بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المتن:
قال رحمه الله تعالى: باب في الوعد والوعيد
قال محمد: ومن قول أهل السنة أن الوعد فضل الله ونعمته، والوعيد عدله وعقوبته، وأنه جعل الجنة دار المطيعين بلا استثناء، وجهنم دار الكافرين بلا استثناء، وأرجأ لمشيئته من المؤمنين العاصين من شاء، والله يحكم لا معقب لحكمه، ولا يسأل عن فعله، وقال عز من قائل فيما وعد به المؤمنين المطيعين: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم[النساء/13].
وقال في العصاة والكافرين: وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِين[النساء/14] .
وقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلا [النساء/56-57] .
وقال: وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلا [النساء/119-122] .
وقال في المُرجَّيِين لمشيئته من المؤمنين: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء/48] .
وقال: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ[الإسراء/54] .
فوعده تبارك وتعالى للمؤمنين المطيعين صدق، ووعيده للكفار والمشركين حق، ومن مات من المؤمنين مصًرا على ذنبه فهو في مشيئته وخياره، وليس لأحد أن يتسور على الله في علم غيبه وبجحود قضائه، فيقول: ربي، فيقول: أبى ربك أن يغفر للمصرين، كما أبى أن يعذب التائبين، ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم.
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا الباب الرابع والثلاثون من أبواب الكتاب في الوعد والوعيد، والوعد: هو ما وعد الله تعالى به عباده المؤمنين من المغفرة، مغفرة الذنوب والثواب والجنة.
والوعيد: ما توعد الله به العصاة والكفار من العذاب والخلود في النار.
"قال محمد" هو المؤلف محمد بن عبد الله بن زمَنين: (ومن قول أهل السنة: أن الوعد فضل الله ونعمته، والوعيد عدله وعقوبته).
هذا قول أهل السنة: الوعد فضل من الله وإحسان، الله تعالى وعد المؤمنين بالمغفرة والجنة والنجاة من النار فضلاً منه وإحسانًا، لم يوجبه عليه أحد.
وجاء في الحديث: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا حديث معاذ، هذا حق أوجبه الله على نفسه تكرما منه وفضلاً، لم يوجبه عليه أحد.
فأهل السنة يقولون: الوعد فضل الله ونعمته، والوعيد عدله وعقوبته، فهو يعذب الكفار والعصاة عقوبة منه وعدلا وحكمة، وفق حكمته ، وهو سبحانه وتعالى يعد المؤمنين بكرامته وجنته فضلاً منه وإحسانًا، وأنه جعل الجنة دار المطيعين بلا استثناء في قوله سبحانه: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ [هود/108] .
وجهنم دار الكافرين بلا استثناء.
وأما قوله تعالى في الأشقياء: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّك [هود/106-107] .
قال العلماء: هذا الاستثناء إنما هو استثناء قبل دخولهم النار، إما استثناء حينما يكونون في البرزخ قبل دخول الجنة.
وقال بعضهم: هو استثناء الرب ولا يفعله؛ لأن النصوص جاءت بأن النار دار الكفار وأنهم يمكثون فيها أبد الآباد كما قال الله : كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء/97] .
وقال سبحانه: لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا[النبأ/23] .
وقال سبحانه: كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة/167] .
هي دار الكفرة بلا استثناء، وأرجى لمشيئته من المؤمنين العاصين من شاء، يعني: الله تعالى أعطاهم الرجاء بمشيئته من المؤمنين العاصين، "من" تحمل على أنها بيانية؛ لأن الرجاء لجميع المؤمنين العصاة ليس لبعضهم، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ[النساء/48] .
هذا الرجاء، أرجى لمشيئته من المؤمنين العاصين.
لو قال أرجى لمشيئته المؤمنين العاصين، لكن "من" تحمل على البيان، أرجى لمشيئته من المؤمنين العاصين من شاء الله، من شاء، فالرجاء هذا لجميع المؤمنين: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ[النساء/48] .
ما دون الشرك، المؤمنون الذين ماتوا على المعاصي دون الشرك لم يتوبوا منها فهم تحت مشيئة الله، لهم الرجاء، ترجى لهم المغفرة، منهم من يغفر له ومنهم من يعذب.
ولهذا قول المؤلف: (وأرجى لمشيئته من المؤمنين العاصين من شاء)، فيها إشكال لو قال وأرجى لمشيئته من المؤمنين العاصين فقط، كلمة "من شاء" الرجاء للجميع، إلا إذا أريد بـ "أرجى لمشيئته" يعني: المغفرة، الله يغفر لهم، يغفر لمن يشاء، ليس للجميع.
وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ[الرعد/41] .
نعم، لا أحد يتعقب حكمه في الدنيا ولا في الآخرة، في الدنيا يحكم بشرعه الذي أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله ولا أحد يتعقب لحكمه، من تعقب حكم الله ورد حكم الله فهو كافر، وهو يحكم بين عباده يوم القيامة بالجزاء، ولا أحد يتعقبه ، ولا يسأل عن فعله لكمال حكمته، لا لأنه يفعل بالمشيئة كما تقوله الجبرية، بل هو لا يسأل عما يفعل لكونه حكيمًا، يضع الأشياء مواضعها؛ لأن أفعاله مبنية على الحكمة، وأقداره مبنية على الحكمة، وأوامره مبنية على الحكمة، ونواهيه مبنية على الحكمة: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء/23] . لكمال حكمته.
وقال عز من قائل فيمن وعد به المؤمنين المطيعين: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[النساء/13] .
هذا رجاء ووعد كريم، هذا الوعد كريم لعباده المؤمنين، وهو لا يخلف وعده، وقال في العصاة والكافرين: وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ[النساء/14] .
هذا وعيده للعصاة والكافرين، وقال أيضًا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء/56] .
هذا في الكفرة والعياذ بالله لقوله: سوف نصليهم تصلاهم النار من جميع الجهات.
أما المؤمن فلا تصلاه النار، بل تأخذه من بعض الجوانب، بخلاف الكفرة فإنها تصلاهم من جميع الجهات: لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ[الأعراف/41] .
أعوذ بالله، تبدل الجلود، هذا تبديل تجديد، تتجدد: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء/56] . نسأل الله السلامة والعافية.
