شعار الموقع
شعار الموقع

أصول السنة لابن أبي زمنين (13) من باب في وجوب السمع والطاعة – إلى باب في الحج والجهاد مع الولاة

00:00

00:00

تحميل
59

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: باب في وجوب السمع والطاعة

قال محمد: ومن قول أهل السنة: إن السلطان ظل الله في الأرض، وأنه من لم ير على نفسه سلطانا برا كان أو فاجرا فهو على خلاف السنة.

وقال : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء/59] .

وفسر أهل العلم هذه الآية بتفاسير تؤول إلى أمر واحد إذا تعقبها متعقب.

كان الحسن يقول: هم العلماء، وكان ابن عباس يقول: هم أمراء السرايا كان رسول الله إذا بعث سرية أمّر عليهم رجلا وأمرهم ألا يخالفوه وأن يسمعوا له ويطيعوه.

وكان زيد بن أسلم يقول: هم الولاة، ألا ترى أنه بدأ بهم فقال: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[النساء/58] .

يعني: الفيء والصدقات التي استأمنهم على جميعها وقسمها وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء/58] .

قال: فأمر الولاة بهذا، ثم أقبل علينا نحن فقال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء/59] .

إذا لم يكن فيكم مال، قال: ثم خرج فقال: إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [النساء/59] .عاقبة.

قال محمد: فالسمع والطاعة لولاة الأمر أمر واجب، ومهما قصروا في ذاتهم فلم يبلغوا الواجب عليهم، غير أنهم يدعون إلى الحق ويؤمرون به ويدلون عليه، فعليهم ما حملوا وعلى رعاياهم ما حملوا من السمع والطاعة لهم.

الشرح:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: ....

فهذا هو الباب السابع والثلاثين من أبواب هذا الكتاب في وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور، ولاة الأمور: هم الذين يلون أمور الناس.

والولاية تثبت لولي الأمر بواحد من ثلاثة أمور:

الأمر الأول: عن طريق الاختيار والانتخاب من قِبل أهل الحل والعقد، كما ثبتت الخلافة لأبي بكر الصديق باختيار وانتخاب أهل الحل والعقد.

والأمر الثاني: تثبت الولاية لولي الأمر بولاية العهد من الخليفة السابق كما ثبتت الخلافة لعمر بن الخطاب بولاية العهد من أبي بكر الصديق.

والأمر الثالث: تثبت ولاية ولي الأمر إذا غلب الناس بسيفه وقوته وسلطانه، وجب لهم أن يسمعوا ويطيعوا.

فولي الأمر تثبت ولايته بواحد من هذه الأمور، فإما بالاختيار والانتخاب، أو بولاية العهد من الخليفة السابق، أو بالقوة والغلبة، وحينئذ يجب السمع والطاعة لولي الأمر الذي ثبتت له الولاية بواحد من هذه الأمور الثلاثة.

يجب السمع والطاعة له في حالتين: الحالة الأولى: إذا أمر بطاعة الله وطاعة رسوله.

والحالة الثانية: إذا أمر بأمر مباح.

أما إذا أمر بمعصية فلا يطاع، لكن ليس معنى ذلك الخروج عليه والتمرد عليه، لا بل المعنى: أنه لا يطاع في المعصية بخصوصها، وما عدا ذلك فإنه يطاع، فإن أمر ولي الأمر شخصًا يشرب الخمر لا يطيعه  أو يقتل شخصًا بغير حق لا يطيعه أو يشرب المسكر أو الدخان لا يطيعه.

كذلك الأب إذا أمر ابنه بشرب الخمر لا يطيعه، وكذلك الزوجة إذا أمرها زوجها بالمعصية لا تطيعه وكذلك العبد إذا أمره سيده بالمعصية فإنه لا يطيعه، لكن ليس معنى ذلك أنهم يتمردون عليهم، لا بل المعنى أنهم لا يطيعونهم بخصوص هذه المعصية، لقول النبي في الحديث الصحيح: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ويقول النبي: إنما الطاعة في المعروف.

فالولاية ثبتت بالاختيار والانتخاب كما ثبتت لأبي بكر الصديق وكذلك لعثمان باختيار أهل الحل والعقد، وكذلك لعلي بن أبي طالب.

وبعد الخلفاء الراشدين فالولايات كلها ثبتت بالقوة والغلبة إلى يومنا هذا، والواجب على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا لولي الأمر في طاعة الله ورسوله وفي الأمور المباحة، يقول النبي : اسمع وأطع وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة.

ومعلوم أنه لو كان الاختيار لأهل الحل والعقد ما كان الاختيار للعبد الحبشي، لكن إذا كان لذي القوة والغلبة تثبت له الخلافة.

إذا كان بالاختيار والانتخاب فإنه لا بد له من شروط: يكون من قريش، ويكون أيضًا كذلك لا بد أن يقيم الدين لقوله: لا يزال هذا الأمر يعني من قريش ما بقي منهم اثنان ما أقاموا الدين فإذا وُجد من يقيم الدين من قريش وصار الاختيار للمسلمين يختارون منهم إذا لم يوجد من يقيم الدين يختاروا من غيرهم.

بعد هذا ننظر إلى كلام المؤلف رحمه الله يقول المؤلف رحمه الله: (باب في وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور). يعني: في أمرين في طاعة الله ورسوله وفي الأمور المباحة، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، لقول النبي: إنما الطاعة في المعروف, لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ما يطاع مخلوق في المعصية، لكن ليس معنى ذلك الخروج عليه، لا، أصحاب المعصية لا يطاعون فيها.

قال محمد هو المؤلف محمد بن أبي زمنين: (ومن قول أهل السنة أن السلطان رسول الله في الأرض، وأن من لم ير على نفسه سلطانًا برًا كان أو فاجرًا فهو على خلاف السنة).

نعم، يجب على الإنسان المسلم أن يعتقد أن ولاية ولي الأمر ويطيعه في طاعة الله ورسوله وفي الأمور المباحة، وهو ظل الله في الأرض؛ لأن ولاة الأمور علق الله بهم أمورا عظيمة لا يقوم الدين إلا بها، بهم تقام الحدود، وبهم تؤمن السبل، وبهم ينتصف المظلوم من الظالم، وبهم تؤدى الحقوق إلى أهلها.

فالسلطان ظل الله في الأرض، وأن من لم ير على نفسه سلطانًا برًا كان أو فاجرًا فهو على خلاف السنة، وولي الأمر سواء كان برًا أو فاجرًا، يعني: سواء كان مطيعًا أو فاسقًا أو ظالمًا يجب السمع والطاعة له، واعتقاد ولايته في طاعة الله ورسوله وفي الأمور المباحة دون المعاصي، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ[النساء/59] .

فأتى بالفعل في طاعة الله وطاعة الرسول، وحذف الفعل في طاعة ولي الأمر، للدلالة على أن طاعة ولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله.

وفسر أهل العلم هذه الآية بتفاسير تؤول إلى معنى واحد إذا تعقبه متعقب:كان الحسن يقول: هم العلماء، أولوا الأمر يعني: العلماء، وكان ابن عباس يقول: هم أمراء السرايا، والصواب: أنها تشمل العلماء والأمراء، هم أولوا الأمر، فالعلماء يطيعهم الناس فيما يفتونهم فيه وفيما يبلغونهم من أوامر الله، والأمراء ينفذون الأحكام.

كان ابن عباس يقول هم أمراء السرايا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية أمّر عليهم رجلا وأمرهم ألا يخالفوه وأن يسمعوا له ويطيعوه يعني: أمراء السرايا في الجيوش، لازم أن يكون عليهم أمير، والأمير ينصح لهم ويجب عليهم طاعته، ولهذا حتى في الأسفار النبي قال: إذا خرج ثلاثة فليؤمروا أحدهم.

وكان زيد بن أسلم يقول: هم الولاة ألا ترى أنه بدأ بهم فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا[النساء/58] .

يعني: الفيء والصدقات التي استأمنهم على جمعها وقسمها، استأمن الله ولاة الأمر فأمره الله أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ويردوا الفيء والصدقات إلى أهلها وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ[النساء/58] .

قال: فأمر الولاة بهذا، ثم أقبل علينا نحن المسلمين والرعايا فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ[النساء/59] .

يعني: لم يكن فيكم مال، الأموال تكون لولاة الأمور يؤدونها إلى أهلها، والرعية عليهم الطاعة، قال: ثم خرج فقال: إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[النساء/59] . تأويلا أي: عاقبة.

قال محمد: (فالسمع والطاعة لولاة الأمور أمر واجب) في طاعة الله ورسوله، وفي الأمور المباحة كما سبق، لا في المعاصي، ومهما قصروا يعني ولاة الأمور في ذاتهم فلم يبلغوا الواجب عليهم غير أنهم يدعون إلى الحق ويأمرون به ويدلون عليه.

يعني: ولاة الأمور إذا حصل منهم خطأ أو غلط في بعض الأشياء فهم ينصحون ويؤمرون ويدلون من قِبل أهل الحل والعقد من قِبل العلماء وأهل الحل والعقد باللين والأسلوب المناسب، فإن امتثلوا فالحمد لله، وإن لم يمتثلوا فقد أدى الناس ما عليهم والله هو الذي يحاسبهم، لكن لا يجوز الخروج عليهم في المعاصي، ولو جاروا ولو ظلموا.

والنصيحة مبذولة من قِبل العلماء وأهل الحل والعقد للأمراء فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا فقد أدى الناس ما عليهم، والله هو الذي يحاسبهم، والناس عليهم السمع والطاعة لولاة الأمور، وإذا لم يؤد ولاة الأمور الحقوق التي عليهم فالله هو الذي يحاسبهم، ولا يجوز أن يخرجوا عليهم.

خلافًا لأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والرافضة؛ لأن الخوارج يرون أن ولي الأمر إذا فسق أو عصى وجب الخروج عليه ووجب قتله وخلعه؛ لأنه كافر ويخلد في النار، والمعتزلة يقولون: يجب خلعه؛ لأنه خرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر فيجب خلعه وعدم السمع والطاعة له، والرافضة يقولون: ليس هناك إمام إلا الإمام العادل المعصوم، والإمام المعصوم هو من الأئمة الاثنا عشرية.

فتبين بهذا أن أهل السنة يخالفون أهل البدعة: يرون السمع والطاعة لولاة الأمور ولو كان ولي الأمر فاجرا أو عاصيا أو ظالما، خلافا لأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والروافض الذين يرون الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي والجور والظلم.

هؤلاء مبتدعة فاسقون خارجون عن منهج أهل السنة والجماعة، مخالفون للنصوص، فينبغي للمسلم ألا يتشبه بالمبتدعة وأن يكون منهجه منهج أهل السنة والجماعة، فلا يجوز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي والظلم، إلا إذا فعل ولي الأمر كفرا موصوفا بثلاثة أوصاف كما جاء في الحديث إلا أن تروا كفرا بواحًا عندكم من الله فيه برهان.

أولًا: أن يفعل كفرا لا يكون فسقًا بل كفرًا.

ثانيًا: أن يكون الكفر بواحًا، يعني: واضح لا شك فيه ولا ريب، فإن كان فيه خلاف هل هو كفر أو غير كفر فلا.

فالأمر الثالث: عندكم من الله فيه برهان، أي دليل صريح واضح من الكتاب والسنة، هذه ثلاثة شروط.

والأمر الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محل ولي الأمر الكافر.

والأمر الخامس: القدرة.

خمسة شروط تجيز الخروج على ولاة الأمور إذا وجدت الخمسة شروط جاز الخروج وإلا فلا.

أولًا: أن يفعل ولي الأمر كفر، وهذا الكفر لا يكون فسقًا بل كفرًا.

ثانيًا: أن يكون هذا الكفر صريحا ليس فيه خلاف، وأن يكون بواحا يعني: لا شك فيه، ودليله صريح واضح.

الأمر الثالث: أن يكون عندكم من الله فيه برهان يعني دليله صريح واضح.

والأمر الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محله، أما إذا كان ولي الأمر الكافر يُزال ويؤتى بولي أمر كافر ما حصل المقصود، فيبقى على الأول مثل الانقلابات في الجمهوريات الآن تذهب حكومة كافرة وتأتي حكومة كافرة ما حصل المقصود، يبقى على الأول.

والأمر الخامس: وجود القدرة، أما إذا لم توجد القدرة فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، يبقى الإنسان حتى ييسر الله وحتى يفتح الله.

فهذه خمسة شروط إذا وجدت جاز الخروج على ولي الأمر، فاعلموها جيدا، لا يجوز الخروج على ولي الأمر بالفسق، ولا بالمعصية، ولا بالظلم ولا بالجور، بل لا بد من الشروط الخمسة.

يقول المؤلف رحمه الله: (عليهم ما حملوا)، يدعون إلى الحق، إذا قصروا يؤمرون به وينبهون عليه، فعليهم ما حملوا وعلى رعاياهم ما حملوا من السمع والطاعة لهم.

أنت تؤدي كما في الحديث: أدوا الحق الذي عليكم واسألوا الله الذي لكم أنت عليك السمع والطاعة، أما ولي الأمر إذا ما أعطاك الحق فالله هو الذي يحاسبه، اسأل الله حقك.

المتن:

وحدثني إسحاق، عن أحمد بن خالد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن عاصم بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان.

الشرح:

وهذا الحديث سنده ضعيف، فيه ابن إسحاق التجيبي، وفيه ابن وضاح، لكن متن الحديث صحيح أخرجه مسلم في "صحيحه" من طريق عاصم بن محمد، يقول النبي ﷺ: لا يزال هذا الأمر يعني الولاية في قريش ما بقي من الناس اثنان وهذا إذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين.

إذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين يختارون من قريش، أما إذا غالبهم بسيفه وسلطانه وقهرهم ثبتت له الخلافة والولاية، فإذا كان الاختيار للمسلمين اختاروا.

وبعد الخلفاء الراشدين ما ثبتت الولاية بالانتخاب والاختيار أبدًا، من عهد الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا كلهم بالغلبة أو بولاية العهد.

المتن:

ابن أبي شيبة قال: حدثني الفضل بن دكين، عن عبد الله بن مبشر، عن زيد أبي عتاب، قال: قام معاوية على المنبر فقال: قال رسول الله : الناس تبعٌ لقريش في هذا الأمر، خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام.

الشرح:

وهذا الحديث إسناده ضعيف أيضًا كما سبق فيه إسحاق ابن وضاح، ولكن متنه صحيح, الحديث أسنده ابن أبي شيبة في "مصنفه" وأحمد في "مسنده" وابن أبي عاصم كلهم من طرق أبي نعيم الفضل بن دكين، وصححه المحدث الألباني رحمه الله قال: إسناده صحيح ورجاله كلهم ثقاة، وهذا الحديث فيه دليل على أن الخلافة والولاية في قريش.

إذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين ووُجد من تتوفر فيه الشروط ومن يقيم الدين، أما إذا لم يوجد من يقيم الدين في قريش فيختار من غيرهم، وكذلك إذا غلبهم ولي الأمر بسيفه وغلبهم بقوته وسلطانه ثبتت له الخلافة.

المتن:

ابن أبي شيبة قال: وحدثنا شبابة بن مسعور قال: حدثنا شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال سأل يزيد بن سلمة الجعفي رسول الله فقال يا رسول الله: أرأيت لو كانت علينا أمراء يسألون حقهم ويمنعون حقنا فماذا تأمرنا فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه فجذبه الأشعس بن قيس في الثالثة أو الثانية فقال رسول الله: اسمعوا وأطيعوا إنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم.

الشرح:

وهذا الحديث موصول بالإسناد السابق ابن شيبة؛ لأنه حدثنا عن إسحاق، عن أحمد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة في سنده إسحاق التجيبي وابن وضاح، وفيهما كلام عند أهل العلم، ولكن متن الحديث صحيح قد رواه مسلم في "صحيحه" من طريق شعبة عن سماك.

وفيه يقول النبي ﷺ: اسمعوا وأطيعوا إنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم بوجوب السمع والطاعة لولاة الأمور ولو كانوا فساقا، ولو فسقوا ولو عصوا ولو جاروا ولو ظلموا لا يمنع من السمع والطاعة لهم.

لكن إنما السمع والطاعة تكون في المعروف في طاعة الله ورسوله، وفي الأمور المباحة، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، يقول النبي ﷺ: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف.

المتن:

ابن أبي شيبة قال: وحدثنا وكيع، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قلنا: فما تأمر من أدرك منا ذلك، قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم.

الشرح:

وهذا الإسناد موصول بالإسناد السابق فيه إسحاق وفيه ابن وضاح، وفيهما ضعف، قد رواه الشيخان البخاري في "صحيحه" ومسلم في "صحيحه" كلاهما من طرق مرفوعة عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود، وفيه: أن النبي قال: إنها ستكون بعدي أثرة.

ومعنى أثرة: يعني تفضيل، يعني: أن ولاة الأمور يفضلون بعض الناس على بعض في الأعطيات والوظائف وغيرها، وأمور تنكرونها، قلنا: يا رسول الله، فما تأمر من أدرك منا ذلك المنازعون في الأمور نخرج عليهم؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم.

أد الحق الذي عليك من السمع والطاعة في طاعة الله، وفي الأمور المباحة، وأما حقك أنت الذي لك فاسأله الله، فسوف تجده يوم القيامة، تسألون الله الذي لكم.

المتن:

ابن أبي شيبة، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان: أنه سمع أبا رجاء العطاردي يحث عن أنه سمع ابن عباس يروي عن النبي قال: من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنه ليس من أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت، إلا ميتته جاهلية.

الشرح:

وهذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان: أنه سمع أبا عطاء العطاردي: أنه سمع ابن عباس. . الحديث، ولكن متن الحديث ضعيف؛ لأن المؤلف يروي عن طريق والده، ووالده ضعيف فيه إسحاق وفيه ابن وضاح.

يقول النبي في هذا الحديث: من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر يعني مما يخالف الشرع رأى من أميره شيئًا يكرهه رأى منه ظلم عدم العدل في توزيع المال ظلم بعض الناس وما أشبه ذلك.

من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر ما قال: اخرجوا عليه! قال له: اصبر وتحمل، ثم قال النبي ﷺ: فإنه ليس من أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلا ميتة جاهلية هذا وعيد شديد يدل على أنه من الكبائر، الخروج على ولاة الأمر من الكبائر، توعد بأن موتته موتته جاهلية.

ظاهره: أنه على الكفر؛ لأن الجاهلية يعني مات على الكفر، لكن ليس المراد الكفر، المراد أنه فعل كبيرة من كبائر الذنوب، دل على أن الذي يخرج على ولاة الأمور مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

ولو كان ولي الأمر فاسق، ولو كان عاصي، ولو كان ظالم ما يوجب الخروج، لماذا؟ لأن فسقه وجوره وظلمه هذه مفسدة صحيح، لكن الخروج عليه يؤدي إلى مفسدة أكبر.

أيهما أعظم كون ولي الأمر على فسقه وظلمه وكونه لا يوزع المال وكونه كذا وكذا ويضرب بعض الناس، أم الخروج عليه؟ الذي يؤدي إلى إراقة الدماء واختلال الأمن واختلال أحوال الناس والاقتصاد والمعيشة والزراعة والتجارة وتربص الأعداء الدوائر وجود إراقة الدماء والفتن، وما يحصل بين الناس من إراقة الدماء والتحزبات التي تنتج عنها فتن تأتي على الأخضر واليابس؟!.

أيهما أعظم أيهما أشد؟ لا شك أن الصبر على جوره وظلمه مفسدة صغرى، والشريعة جاءت بدرء المفاسد وتقليلها، وإذا اجتمعت مفسدتان مفسدة صغرى ومفسدة كبرى لا يمكن درؤهما ترتكب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى، وأدلة هذا من الشرع كثيرة وليس هذا مجال بسطها.

قواعد الشريعة التي تدل على ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما أدلته كثيرة: ومن ذلك هذا كون ولي الأمر يكون عنده فسق أو جور هذه مفسدة صغرى، لكن الخروج يعد مفسدة كبرى؛ لأنه إذا خرج عليه بعض الناس وولي الأمر عنده جيش لا بد سيحصل قتال وتراق الدماء، واختلال الأمن، واختلال الاقتصاد، والمعيشة، والتعليم، والاجتماع، والاقتصاد، وتتربص بهم الدوائر.

ويكون الناس شيعًا وأحزابًا وفرقًا يتناحرون ويتطاعنون وتتدخل الأعداء والدول الأجنبية إلى غير ذلك من المفاسد كلها بسبب الخروج.

أما كونه ظالما كونه عنده فسق هذه مفسدة صحيح يمكن معالجتها من أهل الحل والعقد، ومن قبل ولاة الأمور تبذل لهم النصيحة، فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا فقد أدى الناس ما عليهم، والله هو الذي يحاسبهم .

المتن:

وحدثني وهب، عن ابن وضاح، عن الصمادحي، عن ابن مهدي، قال: حدثنا أبان بن أبي يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام: أنه حدثه: أن أبا سلام حدثه: أن الحارث الأشعري حدثه: أن رسول الله قال: وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فمن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع الإسلام من رأسه، إلا أن يرجع، ومن دعا دعوى جاهلية فإنه من جثى جهنم، فقال رجل: وإن صام وصلى، قال: وإن صام وصلى، تداعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله.

الشرح:

الحديث متنه صحيح وسنده ضعيف كما سبق، فيه ابن وضاح، والحديث أخرجه الترمذي في جامعه، وقال: حسن صحيح غريب، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة والحديث متنه صحيح، وفيه أن النبي قال: آمركم بخمس أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة، يعني لولاة الأمور والهجرة، والجهاد.

ثم قال النبي ﷺ: فمن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع الإسلام من رأسه، إلا أن يرجع هذا يدل على أنه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، ومن دعا دعوى جاهلية فإنه من جثى جهنم يدعو إلى العصبية! يدعو إلى العروبة! يدعو إلى الاشتراكية! حتى لو دعا مثلا الأنصاري إلى الأنصار، والمهاجري إلى الهجرة، كما حصل بين شباب الأنصار وبعض شباب المهاجرين في بعض الغزوات، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجر: يا للمهاجر، فقال النبي ﷺ دعوها فإنها منتنة  تحزبات، هذا أنصاري وهذا مهاجري، كلكم مسلمون، ما تدعون بدعوى الجاهلية.

كذلك دعوى العروبة، أو دعوى الاشتراكية والقومية، ولهذا قال النبي ﷺ: تداعوا بدعوى الله الذي سماكم المؤمنين عباد الله.

المتن:

ابن مهدي قال: حدثنا إسرائيل بن يونس، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: أخذ عمر بيدي فقال: يا أبا أمية، إني لا ادري لعلنا لا نلتقي بعد يومنا هذا، اتق الله ربك إلى يوم تلقاه كأنك تراه، وأطع الإمام وإن كان عبدا حبشيا مُجدعا، إن ضربك فاصبر، وإن أهانك فاصبر، وإن أمرك بأمر ينقص دينك فقل: طاعة دمي دون ديني، ولا تفارق الجماعة.

الشرح:

وهذا الأثر عن عمر صحيح، لكن سنده فيه ضعف؛ لأن عمر من طريق والد المؤلف فيه ابن وضاح متكلم فيه، وفيه أن سويد بن غفلة التابعي قال: أخذ عمر بيدي فقال: يا أبا أمية كنية سويد ابن غفلة: إني لا أدري لعلنا لا نلتقي بعد اليوم، اتق الله إلى يوم تلقاه، وأطع الإمام وإن كان عبدا حبشيًا مجدعًا.

يعني: أطع إمامك، يعني: في طاعة الله وفي الأمور المباحة، وإن كان عبدًا حبشيًا من الحبشة، مجدعًا: يعني مقطع الأطراف قطعت أصابعه أو قطع أنفه أو أذنه، هذا المجدع، وهذا مثل قول النبي أخذه عمر من قول النبي ﷺ: اسمع وأطع، وإن كان عبدًا حبشيًا مجدع الأطراف، مقطعة يديه ورجليه وأنفه وأذنيه، يجب السمع والطاعة لولي الأمر إذا غلب الناس سلطانه يجب السمع والطاعة.

ولذا قال: فإن ضربك فاصبر، وإن أهانك فاصبر، حتى لو ضربك أو سجنك أو أخذ مالك بغير حق، لا بد أن تصبر ولا تخرج عليه؛ لأن هذا مفسدة صغرى، والخروج عليه يؤدي إلى مفاسد عظيمة.

لكن إن أمرك بأمر ينقض دينك فقل: طاعة دمي دون ديني، ولا تفارق الجماعة، إن أمرك بأمر أضر على دينك في معصية فلا تطعه في معصية، ولكن لا تخرج عليه، وإن أمرك بالزنا أو بالسرقة أو غير ذلك، قل له: لا، ما أطيعك، لكن لا تخرج عليه ولا تقاتله، لا تفارق الجماعة، لكن لا تطيعه في المعصية.

المتن:

ابن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، قال: لما بويع ليزيد بن معاوية ذُكر ذلك لابن عمر، فقال: إن كان خيرًا رضينًا، وإن كان شرًا صبرنا.

الشرح:

وهذا الأثر أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه من طريق وكيع بن أبي سفيان، وفي سنده ابن وضاح، وهذا من فعل ابن عمر الصحابي الجليل لما بويع يزيد بن معاوية، انتقده بعض الناس، فسئل ابن عمر الصحابي الجليل فقال: إن كان خيرًا رضينا، وإن كان شرًا صبرنا: ما نخرج على ولي الأمر، هذا مذهب أهل السنة والجماعة.

المتن:

باب في الصلاة خلف الولاة

قال محمد: ومن قول أهل السنة: أن صلاة الجمعة والعيدين وعرفة مع كل أمير بر أو فاجر من السنة والحق، وأن من صلى معهم ثم أعادها فقد خرج من جماعة من مضى من صالح سلف هذه الأمة.

وذلك أن الله تبارك وتعالى قال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ[الجمعة/9] .

وقد علم جل ثناؤه حين افترض عليهم السعي إليها وإجابة النداء لها أنه يصليها بهم من مجرمي الولاة وفساقها مَن لم يجهله، فلم يكن ليفترض على عباده السعي إلى ما لا يجزيهم شهوده، ويجب عليهم إعادته وقضاتهم وحكامهم ومن استخلفوه على الصلاة، والصلاة وراءهم جائزة.

الشرح:

هذا الباب الثامن والثلاثون في الصلاة خلف الولاة، يعنى: ولاة الأمور، يعني: الجمعة والجماعة، ومعتقد أهل السنة والجماعة أنها تصلى خلف الإمام ولو كان فاسقًا.

كان خلفاء بني أمية ومن بعدهم خلفاء بني العباس كانوا هم الذين يتولون إمامة الجمعة وإمامة العيدين، والإمامة في الحج في عرفة، وكان بعضهم فساق، والناس يصلون خلفهم.

هذا مذهب أهل السنة والجماعة، أي جماعة ولا تُعاد، ومن قال: إنها تعاد فقد ابتدع وخالف أهل السنة والجماعة، فالصلاة خلفهم صحيحة، ولهذا ذكر العلماء في عقائدهم ذلك.

ذكر الإسماعيلي في "اعتقاد أئمة الحديث" قال: ويرون صلاة الجمعة وغيرها خلف كل إمام مسلم برًا كان أو فاجرًا، فإن الله فرض الجمعة وأمر بإتيانها فرضا مطلقًا، مع علمه تعالى بأن القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق، ولم يستثن وقتا دون وقت، ولا أمرا بنداء الجمعة دون آخر.

هنا قال المؤلف رحمه الله محمد هو المؤلف بن أبي زمنين، (ومن قول أهل السنة: أن صلاة الجمعة والعيدين وعرفة)، يعني: في الحج مع كل أمير برًا أو فاجر، هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة يصلون خلف الإمام، إذا صلى بهم ولي الأمر أو الأمير الذي عينه ولي الأمر الجمعة أو العيدين أو في الحج يصلون.

ولو كان فاسقًا فسوقه على نفسه، والصلاة صحيحة، من السنة والحق، وأن من صلى معهم ثم أعادها فقد خرج من الجماعة، بعض الناس يقول: تصلي خلفهم وتعيد الصلاة! هذا بدعة، قد خرج من الجماعة من مضى من صالح سلف هذه الأمة.

يقول: وذلك أن الله تبارك وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة/9] .

فأمر الله بالسعي، وقد علم الله حين افترض عليهم السعي إليها وإجابة النداء لها أنه يصليها بهم من مجرمي الولاة وفساقها من لم يجهله الله.

يعلم أنه سيتولى في المستقبل الفساق الولاية، وأمر بالسعي إليها، والله تعالى لا يفرض على عباده السعي إلى ما لا يجزيهم، ويجب عليهم إعادته، فدل على أنها لا تعاد، والله أمر بأن نأتي إلى الجمعة ويعلم أنه سيتولى إمارة الجمعة فساق، فلو كان لا تجوز الصلاة خلفهم وأنه يجب علينا الإعادة لبينه الله لنا على لسان نبيه، ولم يبينه، فدل على أن الصلاة خلفهم صحيحة، وقضاتهم وحكامهم ومن استخلفوه على الصلاة فالصلاة وراءهم جائزة.

إذا ولى ولي الأمر أمير أو قاضي أو حاكم على الناس وصلى بهم، فالصلاة بهم تكون صحيحة، قال بعض العلماء: إنها تعاد، والصواب: أنها لا تعاد.

المتن:

وحدثني أبي عن سعيد بن فحلون، عن يوسف بن يحيى العناقي، قال عبد الملك رحمه الله أنه قال في تفسير ما جاءت به الآثار: وأن الصلاة جائزة وراء كل بر وفاجر، إنما يراد بذلك الإمام الذي تؤدى إليه الطاعة؛ لأنه لو لم تكن الصلاة وراءه جائزة ووراء من استخلف عليها وخلفائهم لما في ذلك من سفك الدماء واستباحة الحريم وتفتح الفتن.

فالصلاة وراءهم جائزة كالجمعة وغيرها ما صلوا الصلاة لوقتها، ومن عُرف منهم ببعض الأهواء المخالفة للجماعة مثل الإباضية والقدرية فلا بأس بالصلاة خلفه. أيضًا قال عبد الملك رحمه الله: وهو الذي عليه أهل السنة.

الشرح:

وهذا الأثر عن عبد الله بن عبد الملك بن حبيب الأندلسي فيه والد المؤلف متكلم فيه، وفيه سعيد بن فحلون، وعبد الملك بن حبيب الأندلسي أيضًا صدوق ضعيف الحفظ كثير الغلط، لكنه ينقل مذهب أهل السنة والجماعة، والذي نقله حق.

قال في تفسير ما جاءت به الآثار: وأن الصلاة جائزة وراء كل بر وفاجر، يعني: من الأئمة، الصلاة جائزة صحيحة وراء الإمام الذي يصلي بالناس، إمام للمسلمين سواء كان برًا أو فاجرًا، سواء كان مطيعًا أو فاسقًا، وإنما يراد بذلك الإمام الذي تؤدى إليه الطاعة.

يقول: لأنه لو لم تكن الصلاة خلفه جائزة ووراء من استخلف عليها جائزة وخلفائهم جائزة لما في ذلك من سفك الدماء واستباحة الحريم وتفتح الفتن، يعني: لو لم يصل الناس خلفهم بعض الأئمة الذي لا يصلي خلفه يعاقبه؛ لأنه قد تحصل فتن وإراقة دماء.

يقول: فالصلاة وراءهم جائزة وغيرها ما صلوا الصلاة لوقتها: ما داموا يصلون الصلاة لوقتها، فإن أخروا الصلاة عن وقتها فإنك تصلي الصلاة في وقتها، ثم إذا جاءوا تصلي معهم وتكون لك نافلة كما جاء في بعض الأحاديث.

مَن عرف منهم ببعض الأهواء المخالفة، ببعض البدع مثل الإباضية، الإباضية طائفة من الخوارج، والقدرية النفاة الذين يقولون: إن العباد خالقون لأفعالهم، يقول: لا بأس بالصلاة خلفهم، وهذا على القول بأن الإباضية والخوارج مبتدعة، والذي جرى عليه جمهور أكثر الصحابة.

والقول الثاني: وهو روي عن الإمام أحمد أن الإباضية والخوارج كفار ولا تصح الصلاة خلفهم، لكن القول الأول هو المعتمد، والذي عليه الصحابة والجماهير أن الصلاة خلف الإباضية والقدرية جائزة؛ لأنهم مبتدعة، بدعتهم لا توصلهم إلى الكفر، فلهذا تصح الصلاة خلفهم.

فالمبتدعة إذا كانت بدعتهم توصل إلى الكفر فالصلاة لا تصح خلفهم، وإن كانت لا تخرجهم من دائرة الإسلام فالصلاة خلفهم صحيحة، وقال بعض العلماء: تصلى وتعاد، والصواب: أنها لا تعاد.

المتن:

وقد حدثني أسد بن موسى، قال: حدثني علي بن معبد عن خالد بن حيان، عن مكحول، عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال: صلوا خلف كل إمام بر أو فاجر يعني: الولاة.

الشرح:

نعم، وهذا الأثر عن مكحول، وهو ضعيف ومنقطع، أيضًا مكحول لم يثبت أنه سمع الحديث من أصحاب النبي ووردت أخبار في هذا بالصلاة خلف الإمام، كل بر وفاجر، فيها ضعف، لكن معناها صحيح: صلوا خلف كل إمام بر أو فاجر يعني: الولاة.

هذا دلت عليه النصوص، وهو معتقد أهل السنة والجماعة أن يصلى خلف الإمام ولي المسلمين، سواء كان برًا أو فاجرًا ما دام أن فجوره لا يوصله إلى الكفر.

المتن:

أسدٌ قال: حدثنا الربيع بن زيد، عن سوار بن شبيب، قال: حج نجدة الحروري في أصحابه فوادع ابن الزبير، فصلى هذا بالناس يومًا وليلة، وهذا بالناس يوما وليلة، فصلى ابن عمر خلفهما، فاعترضه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، أتصلي خلف نجدة الحروري؟! فقال ابن عمر: إذا نادوا حي على خير العمل أجبنا، وإذا نادوا حي على قتل نفس قلنا: لا، ورفع بها صوته.

الشرح:

وهذا الأثر عن سوار بن شبيب: حج نجدة الحروري: نجدة رئيس فرقة من فرق الخوارج في زمن عبد الله بن الزبير، وكان عبد الله بن الزبير في ذلك الوقت هو الخليفة على الحجاز، بايعه أهل الحجاز، أهل مكة والطائف والمدينة حتى وصل إلى الشام والعراق، فحج نجدة الحروري رئيس طائفة من الطوائف حج بالناس فتصالح مع عبد الله بن الزبير: صار بينه وبينه صلح، فصار عبد الله بن الزبير يصلي بالناس يوم ونجدة الحروري يصلي بالناس يوم في موسم الحج.

يوم يصلي بهم نجدة بالخوراج ويوم يصلي عبد الله بن الزبير، وابن عمر يصلي خلف نجدة الحروري، ويصلي خلف عبد الله بن الزبير، فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن كنية عبد الله بن عمر: كيف تصلي خلف نجدة الحروري وهو من الخوارج؟! فقال ابن عمر: إذا نادوا حي على خير العمل أجبنا، وإذا نادوا: حي على قتل النفوس لا نجيب، يعني: إذا عملوا خيرًا شاركناهم، وإذا عملوا شرًا اجتنبناهم.

وهذا على ما جرى عليه عمل الصحابة من عدم تكفير الخوارج، وأنه يصلى خلفهم، وأما على الرواية الثانية عن أحمد أنهم كفار فلا يصلى خلفهم.

المتن:

وحدثني وهب عن الصمادحي، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، قال: كان كبار أصحاب ابن عبد الله يصلون الجمعة مع المختار ويحتسبون بها.

الشرح:

وهذا الأثر عن سفيان عن الأعمش، قال: كان كبار أصحاب عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل يصلون الجمعة خلف المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان قد تأمر على العراق ثم ادعى النبوة، وهذا قبل ادعاء النبوة، ثم ادعى النبوة بعد ذلك فكانوا يصلون خلفه قبل أن يدعي النبوة، أما بعد أن ادعى النبوة فصار كافرًا، لكن قبل أن يدعي النبوة كان أميرًا.

وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يصلون خلفه؛ لأنه أمير وتأمر عليهم، ولو كان فيه بعض الفسق فهم يصلون خلفه، فدل على صحة الصلاة خلف الفساق، هذا قبل أن يدعي النبوة، ثم ادعى النبوة بعد ذلك المختار بن عبيد الله الثقفي فصار كافرًا، فلا تصح الصلاة خلفه، فهذا قبل ادعاء النبوة.

المتن:

ابن مهدي، عن الحكم بن عطية، قال: سألت الحسن فقلت: رجل من الخوارج يؤمُّنا أنصلي خلفه؟ قال: نعم، قد أم الناس من هو شر منه.

الشرح:

وهذا الأثر عن الحسن، والحسن البصري التابعي الجليل سأل الحكم بن عطية قال: إذا أمنا رجل من الخوارج هل نصلي خلفه؟ فقال: نعم صل خلفه؛ لأنه يرى على ما ذهب إليه الجمهور: أن الخوارج مبتدعة وأنهم متأولون، ولهذا قد أم الناس من هو شر منه.

والقول الثاني: أن الخوارج كفار، والدليل قول النبي ﷺ: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يخرجون من الإسلام ثم لا يعودون إليه.

ذهب بعض العلماء وغيرهم من المعتزلة إلى أنهم كفار، فعلى هذا فلا يصلى خلفه، لكن جمهور الصحابة عاملهم معاملة المسلمين؛ لأنهم متأولون يعملون بالنصوص ولكنهم تأولوا وغلطوا، فيدرأ عنهم والكفر.

المتن:

وحدثني وهب عن ابن وضاح، قال: سألت الحارث بن مسكين: هل ندع الصلاة خلف أهل البدع؟ فقال: أما الجمعة خاصة فلا، وأما غيرها من الصلاة فنعم.

قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن تفسير حديث النبي :خلف كل بر وفاجر قال: الجمعة خاصة، قلت: وإن كان الإمام صاحب بدعة؟ قال: نعم، وإن كان صاحب بدعة؛ لأن الجمعة في مكان واحد ليس توجد في غيره.

الشرح:

نعم الأثر الأول عن ابن وضاح فيه: أنه سأل ابن مسكين: هل ندع الصلاة خلف أهل البدع؟ فقال: أما الجمعة خاصة فلا، وهذا على ما كان عليه في العصور الأولى من عدم تعدد الجمعة في البلد الواحد، هذا في العصور السابقة إلى القرن السادس لا يوجد في البلد إلا جمعة واحدة؛ حتى إن بغداد كانت تسمى دار السلام وحاضرة العالم الإسلامي، وفي عدد كبير من الناس ولا يوجد بها إلا جامع واحد، ولا يرون تعدد الجمعة إلا للضرورة.

ما كان عندهم سيارات ولا شوارع واسعة، وكانت الشوارع ضيقة، والسكن مزدحم جدًا، كانت مقر العلماء بغداد في ذلك الوقت ومع ذلك ما فيه إلا جمعة واحدة، وإذا كان الجمعة ما هي إلا جمعة واحدة، فإذا أمهم فاسق يصلى خلفه؛ لأنه إذا لم تصل خلفه تصلي وحدك فلا يمكن، أما إذا تعددت الجمعة فلا تصل خلفه، صل خلف الإمام العدل.

فالحارث بن مسكين سأله ابن وضاح: هل نصلي خلفهم؟ فقال: أما الجمعة خاصة فلا، لماذا؟ لأنه لا توجد إلا جمعة واحدة على ما كان عليه في عدم تعدد الجمعة، وأما غيرها من الصلاة فنعم.

وكذلك أيضًا كلام يوسف بن عدي لما سأله عن حديث النبي خلف كل بر وفاجر؟ قال: الجمعة خاصة، قلت: وإن كان الإمام صاحب بدعة؟ قال: نعم، وإن كان صاحب بدعة؛ لأن الجمعة في مكان واحد ليس توجد في غيره على ما سبق من عدم تعدد الجمع في البلد في العصور السابقة ما كانوا يعددون الجمعة حتى إن بعض الأحناف يرون أنه لا يجوز تعدد الجمعة في البلد الواحد، قالوا: إذا تعددت فالصلاة الأولى هي الصحيحة والباقي باطلة، ولهذا تجد بعض الأحناف إذا صلى الجمعة يقيم يصلي ظهرا أربعة، وهذا باطل، لكن هذا مذهبهم.

فالمقصود: أن تعدد الجمعة لا يجوز إلا للضرورة وللحاجة الملحة في البلد الواحد، ولهذا كان في العصور السابقة لا يوجد إلا جامع واحد في كل بلد ولو كثروا، فلهذا قال العلماء: إن الجمعة تصلى خلف الإمام ولو كان فاسقا؛ لأنها لا تتعدد، أما إذا وجد عدد من الجوامع فلا يصلى خلفه، إذا وجد بعض الجوامع فيه فاسق فلا يصلى خلفه، يصلى خلف العادل نعم.

المتن:

باب دفع الزكاة إلى الولاة

قال محمد: ومن قول أهل السنة أن دفع الصدقات إلى الولاة جائز وأن الله قد جعل ذلك إليهم في قوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[النساء/58] . وفي قوله لنبيه : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم[التوبة/103] .

الشرح:

نعم، هذا الباب في دفع الزكاة إلى ولاة الأمور، ودفع الزكاة إلى ولاة الأمور هذا من عقيدة أهل السنة والجماعة، ولهذا قال أبو حاتم وأبو زرعة: ودفع الزكاة والصدقات من السوائم إلى ولي الأمر من أئمة المسلمين.

قال محمد وهو المؤلف: (ومن قول أهل السنة أن دفع الصدقات إلى الولاة جائز)، إذا كان عندك زكاة تطلعها لولي الأمر وتدفع إليه؛ لأن الله قد جعل ذلك إليهم في قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء/58] .

وفي قوله لنبيه: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة/103] . هذا أمر النبي والولاة من بعده يقومون مقامه.

المتن:

وحدثني وهب، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، قال: حدثنا محمد بن أبي إسماعيل، عن عبد الرحمن بن مالك القرشي، عن جابر قال: جاء الأعراب إلى رسول الله وقالوا: يا رسول الله، إن المصدقين يظلموننا يعني: العمال على الصدقة فقال: أرضوا مصدقيكم وإن ظلموا.

قال جابر: فما منعت مصدقا منذ سمعت رسول الله يقول هذا.

الشرح:

نعم وهذا الحديث خرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من طريق محمد بن أبي إسماعيل، عن عبد الرحمن بن هلال، ولكن سنده ضعيف فيه ابن وضاح، كما سبق، والحديث ثابت وفيه: أن النبي أمر بدفع الصدقة للولاة، ولما قالوا: يا رسول الله، هم يظلموننا أي: العمال الذين ترسلهم ليأخذوا الصدقة قال: أرضوا مصدقيكم ولو ظلموا.

ادفع إليهم ولو ظلموا، إذا دفعت برئت الذمة، فدل على أن السنة دفع الزكاة إلى ولي الأمر، إذا طلبها تدفع إليه.

المتن:

وهبٌ عن عبد الله بن يحيى، عن أبيه عن الليث بن سعد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه أنه سأل عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبا سعيد الخدري عن الزكاة أينفذها على ما أمر الله أو يدفعها إلى الولاة؟ قال: بل يدفعها إلى الولاة.

الشرح:

نعم، وهذا الأثر مروي عن عدد من الصحابة، سئل عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري عن الزكاة: هل تعطى لولي الأمر أو يدفعها هو بنفسه يخرجها؟ فقال: بل يدفعها إلى ولاة الأمر خصوصًا إذا طلبوها.

إذا طلبها ولي الأمر تدفع إليهم، أما إذا لم يطلبها فتخرجها أنت، لكن إذا طلبها تدفعها إليه والإثم عليه، برئت ذمتك.

المتن:

وحدثني أبي، عن ابن فحلون، عن العناقي، عن عبد الملك، قال: حدثنا أسد بن موسى، عن الحسن بن دينار، عن محمد بن سيرين، أنه قال: كانت الزكاة من الفاجر وغيره تدفع إلى رسول الله وإلى من استعمل، وإلى أبي بكر وإلى من استعمل، وإلى عمر وإلى من استعمله، وإلى عثمان وإلى من استعمله، فلما كان معاوية ومن بعده اختلف الناس فمنهم من دفعها ومنهم من تصدق بها.

الشرح:

هذا من كلام ابن سيرين محمد بن سيرين وهو تابعي، والأثر هذا في سنده ضعف، فيه والد المؤلف، وابن فحلون الأندلسي، كلهم فيهم كلام، لكن ما ذكر صحيح.

يقول محمد بن سيرين: كانت الزكاة من الفاجر وغيره تدفع إلى رسول الله في عهده وإلى من استعمله من العمال، وكانت في عهد أبي بكر وتدفع الزكاة إليه وإلى من استعمله، وفي عهد عمر وفي عهد عثمان، ثم بعد ذلك في عهد معاوية، فاختلف الناس، بعضهم دفعها وبعضهم لم يدفعها.

والصواب: دفعها، يجب دفعها إلى ولي الأمر إلى يوم القيامة، ولاة الأمور تدفع لهم الزكاة إذا طلبوها.

المتن:

قال عبد الملك: وحدثني مطرف عن مالك أنه قال: إذا كان الإمام عدلًا لم ينبغ للناس أن يتولوا تفرقة زكاتهم، ويجب عليهم دفعها إلى الإمام.

قال عبد الملك: فإذا كان الولاة لا يعدلون في الصدقات، فقد كان مالك وأصحابه وغيرهم من أهل العلم يأمرون بأن من تستحق عليهم وأن يحال للسلامة من دفع ذلك إليهم وإن خافوا منهم عقوبة فليدفعوها إليهم وعليهم الإثم ما عملوا فيها، وهي تجزئ عمن أخذوها منه.

الشرح:

وهذا الكلام من كلام عبد الملك بن حبيب الأندلسي، وهو ضعيف فيه والد ابن أبي زمنين وابن فحلون، وفيه عبد الملك بن حبيب الأندلسي لكن كلامه صحيح، وهو يروي عن مالك بن أنس.

يقول الإمام مالك رحمه الله: إذا كان الإمام العدل فلا ينبغي أن يتولى الإنسان تفرقة زكاته بنفسه، ويجب عليه الدفع إلى الإمام.

قال عبد الملك: أما إذا كان الولاة لا يعدلون في الصدقات فأنت فرقها إلا إذا خفت من العقوبة من ولاة الأمور، فادفعها إليهم وعليهم الإثم.

فإذًا الإمام مالك يقول: إذا كان الإمام يعدل ادفع الزكاة إليهم، قال عبد الملك: إذا كان ولي الأمر لا يعدل في الصدقات فادفعها أنت بنفسك، إلا إذا خفت العقوبة وطلبها منك فادفع إليه تبرأ ذمتك ويكون الإثم عليه، هذا معنى الكلام.

المتن:

باب في الحج والجهاد مع الولاة

قال محمد: ومن قول أهل السنة أن الحج والجهاد مع كل بر أو فاجر من السنة والحق، وقد فرض الله الحج فقال: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين [آل عمران/97] .

وأعلمنا بفضل الجهاد في غير موضع من كتابه، وقد علم أحوال الولاة الذين لا يقوم الحج والجهاد إلا بهم، فلم يشترط ولم يبين، وما كان ربك نسيًا.

الشرح:

هذا الباب الأربعون من أبواب الكتاب في الحج والجهاد مع ولاة الأمور، والحج والجهاد مع ولاة الأمور هو قول أهل السنة والجماعة، يرون جهاد الكفار مع ولاة الأمور وإن كانوا جورة وإن كانوا ظلمة، ويرون الدعاء لهم بالصلاح والمعافاة، ويرون الحج معهم، فإذا كان ولي الأمر ولو كان فاجرًا أو ظالمًا ثم أقام الحج وأمّر عليهم أمير يحجون معه وإذا أقام الجهاد وعقد سرية وأمّر عليهم أمير يجاهد معه ولو كان فاسقًا.

فهذا فيه مصلحة فيه قتال الكفار، وفيه نصر الإسلام والمسلمين، أما كون الإمام ظالمًا أو فاسقًا أو جائرًا، ظلمه وفسقه وجوره على نفسه لكن لنا مصلحة في إقامة الجهاد وإقامة الحج.

قال محمد المؤلف: (ومن قول أهل السنة الجهاد مع كل بر أو فاجر من السنة)، يعني: مع كل إمام سواء كان بارا أو فاجرا، الفاجر: يعني فاسقا أو ظالما، ليس المراد أنه كافر، إذا كان ولي الأمر فاجرًا، يعني: فاسقًا أو ظالمًا وعاصي نحج معه ونجاهد معه، فجوره وظلمه وفسوقه على نفسه، ما يضر لكن إقامة الحج وإقامة الجهاد فيه مصالح عظيمة.

يقول المؤلف: وقد فرض الله الحج فقال:  فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران/97] .

وأعلمنا بفضل الجهاد في غير موضع من كتابه، والله تعالى قد علم أنه سيتولى ولاة فسقة، قد علم أحوال الولاة الذين لا يقوم الحج والجهاد إلا بهم فلم يشترط ولم يبين الله تعالى فرض علينا الحج، وفرض علينا الجهاد، وهو يعلم أنه سيكون في المستقبل ولاة فسقة، ولم يأمرنا بألا نجاهد معهم، وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم/64] .

فدل على وجوب الحج والجهاد معهم.

المتن:

وحدثني إسحاق، عن ابن خالد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي نشبة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله وذكر حديثا فيه: أن الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.

الشرح:

الحديث متنه صحيح وسنده ضعيف، فيه إسحاق، وفيه ابن وضاح، وفيه يزيد بن أبي نشبة كلهم فيهم كلام، والحديث أخرجه سعيد بن منصور في سننه وأخرجه المزي في "تهذيب الكمال".

والحديث متنه صحيح وإن كان السند ضعيف، وفيه: أن النبي قال: الجهاد ماض إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل إذن الحج يمضى والجهاد يمضى مع ولي الأمر ولو كان فاجرًا، حتى يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، ولو كان الإمام ظالما ولو كان فاجرا يجاهد معه؛ لأن الجهاد فيه مصلحة، فيه عز الإسلام والمسلمين، وأما كون ولي الأمر فاجرًا أو ظالما فجوره على نفسه لا يضر الناس.

المتن:

وحدثني أبي، عن ابن فحلون، عن العناقي، عن عبد الملك بن حبيب، أنه قال: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالجهاد مع الولاة وإن لم يضعوا الخمس موضعه، وإن لم يوفوا بعهد إن عاهدوا، ولو عملوا ما عملوا، ولو جاز للناس ترك الغزو معهم بسوء حالهم لاستذل الإسلام، وتخفيت أطرافه، واستبيح حريمه، ولعلا الشرك وأهله.

الشرح:

وهذا الأثر من كلام عبد الملك بن حبيب الأندلسي، وهو كلام صحيح موافق لمعتقد أهل السنة والجماعة، وإن كان السند فيه ضعف، فيه والد المؤلف، وفيه ابن فحلون، لكن عبد الملك بن حبيب يقول: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالجهاد مع الولاة معونة ولو كانوا فساقًا، وإن لم يضعوا الخمس موضعه.

الخمس: الذي يؤخذ من الغنيمة، يقسم خمسة أخماس: خمس لله وللرسول، وخمس لقرابة الرسول، وخمس لليتامى، وخمس لابن السبيل.

يقول جاهد معهم ولو ما وزعوا الخمس كما ورد في الشرع، وإن لم يوفوا بالعهد إذا عاهدوا، ولو عملوا ما عملوا من فسق، فإن الناس يجاهدون معهم، لماذا؟.

يقول: لأن الجهاد فيه مصلحة، فيه عز الإسلام والمسلمين، ولو جاز للناس ترك الغزو معهم لسوء حالهم لاستذل الإسلام، وصار الإسلام أذل، يستذل المسلمون يتسلط عليهم الأعداء ويذلونهم، وتخفيت أطرافه، يأخذون بعض أطراف المملكة الإسلامية، وتستباح حرمات المسلمين، ويعلو الشرك وأهله.

هذا إذا ترك الجهاد، فلا نترك الجهاد لكون ولي الأمر فاجرًا، ما يضرنا فجوره فلنقاتل معه؛ لأن الجهاد معه فيه مصلحة عظيمة، ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا وتسلط الأعداء وانتهبوا وتسلطوا على المسلمين، وانتهكوا حرمات المسلمين وعلا الشرك وأهله وأذلوا المسلمين، فالجهاد أمره عظيم، ولهذا فإن المسلمين يجاهدون مع ولي الأمر ولو كان فاجرًا.

المتن:

وقال عبد الملك، وقد حدثنا أسد بن موسى، عن بقية بن الوليد عن الزبيدي، عن عبيد الله بن عبد الله، أن رسول الله قال: سيكون بعدي أناس يشكّون في الجهاد، للمجاهد يومئذ مثل ما للمجاهد معي اليوم.

الشرح:

وهذا الأثر من كلام عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. سنده ضعيف، وهو مرسل، فيه والد أبي زمنين، وفيه ابن سحنون، وفيه عبد الملك، وفيه بقية بن الوليد الحمصي، ثم هو مرسل من مراسيل عبد الله بن عتبة بن مسعود، لكنه أثر صحيح.

يقول: سيكون بعدى أناس يشكون في الجهاد، للمجاهد يومئذ مثل ما للمجاهد معه اليوم، أما مسألة الجهاد مع ولي الأمر فهذا دلت عليه النصوص، ولا شك فيه ولكن كونه يكون للمجاهد مثل ما للمجاهد من الصحابة هذا فيه نظر ويحتاج إلى دليل صحيح.

المتن:

أسد عن مغيرة قال: سُئل إبراهيم النخعي عن الجهاد مع هؤلاء الولاة؟ فقال: إن هي إلا نزعة شيطان، نزع بها يثبطكم عن جهادكم، فقيل لهم: إنهم لا يدعون، فقال: قد علمت الديلم والروم على ما يقاتلون.

الشرح:

وهذا الأثر موصول بالإسناد السابق، وهو من قول إبراهيم النخعي، وفيه ضعف كما سبق، فيه والد المؤلف، وفيه ابن وضاح، وفيه عبد الملك، وفيه أيضًا المغيرة بن مقسم الضبي، ولكن معناه صحيح.

يقول إبراهيم النخعي: سئل عن الجهاد مع الولاة أي ولاة الجور والظلم فقال: إن هي إلا نزعة شيطان نزع بها يُثبطكم عن جهادكم يعنى: إن بعض الناس يقول: لا جهاد مع ولي الأمر، فهو فاسق أو ظالم.

يقول: فهذه نزعة شيطان يريد أن يصدكم عن الجهاد، فقيل له: إنهم لا يدعون إلى الولاة، فقال: قد علمت الديلم والروم على ما يقاتلون. أي: يقاتلون على الإسلام، فما داموا يقاتلون الكفار على الإسلام فلنقاتل معهم، ولا نترك الجهاد معهم.

المتن:

قال عبد الملك: وحدثني الطلحي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن رسول الله قال: لا يزال الجهاد حلوًا خضرًا ما مطّر القطر من السماء، وسيأتي على الناس زمان يقول فيه قراء منهم: ليس هذا بزمان جهاد، فمن أدرك ذلك فنعم زمان الجهاد، قالوا: يا رسول الله، وأحد يقول ذلك؟ فقال: نعم، من عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

قال عبد الملك: وهذا قول مالك، ورأي جميع أصحابه لا يرون بالغزو معهم بأسًا.

الشرح:

نعم، وهذا الأثر مرسل من مراسيل زيد بن أسلم، ومراسيله ضعيفة، وسنده ضعيف أيضًا فيه ضعفاء كما سبق وفيه أيضًا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بن العدوي وهو ضعيف، ولكن المعنى صحيح، وهو: لا يزال الجهاد حلوًا خضرًا ما مطّر القطر من السماء أي: إنه لا يزال الجهاد ماضٍ مع ولاة الأمور حتى تقوم الساعة.

ويقول: سيأتي على الناس زمان يقول بعض القراء: ليس هذا بزمان جهاد، فمن أدرك ذلك منكم فنعم زمان الجهاد المعنى: أي استمروا على الجهاد مع ولاة الأمور.

فقالوا: يا رسول الله، وأحدٌ يقول ذلك؟ فقال: نعم، مَن عليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين.

وهذا الحديث ضعيف لا يعول عليه. لكن ما دل عليه من أن الجهاد مع ولاة الأمور مشروع هذا دلت عليه النصوص.

قال عبد الملك: وهذا قول مالك ورأي جميع أصحابه لا يرون في الغزو معهم، أي: مع ولاة الأمور بأسًا.

صدق، هذا قول أهل السنة والجماعة، أي: لا يرون بالغزو مع ولاة الأمور والجهاد معهم بأسًا؛ لأنهم مسلمون، ولأنهم يقاتلون الكفار لإعلاء كلمة الله.

المتن:

وحدثني وهب عن ابن وضاح عن زهير بن عباد قال: كان من أدركت من المشايخ مالك وسفيان والفضيل بن عياض وابن المبارك ووكيع وغيرهم كانوا يحجون مع كل خليفة.

الشرح:

وهذا الأثر عن زهير بن عباد فيه ابن وضاح ضعيف، ولكن معناه صحيح، يقول: كل من أدركت من المشايخ مالك بن أنس الإمام الجليل، سفيان بن عيينة، سفيان الثوري أيضًا، والفضيل بن عياض، وابن المبارك، ووكيع، وكلهم أئمة كانوا يحجون مع كل خليفة، يحجون مع كل أمير أو خليفة للمسلمين سواء كان برًّا أو فاجرًا.

وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، يحجون مع ولي الأمر، إذا أقام لهم أميرًا في الحج يحجون معه ويجاهدون معه، ولا يخرجون عليه ما دام أنه مسلم لم يخرج من دائرة الإسلام، ولا يجوز الخروج عليه إلا إذا وجدت الشروط الخمسة التي سمعتم:

أن يفعل كفرًا، وأن يكون واضحًا لا لبس فيه، وأن يكون دليل صريح واضح، وأن يوجد البديل المسلم، وأن توجد القدرة والاستطاعة.

وفق الله الجميع على طاعته، وثبت الله الجميع، وصلى الله على محمد وسلم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد