(المتن)
(الرسالة الرابعة والعشرون) في الدرر الثنية، المجلد الثامن، صفحة خمسٍ وسبعين، ومنها رسالة أرسلها إلى عبد الرحمن بن الربيعة مطوع أهل ثادق، وهي هذه:
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الرحمن بن ربيعة سلمه الله تعالى وبعد..
فقد وصل كتابكم تسأل عن مسائل كثيرة، وتذكر أن مرادك إتباع الحق منها مسألة التوحيد، ولا يخفاك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذً إلى اليمن، قال له: «إن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات» إلى آخره.
إذا كان الرجل لا يُدعى إلى الصلاة الخمس إلا بعد ما يعرف التوحيد، وينقاد له، فكيف بمسائل جزئية اختلف فيها العلماء؟!
(الشرح)
نعم, يعني: من باب أولى.
(المتن)
فاعلم أن التوحيد التي دعت إليه الرُسل من أولهم إلى آخرهم، إفراد الله بالعبادة كلها، ليس فيها حقٌ لملكٍ مقرب، ولا نبيٍ مرسل فضلًا عن غيرهم، فمن ذلك لا يُدعى إلا أيام، كما قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن/18]، فمن عبد الله ليلًا ونهارًا، ثم دعا نبيًا أو وليًا عند قبره؛ فقد اتخذ إلهين اثنين.
(الشرح)
يعني: هذا النبي الذي دعاه عند قبره هو الإله الثاني مع الله، فيقول: اتخذ إلهين.
(المتن)
ولم يشهد أن لا إله إلى الله؛ لأن الإله هو المدعو كما يفعل المشركون اليوم عند قبر الزبير، أو عبد القادر، أو غيرهم، وكما يُفعل قبل هذا عند قبر زيدٍ وغيره، من ذبحٍ لله ألف ضحية، ثم ذبحٍ لنبيه.
(الشرح)
قبر زيد بن الخطاب يعني (...)، وكما يُفعل عند قبر زيد وغيره.
(المتن)
وكما يُفعل قبل هذا عند قبر زيدٍ وغيره.
(الشرح)
(...)
(المتن)
ومن ذبح لله ألف ضحية، ثم ذبح لنبيٍ أو غيره فقد جعل إلهين اثنين، كما قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين)[الأنعام/162]، الآية.
والنسك هو الذبح، وعلى هذا فقس، فمن أخلص العبادات لله ولم يشرك فيها غيره، فهو الذي شهد أن لا إله إلا الله، ومن جعل فيها مع الله غيره فهو المشرك الجاحد، لقول: لا إله إلا الله.
وهذا الشرك الذي أذكره اليوم قد طبق مشارق الأرض ومغاربها، إلا الغرباء المذكورين في الحديث وقليل ما هم، وهذه المسألة لا خلاف فيها بين أهل العلم من كل المذاهب، فإن أردت مصداق هذا، فتأمل باب حكم المرتد في كل باب، في كل كتاب، وفي كل مذهب.
وتأمل ما ذكروه من الأمور التي تجعل المسلم مرتدًا، يحل دمه وماله، منها: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، كيف حكي الإجماع في الإقناع على ردته، ثم تأمل ما ذكروه في سائر الكتب، فإذا عرفت أن في المسألة خلافًا ولو في بعض المذاهب فنبهني، وإن صح عندك الإجماع على تكفير من فعل هذا أو رضي، أو جادل فيه، فهذه خطوطٌ المويس، وابن إسماعيل، وأحمد بن يحيى عندنا في إنكار هذا الدين، والبراءة منه, وهم الآن مجتهدون في صد الناس عنه.
فإن استقمت على التوحيد، وتبينت فيه ودعوت الناس إليه، وجاهرت بعداوة هؤلاء خصوصًا ابن يحيى؛ لأنه من أنجسهم وأعظمهم كفرًا، وصبرت على الأذى في ذلك، فأنت أخونا وحبيبنا، وذلك محل المذاكرة في المسائل التي ذكرت، فإن بان الصواب معك؛ وجب علينا الرجوع إليك، وإن لم تستقم على التوحيد علمًا وعملًا ومجاهدة، فليس هذا محل المراجعة في المسائل، والله أعلم.
(الشرح)
لأنه ما يفيد، إذا ما استقام بالتوحيد ما يفيد المسائل الفرعية، يبحث معه في مسائل مثلًا: في الصلاة، في الزكاة، في الحج، في البيع، في الشراء، يقول: يا شيخ أنا استقمت على التوحيد ببحث معك في المسائل، أما إذا ما التزم في التوحيد ما يفيد، إذا كان مشرك ما يفيد البحث في البيع، ولا في الشراء، ولا كذا، لو كان كل أعماله صحيحة في البيع وفي الشراء، وفي العبادات، وهو مشرك ما يفيد.
الشيخ يقول: أو شيء ستقيم على التوحيد، ثم بعد ذلك تنظر المسائل، أما إذا ما استقمت على التوحيد؛ فلا فائدة في بحث المسائل، حتى لو أقمت إقامة السهم وأنت غير موحد؛ لا تنفع، المشرك الآن لو زكى، لو صام، لو حج، لو بر والديه، لو وصل رحمه، لو أحسن إلى الجيران، لو أنفق أمواله كلها في وجوه الخير؛ ما نفعه وهو غير موحد، تكون هباءً منثورًا، يمكن تنفعه في الدنيا، الكافر يُطعم بها طُعمة، مثلًا يعطيه الله بها صحةً في بدنه وماله (...).
ما يفيد العمل، أي عمل إلا مع التوحيد؛ ولهذا بين له الشيخ رحمه الله أنه لا يفيد البحث في هذه المسائل إلا مع التوحيد.
النصارى مثلًا، بعض النصارى يبنون لهم كنائس، بعضهم في البرية بعيد عن الناس، يتعبد الليل والنهار، وزاهد في الدنيا، أي مال يأتيه يوزعه على الفقراء، وهو من أهل النار؛ لأنه يقول: إن الله ثالث ثلاثة، يعتقد هذا، يعتقد أن الله ثالث ثلاثة، ويتعبد الليل والنهار في صومعته، ولا يغتاب الناس، وينفق جميع الأموال التي تأتيه في الفقراء والمساكين، ولا يطعم منها وهو في النار، أعاذنا الله تعالى، لماذا؟
لأنه ما موحد؛ لأنه يعتقد أن الله ثالث ثلاثة، ما موحد، ما نفع صدقاته، إنفاقه، وعبادته الليل والنهار ما تنفعه؛ لأنها مبنية على الشرك نسأل الله العافية، فالشيخ رحمه الله يقول: أنت الآن استقمت على التوحيد، أبحث معك في المسائل الفرعية نشوف الصواب فيها، أما إذا ما استقمت على التوحيد فلا ما احتاج بحث المسائل، ما تفيد.