ثم قال في وعده بالمغفرة للمؤمنين: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء/57]. هذا وعده للمؤمنين.
وقال في وعيد الكفار: وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا النساء / 120-122، هذا في الوعيد، وقال في الوعد.
وقال في المرجَّيِين لمشيئته من المؤمنين الذين جعل الله لهم الرجاء: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ [النساء/48].
وقال: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ [الإسراء/54] .تحت مشيئته.
يقول المؤلف: (فوعده تبارك وتعالى للمؤمنين المطيعين صدق، لا يتخلف، ووعيده للكفار والمشركين حق، ومن مات من المؤمنين مصرًا على ذنبه) الذي دون الشرك فهو في مشيئته وخياره، الضمير يعود إلى الله، فهو في مشيئة الله وخياره.
"وليس لأحد أن يتسور على الله"، يعني: يطلع، ما يطلع أحد على غيبه وما أخفاه، وليس لأحد أن يتسور على الله في علم غيبه وبجحود قضائه.
ليس لأحد أن يطلع على علم الله، وما قضاه وقدره، فيعترض على الله، فيقول: أبى ربك أن يغفر للمصرين، لا أحد يجرؤ على هذا؛ لأن الله سبحانه وتعالى له المغفرة، قد يغفر للمصر بتوحيده وإيمانه وإسلامه ويدخله الجنة من أول وهلة، وقد يعذبه بجرائمه ومعاصيه بالنار ثم يُخرَج منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين.
فلا أحد يجرؤ أن يقول: أبى ربك أن يغفر للمصرين، كما أبى أن يعذب المنافقين، ما يجرؤ على هذا، ولهذا لما قال في حديث أبي هريرة الرجل العابد والرجل المسيء: وأن الرجل العابد لا يزال ينصح المسيء والمذنب، فأتاه يومًا فوجده على ذنب فنهاه، فقال العاصي: خلِّني وربي، أبُعِثتَ عليّ رقيبا؟ فقال العابد: والله لا يغفر الله لك ولا يدخلك الجنة، فقال الله: من ذا الذي يتألى عليّ ألا أغفر لفلان، إني قد غفرت له وأحبطت عملك أيها العابد قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته، يعني: أذهبت دنياه وآخرته. من ذا الذي يتألى على الله! فيقول: أبى ربك أن يغفر للمصرين كما أبى أن يعذب المنافقين: مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور/16] .
المتن:
وقد حدثني إسحاق، عن أحمد بن خالد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة قال: حدثني ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي إدريس عن عبادة قال: بايعنا رسول الله فقال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فذلك إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
الشرح:
نعم، وهذا الحديث فيه الوعد والوعيد، هذا الحديث فيه ضعف، سنده فيه ضعف، في سنده إسحاق التجيبي وابن وضاح وفيهما كلام للنقاد من أهل الحديث، ولكن متن الحديث صحيح، أخرجه البخاري في صحيحه من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن عبادة، أن النبي قال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا وهذا بايع عليه المؤمنات، كما قال الله تعالى في آخر سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ[الممتحنة/12] .
قال النبي ﷺ: فمن وفى منكم فأجره على الله هذا الوعد ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارته هذا دليل على أن العقوبات والحدود كفارة، فمن فعل ما يوجب الحد ثم أقيم عليه الحد فهو كفارة له، والله أكرم من أن يجمع على العبد عقوبتين، عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة.
السارق إذا سرق قطعت يده كفارة له، والزاني إذا جلد أو رجم كفارة له، والقاذف إذا جلد كفارة له، فإن تاب فيما بينه وبين الله فالتوبة طهارة، إذا فعل واحدًا منهما فهو كفارة له، وأما من مات ولم يقم عليه الحد ولم يتب هذا أمره إلى الله.
ولذا قال: ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فذلك إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، تحت مشيئة الله، هذا فيه الوعد والوعيد.
المتن:
ابن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان أخبره، عن ابن محيريز القرشي، أخبره عن المخدجي رجل من بني كنانة أنه قال: سمعت عبادة بن الصامت يقول: سمعت رسول الله يقول: خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا، جاء وله عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن انتقص من حقهن شيئًا جاء وليس له عند الله عهد، وإن شاء أدخله الجنة.
الشرح:
وهذا الحديث ضعيف السند، موصول بالسند السابق، فيه إسحاق وفيه ابن وضاح، وفيه المُخَدَّجي وهو أبو رفيعة الكناني مجهول لم يوثقه إلا ابن حبان، وذكر المحقق أن له متابع، المخدجي، وأنه لم ينفرد، وأنه تابع عبد الله الصنابحي، وكذلك أبو إدريس الخولاني.
وهذا الحديث قد يحتج به من يرى أن ترك الصلاة ليس بكفر؛ لأن فيه: خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا، جاء وله عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن انتقص من حقهن شيئًا جاء وليس له عند الله عهد، وإن شاء أدخله الجنة احتجوا فقالوا: هذا دليل على أن ترك الصلاة ليس بكفر؛ لأنها تحتمل: إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة.
ولكن الإجابة عن هذا:
أولًا: هذا حديث ضعيف لا يصح، فيه مجاهيل، فيه إسحاق وابن وضاح وفيه المخدجي.
ثانيًا: لو صح فيحمل هذا الانتقاص على شيء لا يخل بأركان الصلاة ولا شروطها جمعا بينه وبين الأحاديث الأخرى التي دلت على كفر تارك الصلاة، كحديث جابر أن النبي قال: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة رواه مسلم في صحيحه.
فجعل الصلاة حدا فاصلا بين الإيمان والكفر، وقال عليه الصلاة والسلام: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر رواه الإمام أحمد وأهل السنة بسند جيد، وروى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين، أن النبي قال: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله والذي يحبط عمله هو الكافر.
هذه النصوص تدل على أن تارك الصلاة كافر ولو لم يشهد وجوبها، وهذا الحديث يدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر لأنه تحت مشيئة الله، فكيف يُجمع بينها؟.
أولًا: هذا الحديث لا يصح، ضعيف، والحديث
الضعيف لا يقابل الحديث الصحيح، كيف يقابل حديث في الصحيحين: البخاري ومسلم، حديث أن ترك الصلاة كفر، وهذا الحديث فيه أنه تحت مشيئة الله.
ثانيًا: لو صح يحمل هذا الانتقاص على شيء لا يخل بأركان الصلاة ولا شروطها، ومن انتقص من حقهن شيئًا.
وأما رواية الحديث فالحديث روي برواية أخرى: ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة هذه الرواية ضعيفة لشذوذها ومخالفتها للأحاديث الصحيحة.
والقاعدة عند أهل العلم: أن الشاذ ضعيف؛ لأن من شرط الحديث الصحيح أن يتصل السند، وأن يكون الرواة عدولًا ثقات ضابطين، وأن لا يكون شاذًا ولا معللاً، وهذا شاذ مخالف للحديث الصحيح، حتى ولو استقام سنده، لو كان سنده مثل الشمس وهو مخالف للأحاديث الصحيحة يعتبر شاذًا ضعيفًا، شاذ المتن، منكر المتن، وبهذا تسلم الأحاديث الصحيحة التي في الصحيحين وفي غيرها أن ترك الصلاة كفر نسأل الله السلامة والعافية هذا الحديث لو صح فيه الوعد والوعيد، استدل به المؤلف على الوعد والوعيد.
المتن:
وحدثني أحمد بن مطرف، عن عبيد الله بن يحيى، عن مالك، عن زيد بن أسلم أن النبي قال: أيها الناس، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله، فإنه من يُبدِ لنا صفحته نُقم عليه كتاب الله.
الشرح:
هذا الحديث مرسل ضعيف من مراسيل زيد بن أسلم، والمرسل ضعيف، لكن ذكر الحافظ ابن حجر له شاهدان مرسلان وقال: إن هذه المراسيل الثلاثة يشد بعضها بعضًا، فلو صح يحمل على أن هذا فيه الوعد؛ لأن من استتر وتاب تاب الله عليه، من أتى شيئًا من القاذورات من المعاصي ثم استتر وتاب فيما بينه وبين الله تاب الله عليه، ومن لم يتب فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه.
وفيه الإشارة إلى أن الأولى الاستتار وعدم الإظهار؛ لأنه ينبغي للإنسان الذي يقع في شيء من هذه المعاصي الأولى أن يستتر بستر الله ويتوب فيما بينه وبين الله، ولا يأتي ويقول للحاكم: أقم علي الحد، وإن جاء وطلب إقامة الحد صار الحد كفارة له، لكن كونه يستتر ويتوب فيما بينه وبين الله هذا هو الأولى، وفي هذا سعة رحمة الله كما قال المؤلف رحمه الله.
إذًا التوبة طهارة، التوبة تطهر من الذنب، وإقامة الحد تطهر من الذنب، أحدهما يطهر، وكونه يستتر ويتوب فيما بينه وبين الله هذا أولى له، والتوبة ليست كلمة يقولها الإنسان باللسان، التوبة معناها: الإقلاع عن المعصية، ثم ندم على ما مضى، ثم عزم صادق جازم على عدم العودة إلى المعصية، ورد المظالم إلى أهلها إن كانت المعصية بينه وبين الناس.
المتن:
قال محمد: والحديث بمثل هذا أكبر، فاعتبر قول رسول الله: من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله ما هو إلا لما يرجو له من سعة رحمة الله، ولولا ذلك لكان الأولى به، إذ هو الناصح الأمين أن يشير بالاعتراف فيقع في الحدود، فيكون تطهيره إلى ما عمله بها، حض الله عليه به في كتابه من العفو والصفح، وأنه تعالى أولى بمكارم الأخلاق من عباده.
الشرح:
قال محمد هو المؤلف: (والحديث بمثل هذا أكبر، فاعتبر قول رسول الله من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله) كل هذا من الوعد، من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله، يعني: لا يفضح نفسه ويأتي ويقول: أقيموا علي الحد.
وهذا يدل على الرجاء، ولهذا قال: ما هو إلا لما يرجو له من سعة رحمة الله، ولولا ذلك لو كان لا يرجى له الرحمة والمغفرة لكان يشير عليه بأن يأتي ويعترف ويقول: أقيموا علي الحد.
والرسول هو الناصح الأمين، من نصحه عليه الصلاة والسلام أنه أمر من وقع في المعاصي أن يستتر بستر الله؛ لأن الله يغفر له إذا استتر وتاب، ولو كان لا يُغفَر له إذا تاب فيما بينه وبين الله لكان النبي ينصحه ويقول: ائتي واعترف لأنه هو الناصح الأمين، فلا يمكن أن يشير إليه بشيء ليس فيه نصح.
لما أمر من أصاب شيئًا من المعاصي أن يستتر بستر الله دل على أن هذا هو الأولى وأنه تحت مشيئة الله، وأن العاصي ترجى له المغفرة إذا تاب، ولهذا قال: لولا ذلك لكان الأولى به، إذ هو الناصح الأمين يعني: الرسول أن يشير بالاعتراف فيقع في الحدود فيكون تطهيرًا له، ولهذا حض الله في كتابه من العفو والصفح، وأنه تعالى أولى بمكارم الأخلاق من عباده.
المتن:
وقد حدثني أبو جعفر أحمد بن عون الله، قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر، قال: حدثنا سوار بن عبد الله، قال: حدثنا الأصمعي، قال: كنا عند أبي عمرو بن العلاء فجاءه عمرو بن عبيد فقال: يا أبا عمرو، هل يخلف الله الميعاد؟ قال: لا، قال: أرأيت إذا وعد على عمل ثوابا ينجزه؟ قال: نعم. قال: فكذلك إذا وعد على عمل عقابا؟ قال: فقال أبو عمرو إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعد خُلفا أن توعد شرا فلا تفي به، وإنما الخلف أن تعد خيرا فلا تفي به، ثم أنشد:
ولا يرهب ابن العم والجار صولتي |
ولا أنثنــي مـن خشـية المتهـدد |
وإنــي إذا أوعدتــه أو وعدتــه |
لأخـلف إيعــادي وأنجـز موعدي |
الشرح:
نعم، هذا الأثر أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق، وهو من كلام الأصمعي، ليس حديثًا ولا من كلام الصحابة، لكن هو من كلام الأصمعي، قال: حدثنا الأصمعي يقول, ولكنه كلام جيد موافق لما عليه أهل السنة والجماعة.
يقول الأصمعي: كنا عند أبي عمرو بن العلاء من أهل السنة، فجاءه عمرو بن عبيد، عمرو بن عبيد رئيس من رؤساء المعتزلة، والمعتزلة يرون أن العاصي يخلد في النار، إذا عصى وفعل الكبيرة خرج من الإيمان في الدنيا وخلد في النار في الآخرة، لكن في الدنيا يسمونه فاسقًا لا مؤمنًا ولا كافرًا، والخوارج يقولون: خرج من الإيمان ودخل في الكفر، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، يكون في منزلة بين الإيمان والكفر، وفي الآخرة يخلد في النار.
جاء عمرو بن عبيد يناقش أبا عمرو بن العلاء السني فقال عمرو بن عبيد: يا أبا عمرو السني: هل يخلف الله الميعاد، يعني: إذا وعد الله العاصي بالنار هل يخلف الميعاد؟ يريد أن يلزمه بأن العاصي يخلد في النار: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا[النساء/10] .
إذًا آكل مال اليتيم تُوعِّد بالنار، فالمعتزلة يقولون: مخلد في النار؛ لأن الله توعده بالنار، وهو لا يخلف الميعاد.
قال: قال عمرو بن عبيد لأبي عمرو: هل يخلف الله الميعاد، إذا وعد آكل مال اليتيم بالنار هل يخلف الميعاد؟ لا بد أن يعذبه ويخلده في النار، ماذا قال له السني أبو عمرو بن العلاء؟ قال: لا، قال: أرأيت إذا وعد على عمل ثوابًا ينجزه؟ هذا في الوعد، قال: نعم، قال: فكذلك إذا وعد على عمل عقابًا، يعني: كما أنه إذا وعد المؤمن بالجنة كذلك إذا وعد العاصي بالنار لا بد أن يعذبه.
فقال له أبو عمرو بن العلاء: لا، فرق بين الوعد والوعيد، الوعد ينجز، العرب تمدح على إنجاز الوعد، وتمدح على إخلاف الوعيد، فإذا توعدت شخصًا، هددته بالعقوبة، ثم أخلفت العقوبة فهذا كرم.
فقال أبو عمرو: إن الوعد غير الوعيد، الوعد إذا وعدته تنجز الوعد، أما الوعيد هددته، كونك تخلف الوعيد هذا أفضل، قال أبو عمرو بن العلاء السني لأبي عمرو رئيس المعتزلة: إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعد خلفًا أن توعد شرًا فلا تفي به، إذا وعد الإنسان شرًا فلا يفي به لا يعتبر خلفًا بل يعتبر كرمًا، وإنما الخلف أن تعد خيرا فلا تفي به، ثم أنشد قول الشاعر:
ولا يرهب ابن العم والجار صولتي |
ولا أنثنــي مـن خشـية المتهـدد |
"وإني إذا أوعدته" هذا الوعيد، "أو وعدته" هذا الوعد، "لأخلف إيعادي" إيعاد بالشر أخلفه، "وأنجز موعدي" هذا كرم، الوعد تنجزه والوعيد والتهديد تخلفه، هذا الكرم، فالله تعالى أكرم من ذلك.
المتن:
وحدثني أبي، عن علي، عن أبي داود، عن يحيى قال: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: لما أنزل الله الموجبات التي أوجب عليها النار لمن عمل بها وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا [النساء/93] .
وأشباه ذلك كنا نبتُّ عليه الشهادة حتى نزلت هذه الآية: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء[النساء/116] . فكففنا عن الشهادة وخفنا عليهم.
يحيى، وبلغني عن علي بن أبي طالب أنه قال: "إن الفقيه كلَّ الفقيه من لم يُوئِس الناس من رحمة الله ولم يدحضهم في معاصي الله ".
الشرح:
الحديث الأول ضعيف وهو منقطع، فيه والد المؤلف وفيه علي المري ويحيى بن سلام، ثم أيضًا هو من كلام يحيى بلاغًا، منقطع، وهو ضعيف، وهو من كلام عمر، لكن الكلام صحيح، المعنى صحيح، قال: لما أنزل الله الموجبات فسر الموجبات التي أوجب عليها النار لمن عمل بها، مثل: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا[النساء/93] .
وأشبه ذلك، كنا نبت عليه الشهادة، ما معنى: "نبت عليه الشهادة" يعني: نشهد عليه بالنار؛ لأن الله وعده بالنار حتى نزلت آية الرجاء، وهي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا[النساء/48] .
فكففنا عن الشهادة وخفنا عليهم، يعني: قبل أن تنزل هذه الآية كنا نشهد لمن جاءت النصوص بالوعيد عليه بالنار, شهدنا بالنار, بالبت يعني: بالقطع، ثم لما نزلت آية الرجاء أمسكنا.
والأثر الثاني: يحيى رواه بلاغا عن علي قال: "إن الفقيه كلَّ الفقيه من لم يوئس الناس من رحمة الله ولم يدحضهم في معاصي الله"، هذا الفقيه ما يوئس الناس ولا يوقعهم في المعاصي، لا هذا ولا هذا، يحذرهم من المعاصي ولا يقنطهم من رحمة الله، هذا الفقيه، ويجمع لهم بين الوعد والوعيد، الترغيب والترهيب.
المتن:
باب في محبة أصحاب النبي
قال محمد رحمه الله ومن قول أهل السنة أن يعتقد المرء المحبة لأصحاب النبي وأن ينشر محاسنهم وفضائلهم ويمسك عن الخوض فيما دار بينهم، وقد أثنى الله في غير موضع من كتابه ثناء أوجب التشريف إليهم بمحبتهم والدعاء لهم فقال: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح/29] .
إلى قوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[الفتح/29] .
وقال: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون [الحشر/8] .
إلى قوله: فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون[الحشر/9] .
الشرح:
نعم، هذا الباب الخامس والثلاثون من أبواب الكتاب في محبة أصحاب النبي محبة أصحاب دين يدين به الإنسان ربه، ولهذا فإن الله سبحانه أثنى عليهم ووعدهم بالجنة ورضي عنهم، فيجب على المسلم أن يحبهم.
ولهذا قال الطحاوي في عقيدته المشهورة: ونحب أصحاب رسول الله ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. هذه عقيدة أهل السنة والجماعة.
قال محمد وهو المؤلف رحمه الله ابن أبي زمَنِين: (ومن قول أهل السنة أن يعتقد المرء المحبة لأصحاب رسول الله وأن ينشر محاسنهم وفضائلهم ويمسك عن الخوض فيما دار بينهم)، هذه عقيدة أهل السنة: محبة الصحابة، ونشر فضائلهم ومحاسنهم، والإمساك عن الخوض فيما دار بينهم من النزاع والخلاف والقتال.
وقد أثنى الله في غير موضع من كتابه ثناء أوجب التشريف إليهم بمحبتهم والدعاء لهم، مثل قوله تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...
ثم قال في آخر الآية: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح/29] .
إذًا هذا وعد لهم بالمغفرة والأجر، وقال: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر/8].
ثم قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر/9] .
إذا وعدهم الله تعالى بالفلاح والفضل فيجب على المسلم أن يحبهم وأن ينشر محاسنهم وفضائلهم وأن يمسك عما شجر بينهم.
المتن:
وقال النبي خير أمتي قرني منهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم حدثني بذلك وهب، عن ابن وضاح، عن الصمادحي، عن ابن مهدي، عن أبي عوانة، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله. . . وذكر الحديث.
الشرح:
هذا الحديث سنده ضعيف، فيه والد المؤلف متكلَّم فيه، لكن متن الحديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من طرق، عن أبي بشر، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة.
فالحديث ثابت، يقول النبي: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.
وهذا استدل به المؤلف رحمه الله على فضل الصحابة، خير القرون قرن النبي ثم القرن الثاني ثم القرن الثالث، وتسمى عند أهل العلم القرون المفضلة، وهذا فيه دليل على فضل الصحابة فهم أهل القرن الأول.
المتن:
وحدثني أحمد بن عون الله، عن الورد، عن يوسف بن موسى، عن عبد الله بن حسن، قال: حدثنا أحمد بن عبد ربه، عن خالد بن عمر القرشي، عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك، عن أبيه، عن جده قال: لما رجع رسول الله من الحديبية خطب الناس فقال: يا أيها الناس، إني راض عنه يعني: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير والمهاجرين والأنصار، فاعرفوا ذلك لهم، يا أيها الناس، إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية، أيها الناس، لا تسوءوني في أصحابي وأصهاري، أيها الناس لا يطلبنكم الله بمظلمة أحد منهم، فإنها مما لا توهب.
الشرح:
هذا الحديث سنده ضعيف جدًا، وآفته خالد بن عمرو القرشي، فإنه رماه ابن معين بالكذب، وقال صالح جزرة: إنه وضاع، وقال ابن عبد البر: متروك الحديث، وكذلك أيضًا سهل بن يوسف بن سهل بن مالك وأبوه وجده كلهم مجهولون، فالحديث ضعيف، حديث ساقط ولا حاجة إلى هذا الحديث، تغني عنه الأحاديث الصحيحة والآيات الكريمة.
فضل الصحابة، والعشرة المبشرون بالجنة، جاء فيها أحاديث صحيحة، وكذلك جاء في الحديث الصحيح: إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية جاء فيها أحاديث صحيحة، وكذلك الوصية لأصحابه وأصهاره جاء فيها أحاديث صحيحة، فلا حاجة إلى هذا الحديث الباطل، لا يعول عليه، كان الأولى بالمصنف أن ينزه كتابه عن مثل هذا الحديث، الأحاديث الصحيحة فيها غنية عن هذه الأحاديث الضعيفة.
المتن:
وحدثني أبي، عن علي، عن أبي داود، عن يحيى قال: حدثني النضر بن معبد، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول: إذا ذُكر القَدَر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا.
قال النضر: وسمعت أبا قلابة يقول لأيوب: يا أيوب، احفظ مني ثلاثًا: لا تقاعد أهل الأهواء ولا تسمع منهم، ولا تفسر القرآن برأيك، فإنك لست من ذلك في شيء، وانظر هؤلاء الرهط من أصحاب النبي فلا تذكرهم إلا بخير.
الشرح:
الحديث الأول كالحديث السابق ضعيف جدًا، في إسناده والد المؤلف ابن زمنين، والشيخ علي المري وكذا يحيى بن سلام، وفيه النضر بن معبد أبو قحدم، كذلك أيضًا تكلم فيه أهل العلم، وفيه انقطاع بين أبي قلابة وبين ابن مسعود.
ثم هو أيضًا من كلام ابن مسعود لكن فيه هذه العلل، وفيه أنه يقول: إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا.
والشاهد: وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا تغني عنه الأحاديث الصحيحة.
قال النضر: وسمعت أبا قلابة يقول لأيوب: يا أيوب احفظ عني ثلاثًا: "لا تقاعد أهل الأهواء" أهل الأهواء يعني: أهل البدع، "لا تجالس أهل البدع ولا تسمع منهم، ولا تفسر القرآن برأيك"، ثم قال: "وانظر هؤلاء الرهط من أصحاب النبي فلا تذكرهم إلا بخير" هذا هو الشاهد، يعني: لا تذكر الصحابة إلا بخير.
المتن:
يحيى قال: وحدثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران قال: ثلاثة ارفضوهم: مجادلة أصحاب الأهواء، وشتم أصحاب رسول الله والنظر في النجوم.
الشرح:
نعم وهذا الإسناد أيضًا ضعيف وهو موصول بالسند السابق، فيه والد المؤلف وفيه علي المري ويحيى بن سلام، كلهم ضعفاء، وهذا الأثر أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، وهو أثر ضعيف لكن المعنى صحيح، ثلاثة ارفضوهم، يعني: اتركوهم، مجادلة أصحاب الأهواء، يعني: أهل البدع لا تجادلوهم، وشتم أصحاب رسول الله لا شك أن الشتم هذا من كبائر الذنوب، والنظر في النجوم.
المتن:
يحيى قال: وحدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله: دعوا لي أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق كل يوم مثل أحد لم يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
الشرح:
وهذا الحديث سنده ضعيف، وهو موصول بالسند السابق، فيه والد المؤلف وكذلك علي المري ويحيى بن سلام، لكن متن الحديث صحيح، أخرجه الشيخان: البخاري في صحيحه من طريق شعبة عن الأعمش، ومسلم في صحيحه أيضًا من طريق جرير عن الأعمش، ولفظه: لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
وهذا قاله النبي له سبب، لما حصل سوء تفاهم بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف، عبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين، أسلم قبل صلح الحديبية، وخالد ممن أسلم بعد الفتح.
النبي يقول لخالد: لا تسبوا أصحابي الذين تقدمت صحبتهم، كلهم صحابة، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، خالد لو أنفق من الذهب مدًا، مقدار ملء الكف أو نصف الكف، لو أنفق خالد مثل أحد ذهبا وأنفق عبد الرحمن ملء الكف سبقه عبد الرحمن، انظر الفرق بين الصحابة؛ لأن عبد الرحمن من السابقين الأولين، وخالد من المتأخرين الذين أسلموا بعد الفتح، هم الذين أسلموا بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة، فإذا كان هذا التفاوت بين الصحابة فكيف التفاوت بين الصحابة والتابعين! هذا فيه فضل الصحابة.
المتن:
وحدثني وهب قال: حدثني سعيد بن عثمان قال: حدثنا ابن ملول، قال: حدثنا عمران بن موسى، قال حدثنا أبو عبد الصمد بن يزيد، عن محمد بن مقاتل، قال أيوب السختياني: "من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان استنار بنور الله ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى، ومن أحسن الثناء على أصحاب رسول الله فقد برئ من النفاق، ومن ينتقص أحدًا منهم أو يبغضه لشيء كان منه فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح، والخوف عليه ألا يرفع له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه لهم سليمًا".
الشرح:
وهذا الأثر أخرجه اللالكائي في شرح السنة من طريق عمران بن موسى، عن عبد الصمد، وهو من كلام أيوب السختياني، أيوب السختياني رحمه الله يحث على حب الصحابة والخلفاء الراشدين الأربعة، ويحث على حسن الثناء على الصحابة ويقول: إن الذي يحسن الثناء على الصحابة فقد برئ من النفاق، ومن يبغضهم بدعي مخالف للسنة ويخشى عليه ألا يرفع له عمل، والذي لا يرفع له عمل هو الكافر، يعني: يخشى عليه من الكفر، الذي يسب الصحابة ويؤذيهم، أو يكفرهم هذا والعياذ بالله مرتد، نسأل الله السلامة والعافية، الذي يكفر الصحابة ويفسقهم.
المتن:
وهب قال: حدثنا ابن وضاح، عن أبي جعفر الأيلي أنه قال: قال مالك رحمه الله: "ليس لمن انتقص أحدًا من أصحاب رسول الله في الفيء حق".
الشرح:
وهذا الأثر أخرجه المقدسي في النهي عن سب الأصحاب وفيه ضعف ابن وضاح، وهو موقوف على الإمام مالك، من كلام الإمام مالك، يقول الإمام مالك رحمه الله: ليس لمن انتقص أحدًا من أصحاب رسول الله في الفيء حق، المعنى: أنه ليس من المسلمين، لماذا؟ لأن الفيء جعله الله في سورة الحشر لثلاث طوائف من المسلمين: المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان يدعون لهم بالمغفرة, والفيء هو المال الذي يحصل عليه المسلمون من دون قتال, فيقسم بين المسلمين.
يقسم بين ثلاث طوائف من الناس: الطائفة الأولى: المهاجرون.
والطائفة الثانية: الأنصار.
والطائفة الثالثة: الذين جاءوا بعدهم يدعون لهم.
مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولٌِ [الحشر/7] .
ثم قال لمن هذا الفيء: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ[الحشر/8] .
هذه الطائفة الثانية، ثم قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ[الحشر/9] .
ثم قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ {الحشر / 10}
والذي يسب الصحابة ليس من الطوائف الثلاث، ليس من المهاجرين، وليس من الأنصار، وليس من الذين جاءوا بعدهم يدعون الله أن يغفر لهم، بل هم من الذين يسبونهم وليس لهم من الخير شيء، فدل على أنهم ليسوا من المسلمين، هذه أقسام المسلمين.
طوائف المسلمين ثلاث: إما مهاجرون. أو أنصار.أو أتباع يدعون الله لهم بالمغفرة.والرافضي الذي يسب الصحابة ليس من المهاجرين، ولا من الأنصار، ولا ممن جاء بعدهم يدعو الله أن يغفر لهم وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ[الحشر/10] .
ولهذا للإمام مالك في هذه المقالة تدل على كفر من سب الصحابة.
وكذلك روي عنه أنه قال: استدل بآية الحجرات، ليغيض منهم الكفارعلى كفر الرافضة، قال: دلت الآية على أن الصحابة يغيظون الكفار، والرافضة يغيظهم الصحابة، فدل على أنهم كفار.
المتن:
باب في تقديم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
قال محمد : ومن قول أهل السنة أن أفضل هذه الأمة بعد نبينا أبو بكر وعمر، وأفضل الناس بعدهما عثمان وعلي.
الشرح:
هذا الباب السادس والثلاثون من أبواب الكتاب في تقديم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة.
ولهذا قال محمد وهو المؤلف رحمه الله ابن أبي زمنين: (ومن قول أهل السنة: أن أفضل هذه الأمة بعد نبينا أبو بكر ثم عمر، وأفضل الناس بعدهما عثمان وعلي)
هذا هو الصائب الذي عليه أهل السنة والجماعة، أن أفضل الناس الخلفاء الراشدون، وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة: أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، هذا هو الذي عليه جمهور أهل الصحابة.
وروي عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله في رواية: تقديم علي على عثمان في الفضيلة لا في الخلافة، لكن روي عنه أنه رجع ووافق الجمهور. في تقديم علي على عثمان في الفضيلة لا في الخلافة.
أما من قدم عليا على عثمان في الخلافة فهو كما قال شيخ الإسلام أضل من حمار أهله، لماذا؟ لأنه احتقر رأي المهاجرين والأنصار، والمهاجرون والأنصار أجمعوا على تقديم عثمان على علي ومبايعته بالخلافة، فمن قدم عليا على عثمان في الخلافة فقد احتقر رأي المهاجرين والأنصار وهو أضل من حمار أهله كما قال شيخ الإسلام.
لكن الرواية عن أبي حنيفة تقديمه في الفضيلة، والرواية الأخرى مع الجمهور روي أنه رجع، فيكون إجماع على تقديم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهذا هو الذي أقره العلماء في عقائدهم:
قرره المقدسي في "الاقتصاد والاعتقاد" وأقره الطحاوي وغيرهم وشيخ الإسلام في "الواسطية" وغيرهم من أهل العلم أن أفضل الصحابة الخلفاء الراشدون، وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، ثم بعدهم العشرة المبشرون بالجنة، ثم أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، هكذا ثم بقية الصحابة نعم.
المتن:
وحدثني وهب عن العناقي قال: حدثنا أبو البشر عبد الرحمن بن الجارودي قال: حدثني عبد الله بن صالح قال: حدثني نافع بن يزيد، عن زهرة بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير، واختار أمتي على سائر الأمم.
الشرح:
هذا الحديث ضعيف جدًا، حتى حكم بعضهم ببطلانه، فيه عبد الله بن صالح المصري، صدوق لا يحتج به؛ لأنه كثير الغلط، ويأتي بالمناكير، قال أبو زرعة: بُلي أبو صالح بخالد النجيح في حديث زهرة بن معبد عن سعيد.
وقال أحمد بن محمد التستري: سألت أبا زرعة عن حديث زهرة في الفضائل، فقال: باطل، وضعه خالد المصري ودلسه في كتاب أبي صالح.
والحديث أخرجه ابن جرير الطبري في "السنة" والخطيب البغدادي في "تاريخه".
وعلى كل حال هذا الحديث ضعيف جدًا، ولا ينبغي أن يعول عليه في فضائل الصحابة، وفضائل الراشدين كثيرة والأحاديث الصحيحة كافية وغنية عن هذا الحديث.
المتن:
وحدثني وهب عن ابن وضاح، قال: حدثنا ابن أبي شيبة قال: حدثنا شاذان عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نفاضل ورسول الله وأصحابه متوافرون، فنقول: رسول الله فأبو بكر، وعمر، وعثمان، ثم نسكت.
الشرح:
هذا الحديث فيه ضعف، فيه ابن وضاح ضعيف، لكن متنه صحيح، رواه البخاري في الصحيح من طريق محمد بن حاتم، عن شاذان، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر.
وفيه أن الصحابة كانوا يفاضلون في حياة النبي يقولون: أبو بكر، ثم عمر، وعثمان، فيبلغ ذلك النبي فيقرهم على ذلك، فدل على تقديم الخلفاء الراشدين في الفضيلة، وأن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة.
أبو بكر أفضل الناس بعد الأنبياء، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة.
المتن:
وهبٌ قال حدثنا العناقي قال حدثنا نصر بن مرزوق قال سمعت إدريس يقول حدثنا الفضل بن مختار عن الربيع بن صُبيح عن الحسن قال: أدركت عدة من أصحاب رسول الله وهم يفضلون أبا بكر، وعمر، وعثمان.
الشرح:
هذا من كلام الحسن البصري، والحسن البصري من العلماء الأجلاء يقول: أدركت عدة من أصحاب رسول الله وهم يفضلون أبا بكر وعمر وعثمان، وهذا حق كما قال رحمه الله.
المتن:
العناقي قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: قلت لشريك: ما تقول فيمن فضل عليا على أبي بكر وعمر؟ فقال أزرى على اثني عشر ألفا من أصحاب رسول الله ﷺ، قال: ثم ذهبت من فوري إلى سفيان الثوري فسألته عن ذلك، فقال: أزرى على اثني عشر ألفا من أصحاب رسول الله ﷺ، وما أخوفني مع هذا ألا يصعد له إلى السماء تطوُّع.
الشرح:
وهذا الأثر أخرجه أبو داود في سننهمن طريق محمد بن مسكين، قال: حدثنا محمد الفريابي، قال سفيان الثوري وهو من كلام أبي صالح في سؤاله لشريك وسؤاله لسفيان الثوري, أبو صالح الجهني سأل شريك, شريك القاضي قال: ما تقول فيمن فضل عليًا على أبي بكر وعمر؟ قال: أزرى على اثني عشر ألفا من الصحابة. يعني احتقر رأيهم.
اثنا عشر ألفا كلهم قدموا أبا بكر وعمر، فهذا الذي يقدم عليا يعني: احتقر رأيهم، كيف تحتقر اثني عشر ألف صحابيًا؟! تضرب بقولهم عرض الحائط وتقدم عليا على عثمان! !
ثم سأل سفيان الثوري سأله عن ذلك فقال: أزرى على اثني عشر ألفًا من أصحاب رسول الله ﷺ احتقر رأيهم، يعني: معناه أن كلامه باطل, تقديم علي على أبي بكر وعمر يخالف ما عليه الصحابة. اثنا عشر ألفا.
ثم قال: وما أخوفني مع هذا ألا يصعد له إلى السماء تطوع، يقول سفيان الثوري: أخشى أنه لا يقبل عمله بهذا الاعتقاد، هذا الاعتقاد المخالف لعقيدة الصحابة.
المتن:
وهبٌ قال: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا المقرئ، قال: حدثنا عمر بن عبيد الخزاز، قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كنا معشر أصحاب النبي ﷺ ونحن متوافرون نقول: أفضل الأمة بعد نبيها ﷺ: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نسكت.
الشرح:
هذا الحديث سنده صحيح وآفته عمر بن عبيد الخزاز، قال عنه أبو حاتم: شيخ ضعيف الحديث.
والأثر أخرجه الحارث بن أسامة في مسنده من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ، عن عمر بن عبيد الخزاز، لكن الحديث وإن كان ضعيفًا لكن له شواهد، متنه صحيح وله شواهد.
ويشهد له الحديث السابق، الحديث عن نافع، عن ابن عمر: كنا نفاضل ورسول الله وأصحابه متوافرون فنقول: رسول الله، فأبو بكر، فعمر، فعثمان هذا حديث أبي هريرة، فيه أن الصحابة وهم متوافرون يقولون: أفضل الأمة بعد نبيها: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، بل كانوا يقولون هذا في عهد النبي فيبلغه ذلك ويسكت، فدل على تقديم الخلفاء الراشدين على غيرهم.
المتن:
وهبٌ قال: وحدثني ابن وضاح، قال: سألت يوسف بن عدي، فقلت له: أبو بكر وعمر أفضل هذه الأمة بعد نبيها؟ فقال: نعم، وليس يختلف في ذلك إلا من لا يُعبأ به، وإذا أردت فضلهما فانظر إليهما مما جعلهما الله مع نبيه في قبر.
قال يوسف: وإنما وقع الاختلاف في التفضيل بين عثمان وعلي، وأنا أقول: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، هذا رأيي ورأيهم، هذا رأيي ورأي من لقينا من أهل السنة، ولا يسع القول بما سوى ذلك.
الشرح:
وهذا الأثر الأول في سنده ابن وضاح، وهو ضعيف، وهو من كلام يوسف بن عدي، سأل ابن وضاح يوسف بن عدي فقال: أبو بكر وعمر أفضل هذه الأمة؟ قال: نعم، وليس يختلف في ذلك إلا من لا يُعبأ به، وإذا أردت فضلهما فانظر إليهما مما جعلهما الله مع نبيه في قبر واحد، بجوار نبيه، هذا القول الحق.
وكذلك يوسف قال: وقع الاختلاف في التفضيل بين عثمان وعلي، أما أبو بكر وعمر فليس هناك اختلاف، فالصحابة قدموا أبا بكر، ثم عمر، وقال يوسف: هذا رأيي ورأي من لقينا من أهل السنة، ولا يسع القول بما سوى ذلك.
هذا حق صدق، هذا قول أهل السنة قاطبة، تقديم الخلفاء الراشدين في الفضيلة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
المتن:
وهبٌ قال: حدثني ابن وضاح، عن محمد بن سعيد بن أبي مريم، عن نعيم بن حماد، عن عبد الله بن المبارك، أنه قال: نأخذ باجتماع أصحاب النبي وندع ما سواه، وقد اجتمعوا على أن عثمان خيرهم.
فعثمان خير هذه الأمة بعد أبي بكر وعمر، وبعدهم علي ثم خير هذه الأمة بعد هؤلاء الأربعة أصحاب الشورى، ثم أهل بدر، ثم الأول فالأول من سائر أصحاب النبي ﷺ، فاعرف لهم حق سابقهم.
الشرح:
نعم، هذا الأثر ذُكر موصولًا بسند الأثر السابق، وفي إسناده ابن وضاح، وفيه محمد بن نعيم الخزاعي، صدوق يخطئ كثيرًا، وهو من كلام عبد الله بن المبارك، لكنه كلام صحيح يوافق ما عليه أهل السنة والجماعة.
قال عبد الله: نأخذ باجتماع أصحاب النبي وندع ما سواه، وقد اجتمعوا يعني الصحابة على أن عثمان خيرهم، ولذلك قدموه في الخلافة، قال: فعثمان خير هذه الأمة بعد أبي بكر وعمر وبعدهم علي، هذا هو الذي عليه أهل السنة قاطبة، ثم بعد الخلفاء الراشدين أصحاب الشورى.
ومن هم أصحاب الشورى؟ هم بقية العشرة المبشرين بالجنة، الذين جعل عمر لهم الشورى في اختيار الخليفة بعده، لما طُعن عمر جعل الخلافة والشورى في الستة الباقين، جعل الشورى في: عثمان، وعلي، والزبير، وطلحة، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، هؤلاء هم بقية العشرة، ثم أهل بدر بعدهم، ثم الأول فالأول من سائر أصحاب النبي ﷺ.
" فاعرف لهم حق سابقتهم" كلام عبد الله بن المبارك، هذا حق إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة.
المتن:
وهبٌ قال: وحدثنا ابن وضاح قال: حدثنا موسى قال: حدثنا ابن مهدي قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة، قال: لما قدم عبد الله من المدينة بعد قتل عمر قال: أمَّرْنَا خير من بقي ولم نأل، يعني: عثمان. قال وهب: وقال لابن وضاح: وهذا رأيي.
الشرح:
وهذا الأثر إسناده كسابقه فيه ابن وضاح، ولكن متنه صحيح، وهو قول أهل السنة، يقول: حدثنا ابن وضاح قال: حدثنا موسى قال: حدثنا ابن مهدي قال: حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة عن نزال بن سبرة قال, هذا من كلام النزال بن سبرة قال: لما قدم عبد الله بن عمر من المدينة يعني بعد قتل عمر.
وحينما جعل عمر في البقية الشورى، قال: يختار واحدا منهم ويكون معهم عبد الله بن عمر كالتعزية له، ولكن لا يكون له من الأمر شيء، فعمر جعل الخلافة في واحد من أصحاب الشورى الذين هم: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة.
قال: ويشهدكم ابن عمر، لكن ليس له من الأمر شيء لتشاوروه، يكون معكم لكن لا يختار خليفة.
قال عبد الله: لما قدم عبد الله بن عمر من المدينة بعد قتل عمر، قال: أمَّرنا خير من بقي ولم نأل، يعني: عثمان، والصحابة أقروه على هذا الكلام، قال: أمّرنا خير من بقي، دل على أن خير من بقي هو عثمان بعد عمر.
قال وهب: وقال لي ابن وضاح: وهذا رأيي، يعني: في تقديم عثمان، وهذا رأي أهل السنة قاطبة، أهل السنة قاطبة يقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.
المقصود من هذا: الرد على الرافضة، الرافضة الذين يقولون: أفضل الناس بعد النبي علي، ويقولون: إن أبا بكر كَفَر، وعمر كفر، وعثمان كفر، كفروا بعد وفاة النبي وارتدوا وأخفوا النصوص التي فيها أن الخليفة بعده علي، وقالوا: إن خير الناس هو علي، وأنكروا فضل الخلفاء الثلاثة، وقالوا: كفروا وارتدوا بعد وفاة رسول الله.
وهذا كفر وضلال، الرافضة والعياذ بالله ارتكبوا كفرًا، حيث كذبوا الله، الله تعالى زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة وهو لا يكفرهم، هم كذبوا الله، ومن كذب الله كفر.
فأهل السنة والجماعة يردون على الرافضة، وهم قد أجمعوا على تقديم الخلفاء الراشدين، وأنهم على الحق، وأنهم أفضل الناس بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم.
وفق الله الجميع لطاعته، وثبت الله الجميع، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.