بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الثامنة والعشرون: في الدرر السنية المجلد السادس صفحة سبعين
(المتن)
ومنها رسالة أرسلها إلى أهل الرياض ومنفوحة، وهو إذ ذاك مقيم في بلد العيينة، وكتب إلى عبد الله بن عيسى قاضي الدرعية يسجل تحتها بما رآه من الكلام، ليكون ذلك سببًا لقولها، وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين, سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد:
فقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)[الشورى: 16].
وذلك أن الله أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ليبين للناس الحق من الباطل؛ فبيَّن صلى الله عليه وسلم للناس جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم بيانًا تامًا، وما مات صلى الله عليه وسلم حتى ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها, فإذا عرفت ذلك، فهؤلاء الشياطين من مردة الإنس، يحاجون في الله من بعد ما استجيب له، إذا رأوا من يعلم الناس ما أمرهم به محمد صلى الله عليه وسلم، من شهادة أن لا إله إلا الله، وما نهاهم عنه، مثل الاعتقاد في المخلوقين الصالحين وغيرهم، قاموا يجادلون ويلبسون على الناس.
ويقولون: كيف تكفّرون المسلمين؟ كيف تسبون الأموات؟ آل فلان أهل ضيف، آل فلان أهل كذا وكذا؛ ومرادهم بهذا: لئلا يتبين معنى "لا إله إلا الله"، ويتبين أن الاعتقاد في الصالحين النفع والضر ودعاءهم كفر ينقل عن الملة؛ فيقولون لهم الناس: إنكم قبل ذلك جهال لأي شيء لم تأمرونا بهذا.
وأنا أخبركم عن نفسي، والله الذي لا إله إلا هو، لقد طلبت العلم، واعتقدَ من عرفني أن لي معرفةً، وأنا ذلك الوقت لا أعرف معنى "لا إله إلا الله"، ولا أعرف دين الإسلام قبل هذا الخير الذي مَنَّ الله به، وكذلك مشايخي، ما منهم رجل عرف ذلك.
فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى "لا اله إلا الله"، أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت، أو زعم عن مشايخه أن أحدًا عرف ذلك، فقد كذب وافترى، ولبس على الناس، ومدح نفسه بما ليس فيه, وشاهد هذا أن عبد الله بن عيسى ما نعرف في علماء نجد ولا علماء العارض ولا غيره أجلّ منه، وهذا كلامه واصل إليكم إن شاء الله, فاتقوا الله عباد الله، ولا تكبروا على ربكم، ولا نبيكم, واحمدوه سبحانه.
(الشرح)
تكبروا على الله، يعني عدم قبول الأوامر، وعدم تنفيذ الأحكام، وعدم تصديق الأخبار؛ فالمسلم خاضع لربه، منقاد لشرعه ودينه، يصدق الأخبار وينفذ الأحكام، والكافر مستكبر عن عبادة الله، لا يصدق الأخبار ولا ينفذ الأحكام.
(المتن)
ولا تكبروا على ربكم، ولا نبيكم واحمدوه سبحانه. الذي منّ عليكم ويسر لكم من يعرّفكم بدين نبيكم صلى الله عليه وسلم: (ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار(28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَار)[إبراهيم/28-29].
إذا عرفتم ذلك، فاعلموا أن قول الرجل: لا إله إلا الله: نفي وإثبات، إثبات الألوهية كلها لله وحده، ونفيها عن الأنبياء والصالحين وغيرهم.
(الشرح)
إثبات الألوهية "إلا الله"، ونفيها عن غير الله "لا إله".
(المتن)
وليس معنى الألوهية أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر ولا يحيي ولا يميت إلا الله؛ فإن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرون بهذا، كما قال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) [يونس:31].
(الشرح)
وهذا اعتقاد الربوبية، وهو أمر فطري، فطر الله عليه جميع الخلق، إلا من شذ، والنزاع والخصومة بين الأنبياء وأممهم في توحيد العبادة والألوهية.
