شعار الموقع

شرح الرسالة الشخصية_20

00:00
00:00
تحميل
73

بسم الله الرحمن الرحيم

الرسالة العشرون وهي في الدرر السينية في المجلد الثالث صفحة 181، وفي المجلد الثاني صفحة 23.

(المتن)

ومنها رسالة أرسلها إلى عبد الله بن سحيم مطوع المجمعة قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن سحيم حفظه الله تعالى، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد:

فقد وصل كتابك تطلب شيئاً من معنى كتاب المويس الذي أرسل لأهل الوشم وأنا أجيبك عن الكتاب جملة فإن كان الصواب فيه فنبهني وأرجع إلى الحق، وإن كان الأمر كما ذكرت لك من غير مجازفة بل أنا مقتصر فالواجب على المؤمن أن يدور مع الحق حيث دار وذلك أن كتابه مشتمل على الكلام في ثلاثة أنواع من العلوم:

الأول: علم الأسماء والصفات الذي يسمى علم أصول الدين ويسمى أيضاً العقائد.

والثاني: الكلام على التوحيد والشرك.

والثالث: الاقتداء بأهل العلم وإتباع الأدلة، وترك ذلك.

أما الأول: فإنه أنكر على أهل الوشم إنكارهم على من قال ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض، وهذا الإنكار جمع فيه بين اثنتين:

إحداهما: أنه لم يفهم كلام ابن عيدان وصاحبه.

الثانية: أنه لم يفهم صورة المسألة؛ وذلك أن مذهب الإمام أحمد وغيره من السلف أنهم لا يتكلمون في هذا النوع إلا بما تكلم الله به ورسوله فما أثبته الله لنفسه، أو أثبته رسوله أثبتوه مثل الفوقية، والاستواء، والكلام والمجيء، وغير ذلك.

(الشرح)

مذهب أهل السنة والجماعة أنهم يثبتون الأسماء والصفات التي وردت في الكتاب وفي السنة؛ كالفوقية، والعلو، والاستواء، والنزول، الكلام، والرحمة، والرضا، والغضب، إلى غير ذلك؛ أما ما ليس في الكتاب والسنة يسكتون عنه، مثل قول الأشاعرة ربنا ليس بجوهر، ولا عرض؛ الجوهر جزء من الجسم، والعرض الصفات القائمة بالجسم؛ هذا ما ورد في الكتاب والسنة لا نفي ولا إثبات، لا يُقال أن الله جوهر ولا ليس بجوهر, ولا يقال جسم ولا ليس بجسم، نثبت لله ما جاءت به النصوص؛ أأأن الله بصير، أن الله سميع، أن الله عليم؛ أما قول الأشاعرة: إن ربنا ليس بجوهر ولا عرض" هذا باطل، هذا من البدع.

(المتن)

وما نفاه الله عن نفسه، ونفاه عنه رسوله نفوه مثل: المِثْل, والند, والسميّ وغير ذلك.

(الشرح)

قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ[الشورى:11].

(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯡ[البقرة:22].

(ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ[مريم:65]

 يُنفى عن الله؛ أي لا سمّي له، لا ند له، لا مثل له: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭬ)[النحل:74].

أما ما سكتت عنه النصوص نسكت عنه مثل: الجوهر، والجسم، والعرض، والحد، والأبعاض والأغراض كل هذا نسكت عنه؛ أهل البدع يقولون: ربنا ليس بجوهر، لا عرض، ولا جسم، ليس له أبعاض ولا أعراض، ولا حد؛ كل هذا يُسكت عنه لأنه ما وردت، لا تُثبت ولا تُنفى.

(المتن)

وأما ما لا يوجد عن الله ورسله إثباته ونفيه مثل الجوهر، والجسم، والعرض، والجهة، وغير ذلك؛ لا يثبتونه ولا ينفونه؛ فمن نفاه مثل صاحب الخُطبة التي أنكرها ابن عيدان وصاحبه فهو عند أحمد والسلف مبتدع، ومن أثبته مثل هشام ابن الحكم وغيرهم فهو عندهم مبتدع.

(الشرح)

هشام ابن الحكم من الرافضة من غلاة الشيعة، يشبهون الله بخلقه؛ يقولون: الله جسم مثل الأجسام، ويقول: الله له يد كيدي، سمع كسمعي، وبصر كبصري؛ المشبهة من شَبّه الله بخلقه كفر، كما أن المعطلة الذين نفوا أسماء الله وصفاته كفروا، من شبه الله بخلقه كفر، ومَن نفى ما وصف الله به نفسه كفر.

(المتن)

 والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذا معنى كلام الإمام أحمد الذي في رسالة المويس أنه قال: لا أرى الكلام إلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن العجب استدلاله بكلام الإمام أحمد على ضده، ومثاله منه في ذلك كمثل حنفي يقول: الماء الكثير ولو بلغ قلتين ينجس بمجرد الملاقاة من غير تغير فإذا سُئل عن الدليل قال قوله صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجّسه شيء».

(الشرح)

يستدلوا بدليل ضد دعواه.

(المتن)

فيستدل بدليل خصمه؛ فهل يقول هذا من يفهم ما يقول؟ وأنا أذكر لك كلام الحنابلة في هذه المسألة قال الشيخ تقي الله الدين بعد كلام له على من قال إنه ليس بجوهر ولا عرض؛ ككلام صاحب الخطبة قال رحمه الله: فهذه الألفاظ لا يُطلق إثباتها، ولا نفيها كلفظ الجوهر، والجسم، والتحيز، والجهة، ونحو ذلك من الألفاظ.

ولهذا لما سُئل ابن سُريج عن التوحيد؛ فذكر توحيد المسلمين، قال: وأما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض، وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك، وكلام السلف والأئمة في ذم الكلام وأهله مبسوط في غير هذا الموضع؛ والمقصود أن الأئمة كأحمد وغيره لما ذكر لهم أهل البدع الألفاظ المجملة، كلفظ الجسم والجوهر، والحيز لم يوافقوهم لا على إطلاق الإثبات، ولا على إطلاق النفي انتهى كلام الشيخ تقي الدين.

إذا تدبرت هذا عرفت أن إنكار ابن عيدان وصاحبه على الخطيب الكلام في هذا عين الصواب، وقد اتبعا في ذلك إمامهما أحمد بن حنبل وغيره في إنكارهم ذلك على المبتدعة؛ ففهم صاحبكم أنهما يريدان إثبات ضد ذلك، وأن الله جسم وكذا وكذا، تعالى الله عن ذلك، وظن أيضاً أن عقيدة أهل السنة هي نفي أنه لا جسم ولا جوهر ولا كذا، ولا كذا؛ وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت، مَن أثبت بدّعوه، ومن نفى بدّعوه.

(الشرح)

مَن يقول أنه جسم مبتدع، ومَن قال أنه ليس بجسم مبتدع؛ إذاً الصواب تسكت لا تقل جسم، ولا ليس بجسم؛ هذا معتقد أهل السنة والجماعة، من يقول: أن الله جسم مبتدع, واللي يقول: ليس بجسم مبتدع؛ لأنها لم يرد في النصوص لا نفي ولا إثبات.

(المتن)

فالذي يقول ليس بجسم، ولا..، ولا..؛ هم الجهمية والمعتزلة، والذين يثبتون ذلك هو هشام وأصحابه.

(الشرح)

مَن ينفون أنه ليس بجسم، ولا عرض، ولا كذا، ولا سميع، ولا بصير، ولا عليم هم الجهمية والمعتزلة؛ والذين يقولون: إن الله جسم، وإن الله جثة وله أعضاء وله كذا هم أتباع  هشام وهم غلاة الشيعة، غلاة الشيعة يثبتون ويغلون يشبهون الله بخلقه؛ حتى قال بعضهم: أن الله على صورة الإنسان وأثبت لله كذا وكذا، وأعضاء تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً؛ فهؤلاء مُشبه، يقابلهم المعطلة الذين نفوا عن الله كل شيء، حتى الأسماء والصفات، أهل السنة وسط أثبتوا الأسماء والصفات التي وردت في الكتاب والسنة، ونفوا عن الله مماثلة المخلوقات، وسكتوا عما لم ترد به النصوص.

(المتن)

والسلف بريئون من الجميع من أثبت بدّعوه ومن نفى بدّعوه فالمويس لم يفهم كلام الأحياء، ولا كلام الأموات؛ وجعل النفي الذي هو مذهب الجهمية والمعتزلة مذهب السلف؛ وظن أن من أنكر النفي أنه يريد الإثبات كهشام وأتباعه، ولكن أعجب من ذلك استدلاله على ما فَهم بكلام أحمد المتقدم، ومن كلام أبي الوفاء بن عقيل، قال: أنا أقطع أن أبا بكر وعمر ماتا ما عرفا الجوهر والعَرَض؛ فإن رأيت أن طريقة أبي عليّ الجبائي، وأبي هاشم خير لك من طريقة أبي بكر وعمر؛ فبئس ما رأيت, انتهى.

(الشرح)

 أبي عليّ الجبائي من المعتزلة الذين ينكرون الصفات عن الله عز وجل, طريقة أبي بكر وعمر إثبات الأسماء والصفات، أما طريقة أبي عليّ الجبائي وأبي هشام نفي الأسماء والصفات؛ أيهم أحسن طريقة؟ إن كان رأيك أن طريقة الجبائي أفضل من طريقة أبي بكر و عمر، فأنت ضال منحرف.

(المتن)

وصاحبكم يدعى أن الرجل لا يكون من أهل السنة حتى يتبع أبا علي وأبا هاشم بنفي الجوهر والعرض، فإن أنكر الكلام فيهما مثل أبي بكر وعمر فهو عنده على مذهب هشام الرافضي.

(الشرح)

هنا التبس عليهم الأمر ينفون الأسماء والصفات، والذي يثبت الأسماء والصفات على طريقة السلف، على طريقة أبي بكر وعمر يكون على مذهب هشام الرافضي الذي يشّبه الله بخلقه، من أثبت الصفات قالوا هذا مشّبه، ومن نفى الصفات قالوا هذا على طريقة صحيحة شرعية.

(المتن)

فظهر بما قررناه أن الخطيب الذي يتكلم بنفي العرض والجهر أخذه مذهب الجهمية والمعتزلة، وأن ابن عيدان وصاحبه أنكرا ذلك مثل ما أنكره أحمد والعلماء كلهم على أهل البدع، وقوله في الكتاب ومذهب أهل السنة إثبات من غير تعطيل، ولا تجسيم، ولا كيف، ولا أين إلى آخره.

(الشرح)

(من غير تجسيم) أي من غير جسم، (ولا كيف) لا يُقال كيف، (ولا يقال أين) لا يقال عن الله: أين الله؟.

(المتن)

 وهذا من أبين الأدلة على أنه لم يفهم عقيدة الحنابلة، ولم يميز بينها وبين عقيدة المبتدعة؛ وذلك أن إنكار الأين من عقائد أهل الباطل.

(الشرح)

أهل الباطل يقولون لا يقال هناك أين، والنبي صلى الله عليه وسلم: «فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ الله؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ».

يُسأل عن الله بأين، وأهل البدع أهل الباطل يقولون: لا تقل أين الله؟ لأن أين تفيد المكان، والله ليس له مكان عندهم، الله في كل مكان عندهم؛ وأهل السنة أن الله في العلو، فوق السموات، فوق العرش؛ ومن شدة انحرافهم أهل البدع لا يسألون بأين؟ خطئّوا الرسول عليه الصلاة والسلام، حينما سأل الجارية، قالوا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال لها أين الله؟ غلطان، قال لها بأين لأنها جارية أعجمية ما تفهم، قالوا: سألها سؤال فاسد، ولما قالت في السماء, قال: أعتقها فإنها مؤمنة، قال: الجواب فاسد؛ لكنه أقر هذا الجواب الفاسد لأن هذا  على مقدار فهمها وعقلها؛ فالسؤال فاسد، والجواب فاسد؛ هكذا اتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام.

إذا كان هؤلاء الملاحيد يتهمون الرسول؛ يقولون: الرسول سأل الأعجمية سؤالاً فاسدًا لم يرد أين الله، أراد من الله؛ قال: أين الله؛ لأنها جارية أعجمية، سألها سؤال فاسد يناسب عقلها وفهمها، ولما قالت: في السماء أقرها على الجواب الفاسد لأن هذا هو الذي تفهمه، هكذا اتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وهو يدل على شدة انحرافهم والعياذ بالله وأنهم ملاحدة يتسترون؛ حتى أن بعضهم صرح، اتهم الرسول, قال: ما جاء البلاء إلا من الرسول, نعوذ بالله.

(المتن)

 وذلك أن إنكار الأين من عقائد أهل الباطل.

(الشرح)

(إنكار الأين) أي السؤال عنه بأين من عقائد أهل البدع.

(المتن)

وأهل السنة يثبتونه إتباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه قال للجارية أين الله؟ فزعم هذا الرجل أن إثباتها مذهب المبتدعة، وأن إنكارها مذهب أهل السنة؛ كما قيل وعكسه بعكسه؛ أما الجسم فتقدم الكلام أن أهل الحق لا يثبتونه ولا ينفونه، فغلط عليهم في إثباته، وأما التعطيل والكيف؛ فصدق في ذلك.

(الشرح)

أهل السنة لا يعطلون ولا يكيفون؛ لا يكيفون صفات الله كذا، وكذا، و(لا يعطلون) أي لا ينفون الصفات؛ هذا حق.

(المتن)

وأما التعطيل والكيف؛ فصدق في ذلك، فجمع لكم أربعة ألفاظ، نِصفها حق من عقيدة الحق، ونِصفها باطل من عديدة الباطل، وساقها مساقاً واحداً، وزعم أنه مذهب أهل السنة، فجهل وتناقض.

    وقوله أيضاً: ويثبتون ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم من السمع، والبصر، والحياة، والقدرة، والإرادة، والعلم، والكلام إلى آخره.

(الشرح)

هذا حق، هذه الصفات وردت في الكتاب والسنة.

(المتن)

 وهذا أيضاً من أعجب جهله، وذلك أن هذا مذهب طائفة من المبتدعة يثبتون الصفات السبع، وينفون ما عداها.

(الشرح)

هم الأشاعرة، يثبتون الصفات السبع: (السمع، والبصر، والحياة، والقدرة، والإرادة، والعلم، والكلام)، (وينفون ما عداها) أهل السنة يقولون: حق هذه الصفات السبعة، ولكن يجب إثبات بقية الصفات؛ وتنفى البقية على مذهب الأشاعرة.

(المتن)

وهذا أيضاً من أعجب جهله، وذلك أن هذا مذهب طائفة من المبتدعة يثبتون الصفات السبع، وينفون ما عداها، ولو كان في كتاب الله، ويؤولونه.

(الشرح)

يؤولون البقية مثل الغضب، الرضا، والمحبة؛ ينكرونها الأشاعرة يؤولونها بالإرادة، يقولون: أراد ان يغضب؛ يؤولون الغضب بالانتقام، ويؤولون الرضا بالثواب، هذا تأويل باطل، واليد النعمة أو القدرة وهكذا.

(المتن)

وأما أهل السنة فكل ما جاء عن الله ورسوله أثبتوه؛ وذلك صفات كثيرة.

(الشرح)

صفات كثيرة وردت في الكتاب والسنة.

(المتن)

 لكن أظنه نقل هذا من كلام المبتدعة، وهو لا يميز بين كلام أهل الحق من كلام أهل الباطل إذا تقرر هذا، فقد ثبت خطؤه من وجوه:

الأول: أنه لم يفهم الرسالة التي بعثت إليه.

الثاني: أنه بَهت أهلها بإثبات الجسم وغيره.

الثالث: أنه نسبهم إلى الرافضة، ومعلوم أن الرافضة    من أبعد الناس عن هذا المذهب وأهله.

الرابع: أنه نسب من أنكر هذه الألفاظ إلى الرِفض والتجسيم.

(الشرح)

(الرَفض) أي ترك، (الرِفض) مذهب الرافضة.

(المتن)

الرابع: أنه نسب من أنكر هذه الألفاظ إلى الرِفض والتجسيم، وقد تبين أن الإمام أحمد وجميع السلف ينكرونه، فلازم كلامه أن مذهب الإمام أحمد وجميع السلف، مجسمة على مذهب الرِفض.

الخامس: أنه نسب كلامهما إلى الفِرية الجسمية؛ فجعل عقيدة إمامه وأهل السنة، فِرية جسمية.

السادس: أنه زعم أن البدع اشتعلت في عصر الإمام أحمد ثم ماتت حتى أحياها أهل الوشم، فمفهوم كلامه؛ بل صريحه أن عصر الإمام أحمد وأمثاله عصر البدع والضلال، وعصر ابن إسماعيل عصر السنة والحق.

(الشرح)

الإمام أحمد إمام السنة والجماعة أظهر السنة, والعلماء متوافرون بينوا وألفوا، بينوا الحق، وأثبتوا الأسماء والصفات لله، ماتت البدع في زمانهم.

(المتن)

السابع: أنه نسبها إلى التعطيل، والتعطيل إنما هو جحد الصفات.

الثامن: بَهتهما أنهما نسبا من قبلهما من العلماء إلى التعطيل لكونهما أنكرا على خطيب المبتدعة، وهذا من البهتان الظاهر.

التاسع: أنه نسبهما إلى وراثة هشام الرافضي.

العاشر: أن المسلم أخو المسلم، فإذا أخطأ أخوه نصحه سراً، وبيّن له الصواب؛ فإذا عاند أمكنه المجاهرة بالعداوة.

(الشرح)

إذا أخطأ؛ نصحه سراً فإن قبل الحمد لله، وإذا أظهر العداوة؛ عاداه.

(المتن)

 فإذا عاند أمكنه المجاهرة بالعداوة، وهذا لَمّا راسلاه صنف عليهما ما علمت، وأرسله إلى البلدان.

(الشرح)

عندما راسلاه رد عليهم، ونشر الباطل.

(المتن)

 وأرسله إلى البلدان، اعرفوني، اعرفوني تراي جاي من الشام.

وأما التناقض وكون كلامه يكذب بعضه بعضاً فمن وجوه: منها أنه نسبهما تارة إلى التجسيم، وتارة إلى التعطيل؛ ومعلوم أن التعطيل ضد التجسيم، وأهل هذا أعداءٌ لأهل هذا، والحق وسط بينهما؛ ومنها: أنه نسبهما إلى الجهمية، وإلى المجسمة؛ والجهمية والمجسمة بينهما من التناقض، والتباعد كما بين السواد والبياض، وأهل السنة وسط بينهما.

(الشرح)

لأنهما ضدان الجهمية والجسمية.

(المتن)

ومنها: أنه يقول مذهب أهل الحق: إثبات الصفات، ثم يقول: ولا أين، ولا...، ولا...، وهذا تناقض.

ومنها: أنه يقول: ما أثبته الله ورسوله أُثبت، ثم يخص ذلك بالصفات السبع؛ فهذا عين التناقض. فعقيدته التي نسب لأهل السنة، جمعها من نحو أربع فرق من المبتدعة، يناقض بعضهم بعضاً، ويسُب بعضهم بعضاً.

(الشرح)

مثل الرافضة، وعقيدة المعطلة, وعقيدة الأشاعرة، وعقيدة المجسمة، وعقيدة المشبهة.

(المتن)

 ولو فهمت حقيقة هذه العقيدة لجعلتها ضحكة, ومنها: أنه يذكر عن أحمد أن الكلام في هذه الأشياء مذموم، إلا ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم، ثم ينقل لكم إثبات كلام المبتدعة ونفيهم، ويتكلم بهذه العقيدة المعكوسة، ويزعم أنها عقيدة أهل الحق, هذا ما تيسر كتابته عَجِلاً على السراج.

(الشرح)

كتبها على عجلة, كلامه رزين مركز، لا يكتب ما كتبه مستعجلاً, على السراج ما عندهم كهرباء مثلنا الآن, السراج متواضع, السرج الذي يُجعل فتيلاً من الخِرق يكون متصل بالدهن أو الزيت ويشعل النار فيها، يكتب عليه؛ مع ذلك بارك الله في أوقاتهم، وأعمالهم؛ نحن الآن عندنا الكهرباء, وعندنا وسائل الراحة، ومع ذلك الإنتاج قليل.

(المتن)

 والمأمول فيك أنك تنظر فيها بعين البصيرة، وتتأمل هذا الأمر. واعرض هذا عليه، واطلب منه الجواب عن كل كلمة من هذا، فإن أجابك بشيء، فاكتبه، وإن عرفته باطلاً، وإلا فراجعني فيه، أبينه لك. ولا تستحقر هذا الأمر، فإن حرصت عليه جداً؛ عرفت عقيدة الإمام أحمد وأهل السنة وعقيدة المبتدعة، وصارت هذه الواقعة أنفع لك من القراءة في علم العقائد شهرين أو ثلاثة، بسبب الخطأ والاختلاف، مما يوضح الحق ويبين مخبآته.
وأما النوع الثاني: فهو كلام في الشرك والتوحيد، وهو المصيبة العظمى والداهية الصمّاء، والكلام على هذا النوع والرد على هذا الجاهل يحتمل مجلداً، وكلامه فيه كما قال ابن القيم: إذا قرأ المؤمن تارة يبكي، وتارة يضحك، ولكن أنبهك منه على كلمتين:

 الأولى: قوله: إنهما نَسبا من قبلهما إلى الخروج من الإسلام، والشرك الأكبر، أفيظن أن قوم موسى لمّا قالوا: اجعل لنا إلها خرجوا من الإسلام؟ أفيظن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا قالوا: اجعل لنا ذات أنواط فحلف لهم أن هذا مثل قول قوم موسى: اجعل لنا آلهة، أنهم خرجوا من الإسلام؟ أيظن: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعهم يحلفون بآبائهم فنهاهم، وقال: «من حلف بغير الله فقد أشرك» أنهم خرجوا من الإسلام؟ إلى غير ذلك من الأدلة التي لا تحصر، فلم يفرق بين الشرك المخرج عن الملة، من غيره، ولم يفرق بين الجاهل والمعاند.

(الشرح)

الصحابة حينما قالوا: (اجعل لنا ذات أنواط) قالوا عن جهل، واعتذر أبو بكر رضي الله عنه, قال: نحن حدثاء عهدٍ بشرك, عندما فُتحت مكة ثم غزا بهم النبي صلى الله عليه وسلم غزوة حنين فقالوا هذه الكلمة من باب الجهل، قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم فانزجروا ولم يقعوا في الشرك.

(المتن)

الأولى: قوله: إنهما نَسبا من قبلهما إلى الخروج من الإسلام، والشرك الأكبر، أفيظن أن قوم موسى لمّا قالوا: اجعل لنا إلها خرجوا من الإسلام؟ أفيظن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا قالوا: اجعل لنا ذات أنواط فحلف لهم أن هذا مثل قول قوم موسى: اجعل لنا إلها، أنهم خرجوا من الإسلام؟!

(الشرح)

قالوا هذا عن جهل، ما فعلوا الشرك, قوم موسى ما جعلوا إلهًا، وأصحاب النبي ما جعلوا لهم ذات أنواط، فهم قالوا عن جهل والجاهل معذور حتى تقم عليه الحجة.

(المتن)

أيظن: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعهم يحلفون بآبائهم فنهاهم، وقال: «من حلف بغير الله فقد أشرك» أنهم خرجوا من الإسلام؟! إلى غير ذلك من الأدلة التي لا تحصر، فلم يفرق بين الشرك المخرج عن الملة، من غيره، ولم يفرق بين الجاهل والمعاند.

والكلمة الثانية: قوله: إن المشرك لا يقول: لا إله إلا الله، فيا عجبا من رجل يدعي العلم، وجاء من الشام يحمل كتباً، فلمّا تكلم إذ أنه لا يعرف الإسلام من الكفر، ولا يعرف الفرق بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبين مسيلمة الكذاب.

أما علم أن مسيلمة يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلي ويصوم.

(الشرح)

لأن الكفر بادعاء النبوة، (المشرك لا يقول: لا إله إلا الله) قد يقول المشرك لا إله إلا الله بلسانه، وينقضها بأفعاله، إذا قال المشرك: لا إله إلا الله, ثم سب الدين يبقى على الإسلام؟ هل يكون مسلم؟ ما يكون مسلم؛ أو استحل الزنا أو الربا، أو قال: لا إله إلا الله, ثم ادعى أن مسيلمة نبي، يكون مشرك؛ ما ينفع قول: لا إله إلا الله إذا نقضها بأفعاله, إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام ما تنفع لا إله إلا الله, تبطل, نسأل الله العافية.

(المتن)

 أما علم أن غلاة الرافضة الذين حرقهم علي رضي الله عنه يقولونها؟! وكذلك الذين يقذفون عائشة، ويكذبون القرآن؛ وكذلك الذين يزعمون أن جبرائيل غلط، وغير هؤلاء، ممن أجمع أهل العلم على كفرهم؛ منهم من ينتسب إلى الإسلام، ومنهم من لا ينتسب إليه، كاليهود؛ وكلهم يقولون: لا إله إلا الله، وهذا بين عند من له أقل معرفة بالإسلام، من أن يحتاج إلى تبيان.

وإذا كان المشركون لا يقولونها، فما معنى: باب حكم المرتد الذي ذكره الفقهاء من كل مذهب؟

(الشرح)

يعني: لو كان الإنسان قال: لا إله إلا الله حُكم بإسلامه مطلقًا؛ هذا الباب الذي بوّب له الفقهاء ما صار له فائدة، معناه: كل من قال: لا إله إلا الله يكون مسلم، ولا يضره يفعل النواقض, هذا باطل المشرك قد يقول: لا إله إلا الله ولو كان مشركًا لا تنفعه؛ المشرك قد يقول لا إله إلا الله، وهو مشرك ويدعو غير الله؛ فتسقط، أو يذبح لغير الله، أو يسب الدين، أو يستهزأ بالله، وكتابه، ورسوله؛ فتبطل له الكلمة؛ ولهذا بوّب الفقهاء في كل مذهب قالوا: حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه، وذكروا أمثلة، حتى ذكر الأحناف أشياء كثيرة تبلغ خمسمائة نقد, منهم أنهم أقروا لو قال الإنسان عن المسجد مسيجد, ومصحف مصيحف,  على وجه التحقيق كفر, مرتد.

(المتن)

 هل الذين ذكرهم الفقهاء، وجعلوهم مرتدين، لا يقولونها؟ هذا الذي ذكر أهل العلم أنهم أكفر من اليهود، والنصارى؛ وقال بعضهم: من شك في كفر أتباعه، فهو كافر؛ وذكرهم في الإقناع في: باب حكم المرتد، وإمامهم: ابن عربي، أيظنهم لا يقولون: لا إله إلا الله؟!

(الشرح)

ابن العربي رئيس وحدة الوجود, هم الملاحدة يقولون: الوجود واحد, الرب هو العبد والعبد هو الرب؛ يقول: هؤلاء إذا قالوا: لا إله إلا الله، هل يكونوا مسلمين؟! لا يكونوا مسلمين، هم أكفر خلق الله، أكفر من اليهود والنصارى، وأكفر من فرعون، وهم يقولون: لا إله إلا الله؛ لكن يقولون: الوجود واحد, الرب هو العبد والعبد هو الرب، هذا من أكفر خلق الله.

(المتن)

 وإمامهم: ابن عربي، أيظنهم لا يقولون: لا إله إلا الله؟! لكن هو أتى من الشام، وهم يعبدون ابن عربي، جاعلين على قبره صنماً يعبدونه، ولست أعني أهل الشام كلهم، حاشا وكلا؛ بل لا تزال طائفة على الحق، وإن قلت، واغتربت.

لكن العجب العجاب، استدلاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى قول: لا إله إلا الله ولم يطالبهم بمعناها، وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الأعاجم، وقنعوا منهم بلفظ، إلى آخر كلامه, فهل يقول هذا الكلام من يتصور ما يقول؟!

فنقول، أولًا: هو الذي نقض كلامه وكذبه بقوله، دعاهم إلى ترك عباده الأوثان، فإذا كان لم يقنع منهم إلا بترك عبادة الأوثان، تبين أن النطق بها لا ينفع إلا بالعمل بمقتضاها، وهو: ترك الشرك، وهذا هو المطلوب؛ ونحن إنما نهينا عن الأوثان المجعولة على قبر الزبير، وطلحة، وغيرهما، في الشام، أو في وغيره؛ فإن قلتم: ليس هذا من الأوثان، وإن دعاء أهل القبور، والاستغاثة بهم في الشدائد، ليس من الشرك، مع كون المشركين الذين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلصون لله في الشدائد، ولا يدعون أوثانهم، فهذا كفر؛ وبيننا وبينكم كلام العلماء، من الأولين، والآخرين، الحنابلة وغيرهم.

وإن أقررتم أن ذلك كفر وشرك، وتبين أن قول: لا إله إلا الله، لا ينفع إلا مع ترك الشرك، فهذا هو المطلوب، وهو الذي نقول، وهو الذي أكثرتم النكير فيه، وزعمتم أنه لا يخرج إلا من خراسان.

(الشرح)

أي أن البدع جاءت من خراسان من جهة الشرق.

(المتن)

وزعمتم أنه لا يخرج إلا من خراسان؛ وهذا القول، كما في أمثال العامة: لا وجه سميح، ولا بنت رجال.

(الشرح)

يخاطبهم بلغتهم حتى يفهموا, رحمه الله.

(المتن)

لا أقول صواباً إلا خطأً ظاهراً، وسباً لدين الله؛ وهو أيضا متناقض، يكذب بعضه بعضًا، لا يصدر إلا ممن هو أجهل الناس؛ وأما دعواه: أن الصحابة لم يطلبوا من الأعاجم إلا مجرد هذه الكلمة.

(الشرح)

أي أن من قال: لا إله إلا الله يكون مسلم، ولو فعل الشرك؛ يقول المؤلف: هذا باطل، يرد النصوص؛ قول: لا إله إلا الله لا تنفع إلا مع ترك الشِرك؛ أما إذا قال: لا إله إلا الله مع الشِرك، تبطل.

(المتن)

وأما دعواه: أن الصحابة لم يطلبوا من الأعاجم إلا مجرد هذه الكلمة، ولم يُعرفوهم بمعناها، فهذا قول من لا يفرق بين دين المرسلين، ودين المنافقين الذين في الدرك الأسفل من النار؛ فإن المؤمنين يقولونها، والمنافقين يقولونها؛ لكن المؤمنين: يقولونها، مع معرفة قلوبهم بمعناها، وعمل جوارحهم بمقتضاها؛ والمنافقون يقولونها من غير فهم لمعناها، ولا عمل بمقتضاها؛ فمن أعظم المصائب، وأكبر الجهل، مَن لا يعرف الفرق بين الصحابة والمنافقين؛ لكن هذا لا يعرف النفاق، ولا يظنه في أهل زماننا، بل يظنه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأما زمانه فصلح بعد ذلك! وإذا كان أهل زمانه وبلدانه ينزهون عن البدع، ومخرجها من خراسان، فكيف بالشرك والنفاق؟! ويا ويح هذا القائل ما أجرأه على الله! وما أجهله بقدر الصحابة وعلمهم!

(الشرح)

يُقدّر الصحابة، في منزلتهم، ومكانتهم.

(المتن)

 حيث ظن أنهم لا يعلّمون الناس معنى لا إله إلا الله؛ أما علم هذا الجاهل أنهم يستدلون بها على مسائل الفقه فضلاً عن مسائل الشرك؟! ففي الصحيحين أن عمر رضي الله عنه لمّا أشْكَل عليه قتال ما نعي الزكاة لأجل قوله صلى الله عليه وسلم: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها» قال أبو بكر فإن الزكاة من حقها؛ فإذا كان منع الزكاة من منع حق لا إله إلا الله، فكيف بعبادة القبور والذبح للجن ودعاء الأولياء وغيرهم مما هو دين المشركين؟!

وصرح الشيخ تقي الدين في "اقتضاء الصراط المستقيم" بأن من ذبح للجن فالذبيحة حرام من وجهين:

  1. من جهة أنها مما أهل لغير الله به.
  2. ومن جهة أنها ذبيحة مرتد.

فهي كخنزير مات من غير زكاة.

(الشرح)

يقولون: إذا ذبح للجن فهي ذبيحة نجسة، ميتة مثل الخنزير؛ ممنوعة من جهتين:

الجهة الأولى: أنها للذين من غير ما أهل الله به.

الجهة الثانية: أنها ذبيحة مرتد، وذبيحة المرتد لا تصلح.

منع الزكاة، لأنهم لما منعوا الزكاة وقاتلوا عليها؛ دل على إنكارهم لها، لما فعلوا الأمرين: منعوها، وقاتلوا عليها؛ أما أن منعوها، ولم يقاتلوا عليها؛ فتؤخذ منه، ويؤدب، ولا يكفر؛ إذا منع الزكاة يأخذها منه ولي الأمر ويؤدبه بالحبس والضرب، عقوبة له؛ فإن قاتل عليها دل على أنه كافر، وهؤلاء المرتدين منعوها، وقاتلوا عليها؛ فسماهم الصحابة مرتدين مثل مَن؟ مثل عبدة الأصنام، مثل إنكار نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن المرتدين قبل وفاة النبي أقسام، منهم من رجع إلى عبادة الأوثان، ومنهم من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال بنبوة مسيلمة، ومنهم من منع الزكاة وقاتل عليها، فقاتلهم الصحابة كلهم وسموهم مرتدين؛ ولم يفرقوا بين أحد منهم، وصارت حرب تسمى حرب المرتدين.

(المتن)

فهي كخنزير مات من غير زكاة. ويقول ولو سمي الله عند ذبحها إذا كانت نيته ذبحها للجن.

(الشرح)

لو ذبح للجن، وذكر اسم الله عليها، ما تفيد؛ لأن العبرة بالقصد، إذا كان يذبح قصده للجن، أو الملائكة، أو لغيرهم فهي ذبيحة شَركية، ذبيحة مشرك نجسة، ولا تحل ولا يقال: بسم الله، لا ينفع؛ لأن العبرة هي القصد، القصد الذبح للجن ليس لله، فتكون ميتة، نجسة، لا تؤكل.

(المتن)

ويقول ولو سمي الله عند ذبحها إذا كانت نيته ذبحها للجن، ورد على من قال أنه إن ذكر اسم الله حل الأكل منها مع التحريم؛ وأما ما سألت عنه من قوله اللهم صلى على محمد إلى آخره، فهذه المحامل التي ذكر غير بعيدة، ولو كان الإنكار على الرجل الميت، الذي صنفها؛ والإنكار إنما هو على الخطباء، والعامة، الذين يسمعون؛ فإن كان يزعم أن عامة أهل هذه القرى، كل رجل منهم يفهم هذا التأويل، فهذا مكابرة؛ وإن كان يعرف أنهم ما قصدوا إلا المعاني، التي لا تصلح إلا لله، لم يمنع من الإنكار عليهم، وتبيين أنه شِرك لكون الذي قالها أولاً قصد معنى صحيحاً.

كما لو أن رجلاً من أهل العلم؛ كتب إلى عامة: أن نكاح الأخوات حلال، ففهموا منه ظاهره.

(الشرح)

أي كتب (نكاح الأخوات حلال) وقصد الأخوات المسلمات، ففهموا منها الأخوات، وصاروا يتزوجون أخواتهم تبعاً لفتواه؛ هذا لأنه للأسف فهم خاطئ، وهو موهم، كانت الفتوى بالإيهام فيها إيهام.

(المتن)

 ففهموا منه ظاهره، وجعلوا يتزوجون أخواتهم، خاصتهم، وعامتهم؛ لم يمنع من الإنكار عليهم، وتبيين أن الله حرم نكاح الأخوات، كَون القائل أراد الأخوات في الدين.

(الشرح)

(كَون القائل أراد الأخوات في الدين)لم يمنعهم من الإنكار عليهم؛ فإذا قيل لهم حرام عليكم أن تتزوجون أخواتكم، قالوا: فلان أفتى؛ فلان أفتى لكن المقصود الأخوات في الدين، وليس المقصود الأخوات في النسب

(المتن)

 كما قال إبراهيم عليه السلام  لسارة: هي أختي؛ وهذا واضح بحمد الله.

(الشرح)

وتأول أنها أخته في الإسلام.

(المتن)

ولكن: من انفتح له تحريف الكلم عن مواضعه، انفتح له باب طويل عريض.

وأما النوع الثالث: وهو الكلام على التقليد والاستدلال؛ فكلامه فيه من أبطل الباطل وأظهر الكذب، وهو أيضاً كلام جاهل ينقض بعضه بعضاً، ونحن ما أردنا المعنى الذي ذكر، والكلام على هذا طويل؛ ولكن أنا كتبت له كلاماً في هذا مع رسالة طويلة، فأطلبه، وراجعه، وتأمله، وتكلم لله في سبيل الله بما يرضي الله ورسوله واحذر من فتنة "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"، فمن نجا منها فقد نجا من شرك كثير.

(الشرح)

يعني يقول: احذر تقليد الآباء والأجداد في الباطل؛ الاقتداء بالآباء والأجداد وهم على  الباطل، هذه حجة أهل الجاهلية، وهي حجة ملعونة: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ[الزخرف:23]، يتبعونهم في الباطل.

الطالب: قوله: (وتكلم لله في سبيل الله بما يرضي الله ورسوله) الرسول ميت؟.

الشيخ: يرضي الله ورسوله، وإن كان ميت، يرضيه بالتوحيد؛ فإذا قال الشخص: إن هذا الرجل المبتدع، الذي يفعل الفواحش، يفعل ما لا يرضاه ولا رسوله، صحيح، أم لا؟ صحيح.

يقول: هذا الشخص الذي يأكل الربا؛ فعله لا يرضاه الله، ولا رسوله، ولا المؤمنون الصالحون؛ صحيح، أم لا؟ صحيح.

لكن الذي لا يُقال بعد وفاته فإذا قال شخص: هل سيحصل كذا في المستقبل؟ قلت: الله أعلم، فإذا أضاف الله ورسوله أعلم؛ لا، هذا لا يُقال بعد وفاته، يُقال: الله أعلم, فالرسول لا يعلم، ميت، تُقال في حياته: الله ورسوله أعلم؛ ولكن بعد وفاته يُقال: الله أعلم.

(المتن)

 فمن نجا منها فقد نجا من شرك كثير ولا نغفل عن قوله في خطبة "شرح الإقناع" من عثر على شيء مما طغى به القلم إلى آخره، وقوله في آخرها: اعلم رحمك الله أن الترجيح إذا اختلف بين الأصحاب إلى آخره، وإن طمعت بالزيادة والمذاكرة من الرأس لعلك أيضاً تحقق علم العقائد، وتميز بين حقه من باطله، وتعرف أيضاً علوم الإيمان بالله وحده، والكفر بالطاغوت فتراي أُشير وأُلزم؛ فإن رأيت أمر الله ورسوله، فهو المطلوب، وإلا فقد وهبك الله من الفهم ما تميز به بين الحق والباطل إن شاء الله تعالى.

وهذا الكتاب لا تكتمه عن صاحب الكتاب بل أعرضه عليه، فإن تاب وأقر ورجع إلى الله فعسى.

(الشرح)

(فعسى) يعني: يرجو أن يحصل ذلك.

(المتن)

وإن زعم أن له حجة ولو في كلمة واحدة، أو أن في كلامي مجازفة، فاطلب الدليل؛ فإن أشكل شيء عليك فراجعني فيه حتى تعرف كلامي وكلامه، نسأل الله أن يهدينا وإياك المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه، وأنت لا تلمني على هذا الكلام تراني استدعيته أولًا بالملاطفة، وصبرت منه على أشياء عظيمة، والآن أشرفت منه على أمور ما ظننتها لا في عقله، ولا في دينه: منها أنه كاتب إلى أهل الحساء يعاونهم على سب دين الله ورسوله.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد