الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
(المتن)
الرسالة الثانية والعشرين.
بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد:
أخبركم أني ولله الحمد عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة؛ لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يُعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك، مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل, وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة, وأنا صاحب منصب في قريتي مسموع الكلمة.
فأنكر هذا بعض الرؤساء؛ لكونه خالف عادة نشئوا عليها، وأيضًا ألزمت من تحت يدي بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر، وأنواع من المنكرات؛ فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه، لكونه مستحسنًا عند العوام, فجعلوا قدحهم وعداوتهم فيما آمر به من التوحيد، وما نهيتهم عنه من الشرك، ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس, وكبرت الفتنة جدًا، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله.
فنقول: التوحيد نوعان: توحيد الربوبية: وهو أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم.
(الشرح)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
يعني: هذا الأمر الذي جاء وذكره الإمام رحمه الله، لاشك أنه حق الله، وهو إخلاص الدين لله، لا يشركه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأنه يجب إخلاص العبادة لله عز وجل، والعبادة كلها لله عز وجل.
وهذا هو الذي أنكره كثير من الناس من عباد القبور، بخلاف الصلاة والزكاة؛ فإنهم يصلون ويزكون، بخلاف المحرمات والزنا والسرقة والخمر؛ فإنهم ألفوا إنكارها، أما الشرك وهو دعاء الصالحين، والذبح لهم، والنذر لهم، هذا هو الذي صار عليه عامة الناس وألفوه، وظنوا أنه محبة للصالحين وتوسل وتشفع بهم؛ ولهذا أنكر كثير من الناس على الإمام رحمه الله، دعوة الناس إلى توحيد الله.
(...) وأما التزامهم بالصلاة والزكاة والصوم والحج، وإلزام الناس بترك المنكرات من الزنا والسرقة وشرب الخمر، فهذا لم ينكروه لأنهم ألفوه.
(المتن)
وهذا حق لابد منه، لكن لا يُدخل الرجل في الإسلام؛ بل أكثر الناس مقرّون به، قال الله تعالى.
(الشرح)
يعني: توحيد الربوبية، لا يدخل في الإسلام، أكثر الناس مقرون به؛ لأنه أمر فطري توحيد الربوبية، أقر به جميع ذرية بني آدم إلا من شذ.
(المتن)
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)[يونس:31].
وأن الذي يُدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الإلهية، وهو: ألا يُعبد إلا الله، لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ والجاهلية يعبدون أشياء مع الله، فمنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يدعو عيسى، ومنهم من يدعو الملائكة، فنهاهم عن هذا وأخبرهم أن الله أرسله ليوحّد ولا يُدعى أحد لا الملائكة ولا الأنبياء، فمن تبعه ووحد الله فهو الذي يشهد أن لا إله إلا الله، ومن عصاه ودعا عيسى والملائكة، واستنصرهم والتجأ إليهم، فهو الذي جحد لا إله إلا الله، مع إقراره أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله, وهذه جملة لها بسط طويل، ولكن الحاصل: أن هذا مجمع عليه بين العلماء.
فلما جرى في هذه الأمة ما أخبر به نبيها صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».
وكان من قبلهم كما ذكر الله عنهم: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)[التوبة:31]، وصار ناس من الضالين يدعون أناسًا من الصالحين في الشدة والرخاء، مثل عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، وعدي بن مسافر، وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح، صاح عليهم أهل العلم من جميع الطوائف, أعني: على الداعي, وأما الصالحون الذين يكرهون ذلك فحاشاهم.
وبيَّن أهل العلم أن هذا هو الشرك الأكبر، عبادة الأصنام؛ فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ ليُعبد وحده ولا يُدعى معه إله آخر, والذين يدعون مع الله آلهة أخرى، مثل الشمس والقمر والصالحين والتماثيل المصورة على صورهم، لم يكونوا يعتقدون أنها تُنْزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدون الملائكة والصالحين ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله, فبعث الله الرسل وأنزل الكتب تنهى عن أن يُدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة، ولا دعاء الاستغاثة.
واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم يدعون الملائكة والأولياء والصالحين، ويريدون شفاعتهم والتقرب إليهم، وإلا فهم مقرّون بأن الأمر لله؛ فهم لا يدعونها إلا في الرخاء، فإذا جاءت الشدائد أخلصوا لله، قال الله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ)[الإسراء:67]؛ الآية.
(الشرح)
ما ذكر زيادة عليها؟ يعني: إن هؤلاء المشركين الأوائل، يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، وأما المشركون المتأخرون فإنهم يشركون في الرخاء وفي الشدة، ما ذكر قال: أنهم زادوا عليهم، وما ذكر الزيادة.
(المتن)
واعلم أن التوحيد: هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده. فأولهم نوح، عليه السلام، أرسله الله إلى قومه لما.
(الشرح)
هذا اللي سبق، هذه كلها الرسالة اللي سبق كلها سبقت يعني مكررة، أنا قرأتها لكن يكون فيها زيادة.
القارئ: نترك يا شيخ؟
الشيخ: لا فيها زيادة، قرأت منها زيادة واعلم .
(المتن)
واعلم أن التوحيد: هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده. فأولهم نوح، عليه السلام، أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين: وَدّ وَسواع ويغوث ويعوق ونسر.
وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كسَّر صور الصالحين، أرسله الله إلى أناس يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله تعالى، يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله تعالى، ونريد شفاعتهم عنده، مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين.
فبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين إبراهيم، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله تعالى، لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلًا عن غيرهما، وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يخلق ولا يرزق إلا هو، ولا يُحيي ولا يُميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السموات السبع ومن فيهن والأراضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره.
فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا، فاقرأ قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)[يونس:31].
(الشرح)
كل هذه أفعال الله: يرزقكم، يرزق من السماء والأرض، يملك السمع والأبصار، يخرج الحي من الميت، يدبر الأمر؛ وهم مقرون بها؛ دلَّ على أنهم مقرون بتوحيد الربوبية ولم يدخلهم في الإسلام؛ لأنهم أشركوا بتوحيد الألوهية.
(المتن)
وقوله تعالى: (قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ(85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ(87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(88)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ)[المؤمنون:84-89].
وغير ذلك من الآيات الدالات على تحقق أنهم يقولون بهذا كله، ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا: الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى ليلًا ونهارًا خوفًا وطمعًا، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله عز وجل ليشفعوا لهم، ويدعو رجلًا صالحًا مثل اللات، أو نبيًا مثل عيسى.
وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم على ذلك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال سبحانه: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن:18].
وقال تعالى: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ)[الرعد:14].
وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم ليكون الدين كله لله، والذبح كله لله، والنذر كله لله، والاستغاثة كلها لله، وجميع أنواع العبادة كلها لله.
وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله تعالى بهم، هو الذي أحل دماءهم وأموالهم؛ عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون.
وهذا التوحيد هو معنى قولك: "لا إله إلا الله"؛ فإن الإله عندهم هو الذي يُقصد لأجل هذه الأمور، سواءً كان ملكًا أو نبيًا أو وليًا أو شجرة أو قبرًا أو جنيًا، لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يقرون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنما يعنون بالإله ما يعني به المشركون في زماننا بلفظ: "السيد"، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي: "لا إله إلا الله".
والمراد من هذه الكلمة معناها، لا مجرد لفظها.
(الشرح)
المراد معناها، معنى هذه الكلمة إخلاص العبادة لله، ليس المراد مجرد النطق، وأن لا إله إلا الله، معناها: أن تلتزم بعبادة الله، وتنفي العبادة عن غير الله؛ هذا معناها، وليس المراد أن ينطق بها اللسان بلسانه فقط ما يكفي هذا؛ لأن المشركين ينطقون بها، والمنافقين ينطقون بها، لكن ينقدونها بأفعالهم، المراد الالتزام بمعناها.
(المتن)
والمراد من هذه الكلمة معناها، لا مجرد لفظها، والكفار والجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو: إفراد الله بالتعلق، والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه، فإنه لما قال لهم: " قولوا: لا إله إلا الله " قالوا: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)[ص:5].
فإذا عرفت أن جهال الكفار كانوا يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني؛ والحاذق منهم من يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق ولا يُحيي ولا يُميت ولا يدبر الأمر إلا الله.
(الشرح)
فيفسرها بتوحيد الربوبية، هذا الحال إذا غلب عليهم يظنوا أن معنى لا إله إلا الله، المراد بها مجرد اللفظ، والحاذق منهم من يفسرها بتوحيد الربوبية، وقل من يعرف أنها صرف الإلهية عن غير الله وتحقيقها لله.
(المتن)
فلا خير في رجلٍ، جُهَّالُ الكفار أعلم منه بمعنى "لا إله إلا الله", فإذا عرفت ما قلت لك معرفة قلب، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[النساء: 48]؛ الآية.
وعرفت دين الله الذي بعث به الرسل من أولهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا، أفادك فائدتين:
الأولى: الفرح بفضل الله وبرحمته، قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58].
وأفادك أيضًا: الخوف العظيم. فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يُعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله، خصوصًا إن ألهمك الله ما قصَّ عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم، أنهم أتوه قائلين: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)[الأعراف:138]، فحينئذٍ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله.
واعلم: أن الله سبحانه من حكمته لم يبعث نبيًا بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)[الأنعام:112].
وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج، كما قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)[غافر:83].
فإذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لابد له من أعداء قاعدين عليه، أهل فصاحة وعلم وحجج، كما قال تعالى: (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)[الأعراف:86]؛ الآية.
فالواجب عليك أن تعلم من دين الله ما يصير لك سلاحًا تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف: 16-17].
ولكن إذا أقبلت على الله، وأصغيت إلى حجج الله وبيناته، فلا تخف ولا تحزن، إن كيد الشيطان كان ضعيفًا، والعامي من الموحدين يغلب ألفًا من علماء هؤلاء المشركين، كما قال تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات:173].
فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان. وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح, وقد مَنَّ الله علينا بكتابه الذي جعله تبيانًا لكل شيء.
(الشرح)
والسلاح: هو العلم، السلاح هو العلم، الأدلة المأخوذة من الكتاب والسنة، هذا السلاح، هذه رسالة كشف الشبهات هذه.
القارئ: هذه نفسها؟
الشيخ: كشف الشبهات ما ذكر عندك؟
القارئ: ما ذكر يا شيخ فيه إنها رسالة سبقت.
الشيخ: ذكر أنها سبقت.
القارئ: يقول: هذا صدر رسالة مذكورة في رسالة الشيخ إلى سويدم عالم من أهل العراق.
الشيخ: هذا أولها، وآخرها هو كشف الشبهات، آخرها كشف الشبهات تقرأ الآن نعم، كل آخرها من قول، من أول قوله واعلم.
القارئ: واعلم أن الله سبحانه وتعالى من حكمته؟
الشيخ: لا من قبل، الصفحة اللي قبل.
القارئ: أفادك فائدتين.
الشيخ: قبل، كل هذا كشف الشبهات.
القارئ: واعلم أن إفراد الله سبحانه بالعبادة.
الشيخ: من هذا أظن من هذا كشف الشبهات، ما نبه عليها؟
(المتن)
كما قال تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات:173].
فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان, وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح, وقد مَنَّ الله علينا بكتابه الذي جعله تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين؛ فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)[الفرقان:33].
قال بعض المفسرين: هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة, والحاصل: أن كل ما ذكر عنّا من الأشياء غير دعوة الناس إلى التوحيد.
(الشرح)
إلى هنا، هذا إلى هنا كشف الشبهات، انتقل هنا
القارئ: انتهى؟
الشيخ: لا؛ ما كملها، هنا انتقل إلى إشارة أخرى، القول الحاصل، نعم القول الحاصل نعم.
طالب: (...)
الشيخ: وأما المجمل؟ قوله التوحيد هو دعوة الرسل.
الطالب: (...)
الشيخ: الجواب المجمل والمفصل، لا قبلها بعد, هنا انتهى الكلام، هنا انتهى إلى غير كشف الشبهات، نعم والحاصل، من قول والحاصل، نعم.
(المتن)
والحاصل: أن كل ما ذكر عنّا من الأشياء غير دعوة الناس إلى التوحيد والنهي عن الشرك، فكله من البهتان.
ومن أعجب ما جرى من الرؤساء المخالفين، أني لمّا بينت لهم كلام الله، وما ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)[الإسراء/57]؛ الآية.
وقوله: (وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)[الإسراء:57].
وقوله: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)[الزمر: 3].
وما ذكر الله من إقرار الكفار في قوله: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ)[يونس:31]؛ الآية.
وغير ذلك، قالوا: القرآن لا يجوز العمل به لنا ولأمثالنا، ولا بكلام الرسول، ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون.
(الشرح)
هذه حجة شيطانية، لما احتج عليهم الشيخ بالأدلة، أدلة من الكتاب، قالوا: القرآن ما نعمل به نحن، ولا بالسنة ولا بأقوالهما، ما نعلم هذا، نأخذ بأقوال مشايخنا، القرآن ما نفهمه، هم يفهمون القرآن ويفهمونا، هكذا الشيطان لبس عليهم أن القرآن ما يفهمه كل أحد، أن القرآن يقولون: علماؤنا هم الذي يفهمون رؤسائنا يقرؤوا القرآن ويخبرونا، أما نحن ما نستطيع أن نفهم من القرآن، والله تعالى يقول: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)[القمر/ 17].
(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[الشعراء/ 195].
(ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮯ) [يوسف/ 2].
القرآن عربي معروف، ما تفهمه إذا قرأت؟ (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)[البقرة/ 277].
ما يفهمه العربي؟ ما يفهم العربي صفات المؤمنين، صفات المنافقين؟ (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﯛ) [النساء/ 77].
ما تفهم؟! تفهم، لكن الشيطان جعل هذه حجة شيطانية، القرآن ما نفهمه نحن ولا أمثالنا، نحن الآن نأخذ عن مشايخنا، مشايخنا هم الذي يفهمون، أما نحن ما يصح لنا القرآن، لنا ولا لأمثالنا والعياذ بالله، إذًا القرآن لماذا أنزل؟ أنزل لطائفة خاصة؟! لكن هذه حجة شيطانية.
(المتن)
قالوا: القرآن لا يجوز العمل به لنا ولأمثالنا، ولا بكلام الرسول، ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، كلٌ أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم, فلما أبوا ذلك، نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله، وذكرت كل ما قالوا، بعد ما صرحت بالنهي عن الدعوة عند القبور والنذر لها؛ فعرفوا ذلك وتحققوه، فلم يزدهم إلا نفورًا.
وأما التكفير، فأنا أكفّر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبّه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفّر, وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك.
وأما القتال، فلم نقاتل أحدًا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة, وهم الذين أتونا في ديارنا، ولا أبقوا ممكنًا.
(الشرح)
ممكنًا؟ يعني: ما أبقوا شيء يمكن يعني أن يتسامح معهم وأن نتركهم، هم الذين تسلطوا علينا، واضطرونا إلى قتالهم.
(المتن)
ولا أبقوا ممكنًا ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)[الشورى:40].
وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرف. فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال, فرحم الله من أدَّى الواجب عليه وتاب إلى الله وأقرّ على نفسه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ونسأل الله أن يهدينا وإياكم لما يحبه ويرضاه.