شعار الموقع

شرح الرسالة الشخصية_33

00:00
00:00
تحميل
84

بسم الله الرحمن الرحيم

الرسالةُ الثالثةُ والثلاثون توجد الدرر السنية في المجلد الثامن، الصفحة السادسة والسبعون.

(المتن)

ومنها رسالة أخرها جواب لرجل من أهل الحساء يقالُ له: أحمد بن عبد الكريم، وكان قد عرف التوحيد، وكفر المشركين ثم إنهُ حصل له شبهةٌ في ذلك بسبب عباراتٍ رآها في كلام الشيخ تقي الدين ففهم منها غير مراد الشيخ رحمهُ الله قال فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم من محمدٌ بن عبد الوهاب إلى أحمد بن عبد الكريم سلامٌ على المُرسلين، والحمدُ للهِ رب العالمين؛ أما بعد:

فقد وصل مكتوبكم تُقرر المسألة التي ذكرت فيها، وتذكر أن عليك إشكالًا تطلب إزالته ثم ورد منك مراسلة تذكر أنك عثرت على كلام للشيخ أزال عنك الإشكال، فنسأل الله أن يهدينا، ونسأل الله أن يهديك لدين الله، وعلى أي شيءٍ يدل كلامه على أن من عبد الأوثان عبادة  أكبر من عبادة اللات، والعزى، وسب دين الله، وسب دين الرسول بعدما شهد به مثل سب  أبي جهل إنه لا يكفر بعينه ؟ بل العبارة صريحة واضحة في تكفير مثل ابن فيروز وصالح بن عبد الله وأمثالهما كفراً ظاهراً ينقلُ عن المِلة فضلاً عن غيرهما.

وهذا  صريح واضح في كلام ابن القيم الذي ذكرت، وفي كلام الشيخ الذي أزال عنك الإشكال في كفر من عبد الوثن الذي على قدر يوسف، وأمثاله، ودعاهم في الشدائد، والرخاء، وسب دين الرسل بعدما أقر به، وزال بعبادة الأوثان بعدما أقر بها، وليس في كلامي هذا مجازفة بل الآية تشهد به عليهم، ولكن إذا أهدى الله القلب فلا قول فيه، ولا نخاف عليك من قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)[المنافقون:3].

والشبهة التي دخلت عليك هذه البضيعة التي بيدك تخاف تغذي أنت وعيالك إذا تركت بلد المُشركين، وشاك في رزق الله، وأيضاً قُرناء السوء أضلوك كما هي عادتهم، وأنت والعياذ بالله تنزل دَرجة درجة أولُ مرةٍ بالشِرك، وبلد الشرك، وموالاتِهِم، والصلاة خلفهم، وبراءة من المسلمين مداهنة لهم، ثم بعد ذلك طحت على ابن غنام وغيره، وتبرأت من ملة إبراهيم، وأشهدتم على نفسك بإتباع المشركين من غير إكراه، لكن خوف ومدارة، وغاب عنك قوله تعالى في عمار بن ياسر، وأشباهه: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)[النحل:106], إلى قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ)[النحل:107].

فلم يستثني الله إلا (من أُكره وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) [النحل:106]؛ بشرط طُمأنينة القلب، والإكراه لا يكونُ على العقيدة بل على القول، والعمل.

(الشرح)

لأن العقيدة في القلب، ولا أحد يستطيع التوصل إلى القلب إلا الله، ما أحد يُكرِهك على القلب, يقول: اعتقد كذا اعتقد كذا, إنما يُكرِه على القول، يقول: قل وكذا، يُكرِه على العمل, يقول: اعمل كذا، أما العقيدة ما أحد يستطيع يُكرِهك, لو اجتمع أهل السموات والأرض قالوا: اعتقد غير الاعتقاد اللي تعتقده ما استطاعوا؛ لأن هذا في القلب ما يطلِع عليه إلا الله.

(المتن)

فقد صرَح بأن من قالَ: المُكفِر أو فعل فقد كفر إلا المُكرَه بشرطٍ مذكور، وذلك أن ذلك  بسبب إيثار الدُنيا لا بسبب العقيدة فتفكر في نفسك هل أكرهوك وعرضوك على السيف مثل عمار أم لا؟، وتفكر هل بسبب أن عقيدته تغيرت أم بسبب في دار الدنيا، ولم يبق عليك إلا رتبة واحدة، وهي أنك تصرح مثل ابن رفيع تصريحاً بمسبة دين الأنبياء، وترجع إلى عبادة العيدروس وأبي حديدة وأمثالهما.

ولكن الأمر بيد مقلب القلوب, فأول ما أنصحك به: أنك تفكر هل هذا الشرك الذي عندكم هو الشرك الذي ظهر نبيك صلى الله عليه وسلم ينهى عنه أهل مكة؟ أم شرك أهل مكة نوع آخر أغلظ منه؟ أم هذا أغلظ؟ فإذا أحكمت المسألة، وعرفت أن غالب من عندكم سمع الآيات، وسمع كلام أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، وأقر به وقال: أشهد أن هذا هو الحق، ونعرفه قبل ابن عبد الوهاب، ثم بعد ذلك يصرح بمسبة ما شهد أنه الحق، ويصرح بحسن الشرك وأتباعه، وعدم البراءة من أهله, فتفكر هل هذه مسألة أو مسألة الردة الصريحة التي ذكرها أهل العلم في الردة.

(الشرح)

لاشك أن هذا ردة, تحسين الشرك والدعوة إليه والبراءة من التوحيد ردة.

(المتن)

ولكن العجب من دلائلك التي ذكرت كأنها أتت ممن لا يسمع ولا يبصر.

أما استدلالك بترك النبي صلى الله عليه وسلم ومَن بعده تكفير المنافقين وقتلهم، فقد عرفه الخاص والعام ببديهة العقل، أنهم لو يظهرون كلمة واحدة أو فعلاً واحداً من عبادة الأوثان أو مسبة التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أنهم يُقتلون أشر قتلة.

(الشرح)

يعني المنافقين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة, احتج بهم قال: أنهم أبقاهم الرسول صلى الله عليه وسلم، نقول: لا, أبقاهم لأنهم أخفوا كفرهم ونفاقهم، ومن أظهر منهم نفاقه قُتل, لو أظهروا نفاقِهم، وسبوا الدين, أو تمالئوا مع المشركين أو مع اليهود قُتلوا, لكنهم تستروا بكفرهم حتى تسلم دمائهم وأموالهم، ولم يتكلموا بشيءٍ ظاهِر ينقض دينهم.

(المتن)

فإن كنت تزعم أن الذين عندكم أظهروا إتباع الدين الذي تشهد أنه دين الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبرءوا من الشرك بالقول والفعل، ولم يبق إلا أشياء خفيه تظهر على صفحات الوجه، أو فلتة لسان في السر، وقد تابوا من دينهم الأول، وقتلوا الطواغيت، وهدموا البيوت المعبودة، فقل لي.

وإن كنت تزعم أن الشرك الذي خرج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من هذا، فقل لي, وإن كنت تزعم أن الإنسان إذا أظهر الإسلام، لا يكفر إذا أظهر عبادة الأوثان، وزعم أنها الدين، وأظهر سب دين الأنبياء، وسماه دين أهل العارض، وأفتى بقتل من أخلص لله الدين وإحراقه وحل ماله، فهذه مسألتك، وقد قررتها وذكرت أن من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لم يقتلوا أحداً، ولم يكفروه من أهل الملة, أما ذكرت قول الله تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)[الأحزاب:60], إلى قولِه:(مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا)[الأحزاب:61].

(الشرح)

صرح بالتقتيل: (وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا)[الأحزاب:61].

(المتن)

واذكُر قولهُ: (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا)[النساء:91].

إلى قولِه: (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ)[النساء:91] الآية.

واذكر قولهُ في الاعتقاد بالأنبياء: (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:80].

واذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أشخص رجلاً معه الراية، إلى من تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله، فأي هذين أعظم؟ تزوج امرأة الأب أو سب دين الأنبياء بعد معرفته؟.

(الشرح)

لأنهم خالفوا القرآن، وكذبوا الله، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعقد الراية يرسل إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن يقتله ويأخذ ماله لكفره، فإذا كان الذي كان يستحل نكاح زوجة الأب يكون مرتَد، وكافِر, فكيف الذي يسبُ دين الله والأنبياء والمرسلين؟ أيهما أعظم كفرًا؟ الثاني أعظم.

(المتن)

واذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أشخص رجلاً معه الراية، إلى من تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله، فأي هذين أعظم؟ تزوج امرأة الأب أو سب دين الأنبياء بعد معرفته؟ واذكر أنه قد هم بغزو بني المصطلق لما قيل إنهم منعوا الزكاة، حتى كذب الله من نقل ذلك.

(الشرح)

كقوله:  (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭰ[الحجرات:6].

هذه نزلت فيهِم, في قصة الرجل الذي جاء من غزوة بني المصطلق وقال: أنهم  منعوا الزكاة وأرادوا قتلي كاذب, والنبي هم بغزوهم وقتالهم فأنزل الله هذه الآية.

الطالب: بني المصطلق أليسوا من اليهود؟.

الشيخ: لا, من العرب الذين غزاهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم غارون، وأنعامهم تُسقى على الماء.

(المتن)

واذكر قوله في أعبد هذه الأمة وأشدهم اجتهاداً: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد أينما لقيتموهم فاقتلوهم».

(الشرح)

فهم الخوارج، من العبُاد الخوارج، عبادٌ بالليل، أسودٌ بالنهار، بالليل يصلون، ويبكون، ويتأوهون، وفي النهار يقاتلون، ويجاهدون ذو شجاعة، ومع ذلك قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوهم حيث وجدتموهم» لكونهم يكفرون المسلمين بالمعاصي, بالعقيدة الخبيثة هذه, اعتقدوا كفر المسلمين إذا فعلوا المعاصي والكبائر.

(المتن)

واذكُر قوله في أعبد هذه الأمة، وأشدهُم اجتهاداً «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أينما لقيتهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة».

واذكر قتال الصديق وأصحابه مانعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم, واذكر إجماع الصحابة على قتل أهل مسجد الكوفة، وكفرهم وردتهم، لما قالوا كلمة في تقرير نبوة مسيلمة.

(الشرح)

هذا كفر، وهُم جاءوا من بني حنيفة، من نجد وأسلموا، وتابوا، وأرادوا أن يجاهدوا شاركوا المسلمين في الجهاد حتى يكون تكفيرًا لهم, فصارت لهم محل في الكوفة تسمى محلة بني حنيفة، ثم مر بهم بعض الصحابة فسمع منهم كلمة وهو: أن مسيلمة على حق, فأجمع الصحابة على كفرهم وقتالهم.

(المتن)

لما قالوا كلمة في تقرير نبوة مسيلمة، ولكن الصحابة اختلفوا في قبول توبتهم لما تابوا؛ والمسألة في صحيح البخاري وشرحه، في الكفالة. واذكر إجماع الصحابة لما استفتاهم عمر على أن من زعم أن الخمر تحل للخواص، مستدلاً بقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا)[المائدة:93].

مع كونه من أهل بدر, وأجمع الصحابة على كفر من اعتقد في علي مثل اعتقاد هؤلاء

(الشرح)

مسألة قصة عثمان بن مبعوث والجماعة شربوا الخمر وتأولوا قول الله:  (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮟ) [المائدة:93].

وقالوا نحن آمنا وعملنا الصالحات فليس علينا جناح في شرب الخمر، فلما بلغ ذلك عُمَر أجمعوا على أنهم إن استحلوا الخمر قتلوا، وإن لم يستحلوها جُلِدوا.

(المتن)

وأجمع الصحابة على كفر من اعتقد في علي مثل اعتقاد هؤلاء في عبد القادر.

(الشرح)

اعتقاد علي, اعتقدوا أنه إله وأنه ينفع ويضر؛ وهم السبأية.

(المتن)

وردّتهم، وقتلهم، فأحرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم أحياء، فخالفه ابن عباس في الإحراق، وقال: يقتلون بالسيف، مع كونهم من أهل القرن الأول، أخذوا العلم عن الصحابة. واذكر جماع أهل العلم من التابعين وغيرهم على قتل الجعد بن درهم.

قال ابن القيم:

لله درك من أخي قربان
 





 

شكر الضحية كل صاحب سنة
 

 

ولو ذهبنا نعدد من كفّره العلماء مع ادعائه الإسلام وأفتوا بردته وقتله لطال الكلام، لكن من آخر ما جرى: قصة بني عبيد ملوك مصر وطائفتهم، وهم يدّعون أنهم من أهل البيت، ويصلّون الجمعة والجماعة، ونصبوا القضاة والمفتين، أجمع العلماء على كفرهم وردّتهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، يجب قتالهم ولو كانوا مكرهين مبغضين لهم.

واذكر كلامه في الإقناع وشرحه في الردة، كيف ذكروا أنواعاً كثيرة موجودة عندكم, ثم قال منصور: وقد عمت البلوى بهذه الفرق وأفسدوا كثيراً من عقائد أهل التوحيد. نسأل الله العفو والعافية. هذا لفظه بحروفه.

ثم ذكر قتل الواحد منهم، وحكم ماله هل قال واحد من هؤلاء من الصحابة إلى زمن منصور: إن هؤلاء يكفر أنواعهم لا أعيانهم؟.

وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك، فهي أغلظ من هذا كله، ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم؛ فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة. فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله.

(الشرح)

هل يُشترط قيام الحجة أو فهم الحجة؟ يشترط قيام الحجة وبلوغها لا فهمها.

(المتن)

فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قوله: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ)[الأنعام:25].

 

وقولهِ: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)[الأنفال:22].

(الشرح)

يعني: ما تمنع الآية: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﰆ[الأنعام/25], ما يمنع قيام الحجة عليهم.

ومثل قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ[البقرة:171], الحُجة بَلَغتهُم، وإن كانوا لا يفهمونها فهم تقصيريًا.

الطالب: ما المراد بالبلوغ؟.

الشيخ: يعني علموا بالحُجة، علموا بالقرآن، علموا بالآية وعلموا بالحديث.

الطالب: إذًا فهموا؟.

الشيخ: ما يشترط أن يفهم كيفية الاستدلال, علم أنها من القرآن تمنع, ما يُشترط وجه الاستدلال هذا الدليل كافي.

(المتن)

فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ)[الأنعام:25].

وقولهِ: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)[الأنفال:22].

وإذا كان كلام الشيخ ليس في الشرك والردة، بل في المسائل الجزئيات، سواء كانت من الأصول أو الفروع، ومعلوم أنهم يذكرون في كتبهم في مسائل الصفات أو مسألة القرآن أو مسألة الاستواء أو غير ذلك مذهب السلف، ويذكرون أنه الذي أمر الله به ورسوله، والذي درج عليه هو وأصحابه.

ثم يذكرون مذهب الأشعري أو غيره، ويرجحونه ويسبون من خالفه. فلو قدرنا أنها لم تقم الحجة على غالبهم، قامت على هذا المعين الذي يحكي المذهبين: مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، ثم يحكي مذهب الأشعري ومن معه؛ فكلام الشيخ في هذا النوع يقول: إن السلف كفّروا النوع، وأما المعين: فإن عرف الحق وخالف كفر بعينه، وإلا لم يكفّروا.

وأنا أذكر لك من كلامه ما يصدق هذا، لعلك تنتفع إن هداك الله، وتقوم عليك الحجة قياماً بعد قيام، وإلا فقد قامت عليك وعلى غيرك قبل هذا

 وقال رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم في الكلام على قوله: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)[المائدة:3].

