بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الخامسة والعشرون في الدرر السنية-المجلد الأول-صفحة إحدى وسبعين.
(المتن)
رسالة جوابية للشيخ، عن كتاب لم نقف عليه، ويستغنى عنه بجوابه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ وبعد: ....
قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)[آل عمران/19] .
وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)[آل عمران/85] .
وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة/3]؛ قيل إنها آخر آية نزلت.
وفسر نبي الله r الإسلام لجبريل، عليه السلام، وبناه أيضًا على خمسة أركان، وتضمن كل ركن علمًا وعملًا، فرضًا على كل ذكرٍ وأنثى، لأنه لا ينبغي لأحد يُقدم على شيء حتى يعلم حكم الله فيه.
(الشرح)
يقول: ينبغي لكل إنسان أن يعلم كل ركن من أركان الإسلام يعلمه، ويعمل به، يعلم شهادة لا إله إلا الله ويعمل بها، يعلم الصلاة ويعمل بها، يعلم الزكاة ويعمل بها, قول: لا ينبغي لأحد, ما أظن أن هذا حديث.
(المتن)
لقوله: لا ينبغي لأحدٍ يقدم على شيء حتى يعلم حكم الله فيه.
(الشرح)
ما هو بحديث.
(المتن)
فاعلم أن أهمها وأولاّها: الشهادتان.
(الشرح)
لعلها لأنه بدل لقوله؛ لأنه لا ينبغي لأحد، لعله تقرأها لأنه استقام, بدل لقوله لأنه, بدل القاف, لأنه لا ينبغي لأحد, فيستقيم الكلام, لو قرأت لأنه استقام الكلام, صارت جملة تعليلية؛ يعني ينبغي,, يقول الشيخ: إن كل ركن من الأركان ينبغي الإنسان أن يعلمه ويعمل به؛ لأنه لا ينبغي لأحد أن يقول شيء حتى يعمل به.
(المتن)
وتضمن كل ركن علمًا وعملًا، فرضًا على كل ذكرٍ وأنثى، لأنه لا ينبغي لأحد يُقدم على شيء حتى يعلم حكم الله فيه.
فاعلم أن أهمها وأولاّها: الشهادتان، وما تضمنتا من النفي والإثبات من حق الله على عبيده، ومن حق الرسالة على الأمة. فإن بان لك شيء من ذلك ما ارتعت وعرفت ما الناس فيه من الجهل والغفلة.
(الشرح)
ما ارتعت أي: ما خِفْتْ.
(المتن)
فإن بان لك شيء من ذلك ما ارتعت، وعرفت ما الناس فيه من الجهل والغفلة والإعراض عما خُلقوا له، وعرفت ما هم عليه من دين الجاهلية، وما معهم من الدين النبوي، وعرفت أنهم بنوا دينهم على ألفاظ وأفعال أدركوا عليها أسلافهم، نشأ عليها الصغير، وهرم عليها الكبير. ويؤيد ذلك أن الولد إذا بلغ عشر سنين، غسلوا له أهله وعلموه ألفاظ الصلاة، وحيي على ذلك ومات عليه.
(الشرح)
إذا بلغ سبع سنين؛ لعله علَّموه الوضوء، والصلاة.
(المتن)
ويؤيد ذلك أن الولد إذا بلغ عشر سنين، غسلوا له أهله.
(الشرح)
غسلوا له أهله, على لغة أكلوني البراغيث، وهو الجمع بين الظاهر والمضمر، مثل: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ».
ومثل قول: ومن ذلك السياق قول الله تعالى: ( ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)[الأنبياء/3]، لغة عربية, وجاء بها القرآن( ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأنبياء/3].
واللغة كثيرة وأسرَّ النجوى, والحديث: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ»؛ الكثير يتعاقب فيكم؛ هذه يسمونها لغة أكلوني البراغيث، وهو الجمع بين الظاهر والمضمر.
(المتن)
ويؤيد ذلك أن الولد إذا بلغ عشر سنين، غسلوا له أهله وعلموه ألفاظ الصلاة، وحيي على ذلك ومات عليه.
(الشرح)
حيي أي (يحيا)، أي: يحيا على ذلك ويموت عليه.
(المتن)
أتظن من كانت هذه حاله، هل شَمَّ لدين الإسلام الموروث عن الرسول رائحة؟ فما ظنك به إذا وُضع في قبره وأتاه الملكان وسألاه عما عاش عليه من الدين، بماذا يجيب؟ " هاه! هاه! لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقُلتُه ". وما ظنك إذا وقف بين يدي الله سبحانه، وسأله: ماذا كنتم تعبدون؟ وبماذا أجبتم المرسلين؟ بماذا يجيب؟ رزقنا الله وإياك علمًا نبويًا وعملًا خالصًا في الدنيا ويوم نلقاه. آمين.
فانظر يا رجل، حالك وحال أهل هذا الزمان، أخذوا دينهم عن آبائهم ودانوا بالعرف والعادة، وما جاز عند أهل الزمان والمكان دانوا به، وما لا فلا. فأنت وذاك! وإن كانت نفسك عليك عزيزة، ولا ترضى لها بالهلاك، فالتفتْ لما تضمنت أركان الإسلام من العلم والعمل، خصوصًا الشهادتين من النفي والإثبات، وذلك ثابت من كلام الله وكلام رسوله r.
قيل: إن أول آية نزلت: قوله سبحانه بعد "اقرأ ":(يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّر (1) قُمْ فَأَنذِر)[المدثر/1-2] .
قف عندها! ثم قف! ثم قف! ترى العجب العجيب، ويتبين لك ما أضاع الناس من أصل الأصول، وكذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)[النحل/36] .
(الشرح)
معنى قوله: (فَأَنذِر),أي أنذر عن الشرك، (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المدثر/2,3].
أي عظّم ربك بالتوحيد، قف وقف عندها حتى تعلم أن الرسول r ثاني سورة أُنزلت عليه أُمِر بالإنذار عن الشرك والدعوةٌ إلى التوحيد.
(المتن)
وكذلك قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)[الجاثية/23] .
وكذلك قوله تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ)[التوبة/31] .
وغير ذلك من النصوص الدالة على حقيقة التوحيد، الذي هو مضمون ما ذكرت في رسالتك، أن الشيخ محمدًا قرر لكم ثلاثة أصول:
- توحيد الربوبية.
- وتوحيد الإلهية.
- والولاء والبراء،
وهذا هو حقيقة دين الإسلام. ولكن قف عند هذه الألفاظ، واطلب ما تضمنت من العلم والعمل، ولا يمكن في العلم إلا أنك تقف على كل مسمى منهما مثل الطاغوت، تجد: سليمان والمويس وعريعر وأبا ذراع والشيطان رؤوسهم.
(الشرح)
هؤلاء رؤساء كفرة في زمانهم، يدعون إلى الشرك، ويصدون عن دين لله والأشرار أن يحذر عنهم.
(المتن)
كذلك قف عند الأرباب منهم، تجدهم العلماء والعُبّاد كائنًا من كان.
(الشرح)
يعني الذي نصبوا أنفسهم أرباب, من العلماء والعباد, نصبوا أنفسهم أرباب يشرعون للناس, كما قال الله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯱ) [التوبة/31]؛ عن بني إسرائيل.
(المتن)
تجدهم العلماء والعُبّاد كائنًا من كان، إن أفتوك بمخالفة الدين ولو جهلاً منهم فأطعتهم. كذلك قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ)[البقرة/165] .
يفسرها قوله تعالى:(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [التوبة/24] .. الآية.
كذلك قوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ )[الجاثية/23]، وهذه أعمّ مما قبلها، وأضرّها، وأكثرها وقوعا، ولكن أظنّك وكثيرًا من أهل الزمان ما يعرف من الآلهة المعبودة إلا هبل ويغوث ويعوق ونسرا واللات والعزى ومناة.
(الشرح)
أي معبودات المشركين.
(المتن)
فإن جاد فهمه عرف أن المقامات المعبودة اليوم من البشر والشجر والحجر ونحوها مثل شمسان وإدريس وأبو حديدة ونحوهم، منها.
السائل: النسخة فيها أخطاء نحوية كثيرة من النساخ يا شيخ؟.
الشيخ: نعم, أو أن النسخة فيها تحريف وقد نقلوا عنها.
(المتن)
فإن جاد فهمه عرف أن المقامات المعبودة اليوم.
(الشرح)
هي القبور.
(المتن)
من البشر والشجر والحجر ونحوها مثل شمسان وإدريس وأبو حديدة ونحوهم، منها.
(الشرح)
كل هذه معبودات يعبدونها من دون الله، وأشخاص يعبدونهم بعضهم أحياء، وبعضهم أموات.
(المتن)
هذا ما أثمر به الجهل والغفلة والإعراض عن تعلم دين الله ورسوله، ومع هذا يقول لكم شيطانكم المويس أن بِنِيّات حَرْمَة وعيالهم يعرفون التوحيد.
(الشرح)
(حَرْمَة) قرية قُرب (المجمعة)، يقول المويس: بنيات حرمة يعرفون التوحيد, يعني يزهدهم في التوحيد, قرية صغيرة قرب المجمعة تسمى حَرْمَة, بنات حرمة وعيالهم يعرفون التوحيد, يقول للشيخ محمد: أنت أكثرت علينا بالتوحيد, كل يوم التوحيد, التوحيد, بنيات حرمة وعيالهم يعرفون التوحيد؛ يعني: حتى الأطفال الصغار, ما في داعي كل يوم التوحيد, التوحيد.
اختبرهم الشيخ رحمه الله, لما قالوا هذا الكلام سكت, يقولون: كل يوم أنت التوحيد, التوحيد, عرفنا التوحيد انتهينا من التوحيد, بنيات حرمة كلهن يعرفون التوحيد, الأطفال يعرفون التوحيد.
فسكت الشيخ رحمه الله فلما كان من الغد قال لهم: إن شخص اقتحم بيت على امرأته وأنه فعل الفاحشة أو كذا, قالوا: إن لله وإن إليه راجعون هذا أمر عظيم, قال: ثم تبين لي بعد ذلك أنه ليس صحيح, وأن شخص يعني عنده مريض قيل له: اذبح ديك عند الباب ويشفى مريضك, قالوا: هذا أمر بسيط, قال: ما عرفتم التوحيد؛ هذا شرك والأول معصية, استعظمتم المعصية, ضممتم رؤوسكم وسكتم، الشرك سكتم, ما عرفتم التوحيد, من أين عرفتم التوحيد! الشرك تقولون سهل والمعصية تكون أعظم! فبين لهم أنهم ما عرفوا التوحيد.
(المتن)
ومع هذا يقول لكم شيطانكم المويس أن بِنِيّات حَرْمَة وعيالهم يعرفون التوحيد فضلاً عن رجالهم.
(الشرح)
يقول: بنيات يعرفونه فضلاً عن الرجال, فالأطفال عرفوا التوحيد ما في داعي؛ وهذا من تساهلهم.
(المتن)
وأيضًا تعلم معنى "لا إله إلا الله" بدعة. فإن استغربت ذلك مني، فأحضر عندك جماعة، واسألهم عما يُسألون عنه في القبر، هل تراهم يعبرون عنه لفظًا وتعبيرًا؟ فكيف إذا طولبوا بالعلم والعمل؟.
هذا ما أقول لك، فإن بان لك شيء من ذلك ارتعت روعة صدق على ما فاتك من العلم والعمل في دين الإسلام، أكبر من روعتك التي ذكرت في رسالتك من تجهيلنا جماعتك. ولكن هذا حق، من أعرض عما جاء به رسول الله r من دين الإسلام، فكيف بمن له قريب من أربعين سنة يسب دين الله ورسوله، ويبغضه ويصد عنه مهما أمكن؟ فلما عجز عن التمرد في دينه الباطل، وقيل له: أجب عن دينك، وجادل دونه وانقطعت حجته، أقر أن هذا الذي عليه ابن عبد الوهاب أنه هو دين الله ورسوله.
(الشرح)
وهو التوحيد.
(المتن)
فالذي عليه أهل حرمة؟ قال: هو دين الله ورسوله. كيف يجتمع هذا وهذا في قلب رجل واحد؟.
(الشرح)
كانوا في ذلك الوقت على الشرك أهل(حرمة)، قال: أن الذي عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هو دين الله ورسوله، والذي عليه أهل(حرمة) هو دين الله ورسوله، كيف يجتمعان؟! هذا على الشرك، والشيخ على التوحيد؟!.
(المتن)
فكيف بجماعات عديدة، بين الطائفتين من الاختلاف سنين عديدة ما هو معروف؛ حتى أن كلًا منهم شهر السيف دون دينه، واستمر الحرب مدة طويلة، وكل منهم يدعي صحة دينه ويطعن في دين الآخر؟ نعوذ بالله من سوء الفهم، وموت القلوب, أهل دينين مختلفين، وطائفتان يقتتلون كل منهم على صحة دينه، ومع هذا يتصور أن الكل دين صحيح يدخل من دان به الجنة؟! سبحانك هذا بهتان عظيم! فكيف والناقد بصير؟
فيا رجل! ألق سمعك لما فرض الله عليك، خصوصا الشهادتين، وما تضمنتاه من النفي والإثبات، ولا تغترّ باللفظ والفطرة، وما كان عليه أهل الزمان والمكان، فتهلك.
فاعلم: أن أهم ما فُرض على العباد: معرفة أن الله ربُ كل شيء ومليكُه، ومدبره بإرادته. فإذا عرفت هذا، فانظر ما حق مَن هذه صفاته عليك بالعبودية، بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء والتأله المتضمن للذل والخضوع لأمره ونهيه، وذلك قبل فرض الصلاة والزكاة.
(الشرح)
الأول توحيد الربوبية، والثاني توحيد الألوهية،(معرفة أن الله ربُ كل شيء ومليكُه)؛ توحيد ربوبية، الثاني: التأله والمحبة والخوف والرجاء وامتثال الأمر وهذا توحيد العبادة.
(المتن)
والتأله المتضمن للذل والخضوع لأمره ونهيه، وذلك قبل فرض الصلاة والزكاة.
(الشرح)
نعم التوحيد مُقدم على فرض الصلاة والزكاة.
(المتن)
ولذلك يعرّف عباده بتقرير ربوبيته ليرتقوا بها إلى معرفة إلهيته التي هي مجموع عبادته على مراده نفيًا وإثباتًا، علمًا وعملًا، جملةً وتفصيلًا, هذا آخر الرسالة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.