بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الثانية والثلاثون.
وجدت في الدرر السنية في المجلد الثامن الصفحة التاسعة والثمانون.
(المتن)
قال عفا الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد بن عبد الوهاب إلى محمد بن فارس، سلام عليكم, وبعد:
الواصل إليكم: مسألة التكفير من كلام العلماء، وذكر في الإقناع إجماع المذاهب كلها على ذلك؛ فإن كان عند أحد كلمة تخالف ما ذكروه في مذهب من المذاهب، فيذكرها وجزاه الله خيراً، وإن كان يبغي يعاند كلام الله وكلام رسوله، وكلام العلماء، ولا يصغي لهذا أبداً، فاعرفوا أن هذا الرجل معاند ما هو بطلاب حق، وقد قال الله تعالى: (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:80].
والذي يدلكم على هذا: أن هؤلاء يعتذرون بالتكفير إذا تأملتهم؛ إذ أن الموحدين أعداؤهم، يبغضونهم ويستثقلونهم، والمشركون والمنافقون هم ربعهم الذين يستأنسون إليهم، ولكن هذه قد جرت من رجال عندنا في الدرعية وفي العيينة الذين ارتدوا وأبغضوا الدين.
وقال أيضاً رحمه الله تعالى: أعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة:
الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والدليل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)[النساء:48].
ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القباب.
(الشرح)
(الشرك) معناها أن يصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، ومثَّل لها: الذبح، مثل الدعاء، والنذر، والطواف، والركوع، والسجود، إذا قصد به التقرب لغير الله فقد وقع في الشرك، وهذا ناقض من نواقض الإسلام.
الطالب: شيخ الله يحسن إليك، الذي يذبح الذبيحة تقربًا إلى الله دفعًا للجن والعين عند بناء البيت، يبني البيت ويذبح لله عز وجل عشان يمنع عنه الجن والعيون؟.
الشيخ: كيف ما يُسن هذا، ما يسمع هذا، يذبح لله ويذبح للجن، ما يُسن التوحيد في الشرك.
الطالب: لا ما يذبح للجن، إنما يجعل هذه الذبيحة سببًا للدفع، أو أن النية هذه يا شيخ تجعلها شركًا.
الشيخ: لا يجوز أن يذبح؛ لأن وقت هذا الذبح ما هو مشروع، الذبيحة لها أوقات، لابد لها تسوي شرعًا، إن كانت وقت العرف هو الذبح بنية الأضحية صارت أضحية, وإن كان وقتها أن تكون عقيقة عن المولود كانت عقيقة، وإذا كانت لا هذا ولا هذا ما في ذبيحة ولا شيء، يقول يذبح للحم، لأجل اللحم، أو لأجل الضيف ماشي، أما هذا غير مشروع هذا.
يستعيذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، الأوراد كافية، الورد الشرعي، يقرأ الأوراد الشرعية ويستعيذ بالله، أما أن يذبح لا، هذه ذبيحة للفدية، ذبيحة شركية.
الطالب: شرك أكبر؟.
الشيخ: نعم.
الطالب: (...).
الشيخ: إذا كان قصده الشكر لله، وجمع للإخوان والأقارب والأصحاب يجمعهم ويحضرون عنده، ويسألوا الله أن يبارك فيه وأن يهنئونه يذبح لا بأس، هذا لا إشكال فيه، مثل ما يحصل من بعض الناس، بنى بيت، أو أشترى بيت ذبح ذبيحة وجعل وليمة، ودعا الأقارب والجيران، إذًا هذا غير، هذا يذبح بنية دفع العين، يذبح للجن حتى يمنعونه من شرهم.
وكونه أن يذبح لله لأجل الحسد ما يجتمعان، هذان ما يجتمعان، الذبيحة إما أن تكون للحم، أو يتقرب بها إلى الله، والتقرب إلى الله: إما أن تكون هدي يذبحها في الحج، أو أضحية، أو عقيقة، والباقي ذبيحة لحم في أي وقت، وخاصةً الذبح عند شراء البيت.
الطالب: شيخ الله يحسن إليك: ما ننظر إلى نيته إن نويت الجن فشرك أكبر، وإن نويت الله عز وجل بدعة.
الشيخ: كيف يعني؟ يذبح، لماذا يذبح؟.
الطالب: عشان ربنا يحفظني، يحفظ عيالي، ويحفظ بيتي.
الشيخ: عليك بالأذكار الشرعية، مشروع عليك بالأذكار الشرعية والأوراد، والورد ما تذبح.
(المتن)
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم الشفاعة، كفر إجماعاً.
الثالث: من لم يكفّر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر إجماعاً.
(الشرح)
الكل معروف أنه (...) عددًا من المشايخ.
الطالب: شيخ الله يحفظك: الآن كثير من الناس عندنا وغيرنا، إذا قلت لهم اليهود والنصارى كفار؟ قال: لا، مسلمين؟ قال: لا، يعني ويش هم؟ يعني ما يظن إنهم كفار، مثل هذا يدخل فيه؟
الشيخ: إذا توقف في تكفيرهم فهو كافر، نسأل السلامة والعافية.
الطالب: يهل عنهم.
الشيخ: يجهل اليهود والنصارى! في أحد يقول أن اليهود والنصارى كفار ويعيش بين المسلمين.
الطالب: ما يدري, هم على دين سابق وخلاص.
الشيخ: فهم دين الكافر، لكن دين الباطل، والله تعالى قال: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[الكافرون:6].
هذا مشرك كافر هذا، من لم يكفر المشركين، أو اليهود والنصارى، أو شك فيهم توقف في كفرهم فهو كافر مثلهم نعوذ بالله؛ لأنه لم يكفر بالطاغوت، آمن بالطاغوت، ولا يمكن أن يجتمع الإيمان بالطاغوت والإيمان بالله.
الطالب: شيخ الله يحسن إليك مثل ما قال لك عبد الله: إذا بينّا لهم رجعوا، لكن أول ما نقول إيش رأيكم ما ندري! إذا قلنا هؤلاء كفار كذا وكذا، قالوا زين! يسمعون الكلام.
الشيخ: طيب إذا كان عنده شبهة يُبين له، وإزالة الشبهة.
(المتن)
الرابع: من أعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه، فهو كافر.
(الشرح)
نسأل الله العافية، نعم كل ما يعتقد أن هناك أحسن من هدي الرسول أو حكمه فلا شك في كفره.
الطالب: شيخ اللحية الآن يقولون إذا حلقها الواحد صار شخصية، مثل هذه يدخل فيه؟ يقول حلق اللحية يصير شكله أحسن من ذي لحية؟.
الشيخ: إذا كان مقصود نفس شخصه لا، وليس المقصود الطعن في السُنة، أو الاستهزاء بالسُنة هذا معصية، لكن إذا استهزئ بالسُنة مثلًا من أجل السُنة...
الطالب: (...).
الشيخ: يكون مشرك هذا، هذا كافر، ما ينفع هذا، الكلام ما ينفع هذا، تفرد به لغير الله هذا كلام المشركين، المشركين يقولون: نعرف أن الشافي هو الله، والنفع والضر بيد الله، لكن هؤلاء لهم وجاهة وقربة وشفاعة من أجل هذا؛ فصار هذا شرك، هذا هو الشرك بعينه.
المشركين يقولون هذا، هذا كلام المشركين، هذا الكلام اللي تقوله يقوله المشركون ونعلم أن الشافي هو الله والنافع والضار هو الله، لكن هؤلاء يشفعون لنا ويقربونا إلى الله، لهم وجاهة عند الله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮩ) [الزُّمَر:3].
الطالب: (...).
الشيخ: كفر، فعلهم من فعل المشركين، مقالتهم من مقالة المشركين، نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو عمل به، كفر إجماعاً.
(الشرح)
مثل قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)[محمد:9].
(المتن)
والدليل قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)[محمد:9].
(الشرح)
الطالب: شيخ الله يحفظك: ما هو الفرق بين الرابع والخامس؟ لأن الرابع كانه يدخل في الخامس؟.
الشيخ: (...).
الطالب: اعتقدوا أبغض يعني؟.
الشيخ: نعم، الأبغض بُغض، اعتقد أبغض وكره نعم، شيءٌ مما جاء به الرسول.
(المتن)
السادس: من استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه، أو عقابه، كفر، والدليل قوله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة:65-66].
(الشرح)
نسأل الله العافية، نعم السخرية والاستهزاء.
الطالب: أحسن الله إليك، فيه ناس ينكتون على بعض النكت أن إمام قرأ كذا وكذا يضحكون، أخطأ مثلًا في آية يضحكون على هذا الذي حدث مثلًا مكة وبكة يضحكون عليه في الحادث هذا، هل يدخل فيه مثل هذا؟.
الشيخ: إذا كان استهزأ بالقرآن كفر نعوذ بالله.
الطالب: هو ما استهزأ بالقرآن، لكن استهزأ بالواقعة بالحدث؟
الشيخ: استهزأ بشخصه هو؟.
الطالب: بالواقعة.
الشيخ: نعم.
الطالب: (...).
الشيخ: إذا كان هو يستهزئ بالواقعة ما يدخل في هذا.
هذا خطبه على عدم فهمه، لكن معناه أنه يدخل على الشخص بذاته لما قرأ الآية، قرأها على غير وجهها.
(المتن)
السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)[البقرة:102].
(الشرح)
صرح الله, فلا تكفر: أي بتعلم السحر، دلَّ على أن تعلمه وتعليمه كفر.
الطالب: هل هذا يا شيخ الذين يذهبون للسحرة كفار، رضي به ما راح إلا راضي.
الشيخ: إذا كان يتعلم أو يُعلم.
الطالب: لا ما يتعلم ولا يُعلم، لكن يذهب ليُسحر له، يقول لك ما رأيك في أسحر لي زوجي، أو قريبي؟.
الشيخ: إذا كان راضي ككون السحر، أما إذا كان لا يعلم أنه حرام.
الطالب: إذا كان؟.
الشيخ: إذا كان يعلم أنه حرام اعتقد أنه حرام، لكن فعله من باب الانتقام الشخصي، المقصود أن هذا فيه تفصيل، لكن رضي فعله ورضي به فهو كافر.
- أما مجرد الذهاب إلى الساحر فهذا على نوعين:
الأول: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ r» إن كان صدقه، إن كان صدقه أو رضي به أو فعله كفر.
الثاني: أما إذا لم يصدق ولم يرضى به، وإنما أتى إليه وسأله هذا نوعية الآخر: «مَنْ أتى عَرَّافًا فَسَأَلهُ عَنْ شَيء لم تقْبَل لَهُ صَلاةُ أربعينَ يومًا» ثم الذهاب إلى السحرة والمشعوذين فيه خلاف:
من العلماء: من قال أنه كفر أكبر.
ومنهم من قال: أنه كفر أصغر.
ومنهم: من توقف.
والصواب: أنه إن صدّق بعلم الغيب كفر، أما إذا صدق في مسائل لا تتعلق بعلم الغيب ويتعلق بعلاج مريضه، هذا قد لا يكفر كفرًا أكبر.
الطالب: طيب يا شيخ: هذا الذي يذهب للساحر؛ حتى لو انتقامًا.
الشيخ: إذا كان راضي بالسحر كان كافرًا.
الطالب: لازم أنه راضي؛ لأن المشرك لو سجد لصنم, قال: ما رضيت بسجود الصنم وغير مجبر كفرناه، فكذلك من ذهب للساحر ليسحر له حتى لو قال ما أرضى، يقول أنت يعني كلامك غير صحيح.
الشيخ: من رضي بالسحر لاشك أنه يكفر.
(المتن)
والدليل قوله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)[البقرة:102].
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[المائدة:51].
(الشرح)
نسأل الله العافية، (معاونتهم على المسلمين) يعني: معاونة الكفار على المسلمين، نعم.
الطالب: ما ينبغي بسبب حرب الإرهاب، هل يدخل في مثل هذه الجملة؟
الشيخ: نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه إتباعه صلى الله عليه وسلم، وأنه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى، عليهما السلام، فهو كافر.
(الشرح)
لأن رسالة النبي عامة للثقلين الجن والإنس، من اعتقد أنه يخرج من شريعته فهو كافر، بخلاف شريعة موسى فإنها ليست عامة، والخضر ليس ملزمًا بإتباع موسى؛ لأنه نبي مستقل.
(المتن)
العاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)[الكهف:57].
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره؛ وكلها من أعظم ما يكون خطراً.
(الشرح)
يعني: هذا النواقض التي فعلها جادًا قاصدًا كفر، أو فعلها هازلًا مازح، أو فعلها خائف أيضًا يكفر، أو فعلها مكره واطمأن قلبه بالكفر، لما أكره أُكره فيها مثل ما أطمئن.
- أربع صور:
- فعلها جادًا.
- فعلها هازلًا لاعبًا.
- فعلها خائفًا.
- فعلها مكرهًا واطمأن قلبه بالكفر.
يكفر بهذه الصورة الرابعة، أما الصورة الخامسة: إذا فعلها مكرهًا وقلبه مطمئن بالإيمان فلا يكفر، نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
وكلها من أعظم ما يكون خطراً، ومن أكثر ما يكون وقوعاً؛ فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه, نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه. وصلى الله على محمد.
