شعار الموقع

شرح سورة الأعراف من مختصر تفسير ابن كثير_15

00:00
00:00
تحميل
82

مقدمة:-

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

قال الحافظ بن كثير – رحمه الله تعالى – على قول الله عز وجل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} [الأعراف:157].

(المتن)

قال الحافظ – رحمه الله – : {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم كما روى الإمام وقال أحمد: حدثنا إسماعيل، عن الجريري، عن أبي صخر العقيلي، قال: حدثني رجل من الأعراب، قال: جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت من بيعتي قلت: لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه، قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها، يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي؟ " فقال برأسه هكذا، أي: لا.

 فقال ابنه، إي: والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك.

الشرح: وقال ابنه, ابنه يعني الذي في الموت وقال ابنه إي يعني نعم الأب قال لا ما نجده, والابن الذي في الموت قال إي, إي نعم نجده.

(المتن)

فقال ابنه، إي: والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك, وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله فقال: "أقيموا اليهودي عن أخيكم". ثم تولي كفنه والصلاة عليه.

هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح، عن أنس.

(الشرح)

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فهذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}.

هذه أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن وفي التوراة وفي الإنجيل, وفي هذا الحديث أنه قال رجلا من الأعراب قال: لألقين هذا الرجل, يعني الرسول صلى الله عليه وسلم قالها في أول الأمر, وقال الحافظ: إسناده جيد, لأنه له شواهد ولأن قوله: رجل من الأعراب لا يضر هذا في الصحابي, الصحابة كلهم عدول.

وقوله: لألقين هذا الرجل, هذا في أول الأمر, وفيه يعني أن هذا الرجل الذي في الموت هذا اليهودي أنكر قال: لا نجدها, وأما ابنه الذي في الموت قال: إي والله نجده نعم, وله شاهد مقصود الحافظ بالشاهد: قصة اليهودي الذي جاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الموت وعنده أبوه فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام, فنظر الشاب الذي في الموت لليهودي إلى أبيه فقال: أطع أبا القاسم, فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله, فقال الحمد لله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذه من النار, وأمر أصحابه أن يكفنون, هذا شاهد يشهد له, هذه أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} هذه أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم, الآصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل مثل من تحريم الشحوم, حرم عليهم شحوم من البقر والغنم شحوهما بسبب تعنتهم, وكذلك ما عليه من الآصار كونهم لا يصلون إلا في مساجدهم, وكون النجاسة إذا أصابت ثوبهم يقرض بالمقراض, كل هذه من الآصار, فالنبي صلى الله عليه وسلم وضع الآصار بأمر الله وبشرعه الذي شرعه له يضع الآصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل.

(المتن)

وقال الحاكم صاحب المستدرك: أخبرنا أبو محمد -عبد الله بن إسحاق البغوي، قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، عن هشام بن العاص الأموي.

الشرح: هشام بن العاص يعني أخو عمرو بن العاص.

(المتن)

قال: بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة -يعني غوطة دمشق -فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني، فدخلنا عليه، فإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسوله نكلمه، فقلنا: والله لا نكلم رسولا وإنما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك، قال: فأذن لنا فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص، ودعاه إلى الإسلام، فإذا عليه ثياب سود فقال له هشام: وما هذه التي عليك؟ فقال: لبستها وحلفت ألا أنزعها حتى أخرجكم من الشام. قلنا: ومجلسك هذا، والله لنأخذنه منك، ولنأخذن ملك الملك الأعظم، إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

الشرح: يعني هرقل لنأخذن ملك الملك الأعظم هرقل, لأن هذا جاء إليهم كأنه والي من تحت هرقل, والملك الأعظم هرقل وهذا ملك لكنه دونه من تحته.

(المتن)

قال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار.

الشرح: يعني لستم أنتم الذين تأخذوا الملك الذي يأخذ الملك أوصافهم عندنا يصومون النهار ويقومون الليل, وأنتم لستم منهم, فقال: لا نحن منهم نحن هذه أوصافنا.

(المتن)

قال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل، فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملئ وجهه سوادا فقال: قوموا. وبعث معنا رسولا إلى الملك، فخرجنا، حتى إذا كنا قريبا من المدينة، قال لنا الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال؟ قلنا: والله لا ندخل إلا عليها، فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك. فأمرهم أن ندخل على رواحلنا فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا، حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله، والله أكبر فالله يعلم لقد اتنفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح.

الشرح: تنفضت يعني ارتجت المقصود ارتجت وهذه كرامة هذا كرامة لأولياء الله وهي تابعة لمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم, هذه كرامة, وفيها أيضا عبرة لهؤلاء, قالوا: لا إله إلا الله, والله أكبر, انتفضت الغرفة وتساقط بعض الشرفات.

(المتن)

قال: فأرسل إلينا: ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم. وأرسل إلينا: أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له، وعنده بطارقة من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة، فدنونا منه فضحك، فقال: ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية، كثير الكلام، فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيى بها.

الشرح: يعني يقول تحيتنا لا يحل لنا أن نحييك بها, وتحيتك لا يحل لنا أيضا أن نحييك بها لا بهذه ولا بهذه, ما يحل لنا أن نحييك بتحيتنا ولا نحييك بتحيتك أيضا.

(المتن)

فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيى بها لا يحل لنا أن نحييك بها.

قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام عليك. قال: فكيف تحيون ملككم؟ قلنا: بها. قال: وكيف يرد عليكم؟ قلنا: بها. قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله، والله أكبر فلما تكلمنا بها والله يعلم - لقد تنفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها، قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث اتنفضت الغرفة، أكلما قلتموها في بيوتكم اتنفضت عليكم غرفكم؟ قلنا: لا ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك. قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنفض كل شيء عليكم. وإني قد خرجت من نصف ملكي. قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها.

الشرح: يعني يقول أود أنكم كل ما قلتم هذا تتساقط بيوتكم ولو راح علينا نصف الملك شوف من العداوة يقول أنتم كل ما قلتم: لا إله إلا الله, سقطت غرفة وشرف مثل ما عندك, قالوا: لا ما رأينا إلا هذا, قال أتمنى أنكم إذا قلتموها في منازلكم وتتساقط بيوتكم ولو ذهب نصف ملكي, هذا يدل على العداوة عداوة الكفار واليهود {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}[البقرة:105],{ودوا ما عنتم}[آل عمران:118], يودون الشيء الذي يعنت المسلمين ويشق عليهم, يقول أنا أتمنى أنه إذا قلتم: لا إله إلا الله تتساقط, كل ما قلتم مرة تتساقط بيوتكم ولو راح علي نصف الملك ما يهمني.

(المتن)

قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنفض كل شيء عليكم. وإني قد خرجت من نصف ملكي. قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر ألا تكون من أمر النبوة، وأنها تكون من حيل الناس.

الشرح: يعني لو كانت هكذا لما كانت من أمر النبوة.

(المتن)

ثم سألنا عما أراد فأخبرناه. ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا فقمنا. فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير، فأقمنا ثلاثا.

الشرح: ونزل كثير: ضيافة يعني.

(المتن)

فأقمنا ثلاثا فأرسل إلينا ليلا فدخلنا عليه، فاستعاد قولنا، فأعدناه. ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة، فيها بيوت صغار عليها أبواب، ففتح بيتا وقفلا فاستخرج حريرة سوداء، فنشرناها، فإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين. عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله.

فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا آدم، عليه السلام، وإذا هو أكثر الناس شعرا.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر كشعر القطط، أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا نوح، عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد البياض، حسن العينين، صلت الجبين، طويل الخد، أبيض اللحية كأنه يبتسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إبراهيم، عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر فإذا فيه صورة بيضاء، وإذا -والله -رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وبكينا.

قال: والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس، وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم، إنه لهو، كأنك تنظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت، ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس متراكب الأسنان، متقلص الشفة كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا موسى عليه السلام. وإلى جانبه صورة تشبهه، إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينيه قبل، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا هارون بن عمران، عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا لوط، عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه, فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال هذا إسحاق، عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق، إلا أنه على شفته خال، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. [قال] هذا يعقوب، عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض، حسن الوجه، أقنى الأنف، حسن القامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسماعيل جد نبيكم، صلى الله عليه وسلم .

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة كصورة آدم، عليه السلام، كأن وجهه الشمس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يوسف، عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين، أخفش العينين ضخم البطن، ربعة متقلد سيفا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا داود، عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فيها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين، راكب فرسا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان بن داود، عليهما السلام.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة بيضاء، وإذا شاب شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا عيسى ابن مريم، عليه السلام.

قلنا: من أين لك هذه الصور؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء، عليهم السلام، لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله. فقال: إن آدم، عليه السلام، سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، فكان في خزانة آدم، عليه السلام، عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال. ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وإني كنت عبدا لأشركم ملكة، حتى أموت.

الشرح: يعني خلقا يعني يقول أتمنى أني آتي وأكون عبدا لواحد من الصحابة ولو كان ويكون مؤمنا بالله ويكون واحدا منهم ولو كان هذا الواحد من الصحابة أسفل الناس خلقا, وأشركم ملكة, ملكة يعني الخلق, هذا مثل قول هرقل في القصة لما جاء ابن عباس رضي الله عنه له لما جاء أبو سفيان لما سأله, قال: لئن كنت صادقا ليملك موضع قدمين هاتين, ولوددت أني ولو أخلص لزدت إليه ولغسلت عن قدميه.

وكذلك هذا يقول: لوددت أني خرجت من ملكي, وأنا واحد منكم, وعبدا ولو كنت عبدا لأشركم ملكا يعني أسوئكم خلقا.

(المتن)

ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وإني كنت عبدا لأشركم ملكة، حتى أموت.

الشرح: يعني يتمنى أن يكون مسلم ولو كان عبدا لواحد من الصحابة ولو لأسفلهم خلقا حتى يموت على الإسلام, يعني مثل ما تمنى هرقل ولكن ما فعلوا شيئا بقوا على حالهم نعم شحوا بملكهم, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل قال: ضن الخبيث بملكه. ضن يعني بخل, بخل وشح شح بملكه آثر الدنيا على الآخرة, ويعلم, هذا دليل على أنه العلم لا يكفي لابد من العمل لابد من التصديق والعمل, إبليس مصدق ولم يفعل لأنه لم يعمل لم يتحقق هذا الإيمان بالعمل, فرعون مصدق {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم}[النمل:14], لكن لم يعمل, وقوم نوح والكفار كلهم يعلمون قال الله تعالى عن الكفار: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}[الأنعام:33].

فيكون كفرا بالإيمان والاستكبار, {إلا إبليس أبى واستكبر} [البقرة:34].

إبليس ما قابل أمر الله بالرد والتكذيب, وإنما قابله بالإيباء والاستكبار فهو معترف, {قال رب فأنظرني}[الحجر:36].

فالتصديق في القلب ما ينفع وحده, التصديق لابد له من عمل يتحقق فيه, وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون وغيرهم, كما أن العمل الذي يعمله الإنسان من صلاة وصيام لا ينفع إلا بالتصديق, وإلا صار كإسلام المنافقين الذين يصلون ويصومون ولكن ما معهم إيمان يصحح هذا العمل, فالعمل لابد له من إيمان يصححه العمل عمل الجوارح لابد له من إيمان يصححه بالقلب, والتصديق الذي في القلب لابد له من عمل يتحقق فيه في الجوارح, لابد من أمرين: {فلا صدق ولا صلى}[القيامة:31], {ولكن كذب وتولى}[القيامة:32].

فلا صدق: هذا كذب الذي قاله, ولا صلى: هذا العمل, ولكن كذب: هذا بالقلب, وتولى: أعرض عن العمل.

(المتن)

ثم أجازنا فأحسن جائزتنا، وسرحنا.

الشرح: يعني أجازنا يعني أعطاهم جائزة, وسرحنا يعني مشاهم قال اذهبوا إلى بلادكم.

(المتن)

فلما أتينا أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، فحدثناه بما أرانا، وبما قال لنا، وما أجازنا، قال: فبكى أبو بكر وقال: مسكين! لو أراد الله به خيرا لفعل. ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم.

وهكذا أورده الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي، رحمه الله، في كتاب "دلائل النبوة"، عن الحاكم إجازة، فذكره وإسناده لا بأس به.

وقال ابن جرير: حدثنا المثنى، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا فليح.

الشرح: فذكره وإسناده لا بأس به: يعني في الجملة لأن له شواهد ويشهد له قصة هرقل مع أبي سفيان يشهد له ويؤيده قصة هرقل مع أبي سفيان.

(المتن)

وقال ابن جرير: حدثنا المثنى، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا فليح عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. قال: أجل والله، إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، اسمك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله.

الشرح: نعم الملة العوجاء: هي ملة الإسلام, سميت ملة عوجاء لأنها مائلة عن الأديان الباطلة وعن الشرك, وإلا فهي في نفسها مستقيمة هي في نفسها مستقيمة وهي عوجاء بالنسبة للأديان الباطلة هي مائلة عنها, هذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}[الأحزاب:45], وحرزا للأميين, أنت عبدي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ, ولا صخاب في الأسواق, ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح, ولن أقبضه حتى أقيم بك الملة العوجاء, بأن يقولوا: لا إله إلا الله.

(المتن)

ليس بفظ ولا غليظ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح به قلوبا غلفا، وآذانا صما، وأعينا عميا".

الشرح: قلوبا غلفا هي التي لا يدخل إليها شيء من الإيمان والخير ولا يخرج منها شيء من الشر يفتحها الله قلوبا غلفا, وأعينا عميا هي التي لا تبصر الحق وإن كانت تبصر, وآذانا صما لا تسمع الحق وإن كانت تسمع أمور الدنيا, فيكون غلف وعمي وصم المراد يعني: عن الخير, وإلا فهم لهم أذان يسمعون بها في أمور دنياهم يتخاطبون ويشاهدون يبصرون هم ويسمعون ويفهمون الأشياء, لكن المراد أنهم لا يبصرون الحق فكانوا لا يبصرون الحق, ثم نور الله بصائرهم, وكانوا لا يسمعون الحق ثم فتح الله أسماعهم, وكانوا لا يعون الحق ثم فتح الله قلوبهم.

(المتن)

وقال عطاء: ثم لقيت كعبا فسألته عن ذلك، فما اختلف حرفا، إلا أن كعبا قال بلغته، قال: "قلوبا غلوفيا وآذانا صموميا وأعينا عموميا".

(الشرح)

وهذا كعب الأحبار كان من اليهود وأسلم في زمن عمر رضي الله عنه, وكان يقرأ التوراة كثيرا, فلما أخبر كعب قال ما زاد قلت هذا ما زاد عما في التوراة شيء, إلا أنه قال: قلوبا غلوفيا وآذانا صموميا.

(المتن)

وقد رواه البخاري في صحيحه، عن محمد بن سنان، عن فليح، عن هلال بن علي -فذكر بإسناده نحوه وزاد بعد قوله: "ليس بفظ ولا غليظ": "ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح". وذكر حديث عبد الله بن عمرو, ثم قال: ويقع في كلام كثير من السلف إطلاق "التوراة" على كتب أهل الكتاب. وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذا، والله أعلم.

 

 

القارئ: -

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى – في تفسير سورة الأعراف: وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا محمد بن إدريس وراق الحميدي قال: حدثنا محمد بن عمر بن إبراهيم - من ولد جبير بن مطعم رضي الله عنه - قال: حدثتني أم عثمان بنت سعيد -وهي جدتي -عن أبيها سعيد بن محمد بن جبير، عن أبيه محمد بن جبير، عن أبيه جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: خرجت تاجرا إلى الشام، فلما كنت بأدنى الشام، لقيني رجل من أهل الكتاب، فقال: هل عندكم رجل نبيا؟ قلت: نعم. قال: هل تعرف صورته إذا رأيتها؟ قلت: نعم. فأدخلني بيتا فيه صور، فلم أر صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا كذلك إذ دخل رجل منهم علينا، فقال: فيم أنتم؟ فأخبرناه، فذهب بنا إلى منزله، فساعة ما دخلت نظرت إلى صورة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا رجل آخذ بعقب النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: من هذا الرجل القابض على عقبه؟

الشرح: هذا مما يستنكر كذلك في القصة الأولى في الحديث الأول ذكر صور الأنبياء وأنها نزلت من السماء, يقول الحافظ سنده جيد لكن فيه غرابة يكون صور الأنبياء كلها نزلت من السماء أيضا هذا مما يستنكر...................

. (المتن)

قال: فساعة ما دخلت نظرت إلى صورة النبي صلى الله عليه وسلم.

الشرح: وفيه أيضا نكارة في المتن من جهة صور الأنبياء وأنه يقول نزلوا من السماء أيضا في الحديث الأول.

 

 

سؤال :......

(شرح الشيخ)

الله أعلم ما ندري هذه كلها ضعيفه هذا ضعيف هذا منكر هذا منكر هذا لو صح يعني, ولذلك نقول هذا فيه نكارة كون الصور يقول نزلت من السماء أيضا, هذا أيضا كذلك فيه نكارة كيف نزلت الصور من السماء فيه نكارة والسند ضعيف.

(المتن)

قال: فساعة ما دخلت نظرت إلى صورة النبي صلى الله عليه وسلم, وإذا رجل آخذ بعقب النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: من هذا الرجل القابض على عقبه؟ قال: إنه لم يكن نبي إلا كان بعده نبي إلا هذا النبي، فإنه لا نبي بعده، وهذا الخليفة بعده، وإذا صفة أبي بكر، رضي الله عنه.

وقال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير, قال: حدثنا حماد بن سلمة أن سعيد بن إياس الجريري أخبرهم، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, قال: بعثني عمر إلى الأسقف، فدعوته، فقال له عمر: هل تجدني في الكتاب؟ قال: نعم. قال: كيف تجدني؟ قال: أجدك قرنا. قال: فرفع عمر الدرة وقال قرن مه؟ قال: قرن حديد، أمير شديد. قال: فكيف تجد الذي بعدي؟ قال: أجد خليفة صالحا، غير أنه يؤثر قرابته قال عمر: يرحم الله عثمان، ثلاثا. قال: كيف تجد الذي بعده؟ قال: أجد صدأ حديد. قال: فوضع عمر يده على رأسه وقال: يا دفراه، يا دفراه! قال: يا أمير المؤمنين، إنه خليفة صالح، ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول، والدم مهراق.

الشرح: وهذا أيضا فيه نكارة كونه يقول لعمر هذا أنه سيحصل كذا ويحصل كذا وكونه أيضا يقول: يا دفراه, يا دفراه, كل هذا يعني فيه نكارة.

(المتن)

وقوله تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} هذه صفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة، وهكذا كان حاله، عليه الصلاة والسلام، لا يأمر إلا بخير، ولا ينهى إلا عن شر، كما قال عبد الله بن مسعود: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه. ومن أهم ذلك وأعظمه، ما بعثه الله [تعالى] به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة من سواه، كما أرسل به جميع الرسل قبله.

الشرح: وهذا قوله: ومن أهم ذلك هذا فيه تساهل بل هذا أهم ذلك يقال وأهم ذلك أهم ذلك الأمر بعبادة الله قوله: ومن أهم, أهم هذا أهم شيء أهم ما بعث الله به الرسل الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك هذا أهم, أهم المهمات, وأفرض الفرائض, وأوجب الواجبات توحيد الله عز وجل.

(المتن)

كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل:36].

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر -هو العقدي عبد الملك بن عمرو – قال: حدثنا سليمان -هو ابن بلال -عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد، عن أبي حميد وأبي أسيد، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به. وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد، فأنا أبعدكم منه".

هذا [حديث] جيد الإسناد، لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب [الستة].

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي، رضي الله عنه، قال: إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فظنوا به الذي هو أهدى، والذي هو أهنا، [والذي هو أنجى] والذي هو أتقى.

ثم رواه عن يحيى عن بن سعيد، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي عبد الرحمن، عن علي، رضي الله عنه، قال: إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه.

وقوله: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} أي: يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر، والسوائب، والوصائل، والحام، ونحو ذلك، مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم، ويحرم عليهم الخبائث.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: كلحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى.

وقال بعض العلماء: كل ما أحل الله تعالى، فهو طيب نافع في البدن والدين، وكل ما حرمه، فهو خبيث ضار في البدن والدين.

وقد تمسك بهذه الآية الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين، وأجيب عن ذلك.

الشرح: وهم المعتزلة, المعتزلة يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين, يقولون إن العقل يحسن ويقبح من دون الشرع والعمدة العقل عندهم, عندهم العقل عندهم أصول الدين عندهم خمسة: (التوحيد والعدل, والمنزلة بين المنزلتين, وإنفاذ الوعيد, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر), وكل أصل من هذه الأصول الخمسة هذه بدلا من أصول الدين عند أهل السنة الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه, الإيمان بالله أصول الدين خمسة الإيمان بالله يدخل فيها الإيمان بالقدر, والإيمان بالملائكة, والإيمان بالكتب, والإيمان بالرسل, والإيمان باليوم الآخر, المعتزلة بدلوها بهذه الأصول: (التوحيد والعدل, والمنزلة بين المنزلتين, وإنفاذ الوعيد, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر), وكل أصل من هذه الأصول ستروا تحتها معني باطل, فالتوحيد ستروا تحتها القول بنفي الصفات, وأن الله لا يرى في الآخرة, والقول بأن القرآن مخلوق هذا التوحيد عندهم.

والعدل التكذيب بالقدر, والقول بأن الله لا يقدر أن يهدي ضالا ولا أن يضل مهتديا, والمنزلة بين المنزلتين القول بأن الفاسق المرتكب للكبيرة خرج من الإيمان ويدخل في الكفر كان في منزلة بينهما لا مؤمن ولا كافر, يسمونه: فاسق.

وإنفاذ الوعيد القول بتخليد العصاة في النار, وأن الله ينفذ فيهم وعيده

والأمر بالمعروف ستروا تحته إلزامه غيرهم باعتقاداتهم الفاسدة, والنهي عن المنكر ستروا تحته الخروج على الأئمة إذا جاروا وظلموا.

والتوحيد والعدل عقليان عندهم, ويقولون: لا حاجة إلى الشرع, ويقولون: العقل وحده كافي, ولكن الشرع جاء يوافق العقل ويؤيده وإلا فلا حاجة إليه, مثل الشرع الكتاب والسنة في ذلك مع العقل كالشهود الزائدين على النصارى, الشهود واحد طلب منه القاضي شاهدين جاب أربعة أخذ اثنين واثنين زادوا على النصاب, ومثل المدد اللاحق بجيش وجيش مستغني عنه هكذا يقولون, فهم الآن يحسنون ويقبحون فالعقل يحسن ويقبح من دون الشرع, وقابلهم يعني هم قالوا العقل هو الذي يحسن ويقبح, ... الشرع قبل مجيء الشرع والشرع جاء موافق للعقل, العقل هو العمدة, قابلهم الجبرية كالأشاعرة قالوا: العقل لا يحسن ولا يعرف شيء, الذي يحسن ويقبح الشرع والعقل لا قيمة له, قالوا لولا أن الله أخبرنا أن الزنا حرام لما عرفنا أنه حرام لأنه خبيث العقل ما له قيمة.

وأهل السنة قالوا: العقل يحسن ويقبح ولكنه تابع للشرع ليس مستقلا, لا يلغونه كما يلغوه الجبرية, ولا يعتمدون عليه كما يعتمد عليه المعتزلة, بل قالوا إن الشرع يحسن ويقبح والعقل يقبح ويحسن, والشريعة جاءت بما توافق العقول السليمة, وآتت الشريعة بما تنكره العقول, فالعقل الصريح السالم من الشبه والشبهة والشهوة يوافق النقل الصريح, ولهذا ألف شيخ الإسلام كتاب سماه: "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول".

ولا يمكن أن يتصادم عقل صريح ونقل صحيح أبدا لابد أن يتفقان, فإن وجد بينهما اختلاف فالعقل إما أنه غير سليم في شبهة أو شهوة, أو النقل غير صحيح ما صح واحد من الأمرين, أما أن يكون نقله صحيح وعقله صحيح فلا يمكن أن يتعارضا أبدا.

(المتن)

وقد تمسك بهذه الآية الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين.

الشرح: وهم المعتزلة.

(المتن)

وأجيب عن ذلك بما لا يتسع هذا الموضع له.

وكذا احتج بها من ذهب من العلماء إلى أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ولا تحريمها، إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها، وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته. وفيه كلام طويل أيضا.

الشرح: وهذا باطل الرجوع إلى ما استحلته العرب إنما يرجع إلى أهل الخبرة, ما يستطيبونه وما يستخدمونه أهل الخبرة وأهل العقول البصيرة  لا الرجوع إلى العرب.

(المتن)

وقوله: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} أي: إنه جاء بالتيسير والسماحة، كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بعثت بالحنيفية السمحة".

وقال لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري، رضي الله عنهما, لما بعثهما إلى اليمن: "بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا". وقال صاحبه أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت تيسيره.

وقد كانت الأمم الذين كانوا قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم، فوسع الله على هذه الأمة أمورها، وسهلها لهم؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تقل أو تعمل".

وقال: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"؛ ولهذا قد أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} [البقرة:286].

وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه: قد فعلت، قد فعلت.

وقوله: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه} أي: عظموه ووقروه، {واتبعوا النور الذي أنزل معه} أي: القرآن والوحي الذي جاء به مبلغا إلى الناس، {أولئك هم المفلحون} أي: في الدنيا والآخرة.

الشرح: لا شك أن هذا طريق السعادة والنجاة الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم, فمن آمن به وعزره ووقره واتبع هذا النور الذي جاء به وهو القرآن والوحي, هذا هو الذي حصل على الفلاح هؤلاء هم الفالحون من أهل السعادة الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم, واتبعوه, وامتثلوا أمره, واجتنبوا نهيه, ووقروه, وعظموه, وعملوا بالقرآن وبالوحي وبالسنة الذي جاء به صدقوا الأخبار ونفذوا الأحكام هؤلاء هم أهل الفلاح وأهل السعادة, نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.

 

 

 

 

(المتن)

{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض ...}

الشرح: بركة ...

(انتهى)

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد