(الشيخ)
بعدها، الرسالة اللي بعدها عندك؟ وهي رسالة أيضًا عن أهل شقرا، الرسالة الرابعة والأربعون، وهي رسالة أرسلها إلى إخوانه من أهل سُدير بسبب أمرٍ جرى بين أهل الحَوْطَة من بلدان سُدير، نعم، اقرأ.
(القارئ)
أحسن الله إليكم.
(المتن)
ومنها رسالةٌ أرسلها إلى إخوانه من أهل سدير بسببٍ أمرٍ جرى بين أهل الحَوطة من بلدان سدير، قال فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه هذا الكتاب من الإخوان، سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فيجري عند".
(الشيخ)
تجري عندنا من سابق.
(المتن)
"تجري عندنا من سابق، وننصح إخواننا إذا جرى منها شيء حتى فهمومها؛ وسببها أن بعض أهل الدين ينكر منكرًا وهو مصيب؛ لكن يخطئ في تغليظ الأمر إلى شيء يوجد الفرقة بين الإخوان".
(الشيخ)
يوجب الفرقةَ.
(المتن)
"يوجب الفرقةَ بين الإخوان، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 102، 103].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم».
وأهل العلم يقولون: الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج إلى ثلاث: أن يعرف ما يأمر به وينهى عنه، ويكون رفيقًا فيما يأمر به وينهى عنه، صابرًا على ما جاء من الأذى.
وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا والعمل به، فإن الخلل إنما يدخل على صاحب الدين".
(الشيخ)
(.....) قال: لا تشدد عليهم، وتغلظ عليهم، فلا تشدد عليهم، أنت لست خيرًا من موسى، وأنا لستُ أشر من فرعون، والله تعالى قال لنبيه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44]، {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} [طه: 44].
فالمؤلف رحمه الله يقول إيش؟
"سببها أن بعض أهل الدين ينكر منكرًا وهو مصيب" في إنكار المنكر، لكن طريقة الإنكار خطأ، "يخطئ في تغليظ الأمر إلى شيءٍ يوجب الفرقة بين الإخوان، والله تعالى يقول، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 102، 103]".
أمر بالاجتماع، وعدم التفرق، "وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا»، هذا واحد.
ثانيًا: «وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا»، هذه الثانية، والثالثة: «وأن تُناصِحوا من ولاه الله أمركم»".
إن الله يرضى لكم ثلاثًا: التوحيد؛ عبادة الله وحده لا شريك له.
الثاني: الاعتصام وعدم التفرق، بحبل الله.
الثالث: مناصحة من ولاه الأمر.
قال: "وأهل العلم يقولون: الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج إلى ثلاث:
1- أن يعرف ما يأمر به وينهى عنه.
2- وأن يكون رفيقًا فيما يأمر به وينهى عنه.
3- صابرًا على ما جاء من الأذى".
يعني هذه شروط الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالداعية والآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر يحتاج إلى إيش؟ أمور:
أولًا: العلم قبل أن يبدأ، شرطٌ قبل أن يدعو ويأمر، وشرطٌ في حال الدعوة والأمر، وشرطٌ بعد الدعوة والأمر.
شرط يُشترط قبل أن تدعو أن يتحقق هذا الشرط فيك، وشرطٌ وأنت تدعو، وشرطٌ بعد أن تدعو.
شرطٌ قبل الدعوة، وشرطٌ في حال الدعوة، وشرطٌ بعد الدعوة.
الشرط الذي قبل الدعوة: العلم؛ العلم في أي شيء؟ العلم بأن هذا منكر، تعرف من كتاب الله وسنة نبيه أن هذا منكر، ما تنكر شيئًا ما تعلم أنه منكر، لا، لابد أن تعلم، عندك دليل من الكتاب والسنة أن هذا الذي فعله هذا الشخص منكر حتى تنكر عليه، لكن تنكر بدون برهان وبدون علم، لا.
وأيضًا العلم بحال المدعوين؛ حتى تلقي النصيحة والدعوة موافقة لحالهم، العلم علمٌ بهذا الأمر الذي تدعو إليه أنه منكر؛ حتى تنكره، وعلمٌ بحال المدعوين؛ حتى تلقي عليهم الدعوة موافقةً لحالهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل، بعث معاذًا إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب»، علمه بحالهم، استعد لمناظرتهم، ما هم جهال، يستعد لمناظرتهم؛ لأنهم عندهم علم، تأتي قومًا أهل كتاب ما هم جهال، استعد لمناظرتهم، يستعد بالسلاح وهو العلم، إنك تأتي قومًا أهل كتاب، هذه العلم بحال المدعوين.
والعلم أيضًا بهذا الشيء الذي تدعو له أو تنهى عنه انه منكر، هذا الشيء تعلم أنه من كتاب الله، وهذا الشيء الذي تنهى عنه تعلم أنه منكر، دليله من كتاب الله واضح، وسنة رسوله.
الحالة الثانية، الشرط الثاني: في حال إيش؟ في حال الدعوة، وأنت تدعو أن تكون رفيقًا فيما تأمر به، رفيقًا فيما تنهى عنه، الرفق والحلم في حال الدعوة، الرفق والحلم في حال الدعوة.
فلا تأتي بالشدة، الشدة في الأمور إلا في حالةٍ واحدة، إذا استعمل هذا الشخص، تعدى حدود الله وظلم نعم استعمل معه الشدة؛ لأنه هو الذي ظلم، قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، من ظلم وتعدى استعمل معه الشدة، أما في أول الأمر تستعمل اللين والرفق، فإذا تعدى المدعو وظلم يُستعمل معه الشدة؛ لأنه هو الذي تعدى، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46].
الحالة، الشرط الثالث: الصبر بعد الدعوة، بعد ما تدعوهم تصبر، تصبر على الأذى؛ لأن طريق الدعوة ليس مفروشًا بالورود، ما هو مفروش بالورود، وإلا كان الناس كلهم يدخلونه، اصبر على الأذى، يجيك سب، شتم، ضرب، جماعة التبليغ الآن عندهم من محاسنهم أنهم يصبرون على الأذى، عندهم صبر، هذه من محاسنهم، لو يدق على الشخص الباب، بعضهم ثم تفل في وجهه، ونخَّم في وجهه، هاه، ورجع وجاه مرة ثانية، مسح ذا ورجع مرة ثانية، من يصبر على هذا؟! صبر، صبر، صبر هذه من محاسنهم، صبر، لا بد من الصبر، لا بد أن يأتيك سب، شتم، ضرب، وإلا تتوقف، إذا ما عندك صبر خلاص تنقطع، لا بد من الصبر؛ الله تعالى أخبر عن لقمان وقال في وصيته لابنه قال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)} [لقمان: 17].
فإذًا شرطٌ قبل الدعوة وهو العلم بحال المدعوين، والعلم بهذا الأمر الذي تدعو إليه وتنهى عنه.
ثانيًا: شرطٌ في حال الدعوة وهو الرفق والحلم.
وشرطٌ بعد الدعوة وهو الصبر على الأذى؛ حتى لا تنقطع، والله تعالى ذكر من صفات الرابحين أنها، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 1 - 3]، هذا هو الإيمان مبني على العلم، علم، عملوا، يقول: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 3] أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر: 3] هذه الدعوة إلى الله، {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 3] هذا الصبر.
هذه صفات الرابحين، من حققها وأقامها واستقام عليها تمَّ ربحه، ومن ضيعها تمَّ خسرانه، ومن نقص منها شيئًا فاته شيءٌ من الربح، وحصل له شيءٌ من الخسران بقدر إخلاله بها، {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3].
قال المؤلف رحمه الله: "وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا والعمل به" هذه الشروط، "فإن الخلل إنما يدخل على صاحب الدين من قلة العمل بهذا وقلة فهمه"، قلة العمل أو قلة الفهم.
إما أنه لا يعمل، أو لا يفهم، لا يفهم ليس عنده علم، أو أنه لا يعمل، ما يصبر على الرفق ولا يصبر على الأذى، "وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا والعمل به، فإن الخلل إنما يدخل على صاحب الدين من قلة العمل بهذا أو قلة فهمه، وأيضًا يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره"، إذا كان يترتب على المنكر، منكرٌ أشد فلا يجوز إنكاره، يعني أنت إذا أردتَ أن تكر المنكر هناك حالات:
الحالة الأولى: أن تعلم أنَّ المنكر يزول، هنا يجب عليك أن تنكره.
الحالة الثانية: أن تعلم أن المنكر يخف، لا يزول لكن يخف، فهذا أيضًا يجب إنكاره.
الحالة الثالثة: أن تعلم أن المنكر إذا نكرته يأتي منكرٌ أشد هذا لا تنكر.
الحالة الثانية: أن تعلم أنه يزول المنكر ولكن يأتي منكرٌ مماثل، فهذا محل نظر، محل نظر هذا.
ومن أمثلة إنكار المنكر إذا كان يترتب عليه منكر أشد: الإنكار على السلطان وولي الأمر بالخروج عليه، واحد ينكر على الإمام ويقول، هاه، ينكر عليه بالخروج عليه، يقوم عليه يقول: ليش المنكر الفلاني؟ لماذا لم يتحجبن النساء؟ لماذا كذا؟ لماذا ما يمنع شرب الدخان؟ لماذا لا يمنع مثلًا الربا في البنوك؟ يروح ينكر عليه المنكر، هذا منكر بالخروج عليه، الخروج عليه هذا فتنة وسبب في الفوضى والاضطراب واختلال الأمن، واختلال الاقتصاد، والتعليم، والأمن، وغير ذلك من الشرور والفتن، يأتي وإراقة الدماء، وانقسام الناس، والحروب، الحرب تأتي على الأخضر واليابس، تنكر على ولي الأمر بالخروج عليه؟ لا، الخروج عليه منكرٌ أعظم، فاصبر.
ولهذا جاءت الأحاديث الصحيحة بالصبر على جور الولاة، اصبر على جور السلطان ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك، قال عليه السلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم –يعني تدعون لهم ويدعون لكم- وخيار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟» ما داموا أشرار يتلاعنون، قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة»، هذا دلَّ على أنهم إذا كانوا يقيمون الصلاة أنهم مؤمنون، وأنهم إذا لم يقيموا الصلاة أنهم كفار، هذا دليل على أن ترك الصلاة كفر، قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعته» رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وقال أبو ذر: «أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا حبشيًّا مجدع الأطراف»، إلا إذا أمر الإنسان بالمعصي فلا يطيع في المعصية، حتى الأمير المؤقت في السرية؛ النبي صلى الله عليه وسلم أمَّر أميرًا على سرية، سرية بس في الطريق، ثم أغضبوه في بعض الطريق، فقال لهم: "ألم يأمركم رسول الله بطاعتي؟ ما هو أنا أميركم؟ قالوا: بلى، قال: اجمعوا حطبًا، فجمعوا حطبًا، قال: أججوها نارًا، فأججوها نارًا، قال: ادخلوا فيها، فنظر بعضهم بعضًا قالوا: نحن ما أسلمنا إلا خوفًا من النار، كيف ندخل النار؟!
فتركوه حتى سكن غضبه، فلما وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه، فقال: «لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف»، قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
فالمقصود: أنَّ الخروج على ولي الأمر، الإنكار عليه بالخروج عليه هذا منكرٌ أعظم يترتب عليه مفاسد وشرور وفتن واختلال الأمن؛ ولهذا أُمِر بقتال البغاة، وقتال الخوارج؛ لأن هؤلاء يخلون بالأمن، ويفرقون الأمة، الخوارج يُقتلون، قاتلهم الصحابة، والبُغاة، من بغى على الإمام كذلك، تُكشف شبهتهم، فإن فاؤوا وإلا قوتلوا؛ حتى لا يفرقوا الأمة.
ومن ذلك: من أمثلة إنكار المنكر يحل محله منكرٌ أعظم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في زمن التتار، التتار معروف الذين دخلوا بغداد وقتلوا مئات الألوف، قتلوا مليون في أول يوم، ويمشون على البلدان يحرقونها ويقتلون أهلها، فخرج شيخ الإسلام مع بعض تلاميذه على بعض التتار وهم يشربون الخمر، فأراد بعض الطلبة أن ينكر عليهم شرب الخمر (.....) فقال الشيخ: لا، لا تنكر عليهم، اتركهم، هؤلاء تشاغلوا بشرب الخمر عن قتل الناس، فإذا أنكرتَ عليه تفرغ لقطع الرؤوس، فشرب الخمر أسهل من قطع الرؤوس، قال: لا تنكر عليه؛ لأنك إذا أنكرتَ عليه يترتب عليه منكرٌ أعظم، وهو التفرغ إيش؟ للقتل، فإذا كان يترتب عليه منكرٌ أعظم فلا تنكر.
فإنكار المنكر له حالات:
1- أن يحصل منكرٌ أعظم؛ لا تنكر.
2- أن يحصل منكرٌ مماثل؛ محل نظر.
3- أن يزول المنكر؛ يُنكر.
4- أن يخف المنكر؛ يُنكر.
المؤلف رحمه الله يقول: "وأيضًا يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره، فالله الله بالعمل بما ذكرتُ لكم، والتفقه فيه" يعني تأملوا هذه الأمور، ومن ذلك: إنكار المنكر، وأنه، وأن له هذا، وأنه، وأن الدعوة إلى الله مبنية على هذه الأمور، وأن لها شروط.
قال: "فإنكم إن لم تفعلوا صار إنكاركم مضرةً على الدين إذا لم تتحقق الشروط، والمسلم ما يسعى إلا في صلاح دينه ودنياه".
قال: "وسبب هذه المقالة التي وقعت بين أهل الحَوطة لو صار أهل الدين واجبًا عليهم إنكار المنكر فلما غلَّظوا الكلام صار فيه اختلاف بين أهل الدين فصار فيه مضرةٌ على الدين والدنيا، وهذا الكلام، قال: "وهذا الكلام وإن كان قصيرًا فمعناه طويل، فلازم تأملوه وتفقهوا فيه، واعملوا به فإن عملتم به صار نصرًا للدين واستقام الأمر إن شاء الله".
قال: "والجامع لهذا كله أنه إن صدر المنكر من أميرٍ أو غيره أن يُنصر برفقٍ خُفية"، يُنصح برفقٍ خفية، ما يكون أمام الناس، ولا يكون فوق المنابر، "خُفية ما يشرف أحد" يعني ما يطلع أحد، يشرف: كلمة عامية، هذا مثلما حصل لزيد، قيل له: ما تنكر المنكر على عثمان رضي الله عنه أنه ولَّى بعض أقاربه، فقال: أتظنون أنني ما أنكر إلا وأنتم ترون؟! إني أنكر فيما بيني وبينه، بدون أن أفتح على الناس فتنة، باب شر، يقول: ما تظنون أنني أنكر إلا أخبركم؟؟ أنا أنكر فيما بيني وبينه ما تعلمون، مثل بعض الناس يقول: العلماء مداهنون، ها العلماء مداهنون، علماء دنيا، ويطعن في العلماء، ما يتكلمون، من قال لك إن ما يتكلمون؟ يتكلمون فيما يسعهم، يتكلمون يخبرونك يقولون لك: نحن نتكلم؟! يتكلمون بما يسعهم، يتكلمون مع الولاة بالرفق والدين ويخاطبونهم بما يناسبهم.
فكونك تنسب للعلماء كذا، وتتهم العلماء هذا لا يجوز لك، حرامٌ عليك، العلماء لهم طريقتهم، ولهم أسلوبهم، ولهم، يتحينون الوقت المناسب، والكلام المناسب.
قال المؤلف: "وسبب هذه المقالة التي وقعت بين أهل الحوطة لو صار أهل الدين واجبًا عليهم إنكار المنكر فلما غلظوا الكلام صار فيه اختلاف بين أهل الدين، فصار فيه مضرة على الدين والدنيا، وهذا الكلام وإن كان قصيرًا فمعناه طويل، فلازم" يعني الزموه، "تأملوه، وتفقهوا فيه، واعملوا بما فيه، فإن عملتم به صار نصرًا للدين، واستقام الأمر إن شاء الله".
قال: "والجامع لهذا كله أنه إذا صدر منكر من أميرٍ وغيره أن ينصح برفق، خفية ما يشرف أحد، فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلٌ يقبل منه يخفيه" يعني: إن قبل، وإلا يأتي، يشوف أحد يكلمه غيره، لعله يقبل منه، "فإن لم يفعل"، قال: "فيمكن الإنكار ظاهرًا إلا إن كان على أميرٍ ونصحه ولا وافق واستلحق عليه ولا وافق فيرفع الأمر خفية".
قال المؤلف: "وهذا الكتاب كل أهل بلدٍ ينسخون منه نسخة" ويوزعونها على الناس يعني، حتى يأتون بهذه النصيحة، ويجعلونها عندهم، ثم يرسلونه للبلدان، حِرْمة، والمجمعة، والغاط، والزلفي، وغيرها من البلدان؛ حتى يستفيدوا، والله أعلم.
(القارئ)
أحسن الله إليكم، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.