ظاهره: أنه ما ذبح لغير الله حرم، سواء لفظ به أو لم يلفظ، وهذا أظهر من تحريم ما ذبح للحم وقال فيه: باسم المسيح ونحوه؛ فإن عبادة الله والنَسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور.

(الشرح)

والنَسك له, النسك: الذبح.

الطالب: يا شيخ لو أنه نوى الله، وذكر اسم غير الله، أكبر؟

الشيخ: نعم تكون ذبيحة مشرك, لو قصد بها غير الله، ولو قال باسم الله لا ينفع.

الطالب: لا, قصد الله, مسلم يضحي بأضحية، وقال: ببركة البدوي ليبارك الأضحية؟.

الشيخ: نعم تكون ذبيحة شركية, شرك أكبر؛ لأنه مما أُهل به لغير الله, قال تعالى: ( ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮧ[البقرة:173].

لأنهُ ذكر اسم غير الله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮖ[الأنعام:121].

إذا قال: باسم المسيح، ولو قال: أنا أقصد التقرب إلى الله هذه ذبيحة شركية؛ لأنهُ مما أُهل به لغير الله.

الطالب: يا شيخ نقول التسمية نفسها عبادة, لو صرفها أشرك بالله؟.

الشيخ: إهلال, أهل به لغير الله.

(المتن)

فكذلك الشرك بالنسك لغيره أعظم من الاستعانة باسمه, وعلى هذا لو ذبح لغير الله متقرباً إليه، وإن قال فيه: بسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان.

(الشرح)

المانع الأول: كونه نوى التقرب لغير الله, أصل هذه الذبيحة لغير الله.

المانع الثاني: كونه مما أُهل به لغير الله, كونه قال: باسم المسيح أو باسم كذا.

(المتن)

وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان,

ومن هذا الباب ما قد يفعله الجاهلون بمكة وغيرها من الذبح للجن. انتهى كلامه بحروفه.

فانظر كلامه لمن ذبح لغير الله، وسمى الله عليه عند الذبح، أنه مرتد تحرم ذبيحته، ولو ذبحها للأكل؛ لكن هذه الذبيحة تحرم من جهتين: من جهة أنها مما أُهل به لغير الله، وتحرم أيضاً لأنها ذبيحة مرتد، يوضح ذلك ما ذكرته أن المنافقين إذا أظهروا نفاقهم صاروا مرتدين, فأين هذا من نسبتك عنه أنه لا يكفر أحد بعينه؟.

(الشرح)

يعني شيخ الإسلام لا يكفر أحدًا بعينه.

(المتن)

وقال أيضاً في أثناء كلامه على المتكلمين ومن شاكلهم، لما ذكر عن أئمتهم شيئاً من أنواع الردة والكفر، وقال رحمه الله: وهذا إذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال: إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم المشركون واليهود والنصارى أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعث بها وكفّر من خالفها، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة وغيرهم، فإن هذا أظهر شرائع الإسلام، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين.

وكثير منهم تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة، وتارة يعود إليه مع مرض في قلبه ونفاق؛ والحكاية عنهم في ذلك مشهورة.

وقد ذكر ابن قتيبة من ذلك طرفاً في أول مختلف الحديث، وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في الردة، كما صنف الفخر الرازي في عبادة الكواكب.

(الشرح)

الرازي صاحب التفسير, صنف كتاب سماه "السر المكتوم في عبادة النجوم" نسأل الله العافية.

الطالب: هل مات على عقيدته؟.

الشيخ: كذلك في كتابه في التفسير"الفاتح" وغيره نقل عنه الحافظ بن كثير أنه أوجب تعلم السحر, وقال: إن الله تعالى مدح العلم وقال: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﰀ[الزمر/9], والعلم بذاته شريف والسحر علم من العلوم, فلا يضيع ويجب تعلمه, ورد عليه الحافظ بن كثير.

(المتن)

وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين, هذا لفظه بحروفه.

فانظر كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية، وبين ما نحن فيه في كفر المعين، وتأمل تكفيره رؤوسهم فلاناً وفلاناً بأعيانهم وردّتهم ردة صريحة, وتأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام، مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة، هل يناسب هذا لما فهمت من كلامه أن المعين لا يكفر؟ ولو دعا عبد القادر في الرخاء والشدة، ولو أحب عبد الله بن عون وزعم أن دينه حسن مع عبادته أبي حديدة، ولو أبغضك واستنجسك مع أنك أقرب الناس إليه لما رآك ملتفتاً بعض الالتفات إلى التوحيد، مع كونك توافقهم على شيء من شركهم وكفرهم.

وقال الشيخ أيضاً في رده على بعض المتكلمين وأشباههم: والقوم وإن كان لهم ذكاء وفطنة، وفيهم زهد وأخلاق، فهذا لا يوجب السعادة إلا بالإيمان بالله وحده. وإنما قوة الذكاء بمنْزلة قوة البدن، وأهل الرأي والعلم بمنْزلة الملك والإمارة، وكل منهم لا ينفعه ذلك إلا أن يعبد الله وحده لا شريك له.

(الشرح)

يعني: يكون عندك ذكاء وفطنة وقوة، ومال، وجاه، ما ينفعك؛ لابد من الإيمان.

(المتن)

ويتخذه إلهاً دون ما سواه، وهو معنى قول: "لا إله إلا الله", وهذا ليس في حكمتهم، ليس فيها إلا أمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة المخلوقات، بل كل شرك في العالم إنما حدث بزي جنسهم؛ فهم الآمرون بالشرك الفاعلون له، ومن لم يأمر منهم بالشرك فلم ينه عنه، بل يقر هؤلاء وهؤلاء، وإن رجح الموحدين ترجيحاً ما فقد يرجح غيره.

(الشرح)

يعني يُقر المشركين ويقر الموحدين، لكنه يرجح أحيانًا الموحدين, كونه يُقر التوحيد, ويُقر الشرك, ويوالي هؤلاء وهؤلاء على ردة.

(المتن)

وإن رجح الموحدين ترجيحاً ما، فقد يرجح غيره المشركين، وقد يعرض عن الأمرين جميعاً فتدبر هذا، فإنه نافع جداً.

وكذلك الذين كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك، ويوجبون التوحيد بل يسوغون الشرك ويأمرون به وهم إذا ادعوا التوحيد فإنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل، والتوحيد الذي جاءت به الرسل لابد فيه من التوحيد بإخلاص الدين كله لله، وعبادته وحده لا شريك له، وهذا شيء لا يعرفونه.

والتوحيد الذي يدعونه إنما هو تعطيل حقائق الأسماء والصفات، فلو كانوا موحدين بالكلام، وهو أن يصفوا الله بما وصفته به رسله، لكان معهم التوحيد دون العمل، وذلك لا يكفي في النجاة، بل لا بد أن يعبد الله وحده تخذه إلهاً دون ما سواه؛ وهو معنى قوله: "لا إله إلا الله". فكيف وهم في القول معطلون جاحدون، ولا مخلصون؟ انتهى.

فتأمل كلامه، واعرضه على ما غرك به الشيطان من الفهم الفاسد الذي كذبت به الله ورسوله، وإجماع الأمة، وتحيزت به إلى عبادة الطواغيت, فإن فهمت هذا، وإلا أشير عليك أنك تكثر من التضرع والدعاء إلى من الهداية بيده فإن الخطر عظيم، فإن الخلود في النار جزاء الردة الصريحة، ما يسوي بضيعة تربح تومانا أو نصف تومان. وعندنا ناس يجيئون بعيالهم بلا مال، ولا جاعوا ولا شحذوا.

(الشرح)

تركوا أموالهم وديارهم لله كما فعل المهاجرون، هاجروا لله فالله تعالى يرزقهم وييسر رزقهم.

(المتن)

وقد قال اللهُ تعالى في هذه المسألة: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)[العنكبوت:56].

(وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[العنكبوت:60]، واللهُ أعلم.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد