملك, وأعطاهم الله الجنات, والبساتين, فوجب عليهم الشكر, وهكذا, الإنسان يتقلب بين السراء وبين الضراء, بين الصحة وبين المرض, بين النعمة التي تحتاج إلى شكر, أو مصيبة التي تحتاج إلى صبر, وكذلك أيضا يبتلى بالذنب, فإذا كان الإنسان إذا ابتلي بالسراء شكر, وإذا ابتلي بالضراء صبر, وإذا ابتلي بالذنب تاب واستغفر هذه علامة السعادة, فالإنسان يتقلب بين هذه الأحوال الثلاثة: إما في نعمة فيحتاج إلى شكر, وإما في مصيبة, أو فقر, أو شدة فيحتاج إلى صبر, وإما في معصية فيحتاج إلى توبة وندم.
(المتن)
وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر، عند حلول النعم وزوال النقم.
قال الله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون (130) }.
{فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون (131) }.
يقول تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون} أي: اختبرناهم وامتحناهم وابتليناهم {بالسنين} وهي سني الجوع بسبب قلة الزروع {ونقص من الثمرات} قال مجاهد: وهو دون ذلك.
(الشرح)
{بالسنين} يعني: الجدب نقص الثمرات بالجدب العام ثم نقص الثمرات هذا أقل.
(المتن)
وقال أبو إسحاق، عن رجاء بن حيوة: كانت النخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة.
(الشرح)
إلا تمرة واحدة, واحدة التمر, الثمرة خلاص إذا كانت تثمر ثمرة واحدة هذه كلها أشجار تثمر ثمرة واحدة, في كل سنة ثمرة واحدة وبعضها قد تحمل في السنة مرتين.
(المتن)
وقال أبو إسحاق، عن رجاء بن حيوة: كانت النخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة.
{لعلهم يذكرون * فإذا جاءتهم الحسنة} أي: من الخصب والرزق {قالوا لنا هذه} أي: هذا لنا بما نستحقه, {وإن تصبهم سيئة} أي: جدب وقحط {يطيروا بموسى ومن معه} أي: هذا بسببهم وما جاؤوا به.
{ألا إنما طائرهم عند الله} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: {ألا إنما طائرهم عند الله} يقول: مصائبهم عند الله، قال الله: {ولكن أكثرهم لا يعلمون}.
وقال ابن جريج، عن ابن عباس قال: {ألا إنما طائرهم عند الله} قال: ألا من قبل الله.
(الشرح)
يعني ما أصابهم من مصيبة إنما بسبب ذنوبهم ومعاصيهم, ليس بسبب موسى ومن معه موسى دعاهم إلى الخير وأمرهم بالخير, فالناصحون لا يحصل منهم إلا الخير ولكن ما أصابهم إنما بسبب معاصيهم وذنوبهم, ولهذا قال: {طائركم معكم}, يعني ما أصابكم من بلاء هو بسبب المعاصي والذنوب التي اقترفتموها لا بسبب الناصحين, ولا بسبب الرسل, ولهذا قالو: {تطيرنا بكم} قال لموسى: {تطيرنا بكم} تشاءمنا بكم فقال الله: {ألا إنما طائرهم عند الله} يعني حظهم وما نالهم ما نالهم بسبب معاصيهم ومخالفتهم للناصحين, لا بسبب الناصحين.
(المتن)
قال الله تعالى: {وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132)}
الشرح: بركة ...
(انتهى)