بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة السابعة عشره: توجد في الدرر السنية المجلد الأول صفحة ست وخمسين. (المتن)
وله أيضًا قدس الله روحه، ونور ضريحه، رسالته إلى أهل المغرب، هذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولن يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئًا. وصلى الله على محمد وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: ...
فقد قال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[يوسف/108].
وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[آل عمران/31].
وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر/7].
وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)[المائدة/3]؛ فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين، وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرنا بلزوم ما أُنزل إلينا من ربنا، وترك البدع والتفرق والاختلاف.
فقال تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[الأعراف/3].
وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام/153].
والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته تأخذ مأخذ القرون قبلها، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»
(الشرح)
وهذا الحديث يفيد أمرين:
الأمر الأول من هذه الأمة: يوجد في الأمة من يفعل ما فعلت الأمم السابقة، قال: «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة»، القذة: ريشة السهم كما تشابه ريشة السهم الريشة الأخرى فكذلك هذه الأمة تتبع ما قبلها, وفي اللفظ الآخر: «حذو النعل بالنعل», والأمر للتحذير من اتباع المشركين، واليهود، والنصارى في أعمالهم المخالفة للشرع.
(المتن)
«قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟».
وأخبر في الحديث الآخر: «أن أُمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة, قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
إذا عرف هذا، فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها: الإشراك بالله، والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات وتفريج الكربات.
(الشرح)
وهذه كلها من أعمال الشرك؛ التوجه إلى الموتى، ودعائهم من دون الله، والاستغاثة بهم، وطلبهم لقضاء الحاجات، وتفريج الكروبات؛ كلُّ هذا شرك أكبر يخرج من الملة نعوذ بالله، كذلك الذبح لهم، والنذر لهم، والركوع، والسجود لهم؛ كل هذا من الكفر الأكبر الذي يخرج من الملة.
وهذه الفرق التي قال فيها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «وستفترق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، الصواب أنها ليست هذه الفرق من الكفار، وإنما من الفرق المبتدعة المتوعدون بالنار؛ ولهذا قال العلماء: إن الجهمية، والقدرية خارجون من الثلاث والسبعين فرقة لكفرهم، وضلالهم؛ دل على أنهم مبتدعة.
قال بعض العلماء: إن هؤلاء الفرق فيهم الكافر، وفيهم المبتدع، والأقرب أنهم متوعدون لارتكابهم الكبائر، لا لأنهم أشركوا بالله.
إذا كانوا يعبدون آل البيت، ويكفرون الصحابة، ويسبونهم؛ لأن الله زكى الصحابة وعدلهم، ومن كفرهم فقد كذَّب الله، ومن كذَّب الله فقد كفر، وكذلك أيضًا هم يعبدون آل البيت؛ هذا كفر، وكذلك دعواهم إن القرآن لم يبق منه إلَّا الثلث غير محفوظ؛ هذا كفر؛ لأنه تكذيب لله في قوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)[الحجر/9].
(المتن)
وتفريج الكروبات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله.
(الشرح)
كل هذه من أنواع الشرك التي تخرج من الملة؛ الدعاء لغير الله، والذبح لغير الله، والنذر لغير الله، والطواف بغير بيت الله تقربًا إلى الغير.
(المتن)
وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، كصرف جميعها؛ لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك.
(الشرح)
يعني من صرف نوع من أنواع العبادة فكأنما صرف جميع أنواع العبادة فيقع في الشرك، إذا ذبح لغير الله فقط يقع في الشرك، مثل من ذبح، ونذر، وصلى، وركع لغير الله، من صرف نوع واحد من أنواع العبادة أشرك كمن صرف جميع أنواع العباد.
(المتن)
وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، كصرف جميعها؛ لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا، كما قال تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)[الزمر/2، 3].
فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصًا لوجهه، وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى، ويشفعوا لهم عنده، وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار، فكذبهم في هذه الدعوى وكفّرهم، فقال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)[الزمر/3].
(الشرح)
يعني المشركين حينما يدعون الأولياء، أو الصالحين، أو الأصنام، أو الأشجار يزعمون أنها تقربهم إلى الله، وتنقل حوائجهم إلى الله، وتشفع لهم عند الله، وإلا فهم يعلموا أنها لا تنفع ولا تضر، والله تعالى كذبهم، وكفرهم، كذبهم في قولهم: إنها تقربهم إلى الله، وهي تبعدهم عن الله، وكفرهم: أي كانوا كفارًا بهذا العمل، بهذا العمل صاروا كفارًا حينما دعوا غير الله صاروا كفارًا،( ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮩ) [الزمر/3]؛ يعني قائلين: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮩ) [الزمر/3].
قال الله ردًّا عليهم: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الزمر/3]؛ فحكم عليهم بالكذب والكفر؛ كذبًا: إنهم يقولون: إنها تقربهم إلى الله، وهم كفار بهذا العمل.
(المتن)
وقال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[يونس/18]، فأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة، فقد عبدهم وأشرك بهم.
(الشرح)
فهم يعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم، ويقولون: هؤلاء شفعاء لنا عند الله؛ هذه دعواهم، قال الله ردًّا عليهم: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯢ) [يونس/18] .
هل تنبئون الله بشيء لا يعلمه في السماوات ولا في الأرض، ثم حكم عليهم بالشرك، فقال: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [يونس/18]؛ حكم عليهم بأنهم مشركون، فمن دعا غير الله يطلب الشفاعة؛ فهو مشرك بنص القرآن.
(المتن)
فأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة، فقد عبدهم وأشرك بهم، وذلك أن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا)[الزمر/44].
(الشرح)
يعني هو مالكها سبحانه.
(المتن)
فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، كما قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)[البقرة/255]، وقال تعالى: (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا)[طه/109].
(الشرح)
(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯟ) [طه/109]؛ الشفاعة لا بد لها من شرطين؛ إذن الله للشافع أن يشفع كما قال سبحانه: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯾ) [البقرة/255] .
والثاني: رضاه عن المشفوع له، والله تعالى لا يرضى إلا أهل التوحيد، فمن أشرك بالله، فالله لا يرضى عمله، فليس له شفاعة.
(المتن)
وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد، كما قال تعالى: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى)[الأنبياء/28].
وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)[سبأ/ 22-23]؛ فالشفاعة حق، ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى.
(الشرح)
الشفاعة حق الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع، لكن لا تطلب من الرسول في دار الدنيا الآن تطلب منه يوم القيامة؛ ولهذا يأتي الناس على الأنبياء إذا اشتد بهم الكرب، وهم بين يد الله يوم القيامة؛ اليوم الطويل، ودنت الشمس من الرؤوس ماج الناس بعضهم من بعض، ذهبوا للأنبياء، يذهبون لآدم، يقولون: اشفع لنا عند ربك، يعتذر آدم ويقول: أكلت من الشجرة التي نهاني الله عنها، إن ربي غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ولكن اذهبوا إلى نوح, فيعتذر؛ لأنه دعا على أهل النار، ثم يحولهم على إبراهيم، يقول: اذهبوا إلى إبراهيم، فإنَّه خليل الله، فيعتذر بالكذبات الثلاث، ويقول لهم: اذهبوا إلى موسى، يطلبون منه فيعتذر، يقول: قتلت نفسًا بغير حق؛ قبل النبوة، اذهبوا إلى عيسى، فيعتذر، ويقول: إن الناس اتخذوه وأمه إلهين من دون الله، ثم يأتون إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، يقول: أنا لها، أنا لها، فيشفع.
إذا كان حي تطلب منه أن يشفع لا بأس، يدعو لك الحي الحاضر، أما الميت لا، ما يدعى، إنَّما تطلب الشفاعة من الحاضر، الحي الحاضر، يوم القيامة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حي والناس أحياء، يطلبون منه الشفاعة، فيشفع لهم عند الله.
(المتن)
فالشفاعة حق، ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى، كما قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن/18]، وقال: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ)[يونس/106].
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه، لا يشفع إلا بإذن الله، لا يشفع ابتداء، بل " يأتي فيخرُّ ساجدًا، فيحمده بمحامد يعلِّمه إياها، ثم يقال: ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشفّع.
(الشرح)
وهذه هي الشفاعة العظمى؛ وهي المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون عليه الصلاة والسلام، والشفاعة هذه عامة للمؤمن وللكافر، شفاعة لإراحة الناس من الموقف، يشفع عليه الصلاة والسلام عند الله بعد أن يأذن الله له في أن يقضي إلى الله بين الخلائق بأن ينصرفوا من هذا الموقف؛ وهذه أقرَّ بها الخوارج والمعتزلة، أما الشفاعة في عدم دخول ما يستحق النار، أو في خروج الموحدين، عصاة الموحدين من النار؛ هذه ينكرها الخوارج والمعتزلة، والأدلة فيها متواترة، ولكن أهل السنة أنكروا عليهم، وبدعوهم، وضللوهم.
(المتن)
ثم يحدُّ له حدًا فيدخلهم الجنة "، فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟.
(الشرح)
يعني النَّبِيّ يشفع فيشفعه الله، أولًا: لا بد أن يأذن الله له، ثم يحدُّ له حدًا؛ العلامة يخرجهم من النار، فإذا كان هذا الرسول صلى الله عليه وسلم غيره من باب أولى ما يشفع حتى يأذن الله له، وإذا شفع لا يشفع إلا فيمن إذا رضي الله قوله وعمله وهو الموحد، فكيف بغيره؟.
(المتن)
وهذا الذي ذكرناه لا يخالفُ فيه أحد من علماء المسلمين، بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم.
وأما ما صدر من سؤال الأنبياء والأولياء الشفاعة بعد موتهم، وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج، والصلاة عندها، واتخاذها أعيادًا، وجعل السدنة والنذور لها، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وحذر منها، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان».
وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، فنهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر. وثبت فيه أيضًا أنه بعث علي بن أبي طالب t، وأمره أن لا يدع قبرًا مشرفًا إلا سواه، ولا تمثالًا إلا طمسه.
(الشرح)
فهذه كله من وسائل الشرك؛ البناء على القبور، وتجصيصها، وتنويرها، ووضع الأنوار عليها، والزهور، والرياحين؛ كل هذه من وسائل الشرك، دعوة للشرك، وكذلك أيضًا تسوية القبور ينبغي أن يسوى القبر إذا زاد على الشبر؛ ولهذا بعث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم علي قال له: «لا تدع قبرًا مشرفًا»؛ يعني مرتفعًا أكثر من شبر «إلا سويته»، سويه بالأرض حتى يكون شبر فأقل، ولا صورة إلا طمسها.
السائل: (..)؟.
الشيخ: لا بأس يجعل علامة لكن من غير الكتابة، يجعل علامة مثلًا عود، أو أي شيء، أو ما أشبه ذلك.
(المتن)
ولهذا قال غير واحد من العلماء: يجب هدم القبب المبنية على القبور؛ لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
ولأنها وسيلة للشرك.
(المتن)
فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس، حتى آل بهم الأمر إلى أن كفّرونا وقاتلونا، واستحلوا دماءنا وأموالنا، حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم, وهو الذي ندعو الناس إليه، ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة، ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)[الأنفال/39].
(الشرح)
يبيِّن الشيخ رحمه الله إنما يقاتل على الشرك بعد قيام الحجة، إذا قامت الحجة على الشخص تبين له أن ما يفعله شرك، ولم يمتنع عن الشرك يقاتل.
قال الله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯦ)[الأنفال/39]؛ يقاتل حتى يسلم ويوحد الله، وإلا يقاتل.
(المتن)
فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان، قاتلناه بالسيف والسنان.
(الشرح)
يعني يدعى من دون الله فإن أجاب الحمد لله، وإن لم يجب قتل.
(المتن)
كما قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحديد/25]. وندعو الناس إلى إقام الصلاة في الجماعات على الوجه المشروع، وإيتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، وحج بيت الله الحرام، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، كما قال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)[الحج/41]؛ فهذا هو الذي نعتقد وندين الله به، فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم؛ له ما لنا وعليه ما علينا.
ونعتقد أيضًا: أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين لسنته لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وصلى الله على محمد.
(الشرح)
وهذه بشارة لكل مؤمن، وأن تبقى طائفة على الحق إلى قيام الساعة، وهي الطائفة المنصورة وهم أهل السنة والجماعة، وهي الفرقة الناجية، يبقون على الحق إلى قيام الساعة، لكن هذه الفرقة قد تكثر في بعض الأزمنة، وقد تقل، قد يكونوا متفرقين، وقد تكون في مكان واحد، قد يتكون مثلًا في الجزيرة العربية، قد تكون في الشام، قد تكون في مصر، قد تكون في الحجاز، وفي آخر الزمان تكون الطائفة المنصورة في الشام عند خروج المهدي، وخروج الدجال يكون في آخر الزمان تحصرهم الفتن هناك في فلسطين والشام، ثم يخرج الدجال في زمان المهدي، ثم ينزل عيسى بن مَرْيَمَ فيقتله، ثم يخرج يأجوج ومأجوج، ثم تتابع بقية الأشراط.
السائل: (..)؟.
الشيخ: يسلم عليك كما أسلم، تقول السلام عليكم، ورحمة الله وبركاته، وتدعو له، غفر الله لك، ورحمك.
السائل: (..)؟.
الشيخ: إذا مر لا بأس يسلم، إذا مر بالسور سلم, وإذا دخل المقبرة يسلم عليهم أيضًا يسلم على من يعرف.