مقدمة: -
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأزكى المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فغفر الله لك. يقول الله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين}[الأعراف:142].
(المتن)
يقول تعالى ممتنا على بني إسرائيل، بما حصل لهم من الهداية، بتكليمه موسى، عليه السلام، وإعطائه التوراة، وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم، فذكر تعالى أنه واعد موسى ثلاثين ليلة.
قال المفسرون: فصامها موسى، عليه السلام، فلما تم الميقات استاك بلحاء شجرة، فأمره الله تعالى أن يكمل بعشر أربعين.
وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة، والعشر عشر ذي الحجة. قاله مجاهد، ومسروق، وابن جريج. وروي عن ابن عباس. فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى، عليه السلام، وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة:3]
فلما تم الميقات عزم موسى على الذهاب إلى الطور، كما قال تعالى: {يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن} الآية [طه: 80]، فحينئذ استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون، وأوصاه بالإصلاح وعدم الإفساد. وهذا تنبيه وتذكير، وإلا فهارون، عليه السلام، نبي شريف كريم على الله، له وجاهة وجلالة، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر الأنبياء.
(الشرح)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
هذه الآيات الكريمة من قوله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين}, فيها أن الله تعالى واعد موسى ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر فالله أعلم بهذه الليالي, أما ما روي عن ابن جريج ومسروق وجماعة أنها ذو القعدة ثم أتمها بعشر ذو الحجة فهذا من أخبار بني إسرائيل ليس عليه لا يعلم هذا إلا بنص من الشارع هذا كله من أخبار بني إسرائيل, الله أعلم ما هذه الأيام, هذه الأيام لا تعلم إلا بنص, وأما هذه الآية الكريمة قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فهذه الآية نزلت على نبينا صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجة الوداع أكمل الله الدين ولم يعش عليه الصلاة والسلام بعدها إلا ما يقارب اثنان وثمانون يوما بعدها ثم توفي عليه الصلاة والسلام, {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
بل ثبت أن يهوديا قال لعمر رضي الله عنه: آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا يومها عيدا, فقال أي آية؟ فقال اليهودي: {اليوم أكملت لكم دينكم}.
فقال عمر رضي الله عنه: " إني لأعلم المكان الذي نزلت فيه, واليوم الذي نزلت فيه, نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة وهو واقف بعرفة وهو يوم عيد لنا, انظر إلى فهم اليهود يعني عندهم فهم الآن ولكن صدوا عن الحق ولا حول ولا قوة إلا بالله, يعلم يعني هذه الآية ويعلم أنها عظيمة وأنها أتم الله بها الدين ومع ذلك بقي على كفره والعياذ بالله, نسأل الله السلامة والعافية.
فهذه الأيام الله أعلم بها التي صامها موسى, وقوله كذلك استاك بلحاء شجرة كل هذا من أخبار بني إسرائيل, ولما ذهب موسى إلى ميقات ربه استخلف أخاه هارون وكان نبيا كريما كان مثله {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين}[الأعراف:142]؛ هذا من باب التواصي للحق, وإلا فهارون نبي كريم ولا شك أنه مصلح, وأنه لا يتبع سبيل المفسدين, ولكن هذا من باب التواصي على الحق, والتذكير بالحق.
(المتن)
{ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين (143) }.
يخبر تعالى عن موسى، عليه السلام، أنه لما جاء لميقات الله تعالى، وحصل له التكليم من الله [تعالى] سأل الله أن ينظر إليه فقال: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني}.
وقد أشكل حرف "لن" هاهنا على كثير من العلماء؛ لأنها موضوعة لنفي التأبيد، فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة. وهذا أضعف الأقوال؛ لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة، كما سنوردها عند قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة} [القيامة:22، 23].
(الشرح)
قول باطل يصادم نصوص الكتاب والسنة,, الآيات الكريمة كثيرة والأحاديث متواترة في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة, وساقها العلامة ابن القيم في حادي الأرواح, ورواها عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثين صحابيا في الصحاح والسنن والمسانيد, كلها تدل على رؤية الله عز وجل, والآيات الكريمة واضحة في هذا والآيات صريحة {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}, {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}, {ولدينا مزيد}, {للذين أحسنوا الحسنى والزيادة}.
الآيات صريحة, المعتزلة قوم منحرفون لا يعملون بالنصوص يتركون النصوص وراء ظهورهم ويعملون بعقولهم وآراءهم الفاسدة يحكمونها في النصوص ولا يعول على قولهم.
(المتن)
وقوله تعالى إخبارا عن الكفار: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين:15].
وقيل: إنها لنفي التأبيد في الدنيا، جمعا بين هذه الآية، وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة.
وقيل: إن هذا الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} وقد تقدم ذلك في الأنعام [الآية:103].
(الشرح)
يعني أنها لنفي الإدراك لا لنفي الرؤية, ذكر ثلاثة أقوال: قول المعتزلة: أن لن للتأبيد في الدنيا والآخرة لن للتأبيد في المستقبل لا رؤية في الدنيا ولا رؤية في الآخرة وهذا قول باطل.
والثاني: أن هذا نفي التأبيد في الماضي دون المستقبل كما بينت النصوص, والصواب: أنها لا تدل على نفي التأبيد حتى في المستقبل, وهذا قول ضعيف القول أنها تدل على التأبيد حتى في المستقبل, ولهذا قال المؤلف: ومن يرى النفي بـــ (لن) مؤبدا فقوله اردد وسواه فاعضدا.
فاعضد سواه هذا قول باطل حتى يعني في اللغة لا تدل على النفي بــ لن المؤبدة حتى في المستقبل, والله تعالى أخبر عن اليهود وعن الكفار أنهم لن يتمنوا الموت قال {ولن يتمنوه أبدا}[البقرة:95]؛ ولن, ثم أخبر أنهم يتمنون في الآخرة.
{ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون}[الزخرف:77].
وقال الله عن اليهود {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين}[البقرة:95].
ثم تمنوه في الآخرة قالوا {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون}, فدل على أن لن نفي المؤبد في المستقبل.
والقول الثالث: أنها يقول المؤلف أنها نفي الإدراك لا لنفي الرؤية كما سبق في (لن تراني) يعني نفي الرؤية, وهي الإحاطة المراد نفي الإحاطة, والإحاطة قدر زائد على الرؤية ولا أحد يحيط بالله بل أن بعض المخلوقات لا يحيط الإنسان بها وإن رآها فالسماء يراها ولا يحيط بها رؤية, والجبل العظيم يراه الإنسان ولا يحيط به رؤية, والبستان الواسع يراه الإنسان ولا يحيط به رؤية, فكيف يحيط بالله رؤية ولا يحيطون...
كما أن الخلق لا يحيطون بالله علما فلا يحيطون به رؤية {ولا يحيطون به علما}.
بعض النحاة يقولون أنها تفيد النفي المؤبد, يعني مستقبل في الدنيا والآخرة وهو قول المعتزلة هذا قول باطل كما سبق, والقول أنها النفي المؤبد في الدنيا حتى في الدنيا قال لا تدل على النفي المؤبد ليست للنفي المؤبد.
كما سبق ومن يرى النفي بـــ (لن) مؤبدا فقوله اردد وسواه فاعضدا.
(المتن)
وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال لموسى، عليه السلام: "يا موسى، إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده".
وقيل إن الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}[الأنعام:103].
(الشرح)
يعني في سورة الأنعام {لا تدركه الأبصار} قيل: المعنى لا تراه في الدنيا, وقيل المعنى لا تحيط به رؤية وإن كانت تراه وهذا هو الصواب, يكون لنفي الإدراك {لا تدركه الأبصار} يعني تراه أبصار المؤمنين في الآخرة لكن لا تدركه لا تحيط به رؤية ومن يدرك عظمة الله عز وجل, فكذلك هنا {لن تراني} الآية تكون لنفي الإدراك لا لنفي الرؤية.
والصواب: أنها لنفي الرؤية في الدنيا {لن تراني} يعني في الدنيا يعني لا تستطيع ببشريتك الضعيفة أن تثبت لرؤية الله, فلا يستطيع أحد أن يثبت لرؤية الله في الدنيا, ولهذا لما تجلى الله للجبل انساخ وتدكدك الجبل مع عظمه وصلابته ما ثبت لرؤية الله بل تدكدك وانساخ فكيف يثبت المخلوق البشري الضعيف لرؤية الله ما يستطيع, ولهذا ثبت في الحديث الصحيح في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار, وعمل النهار قبل عمل الليل, حجابه النور» وفي لفظ: "النار", لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».
لو كشف الحجاب لاحترق الخلق, فلا يستطيع أحد أن يثبت لرؤية الله, ولكن الله يبشر المؤمنين يوم القيامة تنشئة قوية يتحملون فيها بهذه النشأة يثبتون ويتحملون فيرون الله عز وجل, لكن هم لا يحيطون به رؤية في الآخرة, يرونه ولا يحيطون به رؤية سبحانه وتعالى لا يحيطون به هو أعظم أن ييحطون به كما أنهم لا يحيطون به علما, فكذلك لا يحيطون به رؤية, بل إن بعض المخلوقات الإنسان يراها ولا يحيط بها رؤية فكيف يحيطوا بالخالق رؤية, رؤية الله بعضهم قال إنها مستحيلة, والصواب أنها ليست مستحيلة ممكنة عقلا وغير واقعة شرعا في الدنيا, وفي الآخرة ممكنة وواقعة شرعا غير مستحيلة ممكنة, لكن المانع ضعف البشر, فهي ممكنة غير مستحيلة عقلا, لو كانت الرؤية مستحيلة لما سألها موسى, ما يسأل موسى المستحيل, كما يقول المعتزلة يقولون أنها مستحيلة قول المعتزلة أنها مستحيلة هذا باطل
الرؤية ممكنة رؤية الله ممكنة في الدنيا بدليل أن موسى سأل الله الرؤية ولا يسأل موسى المستحيل, لو كان مستحيل لما سأله, لكنها غير واقعة شرعا, وفي الآخرة ممكنة وواقعة شرعا.
وفي الحديث في صحيح البخاري والمسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» رواه مسلم في صحيحه.
فالرؤية في الدنيا ممكنة عقلا غير واقعة شرعا, وفي الآخرة ممكنة عقلا وواقعة جميع الطوائف تثبت رؤية الله في المنام إلا الجهمية من شدة إنكارهم حتى أنكروا رؤية الله في المنام شذوا من جميع الطوائف, وحديث: «رأيت ربي في أحسن صورة, فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى».
الحديث هذا حديث اختصام الملأ الأعلى «أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري, فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله فعلمت ».
وتارة يختصم الملأ الأعلى في نقل الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة, هذا حديث يسمى حديث اختصام الملأ الأعلى, شرحه الحافظ ابن رجب في رسالة مستقلة من شرح حديث اختصام الملأ الأعلى. وهي مطبوعة
(المتن)
ولهذا قال تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا}.
قال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي، قال: حدثنا قرة بن عيسى، قال: حدثنا الأعمش، عن رجل، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى ربه للجبل، أشار بإصبعه فجعله دكا" وأرانا أبو إسماعيل بإصبعه السبابة.
هذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم، ثم قال: حدثني المثنى ...
الشرح: وهو ضعيف يكون ضعيف عن رجل مبهم عن رجل حدثنا ...
(المتن)
حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي، قال: حدثنا قرة بن عيسى، قال: حدثنا الأعمش، عن رجل، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الشرح: نعم فيه رجل مبهم مجهول, فيكون الحديث ضعيف.
(المتن)
ثم قال: حدثني المثنى, قال: حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا حماد، عن ليث، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} قال: "هكذا بإصبعه -ووضع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر-فساخ الجبل".
هكذا وقع في هذه الرواية "حماد بن سلمة، عن ليث، عن أنس". والمشهور: "حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس".
الشرح: ليث متأخر وهو ضعيف. ايش قال عليه.
القارئ: كذا نقله عن ابن جرير والذي في تفسير ابن جرير. قال حدثنا حماد عن ثابت عن أنس, ونقل محقق تفسير ...
الشرح: هذا المعروف أن حماد بن ثابت, حماد ابن زيد يروي عن ثابت ...
القارئ: كذا نقله عن ابن جرير والذي في تفسير ابن جرير قال: حدثنا حماد عن ثابت عن أنس.
الشرح: ما في حماد بن زيد.
القارئ: ونقل محقق تفسير ابن جرير هذا الإسناد كما هنا على هذا الموضع, ثم قال: وليس ذلك كما نقل, فإن الثابت في المخطوطة والمطبوعة حماد, عن ثابت, عن أنس, ليس فيها ليث فلا أدري كيف واقع هذا للحافظ ابن كثير, ولا من أين, وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد من طريق الحجاج بن المنهال به على الجادة.
الشرح: عن حماد بن زيد عن ثابت يكون سلمة متأخر العمدة على ما فيه ابن جرير لأنه منقول عنه.
(المتن)
قال: كما قال ابن جرير أيضا :
حدثني المثنى، قال: حدثنا هدبة بن خالد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت رضي الله عنه، عن أنس رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} قال: وضع الإبهام قريبا من طرف خنصره، قال: فساخ الجبل -قال حميد لثابت: تقول هذا؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد، وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوله أنس وأنا أكتمه؟
وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أبو المثنى، معاذ بن معاذ العنبري، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل [جعله دكا] } قال: قال هكذا - يعني أنه أخرج طرف الخنصر - قال أحمد: أرانا معاذ، فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدره ضربة شديدة وقال: من أنت يا حميد؟! وما أنت يا حميد؟! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول أنت: ما تريد إليه؟!
وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية.
الشرح: يعني كيف تعترض إذا كان هذا رفع خنصره يعني وقال فيه إثبات الخنصر لله على هذا, إذا كان هذا من أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم, أن النبي صلى الله عليه وسلم, يعني يقصد أن الله سبحانه وتعالى وضع خنصره هكذا وفيه إثبات الخنصر, أما إن كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ...
ولهذا استنكر هذا استنكر هذا استنكر هذا فضرب صدره وقال من أنت اعترض.
يعني أنكر إثبات الخنصر...
(المتن)
وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق، عن معاذ بن معاذ به. وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن سليمان بن حرب، عن حماد [بن سلمة] به ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد.
وكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق، عن حماد بن سلمة، به. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
ورواه أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، عن محمد بن علي بن سويد، عن أبي القاسم البغوي، عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، فذكره وقال: هذا إسناد صحيح لا علة فيه.
وقد رواه داود بن المحبر، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس مرفوعا [وهذا ليس بشيء، لأن داود ابن المحبر كذاب ورواه الحافظان أبو القاسم الطبراني وأبو بكر] بنحوه.
وأسنده ابن مردويه من طريقين، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس مرفوعا بنحوه، وأسنده ابن مردويه من طريق ابن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعا، ولا يصح أيضا.
الشرح: لأن ابن البيلماني ضعيف.
(المتن)
وقال السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس في قول الله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل} قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر {جعله دكا} قال: ترابا {وخر موسى صعقا} قال: مغشيا عليه. رواه ابن جرير.
وقال قتادة: {وخر موسى صعقا} قال: ميتا.
وقال سفيان الثوري: ساخ الجبل في الأرض، حتى وقع في البحر فهو يذهب معه.
الشرح: وقال الصاعق مغشي بدليل أنه قال: فلما أفاق, فالصاعق غشي ليس موتا, هذه الصعقة تكون غشي, قيل صعق يعني غشي عليه وقيل مات والصواب أنه غشي عليه.
(المتن)
وقال سنيد، عن حجاج بن محمد الأعور، عن أبي بكر الهذلي: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} انقعر فدخل تحت الأرض، فلا يظهر إلى يوم القيامة.
وجاء في بعض الأخبار أنه ساخ في الأرض، فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة، رواه ابن مردويه.
وقال ابن أبي حاتم: قال حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكناني، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن معاوية بن عبد الله، عن الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى الله للجبال طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة، بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى. ووقع بمكة: حراء، وثبير، وثور".
وهذا حديث غريب، بل منكر.
الشرح: نعم صدق حديث باطل سندا ومتنا هذا حديث باطل سندا ومتنا, أما سندا لأن فيه عبد العزيز بن عمران واسمه عبد العزيز عندك.
القارئ: نعم.
الشرح: وزيد بن عمران وكذلك الجلد, لا يعول عليهما, وأما متنا فلأن الله أخبرنا تجلى للجبل ولم يقل للأجبل جبل واحد {فلما تجلى ربه للجبل} ولم يقل للجبال, قال فيه تجلى للجبال وأنه طارت جبال ثلاثة في المدينة وثلاثة في مكة, والآية في جبل واحد ليس جبالا هذا باطلا متنا وسندا.
(المتن)
وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، قال: حدثنا الهيثم بن خارجة، قال: حدثنا عثمان بن حصين بن علاق، عن عروة بن رويم قال: كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صما ملسا، فلما تجلى الله لموسى على الطور دك وتفطرت الجبال فصارت الشقوق والكهوف.
الشرح: هذا باطل عروة بن رويم, وفيه أيضا شيء مبهم ...
القارئ: قال ابن أبي حاتم ذكر عن محمد عبد الله.
الشرح: ذكر يعني هذا فيه انقطاع, من الذي ذكر في رجل مبهم لا يعرف من رويه وهو ضعيف أيضا هذا, قال كانت الجبال ...
القارئ: قال: كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صما ملسا.
الشرح: صماء ملساء والجمع صم, بكم, عمي صم جمع أصم صماء يعني لأنها مؤنث يعني هذا الأثر غير ثابت, وهذه كلمة صم في القاموس, في القاموس صم هذا الجبل هذا يدل على صم أو صم الجبال مثلا تجيء على صم أو صم, الجبل جبل وجبال الواحد يقال أصم والجمع يقال صم, فإذا قيل أنها مؤنث قال صماء هل يجمع على صماء ....
(المتن)
وقال الربيع بن أنس: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا} وذلك أن الجبل حين كشف الغطاء ورأى النور، صار مثل دك من الدكاك.
وقال بعضهم: {جعله دكا} أي: فتته.
وقال مجاهد في قوله: {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} فإنه أكبر منك وأشد خلقا، {فلما تجلى ربه للجبل} فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل فدك على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل، فخر صعقا.
وقال عكرمة: {جعله دكاء} قال: نظر الله إلى الجبل، فصار صحراء ترابا.
وقد قرأ بهذه القراءة بعض القراء، واختارها ابن جرير، وقد ورد فيها حديث مرفوع، رواه بن مردويه.
والمعروف أن "الصعق" هو الغشي هاهنا، كما فسره ابن عباس وغيره.
الشرح: هذا هو الصواب أن الصعق هو الغشي ليس الموت, بدليل قوله: [فلما أفاق] ولم يقل: فلما بعث.
(المتن)
كما فسره ابن عباس وغيره لا كما فسره قتادة بالموت.
الشرح: نعم ولو كان الموت لقال: فلما بعث, أو فلما أحياه الله.
مثل قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم}[البقرة:243], ولم يقل: ثم أفاقوا {ثم أحياهم} بعد الموت إحياء أو بعث, وبعد الصعق إفاقة, لحديث: «إن الناس يصعقون يوم القيامة, فأكون أول من يفيق».
هذه دلت النصوص على صعق الموت, وأنهم صعقوا صعق موت, بدليل الصعقة الثانية {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}.
دلت النصوص الأخرى من الكتاب والسنة على هذا أن الصعقة أولها فزع وغشي ثم الموت, نهايتها الموت.
(المتن)
لا كما فسره قتادة بالموت وإن كان ذلك صحيحا في اللغة، كقوله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر:68] فإن هاهنا قرينة تدل على الموت كما أن هناك قرينة تدل على الغشي، وهي قوله: {فلما أفاق} والإفاقة إنما تكون من غشي.
{قال سبحانك} تنزيها وتعظيما وإجلالا أن يراه أحد في الدنيا إلا مات.
وقوله: {تبت إليك} قال مجاهد: أن أسألك الرؤية.
{وأنا أول المؤمنين} قال ابن عباس ومجاهد: من بني إسرائيل. واختاره ابن جرير. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: {وأنا أول المؤمنين} أنه لا يراك أحد. وكذا قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون، ولكن يقول: أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.
وهذا قول حسن له اتجاه. وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره.
الشرح: أنا أول المؤمنين أنه لا يراك أحد إلا مات, من أول المؤمنين بهذا, وقيل أول المؤمنين من بني إسرائيل, وهذا اختاره ابن جرير قولان:
القول الأول: أنه من بني إسرائيل, اختاره ابن جرير.
القول الثاني: {وأنا أول المؤمنين}, أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات, هذا اختيار الحافظ قول الحافظ وهو قول حسن.
(المتن)
وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره هاهنا أثرا طويلا فيه غرائب وعجائب، عن محمد بن إسحاق بن يسار [رحمه الله] وكأنه تلقاه من الإسرائيليات والله [تعالى] أعلم.
وقوله: {وخر موسى صعقا} فيه أبو سعيد وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما حديث أبي سعيد، فأسنده البخاري في صحيحه هاهنا، فقال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه، فقال: يا محمد، إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم وجهي.
قال: "ادعوه" فدعوه، قال: "لم لطمت وجهه؟ " قال: يا رسول الله، إني مررت باليهودي فسمعته يقول: والذي اصطفى موسى على البشر.
قال: قلت: وعلى محمد؟ فأخذتني غضبة فلطمته، قال: "لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور".
الشرح : أي لا تفاضلوا بيني وبين الأنبياء نهى عن المفاضلة .
(المتن )
وقد رواه البخاري في أماكن كثيرة من صحيحه، ومسلم في أحاديث الأنبياء من صحيحه، وأبو داود في كتاب "السنة" من سننه من طرق، عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري المدني، عن أبيه، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري، به.
وأما حديث أبي هريرة فقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أبو كامل، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: استب رجلان: رجل من المسلمين، ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا على العالمين.
وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فغضب المسلم على اليهودي فلطمه، فأتى اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فأخبره، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعترف بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروني على موسى؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى ممسكا بجانب العرش، فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي، أم كان ممن استثناه الله، عز وجل". أخرجاه في الصحيحين.
الشرح: أم كان أم جوزي بصعقة يوم الطور, قيل إن هذه وهم من بعض الرواة أم كان ممن استثناه الله, لأن النفخات والصعقات ثلاثة: صعقة الموت, وصعقة البعث, وصعقة التجلي لفصل القضاء يوم القيامة في موقف القيامة, هذه صعقة في موقف يوم القيامة أن الناس يصعقون إذا تجلى الله لفصل القضاء.
فيكون النبي أول من يفيق, فيجد موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش, قال فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور, وهي منقبة لموسى على كل حين, إما أنه لم يصعق جوزي بصعقة يوم الطور أو أنه أفاق قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن هذه منقبة خاصة لا يدل على أن موسى أفضل من النبي
لأن القاعدة أن الفضائل الخاصة لا تقوى عن الفضائل العامة, مثل ما جاء في الحديث أن إبراهيم أول من يكسى عليه الصلاة والسلام أول من يكسى يوم القيامة, هذه منقبة خاصة, فهذه الصعقة لتجلي الله لفصل القضاء, إذا جاء الله لفصل القضاء صعق الناس, ومنهم الأنبياء, فيكون نبينا أول من يفيق فيجد موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش
أما هذه الرواية: فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثناه الله.
قال المحققون: هذه وهم من بعض الرواة, وإن كانت للبخاري, عام في اللفظة انتقل بهما لأن الصعقتان ما فيه استثناء, الاستثناء في الصعقة الأولى {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله}[الزمر:68], هذا الاستثناء الصعقة الأولى فيها استثناء, أن الأرواح لا تنصعق لا تموت, وكذلك أيضا من كتب الله له البقاء من الولدان والحور هذا استثناهم الله فيه استثنى, أما صعق التجلي ما فيه استثناء, فاشتبه على بعض الرواة صعقة التجلي بصعقة الموت, فقال: فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثناه الله. ما في استثناء هنا, الصواب: فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور في الرواية الأخرى, فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور.
اشتبه على بعض الرواة فقال: فلا أدري أفاق قبلي, أم كان ممن استثناه الله ما في استثناء, صعقة التجلي ما فيها استثناء الاستثناء في الصعقة الأولى, لكن هذا وهم من بعض الرواة.
وهذا يعني الوهم في بعض الحروف يأتي ولو في الصحيح ولو في الصحيحين في هذه اللفظة فقط, مثل حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
قال: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
بعض الرواة في الصحيح: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه", "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله".
هذا وهم اللي تنفقه اليمين ما هو الشمال, ومع ذلك يكون في الصحيح الحروف هذه مثل بعض الحروف في جمل جابر رضي الله عنه لما باعه للنبي صلى الله عليه وسلم فيه روايات كثيرة متعددة, ....بعض الرواة بعض ألفاظه.
(المتن)
أخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري، به.
وقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا، رحمه الله: أن الذي لطم اليهودي في هذه القصة هو أبو بكر الصديق، رضي الله عنه ولكن تقدم في الصحيحين أنه رجل من الأنصار، وهذا هو أصح وأصرح، والله أعلم.
والكلام في قوله، عليه السلام: "لا تخيروني على موسى"، كالكلام على قوله: "لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى"، قيل: من باب التواضع. وقيل: قبل أن يعلم بذلك. وقيل: نهى أن يفضل بينهم على وجه الغضبية والتعصب. وقيل: على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي، والله أعلم.
(الشرح)
نعم وكلها أقوال الأول والثاني يعني أوضح قبل أن يعلم وهذا وجه.
القارئ: قيل من باب التواضع.
الشرح: قيل من باب التواضع وهضم النفس, ....وهو يعلم أنه أفضل لكن من باب التواضع و هضم النفس أو أنه قبل أن يعلمه الله ثم أعلمه, أو أنه نهي على وجه العصبية والغضب.
(المتن)
وقوله: "فإن الناس يصعقون يوم القيامة"، الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، يحصل أمر يصعقون منه، والله أعلم به. وقد يكون ذلك إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء، وتجلى للخلائق الملك الديان، كما صعق موسى من تجلي الرب، عز وجل، ولهذا قال، عليه الصلاة السلام: "فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور"؟
الشرح: نعم هذا هو الأقرب أنه لفصل القضاء أنه صعق في تجلي الله لفصل القضاء, إذا تجلى الله لفصل القضاء صعق الناس في موقف القيامة هذا صعق لموقف القيامة, ما في موت غشي يغشى عليهم, وأول ما يفيق النبي صلى الله عليه وسلم, فيجد موسى آخذا بقائمة من قوائم العرش, وهذه منقبة لموسى, والنبي صلى الله عليه وسلم ما يدري هل صعق فأفاق قبله, أو أنه لم يصعق مجازاة له بصعقة يوم الطور.
(المتن)
وقد روى القاضي عياض في أوائل كتابه "الشفاء" بسنده عن محمد بن محمد بن مرزوق: قال: حدثنا قتادة، قال: حدثنا الحسن، عن قتادة، عن يحيى بن وثاب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى الله لموسى، عليه السلام، كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء، مسيرة عشرة فراسخ" ثم قال: "ولا يبعد على هذا أن يختص نبيا بما ذكرناه من هذا الباب، بعد الإسراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى.
انتهى ما قاله، وكأنه صحح هذا الحديث، وفي صحته نظر، ولا يخلو رجال إسناده من مجاهيل لا يعرفون، ومثل هذا إنما يقبل من رواية العدل الضابط عن مثله، حتى ينتهي إلى منتهاه، والله أعلم.
(الشرح)
وفيه نكارة يبصر النملة السوداء في الليلة الظلماء بمسافة فراسخ كم فرسخ عشرة فراسخ يعني مسافة القصر ستة عشر فرسخ, يعني هذه مسافة قصر, وفي الليلة الظلماء.
(المتن)
قال الله تعالى: {قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين (144) وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين (145) }.
يذكر تعالى أنه خاطب موسى [عليه السلام] بأنه اصطفاه على عالمي زمانه برسالاته وبكلامه تعالى ولا شك أن محمدا صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم من الأولين والآخرين؛ ولهذا اختصه الله بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، التي تستمر شريعته إلى قيام الساعة، وأتباعه أكثر من أتباع سائر الأنبياء والمرسلين كلهم، وبعده في الشرف والفضل إبراهيم الخليل، عليه السلام.
(الشرح)
يدل على هذا حديث عرض الأنبياء على النبي صلى الله عليه وسلم, عرض عليه الذي يأتي ومعه الرجل والرجلان, والذي يأتي ومعه الرهيط, ثم رفع للنبي بسواد سد الأفق قال فظننت أنهم أمتي فقيل هذا موسى وقومه, المراد السواد الأعظم قيل هذه أمتك, وهو أكثر الناس أتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
وبعده في الشرف والفضل إبراهيم الخليل، عليه السلام, ثم موسى [بن عمران] كليم الرحمن، عليه السلام؛ ولهذا قال الله تعالى له: {فخذ ما آتيتك}.
(الشرح)
هكذا في المرتبة نبينا صلى الله عليه وسلم, ثم جده إبراهيم, ثم موسى, ثم بقية أولي العزم بقية أولي العزم من؟ عيسى ونوح, ثم بقيت الرسل ثم الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون من الأمم..
(المتن)
ولهذا قال الله تعالى له: {فخذ ما آتيتك} أي: من الكلام [والوحي] والمناجاة {وكن من الشاكرين} أي: على ذلك، ولا تطلب ما لا طاقة لك به.
ثم أخبر تعالى أنه كتب له في الألواح من كل شيء.
(الشرح)
وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لما سمع كلام الله طمع في الرؤية, كلمه الله من دون واسطة وسمع كلام الله فطمع لرؤية الله فسأل الله الرؤية, فأخبره الله أنه لا يستطيع الرؤية في الدنيا.
(المتن)
ثم أخبر تعالى أنه كتب له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء، قيل: كانت الألواح من جوهر، وأن الله تعالى كتب له فيها مواعظ وأحكاما مفصلة مبينة للحلال من الحرام، وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة التي قال الله [تعالى] فيها: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس} [القصص:43]
وقيل: الألواح أعطيها موسى قبل التوراة، فالله أعلم.
(الشرح)
يعني قولان قيل أن التوراة مشتملة على الألواح أنها مكتوبة في الألواح, وقيل أن الألواح هذه أول ثم بعد ذلك أنزل الله عليه التوراة, وأما قوله أنها من جوهر فالله أعلم هل هي من جوهر ليس عليه دليل هل من جوهر أو من غير جوهر.
(المتن)
وعلى كل تقدير كانت كالتعويض له عما سأل من الرؤية ومنع منه، والله أعلم.
وقوله: {فخذها بقوة} أي: بعزم على الطاعة {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} قال سفيان بن عيينة: حدثنا أبو سعد عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: أمر موسى –عليه الصلاة و السلام -أن يأخذ بأشد ما أمر قومه.
وقوله: {سأريكم دار الفاسقين} أي: سترون عاقبة من خالف أمري، وخرج عن طاعتي، كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب؟
قال ابن جرير: وإنما قال: {سأريكم دار الفاسقين} كما يقول القائل لمن يخاطبه: "سأريك غدا إلام يصير إليه حال من خالف أمري"، على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره.
ثم نقل معنى ذلك عن مجاهد، والحسن البصري.
وقيل: معناه {سأريكم دار الفاسقين} أي: من أهل الشام، وأعطيكم إياها. وقيل: منازل قوم فرعون، والأول أولى، والله أعلم.
الشرح: نعم الصواب الأول {سأريكم دار الفاسقين} يعني سوف يعلم من خالف أمر الله ما يصيبه من العقوبة, تهديد.
(المتن)
قال ابن جرير: وإنما قال: {سأريكم دار الفاسقين} كما يقول القائل لمن يخاطبه: "سأريك غدا إلام يصير إليه حال من خالف أمري"، على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره.
ثم نقل معنى ذلك عن مجاهد، والحسن البصري.
وقيل: معناه {سأريكم دار الفاسقين} أي: من أهل الشام، وأعطيكم إياها. وقيل: منازل قوم فرعون، والأول أولى، والله أعلم.
لأن هذا كان بعد انفصال موسى وقومه عن بلاد مصر، وهو خطاب لبني إسرائيل قبل دخولهم التيه، والله أعلم.
{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146) والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (147)}.
يقول تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} أي: سأمنع فهم الحجج والأدلة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، ويتكبرون على الناس بغير حق، أي: كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل، كما قال تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} [الأنعام:110] وقال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف:5].
وقال بعض السلف: لا ينال العلم حيي ولا مستكبر.
وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعلم ساعة ... بقي في ذل الجهل أبدا.
(الشرح)
من لم يصبر ذل العلم ساعة ... تجرع كأس الجهل طول حياته
ومنه قول البخاري: لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر.
(المتن)
وقال سفيان بن عيينة في قوله: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} قال: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي.
الشرح : وهذا عام
المتن
قال ابن جرير: وهذا يدل على أن هذا خطاب لهذه الأمة.
قلت: ليس هذا بلازم؛ لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة، ولا فرق بين أحد وأحد في هذا، والله أعلم.
وقوله: {وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس:96، 97].
وقوله: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا} أي: وإن ظهر لهم سبيل الرشد، أي: طريق النجاة لا يسلكوها، وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضلال يتخذوه سبيلا.
ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله: {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا} أي: كذبت بها قلوبهم، {وكانوا عنها غافلين} أي: لا يعملون شيئا مما فيها.
وقوله: {والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم} أي: من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات، حبط عمله.
وقوله: {هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} أي: إنما نجازيهم بحسب أعمالهم التي أسلفوها، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وكما تدين تدان.
(الشرح)
وفي هذه الآية العقوبة عقوبة الله لمن ترك الحق وأعرض عنه بعد معرفته, ولهذا قال تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}[الأعراف:146].
يعني المعنى يصرفهم عن فهم الحجج والأدلة, لأنهم أعرضوا عنها, بعد أن أعرضوا عنها عوقبوا, وفيه أن من مات على الشرك وعلى الكفر فإن عمله حابط, {والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}[الأعراف:147].
لأن الكفر والشرك محبط للأعمال, نسأل الله السلامة والعافية.
(انتهى)