بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة السادسة والثلاثون من الدرر السنية، المجلد الثامن، الصفحة الستون.
(المتن)
وله أَيْضًا سكنه الله الفردوس الأعلى:
بسم الله الرحمن الرحيم
إذًا إخواني سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛ ما ذكرتم من قول الشيخ: كُلّ من جحد كذا وكذا، وقامت عَلَيْهِ الحجة، وأنكم شاكون فِي هؤلاء الطواغيت وأتباعهِم، هل قامت عَلَيْهِم الحجة، فَهَذَا من العجب! كيف تشّكون فِي هَـذَا وَقَدْ أوضحته لَكُمْ مرارًا؟ فَإِنَّ الَّذِي لَمْ تقم عَلَيْهِ الحجة هُوَ الَّذِي حديث عهد بالإسلام، أو الَّذِي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذَلِكَ بمسألة خفية مثل: الصرف، والعطف.
(الشرح)
أي يَقُول: أَن من يعيش بين الْمُسْلِمِين الآن، ثُمَّ يفعل الشِّرْك ليس له عُذر، ولا يقال له، وَالْحُجَّة قامت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يعيش بين الْمُسْلِمِين، يسمع الْقُرْآن يتلى ويسمع السُّنَّةِ ما هُوَ معذور، إِنَّمَا المعذور هُوَ الَّذِي نشأ فِي البادية أو دخل فِي الإسلام من جديد أو كانت مسألة دقيقة خفية.
هَـذَا الَّذِي يُعذر، ولابد من قيام الْحُجَّة عَلَيْهِ, أَمَّا الَّذِي يعيش بين الْمُسْلِمِين مثل: لو شخص تعامل بالربا فِي مجتمعنا، وقلت له: يا فلان ما يجوز حرام التعامل بالربا، قَالَ: والله ما أدرى أَنَّهُ حرام حسبته حلال! أظنه حلال يقبل هَـذَا الكلام أم لاَّ يقبل؟! ما يقبل.
يعيش بيننا الآن يسمع النصوص، ويسمع المواعظ، ويقرأ الْقُرْآن، وعند سؤاله يَقُول: ما أدري, الآن عرفت أَنَّهُ حرام، أنا فعلت فِي الأول ما أدري أَنَّهُ حرام، ما يصدق!.
أَمَّا الإنسان الَّذِي دخل جديد أو إنسان مثلاً أسلم وَهُوَ يعيش فِي الغرب؛ ثُمَّ تعامل بالربا وَقَالَ: لاَّ أدرى أَنَّهُ حرام، هَـذَا ممكن؛ لَـكِن إنسان يعيش بين الْمُسْلِمِين، ويدعى أَنَّهُ لا يعلم, لاَّ يسلم له!.
وبهذا يتبين أَن الْحُجَّة قائمة عَلَى الَّذِي يعيش بين الْمُسْلِمِين فِي الأمور الظاهرة العامة أَمَّا الَّذِي يُعذر هُوَ شخص أسلم من جديد ولا يعلم، أو نشأ فِي بيئة بعيدة أو كانت مسألة دقيقة من الدقائق الخفية.
(المتن)
إِنَّ الَّذِي لَمْ تقم عَلَيْهِ الحُجة هُوَ الَّذِي حديث عهدٍ بالإسلام، والَّذِي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك بمسألة خفية مثل الصرف، والعطف فلا يكفّر حَتَّىَ يعرّف, وَأَمَّا أصول الدين الَّتِي أوضحها الله، وأحكمها فِي كتابه فَإِن حُجة الله هُوَ الْقُرْآن.
(الشرح)
هَـذَا هُوَ الكلام أصول الدين الَّتِي أحكمها الله، وحجةُ الله هُوَ القرآن فَمَنْ بلغه القرآن قامت عَلَيْهِ الحُجة، هَـذَا كلام عظيم كلام الشيخ رحمه الله، وبين فيه هذه المسألة الَّتِي أُشكل عَلَى كثير من النَّاس، وهِيَ هل لابد من قيام الْحُجَّة عَلَى كُلّ أحد؟ وهل يعذر الآن الْمُشْرِكُونَ الَّذِين يطوفون حول القبور، أو يذبحون لها وينذرون؟.
نقول: أصول الدين الَّتِي أحكمها الله فِي كتابه ما فيها عزر، إِنَّمَا العُذر فِي الأمور الخفية، أو فيه إشكال أو يكون الشخص دخل فِي الإسلام من جديد، أو عاش فِي بادية بعيدة، وما سمع عن الإسلام. هَـذَا هُوَ الَّذِي يُعذر بالجهل، ولابد من الحُجة عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا كانت المسألة فِي أصول الدين الَّتِي أحكمها الله (يدعو لغير الله، يذبح لغير الله، ينذر لغير الله، يصلي لغير الله) فهذه أمور من الأصول الَّتِي أحكمها الإسلام، وواضحة لِكُلِّ أحد لاَّ إشكال فيها، فلا يقال لابد من إقامة الحجة عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُجَّة قائمة، والحجة هنا كلام الله؛ فَمَنْ بلغه كلام الله قد قامت عَلَيْهِ الْحُجَّة.
(المتن)
إن الَّذِين لَمْ تقم عَلَيْهِ الحجة هُوَ الَّذِي حديث العهد بالإسلام أو نشأ فِي بادية بعيدة أو فِي إشكال مثل الصرف والعطف فلا يصرف إلا يعرف.
(الشرح)
الصرف وهو نوع من السحر, يفعل شَيْء أو تعطف المرأة عَلَى زوجها، تعمل سحر حَتَّىَ يميل إليها, أو السحر حَتَّىَ يصرفها عنه أو تصرفه عنها، هَـذَا صرف العطف نوع من السحر.
(المتن)
وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها الله فِي كتابه، فَإِنَّ حجة الله هُوَ القرآن، فَمَنْ بلغه القرآن، بلغته الْحُجَّة, وَلَـكِن أصل الإشكال أنكم لَمْ تفرقوا بين قيام الْحُجَّة.
(الشرح)
هَذِهِ مسألة قيام الْحُجَّة وفهم الْحُجَّة.
(المتن)
وَلَـكِن أصل الإشكال أنكم لَمْ تفرقوا بين قيام الْحُجَّة وبين فهم الحجة فَإِنَّ أكثر الكفار، والْمُنَافِقِينَ من الْمُسْلِمِين لَمْ يفهموا حجةُ الله مع قيامها عَلَيْهِم، كما قال تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)[الفرقان آية:44].
(الشرح)
وهؤلاء قامت عَلَيْهِم الحجة، وهم مع ذَلِكَ نفى الله عنهم الفهم والسمع، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭢ) [الفرقان:44]
هؤلاء الكفار قامت عليهم الْحُجَّة ولا ما قامت؟ قامت, ولو كانوا لَمْ يفهموا, وقال سبحانه: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة:171].
يَعْنِي هم يسمعون الدَّلِيل، لَـكِن ما فهموا, شبههم الله بأيش؟ بالغنم الَّذِي ينعق له الراعي، تسمع النعيق تأتي لَـكِن ما تفهم، (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ) ؛ ما يسمع إلا الدعاء والنداء، تسمع النعيق لها فتعرف أَن هَـذَا دعوة لها فتأتي تتبعه ومع ذَلِكَ قامت عَلَيْهِم الْحُجَّة.
(المتن)
وقيام الْحُجَّة نوعٌ، وبلوغها نوعٌ، وَقَدْ قامت عَلَيْهِم، وفهمهم إياها نوع آخر، وَكُفْرِهِمْ ببلوغها إياهم، وإن لَمْ يفهموها.
(الشرح)
يَعْنِي الْحُجَّة قامت عَلَيْهِم وبلغتهم الْحُجَّة فقامت عَلَيْهِم، وبلغهم الدَّلِيل، فقامت عَلَيْهِم الْحُجَّة, أَمَّا فهمها فلا يشترط، ما يفهم أَنَّهُ يشترط فهم تفاصيل هَـذَا الدَّلِيل, وأن هَـذَا الدَّلِيل يَدُلُّ عَلَى كذا كما يفهم العلماء من تقرير الدليل، ووجه الدلالة ما يشترط هَـذَا يشترط بلوغه الدَّلِيل فقط.
(المتن)
إن أشكل عليكم ذَلِكَ فانظروا إلى قول رسول الله صل الله عَلَيْهِ وسلم فِي الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم» وقوله: «شر قتلى تحت أديم السَّمَاء» مع كونهم فِي عصر الصحابة، ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم، ومع إجماع الناس أَن الَّذِي أخرجهم من الدين هُوَ التشدد، والغلو والاجتهاد، وهم يظنون أَنَّهُمْ يطيعون الله، وقد بلغتهم الحجة وَلَـكِن لَمْ يفهموها, وكذلك قتل علي t الَّذِين اعتقدوا فيه، وتحريقهم بالنار.
(الشرح)
هم غلاة الشيعة السبئية أول ما خرجوا أتباع عبد الله بْنَ سبأ اليهودي، غلو فِي عليّ وقالوا: أنت الإله، أنت الرب, فحفر لهم حفر وأضرمها نارًا، ثُمَّ ألقاهم فيها وهم أحياء. والصحابة اتفقوا عَلَى قتلهم لَـكِن اختلفوا فِي كيفية القتل؛ ابن عباس قال: أنا أقتلهم بالسيف ولا أقتلهم بالنار، لِأَنَّهُ لا يعذب بالنار إلا ربّ النار! وعليّ رضى الله عنه اجتهد من شدة غضبه عَلَيْهِم وحنقه حرقهم بالنار وهم أحياء نعوذ بالله من حالهم, بعضهم زاد سجدوا له وَقَالُوا : هَـذَا دليل عَلَى أَنَّهُ الإله, نعوذ بالله الشَّيْطَان استحوذ عَلَيْهِم.
(المتن)
وكذلك قتل علي t الَّذِين اعتقدوا فيه، وتحريقهم بالنار وتحريقهم بالنار مع كونهم تلاميذ الصحابة مع مبادئهم، وصلاتهم، وصيامهم، وهم يظنون أَنَّهُمْ عَلَى حق. وكذلك إجماع السلف عَلَى تكفير غلاة القدرية وغيرهم، مع علمهم، وشدة عبادتهم، وكونهم يحسبون أَنَّهُمْ يحسنون صنعًا، ولم يتوقف أحد من السلف فِي تكفيرهم لأجل كونهم لَمْ يفهموا.
إذا علمتم ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَـذَا الَّذِي أنت فيه كفر، الناس يعبدون الطواغيت، ويعادُون دين الإسلام، ويزعمون أَنَّهُ ليس ردةٍ لعلهم ما فهموا الحجة. كُلّ هَـذَا بيّن وأظهروا مما تقدم الَّذِين حرقهم علي، فَإِنَّهُ يشابه هَـذَا, وَأَمَّا إرسال كلام الشافعية، وغيرهم فلا يتُصَور يأتيكم أكثر مما آتاكم، فَإِنْ كان معكم بعض الإشكال فارغبوا إلى الله تعالى أن يزيلهُ عنكم والسلام.
(الشرح)
قف عَلَى هَذَا.