شعار الموقع
شعار الموقع

أصول السنة للحميدي (01) من بداية الكتاب – إلى قوله "وأن ذلك كله قضاء من الله عز وجل"

00:00

00:00

تحميل
135

الشيخ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

فلا يخفى عليكم فضل العلم وتعلمه وتعليمه و أنه من أفضل القربات و أجل الطاعات وهو أفضل نوافل العبادة كما أقر ذلك أهل العلم والمراد بالعلم التي وردت النصوص في فضله وشرفه العلم بالله وبأسمائه وصفاته وبدينه وبالحلال والحرام والله تعالى رفع قدر العلماء وشأن العلماء وقرن شهادة العلماء بشهادته وشهادة ملائكته على أجل مشهود به وهي شهادة الله بالوحدانية قال الله تعالى  {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ  قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وهنا قارن استواء أهل العلم بغيرهم قال سبحانه:  قلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ و أهل العلم بالله هم أهل الخشية أهل العلم بالله هم أهل خشيته الكاملة كما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ومعلوم أن كل مؤمن عنده أصل الخشية بتقوى الله لأن من لا يخشى الله ليس بمؤمن فالمؤمن و إن كان عاصيا عنده أصل الخشية فالخشية من خشي الله و اتقاه  فوحد الله و أخلص له العبادة الخشية الكاملة إنما هي لأهل العلم كما في هذه الآية الكريمة: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وفي مقدمة العلماء الرسل عليهم الصلاة والسلام أنبياء الله ورسله هم في مقدمة العلماء والرسل والأنبياء هم أخشى الناس لله و أتقاهم فقد اصطفاهم الله تعالى واجتباهم على غيرهم اجتباهم بنبوتهم ورسالته فهم أخشى الناس و أتقى الناس و أعلم الناس بالله و أخشى الناس و أتقاهم و أخشى الرسل و أتقاهم أولي العزم الخمسة نوح و إبراهيم وعيسى وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام  فلهم نصيب من الخشية و التقوى أكثر من غيرهم ولهم النصيب الأوفر وأخشى أولي العزم الخمسة الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام و أخشاهما و أتقاهما و أعلمهما بالله نبينا و إمامنا  وقدوتنا محمد عليه الصلاة والسلام  ثم يليه جده إبراهيم ثم يليه موسى الكليم ثم يليه بقية أولي العزم الخمسة ثم يليه بقية الرسل ثم الأنبياء ثم يليهم الصديقون فهم أخشى الناس لله و أتقاهم والصديق على وزن فعيل صيغة مبالغة وهو الذي قوي تصديقه و إيمانه بالله حتى أحرق إيمانه وتصديقه الشهوات والشبهات الصديق لا يقدم على معصية في مقدمتهم الصديق الأكبر أبو بكر وقد أثنى الله تعالى على الصادقين قال سبحانه هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا و قال سبحانه: والصادقين والصادقات ثم بين جزاؤهم وغيرهم ممن أثنى الله عليهم قال أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ولما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفِ  العالية مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَى الناس في  الدنيا  الْكَوْكَبَ  الْغَابِرَ فِي الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ قال بعض الصحابة  يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنالها غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ.

ثم يليهم الشهداء جمع شهيد والشهيد هو قتيل المعركة والذي قتل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فالشهيد بذل أغلى ما يملك و أغلى ما يملك الإنسان نفسه التي بين جنبيه والشهيد بذلها لله وقدم مرضاة الله ومحبة الله على نفسه التي بين جنبيه ثم يليهم الصالحون والصالحون على طبقات ثلاث السابقون المقربون وهم الذين وحدوا الله و أخلصوا له العبادة و أدوا الواجبات والفرائض وتركوا المحرمات والكبائر وكان عندهم نشاط فزادوا في فعل المستحبات والنوافل وكذلك أيضا تركوا المكروهات وفضول المباحات هؤلاء هم السابقون المقربون والطبقة الثانية المقتصدون أصحاب اليمين الذين أدوا الواجبات والفرائض ولكن لم يكون عندهم نشاط في فهل النوافل و المستحبات وتركوا المحرمات والكبائر ووقفوا عند هذا الحد ولم يكن عندهم نشاط في ترك المكروهات كره التنزيه وتناول فضول المباحات ولكن هذين الصنفين السابقون المقربون والمقتصدون أصحاب اليمين يدخلون الجنة من أول وهلة فضلا من الله تعالى و إحسانا والطبقة الثالثة من أولياء الظالمون لأنفسهم وهم مؤمنون موحدون أخلصوا لله العبادة ولم يكن في عملهم شرك ولكنهم قصروا في بعض الواجبات أدوا الواجبات وقصروا في بعضها  وتركوا المحرمات ولكن قد يفعلوا بعض المحرمات لم يتركوا المحرمات كلها ولكن قد يفعلوا بعض المحرمات فهؤلاء هم ظالمون لأنفسهم هم على خطر من دخول النار وهم تحت مشيئة الله قد يعذب أحدهم في قبره بسبب المعاصي والجرائم  التي مات عليها كما ثبت في حديث  ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجلين عن النبي ﷺ أنه مر على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير, أما أحدهما, فكان لا يستبرئ من البول و أما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرز في كل قبر واحدة وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا وقد يصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة وقد يعذب بالنار وقد يعفى عنه وهو تحت مشيئة الله قال سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، منهم من يعذب في النار ويدخل فيها ويمكث فيها مدة.

ثم تواترت الأخبار عن النبي ﷺ يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون مصدقون موحدون ولكنهم دخلوا النار بالكبائر ومات على غير توبة كأن يكون موحد ولكنه أصر على الزنا  فلم يتب منه و أصر على التعامل بالربا  و أصر على أكل الرشوة و أصر على الغيبة  على النميمة أو على عقوق الوالدين أو قطع صلة الرحم فيعذب ما شاء الله ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين ومنهم يشفع له فلا يعذب فقد ثبتت الأخبار أن النبي ﷺ يشفع أربع مرات في كل مرة يحد الله له حدا ليخرجهم من النار بالعلامة وكذلك بقية الرسل و الأنبياء يشفعون وكذلك الأفراد والشهداء والشعوب والصالحون والملائكة وتبقى قلة لا تنالهم هذه الشفاعة أو يرحمه رب العالمين برحمته وشفاعة الملائكة وشفاعة النبيون ولم يبقى إلا رحمة أرحم الراحمين.

قط يعني التوحيد والإيمان فهؤلاء الطبقات الثلاث طبقات الصالحين الصادقون المقربون والمقتصدون أصحاب اليمين والظالمون لأنفسهم كلهم مؤمنون وكلهم موحدون وكلهم ممن اصطفاه الله كلهم وارثوا الكتاب وكلهم من أهل الجنة لكن الصنفين الأولين يدخلان الجنة من أول وهلة الصالحون السابقون والمقتصدون والصنف الثاني على خطر قال الله تعالى في وصف هؤلاء الثلاثة ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ  ۝ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ  ۝ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ۝ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ثم ذكر سبحانه الصنف الرابع من أصناف الناس وهم الكفار الذين كفروا لهم نار جهنم.

و أهل الجنة ثلاثة أصناف السابقون , المقتصدون , الظالمون لأنفسهم  و أهل النار هم الكفرة و إن تفاوتوا الكفرة أنواع  اليهود كفرة و النصارى كفرة والمجوس كفرة عباد النار والمنافقون كفرة و الملاحدة كفرة وكلهم في النار في دركاتها نعوذ بالله والمنافقون في الدرك الأسفل من النار لأن النار نعوذ بالله دركات كل دركة سفلى أشد عذاب من الدركة التي أعلى منها الجنة نسأل الله أن نكون منها درجات الدرجة العليا أعلى نعيم من الدرجة التي تحتها فيكون الناس أربع طبقات ثلاث طبقات من المؤمنين وطبقة من الكفار متفاوتين الكفار مقسمين كما سمعتم  والمنافين أشد عذابا من اليهود والنصارى لأنهم وافقوهم وافقوا في الكفر وزادوهم في الخداع والتلبيس فهم يعيشون بين المسلمين  ويلبسون عليهم ويدبرون الحيل والمكائد على الإسلام والمسلمين وهم أشد على المسلمين ولهذا صار عذابهم أشد أسأل الله السلامة والعافية.

ونحن إن شاء الله في هذه الأيام المباركة نسأل الله أن يجعلنا و إياكم من المقبولين و أن يوفقنا و إياكم  للعمل الصالح سوف نتكلم بما يفتح الله على رسالتين الرسالة الأولى أصول السنة للحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى الأسدي الحميدي المتوفى سنة مائتين وتسعة عشر والرسالة الثانية منسك الحج للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كنا قد  بدأنا في يوم الخميس الأول من شهر ذي الحجة لكن العدد قليل والتسجيل لم يكن جيدا فطلب بعض الإخوان الإعادة نعيد ما شرحناه باختصار كنا قد بدأنا في رسالتين لكن لا مانع من الإعادة نسأل الله أن يرزقنا جميعا العلم النافع والعمل الصالح وعلى طالب العلم أن يستشعر أنه في عبادة لأن تعلم العلم من أفضل القربات يستشعروا أنهم في عبادة وعليهم أن يراعوا الإخلاص لله .

و أن العبادة لا تصح ولا تكون نافعة إلا إذا توفر فيها قسمان القسم الأول أن تكون خالصة لوجه الله والقسم الثاني أن تكون موافقة لشرع الله والصواب على هدي الرسول ﷺ ويستشعر المؤمن لطلب العلم  يستشعر الإخلاص يستشعر المتابعة للنبي ﷺ ويسأل ربه أن يعلمه و أن يرزقه العلم لأنه رزق يرزقه الله من يشاء من عبادة وقد أمر الله نبيه أن يسأله الزيادة من العلم وقل رب زدني علما وعليه كذلك أيضا أن يحضر ذهنه أن يكون عنده انتباه و أن يسجل الفوائد و أن يقرأ الدرس من الكتاب قبل أن يأتي ويقرأه بعد ذلك ويتعاون هو وإخوانه ويسأل عما أشكل عليه يسأل سؤال استرشاد لا يسأل تعنت إذا كان المقصود من السؤال الاسترشاد فهذا مطلوب قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن  كنتم لا تعلمون أما إذا كان المقصود سؤال تعنت أو إيذاء المسؤول أو إيقاعه  في الحرج والعنت أويظهر نفسه بالرياء فهذا ممنوع والله تعالى لم يشرع فرضيات لم تقع ويترتب على ذلك حرج أو مشقة فهذا ممنوع، قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ  عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُم  مد على بركة الله في رسالة الأولى وهي أصول السنة للحافظ الحميدي

المتن

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم قال بشر بن موسى حدثنا الحميدي قال السنة عندنا أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن ذلك كله قضاء من الله .

 

الشرح:

نعم هذه الرسالة سماها سميت بأصول السنة والأصول جمع أصل وهو الذي يبنى عليه غيره  أصل الجدار و أساسه التي يبنى عليه و أصل الشجرة وجذعها سميت رسالة أهل السنة بأنها تتعلق بعقيدة المسلمون يعني الأمور التي يعتقدها العقيدة وما يعتقده الإنسان ويدني به ربه من أمور الدين هذه الكلمات التي جمعها الحميدي رحمه الله كلها تتعلق بمعتقد المسلم بما يعتقده ويدين به ربه  في القضاء والقدر وفي الإيمان وفي الصحابة وفي القرآن وفي الصفات .

كل هذه الأمور أصول وعقيدة يعتقدها المرء وتنبني على ذلك الأعمال ولهذا سميت أصول السنة و السنة يشمل ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من الأقوال والأفعال و الاعتقدات والتقريرات كله داخل في السنة, السنة عامة سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام أراد الله به من أمور الاعتقاد والأقوال ومن الأفعال ومن التقريرات كلها سنة في الشريعة كلها سنة.

لكن هذه الأمور التي ذكرها المؤلف واستدل عليها هي أصول تنبني عليها الأعمال عقائد الإيمان بالقدر يبني عليه الأعمال التسليم لله قضائه وقدره وينبني عليه  العمل الاجتهاد في العمل الصالح وكذلك الإيمان يعتقد أن الإيمان قول وعمل كان حسا له علي العمل وكذلك الترحم عليهم والترضي عنهم والأخذ عنهم وكذلك الإيمان بأسماء الله وصفاته ينبني على ذلك تعظيم الله  والإيمان بأسمائه وصفاته وكذلك العمل الصالح ودعاء الله وتعبد الله بما تقتضيه أسمائه وصفاته  ولهذا سميت أصول , أصول السنة شاملة  بأقوال النبي ﷺ و أفعاله و اعتقاده شاملة بالأقوال والأفعال والاعتقادات والسنة  عند المتأخرين والفقهاء قسموا ذلك إلى واجب وسنة وقالوا واجب ما يجب فعله والسنة ما يستحب فعله ولا يجب لكن السنة ما هو أوسع ما يشمل الأفعال والأقوال والتقريرات وهذه الرسالة رواها بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي بالسند وهذا من تلاميذ المؤلف رحمه الله وهو أبو علي بشر بن موسى بن صالح الإمام الحافظ كما ذكر المحقق قال أبو بكر كان أحمد بن حنبل يكرم بشر بن موسى قال الدار قطني ثقة وهو روى عن الحميدي رحمه الله هذه الرسالة والحافظ ثقة , وهو ثقة و أمين وعاقل فلهذا تكون الرسالة ثابتة لأنها عن  طريق الثقة العدل الذي رواه عن الحافظ قال حدثنا الحميدي الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى الأسدي الحميدي  المتوفى سنة مائتين وتسعة عشر أثنى عليه العلماء في حفظه وتقواه كان مشهورا بالحفظ مشهورا عنه بالورع والتقوى برز في علم الحديث وخدمته وأخذ عن كثير من أهل العلم ومن كبار المحدثين في عصره جالس ابن عيينة وأخذ عنه العلم كبار مشايخ الحديث على رأسهم الإمام البخاري رحمه الله صاحب الصحيح وله شيوخ وله تلاميذ مشهورون ومكانته وثناء العلماء  عليه مشهور ومعروف وسعة علمه وحفظه للحديث مشهور عند العلماء .

يقول رحمه الله: السنة عندنا، يعني العقيدة السليمة التي نعتقدها وتسمى الرسالة أصول السنة يعني العقيدة التي نعتقدها هي  أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره ، وحلوه ومره ، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن ذلك كله قضاء من الله السنة أي أن الأمر لازم الذي يجب على الإنسان أن يعتقده أن يؤمن بالقدر خيره وشره و الإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان وهو الركن السادس من أركان الإيمان كما ثبت في صحيح مسلم في حديث عمر بن الخطاب حديث طويل في سؤالاته جبرائيل للنبي ﷺ حين سأله عن الإسلام ثم سأله عن الإيمان فقال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره وجعل الإيمان والقدر الركن السادس من أركان الإيمان وقال الله تعالى في كتابه العظيم إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وقال سبحانه: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا فالإيمان بالقدر هو أصل من أصول الدين أصل من أصول الإيمان و الدين والإيمان والإسلام إذا أطلق يشمل الأقوال والأفعال والتقريرات والاعتقادات إذا أطلق الإسلام  دخل فيه الإيمان و إذا أطلق الإيمان  دخل فيه الإسلام والدين له مراتب ثلاثة الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان كما ثبت هذا في حديث جبرائيل حينما سأل النبي ﷺ عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان ثم قال النبي ﷺ لما سأله عن الساعة قال: هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم فسمى ذلك دينا فدل على أن الدين هذه المراتب الثلاث الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان.

قال: السنة عندنا أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، خيره وشره يعني بالنسبة للعبد الخير والشر ما يكون خيرا وما يكون شر يؤمن بأن هذا مقدر الخير كالطاعات والشر كالمعاصي وهو شر بالنسبة للعبد ولكن الله قدرها لحكمة لحكم الله تعالى قدر الخير والشر لابد الإيمان بهذا بالخير والشر والكفر والطاعات والمعاصي وهي حكمة بالغة فلا بد من الإيمان بهذا حلوه ومره  حلوه ما يناسب الإنسان و يلائم طبعه كالغناء والولد والمال الصحة العافية  والمر ما لا يلائم طبعه كالفقر والمرض والمصائب وغيرها وكلها من الله كلها مقدرة .

وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.

هذا أيضا من الإيمان بالقدر إذا الإيمان بالقدر أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك لأن الله تعالى قضى ذلك وكتب في اللوح المحفوظ . فكل ما يصيب الإنسان مكتوب في اللوح المحفوظ لا يمكن أن يخطئ الإنسان ما كتب الله أن يصيبه وكذلك ما أخطأه وهو ما لم يكتب في اللوح المحفوظ أن يصيبه فلا يمكن أن يصيبه لابد الإيمان بهذا  فلا يمكن أن يصيبه فلا بد الإيمان بهذا تعلم ما أصابك لم يخطئك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك  وجاء في بعض الأحاديث أن الإيمان بالقدر هو أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك و أن ما خطأك لم يكن ليصيبك هذا الإيمان بالقدر وأن ذلك كله قضاء من الله أن تؤمن أن الخير قضاء من الله والشر قضاء من الله والحلو قضاء من الله والمر قضاء من الله و أن ما أصابك قضاء من الله و أن ما خطأك قضاء من الله و الإيمان بالقدر له مراتب أربعة من لم يؤمن بهذه المراتب  بالأربع لم يؤمن بالقدر المرتبة الأولى العلم والمرتبة الثانية الكتابة المرتبة الثالثة الإرادة والمشيئة المرتبة الرابعة الخلق و الإيجاد هذه مراتب الإيمان بالقدر من لم يؤمن بهذه المراتب الأربع لم يؤمن بالقدر الأولى العلم وذلك بأن تعلم تؤمن بأن الله علم الأشياء في الأزل قبل كونها ووجودها علم ذلك في الأزل و الأزل هو الذي لا بداية  لأوليته وذلك أن الله هو الأول بذاته و أسمائه وصفاته هو الأول كما أنه هو الآخر  وكذلك هو الظاهر والباطن، كما قال تعالى في كتابه العظيم: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، قد ثبت في الحديث الصحيح وهو حديث الاستفتاح أن النبي قد فسر هذه الأسماء الأربعة أربعة أسماء لله  متقابلات الأول والآخر متقابلان والظاهر والباطن متقابلان اسمان لأوليته و أبديته, أوليته و آخريته واسمان لفوقيته وباطنيته يعني عدم حجب شيء له من المخلوقات فسرها النبي ﷺ في الحديث الصحيح يقول : اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء و أنت الآخر فليس بعدك شيء و أنت الظاهر فليس فوقك شيء و أنت الباطن فليس دونك شيء، فهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء فوق العرش سبحانه وهو الباطن الذي لا يحجب أحد من خلقه وهو الأول الذي لا بداية لأوليته وهو الآخر الذي لا نهاية لآخريته هو الأول بذاته وأسمائه وصفاته فالعلم علم الله الأزلي لا بداية لأوليته بأن تؤمن بأن الله علم الأشياء أزلا في الأزل الذي لم يسبقه جهل بل هو مستمر لا بداية لأوليته فلا بد أن تعلم أن الله علم الأشياء أزلا ولا بد من الإيمان بأن الله قد علم الأشياء الحاضرة ولابد أن الله قد علم الأشياء المستقبلة ولابد من الإيمان بأن الله قد علم ما لم يكن لو كان كيف يكون أربعة أنواع العلم الأزلي هذا في الأزل علم الأشياء الحاضرة وعلم الأشياء المستقبلة وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون كما أخبر الله تعالى في كتابه العظيم عن الكفار أنهم سألوا الرجعة إلى الدار الدنيا فقال الله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، هذا إخبار من الله بما لم يكن لو كان كيف يكون لو ردوا قال الله تعالى لما سأل عبد الله بن حرام في حديث جابر أن النبي ﷺ قال لجابر والد عبد الله بن حرام لما قتل شهيدا يوم أحد: إن الله كلم أباك كفاحا  يعني بدون واسطة قال: تمنى ! قد قتل شهيدا، قال: ربي أتمنى أن أرد للدار الدنيا فيقتل مرة أخرى لما رأى فضل الشهادة قال الله: أني كتبت أنهم إليها لا يرجعون فلا يرجع أحد إلى الدار الدنيا بعد موته فهؤلاء الكفار تمنوا الرجعة فقال الله ولو ردوا ماذا يحصل !!!  لعادوا لما نهو عنه و إنهم  لكاذبون وهم لا يردون أخبر الله أنهم لا يردون أخبر الله عما لم يكن لو كان كيف يكون وقال الله تعالى عن الكفار: ولَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، هو ما أسمعهم الآن لكن لو علم الله فيهم خير لأسمعهم ما لم يكن لو كان كيف يكون ولو أسمعهم ماذا يحصل ! لتولوا وهم معرضون قال في إخباره عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك: وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ، لو خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا،  هذا من إخبار الله بما لم يكن هم ما خرجوا  لكن لو خرجوا ماذا يحصل: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ.

كم مفسدة تحصل ! أربع مفاسد هذا من حكمة الله أنه ثبطهم لو خرجوا ما زادوكم إلا خبالا  شرا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يعني سعوا بينكم بالفساد والشر  يبغونكم الفتنة هذه الثالثة وفيكم سماعون لهم هذه الرابعة أربع مفاسد إذا المرتبة الأولى مرتبة العلم و الإيمان بأن الله علم الأشياء أزلا في الأزل وعلم الأشياء الحاضرة وعلم الأشياء المستقبلة وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.

المرتبة الثانية الكتابة كتابة الأشياء في اللوح المحفوظ وهو لوح عظيم كتب الله بقلم القدر مقادير الخلائق كلها لا يتخلف شيء عن اللوح المحفوظ كل ما يسمى شيئا فهو مكتوب في اللوح المحفوظ ما هي الأشياء التي كتبت كل ما يسمى شيء مكتوب الذوات كل ذات تشمل ذات الآدميين وذات الجن وذات الملائكة وذات الحيوانات وذات الحشرات وذات الأشجار وذات المياه وذات الهواء كل ذات تشمل الذوات كل ذوات مكتوبة الصفات والأفعال الحركات والسكون والسعادة لبني آدم و الجن والشقاوة والفقر والغنى والعز والذل والحياة والموت والحركات والحركة والسكون والعجز والكسب كل شي مكتوب كل شيء مكتوب حتى.

والأدله من الكتاب والسنة في إثبات الكتابة كثيرة مشهورة معلومة منها قول: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ،  ألم تعلم أن ذلك في كتاب أي اللوح المحفوظ قال : مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ، أي اللوح المحفوظ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، وقوله سبحانه و كُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ، وهو اللوح المحفوظ وقوله سبحانه: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ، وقال سبحانه: في لوح محفوظ، وقال عليه الصلاة والسلام عن ربه وكتب في الذكر كل شيء الذكر هو اللوح المحفوظ لما قدم الخلائق كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ثم خلقت السماوات والأرض كما ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال:وكان عرشه على الماء . وقال عليه السلام: إنَّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلمَ قَالَ له: اكتُبْ، قال:  يا ربي ومَاذا  أكْتُبْ ؟ قَالَ:  اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.  وفي لفظ : حتى تقول الساعة وما هو كائن إلى يوم القيامة، وقال سبحانه: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ إثبات العلم  مفاتح الغيب خمسة كما بينها كما في آخر سورة لقمان علم الساعة ونزول الغيث والعلم بما في الأرحام وما يحصل بكسب الإنسان والأرض التي يموت بها الإنسان هذه مفاتح الغيب التي لم يطلع عليها أحد اختص الله بها كما قال سبحانه: إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ  وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ،  وقال سبحانه: عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، هذا فيه إثبات العلم و إثبات الكتابة  إن الله بكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

المرتبة الثالثة: الإرادة والمشيئة وهي الإيمان كل شيء بهذا الوجود وقع لا بد أن يسبق وجوده إرادة الله ومشيئته له، والإرادة تنقسم إلى قسمين عند أهل السنة كما دلت على ذلك النصوص:

إرادة كونية خلقية قدرية هذه إرادة بالمشيئة إرادة ومشيئة.

والثاني إرادة دينية أمرية شرعية ترادف المحبة والرضا والإرادة التي هي من مراتب القدر أي الإرادتين الإرادة الكونية الخلقية فكل شيء يقع في هذا الوجود فقد سبقت به إرادة الله ومشيئته فلا يمكن أن يقع شيء في الوجود من خير أو شر أو حلو أو مر أو ذوات أو صفات أو أفعال إلا وقد سبقت به إرادة الله أو طاعات أو معاصي أو إيمان أو كفر أو خير أو شر إلا قد سبقت به إرادة الله أراد الله وقوعه كون وقدرا فوقع لأنه لا يقع في ملك الله ما لا يريد وهل يقع مالا يرد لا يمكن.

لكن الذي وقع في هذا الكون بالنسبة لما شرعه الله ورضيه وأحبه  ينقسم إلى قسمين قسم أراد الله وجوده دينا و شرعا من المحبوبات والطاعات وما أمر الله به وقسم يكرهه الله ويأباه شرعا ودينا ونهى عنه كالكفر والمعاصي ما يرضاه نهى عنه نهى عن الكفر والمعاصي وعن الزنا قال: ولا تقربوا الزنا ولا شرب الخمر نهى عنها ولم يرضاها ولم يحبها دينا وشرعا لكنها وقعت كونا وقدرا لحكمة بالغة أرادها كونا وقدرا يعني أراد الله وقوع الكفر و المعاصي كونا وقدرا و إن كان لا يريدها دينا وشرعا لا بد من الإيمان لأن الإرادة نوعان حتى لا يشتبه الأمر عليك إرادة كونية قدرية وإرادة دينية شرعية.

فالفرق بينهما الإرادة الكونية القدرية لا يتخلف ما أراده الله و الإرادة الدينية الشرعية قد يحصل مرادها وقد لا يحصل  إن كان المقدر يريده الله شرعا و دينا يقع يحبه الله وإن كان يريده دينا وشرعا فهو قد يقع وقد لا يقع و إن كان يريده كونا وقدرا فلا بد أن يقع كونا وقدرا لابد أن يقع.

أما ما أراده دينا وشرعا فقد يقع وقد لا يقع لأن لله حكمة بالغة ولا يمكن أن يقع في ملك الله ما لا يريد  لأن لو وقع في ملك الله ما لا يريد لكان وصف الله بالعجز تعالى الله عن ذلك علو كبيرا، ولكن سبحانه الحكمة البالغة في إرادته ووقوع الكفر والمعاصي لأن الله تعالى لا يريد المعاصي دينا وشرعا ولكنه يريد وقوعها كونا وقدرا لما يترتب عليها من الحكم التي يترتب على هذه الحكم وقوع محاب ومراضي لله فلولا إرادة الله بالكفر والمعاصي لفاتت عبوديات محبوبة لله لو لم يكن في الوجود كفر ومعاصي لفاتت عبودية الجهاد في سبيل الله التي هي من أفضل القربات أين الجهاد يجاهد من إذا لم يكن هناك كفار ولفاتت عبودية الحب في الله والبغض في الله عبودية الولاء و البراء  عبودية الدعوة إلى الله عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبودية الصبر والتحمل وهكذا هذه عبوديات يحبها الله فقدر الكفر والمعاصي لما له من الحكمة وله الحكمة لما في انقسام الناس لشقي وسعيد و مؤمن وكافر وما قدره سبحانه لما خلق للجنة أهلا وخلق للنار أهلا وأنه وعد الجنة بأن يملأها ووعد النار بأن يملأها وله الحكمة في ابتلاء المؤمنين بالكفار  والأخيار بالأشرار  ابتلى هؤلاء بهؤلاء هذه من الحكم والأسرار ليعلم المؤمن حكمة الله وأن كل شيء في هذا الوجود خلقه الله سبقت به إرادة الله ومشيئته  خيرا أو شرا طاعات أو معاصي  إيمان أو كفر لكن هذا الذي وقع فيه قسم منه محبوب لله شرعا ودينا وقسما منه مكروه لله شرعا ودينا قسم يحبه الله ويرضاه من الطاعات و الإيمان والتوحيد وقسم يكرهه الله ويسخطه ويبغضه وهو الكفر والمعاصي  المرتبة الرابعة الخلق والإيجاد و الإيمان بأن كل شيء في هذا الوجود خلقه الله كما قال سبحانه اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وقال سبحانه: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، خلق الذوات خلق الصفات خلق الأفعال خلق إرادات العباد وقدرهم أعطاهم الإرادات و أعطاهم القدرات فكل شيء في هذا الوجود هو مخلوق لله كما قال سبحانه:  اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الذوات و الصفات والأفعال هذه مراتب الإيمان بالقدر  الإيمان بالعلم الإيمان بالكتابة الإيمان بالإرادة والمشيئة الإيمان بالخلق و الإيجاد لا يصح الإيمان بالقدر ولا يتم حتى يؤمن الإنسان والعبد بهذه المراتب الأربع.

أهل السنة والجماعة أعلم بهذه المراتب الأربع و أما القدرية فخالفوا  والقدرية طائفتان الطائفة الأولى الغلاة الذين أنكروا المرتبتين الأوليين العلم والكتابة وقالوا عن الله لم يعلم بالأشياء حتى تقع إذا وقعت علمها نسبوا إلى الله الجهل نعوذ بالله وهؤلاء خرجوا في أواخر عهد الصحابة وكفرهم الصحابة لأنهم نسبوا إلى الله الجهل وفزع أولئك بعض من يطلب العلم من أهل البصرة  لما تكلم هؤلاء بالقدر و أول من تكلم في القدر معبد الجهني و غيلان الدمشقي ويقال سبقه سوسن ثم أخذ معبد الجهني وغيلان الدمشقي ففزع الطلبة إلى الصحابة رضوان الله عليهم  وروى حميد الطويل ويحيى بن معمر قصة في ذلك وأنهم كانوا يطلبون العلم في البصرة  فتكلم هؤلاء بالقدر و أنكروا القدر ففزعوا من ذلك وذهبا إلى الحج حاجين معتمرين  وقالا لو يسر الله لنا احد من أصحاب النبي ﷺ نسأله عن هؤلاء فوفق الله لهم عبد الله بن عمر داخل المسجد الحرام  فاكتنفاه، فسأله أحدهما فقال: يا أبا عبد الرحمن  أنه قد ظهر لنا أناس في البصرة يتقفون العلم أي يطلبون العلم ويزعمون أن الأمر أنف يعني مستأنف وجديد لم يسبق به علم الله، فقال ابن عمر رضي الله عنهما:  إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني بريءٌ منهم وأنهم بُرآءُ مني والذي نفس عمر بيده حلف أقسم لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ابن عمر حكم عليهم بالكفر قال الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وذلك أنهم نسبوا إلى الله الجهل والعياذ بالله فهؤلاء كفار وهم الذين قال فيهم الشافعي رحمه الله ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا و إن أنكروا به كفروا  وهؤلاء انقرضوا.

الطائفة الثانية القدرية الذين آمنوا بالعلم و آمنوا بالكتابة و آمنوا بالإرادة و الحق و الإيجاد إلا أنهم أخرجوا من عموم  المرتبتين الأخيرتين وهما الإرادة والخلق  أفعال العباد فقالوا إن الله أراد كل شيء إلا أفعال العباد وخلق كل شيء إلا أفعال العباد قالوا من الذي خلقها قالوا العباد أنفسهم  كل واحد يخلق فعل نفسه استقلالا من دون الله و قالوا إن الله خلق العبد وخلق إرادته وقدرته لكن العبد هو الذي خلق فعله شر أو طاعة أو معصية  هو الذي أراده الله ما أراد من العبد المعصية ولا خلق المعصية العبد الذي أرادها وخلقها وكذلك الطاعة لشبهة عرضت لهم و أنهم ظنوا أن الله لو قدر المعصية وعذب عليه لكان ظالما  فقالوا العبد هو الذي خلق المعصية هو الذي خلقها هو الذي أرادها فإذا عذب , عذب على فعله وكذلك الطاعات هو الذي أوجدها وهذا هو المعتزلة والقدرية إن الله يجب على العبد أن يثيب المطيع كما يستحق الأجير أجرته و يجب على الله أن يعذب العاصي وليس له أن يرحمه ولا أن يغفر له  لأن لا يخالف وعيده هذه الشبهة التي عرضت لهم  بدعهم العلماء جعلوه من البدع من الشبه التي عرضت لهم ويقال لهم في الرد عليهم إنه يلزم على قولكم إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه و أن الله لم يرد من العبد المعصية ولم يخلقها أنه يقع في ملك الله مالا يريد فالله لا يريد من العبد المعصية و العبد هو الذي يريد فيقع في ملك الله مالا يريد هذه  مفسدة عظيمة كيف تقولون أنه يقع في ملك الله مالا يريده ويلزم على هذا مفسدة أخرى وهو القول بأن مشيئة العبد تقلب مشيئة الرب فالله يشاء من العبد ويريد الطاعة والعبد يريد المعصية فأيهما تقع , تقع مشيئة العبد المعصية فيلزم على ذلك أن تغلب مشيئة العبد مشيئة الرب فهذا أمر عظيم أما القول بأن الله خلق المعاصي فلحكمة و أسرار لحكمة بالغة الذي ينسب إلى  الله الخلق  ولله الحكمة  فيكون خير ورحمة  والذي ينسب إلى العبد المباشرة والفعل والتسبب فيكون شرا  فالمعصية شر بالنسبة للعبد لأنه هو الذي باشره  وكسبه فضره وعذب عليه ولكنه خير بالنسبة إلى الله لأنه خلقه لحكمة وهذا هو معنى قول النبي ﷺ في الصحيح: والشر ليس إليك  يعني الشر المحض الذي له حكمة في إيجاده وتقديره ليس إليك ليس إلى الله لكن لما كان له شبهة صاروا مبتدعة

نعم نقف على هذا .

وفق الله الجميع لطاعــته

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد