شعار الموقع

شرح الرسالة الشخصية_11

00:00
00:00
تحميل
77

(المتن)

الرسالة الحادية عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

ومنها رسالة أرسلها جوابًا لعبد الله بن سحيم، مطوع أهل المجمعة، حين سأله عن الكتاب الذي أرسله عدو الله سليمان بن محمد بن سحيم مطوع أهل الرياض؛ وكانت رسالةً أرسلها إلى أهل البصرة والحسا، يشنّع فيها على الشيخ بالكذب والبهتان، والزور والباطل الذي ما جرى، وما كان قصده بذلك الاستنصار بكلامهم على إبطال ما أظهره.

(الشرح)

الشيخ: لعله وكان، وكان قصده بذلك، عندما "وما" كذا؟

الطالب: وما, نعم.

الشيخ: وكان قصده، لعله وكان قصده، ضع إشارة.

(المتن)

وكان قصده بذلك الاستنصار بكلامهم على إبطال ما أظهره الشيخ من بيان التوحيد وإخلاص الدعوة لله، وهدم أركان الشرك، وإبطال مناهج الضلال والإفك، ورام هذا أن يرتقي إلى ذلك بأسباب، ويستدعى من كل معاند مكابر الجواب، فإن الله تعالى بفضله قد أزال اللبس والحجاب، وكشف عن القلوب ظلمات الرين والاحتجاب، وهذا نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن سحيم؛ وبعد: أتانا مكتوبك.

(الشرح)

ما كتب السلام عليكم ورحمة الله؛ لأنه ضد الدعوة، ضد التوحيد، ما قال: السلام عليكم؛ لأنه ما يسلم على مسلم، وهو ضد الدعوة ينهى عن التوحيد، ويحض على الشرك؛ فالأصل أن يقول: سلام على من اتبع الهدى، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل، لكن ما قال: السلام على من اتبع الهدى، خشي أن ينفره, ولا قال: السلام عليكم؛ لأنه لا يعتقد أنه غير مسلم، ولا قال: السلام على من اتبع الهدى، خشي أن ينفره حتى لا يقبل الخطاب، فتركه من السلام، من فلان لفلان؛ أما بعد..

(المتن)

من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن سحيم؛ وبعد: أتانا مكتوبك وما ذكرت فيه من ذكرك وما بلغك, ولا يخفاك أن المسائل التي ذكرت أنها بلغتكم في كتاب من العارض، جملتها أربع وعشرون مسألة، بعضها حق وبعضها بهتان وكذب.

وقبل الكلام فيها، لا بد من تقديم أصل؛ وذلك أن أهل العلم إذا اختلفوا، والجهال إذا تنازعوا، ومثلي ومثلكم إذا اختلفنا في مسألة، هل الواجب إتباع أمر الله ورسوله وأهل العلم؟ أو الواجب إتباع عادة الزمان التي أدركنا الناس عليها، ولو خالفت ما ذكره العلماء في جميع كتبهم؟ وإنما ذكرت هذا ولو كان واضحًا؛ لأن بعض المسائل التي ذكرت أنا قلتها لكن هي موافقةٌ لما ذكره العلماء في كتبهم، الحنابلة وغيرهم، ولكن هي مخالفة لعادة الناس التي نشئوا عليها، فأنكرها علي لأجل مخالفة العادة.

في نسخة: فأنكرها علي من أنكرها.

فأنكرها عليَ لأجل مخالفة العادة وإلا فقد رأوا تلك في كتبهم عيانًا.

(الشرح)

يعني: معاينة.

(المتن)

وأقروا بها، وشهدوا أن كلامي هو الحق؛ لكن أصابهم ما أصاب الذين قال الله فيهم: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)[البقرة:89]؛ الآية.

(الشرح)

وهم اليهود، جحدوا الحق بعد معرفتهم، لا؛ عيانًا مصدر، عاين يعاين عيانًا، من قاتل يقاتل قتالًا، وخاصم يخاصم خصامًا.

(المتن)

وهذا هو ما نحن فيه بعينه؛ فإن الذي راسلكم هو عدو الله ابن سحيم، وقد بينت ذلك له فأقر به، وعندنا كتب.

(الشرح)

الشيخ: (...) ابن سحيم الآن؟

الطالب: (...) وعدو الله بن سليمان بن محمد بن سحيم.

الشيخ: وهذا ماذا؟ نعم الجملة الأخيرة.

(المتن)

وهذا هو ما نحن فيه بعينه؛ فإن الذي راسلكم هو عدو الله ابن سحيم.

(الشرح)

الشيخ: ما ذكر اسمه.

 الطالب: مكتوب في أول الرسالة: سليمان بن محمد بن سحيم.

الشيخ: هذا الذي أرسله، لكن هذا الثاني.

 الطالب: الذي أرسل له عبد الله بن سحيم والثاني سليمان.

الشيخ: سليمان طيب.

(المتن)

وقد بينت ذلك له فأقر به، وعندنا كَتْبِ يده في رسائل متعددة أن هذا هو الحق.

(الشرح)

الشيخ: وعندنا إيش؟

 الطالب: وعندنا كتب يده.

الشيخ: كتب يده؟ نعم.

 الطالب: أو كتب يده...

الشيخ: يعني كتب كتبها بيده نعم.

 الطالب: أو كتب يده يا شيخ؟

الشيخ: نعم؟

 الطالب: كتب يده.

(المتن)

وعندنا كتب يده في رسائل متعددة، أن هذا هو الحق، وأقام على ذلك سنين، لكن أنكر آخر الأمر لأسباب، أعظمها: البغي أن يُنْزل الله من فضله على من يشاء من عباده, وذلك أن العامة قالوا له ولأمثاله: إذا كان هذا هو الحق، فلأي شيء لم تنهوْنا عن عبادة شمسان وأمثاله؟

إذا كان هذا هو الحق، فلأي شيء لم تنهوْنا عن عبادة شمسان وأمثاله؟ فتعذروا أنكم ما سألتمونا, قالوا: وإن لم نسألكم، كيف نشرك بالله عندكم ولا تنصحونا؟ وظنوا أن يأتيهم في هذا غضاضة، وأن فيه شرفًا لغيره.

(الشرح)

يعني: لما أظهر الشيخ الإمام دعوته للتوحيد، وأن دعاء غير الله شرك، وكان ابن سحيم مقيم مدة، ما ينهى الناس عن الشرك، خشي أن يقال: أنكم كيف مقيمين هذه المدة، إذا كان الذي يدعو إليه ابن عبد الوهاب هو الحق، كيف أنتم ساكتين ما تنهون عن الشرك؟ كيف تسكتون عنه؟ كيف تقرون الشرك؟

(المتن)

كيف نشرك بالله عندكم ولا تنصحونا؟ وظنوا أن يأتيهم في هذا غضاضة، وأن فيه شرفًا لغيره وأيضًا، لما أنكرنا عليهم أكل السحت والرشا.

(الشرح)

الرُشا جمع رشوة الرُشا، هذه الرُشا والرَشا والرِشا؛ تختلف باختلاف التشكيل:

فالرُشا: جمع رشوة، وهي ما يُعطاها الإنسان لأجل السكوت عن الحق، وقول الباطل.

والرِشا: الحبل الذي يدلى في البئر، يتوصل به لاستخراج الماء.

والرَشا: بفتحها ولد الغزالة.

هذه ثلاثة رَشا، ورُشا، ورِشا.

الرُشا: جمع رشوة.

الرَشا: ولد الغزال.

الرِشا: الحبل الذي يتوصل به.

(المتن)

إلى غير ذلك من الأمور، فقام يدجل عندكم وعند غيركم بالبهتان, والله ناصر دينه ولو كره المشركون, وأنت لا تستهون مخالفة العادة على العلماء، فضلًا عن العوام, وأنا أضرب لك مثلًا بمسألة واحدة.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: أن العادة تجدها تتحكم في الإنسان، حتى لو كان من أهل العلم، إذ يمشي على العادة، فكيف بالعوام؟ لا تستهن بالعادة، ما يمشي عليه الناس عادةً، يصعب على بعض الناس إنه ينهى الناس عما اعتادوا، حتى ولو كان من أهل العلم، فكيف بالعوام؟ لا تستهون بالعادة.

 الطالب: لأن العادة تغلب حتى العالم؟

الشيخ: يعني، قد.., مثل الناس مثلًا الناس يتعانقون عند العيان، ويتعانقون عند التعزية، ما له أصل هذا، هذه ينبغي الإنسان ينهى عنه، إذا مات الميت ما يعانقونه، ما في داعي للمعانقة، أحسن الله عزاكم وخلاص, لشو المعانقة؟ المعانقة للقادم من السفر، أو في العيد المعانقة، فمثلًا أعاده الله علينا وعليكم بخير عيد مبارك مصافحة بدون تقبيل، التقبيل والمعانقة هذا عند قدومه من السفر, هذه من العادات مثلًا.

الطالب: (...).

الشيخ: ما هي مشروعة، التقبيل ما في داعي للتقبيل؛ لأنه بدعة.

التقبيل كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من السفر تعانقوا».

(المتن)

وأنا أضرب لك مثلًا بمسألة واحدة, وهي مسألة الاستجمار ثلاثًا فصاعدًا، غير عظم ولا روث، وهو كافٍ مع وجود الماء عند الأئمة الأربعة وغيرهم، وهو إجماع الأمة لا خلاف في ذلك؛ ومع هذا، لو يفعله أحد لصار هذا عند الناس أمرًا عظيمًا.

(الشرح)

ضرب المؤلف مثل: الاستجمار، إذا استجمر الإنسان بثلاثة أحجار منقية، ولا ينقى للخارج أثر، الأثر لا يزيله إلا الماء، ولم يتجاوز موضع العادة، كفى ولا يحتاج ماء، ولو مع وجود الماء، بعض الناس يستنكر هذا، هذه العادة، يقول: لابد من استعمال الماء، إذا استجمر الإنسان بثلاثة أحجار منقية، أو بالمناديل الورق الخشنة، وكانت المسحات أو الأحجار ثلاثة، والخارج لم يتجاوز موضع الحاجة المنطقتين، (...) ولم بعض الناس يقول المؤلف: تستنكر هذا، ويقال بعض الناس: رأوا أن هذا أمر عظيم، مع أنه أجمع العلماء على أنه كافي، الاستجمار كافي عن الماء، إذا وجد ثلاث شروط، نعم. وأنا أضرب لك مثلًا

مثلا العادة يعني، يبين أن العادة يصعب الافتكاك منها، حتى من يستصعبها من العامة.

(المتن)

وهي مسألة الاستجمار ثلاثًا فصاعدًا، غير عظم ولا روث، وهو كافٍ مع وجود الماء عند الأئمة الأربعة وغيرهم، وهو إجماع الأمة لا خلاف في ذلك؛ ومع هذا، لو يفعله أحد لصار هذا عند الناس أمرًا عظيمًا.

 ولنهوا عن الصلاة خلفه.

(الشرح)

يصلي بهم وهو لو استجمر ولا استنجى بالماء، ما صلى خلفه بعض الناس.

(المتن)

 وبدّعوه، مع إقرارهم بذلك ولكن لأجل العادة, إذا تبين هذا, فالمسائل التي شنع بها، منها ما هو من البهتان الظاهر وهي قوله: إني مبطل كتب المذاهب، وقوله: إني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء.

(الشرح)

هذا قول ابن سحيم يتهم الشيخ، يقول: إن عبد الوهاب يبطل المذاهب كلها، المذاهب الأربع، ويقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على حق، وإنهم على ضلال، الشيخ يقول: هو من البهتان.

الطالب: (...)

الشيخ: كتب خطاب لابن سحيم، يخبره بكلام لابن سحيم الثاني.

الطالب: (...)

الشيخ: كلهم ما يوافقهم؛ لكن هو يكتب لابن سحيم هذا اللي ضد، الشيخ ضد الدعوة، يقول له: أبين لكم بعض الأشياء التي اتهمونا بها، ما زال ابن سحيم الثاني هو قريب له أو غير قريب له قال فينا كذا وكذا وكذا.

(المتن)

 وقوله: إني أدعي الاجتهاد، وقوله: إني خارج عن التقليد، وقوله: إني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، وقوله: إني أكفّر من توسل بالصالحين، وقوله: إني أكفّر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق وقوله: إني أكفّر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق.

(الشرح)

هذا تكرار هذا، الذي طبعها كرر.

(المتن)

وقوله: إني أقول: لو أقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزابًا من خشب، وقوله: إني أُنكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم، وقوله: وإني أكفّر من يحلف بغير الله, فهذه اثنتا عشرة مسألة.

(الشرح)

كل هذا من التهم التي أُلصقت بابن عبد الوهاب، وهو بريء منها، بل خصوم الدعوة هم الذين يشيعون مثل هذه الافتراءات.

(المتن)

فهذه اثنتا عشرة مسألةً جوابي فيها أن أقول: "سبحانك هذا بهتان عظيم"! ولكن قبله من بهت النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين.

(الشرح)

يقول: لماذا صار هذا من أعداء الله؟ اتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا: إنه يسب عيسى ويسب أمه.

(المتن)

ولكن قبله من بهت النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين تشابهت قلوبهم. وبهتوه بأنه يزعم أن الملائكة، وعيسى، وعزيرًا في النار، فأنزل الله في ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)[الأنبياء:101]؛ الآية.

وأما المسائل الأخر، وهي: أني أقول: لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى "لا إله إلا الله"، ومنها: أني أعرّف من يأتيني بمعناها، ومنها: أني أقول: الإله هو الذي فيه السر، ومنها: تكفير الناذر إذا أراد.

(الشرح)

في السر يعني: يُعتقد فيه أنه ينفع وأنه يضر في السر، فمثلًا الميت الآن، الذي يدعو الميت ويذبح له، لماذا؟ لأنه يعتقد أنه ينفع في السر، ينفع ويضر، لأنه ما بحي، ما معه أسباب، ولا بيده أسباب، فلولا أنه يعتقد أنه ينفع بسره، لا بشيءٍ ظاهر، هذا لما عبده، ولم دعاه من دون الله، مثل من يخاف خوف السر من الميت، يخاف من الميت أن يقطع رزقه، أو أن يدخله النار، أو يحرمه دخول الجنة، أو يسلط عليه عدو، بسره ليس معه شيء، لكن يخاف من سره، لا بسبب المظاهر، بخلاف ما يقال: عندك عدو ومعه سيف، تخاف منه, هذا من الأسباب الظاهرة، تأخذ حذرك من العدو، تأخذ حذرك من السباع، هذه أسباب ظاهرة، لكن الميت ما فيه إلا في السر، ما في سبب ظاهر، معناه إنه يخافه في السر.

(المتن)

ومنها: أني أقول: الإله هو الذي فيه السر ومنها: تكفير الناذر إذا أراد به التقرب لغير الله، وأخذ النذر كذلك، ومنها: أن الذبح للجن كفر، والذبيحة حرام.

ومنها: أن الذبح للجن كفر، والذبيحة حرام ولو سمى الله عليها إذا ذبحها للجن، فهذه خمس مسائل كلها حق، وأنا قائلها.

ونبدأ بالكلام عليها؛ لأنها أمُّ المسائل، وقبل ذلك أذكر معنى "لا إله إلا الله"، فنقول: التوحيد نوعان: توحيد الربوبية وهو: أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم، وهذا حق لابد منه، لكن لا يُدخل الرجل في الإسلام؛ لأن أكثر الناس مقرُّون به، قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ) إلى قوله: (أَفَلا تَتَّقُونَ)[يونس:31]. وأن الذي يُدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الألوهية، وهو: أن لا يعبد إلا الله، لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث وأهل الجاهلية يعبدون أشياء مع الله: فمنهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو عيسى، ومنهم من يدعو الملائكة، فنهاهم عن هذا، وأخبرهم أن الله أرسله ليوحّد، ولا يدعى أحد من دونه، لا الملائكة ولا الأنبياء؛ فمن تبعه ووحد الله، فهو الذي شهد أن لا إله إلا الله، ومن عصاه ودعا عيسى والملائكة، واستنصرهم والتجأ إليهم، فهو الذي جحد لا إله إلا الله، مع إقراره أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله, وهذه جملة لها بسط طويل.

(الشرح)

يعني: المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، ولكن ما يدخلون في الإسلام، تعالى الرب الخالق الرازق المدبر، حتى يوحدوا الله بأفعالهم هم من: الدعاء، والذبح، والنذر، والصلاة، والركوع والسجود، والخوف, والرجاء، والرغبة، والرهبة، والتوكل، والاستعانة والاستغاثة، أفعال العبد يوحد الله بها؛ هذا هو توحيد العبادة، وهذا هو الفارق بين المسلم والكافر، أما توحيد الربوبية فقد أقر به المشركون، وإن كان توحيد مطلوب، لكنه أمر فطري، ما أنكره أحد إلا من شذ.

(المتن)

لكن الحاصل: أن هذا مجمع عليه بين العلماء, ولما جرى في هذه الأمة ما أخبر به نبيها صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».

 وكان من قبلهم كما ذكر الله عنهم: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)[التوبة:31].

فصار ناس من الضالين يدعون أناسًا من الصالحين في الشدة والرخاء، مثل عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، وعديّ بن مسافر.

(الشرح)

عبد القادر الجيلاني هذا رجل صالح عالم من علماء الحنابلة، دفن في العراق وقبره موجود، إلى الآن يدعونه، ويا عبد القادر الجيلاني، يا عبد القادر الجيلاني، يدعونه من دون الله يعبدونه.

 الطالب: يا شيخ ذكر بعضهم أن فيه تصوف.

الشيخ: نعم، هو تصوف، لكن كتاب غُنية عن التصوف لكنه تصوف خفيف، ما هو من التصوف المعروف.

 (وأحمد البدوي) أحمد البدوي في مصر يعبد في طنطا، وهو إلى الآن موجود الآن، من سنين طويلة، حتى إنه في بعض السنين، وصل الذين يحجون إلى قبره مليونين، ما يقارب مليونين، يدعونه من دون الله، ويذبحون له، وينذرون له، يفعلوا الأفعال، وهذا قيل إنه، هذا القبر، قيل إنه رجل بدوي وإنه بني على قبره، وقيل إنه رجل بال في المسجد ثم لما مات (...) على قبره، وقيل ليس فيه شيء، وقيل: أن فيه حمار، وأيًا كان حتى ولو كان نبي من الأنبياء، ما يجوز العبادة من دون الله، العبادة حق الله، وهم الآن يعبدونه من دون الله.

الطالب: يا شيخ أحسن الله إليك، أحد طلبة العلم، يقول: كنت ماشي في المنطقة هذه، وركب معي أخ من تلك البلاد، يقول: فدار بيني وبينه حديث، يقول: فقلت له: أنتم عندكم الأولياء، أنت رحت لأحمد البدوي؟ قال: ما رحت لكني بروح إن شاء الله، يقول: فقلت: لعله جديد بهذه المنطقة، ما عاد سمع التوحيد، قلت: كم لك هنا في المنطقة هذه؟ قال: ثمان سنين، ثمان سنين وأنت على المعتقد هذا، ما سمعت أحد ينهى عن الشرك؟

الشيخ: ها؟ ثمان سنين؟.

الطالب: ثمان سنين في المنطقة ما أحد ينهى عن الشرك.

الشيخ: ما أحدى ينهى.

 الطالب: إيه، فأقول يا شيخ يعني مثل هذا بعض الإخوان، يعني ما يهتمون واحنا منهم، الله يعفو ويرحم، ما يهتمون بالدعوة للتوحيد حقًا، لا الخطب، ولا الكلمات ولا المواعظ.

الشيخ: يجب نركز عليها، هذا أهم المهمات، الكلام في التوحيد.

الطالب: يقولوا: ما عندنا شرك.

الشيخ: هم هناك يعني ما سمع أحد ينهى عنه.

 الطالب: لا, هنا.

الشيخ: ما سمع يعني حتى ينبه هناك.

الطالب: إيه.

الشيخ: إيه، صحيح يجب أن ينبه، الخطباء يجب يركزون على التوحيد والعقيدة، ويبان أن العبادة حق الله، وأن الدعاء والذبح والنذر، والاستغاثة، هذه حق الله، من صرفها لغيره فقد وقع في الشرك، نعم، (...) كثير من الناس، حتى ولو بعضهم من ينتسب إلى العلم، إذا مر من عند قبر البدوي، لابد يقف بالسيارة، لابد يقف وقوف.

الطالب: يقف؟

الشيخ: يقف، بعضهم هكذا يعتقدون، حتى لو كان من الذين لا يذهبون إلى قبره، يعتقد هذا، وأنه إذا لم يفعل هذا يصيبه شيء، نسأل الله العافية.

بعضهم كذبة، هذا يعني يقول هو يقف بالسيارة إذا مر بقبر البدوي، نسأل الله العافية، ليش قبر البدوي أين هو، يخاف من التراب، أين العقول؟ نسأل الله العافية، يخاف من التراب، وينسى ربَّ الأرباب، نسأل الله العافية.

الطالب: وقوف مثل هؤلاء مو خوف من السر.

الشيخ: نعم؟ على حسب اعتقادهم، فإنه يعتقد أنه ينفع ويضر، وإنه وقف خوفًا منه، نسأل الله العافية، هذا شرك.

الطالب: ولو وقف احترامًا، احترام بس ما يخاف لكن يحترمه.

الشيخ: المسألة خطيرة، يعني أقل أحوالها البدعة، نعم.

الطالب: (...).

الشيخ: لما طال العهد، لما طال العهد طال الزمان وقع الشرك، نعم.

ومنه ما جاء في البخاري عن ابن عباس، في صفحة ود وسواع ويغوث في قوم نوح، قال: كان ود وسواع رجال من قوم نوح، فماتوا فحزنوا عليهم فقال لهم الشيطان: صوروا لهم صور تتذكروهم, فصوروهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.

(المتن)

وعدي بن مسافر وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح, فصار ناس من الضالين يدعون أناسًا من الصالحين في الشدة والرخاء، مثل عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، وعدي بن مسافر وأمثالهم من أهل العبادة واصلاح، فأنكر عليهم أهل العلم.

(الشرح)

وأمثالهم من أهل العبادة؟

 الطالب: والصلاح.

الشيخ: كان ظاهره أن أحمد البدوي من أهل العبادة والصلاح.

(المتن)

فأنكر عليهم أهل العلم غاية الإنكار، وزجروهم عن ذلك، وحذروهم غاية التحذير والإنذار من جميع المذاهب الأربعة في سائر الأقطار والأمصار، فلم يحصل منهم انزجار بل استمروا على ذلك غاية الاستمرار, وأما الصالحون الذين يكرهون ذلك فحاشاهم من ذلك, وبين أهل العلم أن أمثال هذا هو الشرك الأكبر.

وأنت ذكرت في كتابك تقول: يا أخي، ما لنا والله دليل إلا من كلام أهل العلم؛ وأنا أقول: كلام أهل العلم رضى، وأنا أنقله لك، وأنبهك عليه؛ فتفكرْ فيه، وقم لله ساعة ناظرًا ومناظرًا، مع نفسك ومع غيرك. فإن عرفت أن الصواب معي، وأن دين الإسلام اليوم من أغرب الأشياء، أعني دين الإسلام الصرف، الذي لا يمزج بالشرك والبدع، وأما الإسلام الذي ضده الكفر، فلا شك أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم آخر الأمم، وعليها تقوم الساعة، فإن فهمت أن كلامي هو الحق فاعمل لنفسك, واعلم أن الأمر عظيم، والخطب جسيم.

فإن أشكل عليك شيء، فسفرك إلى المغرب في طلبه غير كثير, واعتبر لنفسك حيث قلت لي فيما مضى: إن هذا هو الحق الذي لاشك فيه، لكن لا نقدر على تغييره، وتكلمت بكلام حسن؛ فلما غربلك الله بولد المويس، ولبس عليك، وكتب لأهل الوشم يستهزئ بالتوحيد، ويزعم أنه بدعة، وأنه خرج من خراسان، ويسب دين الله ورسوله، لم تفطن لجهله وعظم ذنبه، وظننت أن كلامي فيه من باب الانتصار للنفس.

وكلامي هذا لا يغيرك، فإن مرادي أن تفهم أن الخطب جسيم، وأن أكابر أهل العلم يتعلمون هذا ويغلطون فيه، فضلًا عنا وعن أمثالنا, فلعله إن أشكل عليك تواجهني؛ هذا إن عرفت أنه حق وإن كنت إذا نقلت لك عبارات العلماء، عرفتَ أني لم أفهم معناها، وأن الذي نقلتُ لك كلامهم أخطئوا، وأنهم خالفهم أحد من أهل العلم، فنبهني على الحق، وأرجع إليه إن شاء الله تعالى.

(الشرح)

رحمه الله، هذا من إنصافه رحمه الله.

(المتن)

فنقول: قال الشيخ تقي الدين: وقد غلط في مسمى التوحيد طوائف من أهل النظر، ومن أهل العبادة، حتى قلبوا حقيقته: فطائفة ظنت أن التوحيد هو نفي الصفات، وطائفة ظنوا أنه الإقرار بتوحيد الربوبية، ومنهم من أطال في تقرير هذا الموضع.

(الشرح)

والذين قالوا: أن التوحيد هو نفي الصفات؛ معطلة من الجهمية والمعتزلة يرون التوحيد نفي الصفات، والذين قالوا: إن التوحيد توحيد الربوبية؛ الصوفية، الصوفية والأشاعرة وغيرهم.

(المتن)

ومنهم من أطال في تقرير هذا الموضع وظن أنه بذلك قرر الوحدانية، وأن الألوهية هي القدرة, وظن أنه بذلك قرر الوحدانية, وأن الألوهية هي القدرة على الاختراع.

(الشرح)

يفسر قول "لا إله إلا الله": لا خالق إلا الله، هذا قول الأشاعرة والصوفية، هذا من أبطل الباطل، معناه ما عرفوا توحيد الألوهية، فسروا توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية معنى "لا إله إلا الله" لا قادر إلا الله، لو كان معنى "لا إله إلا الله" لا قادر إلا الله؛ لكان المشركون موحدين، يقولوا: لا قادر إلا الله، ولا خالق إلا الله، ومعنى "لا إله إلا الله": لا معبود حق إلا الله.

(المتن)

ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد, قال الله تعالى: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[المؤمنون:84] الآيات، وهذا حق، لكن لا يخلص به عن الإشراك بالله.

(الشرح)

قال: لا يخلص به عن الإشراك بالله، يعني ما يخلص من الإشراك بالله، لكن لا يخلص به عن الإشراك بالله، يعني من أقر بتوحيد الربوبية، وقال: بأن الله الخالق، الرازق، المدبر، المحيي، ما يخلص من الشرك، قد يقول: لا قادر إلا الله، لا خالق إلا الله، وهو يعبد غير الله، ما يتخلص من الشرك إلا إذا وحد الله في العبادة، أما من وحد الله في الربوبية، وقال: لا خالق إلا الله، ما يتخلص من الشرك، قد يقول: لا خالق إلا الله وهو يشرك في العبادة، متى يتخلص من الشرك؟ إذا وحد الله بالألوهية، أما إذا وحد الله بالربوبية قد يكون مشرك، يقول: الله هو المدبر، الخالق، الرازق، هذا توحيد الربوبية، ومع ذلك يدعو غير الله ويعبد غير الله.

(المتن)

وهذا حق لكن لا يخلص به عن الإشراك بالله، الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص الدين لله، فلا يعبد إلا الله، فيكون دينه لله؛ والإله هو: المألوه الذي تألهه القلوب. وأطال الكلام رحمه الله, وقال أيضًا، في "الرسالة السنية".

(الشرح)

شيخ الإسلام ابن تيمية يعني، ينقل عن شيخ الإسلام.

(المتن)

وأطال أيضًا في الرسالة السنية، التي أرسلها إلى طائفة من أهل العبادة ينتسبون إلى بعض الصالحين، ويغلون فيه، فذكر حديث الخوارج، ثم قال: فإذا كان هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ممن ينتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة.

(الشرح)

من مرق من الدين: الخوارج، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»؛ وهم الخوارج، وهم يعبدون الله، يصلون في الليل ويبكون، وفي النهار قسوس، ورهبان، (...) وهم مع ذلك (...) قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، إذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله، يقرئون القرآن لا يجاوز حناجرهم».

إذا كان هذا أهل علم، وأهل عبادة، وأهل صلاة، وشجاعة يمرقون من الدين، فغيرهم من باب أولى يمرق من الدين.

الطالب: هل في الخوارج؟.

الشيخ: الحديث في الخوارج نعم، فيهم أكثر من حديث صحيح.

(المتن)

 فليُعلم أن المنتسب إلى الإسلام قد يمرق من الدين، وذلك بأمور: منها: الغلوّ الذي ذمه الله، مثل الغلو في عديّ بن مسافر أو غيره، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح ونحوه؛ فكل من غلا في نبي، أو صحابي، أو رجل صالح، وجعل فيه نوعًا من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان أغثني! أو أنا في حسبك، ونحو هذا، فهذا كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل, فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ليُعبد ولا يُدعى معه إله آخر, والذين يدعون مع الله آلهةً أخرى.

(الشرح)

هذا مشرك، يقول: يا سيدي فلان أغثني، هذا مشرك، دعا غير الله.

(المتن)

والذين يدعون مع الله آلهةً مثل الشمس والقمر، والصالحين والتماثيل المصورة على صورهم، لم يكونوا يعتقدون أنها تنزل المطر، وتنبت النبات، وإنما كانوا يعبدون الملائكة والصالحين، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.

(الشرح)

يعني: يعرفون أنهم ما يخلقون ولا يرزقون، ولا ينزلوا المطر، لكن يدعونهم ويطلبون الشفاعة منهم والقرب والوجاهة فقط، فأشركوا فصاروا مشركين، هم ما يعتقدون أنهم يخلقون، ولا يرزقون ولا ينفعون ولا يضرون، ومع ذلك أشركوا، سموا مشركين؛ لأنهم دعوهم، أشركوا فيهم شرك العبادة.

(المتن)

فبعث الله الرسل وأنزل الكتب، تنهى أن يُدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة. وأطال الكلام، رحمه الله.

(الشرح)

يعني شيخ الإسلام.

(المتن)

فتأمل كلامه في أهل عصره من أهل النظر الذين يدعون العلم، ومن أهل العبادة الذين يدعون الصلاح.

وقال في الإقناع، في باب حكم المرتد في أوله: فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته, إلى أن قال: أو استهزأ بالله أو رسله، قال الشيخ: أو كان مبغضًا لرسوله أو لما جاء به اتفاقًا، أو جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم، كفَر إجماعًا, إلى أن قال: أو أنكر الشهادتين أو إحداهما. فتأمل هذا الكلام.

(الشرح)

من أنكر الشهادتين أو أنكر إحدى الشهادتين فهو كافر، كل هذه أنواع كفرية.

الطالب: دعاء الاستغاثة؟.

الشيخ: دعاء الاستغاثة، الاستغاثة هي تكون من مكروب، ودعاء العبادة عام يشمل المكروب وغير المكروب، المكروب لو وقع في كربة ثم دعا هذا يسمى عندهم استغاثة، إذا دعا حريق، من وقع في حريق أو غريق في الماء فدعا غير الله، لما سقط في الماء قال: يا علي، يا علي، هذا دعاء استغاثة، والذي يدعو في حال الشدة هذا دعاء عبادة، فدعاء العبادة أعم وأوثق، كل دعاء استغاثة هو دعاء عبادة، وليس كل دعاء عبادة هو دعاء استغاثة.

(المتن)

فتأمل هذا الكلام بشراشر قلبك، وتأمل هل قالوا هذا في أشياء وجدت في زمانهم، واشتد نكيرهم على أهلها، أو قالوها ولم تقع.

(الشرح)

يعني اعتني بهذا، هو أراد النصح هنا، يعني اعتني بهذا عناية قلب, فتأمل هذا بشراشير قلبك.

(المتن)

فتأمل هذا الكلام بشراشر قلبك، وتأمل هل قالوا هذا في أشياء وجدت في زمانهم، واشتد نكيرهم على أهلها، أو قالوها ولم تقع، وتأمل الفرق بين جحد الربوبية.

(الشرح)

كلها شر قالوا: هو واقعًا.

(المتن)

وتأمل الفرق بين جحد الربوبية والوحدانية، والبغض لما جاء به الرسول.

وقال أيضًا في أثناء الباب.

(الشرح)

جحد الربوبية، وجحد الوحدانية، "وحدانية الله" وبغض الرسول، كل هذه شرك، أنواع من الشرك، من جحد ربوبية الله، أو جحد وحدانيته أو أبغض الرسول فهو كافر، ثلاثة أنواع من الكفر.

(المتن)

وقال أيضًا في أثناء الباب: ومن اعتقد أن لأحد طريقًا إلى الله غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجب عليه إتباعه، أو أن لغيره خروجًا عن إتباعه، أو قال: أنا محتاج إليه في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، أو قال: إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، كفَر في هذا كله.

(الشرح)

هذا يكفر، من قال: الإنسان له طريق غير طريق الرسول، يدخل إلى دين الله، وإلى جنته وإلى كرامته من غير طريق الرسول؛ هذا كافر, ما في طريق يوصل إلى الله إلا من طريق الرسول عليه الصلاة والسلام، من اعتقد أنه يصل إلى الله من غير طريق الرسول فهو كافر، أو أنه محتاج إلى الرسول في علم الظاهر دون علم الباطن، أو يحتاج إلى الرسول في علم الشريعة دون علم الحقيقة، علم الحقيقة عند الصوفية، يقول: المسلمون لهم علم الشريعة، ونحن عندنا الحقيقة علم الحقيقة، ويدعون أنهم تجاوزوا مرتبة العامة، العامة لهم علم الشريعة، والمخصوصون لهم علم الحقيقة.

يقول: من تجاوز العامة ووصل إلى علم الحقيقة، وألغى صفته وجعل الصفات لله، ووجه نظره إلى الله، سقطت عنه التكاليف، وصار ما عليه لا صلاة ولا صيام ولا أي تكليف، التكليف على أهل الشريعة العوام، يسمونهم العامة، ويسمون أنفسهم الخاصة، من تجاوز علم الشريعة صار من الخاصة، ويقولون: إنه يلغي صفاته ويجعلها صفات لله، ويستدلون بقوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الحجر/ 99]؛ وقالوا: اليقين: العلم، وصل إلى العلم، ويعلم أن ما قدر سيكون، وأن الصفات صفات لله، سقطت عنه التكاليف، وصار من أهل الحقيقة، وصار من الخاصة، وتجاوز العامة، منهم الأنبياء والرسول كلهم من العامة، ويدعون أنفسهم خاصة، هؤلاء كفار, من قال: أن أحد يسقط عنه التكاليف وعقله معه؛ فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتد، بإجماع المسلمين.

الطالب: ما هو عليم الحقيقة؟.

الشيخ: علم الحقيقة عند الصوفية، علم الرموز، رموز وإشارات ما يعرفها إلا هم، تكاليف عندهم أشياء خاصة، يقولوا: العامة هم اللي عندهم صلاة وصيام ودعاء وحلال وحرام وهذا عند العامة، أما هم حرام ما عندهم لا حلال ولا حرام، ولا كذا, ولا عندهم معاصي، يقول: العامة عندهم معاصي وطاعات، أما هم كل ما يفعلونه طاعات، ثم عاد يرتقون إلى خاصة الخاصة الذين يقولون بوحدة الوجود، ما عندهم لا شريعة ولا حقيقة، ولا عندهم لا معاصي ولا طاعات؛ لأنه وصل إلى القول بوحدة الوجود، فيدعي أنه هو الرب، هو العبد وهو الرب نعوذ بالله، يسمونهم خاصة الخاصة، فهم وصلوا إلى أكثر الكفر، يجعلون الناس ثلاث طبقات: عامة، وخاصة، وخاصة الخاصة.

فالعامة: الرسل، وأتباعهم اللي عليهم التكاليف، والخاصة اللي وصلوا إلى درجة سقطت عنهم التكاليف، وخاصة الخاصة هم الملاحدة نعوذ الله، غفر الله لنا.

(المتن)

ولو تعرف من قال هذا الكلام فيه، وجزم بكفرهم، وعلمت ما هم عليه من الزهد.

(المشرح)

الطالب: (...).

الشيخ: مستحب، ما يصير واجب؛ لأن النبي قام وقعد، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم»؛ وثبت عنه أنه قعد؛ دل على أنه للاستحباب وليس للوجوب.

الطالب: (...).

الشيخ: حتى تخلفكم الجنازة، أو حتى تُرى, غفر الله لهم، اللهم اغفر لهم غفر الله لهم.

(المتن)

أو قال: إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى.

(الشرح)

هذا من أبرز الكفر، يقول: يجوز للإنسان يخرج عن شريعة محمد، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى.

أول شيء موسى رسالته ليست عامة؛ لبني إسرائيل، ومحمد رسالته عامة، فنؤمن أن محمد نبي يوحى إليه من شريعة خاصة، ومن قال: إن أحد يجوز له الخروج عن شريعة محمد كما خرج الخضر عن شريعة موسى، هذا مرتد، يعني شريعة محمد إلى الثقلين وعامة، وشريعة موسى لبني إسرائيل.

الطالب: الخضر نبي يا شيخ؟

الشيخ: على الصحيح، الصحيح أنه نبي، والجمهور على أنه عبد صالح، لكن الصواب: أنه نبي؛ لأنه هذه الأعمال التي عملها ما عملها إلا بوحي، قتل الغلام، وخرق السفينة، وقال: ما فعلتها عن أمري، يعني فعلها عن أمر الله، هذا هو الصواب.

ومن جمهور العلماء من قال عن الخضر أنه عبد صالح، فيه خلاف والصواب: أنه نبي.

(المتن)

ولو تعرف من قال هذا الكلام فيه، وجزم بكفرهم، وعلمت ما هم عليه من الزهد والعبادة، وأنهم عند أكثر أهل زماننا من أعظم الأولياء، لقضيت العجب.

وقال أيضًا في الباب: ومن سب الصحابة، واقترن بسبه دعوى أن عليًا إله أو نبي، أو أن جبريل غلِط.

(الشرح)

جبريل غلِط، قال وصلها إلى علي ثم غلط ووصلها إلى محمد، هذا يقوله الشيعة، المخطئة الكفار.

(المتن)

ومن سب الصحابة، واقترن بسبه دعوى أن عليًا إله أو نبي، أو أن جبريل.

(الشرح)

وهذا من أبرز الكفر، من قال: علي إله أو نبي، حتى ولو لم يسب الصحابة، سب الصحابة وتفسيقهم وتكفيرهم هذا كفر مستقل، أما إذا سبهم مجرد السب، ولا كفرهم ولا فسقهم، فهذا يحتمل أن يكون سبقه للغيظ أو التكفير، إن كان سبهم من باب الغيظ فلا يكفر من غيظة نفسه، وإن سبهم لاعتقاده كفرهم أو فسقهم كفر.

(المتن)

بل لاشك في كفر من توقف في تكفيره. فتأمل!.

(الشرح)

لاشك في كفر من توقف، في كفر من قال: إن علي نبي، أو أنه إله، من توقف في الكفر فهو كافر، من شك في كفره فهو كافر.

الطالب: (...).

الشيخ: وأما إذا كان من باب الغليظ في نفسه، باب الغيظ هذا معصية كبيرة، أما إذا كفر الصحابة وفسقهم، هذا كذب الله، ومن كذب الله كفر.

(المتن)

 هذا إذا كان كلامه هذا في عليّ، فكيف بمن ادعى أن ابن عربي أو عبد القادر إله؟ وتأمل كلام الشيخ في معنى الإله الذي تألهه القلوب. واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ بأنهم يدعون الأولياء والصالحين في الرخاء والشدة، ويطلبون منهم تفريج الكربات وقضاء الحاجات، مع كونهم يدعون الملائكة والصالحين، ويريدون شفاعتهم والتقرب بهم، وإلا فهم مقرّون بأن الأمر لله؛ فهم لا يدعونهم إلا في الرخاء، فإذا جاءتهم الشدائد أخلصوا لله، قال الله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ)[الإسراء: 67]؛ الآية.

(الشرح)

يعني: هذا يبين أن المشركين المتأخرين، زادوا على المشركين المتقدمين في الشرك، وذلك أن المشركين القدامى يدعون غير الله في الشدة، إذا أصابتهم شدة، إذا تلاطمتهم الأمواج في البحر قالوا: يا الله! يا الله! يا الله! يا الله! وإذا زالت الشدة أشركوا، أما المشركون المتأخرون فهم يشركون في الرخاء وفي الشدة، بل بعضهم إذا زادت الكربة زاد قال: يا علي يا علي، يا حسين يا حسين.

وثانيًا: أن مشركين الأوائل إنما يعبدون الصالحين، أو أنبياء, أو أشجار وأحجار تسبح الله فقط، أما المتأخرين زادوا عليهم فعبدوا كفارًا وفساق، وإن كان كل منهم شرك، لكن هؤلاء أشد شركًا.

(المتن)

وقال أيضًا في الإقناع في الباب: ويحرم تعلم السحر وتعليمه وفعله، وهو عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يكتبه، أو يعمل شيئًا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، ومنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته.

(الشرح)

تعلم السحر أو تعليمه وفعله شرك، إذا كان عن طريق الشياطين؛ لأن الشيطان لا يعلمه السحر، ولا يوافقه إلا إذا أشرك بالله.

(المتن)

وهو عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يكتبه، أو يعمل شيئًا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، ومنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها, ومنه ما يبغض أحدهما للآخر، ويحبب بين اثنين.

(الشرح)

وهذا مثل التولة، نوع يحبب الرجل إلى امرأته، والمرأة إلى رجلها، ويسمى الصرف والعطف، الصرف: يصرف المرأة على زوجها، والعطف: يعطف المرأة على زوجها أو بالعكس، كلٌ من نوع السحر.

(المتن)

ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يبغض أحدهما للآخر، ويحبب بين اثنين ويكفر بتعلمه وفعله، سواء اعتقد تحريمه أو إباحته. فتأمل هذا الكلام.

(الشرح)

هذا يسمى الصرف والعطف نوع من السحر، صرف: يصرف الرجل على امرأته، والعطف: يعطفه عليها، أو يعطفها عليه.

(المتن)

ويحبب بين اثنين ويكفر بتعلمه وفعله، سواءً اعتقد تحريمه أو إباحته.

(الشرح)

(ويكفر بتعلمه وفعله) إذا تعلم السحر أو فعله كفر، سواءً ماذا؟

(المتن)

ويكفر بتعلمه وفعله، سواءً اعتقد تحريمه أو إباحته.

(الشرح)

يعني إذا فعل السحر، فعل الشرك، مثل من دعا غير الله وذبح لغير الله، يكفر ولو قال: إنه يعلم أنه حرام؛ لأنه فعل الشرك، وكذلك من فعل السحر، أو تعلم السحر يكفر، سواءً كان يعتقد أن السحر حرام، أو يعتقد أنه حلال، كله واحد، لكن إذا اعتقد أن السحر حلال جمع بين كفرين: بين اعتقاده أن السحر حلال هذا كفر، وفعله السحر هذا كفر آخر، اجتماع نوعين من الكفر، وإذا اعتقد أن السحر حرام، وفعل السحر، وقع في الشرك، وقع في الكفر.

الطالب: (...).

الشيخ: (...) ما يشترط، فليدعو غير الله مشرك، ولو سواءً كان يعتقد أن دعاء غير الله يجوز أو لا يجوز، كله واحد، من يذبح لغير الله يشرك، ولو كان يعتقد إنه يجوز, هذه المسألة تعدي العذر بالجهل شيء آخر، هذه مسألة أخرى.

الطالب: حل السحر؟.

الشيخ: حل السحر؟ لا يحل السحر إلا ساحر، السحر لا يحله إلا ساحر، يعني عن طريق السحر، لا يحل السحر إلا بسحر مثله، هذا إذا أراد أن يحله بالسحر، لكن السحر يحل بالرقية الشرعية، بالرقية الشرعية والأدعية والدعوات.

الطالب: (...).

الشيخ: هذا شيء آخر، إذا كان يعتقد أن القرآن ما فيه شفاء وأنه لا ينفع، وأنه لا فائدة فيه هذا كفر، لكن إذا كان من باب الجهل ذهب للساحر، هذا على حسب، هذا عليه الوعيد الشديد، ومن فعل السحر كفر.

(المتن)

وعليك بتأمل هذا الباب في الإقناع، وشرحه تأملًا جيدًا، وقف عند المواضع المشكلة، وذاكر فيها كما تفعل في باب الوقف والإجارة؛ يتبين لك إن شاء الله أمر عظيم.

(الشرح)

يعني يقول: إن كثير من الناس تجده يهتم بالفروع، ولا يهتم بالعقيدة، تجده في باب وقف الوصية والبيوع يهتم بها ويعتني، لكن في باب التوحيد والعقيدة، والنواقض "نواقض الإسلام" وباب حكم المرتد ما يهتم، نقول له: يا شيخ تأمل باب حكم المرتد، اقرأه، واقرأ المكفرات، مثل ما تقرأ الوقف والوصية، اعتني بهذا مثل ما تعتني بهذا، بل إن هذا ينبغي أن يكون أهم، لماذا تعتني بالوقف الوصية والبيوع، ولا تعتني بنواقض الإسلام، وأنواع الردة.

الطالب: يا شيخ بعض الناس إذا مر بمثل هذا في كتب الفقهاء، يقول: الفقهاء ما يؤخذ منهم العقيدة، إنما يمره إمرارًا.

الشيخ: يمر ماذا؟

الطالب: مثل باب المرتد.

الشيخ: نعم باب حكم المرتد.

الطالب: باب حكم المرتد، يقول: هذا نأخذه من كتاب التوحيد، كتاب الشيخ محمد عبد الوهاب، أما في الروض أو الزاد فهم ليسوا عمدة.

الشيخ: العلماء، العلماء يعني يأخذ بكلام أهل العلم، العلماء كلهم نصوا على هذا والفقهاء هذا أمر مشترك بين العلماء كلهم، إذا كانوا ما هم بعمدة؛ كيف يكونوا علماء إذًا، إذا كان ما هو بعمدة كيف يأخذ عنهم الأحكام في البيوع والشراء، ولا يأخذ عنهم الأحكام في العقيدة؟ هذا أمر مسائل العقيدة في التوحيد وفي الشرك، هذا كل العالم يعلم هذا، كيف عالم وما هو بعالم ولا يؤخذ منه؟ .

الطالب: يا شيخ علماء الحنابلة في كتبهم عمدة يعني في هذا الباب؟.

الشيخ: كل العلماء يعلمون هذا، مسائل العقيدة لابد أن يعتنوا بها، اللي ما يعتني بها ليس منهم، أما كون بعضهم يخطئ في بعض المسائل وفي بعض أهل البدع، هذا شيء يسير، مسائل الشرك والكفر لابد لكل عالم يعلم هذا، الذي ما يعلم هذا لا يؤخذ منه، لا في الوقف ولا في غيره.

(المتن)

وأما الحنفية، فقال الشيخ قاسم في شرح درر البحار: النذر الذي يقع من أكثر العوام، وهو أن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلًا: يا سيدي فلان، إن ردّ غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي، فلك كذا وكذا، باطل إجماعًا.

(الشرح)

لأن هذا من النذر.

(المتن)

باطل إجماعًا لوجوه، منها: أن النذر للمخلوق لا يجوز، ومنها: ظن أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر.

(الشرح)

(ومنها: ظن أن) هذا كلام الحنفية الأحناف علماء الأحناف، بينوا أن النذر شرك، قالوا: هذا باطل لوجوه: منها: ظنهم أن الميت يتصرف هذا شرك.

(المتن)

باطل إجماعًا لوجوه، ومنها: ظن أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر، واعتقاد هذا كفر, إلى أن قال: إذا عرف هذا، فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها، وينقل إلى ضرائح الأولياء، فحرام بإجماع المسلمين.

وقد ابتلي الناس بهذا، لاسيما في مولد أحمد البدوي. فتأمل قول صاحب النهر.

(الشرح)

الشيخ: صاحب ماذا؟.

 الطالب: النهر.

الشيخ: النهر؟

 الطالب: إيه كتاب الحنفية

الشيخ: صاحب البحار هو.

 الطالب: درر البحار.

الشيخ: نعم.

(المتن)

فتأمل قول صاحب النهر، مع أنه بمصر ومقر العلماء، كيف شاع بين أهل مصر ما لا قدرة للعلماء على دفعه. فتأمل قوله من أكثر العوام، أتظن أن الزمان صلح بعده؟.

(الشرح)

يعني: الأمر لا يزداد إلا شدة، كل عام، «لا يأتي عام إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم»؛ قاله أنس: سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري في الصحيح، قال: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه» سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.

(المتن)

فتأمل قوله من أكثر العوام، أتظن أن الزمان صلح بعده؟

أما المالكية، فقال الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع: روى البخاري عن أبي واقد الليثي قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط. فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: «الله أكبر، هذا كما قال بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة, لتركبنّ سنن من كان قبلكم» فانظروا رحمكم الله، أينما وجدتم سدرة يقصدها الناس، وينوطون بها الخرق، فهي ذات أنواط، فاقطعوها.

(الشرح)

هذا كلام المالكية، انظروا أي سدرة يتعلق الناس بها، ويتبركون فاقطعوها فإنها ذات أنواط، مثل الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم.

(المتن)

وقال صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء، الذين يصلحون إذا فسد الناس».

ومعنى هذا: أن الله لما جاء بالإسلام، فكان الرجل إذا أسلم في قبيلته غريبًا مستخفيًا بإسلامه قد جفاه العشيرة، فهو بينهم ذليل خائف، ثم يعود غريبًا لكثرة الأهواء المضلة والمذاهب المختلفة، حتى يبقى أهل الحق غرباء في الناس؛ لقلتهم وخوفهم على أنفسهم.

(الشرح)

في آخر الزمان يعني مرة ثانية، الإسلام بدأ غريب، الرجل يسلم في أهل قبيلته فيبقى مستخفي عن قومه ينكرون عليه، ثم بعد ذلك انتشر الإسلام، ثم في آخر الزمان يعود الإسلام غريبًا، فأهل الحق يختفون، يصيرون ذليلين لكثرة أهل الأهواء وأهل الباطل، وأهل الشر؛ ولهذا جاء في الحديث قال: «والقابض على دينه كالقابض على الجمر، له أجر خمسين»؛ قالوا: يا رسول الله: منا ومنكم؟ قال: «قال: منكم تجدوا على لخير عونًا ولا يجدون على الخير عونًا».

(المتن)

وروى البخاري عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: "والله ما أعرف فيهم من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعًا".

(الشرح)

هذا أبو الدرداء الصحابي الجليل، يقول في الزمان الأول، يقول: "والله ما أعرف في الناس إلا أنهم يصلون"؛ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف هذا وراء القرن الخامس عشر؟.

الطالب: (...).

الشيخ: هذا أجر خمسين من جهة الصبر، أما أجر الصحبة وأجر الجهاد، الصحابة ما يلحقهم ما بعدهم.

القاعدة عند أهل العلم: المزية الخاصة لا تفضل على المزية العامة، هذه فضيلة من أجر الصبر، لكن العامة الصحابة لهم مزايا عامة من الجهاد والصحبة، ما يلحقهم ما بعدهم، والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشر دين الله، (...) لكن في هذه القضية، في هذه المسألة وهي الصبر، الصبر على الدين في (...).

(المتن)

وذلك أنه أنكر أكثر أفعال أهل عصره. وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: "ما أعرف فيهم شيئًا مما أدركت إلا هذه الصلاة؛ وهذه الصلاة قد ضيعت". انتهى كلام الطرطوشي.

(الشرح)

الله المستعان، الإمام الزهري التابعي، الإمام المعروف، دخل على أنس وهو يبكي، قال: ما يبكيك؟ قال: ما أعرف الناس إلا من هذه الصلاة، وهذه الصلاة أيضًا ضيعت، لا حول ولا قوة إلا بالله.

وشبيهًا بهذا قول الإمام أحمد رحمه الله في رسالة الصلاة، كتب نصيحة للناس، رسالة في الصلاة جيدة، وبين فيها أنه يجب على المصلي أن يطمئن في الركوع والسجود، والخفض والرفع، ويجب على الأئمة كذلك أن يمكنوا الناس من هذا، وقال: إنه صلى في مائة مسجد، ولم يجد أحدًا يصلي صلاة رسول الله، الإمام أحمد في زمانه، وقال: إني أخشى أن يكون هذا الزمان الذي جاء في الحديث: «يأتي على الناس زمان يصلون ولا يصلون»؛ يصلون بأنهم يصلون الصلاة الصورية، ولا يصلون صلاة شرعية حقيقية، كان الإمام أحمد يقول هذا في رسالته كيف بهذا الزمان!.

بعد ذلك تكلم عن المسابقة، ومسابقة الإمام والكثير من المأمومون يسابقون الإمام، في الركوع والسجود والخفض والرفع.

الطالب: (...).

الشيخ: إن وجدت مطبوعة في مجموعة التوحيد، (...) ورسالة لابن القيم في هذا، معروفة رسالة في الصلاة.

(المتن)

فليتأمل اللبيب هذه الأحاديث وفي أي زمان قيلت؟ وفي أي مكان؟ وهل أنكرها أحد من أهل العلم؟ والفوائد فيها كثيرة.

ولكن مرادي منها ما وقع من الصحابة، وقول الصادق المصدوق إنه مثل كلام الذين اختارهم الله على العالمين لنبيهم: اجعل لنا إلهًا.

(الشرح)

يعني قول الصحابة: اجعل لنا ذات أنواط، قال لهم الرسول: هذا مثل قول بني إسرائيل لموسى: اجعل لنا إله كما لهم آلهة.

 الطالب: جعله مثلها لأن العبرة في الحقائق.

الشيخ: يعني العبرة بالمعاني والحقائق.

 الطالب: بنو إسرائيل قالوا لموسى اجل لنا إلهًا كما لهم آلهة، والصحابة قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي: هذه مقالتكم واحدة، (...).

فأنكر عليهم النبي وغلظ عليهم فتابوا رضي الله عنهم وأرضاهم، واعتذروا من هذا؛ لأن (...).

(المتن)

وأما كلام الشافعية، فقال الإمام محدث الشام: أبو شامة في كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، وهو في زمن الشارح وابن حمدان: وقد وقع من جماعة من النابذين لشريعة الإسلام، المنتمين إلى الفقر الذي حقيقته الافتقار من الإيمان، من اعتقادهم في مشايخ لهم ضالين مضلين، فهم داخلون تحت قوله: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشورى: 21]؛ الآية.

وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها، ومن هذا القِسم ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعُمد.

(الشرح)

الحيطان والعُمد جمع عمود.

(المتن)

 وإسراج مواضع في كل بلد؛ يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه أحدًا ممن شُهر بالصلاح، فيفعلون ذلك، ويظنون أنهم يتقربون إلى الله، ثم يجاوزون ذلك إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، ويرجون الشفاء لمرضاهم، وقضاء حوائجهم بالنذر لهم، وهي بين عيون وشجر، وحائط وحجر. وفي دمشق، صانها الله، من ذلك مواضع متعددة، كعوينة الحمَّى، والشجرة الملعونة خارج باب النصر، سهل الله قطعها؛ فما أشبهها بذات أنواط.

ثم ذكر كلامًا طويلًا, إلى أن قال: أسأل الله الكريم معافاته من كل ما يخالف رضاه، ولا يجعلنا ممن أضله فاتخذ إلهه هواه.

فتأمل ذكره في هذا النوع، أنه نبذ لشريعة الإسلام، وأنه خروج على الإيمان، ثم ذكر أنه عم الابتلاء به في الشام, فأنت قل لصاحبكم: هؤلاء العلماء من الأئمة الأربعة ذكروا أن الشرك عم الابتلاء به وغيره، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، وذكروا أن الدين عاد غريبًا, فهو بين اثنتين:

إما أن يقول: كل هؤلاء العلماء جاهلون، ضالون مضلون خارجون، وإما أن يدعي أن زمانه وزمان مشايخه صلح بعد ذلك.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله لما ذكر لمطوع (...) ابن سحيم لما جاءه من مطوع الرياض، أوراق ذكر المؤلف رحمه الله في أولها أنها اثنا عشر مسألة، وقال: أقول فيها: سبحانك هذا بهتان عظيم، ويعني أنه بهت فيها، ومسائل خمس قال: أقول فيها، وهي أنه لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، ومنها قال: أني أعرف من يأتيني بمعناها، ومنها أني أقول: الإله هو الذي فيه السر، ومنها تكفير الناذر إذا أراد به التقرب لغير الله، وأخذ النذر كذلك، ومنها: أن الذبح للجن كفر، والذبيح حرام، هذه خمس مسائل يقول بها.

ثم قال: (ونبدأ بالكلام عليها لأنها أمّ المسائل)؛ ولأنه لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، ومنها: أن الشيخ يعرف من يأتي بمعنى لا إله إلا الله، نقل المؤلف رحمه الله نقول من العلماء، في بيان أن الإسلام، أنه لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، ذكر عن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وبسط هذا.

ونقل عن المذاهب، نقل عن الحنابلة في الإقناع، ثم نقل عن الحنفية، كلهم يبينون أن الشرك ينافي التوحيد، ثم نقل عن المالكية، ثم نقل عن الشافعية، ينقل نقول، يبين أن أهل العلماء في كل زمان، والمذاهب الأربعة كلهم يبينون معنى لا إله إلا الله، يبينون معنى التوحيد، وأن الشرك ينافي التوحيد، وأنه لابد من معنى لا إله إلا الله، معرفة معنى لا إله إلا الله، وأن معناها توحيد الله وإثبات العبادة له، ونفي الشرك.

قال: (وأما كلام الشافعية)؛ سبق كلام الحنابلة، وكلام المالكية، وكلام الأحناف، قال: وأما كلام الشافعية، يبينون أن الشرك موجود في زمانهم، وأنه ينافي التوحيد، قال: (وأما كلام الشافعية، فقال الإمام محدث الشام: أبو شامة في كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث)؛ أبو شامة له كتاب يسمى "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (وهو في زمن الشارح وابن حمدان: وقد وقع من جماعة من النابذين)؛ يعني في زمن الشارح، كان له.

الطالب: في الشرح الكبير.

الشيخ: في الشرح الكبير، أبي حمدان يقوله في زمانهم.

قال: (وقد وقع من جماعة من النابذين لشريعة الإسلام)؛ هذا كلام أبو شامة في زمانه، (وقد وقع من جماعة من النابذين لشريعة الإسلام)؛ النابذين: الذين نبذوها، طرحوا الشريعة وخرجوا عنها، (المنتمين إلى الفقر)؛ المنتمين إلى الفقر هذا يسمى الصوفية، الصوفية يسمى فقير، يسمون الصوفي فقير أو سالك، فالصوفية يسمون الفقراء أو السالكين.

يقول: (المنتمين إلى الفقر، الذي حقيقته الافتقار من الإيمان)؛ هم يسمون أنفسهم فقير؛ لأنه صوفي ولأنه سالك، يقول: والواقع أنه فقير من الإيمان، هذا الواقع، وهو ما يزعم أنه، ما يزعم أنه فقير من الإيمان، بل يرى أنه على الحق، وأنه مصيب، وأن... لكن هذا اسمه عند الصوفية، فقير سالك.

المؤلف يقول: (يقع جماعة من النابذين لشريعة الإسلام المنتمين إلى الفقر، الذي حقيقته الافتقار من الإيمان من اعتقادهم في مشايخ لهم ضالين مضلين)؛ يعتقدون في مشايخ، مشايخ الصوفية يسمون الشيوخ، يألهونهم من دون الله، ويشرعون لهم من دون الله.

(من اعتقادهم في مشايخ ضالين مضلين، فهم داخلون تحت قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) [الشورى: 21] الآية)، قال أبو شامة: (وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها)، بهذه الطرق الصوفية ظهر الكفر، وعبدت الأصنام.

ثم قال أبو شامة: (ومن هذا القِسم ما قد عم الابتلاء به)، في زمانه، (من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعُمد)؛ تخليقها يعني رشها بالخلوق وهو نوع من الطيب، والعمد: جمع عمود، يبي التبرك بها؛ مثل ما يفعل عباد القبور، يرشون عليها الطيب، ويضعون عليها الأزهار، تخليقها: يعني رشها بالخلوق، والخلوق نوع من الطيب، والعمد جمع عمود؛ لأنهم يعبدوها ويتبركون بها، ويخلقونها بالطيب، (وإسراج مواضع في كل بلد)؛ إسراج يعني وضع السرج والأنواط عليها، إذا كان هناك مثلًا شيء يقدسونه، عمود يعبدونه، أو قبر يسرجونه، يضعون عليه السرج.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج»؛ لأن إسراجها وإنوارها هذه دعوة إلى عبادتها، إذا أُسرج القبر، ووضع عليه الكهرباء، ورفع وبُني عليه القباب، وجاءت عليه الرياحين، والزهور، هذا دعوى إلى الشرك، (من تزيين الشياطين للعامة تخليق الحيطان والعمد، وإسراج مواضع في كل بلد)؛ يعني وضع السرج في كل بلد، (يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه أحدًا ممن شُهر بالصلاح، فيفعلون ذلك)؛ يعني يجي واحد يقول: أنا رأيت في المنام إن صاحب القبر فعل كذا، وأنه أجاب دعاء من دعاه، وأنه حصل له كذا وكذا، فيعملون بهذه الحكاية المنامية، ويروحون يعظمون صاحب القبر، ويعظمون العمود، ويلطخونه بالطيب، ويطوفون حوله، ويقولون: إنه يقضي الحوائج، تصير حكايات تقال لهم، يحكي لهم.

(يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه أحدًا ممن شهر بالصلاح، فيفعلون ذلك، يظنون أنهم يتقربون إلى الله، ثم يجاوزون ذلك إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم) إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، لما اعتقدوا أنه كذا، وأنه ينفع، عظم وقعه في قلوبهم، (ويرجون الشفاء لمرضاهم)؛ يجيئون إلى القبر، فيقول: يا فلان اشفي مريضي، أو يطوفون بالعمود ويطلب منه الشفاء، وقضاء حوائجهم ويرجون الشفاء لمرضاهم.

(وقضاء حوائجهم بالنذر لهم) ينذر، يقول: يا سيدي لك كذا وكذا، لك من أعطيك من كذا وكذا، وهذا موجود إلى الآن، فكان بعض المصريين أنه يقول: إنه يأتي إلى السيد البدوي أو غيره، ويعطيه شيء من محصولات مزرعته، ينذر له أنه كذا وكذا، كما قال الله عن المشركين: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮰ) [الأنعام/ 136].

يعطيه إيش؟ ينذر له حتى ييسر أمره، وحتى يشفي مريضه، أو يرزقه الولد؛ شرك, والشياطين تتسلط عليهم، تتسلط على المشركين، ولا يتخلصون منها؛ ولهذا الشياطين يعني تضرهم، وتجد بعضهم يعني لا يستطيع إذا جاء أن يمشي إلى قبره يحبو حبوًا، فيقول: لا يستطيع أن يمشي، لو مشى سقط، ضربه الشيطان، تسلط عليه والعياذ بالله، نسأل الله السلامة والعافية، حتى إن بعضهم يقول: إنه أراد أن يتوب، فيقول: بعضهم حجاج يحجون ويقول: أنا علي ذبيحة لأهل الله، قلت: كيف عليك ذبيحة لله؟ قال: أذبح للبدوي ولكذا ولغيره، لازم أذبح لأهل الله ولو في السنة مرة.

وقال بعضهم: إني أردت أتوب، وتأخرت عن الذبح، فلما نمت جاءني بعير أو فحل فاتح فمه يريد أن يأكلني، فلما أصبحت ذبحت، انظر كيف تتسلط الشياطين عليهم والعياذ بالله، نسأل الله السلامة والعافية، فالشيخ يبين هذا، يقول: إنهم يرجون الشفاء لمرضاهم، وقضاء حوائجهم بالنذر هم يندرون لهم، ما هي التي يعبدونها؟ وهي بين عيون وشجر وحائط وحجر، شجر يذبح لشجر يشفي مريضه الشجر؟! يقضي حوائجه؟!

يقول: هذه التي يعبدونها (وهي بين عيون وشجر، وحائط وحجر)؛ هذه معبوداتهم، أين العقول: شجر وحجر وحائط ينفعك؟ وكما سبق أن بعض عباد القبور وضعوا الأحاديث مكذوبة، قالوا: "إذا أعيتكم الأمور؛ فعليكم بأهل القبور"؛ هذا الحديث وضعه عباد القبور.

يقول المؤلف كأنه ساكن في دمشق: (وفي دمشق، صانها الله، من ذلك مواضع متعددة)؛ كأنه من أهل دمشق المؤلف يكتب هذا في الشام، وفي دمشق صانها الله؛ دعاء لها بالصيانة، (من ذلك مواضع متعددة)؛ فيها ماذا؟ فيها الشرك، (كعوينة الحمَّى)؛ عوينة كأنها تشفي العين، كأنه يعني يستشفون بها من الحمى، يحتمل هذا سميت بعوينة الحمى.

(والشجرة الملعونة خارج باب النصر، سهل الله قطعها)؛ الشيخ يقول: في شجرة ملعونة خارج باب النصر عندهم، يعني يأتي الناس، يسأل الله أن يسهل قطعها (فما أشبهها بذات أنواط)؛ التي قال المشركون، الذي قال الصحابة حديث العهد: اجعل لنا ذات أنواط.

يقول: (هذه الشجرة الملعونة خارج باب النصر، سهل الله قطعها، فما أشبهها بذات أنواط)، قال: (ثم ذكر كلامًا طويلًا إلى أن قال)، من هو؟ أبو شامة، (أسأل الله الكريم معافاته من كل ما يخالف رضاه، ولا يجعلنا ممن أضله واتخذ إلهه هواه)؛ انتهى كلام أبو شامة.

الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعلق عليه، تعليقه قال: (فتأمل)، يخاطب من؟ ابن سحيم، (فتأمل ذكره في هذا النوع، أنه نبذ لشريعة الإسلام، وأنه خروج على الإيمان)؛ يعني الشرك، الذي يعبد الأشجار والأحجار، نبذ لشريعة الإسلام، وأنه خروج عن الإيمان، (ثم ذكر أنه عم الابتلاء به في الشام)؛ عم الابتلاء بالشرك.

(فأنت)؛ ابن سحيم، مطوع (...) (قل لصاحبكم)؛ يعني مطوع الرياض، قال لصاحبك (هؤلاء العلماء من الأئمة الأربعة ذكروا أن الشرك عم الابتلاء به وغيره) يخاطب من؟ ابن سحيم، اذكر له أن الأئمة الأربعة ذكروا أن الشرك عم الابتلاء به وغيره، (وصاحوا بأهله من أقطار الأرض)؛ صاحوا بأهل الشرك، (وذكروا أن الدين عاد غريبًا, فهو بين اثنتين)؛ يعني صاحبك يا مطوع، يعني قل يخاطب مطوع قل لمطوع الرياض هذا الكلام، أن العلماء قالوا: كذا كذا..

فصاحبك (بين اثنتين: إما أن يقول: كل هؤلاء العلماء جاهلون، ضالون مضلون خارجون، وإما أن يدعي أن زمانه وزمان مشايخه صلح بعد ذلك)؛ يعني يقول لك: هؤلاء العلماء كلهم ضالون جاهلون، مضلون، خارجون، إما أن يضلل العلماء جميعًا، وإما أن يدعي أن الناس صلحوا بعد ذلك، وأن زمانه صلح، وأن زمانه وزمان مشايخه صلح بعد ذلك، وأن الناس صلحوا بعد الفساد، وكلٌ من الأمرين باطل، الزمان ما يزداد إلا شدة، والعلماء على الحق.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: ولا يخفاك أني عثرت على أوراق عند ابن عزاز، فيها إجازات له من عند مشايخه، وشيخ مشايخه رجل يقال له عبد الغني، ويثنون عليه في أوراقهم، ويسمونه العارف بالله؛ وهذا اشتهر عنه أنه على دين ابن عربي الذي ذكر العلماء أنه أكفر من فرعون، حتى قال ابن المقري الشافعي: من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر, فإذا كان إمام دينه ابن عربي والداعي إليه هو شيخهم، ويثنون عليه أنه العارف بالله، فكيف يكون الأمر؟ ولكن أعظم من هذا كله ما تقدم عن أبي الدرداء وأنس وهما بالشام، ذلك الكلام العظيم, واحتج به أهل العلم على أن زمانهم أعظم، فكيف بزماننا؟

(الشرح)

نعم؛ المؤلف يخاطب ابن سحيم، يقول: (ولا يخفاك أني عثرت على أوراق عند ابن عزاز، فيها إجازات له من عند مشايخه، وشيخ مشايخه رجل يقال له عبد الغني، ويثنون عليه في أوراقهم، ويسمونه العارف بالله؛ وهذا اشتهر عنه أنه على دين ابن عربي)؛ يقول: أنه عثر على أوراق لابن عزاز عنده إجازات من مشايخه، وشيخ مشايخه رجل يقال له عبد الغني، ويثنون عليه ويسمونه العارف وهو اتحادي من الاتحادية، الذين يقولون بوحدة الوجود.

(وهذا اشتهر عنه أنه على دين ابن عربي، الذي ذكر العلماء أنه أكفر من فرعون)؛ ابن عربي قلت لكم: أنه رئيس وحدة، محمد بن عربي محيي الدين، يسمونه محيي الدين، وهو مميت الدين، رئيس وحدة الوجود، هو الذي يقول: الرب عبدٌ والعبد رب يا ليت شعري من المكلف!

يقول الشيخ: ذكر العلماء أنه أكثر كفرًا من فرعون ابن عربي، من أشد كفرًا من فرعون الذي يقول لنفسه أنا ربكم الأعلى؛ لأنه يقول: الوجود واحد، (حتى قال ابن المقري الشافعي: من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر)؛ من شك في كفر الاتحادية فهو كافر، قال: (فإذا كان إمام دين ابن عربي والداعي إليه)، عندك النسخة هكذا، النسخة الثانية فإذا كان ماذا عندك؟

 الطالب: النسخة يا شيخ ..

الشيخ: ها؟ ما في نسخة ثانية هنا؟

الطالب: في رسالة يا شيخ, رسالة للشيخ حمد.

الشيخ: لكن هذه الرسالة هذه ما في طبعة أخرى؟

(فإذا كان إمام الدين ابن عربي والداعي إليه هو شيخهم، ويثنون عليه أنه العارف)؛ يعني هذا الشخص الذي شيخ مشايخه، يقال له: عبد الغني، وهو مذهب ابن العربي، (إذا كان إمام الدين ابن عربي والداعي إليه هو شيخهم، ويثنون عليه أنه العارف بالله، فكيف يكون الأمر؟)؛ إذا كان على دين ابن عربي، وعلى مذهب الاتحادية، وهم يثنون عليه، ويسمو العارف، فكيف يكون الأمر؟ الأمر فساد.

قال: (ولكن أعظم من هذا كله ما تقدم عن أبي الدرداء وأنس وهما بالشام، ذلك الكلام العظيم)؛ ما هو كلام أبي الدرداء؟ لما دخل يبكي، وقال: ما رأيت ما عليه الناس مما عليه النبي صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة وهذه ضيعوها، وكذلك الدرداء، قال: إن ما أعرف مما عليه الناس على عهد النبي إلا هذه الصلاة، يقول: هذا كلام أبي الدرداء وأنس، ذلك كلام عظيم، واحتج به أهل العلم أن زمانهم أعظم، زمان أبي الدرداء متى؟ في العصر الأول، عصر التابعين، فكيف بزماننا؟.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: وقال ابن القيم، رحمه الله، في الهدي النبوي، في الكلام على حديث وفد الطائف لما أسلموا وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك لهم اللات لا يهدمها سنة، ولمّا تكلم ابن القيم على المسائل المأخوذة من القصة قال: ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت، بعد القدرة على هدمها وإبطالها، يومًا واحدًا؛ فإنها شعائر الشرك والكفر، وهي أعظم المنكرات؛ فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة.

وهذا حكم المشاهد التي بُنيت على القبور التي اتخذت أوثانًا تُعبد من دون الله، والأحجار التي تُقصد للتبرك والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيءٍ منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته؛ وكثيرٌ منها بمنْزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، بل أعظم شركًا عندها وبها, والله المستعان.

ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من قبلهم، وسلكوا سبيلهم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة, وغلب الشرك على أكثر النفوس لغلبة الجهل وخفاء العلم.

وصار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والسنة بدعة والبدعة سنة, ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير, وطُمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، وقلّ العلماء، وغلب السفهاء, وتفاقم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس, انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

(الشرح)

هذا نقل كلام القيم في زاد الميعاد في هدي خير العباد، قال ابن القيم رحمه الله في الهدي النبوي، في الكلام على حديث وفد الطائف لما أسلموا، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، أن يترك لهم اللات لا يهدمها سنة، أهل الطائف لما أسلموا، قالوا: يا رسول الله اللات متعلقة نفوسنا بها، الصغار، والكبار، والنساء، ما يستطيعوا تركها، نريدك ثلاث سنوات بس خليها ثلاث سنوات نتمتع بها وبعدين نتركها، فأبى عليهم، قالوا: ولو سنة، فأبى عليهم، قالوا: ولو شهر، فأبى عليهم، قالوا: ولو يوم، فأبى، ابن القيم استنبط من هذه القصة قال: ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت ولا يومًا واحدًا، حتى اليوم الواحد أبى عليهم، يقولون: يعني تمكنت قلوبنا منها، ما نستطيع تركها ولا مفارقتها، خلينا نتمتع بها ولو ثلاث سنين، لو سنة, لو شهر, ولو يوم فأبى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يوم واحد وأمر بها وهدمت.

(قال ابن القيم في الهدي النبوي، في الكلام على حديث وفد الطائف لما أسلموا وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك لهم اللات لا يهدمها سنة، ولمّا تكلم ابن القيم على المسائل المأخوذة من القصة قال: ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت، بعد القدرة على هدمها وإبطالها، يومًا واحدًا)؛ حتى يوم واحد، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمها، لماذا؟ قال: (فإنها شعائر الشرك والكفر)؛ شعائر الشرك والكفر لا بد من إزالتها، (وهي أعظم المنكرات؛ فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة).

قال ابن القيم: (وهذا حكم المشاهد)؛ لعله هكذا يراجع أصل الحكم النبوي، وهذا حكم المشاهد، يحتمل هذا ويحتمل أنه هكذا، (وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانًا تُعبد من دون الله)؛ المشاهد التي بنيت على القبور، يعني يبنى على القبور مثلًا قباب جدران، تجصص.

(هكذا حكم المشاهد التي بنيت على القبول، التي اتخذت أوثانًا تعبد من دون الله، والأحجار التي تُقصد للتبرك والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيءٍ منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته)؛ مع القدرة إذا كانت له قدرة وسلطة، لا يبقيها ولا يوم واحد.

قال: (وكثير منها بمنْزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى)؛ التي أخبر الله عنها في القرآن الكريم، (بل أعظم شركًا عندها وبها, والله المستعان)؛ يعني يعملون عند هذه الأحجار والأوثان، أكثر مما عملوه المشركون عند اللات والعزى ومناة.

قال: (ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من قبلهم) يعني يقول: هم ما يعتقدون أنها تخلق وترزق، إنما يطوفون بها، ويذبحون وينذرون بها، يعتقدون أنها تنقل حوائجهم، وتقربهم إلى الله، ما حد يعتقد أنها تخلف وترزق، ومع ذلك فهم مشركون، فاتبع هؤلاء يفعلون عندها ما يفعل إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم.

(فاتبع هؤلاء سنن من قبلهم، وسلكوا سبيلهم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة) القذة: ريشة السهم، يعني كما تشبه ريشة السهم الريشة الأخرى، فكذلك هؤلاء يتبعون من قبلهم سواءً بسواء.

قال: (وغلب الشرك على أكثر النفوس لغلبة الجهل وخفاء العلم. وصار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والسنة بدعة والبدعة سنة, ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير. وطُمست الأعلام)؛ أعلام ماذا؟ أعلام الحق، (واشتدت غربة الإسلام، وقلّ العلماء، وغلب السفهاء. وتفاقم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس, انتهى كلامه).

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: وقال أيضًا، في الكلام على هذه القصة، لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ مال اللات وصرفه في المصالح: ومنها: جواز صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه الطواغيت، في الجهاد ومصالح المسلمين؛ فيجب عليه أن يأخذ أموال هذه الطواغيت التي تساق إليها، ويصرفها على الجند والمقاتلة، ومصالح الإسلام، كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال اللات. وكذا الحكم في وقفها؛ والوقف عليها باطل، وهو مال ضائع، فيصرف في مصالح المسلمين؛ فإن الوقف لا يصح إلا في قربة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح على مشهد ولا قبر يسرج عليه ويعظم، وينذر له ويعبد من دون الله. وهذا مما لا يخالف فيه أحد من أئمة الدين، ومن اتبع سبيلهم, انتهى كلامه رحمه الله.

(الشرح)

هذا نقل آخر عن ابن القيم، (وقال أيضًا، في الكلام على هذه القصة)، قصة الطائف، مجيئه الطائف، (لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ مال اللات وصرفه في المصالح)؛ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم لما هدم اللات، وجد عنده أموال، من أين هذه الأموال؟ من المشركين، فيأتي فيلقون الدراهم والنقود، هذه أموال ضائعة، ماذا عمل النبي؟ أخذها وصرفها في مصالح المسلمين، صرفها على الجيش، وعلى الجهاد.

قال: استنبط الإمام ابن القيم من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ومنها: جواز صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه الطواغيت، في الجهاد ومصالح المسلمين؛ فيجب عليه أن يأخذ أموال هذه الطواغيت التي تساق إليها، ويصرفها على الجند والمقاتلة)، مقاتلة الكفار المجاهدين، (ومصالح الإسلام، كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال اللات).

قال: (وكذا الحكم في وقفها)؛ إذا كان وقف على مشاهد وعلى قبور، تؤخذ هذه وتصرف في مصالح المسلمين، (والوقف عليها باطل)؛ الوقف على المشاهد والقبور باطل، (وهو مال ضائع، فيصرف في مصالح المسلمين؛ فإن الوقف لا يصح إلا في قربة وطاعة)؛ والوقف على الوثن وعلى القبور، هذا وثن (فإن الوقف لا يصح إلا في قربة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح على مشهد)؛ الوقف على مشهد من المشاهد.

(ولا قبر يسرج عليه ويعظم)؛ يسرج: يعني يوضع عليه السرج والأنوار، إذا وقف شخص على ماذا؟ على قبر إنه يعظم ويوضع عليه الكهرباء، هذا يصرف في مصالح المسلمين، ولا ينفذ، (فلا يصح على مشهد ولا قبر يسرج عليه ويعظم وينذر له ويعبد من دون الله. وهذا مما لا يخالف فيه أحد من أئمة الدين، ومن اتبع سبيلهم)؛ هذا معلوم إن الأوقاف التي على المشاهد والقبور، تصرف في مصالح المسلمين، بعد ذلك يأتي تعليق المؤلف رحمه الله على ما نقله.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: فتأمل كلام هذا الرجل الذي هو من أهل العلم، وهو أيضًا من أهل الشام، كيف صرح أنه ظهر في زمانه فيمن يدعي الإسلام في الشام وغيره عبادة القبور والمشاهد، والأشجار.

وتعرضهما على كلام أهل العلم، وتحررهما تحريرًا جيدًا، ثم تتكلم بالحق.

إذا تقرر هذا، فخمس المسائل التي قدمت جوابها في كلام العلماء، وأضيف إليها مسألة سادسة وهي: إفتائي بكفر شمسان وأولاده ومن شابههم، وسميتهم طواغيت، وذلك أنهم يدعون الناس إلى عبادتهم من دون الله، عبادةً أعظم من عبادة اللات والعزى بأضعاف.

(الشرح)

نعم طواغيت، (...) بكفرهم أنهم طواغيت، وأنكروا عليه، يدعون الناس إلى عبادة أنفسهم.

(المتن)

 وليس في كلامي مجازفة، بل هو الحق؛ لأن عبّاد اللات والعزى يعبدونها في الرخاء، ويخلصون لله في الشدة، وعبادة هؤلاء أعظم من عبادتهم إياهم في شدائد البر والبحر.

(الشرح)

نعم، فيقول: إن عباد اللات والعزى يعبدونها في الرخاء، وإذا ضاقت بهم الحيل، وتلاطمت بهم الأمواج أخلصوا بتوحيد الله، أما هؤلاء يعبدونها معبوداتهم في الرخاء وفي الشدة فهو أشد كفرًا وأغلظ.

(المتن)

فإن كان الله أوقع في قلبك معرفة الحق والانقيادَ له، والكفر بالطاغوت والتبري ممن خالف هذه الأصول، ولو كان أباك أو أخاك، فاكتب لي وبشرني؛ لأن هذا ليس مثل الخطأ في الفروع، بل ليس الجهل بهذا فضلًا عن إنكاره مثل الزنى والسرقة.

(الشرح)

نعم، الغلط في الفروع سهل، إذا غلط الإنسان في مسألة فرعية، تتعلق بأحكام البيع، وأحكام الشراء، أو مسألة فرعية في الفروع في الصلاة أو الزكاة، أو مثلًا تتعلق بنوافل هذه سهل، لكن إذا كان خطأ في الأصول، أخطأ في توحيد الله، وفي الشرك، ما يعرف التوحيد وما يعرف الشرك، يسمي التوحيد شرك والشرك توحيد، هذا لا حيلة فيه، على كفر وضلال نعوذ بالله.

(المتن)

بل ليس الجهل بهذا فضلًا عن إنكاره مثل الزنى والسرقة.

 بل والله، ثم والله، ثم والله، إن الأمر أعظم. وإن وقع في قلبك إشكال، فاضرع إلى مقلّب القلوب أن يهديك لدينه ودين نبيه.

(الشرح)

الله أكبر، فأقسم رحمه الله، أقسم ثلاث مرات.

(المتن)

وأما بقيه المسائل، فالجواب عنها ممكن إذا خلصنا من شهادة أن لا إله إلا الله، وبيننا وبينكم كلام أهل العلم. لكن العجب من قولك: أنا هادم قبور الصحابة، وعبارة الإقناع في الجنائز يجب هدم القباب التي على القبور؛ لأنها أُسست على معصية الرسول؛ والنبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه بعث عليًا لهدم القبور.

ومثل صاحب كتابكم لو كتب لكم أن ابن عبد الوهاب ابتدع؛ لأنه أنكر على رجل تزوج أخته، فالعجب كيف راج عليكم كلامه فيه.

وأما قولي: إن الإله الذي فيه السر، فمعلوم أن اللغات تختلف؛ فالمعبود عند العرب والإله الذي يسمونه عوامنا: السيد، والشيخ، والذي فيه السر، والعرب الأولون يسمون الألوهية ما يسميها عوامنا: السر.

(الشرح)

يسمونه السيد، الذي يعبدونه من دون الله، يسمونه السيد أو صاحب السر؛ لأنه يطلبون منه قضاء الحاجات وتفريج الكربات يعتقدوا إنه ينفعهم ويضرهم بالسر، يعني بسره، لا بسر سبب ظاهر؛ لأن ما عنده أسباب ظاهرة.

(المتن)

لأن السر عندهم هو: القدرة على النفع والضر.

(الشرح)

القدرة على النفع والضر، وهو ما يقدر على الأسباب، بخلاف الحي اللي أمامك يقدر أن ينفعك، تقول له: أعطني كذا، أعني على أن أصلح سيارتي، أعني على أن أصلح مزرعتي، أعني على قضاء ديني، هذه أسباب ظاهرة أمامك، لكن الميت ما عنده أسباب ظاهرة، لكن الميت ما عنده أسباب ظاهرة، يجي الميت يقول: يا فلان اقضي ديني، يا فلان رد عدوي، هذا يعتقد في السر، أنه ينفع ويضر في السر؛ لأنه ما عنده أسباب، يسمونه السيد.

(المتن)

وكونه يصلح أن يُدعى ويُرجى ويُخاف ويُتوكل عليه. فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وسُئل بعض العامة: ما فاتحة الكتاب؟ ما فسرتَ له إلا بلغة بلده، فتارةً تقول: هي: فاتحة الكتاب، وتارةً تقول: هي: أم القرآن، وتارةً تقول: هي: الحمد، وأشباه هذه العبارات التي معناها واحد, ولكن إن كان السر في لغة عوامنا ليس هذا، وأن هذا ليس هو الإله في كلام أهل العلم، فهذا وجه الإنكار، فبينوا لنا, والحمد لله رب العالمين.

(الشرح)

يعني: يقول العبرة بالمعاني، فإذا كان المعبود الذي يُعبد من دون الله، يسمى المعبود، وعند ناس أخرى يسمى السيد، ويسمى صاحب السر فالحكم واحد، المهم هو أنه المعبود من دون الله، سواء سمي بسيد، أو سمي بصاحب السر.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد