القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
قال الحافظ بن كثير - رحمه الله تعالى - على قول الله عز وجل: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}[الأعراف:172].
{أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}[الأعراف:173].
{وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون}[الأعراف:174].
قال الحافظ بن كثير - رحمه الله-: يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو. كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطرة الناس عليها لا تبديل لخلق الله} [الروم:30].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة -وفي رواية: على هذه الملة - فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء" وفي صحيح مسلم، عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله [تعالى] إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم، عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم".
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير، رحمه الله: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني السري بن يحيى: أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم، عن الأسود بن سريع من بني سعد، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات، قال: فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد عليه، ثم قال: "ما بال أقوام يتناولون الذرية؟ " فقال رجل: يا رسول الله، أليسوا أبناء المشركين؟ فقال: "إن خياركم أبناء المشركين! ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها".
قال الحسن: والله لقد قال الله في كتابه: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم [وأشهدهم على أنفسهم] } الآية.
وقد رواه الإمام أحمد، عن اسماعيل بن علية، عن يونس بن عبيد، عن الحسن البصري به. وأخرجه النسائي في سننه من حديث هشيم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن قال: حدثنا الأسود ابن سريع، فذكره، ولم يذكر قول الحسن البصري واستحضاره الآية عند ذلك.
وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم، عليه السلام، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين و [إلى] أصحاب الشمال، وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأن الله ربهم.
قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، قال: حدثنا شعبة، عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به؟ " قال: "فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئا، فأبيت إلا أن تشرك بي".
أخرجاه في الصحيحين، من حديث شعبة، به.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد.
أما بعد:
فهذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا}.
هذه الآية الكريمة في معناها قولان مشهوران للعلماء:
القول الأول :وهو الذي صدر به المؤلف شرح هذه الآية وهو الذي اختارها أخيرا: أن المراد ميثاق الفطرة وأن الله تعالى فطر الخلق على معرفته وتوحيده وأن الإنسان لو ترك ونفسه لمال إلى الخير وقبل الخير, يدل عليه ظاهر الآية: {وإذ أخذ ربك من بني آدم}, كل مولود يولد على الفطرة, وكل مولود يبلغ يرى الأدلة شاهدة على توحيد الله تعالى, والاستقامة والعبادة يراها ظاهرة أمامه, وهو مولود على الإسلام, ولهذا جاءت الأحاديث بذلك. قال: {وإذ أخذ ربك من بني آدم}, ولم يقل: من آدم, قال: من ظهورهم, ولم يقل: من ظهره. وقال: ذريتهم, ولم يقل: ذريته.
فدل على أن المراد بذلك شاهد الفطرة وأن المراد بأخذ الميثاق هو ولادة كل إنسان يولد على الفطرة وإذا بلغ فإنه يرى الأدلة شاهدة على وحدانية الله واستقامته للعبادة.
ويدل على ذلك الأحاديث: «كل مولود يولد على الفطرة», وفي رواية: «على هذه الملة», والفطرة هي دين الإسلام, وهي ملة الإسلام, وليس معنى ذلك أنه يعرف تفاصيل الشريعة لا المراد أنه ولد على الإسلام وعلى محبة الخير والميل إلى الخير ولو ترك بنفسه من غير مؤثرات خارجية لمال إلى الخير وقبل الحق.
وفي رواية: «كل مولود يولد على الإسلام».
هذا هو الإسلام أن يعرف ربه, يوحد ربه في ربوبيته, وأسمائه, وصفاته, ويدل على ذلك الأحاديث: «كل مولود يولد على الفطرة», وفي رواية: "على هذه الملة", «فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه», وفي لفظ: "فأبواه يهودانه, أو ينصرانه, أو يمجسانه". والمعنى: ينقلونه إلى اليهودية أو النصرانية أو المجوسية, ولم يقل: ويسلمانه, فدل على أنه مولود على الإسلام «كل مولود يولد على الفطرة» وهي الإسلام, «فأبواه يهودانه, أو ينصرانه, أو يمجسانه», ولم يقل: أو يسلمانه. دل على أنه مولود على الإسلام.
وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي, يقول الله تعالى في الحديث القدسي يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم, وحرمت عليهم ما أحللت لهم «إني خلقت عبادي حنفاء» يعني مسلمين على دين الحق, والأحاديث التي ساقها المؤلف لما قال أليسوا أولاد المشركين قال إن خياركم أولاد المشركين كل مولود يولد على الملة على الفطرة, وهذا هو الذي اختاره جمع من أهل العلم, أن المراد بأهل الميثاق دليل الفطرة والأدلة التي نصبها الله شاهدة على وحدانيته وإلوهيته, كل إنسان يراها, ويدل عليه ظاهر الآية قال الله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم}, ولم يقل: من آدم, وقال: من ظهورهم, ولم يقل: ظهر, وقال: من ذريتهم, ولم يقل: ذريته.
والقول الثاني :التي دلت عليه الأحاديث التي ساقها المؤلف وغيرها: أن الله تعالى استخرج أن الله تعالى مسح على ظهر آدم واستخرج ذريته بأمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم واستنطقهم فشهدوا ثم أعادهم, وأحاديث كثيرة في هذا ساقها المؤلف وغيره, من أصحها هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف في صحيح مسلم, يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك مثل الأرض ذهبا أكنت مفتديا به, قال: نعم, قال الله: قد أخذت عليك في ظهر آدم أهون من ذلك, قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي, فأبيت إلا أن تشرك بي. قد أخذت هنا المراد الدينية الشرعية, المراد الإرادة الدينية الشرعية, لو كان المراد الإرادة الكلية لم يشرك بالله ولم يحصل الشرك قدرا لأن الإرادة إرادتان عند أهل السنة والجماعة:
إرادة دينية شرعية, وإرادة كونية قدرية. خلاف الجبرية من الأشاعرة وغيرهم فإنهم ليسوا عندهم إلا الإرادة الكونية, وخلافا للمعتزلة الذين لا يثبتون إلا بالإرادة الشرعية, طائفتان ضالتان:
المعتزلة ما عندهم إلا الإرادة الشرعية, والأشاعرة جبرية ما عندهم إلا الإرادة الكونية فضلوا فكلا منهما انحرف, ظاهر الحق في الإرادتين: الدينية والشرعية, فكل إرادة دلت عليها أدلة من النصوص من الكتاب والسنة, وقد أردت منك أهون من ذلك شرعا ودينا قد أخذ عليك وأنت في ظهر آدم ألا تشرك بي, فأبيت إلا أن تشرك بي, في ظهر آدم والسلف يعني يرون أن القول الأول واضح ولكن هابوا بمخالفة الأحاديث, والأحاديث في هذا كثيرة وكثيرا منها فيها ضعف, ولكن بعضها يشد بعضا, ويمكن الجمع بين القولين أن الله تعالى استخرج من ذرية آدم أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم, ونصب الأدلة أيضا على وحدانيته وإلهيته وفطرهم على التوحيد, ويبقى إشكال على القول بأن الله أشهدهم وهو أن كل واحد لا يذكر هذا الإشهاد لا يذكر هذا, ولكن يجاب بأنه لا يذكر لأن إنما الرسل جاءت بذلك أو ذكرتهم, كالشاهد الذي يأتي
فإذا شهد بأنه شهد نسي فإذا ذكر تذكر فهم لا يذكرون ذلك ولا ××× حتى جاءت الرسل, والحجة ما قامت عليهم بأخذ الميثاق إنما قامت عليهم بالرسل, الحجة إنما قامت على الناس بالرسل {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.
والله تعالى أخذ الميثاق على بني آدم ثم الفطرة وجاءت الرسل بذلك وأن الله استخرجهم وأنطقهم قال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}[الأعراف:172].
{أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}[الأعراف:173].
(المتن)
حديث آخر: وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، قال: حدثنا جرير -يعني ابن حازم -عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس [رضي الله عنهما] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم، عليه السلام، بنعمان. يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قبلا قال: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} أو تقولوا إلى قوله: {المبطلون}.
وقد روى هذا الحديث النسائي في كتاب التفسير من سننه، عن محمد بن عبد الرحيم -صاعقة -عن حسين بن محمد المروزي، به.
الشرح: صاعقة لقب لمحمد بن عبد الرحيم, عبد الرحيم لقبه صاعقة.
(المتن)
ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حسين بن محمد به. إلا أن ابن أبي حاتم جعله موقوفا. وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد وغيره، عن جرير بن حازم، عن كلثوم بن جبر، به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث، عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فوقفه وكذا رواه إسماعيل بن علية ووكيع، عن ربيعة عن كلثوم، عن جبير، عن أبيه، به.
وكذا رواه عطاء بن السائب، وحبيب بن أبي ثابت، وعلي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس فهذا أكثر وأثبت، والله أعلم.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن أبي هلال، عن أبي جمرة الضبعي، عن ابن عباس [رضي الله عنهما] قال: أخرج الله ذرية آدم [عليه السلام] من ظهره كهيئة الذر، وهو في آذي من الماء.
الشرح: في أطباق من الموج وفي موج من الماء والله أعلم كيف يكون هذا في ×××.
(المتن)
وقال أيضا: حدثنا علي بن سهل، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، قال: حدثنا أبو مسعود عن جوبير قال: مات ابن للضحاك بن مزاحم، [وهو] ابن ستة أيام. قال: فقال: يا جابر، إذا أنت وضعت ابني في لحده، فأبرز وجهه، وحل عنه عقده، فإن ابني مجلس، ومسئول. ففعلت به الذي أمر، فلما فرغت قلت: يرحمك الله، عم يسأل ابنك؟ من يسأله إياه؟ قال: يسأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم. قلت: يا أبا القاسم، وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم؟ قال: حدثني ابن عباس [رضي الله عنه]؛ أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها إلى يوم القيامة، فأخذ منها الميثاق: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه. فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به، نفعه الميثاق الأول. ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به، لم ينفعه الميثاق الأول. ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر، مات على الميثاق الأول على الفطرة.
(الشرح)
الميثاق الآخر الرسل يعني الرسل جاءتهم ميثاق أخذه الله على كل إنسان أن يؤمن بالرسل والكتب المنزلة, وهذا هو الذي تقوم به الحجة قامت الحجة على الناس بإرسال الرسل {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة}.الميثاق الأول ما قامت به الحجة، الحجة بالميثاق الثاني, من مات على الميثاق الأول مات على الفطرة لكنه غير مكلف, وأما الميثاق الثاني فهو الذي تقوم به الحجة {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}, وقال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}.
(المتن)
فهذه الطرق كلها مما تقوي وقف هذا على ابن عباس، والله أعلم.
حديث آخر: وقال ابن جرير: حدثنا عبد الرحمن بن الوليد، قال: حدثنا أحمد بن أبي طيبة، عن سفيان بن سعيد، عن الأجلح، عن الضحاك وعن - منصور، عن مجاهد -عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} قال: "أخذ من ظهره، كما يؤخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: {ألست بربكم قالوا بلى} قالت الملائكة {شهدنا أن يقولوا} يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.
أحمد بن أبي طيبة هذا هو: أبو محمد الجرجاني قاضي قومه، كان أحد الزهاد، أخرج له النسائي في سننه، وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه. وقال ابن عدي: حدث بأحاديث أكثرها غرائب.
وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن حمزة بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، وكذا رواه جرير، عن منصور، به. وهذا أصح والله أعلم.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا روح -هو ابن عبادة –قال: حدثنا مالك، وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا مالك، عن زيد بن أبي أنيسة: أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أخبره، عن مسلم بن يسار الجهني: أن عمر بن الخطاب رضي اله عنه سئل عن هذه الآية: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} الآية، فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عنها، فقال: "إن الله خلق آدم، عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون.
ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون". فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خلق الله العبد للجنة، استعمله بأعمال أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله به الجنة. وإذا خلق العبد للنار، استعمله بأعمال أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله به النار".
وهكذا رواه أبو داود عن القعنبي -والنسائي عن قتيبة –والترمذي في تفسيرهما عن إسحاق بن موسى، عن معن. وابن أبي حاتم، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب. وابن جرير من حديث روح ابن عبادة وسعيد بن عبد الحميد بن جعفر. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، من رواية أبي مصعب الزبيري، كلهم عن الإمام مالك بن أنس، به.
قال الترمذي: وهذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع عمر. وكذا قاله أبو حاتم وأبو زرعة. زاد أبو حاتم: وبينهما نعيم بن ربيعة.
وهذا الذي قاله أبو حاتم، رواه أبو داود في سننه، عن محمد بن مصفى، عن بقية، عن عمر ابن جعثم القرشي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يسار الجهني، عن نعيم بن ربيعة قال: كنت عند عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] وقد سئل عن هذه الآية: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} فذكره.
وقال الحافظ الدارقطني: وقد تابع عمر بن جعثم بن زيد بن سنان أبو فروة الرهاوي، وقولهما أولى بالصواب من قول مالك، والله أعلم.
قلت: الظاهر أن الإمام مالكا إنما أسقط ذكر "نعيم بن ربيعة" عمدا؛ لما جهل حال نعيم ولم يعرفه، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وكذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم؛ ولهذا يرسل كثيرا من المرفوعات، ويقطع كثيرا من الموصولات، والله أعلم.
(الشرح)
وهذا كلام الحافظ على الإمام مالك معناه هذا الإمام هو مدلس في نظر كلام الحافظ يعني الإمام مالك يعني أنه أسقطها عمدا فهو مدلس, لأنه إمام معروف وهل الإمام مالك معروف بالتدليس؟.
(المتن)
حديث آخر: قال الترمذي عند تفسيره هذه الآية: قال: حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله [عز وجل] آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك.
فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب، من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك، يقال له: داود. قال: رب، وكم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة. قال: أي رب، قد وهبت له من عمري أربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم، جاءه ملك الموت قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته".
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة، رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين، به. وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره، من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه حدث عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو ما تقدم، إلى أن قال: "ثم عرضهم على آدم فقال: يا آدم، هؤلاء ذريتك. وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى، وأنواع الأسقام، فقال آدم: يا رب، لم فعلت هذا بذريتي؟ قال: كي تشكر نعمتي.
وقال آدم: يا رب، من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نورا؟ قال: هؤلاء الأنبياء يا آدم من ذريتك". ثم ذكر قصة داود، كنحو ما تقدم.
حديث آخر: قال عبد الرحمن بن قتادة النصري عن أبيه، عن هشام بن حكيم، رضي الله عنه، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتبدأ الأعمال، أم قد قضي القضاء؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه" ثم قال: "هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار".
رواه ابن جرير، وابن مردويه من طرق عنه.
حديث آخر: روى جعفر بن الزبير -وهو ضعيف -عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله الخلق، وقضى القضية، أخذ أهل اليمين بيمينه وأهل الشمال بشماله، فقال: يا أصحاب اليمين. فقالوا: لبيك وسعديك. قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. قال: يا أصحاب الشمال. قالوا: لبيك وسعديك. قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى ثم خلط بينهم، فقال قائل: يا رب، لم خلطت بينهم؟ قال: لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، ثم ردهم في صلب آدم [عليه السلام].
رواه ابن مردويه.
أثر آخر: قال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب [رضي الله عنه] في قول الله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} الآية والتي بعدها، قال: فجمعهم له يومئذ جميعا، ما هو كائن منه إلى يوم القيامة، فجعلهم في صورهم ثم استنطقهم فتكلموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، الآية.
قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع، والأراضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري، ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئا، وإني سأرسل إليكم رسلا يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي. قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. فأقروا له يومئذ بالطاعة، ورفع أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغني والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك.
فقال: يا رب، لو سويت بين عبادك؟ قال: إني أحببت أن أشكر. ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، فهو الذي يقول تعالى {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم [ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا]} [الأحزاب:7] وهو الذي يقول: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله [التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله]} الآية [الروم:30] ، ومن ذلك قال: {هذا نذير من النذر الأولى} [النجم:56] ومن ذلك قال: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} [الأعراف:102].
رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه، ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه في تفاسيرهم، من رواية ابن جعفر الرازي، به. وروي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والسدي، وغير واحد من السلف، سياقات توافق هذه الأحاديث، اكتفينا بإيرادها عن التطويل في تلك الآثار كلها، وبالله المستعان.
(الشرح)
يعني آثار عن الصحابة, خلص تعليق المؤلف على الأحاديث وبيان اختياره لأحد القولين من اختار القول بأن الأخذ إنما هو دليل الفطرة, وقيام الأدلة, ونصب الأدلة في الكون شاهدة على وحدانيته يراها كل أحد, هذا هو الذي اختاره المؤلف وهو الذي اختاره جمع كثيرون.
(المتن)
فهذه الأحاديث دالة على أن الله، عز وجل، استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم، فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس [رضي الله عنهما] وفي حديث عبد الله بن عمرو [رضي الله عنهما] وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان، كما تقدم.
(الشرح)
يعني أخذ الأحاديث التي في أخذ الميثاق موقوف على ابن عباس, وابن عباس عن من عن ابن عمر.
القارئ: حديث عبد الله بن عمرو.
الشيخ: حديث عبد الله بن عمرو, يعني موقوفان والأحاديث المرفوعة لا تخلو من ضعف, لكن من أقواها حديث مسلم الذي ساقه الأول يعني يقال لرجل من أهل النار: لو كان لك مثل الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم, فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك, قد أخذت عليك في ظهر أبيك في ظهر آدم أبيك آدم ألا تشرك بي, فأبيت إلا أن تشرك بي.
هذا الحديث في صحيح مسلم, قد أخذت عليك في ظهر أبيك هذا من أقواها, والباقي ضعيف لا يخلو من ضعف والموقوف كما قال المؤلف على ابن عباس وعلى ابن عمرو,, هذه الخلاصة بعد ما ساق قراءة الاختيار في معنى الآية نعم هذه الأحاديث وهذه الآثار أعد.
(المتن)
فهذه الأحاديث دالة على أن الله، عز وجل، استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم، فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
الشرح: يعني فرق بين المسألتين بين استخراج بني آدم بأمثال الذرة والتمييز بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال هذا واضح في الأحاديث.
لكن لو قال اشهد هل الإشهاد أنه استنطقهم وأشهدهم فشهدوا ثم أعادهم, أو أن المراد أشهدهم دليل الفطرة ونصب الأدلة, والقول الثاني هو ظاهر الآية أنه قال: {وإذ أخذ ربك من بني آدم} ولم يقل: بآدم, قال:من ظهورهم, ولم يقل: من ظهره, وقال: ذريتهم, ولم يقل: ذريته, فدل على أن المراد بذلك دليل الفطرة ونصب الأدلة, وتكون المسألة مسألة استخراج بني آدم من ظهر آدم هذه المسألة, المسألة الثانية: الإشهاد إشهادهم واستنطاقهم هذا الإشهاد والاستنطاق هي اللي فيها الأحاديث ××× .
سؤال: ×××
الشرح: وهذا هو من أقوى الأدلة وإذ أخذ عليك في ظهر ألا تشرك بي, هذا ظاهر من يقول بالإشهاد يقول خلاص هو ظاهر من يقول بالإشهاد يقول هذا على ظاهره, أن الله أشهدهم أنطقهم وأشهدهم, ومنهم من يقول بالإشهاد يقول بدليل الفطرة يقول المراد بدليل الفطرة هو نصب الأدلة.
(المتن)
ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد، كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي، ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع.
وقد فسر الحسن البصري الآية بذلك، قالوا: ولهذا قال: {وإذ أخذ ربك من بني آدم} ولم يقل: "من آدم"، {من ظهورهم} ولم يقل: "من ظهره" {ذريتهم} أي: جعل نسلهم جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن، كما قال تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} [الأنعام:165].
وقال: {ويجعلكم خلفاء الأرض} [النمل:62] وقال: {كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين} [الأنعام:133].
ثم قال: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} أي: أوجدهم شاهدين بذلك، قائلين له حالا وقالا.
الشرح: حالا يعني حالتهم تشهد بذلك, وقالا يعني بالمقال شهدوا بالمقال ونطقوا.
(المتن)
والشهادة تارة تكون بالقول، كما قال [تعالى] {قالوا شهدنا على أنفسنا} [الأنعام:130] الآية، وتارة تكون حالا كما قال تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر} [التوبة:17].
الشرح: يعني حالهم شاهدة بذلك شاهدين بحالهم هذه شهادة بالفعل شهادة بالفعل والحال شاهدين على أنفسهم بالكفر, حالهم شاهدة بالكفر.
(المتن)
أي: حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك.
الشرح: ما قالوا نشهد بالكفر بل حالهم شاهدة عليهم بذلك حالهم وأفعالهم.
(المتن)
وكقوله تعالى: {وإنه على ذلك لشهيد} [العاديات:7].
الشرح: مثل الكفرة الآن الكفرة اليهود الآن حالهم شاهدة بالكفر, لكن هم ما تكلموا ما قالوا ××× يشهدون بالكفر لا لكن حالهم شهدت بالكفر أحوالهم وأعمالهم.
(المتن)
كما أن السؤال تارة يكون بالقال، وتارة يكون بالحال، كما في قوله: {وآتاكم من كل ما سألتموه} [إبراهيم:34] قالوا: ومما يدل على أن المراد بهذا هذا، أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك، فلو كان قد وقع هذا كما قاله من قال لكان كل أحد يذكره، ليكون حجة عليه. فإن قيل: إخبار الرسول به كاف في وجوده، فالجواب: أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره.
وجعل حجة مستقلة عليهم، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها هي الإقرار بالتوحيد؛ ولهذا قال: {أن تقولوا} أي: لئلا يقولوا يوم القيامة: {إنا كنا عن هذا} أي: [عن] التوحيد {غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا} الآية.
الشرح: بركة, ...
(انتهى)