(المتن)
فتفكروا عباد الله فيما ذكر الله عن الكفار، أنهم مقرون بهذا كله لله وحده لا شريك له، وإنما كان شركهم أنهم يدعون الأنبياء والصالحين، ويندبونهم وينذرون لهم، ويتوكلون عليهم، يريدون منهم أنهم يقربونهم إلى الله، كما ذكر الله عنهم ذلك في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)[الزمر: 3].
(الشرح)
يعني: قائلين، على تقدير: قائلين ما نعبدهم.
(المتن)
إذا عرفتم ذلك، فهؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم، من أهل الخرج وغيرهم، مشهورون عند الخاص والعام بذلك، وأنهم يترشحون له ويأمرون به الناس.
كلهم كفار مرتدون عن الإسلام؛ ومن جادل عنهم، أو أنكر على من كفّرهم، أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلًا فلا يخرجهم إلى الكفر، فأقلّ أحوال هذا المجادل أنه فاسق لا يقبل خطه ولا شهادته.
ولا يصلى خلفه، بل لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم، كما قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)[البقرة: 256].
ومصداق هذا: أنكم إذا رأيتم من يخالف هذا الكلام وينكره، فلا يخلو: إما أن يدعي أنه عارف، فقولوا له: هذا الأمر العظيم لا يغفل عنه، فبينْ لنا ما يصدقك من كلام العلماء إذا لم تعرف كلام الله ورسوله؛ فإن زعم أن عنده دليلًا، فقولوا له: يكتبه حتى نعرضه على أهل المعرفة، ويتبين لنا أنك على الصواب ونتبعك؛ فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد بين لنا الحق من الباطل.
وإن كان المجادل يقر بالجهل، ولا يدعي المعرفة، فيا عباد الله! كيف ترضون بالأفعال والأقوال التي تغضب الله ورسوله، وتخرجكم عن الإسلام؟ إتباعًا لرجل يقول: إني عارف، فإذا طالبتموه بالدليل عرفتم أنه لا علم عنده، أو إتباعًا لرجل جاهل، وتُعرضون عن طاعة ربكم وما بينه نبيكم صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعده.
واذكروا ما قص الله عليكم في كتابه لعلكم تعتبرون؛ فقال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ)[النمل: 45].
وهؤلاء أهلكهم الله بالصيحة. وأنتم الآن إذا جاءكم من يخبركم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أنكم فريقان تختصمون، أفلا تخافون أن يصيبكم من العذاب ما أصابهم؟
والحاصل: أن مسائل التوحيد ليست من المسائل التي هي من فن المطاوعة خاصة.
(الشرح)
الشيخ: فن بالنون؟
القارئ: إيه.
الشيخ: التي هي من فن؟
القارئ: المطاوعة.
الشيخ: كيف فن؟ على أساس من عندهم وإنما هي من عند الله، كلمة فن يعني ليس...
القارئ: اختصاص يمكن؟
الشيخ: نعم؛ لعله يكون والحاصل.
(المتن)
والحاصل أن مسائل التوحيد ليست من المسائل التي هي من فن المطاوعة خاصة بل البحث عنها أو تعلمها: فرض لازم على العالم والجاهل، والمحرم والمحل، والذكر والأنثى, وأنا لا أقول لكم: أطيعوني؛ ولكن الذي أقول لكم: إذا عرفتم أن الله أنعم عليكم، وتفضل عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعلماء بعده، فلا ينبغي لكم معاندة محمد صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
الشيخ: معاندة؟
القارئ: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأن العناد كفر والعياذ بالله.
(المتن)
وقولكم: إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا كيف تفعلون كذا؟ فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين.
(الشرح)
وهي صفة يوصف بها أعداء الله، أنه يكفر الناس في العموم.
(المتن)
وكذلك أيضًا، من أعظم الناس ضلالًا: متصوفة في معكال وغيره، مثل ولد موسى بن جوعان، وسلامة بن مانع.
(الشرح)
معكال هذا حي من أحياء الرياض، جنوب الرياض.
القارئ: في الرياض معكال هذا؟
الشيخ: نعم؛ معكال حي في الرياض يسمى معكال، كان بمثابة قرية (...) الأصل: في وسط الرياض من جهة الجنوب، كما أن المنفوحة كانت قرية، وصارت الآن حي من أحياء الرياض، والدرعية نفسها الآن، كان بينها وبين الرياض حرب ثلاثين سنة، والآن حي من أحياء الرياض.
كانت الصوفية في معكال، في ذلك الوقت كانت القرية فيها صوفية.
(المتن)
وكذلك أيضًا، من أعظم الناس ضلالا: متصوفة في معكال وغيره، مثل ولد موسى بن جوعان، وسلامة بن مانع وغيرهما، يتبعون مذهب ابن عربي وابن الفارض.
(الشرح)
أعوذ بالله، يتبعوا مذهب ابن عربي، يعني يقولون: أن الوجود واحد، العربي رئيس وحدة الوجود، إذًا في زمن الشيخ، جماعة في معكال يقولون بوحدة الوجود، ومعنى وحدة الوجود، يقولون: الوجود واحد، هو الرب هو العبد، والعبد هو الرب، ما في وجودين، ما في خالق ومخلوق، الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، يقول: أنت الرب وأنت العبد، أنت واحد لكن الرب يتجلى في صورة معبود في صورة خالق هو واحد، في صورة رسول، في صورة معبود كما تجلى في صورة فرعون، في صورة رسول عابد هادي، كما تجلى في صورة الأنبياء، وإلا فالوجود واحد.
نعوذ بالله هذه الصوفية على مذهب ابن عربي في زمانه في معكال، بأن يقول أحدهم: رب مالك وعبد هالك وأنتم ذلك، والعبد فقط، والرب هو العبد، فرب مالك وعبد هالك وأنتم ذلك، أنتم الرب وأنتم العبد، والعبد فقط والكثرة وهم، الكثرة وهم متعددة، وإلا فالوجود واحد.
(المتن)
وقد ذكر أهل العلم أن ابن عربي من أئمة أهل مذهب الاتحادية، وهم أغلظ كفرًا من اليهود والنصارى.
(الشرح)
هو رئيس أهل وحدة الوجود، أغلظ كفرًا، أكفر من اليهود والنصارى، أكفر من اليهود والنصارى، من يقول بوحدة الوجود، كلهم: الصوفية، والملاحدة، والباطنية، والإسماعيلية أكفر من اليهود والنصارى، أكفر من اليهود والنصارى، نعوذ بالله.
(المتن)
فكل من لم يدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم ويتبرأ من دين الاتحادية، فهو كافر بريء من الإسلام.
(الشرح)
من لا يدخل في دين الرسول ويتبرأ من الشرك بأنواعه، ومن ذلك مذهب الاتحادية؛ فهو كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
(المتن)
فكل من لم يدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم ويتبرأ من دين الاتحادية، فهو كافر بريء من الإسلام, ولا تصح الصلاة خلفه، ولا تُقبل شهادته.
(الشرح)
ما تصلح الصلاة خلفه، الكافر والاتحادي ما يصلح الصلاة خلفه.
من صلى خلف صوفي، أو اتحادي، أو إسماعيلي، أو باطني، ورافضي، يعيد الصلاة، صلاته باطلة، لأنه ليس بمسلم.
(المتن)
والعجب كل العجب أن الذي يدعي المعرفة يزعم أنه لا يعرف كلام الله، ولا كلام رسوله؛ بل يدعي أني أعرف كلام المتأخرين مثل الإقناع وغيره، وصاحب الإقناع، قد ذكر أن من شك في كفر هؤلاء السادة والمشايخ فهو كافر.
سبحان الله! كيف يفعلون أشياء في كتابهم أن من فعلها كفر، ومع هذا يقولون: نحن أهل معرفة وأهل الصواب، وغيرنا صبيان جهال.
والصبيان يقولون: أظهروا لنا كتابكم، ويأبون عن إظهاره؛ أما في هذا ما يدل على جهالتهم وضلالتهم؟!
وكذلك أيضًا، من جهالة هؤلاء وضلالتهم: إذا رأوا من يعلّم الشيوخ وصبيانهم أو البدو، شهادة أن لا إله إلا الله، قالوا: قولوا لهم يتركون الحرام؛ وهذا من عظيم جهلهم, فإنهم لا يعرفون، إلا ظلم الأموال، وأما ظلم الشرك فلا يعرفون.
(الشرح)
مع أنه أعظم ظلم الشرك، تجدهم ينكرون ظلم الأموال، إذا أحد سرق المال، أو غش، أو تعامل بالربا، يعتبرون هذا ظلم، وإذا أشرك بالله، ودعا غير الله ما أنكروه ويستحسنونه، مع أنه ظلم، الظلم في العقيدة أعظم من الظلم في الأموال، ظلم الشرك هذا.
(المتن)
وأما ظلم الشرك فلا يعرفون وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان: 13].
وأين الظلم الذي إذا تكلم الإنسان بكلمة منه، أو مدح الطواغيت أو جادل عنهم، خرج من الإسلام، ولو كان صائمًا قائمًا من الظلم الذي لا يخرج من الإسلام، بل إما أن يؤدي إلى صاحبه بالقصاص، وإما أن يغفره الله؟! فبين الموضعين فرق عظيم.
(الشرح)
ظلم الشرك أعظم، والظلم لا يُغفر، الظلم في الشرك وأنه يعبد غير الله، هذا ظلم الشرك، أما ظلم الأموال أسهل، فمن يظلم شخص في ماله، يأكل ماله بالباطل، أو يغش أو كذا، هذا ظلم، قال: يقتص منه صاحبه وينتهي، لكن ظلم الشرك مخلد في النار صاحبه، فرق بين ظلم الشرك وظلم الناس في أموالهم، ظلم الناس في أموالهم يقتص منهم يوم القيامة ويأخذ حقه، لكن ظلم الشرك لا حيلة فيه، من أتى على الشرك فهو مخلد في النار والعياذ بالله.
(المتن)
وبالجملة، رحمكم الله، إذا عرفتم ما تقدم أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد بيّن الدين كله، فاعلموا أن هؤلاء الشياطين قد أحلوا كثيرا من الحرام في الربا والبيع وغير ذلك، وحرموا عليكم كثيرا من الحلال، وضيقوا ما وسعه الله؛ فإذا رأيتم الاختلاف، فاسألوا عما أمر الله به ورسوله، ولا تطيعوني ولا غيري, وسلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ومنَّ علينا بإتباع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام؛ وبعد:
فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى: عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن: إن أول واجب على كل ذكر وأنثى: معرفة شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أرسل الله بها جميع رسله، وأنزل لأجلها جميع كتبه، وجعلها أعظم حقه على عباده، كما ذكر الله لنا في كتابه، وعلى لسان رسوله في مواضع لا تُحصى، منها قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء:25].
وقال تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ)[النحل:2].
وقال: (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)[النحل:36]؛ الآية.
وقد أمر الله عباده بالاستجابة لهذه الكلمة فقال: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ)[الشورى/47].
(الشرح)
الاستجابة لهذه الكلمة وهي كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" الاستجابة لها بأداء حقوقها، من أداء الواجبات وترك المحرمات، ولا يكفي قولها باللسان.
(المتن)
(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ)[الشورى:47].
وتوعد سبحانه أفضل الخلق وأكرمهم، سيد ولد آدم والنبيين قبله، على مخالفتها فقال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 66].
فكيف بغيرهم من سائر الخلق؟.
(الشرح)
والصواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك، ولكن هذا لبيان مقادير، لبيان مقدار الشيء، وأن الشرك عظيم، لو وقع من أي أحد حبط عمله، ولكن الرسول معصوم عليه الصلاة والسلام.
(المتن)
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
فمن نصح نفسه وأهله وعياله، وأراد النجاة من النار، فليعرف شهادة أن لا إله إلا الله؛ فإنها العروة، الوثقى وكلمة التقوى، لا يقبل الله من أحد عملاً إلا بها، لا صلاة ولا صوماً ولا حجاً ولا صدقة، ولا جميع الأعمال الصالحة، إلا بمعرفتها والعمل بها. وهي كلمة التوحيد.
(الشرح)
لا يصنع أي عمل حتى يعرف معناها، ويعمل بمقتضاها، يعلم أن هذه الكلمة "لا إله إلا الله"؛ تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، لا تُثبت لغير الله، فإذا عرف ذلك؛ أتى بحقوقها وواجباتها.
(المتن)
وهي كلمة التوحيد وحق الله على العبيد, فمن أشرك مخلوقًا فيها من ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو وليٍّ، أو صحابي وغيره، أو صاحب قبر أو جني، أو غيره، أو استغاث به، أو استعان به فيما لا يُطلب إلا من الله، أو نذر له أو ذبح له، أو توكل عليه أو رجاه، أو دعاه دعاء استغاثة أو استعانة، أو جعله واسطة بينه وبين الله لقضاء حاجته، أو لجلب نفع أو كشف ضر، فقد كَفَرَ كُفْر عبّاد الأصنام، القائلين: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)[الزمر: 3].
فمن أشرك مخلوقًا فيها من ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو وليٍّ، أو صحابي وغيره، أو صاحب قبر أو جني، أو غيره، أو استغاث به، أو استعان به فيما لا يُطلب إلا من الله، أو نذر له أو ذبح له، أو توكل عليه أو رجاه، أو دعاه دعاء استغاثة أو استعانة، أو جعله واسطة بينه وبين الله.
(الشرح)
دعاء الاستغاثة، لتفصله من المكروه، كالغريق ومن وقع في كربة، وفي غير ذلك يسمى دعاء، وهذا يسمى استغاثة، استغاثة تحصل من المكروه.
(المتن)
أو جعله واسطة بينه وبين الله لقضاء حاجته، أو لجلب نفع أو كشف ضرٍّ، فقد كَفَرَ كُفْر عبّاد الأصنام، القائلين: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)[الزمر: 3].
(الشرح)
لأنه صرف لهم نوع من أنواع العبادة، فمن دعاهم وجعلهم واسطة بينه وبين الله، أو ذبح لهم، أو نذر لهم؛ فقد أشرك شرك عباد الأصنام، ما الفرق بينه وبين من يعبد الأصنام والأوثان.
(المتن)
القائلين: (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)[يونس: 18].
كما ذكر الله عنهم في كتابه، وهم مخلدون في النار، وإن صاموا وصلوا وعملوا بطاعة الله الليل والنهار.
(الشرح)
ما تنفعهم وهم مع الشرك، وصاموا وصلوا وحجوا، وأحسنوا إلى الناس، لكنهم يدعون غير الله، ما تنفعهم، وهم مخلدون في النار، بسبب شركهم.
(المتن)
كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ)[البينة: 6]؛ الآية, وغيرها من الآيات.
وكذلك من ترشح بشيء من ذلك، أو أحب من ترشح له، أو ذبَّ عنه، أو جادل عنه، فقد أشرك شركًا لا يُغفر، ولا يُقبل، ولا تصح منه الأعمال الصالحة، الصوم والحج وغيرها: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)[النساء: 48]، ولا يُقبل عمل المشركين.
وقد نهى الله نبيه وعباده عن المجادلة عمن فعل ما دون الشرك من الذنوب بقوله: (وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ)[النساء: 107]؛ الآية.
فكيف بمن جادل عن المشركين، وصد عن دين رب العالمين؟ فالله الله! عباد الله! لا تغتروا بمن لا يعرف شهادة أن لا إله إلا الله، وتلطخ بالشرك وهو لا يشعر.
(الشرح)
تلطخ؟
القارئ: نعم. وتلطخ بالشرك وهو لا يشعر.
الشيخ: بالخاء ولا بالفاء؟
القارئ: بالخاء.
الشيخ: يعني: وقع في الشرك.
(المتن)
وتلطخ بالشرك وهو لا يشعر فقد مضى أكثر حياتي ولم أعرف من أنواعه ما أعرفه اليوم.
فقد مضى أكثر حياتي ولم أعرف من أنواعه ما أعرفه اليوم، فلله الحمد على ما علمنا من دينه. ولا يهولنكم اليوم أن هذا الأمر غريب، فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
أعد أعد، وقد مضى أكثر حياتي ولم أعرف هذا، أعد قبل سطرين أو ثلاثة.
(المتن)
فالله الله! عباد الله! لا تغتروا بمن لا يعرف شهادة أن لا إله إلا الله، وتلطخ بالشرك وهو لا يشعر، فقد مضى أكثر حياتي ولم أعرف من أنواعه ما أعرفه اليوم، فلله الحمد على ما علمنا من دينه. ولا يهولنكم اليوم أن هذا الأمر غريب، فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريباً كما بدأ»، واعتبروا بدعاء أبينا إبراهيم، عليه السلام، بقوله في دعائه: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ)[إبراهيم: 35].
(الشرح)
فإذا كان الخليل عليه الصلاة والسلام، وهو خليل الله، اتخذه الله خليلًا، كسر الأصنام بيده، ومع ذلك يخاف يقول: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[إبراهيم/ 35].
يسأل ربه يدعوه أن يجنبه ويجنب بنيه عبادة الأصنام، فكيف بغيره؟ ولهذا قال إبراهيم التيمي على هذه الآية: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟! إذا كان إبراهيم خليل الله، الذي بقي على التوحيد وحده، وكسر الأصنام بيده، ووقف للجبابرة والطغاة، وألقوه في النار، من أجل التوحيد، يخاف ويسأل ربه ويقول: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [إبراهيم/ 35].
فكيف بغيره؟ ولهذا قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟ يعني من يأمن على نفسه إذا كان هذه حاله ويخاف من الشرك.
(المتن)
ولولا ضيق هذه الكراسة، وأن الشيخ محمدًا أجاد وأفاد بما أسلفه من الكلام فيها، لأطلنا الكلام. وأما الاتحادي ابن عربي.
(الشرح)
هذا ما هو كلام الشيخ محمد؟
القارئ: لا؛ عبد الله بن عيسى، هذا عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن.
الشيخ: يعني هذا هو اللي يقول: مضى أكثر حياتي ولا أعرف التوحيد، من هو ابن من؟
القارئ: ابن عيسى عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن.
الشيخ: بس ما ذكره مكانه؟
القارئ: لا.
(المتن)
ولولا ضيق هذه الكراسة، وأن الشيخ محمدًا أجاد وأفاد بما أسلفه من الكلام فيها لأطلنا الكلام. وأما الاتحادي ابن عربي. صاحب الفصوص.
(الشرح)
القارئ: مكتوب النصوص.
الشيخ: الفصوص، صاحب الفصوص، كتابه اسمه "فصوص الحكم" لابن عربي، له كتاب آخر اسمه الفتوحات المكية، وهو له كتاب الهو، وله كتاب في الفقه ينتسب إلى الشافعي، إلى الشافعية، وهو رئيس وحدة الوجود.
(المتن)
إنما تبين لي الآن وجوب الجهاد في ذلك عليّ وعلى غيري.
فإن قال جاهل: أرى عبد الله توه يتكلم في هذا الأمر.
(الشرح)
الشيخ: عبد الله بن كذا؟
القارئ: لا, فقط.
الشيخ: ابن عيسى نعم، فلماذا لم يتكلم إلا الآن.
(المتن)
فيعلم أنه إنما تبين لي الآن وجوب الجهاد في ذلك علي وعلى غيري.
(الشرح)
يقول: إنه ما تبين لي إلا الآن، أنه قال: لمَّ لما تكلمت إلا الآن، يقول: ما تبين لي إلا الآن، تبين لي وجوب الجهاد، أن الجهاد واجب علي وعلى غيري، جهاد المشركين حتى يتوبوا إلى الله من الشرك؟
(المتن)
لقوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)[الحج: 78].
إلى أن قال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ)[الحج: 78], وصلى الله على محمد وآله وسلم.