بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
المتن:
قال رحمه الله تعالى:
باب: اَلنَّهْيِ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ اَلسُّنَّةِ يَعِيبُونَ أَهْلَ اَلْأَهْوَاءِ اَلْمُضِلَّةِ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَيُخَوِّفُونَ فِتْنَتَهُمْ وَيُخْبِرُونَ بِخَلَاقِهِمْ، وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ غِيبَةً لَهُمْ وَلَا طَعْنًا عَلَيْهِمْ.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
هذا الباب الحادي والأربعين في النهي عن مجالسة أهل الأهواء, والمراد بأهل الأهواء: أهل البدع يُقال لهم: أهل الأهواء؛ لأنهم يعملون بأهوائهم وآرائهم ويخالفون النصوص ولهذا سموا أهل الأهواء, بخلاف أهل السنة والجماعة فإنهم أهل السنة, أما أهل البدع أهل أهواء يتبعون أهوائهم: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ[القصص/50].
(قَالَ مُحَمَّدٌ) وهو المؤلف رحمه الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين يقول: وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ اَلسُّنَّةِ يَعِيبُونَ أَهْلَ اَلْأَهْوَاءِ اَلْمُضِلَّةِ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَيُخَوِّفُونَ فِتْنَتَهُمْ وَيُخْبِرُونَ بِخَلَاقِهِمْ، وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ غِيبَةً لَهُمْ وَلَا طَعْنًا عَلَيْهِمْ.
يعني أهل السنة والجماعة لا يزالون يعيبون أهل البدع ويحذرون من بدعهم ويُنكرون عليهم بدعهم وينهون الناس عن مجالستهم لئلا يضروهم ويفتنوهم عن دينهم ويخوفونهم فتنتهم, ويخبرون بخلاقهم وأن صفاتهم وأخلاقهم تخالف شرع الله ولا يرون ذلك غيبة لهم حتى ولو كان ذلك في غيبتهم ولو طعنًا عليهم, لماذا؟ لأن فيه مصلحة وهو التحذير من بدعتهم أحياءًا كانوا أو أمواتًا.
فقول النبي ﷺ: لَا تسبوا الْأَمْوَات، فَإِنَّهُم قد أفضوا إِلَى مَا قدمُوا استثنى من هذا: إذا كان مبتدع, إذا كان مبتدع فإن الناس يُحذرون من بدعته ولو كان في ذلك عيبًا له؛ لأن فيه مصلحة للأحياء, أما إذا لم يكن مبتدع فلا يُسب الميت لقول النبي ﷺ: لَا تسبوا الْأَمْوَات، فَإِنَّهُم قد أفضوا إِلَى مَا قدمُوا أما إذا كان مبتدع فيُحذر الناس من بدعته, وليس هذا غيبة, هذا نصيحة سواءً كان حيًا أو ميتًا.
ولم يزل أهل العلم يحذرون من بدع أهل البدع في مؤلفاتهم ومن ذلك قول البربهاري رحمه الله: إياك والنظر في الكلام والجلوس إلى أصحاب الكلام, وعليك بالآثار وأهل الآثار وإياهم فاسأل ومعهم فاجلس ومنهم فاقتبس, ثم قال: واحذر أن تجلس مع من يدعو إلى الشوق والمحبة ومن أهل الصوفية ومن يخلو مع النساء يفارق المذهب فإن هؤلاء كلهم على الضلالة.
وبوب ابن بطة في "الإبانة الكبرى" باب التحذير من صحبة قومٍ يُمرضون القلوب ويُفسدون الإيمان, فأهل السنة لم يزالوا يحذروا من أهل البدع ومجالستهم وعن الأخذ عنهم وعن الإصغاء إليهم, وعن إتباع جنائزهم أو عيادة مريضهم؛ لأنهم يُمرضون القلوب ولأن الجليس يؤثر على جليسه والجليس الصالح ينضح على جليسه والجليس السوء ينضح على جليسه, كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: مثل الجليس الصَّالح وجليس السوء كحامل الْمسك ونافخ الْكِير، فحامل الْمسك إِمَّا أَن يحذيك، وَإِمَّا أَن تبْتَاع مِنْهُ، وَإِمَّا أَن تَجِد مِنْهُ ريحًا طيبَة يعني أنت مستفيد على كل حال.
كذلك الجليس الصالح إما أن يرغبك في الخير أو يحذرك عن الشر, ونافخ الْكِير إِمَّا أَن يحرق ثِيَابك، وَإِمَّا أَن تَجِد ريحًا خبيثة فأنت متضرر على كل حال, فهذا الجليس السوء إما أن يزهدك في الخير وإما أن يرغبك في الشر فأنت متضرر على كل حال.
المتن:
وَقَدْ حَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ الصُّمَادِحِيِّ عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ اِبْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ تَلَا هَذِهِ اَلْآيَةَ: هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ اَلْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَاحْذَرُوهُمْ.
الشرح:
هذا الحديث صحيح أخرجه الشيخان في البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق عبد الله بن يسلم عن يزيد بن إبراهيم عن ابن مُليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها, لكن سند المؤلف رحمه الله ضعيف هنا؛ لأن فيه ابن وضاح على عادته وإلا فالحديث رواه الشيخان, والحديث فيه التحذير من الذين يتبعون المتشابه, قالت: أن النبي ﷺ تَلَا هَذِهِ اَلْآيَةَ: هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ[آل عمران/7]).
ثُمَّ قَالَ النبي ﷺ: إِذَا رَأَيْتُمْ اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَاحْذَرُوهُمْ.
واللفظ الآخر: وأولئك الذين سمى الله فاحذروهم يعني سماهم الله سماهم الله: فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران/7]).
وهذا أصل أهل البدع أهل البدع يأخذون بالنصوص المتشابهة ويتركون النصوص المحكمة الواضحة, وقد مثلت لكم في أول هذه الدروس بالنصوص المتشابهة التي يتعلق بها أهل البدع ويتركون النصوص المحكمة, أهل الحق يردون المتشابه إلى المحكم ويفسرون النصوص المتشابهة بالنصوص المحكمة فيتضح معناه, والباطن بالعكس يأخذون النصوص المتشابهة ويردون المحكمة, ذكرت لكم مثال الذين يقولون بالسفور الآن ويأمرون الناس بسفور المرأة وعدم تحجبها, يقولون: عندنا دليل، ما هو دليلكم؟ دليل الخثعمية, الخثعمية في حجة الوداع جاءت إلى النبي ﷺ وجعل ينظر إليها وتنظر إليه فصرف النبي ﷺ وجهه, فقالوا: هذا دليل على أنها سافرة والنبي ﷺ تركها.
طيب ما عندكم إلا الدليل هذا, طيب النصوص الواضحة أين هي؟ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب/53]. هذا يتركونه ما يناسبهم, يقولون فيه زيغ حديث عائشة قال: فخمرت وجهي بجلبابي وكانوا يعرفوني قبل الحجاب هذا يضربونه عرض الحائط ما يناسبهم, ما يناسبهم إلا المتشابه حديث الخثعمية هذا دليل على جواز سفور المرأة.
هذه طريقة أهل الزيغ يأخذ بالنصوص المتشابهة ويترك النصوص المحكمة, في العقيدة مثلًا أهل الزيغ يأخذون بنصوص المعية: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [الحديد/4] قالوا: هذه يعني أن الله مختلط بالمخلوقات وأنه في كل مكان وفي بطون السباع وأجنحة الطيور, لماذا؟: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ[الحديد/4].
بل نصوص العلو أكثر من ثلاثة آلاف دليل: ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ( ألأعراف/54)، الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ[طه/5], يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ النحل / 50، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[الشورى/4], سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى[الأعلى/1].
أين الله؟ في السماء قالت: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ [الملك/16], إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر/10], تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[الزمر/1].
هذه يضربون بها عرض الحائط، يربطونها بعضها ببعض، يتعلق بنص ويترك النصوص الأخرى ما يجمع بينهما, يقول: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ[الحديد/4] هذا دليل على أن له صفات المخلوقات, طيب ونصوص العلو الذي حكت عنها الأسانيد؟ ما يأخذون بها وما تناسبهم؛ لأن في قلوبهم زيغ, أما أهل الحق يجمعون بين النصوص جمعًا معقولًا يأخذون النصوص من الجانبين, مثلًا مثل الذي يقرأ: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ[الماعون/4] ويسكت، يقول: المصليين لهم الويل, المصلين متوعدين بالويل ولهم العذاب, طيب كمل الآية: الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون/5] لا, ما يكمل الآية, نسأل الله السلامة والعافية.
المتن:
وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ أَبِي غَالِبٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي أُمَامَةَ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَإِذَا رُؤُوسٌ مِنْ رُؤُوسِ اَلْخَوَارِجِ مَنْصُوبَةٌ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ اَلرُّؤُوسُ? فَقَالُوا: رُؤُوسُ خَوَارِجَ جِيءَ بِهَا مِنْ اَلْعِرَاقِ. فَقَالَ: كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ، كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ، ثُمَّ بَكَى قُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ? قَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ، إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ اَلْإِسْلَامِ فَخَرَجُوا مِنْ اَلْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَرَأَ هذه الآية: اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ إِلَى آخِرِ اَلْآيَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا إِلَى قَوْلِهِ: فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.
فَقُلْتُ: هُمْ هَؤُلَاءِ يَا أَبَا أُمَامَةَ? قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقُلْتُ شَيْءٌ تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ أَمْ سَمِعْتَ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ يَقُولُ? فَقَالَ: إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ، إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ غَيْرَ مَرَّة وَلَا مَرَّتَيْنِ حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا، وَوَضَعَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِلَّا فَصُمَّتَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ للَّهِ ﷺ يَقُولُ: تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى سَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي اَلْجَنَّةِ وَسَايَرُهَا فِي اَلنَّارِ فَقُلْتُ: وَلَتَزِيدُ هَذِهِ اَلْأُمَّةُ عَلَيْهِمْ وَاحِدَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي اَلْجَنَّةِ وَسَايَرُهَا فِي اَلنَّارِ، فَقُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي? قَالَ: عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ اَلْأَعْظَمِ قَالَ: فَقُلْتُ فِي اَلسَّوَادِ اَلْأَعْظَمِ مَا قَدْ تَرَى; قَالَ: اَلسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ خَيْرٌ مِنْ اَلْفُرْقَةِ وَالْمَعْصِيَةِ.
الشرح:
وهذا الحديث عن أبي أمامة الصحابي الجليل وبعضه مرفوع إلى النبي ﷺ في آخره وقال سمع النبي ﷺ يقول: تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وهذا الحديث في سنده ضعف, في سند وارد المؤلف وهو مُتكلم فيه, والشيخ علي المري رواه أيضًا ضعيف, وشيخه وهو يحي بن سلام أيضًا ضعيف وأبو غالب نفسه الراوي عن أبي أمامة فيه كلام أيضًا اختلف فيه النقاد, منهم من قال: إنه منكر الحديث, ومنهم من قال: صالح الحديث.
والحديث أخرجه ابن أبي عاصم في السنة والطبراني في الكبير وغيرهم, الحديث في صحته نظر وفيه: أن أبا أمامة قال في الخوارج لما جيء برؤوسهم قال: كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ، كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ هذا له شواهد جاء ما يدل من الحديث أنهم كلاب أهل النار وهذا من باب الوعيد: طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ وجاء في الحديث: لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد في حديث الصحيحين وأمر بقتلهم قال: من لقيهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله.
وفي آخر الحديث قال: (أن أبا أمامة بكى, فقالوا له: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ، إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ اَلْإِسْلَامِ فَخَرَجُوا مِنْ اَلْإِسْلَامِ) وهذا الكلام بمعنى أنه يرى كفر الخوارج, وهذا قول لأهل العلم وهو رواة عن الإمام أحمد لكن جمهور العلماء على أنهم مبتدعة وليسوا كفار وهو الذين عامة الصحابة؛ لأنهم متأولون, سُئل عليٌ عنه: أهم كفار؟ قال: "من الكفر فروا".
وعلى كل حال هذا الحديث فيه التحذير من الخوارج والتحذير من بدعتهم, أتى به المؤلف رحمه الله لهذا, وقد يُقال: أن الحديث له شواهد وتتبعات يشد بعضها بعضًا, والحديث وإن كان فيه ضعف لكن بعضه له شواهد من قوله: كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ أما القول بتكفيرهم بهذا محل خلاف, والجمهور على أنهم ليسوا كفارًا؛ لأنهم متأولون وهو الذي عليه عامة الصحابة, وبعض أهل العلم يرى تكفيرهم وهو رواية عن الإمام أحمد وهو اختيار شيخنا سماحة الشيخ: "عبد العزيز بن باز رحمه الله" يرى كفرهم.
المتن:
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زُرْعَةَ اَلزُّبَيْدِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ اَلْأَمَلِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَفَعَ اَلْحَدِيثَ إِلَى اَلنَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لُعِنَتْ اَلْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا آخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ.
الشرح:
هذا الحديث ضعيفٌ جدًا ومنقطع في سند إسحاق التجيبي في سند أسلم وفي سند أيضًا مسلمة بن علي متروك الحديث وروي في سنده زُرعة الزبيدي وهو متروك أيضًا, وفي سنده انقطاع بين مكحول ومعاذ فالحديث ضعيف جدًا بأن يقول: «لُعِنَتْ اَلْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا آخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ») هذا ضعيف, والأحاديث التي في ذم المرجئة والخوارج والقدرية كلها رفعها ضعيف لكن تصح عن الصحابة, أما الأحاديث المرفوعة كلها ضعيفة, أحاديث عند أهل العلم, الأحاديث التي في ذم الخوارج وذم القدرية وغيرهم ما عدا ما في الصحيحين في قصة الخوارج جاء فيهم من الأحاديث الصحيحة ما يقرب من عشرة في الصحيحين في وصفهم والأمر بقتلهم ممن لقيهم وأنهم: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية هذه أحاديث صحيحة ثابتة.
أما الأحاديث التي تُذكر في الخوارج والقدرية والمرجئة جميعًا هذه جاءت فيها أحاديث ضعيفة مرفوعة ولكن الصحيحة موقوفة على الصحابة, وقفها صحيح على الصحابة ورفعها إلى النبي ضعيف ما عدا ما ورد في الخوارج في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين في ذمهم وأن النبي ﷺ قال: تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد هذا ثابت في الصحيحين.
المتن:
اِبْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي مَسْلَمَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ اَلْمُثَنَّى عَنْ بَزَّارِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ: يَمْرُقُونَ مِنْ اَلْإِسْلَامِ مُرُوقَ اَلسَّهْمِ مِنْ اَلرَّمِيَةِ.
الشرح:
يعني الخوارج وهذا في الصحيحين يقول: يَمْرُقُونَ مِنْ اَلْإِسْلَامِ مُرُوقَ اَلسَّهْمِ مِنْ اَلرَّمِيَةِ أخرجه البخاري ومسلم من طريق الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة عن علي , والحديث طويل لكن في آخره قال: تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم يَمْرُقُونَ مِنْ اَلْإِسْلَامِ مُرُوقَ اَلسَّهْمِ مِنْ اَلرَّمِيَةِ ثم لا يعودون إليه, لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد, وفي لفظ: فمن لقيهم وأمر بقتلهم قال: فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله هذا ثابت إلا أن سند المؤلف ضعيف كعادته؛ لأن هذا الحديث موصول بإسناده السابق في والد المؤلف وفيه إسحاق شيخ المؤلف وفيه أسلم, فهو ضعيف إلا أن متن الحديث صحيح في الصحيحين وفيه ذم الخوارج والنهي عن مجالستهم, والمؤلف عقد هذا الباب للنهي عن مجالسة الخوارج ومجالسة أهل البدع جميعًا ومنهم الخوارج.
المتن:
اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ اَلْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ اَلْحَدِيثَ.
الشرح:
وهذا الحديث ضعيف في عدد من الرواة مُتكلم فيهم, فيه إسحاق وفيه أسلم وفيه ابن لهيعة وفي حكيم بن شريك هؤلاء كلهم ضعفاء, والحديث أخرجه أبو داود في السنن وسكت عليه وأحمد في المسند, وضعفه المحدث الألباني رحمه الله, وفيه: لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ اَلْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ يعني لا تكلموهم ولا تجالسوهم, النهي عن مجالستهم لكن التحذير من أهل البدع ثابت في الأحاديث الأخرى لكن هذا فيه ضعف, وليس خاصًا بأهل القدر بل جميع أهل البدع وردت نصوص في النهي عن مجالستهم.
المتن:
اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ قَالَ: أَصْحَابُ اَلْقَدَرِ مَجُوسُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ.
الشرح:
وهذا الحديث ضعيف وهو مرسل منقطع بين أبي حازم وبين النبي ﷺ, والأحاديث التي في القدرية المرفوعة إلى النبي ﷺ كلها ضعيفة عند أهل العلم والصحيح وقفها على الصحابة, ورفعها إلى النبي ﷺ ضعيف وهذا الحديث بعضهم حسنه بشواهده, ولكن المعروف عند أهل العلم أن الأحاديث التي في ذم القدرية المرفوعة ضعيفة ولكنها صحيحة وقفها على الصحابة, وقوله: أَصْحَابُ اَلْقَدَرِية مَجُوسُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ وجه التسمية للمجوس أنهم شابهوا المجوس الذين يقولون: بتعدد الخالق.
- المجوس يقولون: أن العالم له خالقان:
خالق الخير: وهو النور.
خالق الشر: وهو الظلمة.
والقدرية شابهوهم في القول بتعدد الخالق؛ لأنهم يقولون: العبد يخلق فعل نفسه استقلالًا, الله خالق كل شيءٍ إلا أفعال العباد فالعباد يكونون خالقون لها, وعلى هذا فكل شخصٍ يخلق الفعل نفسه فيكون الخالقون متعددين, فشابهوا المجوس من جهة القول بتعدد الخالق فسموا: مجوس هذه الأمة.
المتن:
اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِي اَلزُّبَيْرِ اَلْمَكِّيِّ قَالَ: ذُكِرَ لعَبْد اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ نَاسًا يَتَكَلَّمُونَ فِي اَلْقَدَرِ، فَوُصِفَ لَهُ بَعْضُ مَا يَقُولُونَ، فَقَالَ: أَهَلْ فِي اَلْبَيْتِ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَأَقُومُ إِلَيْهِ فَأَفْرُكُ رَقَبَتَهُ.
الشرح:
وهذا الأثر موقوف على ابن عباس من كلام ابن عباس أخرجه الآجري في الشريعة من طريق الأوزاعي عن العلاء بن حجاج عن محمد بن عُبيد المكي عن ابن عباس بنحوه, وفيه: "أن ابن عباس لما وُصِفَ لَهُ بَعْضُ مَا يَقُولُونَ، فَقَالَ: أَهَلْ فِي اَلْبَيْتِ مِنْهُمْ أَحَدٌ؟ قالوا: ما تفعل به؟ قال: أَفْرُكُ رَقَبَتَهُ" هذا دليل على أنه يرى أنهم كفار.
وجاء أيضًا عن ابن عباس في رواية وكان قد عمي أصابه العمى, لما قيل له إن رجل يتكلم في القدر ويُنكر القدر, قال: دلوني عليه, وكان قد عمي, فقيل له: ما تفعل به؟ فقال: فوالله لئن تمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعه, ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنها, فهذا دليل على أن ابن عباس يرى أنه كافر يرى أنه يستحق القتل, يرى ابن عباس أن منكر القدر يستحق القتل, نحسب أنه يرى كفره ونحسب هذا من باب التعذير: دلوني عليه, وكان قد عمي, فقيل له: ما تفعل به؟ فقال: فوالله لئن تمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعه, ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنها, وهذا فيه تحذير من مجالسة القدرية والأخذ عنهم.
المتن:
اِبْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ مَهْدِيٍّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ عَنْ اَلْأَهْوَاءِ أَنَّهَا خَيْرٌ؟ فَقَالَ: ما جَعَلَ اَللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَمَا هِيَ إِلَّا زِينَةٌ مِنْ اَلشَّيْطَانِ وَمَا اَلْأَمْرُ إِلَّا اَلْأَمْرُ اَلْأَوَّلُ.
الشرح:
وهذا الأثر من كلام إبراهيم النخعي موقوف عليه مقطوع من كلام إبراهيم النخعي من التابعين من أصحاب عبد الله بن مسعود سُئل عن الأهواء عن أهل البدع هل هي خير؟ قال: (ما جَعَلَ اَللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَمَا هِيَ إِلَّا زِينَةٌ مِنْ اَلشَّيْطَانِ يزينها في قلوب أهل البدع وَمَا اَلْأَمْرُ إِلَّا اَلْأَمْرُ اَلْأَوَّلُ) يعني ينبغي الإنسان أن يأخذ بالأمر الأول وهو الذي عليه الصحابة والتابعون وهو: العمل بالكتاب والسنة, وهذا فيه التحذير من البدع وأصحابها والنهي عن مجالستهم.
المتن:
اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْد الْعَزِيزِ كَانَ يَكْتُبُ فِي كُتُبِهِ أَنِّي أُحَذِّرُكُمْ مَا قَالَتْ إِلَيْهِ اَلْأَهْوَاءُ وَالزَّيْغُ اَلْبَعِيدُ.
الشرح"
وهذا من كلام عمر بن عبد العزيز يقول: (أَنِّي أُحَذِّرُكُمْ مَا قَالَتْ إِلَيْهِ اَلْأَهْوَاءُ) يعني أحذر من مقالات الأهواء, (وَالزَّيْغُ اَلْبَعِيدُ) هذا فيه التحذير من أهل البدع ومجالستهم والأخذ عنهم, المؤلف رحمه الله يأخذ الآثار عن السلف يبين أن السلف وأهل السنة مجمعون على التحذير من أهل البدع.
المتن:
قَالَ اِبْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُهُ، وَسُئِلَ عَنْ خُصُومَةِ أَهْلِ اَلْقَدَرِ وَكَلَامِهِمْ، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهُمْ عَارِفًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يُوَاضَعُ اَلْقَوْلَ وَيُخْبَرُ بِخَلَافهِمْ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا أَرَى أَنْ يُنَاكَحُوا.
قَالَ اِبْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ اَلرَّجُلُ إِذَا جَاءَهُ بَعْضُ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَأَمَّا أَنْتَ فَشَاكٌّ فَاذْهَبْ إِلَى مَنْ هُوَ شَاكٌّ مِثْلُك فَخَاصِمْهُ.
الشرح:
وهذا القول ممن قال به من أهل العلم الإمام مالك رحمه الله, وهو إمام (...) وواحد من الأئمة الأربعة فهو عن ابن وهب أنه يقول: (سُئِلَ عَنْ خُصُومَةِ أَهْلِ اَلْقَدَرِ وَكَلَامِهِمْ، هل يُخاصمون؟ فنهى عن ذلك وقال: (مَا كَانَ مِنْهُمْ عَارِفًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يُوَاضَعُ اَلْقَوْلَ) يعني لا يُتكلم معه, (وَيُخْبَرُ بِخَلَافهِمْ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا أَرَى أَنْ يُنَاكَحُوا) القدرية الذين يُنكرون القدر يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه, يقول الإمام مالك: لا ينفذ مكالمتهم ولا الصلاة خلفهم ولا أن يُزوجوا, هذا فيه تحذير من أهل البدع.
وكذلك ابن وهب نقل عن مالك قال: (وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ اَلرَّجُلُ إِذَا جَاءَهُ بَعْضُ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَأَمَّا أَنْتَ فَشَاكٌّ فَاذْهَبْ إِلَى مَنْ هُوَ شَاكٌّ مِثْلُك فَخَاصِمْهُ) عندي يقين وأنت عندك شك فلا تكلمني ولا أكلمك اذهب إلى من هو شاك مثلك, وهذا فيه التحذير من أهل البدع.
المتن:
وَهْبٌ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ إِسْحَاقَ اَلْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ لِجُلَسَائِهِ فِي أَصْحَابِ اَلْأَهْوَاءِ: إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ أَحَدًا قَدْ جَلَسَ إِلَيْنَا فَأَعْلِمُونِي بِأَمَارَةٍ أَجْعَلُهَا بَيْنَهُمْ، فَإِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَأَعْلَمُوهُ أَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ قَامَ.
الشرح:
هذا أيضًا من كلام عطاء بن أبي رباح من علماء الأمة من علماء التابعين وتابعيهم يقول: (أَنَّهُ قَالَ لِجُلَسَائِهِ فِي أَصْحَابِ اَلْأَهْوَاءِ: إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ أَحَدًا قَدْ جَلَسَ إِلَيْنَا فَأَعْلِمُونِي بِأَمَارَةٍ أَجْعَلُهَا بَيْنَهُمْ، فَإِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَأَعْلَمُوهُ أَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ قَامَ) ترك المجلس الذي هم فيه, وهذا فيه التحذير من أهل البدع.
المتن:
اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ يَزِيدَ اَلْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: قَرَأْتُ اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ كِتَابًا مَا مِنْهَا كِتَابٌ إِلَّا وَحَذَّرَ فِيهِ: مَنْ أَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ قَدَرِ اَللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ اَلْعَظِيمِ.
الشرح:
وهذا الكلام وهب بن منبه يقول: (قَرَأْتُ اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ كِتَابًا) ووهب بن منبه ممن أسلم من أهل الكتاب ويأخذ عن بني إسرائيل, فيحسب أن هذا أخذ عن بني إسرائيل يقول: قرأ اثنين وسبعين كتاب يحسب أنهم من كتب بني إسرائيل, (مَا مِنْهَا كِتَابٌ إِلَّا وَحَذَّرَ فِيهِ: مَنْ أَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ قَدَرِ اَللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ اَلْعَظِيمِ) وهذا فيه الرد على القدرية الذين يزعمون أن العبد يخلق فعل نفسه, وهذا محمول على كفر دون كفر إلا إذا أُريد القدرية الأولى الذين ينفون علم الله وكتابته للأشياء وهذا يُحمل على الكفر الأكبر, أما إذا أُريد القدرية المتأخرون المتوسطون فهؤلاء مبتدعة وليسوا كفارًا ويُحمل على أنه كفرٌ دون كفر.
المتن:
وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ مَسَرَّةَ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ الصُّمَادِحِيِّ عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا يَقُولُ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: أَيْ بُنَيَّ لَا تُجَالِسْ مَفْتُونًا فَإِنَّهُ لَا يُخْطِئُك مِنْهُ إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَسْتَزِلَّك، وَإِمَّا أَنْ يُمْرِضَ قَلْبَكَ.
الشرح:
والأثر السابق لوهب بن منبه أخره الآجري في الشريعة واللالكائي في شرح السنة من طريق جعفر بن سليمان عن أبي سنان.
وهذا الأخير: إسناده ضعيف؛ لأنه فيه ابن وضاح وهو موقوف على سعد بن أبي وقاص t ولكنه توبع من قبل إسماعيل بن محمد (...) فسعد بن أبي وقاص t يقول لابنه مصعب: (أَيْ بُنَيَّ لَا تُجَالِسْ مَفْتُونًا) المفتون: المبتدع, (فَإِنَّهُ لَا يُخْطِئُك مِنْهُ إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَسْتَزِلَّك، وَإِمَّا أَنْ يُمْرِضَ قَلْبَكَ) يقول لا تجالسه فإنه لابد أن يستزلك إلى البدعة وإما أن يُمرض قلبك فأنت متضرر على كل حال, وهذا فيه التحذير من مجالسة أهل البدع.
المتن:
اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ اَلسِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَكَانَ مِنْ اَلْفُقَهَاءِ ذَوِي اَلْأَلْبَابِ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ اَلْأَهْوَاءِ وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ أَوْ يُلَبِّسُوا عَلَيْكُمْ كَمَا كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ.
الشرح:
وهذا أيضًا من كلام ابي قلابة من التابعين وكان من الفقهاء يحذر من مجلسة أهل البدع, قال: (لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ اَلْأَهْوَاءِ) وهم أهل البدع, (وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ أَوْ يُلَبِّسُوا عَلَيْكُمْ كَمَا كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ) من ألبس يُلبس, إما أن يوقعوكم في بدعتهم وإما أن يلبسوا عليكم الحق, فأنتم مؤتمنون على كل حال.
المتن:
اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ عَبْد الْمَلِكِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ يَرَى أَنَّ هَذِهِ اَلْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ اَلْأَهْوَاءِ: وَإِذَا رَأَيْتَ اَلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.
الشرح:
وهذا الحديث موصولٌ بالإسناد السابق, والحديث في ضعف في سنده ابن وضاح ولكن الأثر الصحيح عن أبي قلابة أخرجه الدارمي في السنن والآجري في الشريعة واللالكائي في شرح السنة وابن بطة في الإبانة كلهم من طرق عن حماد بن زيد يقول فيه: (أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ يَرَى أَنَّ هَذِهِ اَلْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أهل البدع وتشمل أهل البدع: وَإِذَا رَأَيْتَ اَلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ[الأنعام/68]) ونزلت في أصحاب الأهواء وهم أهل البدع والآية فيها التحذير: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ففيه التحذير من مجالسة أهل البدع.
المتن:
اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي اَلْجَوْزَاءِ قَالَ: لَئِنْ يُجَاوِرُنِي فِي دَارِي هَذِهِ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ يُجَاوِرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ، وَلَقَدْ دَخَلُوا فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ: يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ اَلْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ.
الشرح:
وهذا الحديث سنده كسابقه فيه الضعف ولكن الأثر حسن من ابن المهدي إلى أبي الجوزاء أخرجه ابن بطة في "الإبانة", واللالكائي في "شرح السنة" كلاهما من طريق محمد بن زيد عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء وهو من كلام أبي الجوزاء فيه التحذير من مجالسة أهل البدع, ابن جوزاء يشدد من مجالستهم يقول: (لَئِنْ يُجَاوِرُنِي فِي دَارِي هَذِهِ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ يُجَاوِرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البدع) فالقردة والخنازير يقول أسهل؛ لأن القردة والخنازير ما يضرون, القردة والخنازير حيوانات ما تضر الإنسان, لكن هو مبتدع يضرك في دينك ويلبس عليك الحق, وهذا قد يؤخذ منه أنه يرى كفرهم ويقول: (إنهم داخلون في هذه الآية: يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ اَلْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ[آل عمران/118]).
هذه الآية نزلت في الكفرة: لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ يعني دخلاء تُفضون إليهم وتسرون إليهم الأسرار من دون المؤمنين, لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا يعني لا يقصرون في إيصال الشر إليكم بكل طريق, وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ يعني يحبون الشيء الذي يشق عليكم, قَدْ بَدَتِ اَلْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِم هذه في الكفرة وفي اليهود, لكن ابن جوزاء يرى أنهم داخلون في هذه الآية فيؤخذ منه أنه يرى كفر أهل البدع, وفيه التحذير من أهل البدع.
المتن:
اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حُدِّثْت عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرِي أَيُّ اَلنِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ عَلَيَّ، أَنْ هَدَانِي إِلَى اَلْإِسْلَامِ أَوْ أَنْ جَنَّبَنِي اَلْأَهْوَاءَ.
الشرح:
وهذا الحديث كالسابق في سنده فيه ابن وضاح وفيه أيضًا الرجل المجهول قوله: حُدثت, يعني حدثني سفيان هو ضعيف السند وهو من قول مجاهد, مجاهد يقول: (مَا أَدْرِي أَيُّ اَلنِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ عَلَيَّ، أَنْ هَدَانِي إِلَى اَلْإِسْلَامِ أَوْ أَنْ جَنَّبَنِي اَلْأَهْوَاءَ) إن صح فهو يُحمل على أن مجاهد يرى أن أهل البدع كفار؛ لأنه قارن بينها وبين الإسلام, وفيه التحذير من أهل البدع.
المتن:
اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ أَبِي اَلْعَالِيَةِ قَالَ: مَا أَدْرِي أَيُّ اَلنِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ عَلَيَّ، نِعْمَةٌ أَنْعَمَهَا عَلَيَّ فَأَنْقَذَنِي بِهَا مِنْ اَلشِّرْكِ، أَوْ نِعْمَةٌ أَنْعَمَهَا عَلَيَّ فَأَنْقَذَنِي بِهَا مِنْ الْحَرُورِيَّةِ.
الشرح:
الحرورية: هم الخوارج, وسموا حرورية؛ لأنهم نزلوا بلدة في العراق تسمى حروراء تجمعوا فيها, وهذا الأثر أخرجه اللالكائي في "شرح السنة" من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عن معتمد بن سليمان عن حُميد عن أبي العالية, وهو من كلام أبي العالية الرياحي وهو من التابعين يقول: (مَا أَدْرِي أَيُّ اَلنِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ عَلَيَّ، نِعْمَةٌ أَنْعَمَهَا عَلَيَّ فَأَنْقَذَنِي بِهَا مِنْ اَلشِّرْكِ، أَوْ نِعْمَةٌ أَنْعَمَهَا عَلَيَّ فَأَنْقَذَنِي بِهَا مِنْ الْحَرُورِيَّةِ) يؤخذ منه أن أبا العالية يرى أن الخوارج كفار؛ لأنه قارن بينهم وبين الشرك.
المتن:
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُبَابَةَ عَنْ اَلْعُتْبِيِّ عَنْ سَحْنُونَ عَنْ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا آيَةُ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ مِنْ هَذِهِ اَلْآيَاتِ: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَقَالَ مَالِكٌ: فَأَيُّ كَلَامٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا.
قَالَ اِبْنُ اَلْقَاسِمِ: قَالَ لِي مَالِكٌ: إِنَّ هَذِهِ اَلْآيَةَ لِأَهْلِ اَلْقِبْلَةِ.
قَالَ سَحْنُونُ: وَكَانَ اِبْنُ غَانِمٍ يَقُولُ فِي كَرَاهِيَةِ مُجَالَسَةِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ أَرَأَيْتَ أَنَّ أَحَدَكُمْ قَعَدَ إِلَى سَارِقٍ وَفِي كُمِّهِ بِضَاعَةٌ أَمَا كَانَ يَحْتَرِزُ بِهَا مِنْهُ خَوْفًا أَنْ يَنَالَهُ فِيهَا، فَدِينُكُمْ أَوْلَى بِأَنْ تُحْرِزُوهُ وَتَحْفَظُوا بِهِ، قِيلَ وَإِنْ جَاءَ مَعَنَا فِي ثَغْرٍ أَخْرَجْنَاهُمْ مِنْهُ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ سَحْنُونُ وَقَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اَلْقَدَرِيَّةِ فَقَالَ: قَوْمُ سُوءٍ فَلَا تُجَالِسُوهُمْ، قِيلَ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ فَقَالَ: نَعَمْ.
الشرح:
وهذا الأثر فيه ضعف من طريق إسحاق التجيبي وهو من كلام مالك رواه عنه ابن القاسم, ابن القاسم روى عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: (مَا آيَةُ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ) يعني أهل البدع, (مِنْ هَذِهِ اَلْآيَاتِ: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ[آل عمران/106]) قال بعض أهل العلم: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة, يعني يرى أن أهل البدع يدخلون في هذه الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ[آل عمران/106]) وهذا دليل على ضلالهم وانحرافهم وقابلهم الذين تبيض وجوههم وهم أهل الإيمان والذين تسود وجوههم هم أهل الكفر, فإذا كان أهل البدع تسود وجوههم دل على كفرهم, نسأل الله السلامة والعافية.
ثم قال: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ[آل عمران/106]) لو صح يُحمل على أن الإمام مالك يرى أن أهل البدع كفار؛ لأنه قال: فَأَمَّا اَلَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فإذا كانوا داخلين في هذه الآية صاروا كفار.
(قَالَ مَالِكٌ: فَأَيُّ كَلَامٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا, ثم قَالَ اِبْنُ اَلْقَاسِمِ: قَالَ لِي مَالِكٌ: إِنَّ هَذِهِ اَلْآيَةَ لِأَهْلِ اَلْقِبْلَةِ) الذين يتجهون إلى القبلة في الصلاة وفي الذبح وهم الذين داخلون في هذه الآية, فأهل السنة تبيض وجوههم والكفرة تسود وجوههم ومنهم المنافقون.
(قَالَ سَحْنُونُ: وَكَانَ اِبْنُ غَانِمٍ يَقُولُ فِي كَرَاهِيَةِ مُجَالَسَةِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ أَرَأَيْتَ أَنَّ أَحَدَكُمْ قَعَدَ إِلَى سَارِقٍ وَفِي كُمِّهِ بِضَاعَةٌ أَمَا كَانَ يَحْتَرِزُ بِهَا مِنْهُ خَوْفًا أَنْ يَنَالَهُ فِيهَا) لو جلس إنسان بجوار سارق وفي كمه دراهم يتركها ولا يحافظ عليها؟ يحافظ عليها, هو بجوار سارق إن لو ما حفاظ عليها واعتنى بها وانتبه له أخذها منه السارق, لماذا؟ لأن الإنسان يحافظ على ماله.
(فَدِينُكُمْ أَوْلَى بِأَنْ تُحْرِزُوهُ وَتَحْفَظُوا بِهِ) أولى من الدراهم, إذا كان في كمك دراهم وبجوارك سارقك تحفظ دراهمك وتُحرزه وتحتاط له فدينك أولى أن تحتاط من أهل البدع فلا تجالسهم ولا تأخذ من كلامهم.
(قِيلَ وَإِنْ جَاءَ مَعَنَا فِي ثَغْرٍ أَخْرَجْنَاهُمْ مِنْهُ?) يعني جاء المبتدع وجلس في ثغر, والثغر: هي المرابطة على حدود الدولة الإسلامية لقتال الكفار, فهل نخرجه؟ (قال: نعم) ليس أهلًا للجهاد وهذا دليل على كفرهم.
(قَالَ سَحْنُونُ وَقَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اَلْقَدَرِيَّةِ فَقَالَ: قَوْمُ سُوءٍ فَلَا تُجَالِسُوهُمْ) يعني الذين يُنكرون أن الله خلق أفعال العباد وأن الله قدرها, (قِيلَ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ? فَقَالَ: نَعَمْ) وهذا يحتمل أنه يرى أنهم كفار ويحتمل أن معظمهم مبتدعة ولكن يجب البعد عنهم.
المتن:
باب: فِي اِسْتِتَابَةِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ وَاخْتِلَافِ أَهْلِ اَلْعِلْمِ فِي تَكْفِيرِهِمْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: اِخْتَلَفَ أَهْلُ اَلْعِلْمِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ كُفَّارٌ مُخَلَّدُونَ فِي اَلنَّارِ, وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَبْلُغُ بِهِمْ اَلْكُفْرُ وَلَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ اَلْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: إِنَّهُمْ اَلَّذِينَ عَلَيْهِمْ فَسُوقٌ وَمَعَاصٍ إِلَّا أَنَّهَا أَشَدُّ اَلْمَعَاصِي وَالْفُسُوقِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَشَايِخِنَا بِالْأَنْدَلُسِ، وَاَلَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ فِيهِمْ وَكَانُوا يَقُولُونَ لَا يُوَاضِعُ أَحَدٌ مِنْهُ اَلْكَلَامَ وَالِاحْتِجَاجَ وَلَكِنْ يُعَرَّفُ بِرَأْيهِ رَأْيَ اَلسُّوءِ وَيُسْتَتَابُ مِنْهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
الشرح:
هذا الباب الثاني والأربعين وهو آخر أبواب الكتاب (فِي اِسْتِتَابَةِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ) والمراد بهم أهل البدع, (وَاخْتِلَافِ أَهْلِ اَلْعِلْمِ فِي تَكْفِيرِهِمْ).
هذا الباب عقده المؤلف ليبين أهل البدع هل يُستتابون أو يُقتل بدون استتابة؟ بعض أهل العلم يقول: يُستتاب فإن تاب من بدعته وإلا قُتل, وبعضهم يقول: يُقتل بدون استتابة, وكذلك خلاف العظم في تكفيرهم هل هم كفار أم مبتدعة؟!
(قَالَ مُحَمَّدٌ) وهو المؤلف محمد بن زمنين: (اِخْتَلَفَ أَهْلُ اَلْعِلْمِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ) يعني أهل البدع يسمون أهل الأهواء؛ لأنهم يعملون بأهوائهم, (فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ كُفَّارٌ مُخَلَّدُونَ فِي اَلنَّارِ, وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَبْلُغُ بِهِمْ اَلْكُفْرُ وَلَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ اَلْإِسْلَامِ).
- إذًا العلماء لهم قولان في أهل البدع:
- أنهم كفار ومخلدون في النار.
- أنهم مبتدعة ولا يخرجون عن الإسلام.
والذين يقولون: أنهم مبتدعة لا يخرجون عن الإسلام يقولون: (إِنَّهُمْ اَلَّذِينَ عَلَيْهِمْ فَسُوقٌ وَمَعَاصٍ إِلَّا أَنَّهَا أَشَدُّ اَلْمَعَاصِي وَالْفُسُوقِ) اللي يكفرونهم يقولون: يخرجوا من الملة لا يُغسلون ولا يُصلى عليهم ولا يُدفنون في قبور المسلمين, والذين لا يكفرونهم يقولون: عصاة فسقة لكن كبيرة المبتدع أعظم من كبيرة العاصي, العاصي: السارق, الزاني, شارب الخمر, العاق لوالديه, وقاطع الرحم هؤلاء فسقة عصاة, لكن المبتدع القدري والخارجي والإباضي والمرجئ هؤلاء أشد لماذا؟ لأن الزاني والسارق وشارب الخمر يعلم أنه عاصِ ومعترف بأنه عاصِ فيُرجى أن يتوب.
أما المبتدع: المرجئة؟, الخوارج, لا, فإنهم يرون أنهم على الصواب يقول: أنت الذي على الباطل وأنا على الحق فلذلك ما يفكر في التوبة في الغالب, فلذلك البدعة أحب إلى إبليس من الكبيرة, لماذا؟
يعني إبليس يحب المبتدع أكثر اللي يعتنق مذهب الخوارج أو القدرية أحب إليه من الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر أو يُرابي, لماذا؟ لأن الذي يفعل الكبيرة: يزني ويسرق ويشرب الخمر يعلم أنه عاصِ معترف فيُرجى أن يتوب, والمبتدع لا يعترف بأنه على الباطل بل يرى أنه على الحق فلا يفكر في التوبة, فلهذا صارت البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ومن الكبيرة, فتكون المعاصي درجات: أعظمها الكفر ثم البدعة ثم الكبيرة.
يقول: (وَهَذَا مَذْهَبُ مَشَايِخِنَا بِالْأَنْدَلُسِ) يعني يعتقدون أن المبتدعة لا يبلغون درجة الكفر, (وَاَلَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ فِيهِمْ وَكَانُوا يَقُولُونَ لَا يُوَاضِعُ أَحَدٌ مِنْهُ اَلْكَلَامَ وَالِاحْتِجَاجَ) يعني لا يكلمون ولا يسمعهم لكن ليسوا كفار لكنهم مبتدعة ينهون الناس عن الكلام معهم وعن الجلوس معهم وعن مجادلتهم, (وَلَكِنْ يُعَرَّفُ بِرَأْيهِ رَأْيَ اَلسُّوءِ) يحذر الناس من بدعته وأن رأيه رأي السوء يعني قوله قول السوء والبدعة سيئة, (وَيُسْتَتَابُ مِنْهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ).
والدارمي رحمه الله في كتابه "الرد على الجهمية" بوب: باب الزنادقة والجهمية واستتابتهم من كفرهم, فيرى أنهم كفار, طيب أي القولين الصواب؟ الصواب في المسألة فيها تفصيل وهناك قولٌ ثالث وهو:
أن أهل البدع منهم الكافر ومنهم المبتدع فليس كلهم كفار وليس كلهم مبتدعة, فالقدرية الأولى الذين يُكرون علم الله الأزلي وكتابته للأشياء هؤلاء كفار وكفرهم الصحابة, وهم الذين قال فيهم الشافعي رحمه الله: ناظروا القدرية بعلم فإن أقروا به كُسبوا وإن أنكروه كفروا.
وكذلك الخوارج فيهم قولان: قيل أنهم كفار, وقيل أنهم مبتدعة.
أما القدرية المتأخرون ففيهم خلاف, هم مبتدعة الذين أثبتوا العلم والكتابة لكن أنكروا عموم المشيئة وعموم الخلق حتى لا تشترك مع العباد, هؤلاء مبتدعة.
وكذلك الجهمية: الذين نفوا أسماء الله وصفاته هؤلاء كفرهم من أهل العلم خمسمائة عالم, كما قال ابن القيم: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشرٍ من العلماء في المجال, خمسون في عشر بخمسمائة, واللالكائي الإمام قد حكاه وحكاه قبله الطبراني.
ومن العلماء من كفر ولاتهم دون عامتهم, وكذلك الرافضة كفار لأنهم يعبدون آل البيت ولأنهم كفروا الصحابة وفسقوهم والله زكاهم وعداهم فكذبوا الله, هؤلاء كذبوا الله في أن القرآن محفوظ, على هذا يكون الجهمية كفار والرافضة كفار والقدرية كفار والخوارج فيهم الخلاف, ففي رواية عن الإمام أحمد أنهم كفار والجمهور ومعظم الصحابة على أنهم مبتدعة, والقدرية النفاة المتأخرون مبتدعة, والأشاعرة مبتدعة, والخوارج فيهم قولان لأهل العلم, والمعتزلة فيهم خلاف: من العلماء من كفرهم, ومن العلماء من بدعهم.
فعلى هذا أهل البدع ليسوا على حدٍ سواء بل منهم المبتدع ومنهم الكافر, بعضهم بدعته توصله للكفر وبعضهم لا توصله إلى الكفر, وهذا هو الصواب في هذه المسألة.
المتن:
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي اِبْنُ أَبِي اَلزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَتْ حَرُورِيَّةٌ بِالْعِرَاقِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِالْعِرَاقِ مَعَ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ اَلْخَطَّابِ، فَكَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَأْمُرُنَا أَنْ نَدْعُوَهُمْ إِلَى اَلْعَمَلِ بِكِتَابِ اَللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ فَلَمَّا أَعْذَرَ فِي دُعَائِهِمْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ قَاتِلَهُمْ فَإِنَّ اَللَّهَ وَلَهُ اَلْحَمْدُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ سَلَفًا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَيْنَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ الْحَمِيدِ جَيْشًا فَهَزَمَتْهُمْ الْحَرُورِيَّةُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ بَعَثَ إِلَيْهِمْ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي جَيْشٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي مَا فَعَلَ جَيْشُكَ اَلسُّوءَ وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَلَقِيَهُمْ مَسْلَمَةُ فَأَظْفَرَهُ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَظْفَرَهُ بِهِمْ.
الشرح:
وهذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الذي ضمه بعض أهل العلماء من الخلفاء الراشدين, هذا الأثر في إسناد إسحاق وفيه كلام وذكره ابن بطة في "الإبانة الصغرى" وفيه رواية: (اِبْنُ أَبِي اَلزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَتْ حَرُورِيَّةٌ بِالْعِرَاقِ) الحرورية: الخوارج, سبق أنهم سموا حرورية لأنهم نزلوا في بلدة حروراء, (فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) الخليفة الراشد.
(وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِالْعِرَاقِ مَعَ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ اَلْخَطَّابِ، فَكَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَأْمُرُنَا أَنْ نَدْعُوَهُمْ إِلَى اَلْعَمَلِ بِكِتَابِ اَللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ) كان عبد الحميد كان له ولاية ولهذا كتب إليه عمر, فدعاهم إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله فلم يقبلوا, فكتب إليه عمر: (قاتلهم, فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ الْحَمِيدِ جَيْشًا فَهَزَمَتْهُمْ الْحَرُورِيَّةُ) هزموا جيش الخليفة وبلغ عمر أن جيشه هُزم وأن الخوارج هزموا جيشه.
(فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ بَعَثَ إِلَيْهِمْ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي جَيْشٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي مَا فَعَلَ جَيْشُكَ اَلسُّوءَ وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَلَقِيَهُمْ مَسْلَمَةُ) فهزم جيش الخليفة الخوارج, (فَأَظْفَرَهُ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَظْفَرَهُ بِهِمْ) وهذا يدل على بدعتهم وأنهم يُقاتلون إذا لم يقبلوا العمل بالكتاب والسنة.
المتن:
اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ اَلْقَدَرِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: أَسْتَتِيبُهُمْ فَإِنْ قَبِلُوا ذَلِكَ وَإِلَّا فَأَعْرِضُهُمْ عَلَى اَلسَّيْفِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ.
الشرح:
وهذا الأثر موصولٌ بالإسناد السابق وفيه ضعف وأخرجه الدارمي للرد على بشر المريسي بسند صحيح عن عمر بن عبد العزيز, وجاء في آخره قال مالك: (وذاك رأيي) وذكره ابن بطة في "الإبانة الصغرى".
وفيه أن عمر بن عبد العزيز سأل عم مالك: (مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ اَلْقَدَرِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: أَسْتَتِيبُهُمْ فَإِنْ قَبِلُوا ذَلِكَ وَإِلَّا فَأَعْرِضُهُمْ عَلَى اَلسَّيْفِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ) وهذا دليل على أن عمر بن عبد العزيز وهؤلاء السلف يرون قتل الخوارج إذا لم يتوبوا.
المتن:
عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ عَلَى اَلْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَيَكُونُ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ، وَيُكَذِّبُونَ بِالدَّجَّالِ، وَيُكَذِّبُونَ بِطُلُوعِ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيُكَذِّبُونَ بِعَذَابِ اَلْقَبْرِ، وَيُكَذِّبُونَ بِالشَّفَاعَةِ، وَيُكَذِّبُونَ بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنْ اَلنَّارِ بَعْدَمَا اِمْتَحَشُوا، فَلَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لِأَقْتُلُنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ وَثَمُودَ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَنْ كَذَّبَ بِعَذَابِ اَلْقَبْرِ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ عُمَرُ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: اُسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
الشرح:
وهذا الأثر ضعيف سبق أنه ضعيف ولا يصح عن عمر وفيه: (إِنَّهُ سَيَكُونُ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ) وهم الخوارج ما يرون رجم الزاني, لماذا؟ لأن يقولون: الرجم لا يكون بزعمهم إلا ما جاء في القرآن, وأما السنة خبر آحاد ما يأخذون بها, ولهذا أيضًا يأمرون الحائض أن تصلي؛ لأنهم ما يأخذون بالسنة, (وَيُكَذِّبُونَ بِالدَّجَّالِ، وَيُكَذِّبُونَ بِطُلُوعِ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيُكَذِّبُونَ بِعَذَابِ اَلْقَبْرِ، وَيُكَذِّبُونَ بِالشَّفَاعَةِ) هؤلاء هم الخوارج.
(وَيُكَذِّبُونَ بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنْ اَلنَّارِ) لأنهم يرون خلود العصاة في النار, (بَعْدَمَا اِمْتَحَشُوا) هذا لا يصح عن عمر, أما قوله: فَلَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لِأَقْتُلُنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ وَثَمُودَ هذا جاء في الصحيحين, النبي ﷺ قال: فَلَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ يعني الخوارج, لِأَقْتُلُنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ وَثَمُودَ شبههم بعاد وثمود وهم كفار, وهذا احتج به من يرى كفر الخوارج أن النبي ﷺ شبههم بقوم كفار وهم عاد وثمود.
(قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ) لعله عبد الملك بن حبيب الأندلسي: (وَمَنْ كَذَّبَ بِعَذَابِ اَلْقَبْرِ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ عُمَرُ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: اُسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) هذا يدل على أن عبد الملك بن حبيب الأندلسي يرى قتل الخوارج بعدما يُستتابون, وهذا أحد أقوال أهل العلم أن أهل البدع يُقتلون بعد الاستتابة.
المتن:
وَأَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ عَنْ اِبْنِ لُبَابَةَ عَنْ اَلْعُتْبِيِّ عَنْ عِيسَى عَنْ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ فِي أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ مِثْلَ اَلْقَدَرِيَّةِ وَالْإِبَاضِيَّةِ وَمَا أَشْبَهُهُمْ مِنْ أَهْلِ اَلْإِسْلَامِ مِمَّنْ هُوَ عَلَى غَيْرِ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ اَلْبِدَعِ وَالتَّحْرِيفِ بِكِتَابِ اَللَّهِ وَتَأْوِيلِهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ يُسْتَتَابُونَ أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَمْ أَسَرُّوهُ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ رِقَابُهُمْ لِتَحْرِيفِهِمْ كِتَابَ اَللَّهِ، وَخِلَافِهِمْ جَمَاعَةُ اَلْمُسْلِمِينَ وَالتَّابِعِينَ لِرَسُولِ اَللَّهِ ﷺ وَلِأَصْحَابِهِ، وَبِهَذَا عَمِلَتْ أَئِمَّةُ اَلْهُدَى.
وَقَدْ قَالَ عُمَر بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اَللَّهُ: اَلرَّأْيُ فِيهِمْ أَنْ يُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا عُرِضُوا عَلَى اَلسَّيْفِ وَضُرِبَتْ رِقَابُهُمْ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ قُتِلُوا لِرَأْيهمْ رَأْيَ اَلسُّوءِ.
قَالَ عِيسَى: وَمَنْ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى، اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَأَرَاهُ مِنْ اَلْحَقِّ اَلْوَاجِبِ، وَهُوَ اَلَّذِي أَدِينُ اَللَّهَ عَلَيْهِ.
الشرح:
وهذا سند موصولٌ بالإسناد السابق وفيه قول: أخبرني إسحاق وهو (...) فيه كلام, (اِبْنِ لُبَابَةَ) وهو محمد بن عمر بن لبابة, (عَنْ اَلْعُتْبِيِّ) وهو محمد بن أحمد العتبي, (عَنْ عِيسَى) وهو عيسى بن دينار, (عَنْ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ) وهو عبد الرحمن القاسم.
هذا الأثر من كلام عبد الرحمن القاسم: (أَنَّهُ قَالَ فِي أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ) يعني أهل البدع, (مِثْلَ اَلْقَدَرِيَّةِ وَالْإِبَاضِيَّةِ) هم الخوارج, طائفة من طوائف الخوارج يسمونها الإباضية.
(وَمَا أَشْبَهُهُمْ مِنْ أَهْلِ اَلْإِسْلَامِ مِمَّنْ هُوَ عَلَى غَيْرِ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ اَلْبِدَعِ وَالتَّحْرِيفِ بِكِتَابِ اَللَّهِ وَتَأْوِيلِهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ يُسْتَتَابُونَ) إذًا يرى ابن القاسم وهو من أهل العلم المعتبرين أن الخوارج والقدرية يُستتابون فإن تابوا وإلا قُتلوا.
يقول: (أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَمْ أَسَرُّوهُ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ رِقَابُهُمْ) لماذا؟ (لِتَحْرِيفِهِمْ كِتَابَ اَللَّهِ، وَخِلَافِهِمْ جَمَاعَةُ اَلْمُسْلِمِينَ وَالتَّابِعِينَ لِرَسُولِ اَللَّهِ ﷺ وَلِأَصْحَابِهِ، وَبِهَذَا عَمِلَتْ أَئِمَّةُ اَلْهُدَى).
وَقَدْ قَالَ عُمَر بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وهو الخليفة الراشد رَحِمَهُ اَللَّهُ: (اَلرَّأْيُ فِيهِمْ أَنْ يُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا عُرِضُوا عَلَى اَلسَّيْفِ وَضُرِبَتْ رِقَابُهُمْ) إذًا العلماء يرون أن الخوارج يثستتابون فإن تابوا وإلا قُتلوا, (وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ) يرى عمر بن عبد العزيز أنه لا يكون كافر لكن قُتل لدفع شره وفساده, ولهذا قال: (وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ) لأنه لو كان كافرًا ما ورثه المسلمون لقول النبي ﷺ: لا يرث المسلم كافرًا ولا الكافر مسلمًا.
يقول: (هم مسلمون إِلَّا أَنَّهُمْ قُتِلُوا لِرَأْيهمْ رَأْيَ اَلسُّوءِ) وهذا أحد الأقوال, والقول الثاني: أنهم كفار.
(قَالَ عِيسَى) وهو عيسى بن دينار: (وَمَنْ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى، اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) لأنه أنكر كلام الله وأنكر صفة من صفاته, (وَأَرَاهُ مِنْ اَلْحَقِّ اَلْوَاجِبِ، وَهُوَ اَلَّذِي أَدِينُ اَللَّهَ عَلَيْهِ) أدين الله بأن من أنكر صفة الكلام لله فإنه يُقتل بعد الاستتابة.
المتن:
قَالَ اَلْعُتْبِيُّ: وَسُئِلَ سَحْنُونُ عَمَّنْ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ بِالْوَحْي، وَإِنَّمَا كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَّا أَنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ اَلْوَحْي، أَهَلْ يُسْتَتَابُ أَوْ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ؟
قَالَ: بَلْ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، قِيلَ: فَإِنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّبِيِّ ﷺ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيًّا أَوْ مُعَاوِيَةَ أَوْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ؟ فَقَالَ لِي: أَمَّا إِذَا شَتَمَهُمْ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ قُتِلَ، وَإِنْ شَتَمَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا كَمَا يَشْتُمُ اَلنَّاسُ رَأَيْتُ أَنْ يُنَكَّلَ نَكَالًا شَدِيدًا.
الشرح:
هذه المقالة لسحنون: (قَالَ اَلْعُتْبِيُّ: وَسُئِلَ سَحْنُونُ عَمَّنْ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ بِالْوَحْي، وَإِنَّمَا كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَّا أَنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ اَلْوَحْي) هذا قول المخطئة وهم من غلاة الرافضة, الرافضة طبقة من أهل الشيعة, أعلى طبقات الشيعة "النصيرية" الذين يقولون: إن الله حل في علي, ثم يليهم المخطئة الذين يقولون: إن جبريل أخطأ في الرسالة أرسله الله إلى علي فأخطأ وأوصلها إلى محمد, هؤلاء كفار بإجماع المسلمين.
قول سحنون عمن قال: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ بِالْوَحْي، وَإِنَّمَا كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَّا أَنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ اَلْوَحْي أَهَلْ يُسْتَتَابُ أَوْ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ؟ قَالَ: بَلْ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) يعني يُقتل كافرًا, والصواب: أنه لا يُستتاب وإنما يُقتل كافرًا.
لأن الصواب أن الزنديق والمنافق ومن شتم الرسول صلى الله عليه وسلم أو سب الصحابة أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله والساحر ومن تكررت ردته كل هؤلاء لا يُستتابون بل يُقتلون دفعًا لشرهم ولأن لا يتجرأ الناس على مثل هذا الكفر ولو زعموا أنهم تابوا, إن كانوا تابوا فيما بينهم وبين الله فالله يقبل توبة التائبين وإن كانوا كاذبين فلهم حكم الكاذبين لكن في الدنيا لا نقبل توبتهم, هذا هو الصواب قال: (وإنما يُقتلون) حتى لو زعموا أنهم تابوا, بأحكام الدنيا لابد من قتلهم بدون استتابة هذا هو الصواب, والقول الثاني: أنهم يُستتابون لذلك ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب سماه: "الصارم المسلول في كفر شاتم الرسول".
فشاتم الرسول ساب الصحابة والساحر ومن تكررت ردته والزنديق كل هؤلاء الصواب أنه لا يُستتابون بمعنى أنهم يُقتلون ويجب قتلهم لو قال: أنه تائب ما تُقبل في أحكام الدنيا لكن تُقبل في أحكام الآخرة, بخلاف غير هؤلاء من الذين كفرهم كفرًا ليس غليظًا يُستتابون وهذا هو الصواب, وهنا قولٌ مرجوح القول: أنهم يُستتابون, والصواب: أنهم لا يُستتابون, كيف إن شتم أحد من الصحابة؟ إذا شتم أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي؟.
قِيلَ: (إن شتمهم وقال: إنهم على كفر وضلال يُقتلون لأنهم كفار, وإن شتمهم من باب الغيظ ومن باب الغضب ولا يرى كفرهم فهذا يُنَكَّلَ نَكَالًا شَدِيدًا) يعني يُضرب ويُسجن ويُحبس ولا يُقتل.
يعني الذي يشتم الصحابة فيه تفصيل: إن كان شتم من أجل دينهم غيظًا لدينهم هذا كافر, وإن كان شتمهم لأجل الغيظ في نفسه لا لأجل دينهم فهذا فاسق وعاصي ولا يكفر.
المتن:
قَالَ اَلْعُتْبِيُّ: قَالَ الصُّمَادِحِيُّ قَالَ مَعْنٌ: وَكَتَبَ إِلَى مَالِكٍ رَجُلٌ مِنْ اَلْعَرَبِ يَسْأَلُ عَنْ قَوْمٍ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ وَيَجْحَدُونَ اَلسُّنَّةَ وَيَقُولُوا: مَا نَجِدُ إِلَّا صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا.
الشرح:
هؤلاء الذين جحدوا السنة فيُستتابون فإن تابوا وإلا قُتلوا لجحدهم السنة.
المتن:
اَلْعُتْبِيُّ عَنْ عِيسَى، عَنْ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ قَالَ: وَمَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنْ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اَلزِّنْدِيقِ اَلَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ تَوْبَةٌ، فَلِذَلِكَ لَا يُسْتَتَابُ؛ لِأَنَّهُ يَتُوبُ بِلِسَانِهِ وَيُرَاجِعُ ذَلِكَ فِي سَرِيرَتِهِ فَلَا تُعْرَفُ مِنْهُ تَوْبَةٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ; لِأَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ.
وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ, وَقَالَ: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
الشرح:
هذا الكلام عن ابن القاسم كلامٌ جيد, عَنْ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ قَالَ: (وَمَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنْ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ) إذا سب أحدًا من الأنبياء أو الرسل فإنه يُقتل ولا تُقبل توبته؛ يعني لا تُقبل توبته في أحكام الدنيا لابد من قطع رقبته ويُحكم عليه بالكفر ولا يُغسل ولا يُصلى عليه, ولو ادعى التوبة نقول: هذا بينك وبين الله والله أعلم بنيتك إن كنت صادق قُبل منك, وإن كنت كاذب فأنت في حكم الكاذبين.
وكذلك يقول لا تُبل توبته لماذا؟ (لِأَنَّهُ يَتُوبُ بِلِسَانِهِ وَيُرَاجِعُ ذَلِكَ فِي سَرِيرَتِهِ فَلَا تُعْرَفُ مِنْهُ تَوْبَةٌ) ما يُدرك يعني يُظهر توبة وهو كاذب.
(وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ) من سب رسول الله أو سب أحدًا من الأنبياء يُقتل من دون استتابة.
استدل ابن القاسم بقول الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ[البقرة/285]) والساب ليس بمؤمن.
وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ[النساء/152]) والساب فرق بين الرسل.
وَقَالَ: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ[البقرة/137]) والساب تولى فهو في شقاق فيجب قتله, وهذا كلام جيد وعظيم لابن القاسم.
المتن:
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ أَعْلَمْتُكَ بِقَوْلِ أَئِمَّةِ اَلْهُدَى وَأَرْبَابِ اَلْعِلْمِ فِيمَا سَأَلْتُ عَنْهُ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ عَمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنْ أَصُولِ اَلسُّنَّةِ اَلَّتِي خَالَفَ فِيهَا أَهْلُ اَلْأَهْوَاءِ اَلْمُضِلَّةِ كِتَابَ اَللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ وَنَبِيِّهِ ﷺ وَلَوْلَا أَنَّ أَكَابِرَ اَلْعُلَمَاءِ يَكْرَهُونَ أَنْ يُسَطِّرَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَيُخَلِّدَ فِي كِتَابٍ، لَأَنْبَأْتُكَ مِنْ زَيْغِهِمْ وَضَلَالِهِمْ بِمَا يَزِيدُكَ عَنْ رَغْبَةٍ فِي اَلْفِرَارِ عَنْهُمْ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَتِهِمْ عَصَمَنَا اَللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ، وَوَفَّقَنَا لِمَا يُرْضِيهِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَقَرَّبَنَا إِلَيْهِ زُلَفًا زُلَفًا.
وَصَلَّى اَللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا آخِرَهُ، وَحَمِدَ لِلَّهِ وَحَمِدَهُ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَائِمًا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ آمِينَ.
كَانَ اَلْفَرَاغُ مِنْ هَذَا اَلْكِتَابِ اَلْمُبَارَكِ يَوْمَ اَلْأَحَدِ اَلْمُبَارَكِ عِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ اَلْحَرَامِ سَنَةَ: (1084).
الشرح:
(قَالَ مُحَمَّدٌ) وهو المؤلف رحمه الله: محمد بن أبي زمنين: (قَدْ أَعْلَمْتُكَ) يخاطب من كتب له هذا الكتاب, هذا يدل على أن الكتاب وأصول السنة كتبه بطلبٍ من بعض تلاميذه وأشاع أن يكتب له أقوال أئمة الهدى ومن خالفهم, فقال: (قَدْ أَعْلَمْتُكَ بِقَوْلِ أَئِمَّةِ اَلْهُدَى وَأَرْبَابِ اَلْعِلْمِ فِيمَا سَأَلْتُ عَنْهُ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ) هذا يدل على أنه مسئول, يعني سُئل وأجاب بهذا الكتاب, سأله بعض الطلبة أن يكتب لهم أقوال أهل العلم وما يخالفون من أقوال.
قال: (قَدْ أَعْلَمْتُكَ بِقَوْلِ أَئِمَّةِ اَلْهُدَى وَأَرْبَابِ اَلْعِلْمِ فِيمَا سَأَلْتُ عَنْهُ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ عَمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنْ أَصُولِ اَلسُّنَّةِ) لقد أخبرتك بأقوال أهل العلم وأقوال أهل البدع فيما يتعلق بأصول السنة في إثبات الصفات لله U وفي جميع ما مر في الأبواب, وفي أحكام أهل البدع, وفي حكم ولاة الأمور وما يتعلق بهم وغير ذلك من الأبواب التي مرت وهي اثنين وأربعين باب كلها داخلة في أصول السنة.
قال: (وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ عَمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنْ أَصُولِ اَلسُّنَّةِ اَلَّتِي خَالَفَ فِيهَا أَهْلُ اَلْأَهْوَاءِ اَلْمُضِلَّةِ كِتَابَ اَللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ وَنَبِيِّهِ ﷺ وَلَوْلَا أَنَّ أَكَابِرَ اَلْعُلَمَاءِ يَكْرَهُونَ أَنْ يُسَطِّرَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَيُخَلِّدَ فِي كِتَابٍ، لَأَنْبَأْتُكَ) يقول: يكرهون أن يُكتب كلامهم وإلا لذكرت لك أقوالًا كثيرة, هو الآن ذكر أقوال لكن يقولون: اختصر, يقولون: (لَأَنْبَأْتُكَ مِنْ زَيْغِهِمْ وَضَلَالِهِمْ بِمَا يَزِيدُكَ عَنْ رَغْبَةٍ فِي اَلْفِرَارِ عَنْهُمْ).
ثم دعا الله قال: (وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَتِهِمْ عَصَمَنَا اَللَّهُ وَإِيَّاكَ) أيها القارئ ويا طالب العلم, (مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ، وَوَفَّقَنَا لِمَا يُرْضِيهِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَقَرَّبَنَا إِلَيْهِ زُلَفًا زُلَفًا).
ثم ختم بالصلاة على النبي ﷺ قال: (وَصَلَّى اَللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا آخِرَهُ) وسبق أن قلنا: إن صلاة الله على عبده هي ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
قال: (وَحَمِدَ لِلَّهِ وَحَمِدَهُ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَائِمًا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ آمِينَ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.