بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قال الإمام العلامة حمد بن عتيق رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد على إعانته وتسديده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من عادى كل مشرك ودان بإبطال تنديده، وصلى الله على عبده ورسوله محمد خير خلقه وأفضل عبيده، المبعوث بالدعوة إلى دين ربه وبيان توحيده؛ أما بعد: فإنه قد وصل إلينا رسالةٌ من بعض الإخوان من أهل القصيم.
(الشرح)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: ....
هذه الرسالة الثانية رسالة اسمها "الفرق المبين بين مذهب السلف وابن سبعين وإخوان الاتحادية الملحدين" وهذه الرسالة تأليف الشيخ العلامة حمد بن علي بن عتيق رحمه الله سماها "الفرق المبين" الفرق هو ما يفرق بين الشيئين ويفصل بين الشيئين يقال له فرق، المبين وصف، وصف الفرق، يعني الفارق أو الفرق المبين الواضح بين مذهبين:
مذهب السلف، من هم السلف؟ أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين، والرسل الرسل والصحابة والتابعين هم السلف "بين مذهب السلف وبين مذهب ابن سبعين" ابن سبعين هذا كما سيأتي ملحد من الاتحادية الذين يقولون بوحدة الوجود، يقولون: العبد والرب واحد ما في فرق بينهما، الرب هو العبد، والعبد هو الرب، والخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، هذا مذهب ابن سبعين ومذهب ابن عربي رئيس وحدة الوجود، الذي قال: مذهب ابن سبعين وإخوانه، إخوان ابن سبعين الاتحادية، الاتحادية الذين يقولون: الوجود واحد يُسمون أهل وحدة الوجود، يُقال لهم: اتحادية؛ لأنهم جعلوا المخلوق يتحد مع الخالق، والعبد يتحد ربه معه شيء واحد، قالوا: إن العبد والمخلوق اتحدا وصار شيئًا واحد.
"وإخوانه" إخوان ابن عربي، وابن سبعين وابن الفارض، وجماعة من الملحدين, الملحدين الذين ألحدوا ومالوا عن الحق والصواب، الإلحاد هو الميل، والمراد الميل عن الحق والصواب إلى الكفر، أو البدعة أو الفسق هذا ميل إلى الكفر.
والإلحاد هو الميل ومنه سُمي اللحد, الشق الذي يكون في القبر جهة القبلة يسمى لحد؛ لأنه مائل عن الشق إلى القبلة.
- فالقبر نوعان:
الأول: شق بشق شق في الأرض ثم يوضع الميت.
والثاني: لحد يشق شق ثم شق آخر جهة القبلة ويوضع فيه الميت.
واللحد أفضل من الشق، جاء في الحديث «اللحد لنا والشق لغيرنا»,جاء في الحديث أن في المدينة رجلان رجل يلحد، ورجل يشق، يعني يشق فقط، ورجلٌ يشق شق آخر جهة الميل، ومنه قوله: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮃ) [الأعراف/180]؛ يعني يميلون بها من الحق إلى الباطل، فمادة الإلحاد تدور على الميل.
فالمؤلف رحمه الله في هذه الرسالة يبين الفرق بين مذهبين بين مذهب السلف وهم الرسل والصحابة والتابعون والأئمة وأهل العلم، وأهل السنة والجماعة.
والمذهب الثاني: مذهب ابن سبعين، وابن الفارض، وابن العربي أهل وحدة الوجود الملاحدة والزنادقة الذين هم أكفر من اليهود والنصارى.
هذه الرسالة تفرق بين هذين المذهبين ابتدأها المؤلف بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم), بدأ بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، فإن الله تعالى افتتح كتابه باسم الله الرحمن الرحيم الفاتحة؛ فهي آية تفصل بين السور، وإن لم تكن آية على الصحيح من الفاتحة (الحمد لله رب العالمين), الحمد لله، الحمد كما سبق هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وتعظيمه وهو أكمل من المدح.
"ال"؛ للاستغراق، (الحمد لله), اللام للملك والاستحقاق، يعني الله تعالى مالك الحمد، هو المستحق له، جميع أنواع المحامد كلها مستغرقة لله ملكًا واستحقاقًا.
(الله) الاسم الشريف لا يُسمى به غيره، أصل الله الإله حذفت الهمزة فالتقت اللام واللام وفُخم الله، الله هو المألوه الله على وزن فعال بمعنى مفعول، إله بمعنى مألوه، والله هو الذي تألهه القلوب محبةٍ، وإجلالًا، وخوفًا، وتعظيمًا، وإجلالًا، ورجاءً، ولا يُسمى به غيره سبحانه وتعالى الله, وجميع الأسماء كلها تأتي وصف لله (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮬ) [الحشر/22].
(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯢ) [الحشر/23]
(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯷ) [الحشر/24]، فالأسماء تكون (..) صفات له.
(الحمد لله على إعانته وتسديده) حمد الله على إعانته فالله تعالى هو المعين (وتسديده) هو المسدد الموفق، فالشيخ يحمد الله على أن أعانه وسدده ووفقه، فكتب هذه الرسالة المفيدة.
قال: (وأشهد أن لا إله إلا الله) أشهد أقر وأعترف وأرفع صوتي.
(أن لا إله إلا الله) أن لا معبود حق إلا الله هذه كلمة التوحيد، التي من أجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب أشهد أن لا إله إلا الله، لا إله إلا الله؛ هذه كلمة التوحيد، وكلمة التقوى، لا إله إلا الله.
لا: من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر.
إله: اسمها، والخبر المحذوف تقديره "حق" لا إله حق إلا الله.
إلا: للاستثناء.
الله: مستثنى من الخبر.
وحده: تأكيد لوحدانية الله.
لا شريك له: يعني لا شريك له في العبادة كما أنه لا شريك له في الربوبية، ولا شريك له في الأسماء والصفات.
(شهادة من عادى كل مشرك), المؤلف يقول: أشهد كلمة التوحيد شهادة من عادى كل مشرك، يعني ليس كلمة يقولها بلسانه، بل يعرف معناها، من ثمرتها: معاداة كل مشرك، كل مشرك يعاديه، وهو يشهد بلسانه، ويعرف معناها، ويعمل بمقتضاها، والعمل بمقتضاها معادة كل مشرك.
أما من يقول: لا إله إلا الله بلسانه وهو لا يعادي المشركين لا تنفعه، ما تصح هذه الكلمة إلا بمعاداة المشركين، وبغضهم، واعتقاد أنهم على دينٍ باطل، وإلا فلا تصح، لابد من هذا، كلمة التوحيد لا إله إلا الله لابد من معرفة معناها النطق بها، ومعرفة معناها، والعمل بمقتضاها، والبعد عن ما يناقضها.
من لم يعادي المشركين فليس بمسلم، تنتقض عليه هذه الكلمة لابد من معاداة المشركين وبغضهم، واعتقاد أنهم على دينٍ باطل؛ لأن كلمة التوحيد مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، ومشتملة على أصلين:
الأول: الكفر بالطاغوت، والكفر بالطاغوت معناه هو البراءة من كل معبودٍ سوى الله، أن تتبرأ من كل معبودٍ سوى الله، وأن تبغض عبادة غير الله وتتركها، وتكفر أهلها وتعاديهم وتبغضهم؛ هذا هو الكفر بالطاغوت.
والثاني: الإيمان بالله عز وجل تقوم على أصلين.
الأصل الأول: الكفر بالطاغوت، وكلمة التوحيد فيها الأمران: لا إله: هذا الكفر بالطاغوت. إلا الله: هذا الإيمان بالله.
لا إله حقٌ إلا الله، المؤلف رحمه الله يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله شهادة من عادى كل مشرك), هذه الشهادة التي تنفع، أما من أحب المشرك فليس بمؤمن ما تنفعه، ولو قالها بلسانه، ولكن ما يلزم من معاداة المشرك قتلهم، أو استباحة أموالهم لا، المشركون على قسمين:
القسم الأول: المشرك الحربي الذي يحارب المسلمين ويقاتلهم، هذا يُعادى، يُعادى ولا يُطعم، ولا يُسقى ولا يُحسن إليه بل ليس بيننا وبينه إلا السيف.
القسم الثاني: مشرك ليس محاربًا كأن يكون ذمي تحت الدولة الإسلامية يدفع الجزية، أو مستأمن دخل في أمان، أو له عهد بينه وبين المسلمين عهد، فهذا وإن كان مشركًا، تعاديه لكن لا يجوز قتله، ولا يجوز أخذ ماله، ماله معصوم ودمه معصوم وفي الحديث «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة».
ويُحسن إليه، ويُطعم ويُسقى، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا لهم أقارب مشركون كانوا يحسنون إليهم، ومنهم من يقف وقف، والله تعالى يقون في كتابه العظيم: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الممتحنة/8-9].
- فالكفار على قسمين:
الأول: حربي هذا يُقاتل ولا يُطعم ولا يُسقى.
والثاني: مستأمن أو معاهد أو ذمي، هذا يُحسن إليه، ويُعامل معاملة حسنة، أو قد يكون هناك في هذا دعوة له إلى الإسلام، لكن العداوة لا بد منها، لا بد تعاديه في قلبك تبغضه، وتعاديه، لكن كونك تعاديه وتبغضه في قلبك لا يلزم من ذلك أن تسيء المعاملة، أو أن تأخذ ماله، أو أن تقتله أو أن تؤذيه، لا هذا شيء وهذا شيء.
وينبغي للإنسان أن ينتبه أن يفرق بين ماذا؟ بين الأمرين، الكفار عدو سواء حربي ولا غير حربي لا بد أن تعاديه والآن في الصحف بعض الناس، بعض الصحفيين يقول: ما نعادي إلا من يقاتلنا، أما الكفار هذا ما نعاديه، هذا يكتبه بعض الناس في الصحف، يكتبون هذا في الصحف، هذا باطل، وغالى بعضهم قال: نسميهم إخوانا، ليس إخوان لنا (ﯜ ﯝ ﯞ ﯧ) [الحجرات/10].
الإخوان هم المسلمون، وهم أعداء نبغضهم ونعاديهم، ولكن المعاملة شيء آخر، نص القرآن (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البقرة/98].
كل كافر فهو عدوٌ لله، وعدو للرسول، وعدوٌ للمؤمنين واضح هذا؟ أما ما يقول بعض الصحفيين: لا نعادي إلا من يقاتلنا، ما نعادي إلا الحربي؛ هذا معناه إخلال بكلمة التوحيد، ما صحت كلمة التوحيد ممن يقول هذا، كلمة التوحيد لا تصح إلا بأصلين:
الأصل الأول: الكفر بالطاغوت، والكفر بالطاغوت يلزم منه عداوة كل كافر، وبغضه، واعتقاد أنه عدو، ولكن ما يلزم القتال ولا أخذ ماله.
والأمر الثاني: الإيمان بالله، قال تعالى: (ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰚ) [البقرة/265].
هذه مسألة مهمة لا بد ننتبه لها؛ لأن في الساحة الآن والصحفيون يكتبون لا نعادي إلا من يقاتلنا، ما نعادي، نقول: لا نعاديهم، كل كافر عدوٌ لنا، وعدوٌ لله ولرسوله، لكن المعاملة ما يلزم من كوننا نعاديه أن نستبيح دمه وماله، أو نسيء المعاملة.
(وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عادى كل مشرك), الشيخ رحمه الله؛ الشيخ حمد يقول: يأتي بالشهادة عاملًا بمعناها، عارفًا لمعانها، عاملًا بمقتضاها، ومن مقتضاها أنه يُعادي كل مشرك.
(ودان بإبطال تنديده)؛ يعني: عادى كل مشرك ودان، يعني: تَدَين بهذا، تدين بإبطال تنديده، والتنديد هو الشرك، قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯡ) [البقرة/22]، والند هو المثيل لله، وهو يقول: أنا أشهد هذه الشهادة أعادي بها كل مشرك، وأدين الله بإبطال من جعل لله مثيلًا، أو شريكًا في العبادة.
(وصلى الله على عبده), صلى: خبر بمعنى الدعاء، والمعنى اللهم صل على عبدك, وصلاة الله على عبده أصح ما قيل في تعريف الصلاة ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي العالية الرياحي أنه قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، فلتسألوا أن يثني على عبده في الملأ الأعلى، اللهم صل على، هذا هو الصلاة، وقيل: الصلاة الرحمة، ولكن الصواب أن الصلاة هي الثناء، الثناء من الله، فأنت تسأل الله، تدعو الله أن يثني على نبيه في الملأ الأعلى.
(وصلى الله على عبده ورسوله) عبده، المراد بعبده العبودية الخاصة به، أفضل مقامات النبي صلى الله عليه وسلم العبودية الخاصة والرسالة الخاصة.
- والعبودية نوعان:
أولًا: عبودية عامة هذه شاملة للمؤمن والكافر كل الناس عبد الله، بمعنى أنهم تنفذ فيهم قدرة الله ومشيئته، وهم مدينون مقهورون، مسيرون، بل كل المخلوقات كلها معبدة لله قال الله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [مريم/93]؛ كل من في السموات والأرض يأتي معبد.
ثانيًا: العبودية الخاصة؛ وهو الذي يعبد ربه باختياره، وهذه العبودية الخاصة خاصة بالمؤمنين والنبي r له الكمال في هذا، وأشرف مقامات النبي r العبودية الخاصة والرسالة.
(صلى الله على عبده ورسوله محمد), جمع عبده ورسوله (على عبده) هذا فيه الرد على من غلا في الرسول r وجعله إلهًا، (ورسوله) في الرد على من جفا النبي r ولم يُؤمن برسالته، محمد عليه الصلاة والسلام له أسماء كثيرة، محمد وأحمد، والماحي، والحاشر، محمد: كثير المحامد، ألهم الله أهله فسموه محمد؛ يعني كثير المحامد.
(محمد خير خلقه), الرسول خير الناس وأفضلهم، قال عليه الصلاة والسلام: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»؛ فهو خير الخلق.
(وأفضل عبيده)؛ أفضل من تعبد لله.
(المبعوث بالدعوة إلى دين ربه)؛ بعثه الله بالدعوة إلى دين الإسلام، إلى دين الله، وبيان توحيده، بعثه الله بالدعوة إلى دين ربه وبيان توحيده.
(المتن)
أما بعد: فإنه قد وصل إلينا رسالة من بعض الإخوان من أهل القسيم ذكر أنه أُلقي إليه وما فيها من بعض الملحدين أن الإمام أحمد، ومالكًا والشافعي وأبا حنيفة والعلماء مثلهم تكلموا في الصفات كابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، والتلمساني كلهم خاضوا في الصفات، فالأئمة الأربعة قالوا: سميعٌ بصير، غفور رحيم؛ لأنهم يقولون ذلك، وكلهم أطلقوا لله صفات مشابهة لصفات العبد؛ لأن العبد يُسمى بصيرًا حليمًا عليمًا.
فإذا قلتم: إنهم في القول سواء فكيف وجه تبدعيهم وتضليلهم وتكفيرهم وقد وصفوا الله بما وصف به نفسه؟! فإن ابن عربي والإمام أحمد كلهم مسلمون يُقتدى بهؤلاء مثل ما يُقتدى بهؤلاء، وما الحكم في هذا القائل؟.
والحديث الذي يُروى عن أبي هريرة t أن الله لما خلق الخلق أخذت الرحم بحقوه فقال: مه، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطعية، وهل صح أنه قال: «خلق الله آدم على صورته»؟ وهل يُفسر العَجبْ بالرضا؟.
(الشرح)
هذا صورة السؤال الموجه إلى الشيخ حمد يعني بن عقيق رحمه الله.
قال: (أما بعد), أما بعد كلمة يُؤتى بها للانتقال من شيء والدخول في شيء، فالمؤلف انتقل من الخطبة إلى الدخول في صلب الموضوع.
(أما بعد), وكان النبي r كثيرًا ما يأتي بها في خطبه، وفي رسائله، وكان عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة إذا حمد الله وأثنى عليه قال: «أما بعد» «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ r» ويأتي بها أيضًا في رسائله، لما كتب إلى هرقل عظيم الروم قال: «من محمدٍ رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من أتبع الهدى أما بعد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين وقرأ قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [آل عمران/64]».
واختلف في أول ما قالها، قيل: أول من قالها داود عليه السلام، وهي فصل الخطاب، وقيل: أول ما قالها قس بن سعادة الإيادي، وعلى كل حال فالنبي r كان يحافظ عليها في خطبه وفي رسائله، ولاسيما في خطبة الجمعة، فينبغي للخطيب، والمؤلف أن يقول: أما بعد.
وهي أولى من قول: وبعد، بعضهم يقول: وبعد، أما بعد أولى من وبعد، أما بعد، انتقل المؤلف من الخطبة إلى الدخول في صلب الموضوع.
(فإنه قد وصل إلينا رسالة من بعض الإخوان من أهل القصيم), يقول المؤلف: وصل إليه رسالة من بعض الإخوان من أهل القصيم، من بعض الإخوان من أهل القصيم.
(ذكر أنه أُلقي إليه وما فيها من بعض الملحدين) شبهة، المؤلف رحمه الله يقول في هذه الرسالة: إنه جاءه رسالةٌ من أهل القصيم يذكرون فيها شبهة أشكلت عليهم، فيريدون كشف هذه الشبهة، ما هي هذه الشبهة؟ بعض الملحدين ألقى إليهم يقول: الإمام أحمد ومالك، والشافعي وأبو حنيفة، والعلماء مثلهم يعني الأئمة الأربعة: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد.
والعلماء تكلموا في الصفات، وكلامهم في الصفات ككلام الملاحدة؛ ابن عربي، ابن عربي رئيس وحدة الوجود، محمد بن عربي، وابن الفارض كذلك ملحد من الاتحادية، وابن سبعين ملحد، والتلمساني العفيف التلمساني؛ كلهم ملاحدة زنادقة كلهم من أهل وحدة الوجود، ابن عربي رئيس وحدة الوجود، ومعروف في مؤلفاته وأقواله، والأبيات التي ابتدعها، يقول ابن عربي في وحدة الوجود:
الرب عبدٌ والعبد ربٌ يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبدٌ فذاك ميتٌ أو قلت ربٌ أنى يكلف
اشتبه عليه الأمر ما يدري من الخالق من المخلوق، ما يدري من العبد من الرب, يقول: العبد هو الرب، والعبد هو الرب أيهم المكلف؟ ما ندري من المكلف العبد هو الرب، والرب هو العبد أيهم المكلف وأيهم الرب؟ إن قلت عبدٌ فذاك ميت يموت، وفي لفظٌ: فذاك نفيٌ، وإن قلت رب أنى يُكلف، إن قلت عبد فهذا ميت، وإن قلت رب كيف يُكلف؟ إذًا ما فيه تكلف اشتبه عليه الأمر والعياذ بالله.
فلذلك مذهب الاتحادية أكفر من أكفر خلق الله، أعظم الناس كفرًا وأغلظهم هم الاتحادية أنكروا وجود الخالق، اشتبه عليهم، يقول: أيهم؟ ما أدري الرب من العبد، العبد هو الرب والرب هو العبد، إن قلت: رب كيف يكلف، وإن قلت: عبد فهو ميت، إذًا ما في تكليف، ويقول: ربٌ مالك وعبدٌ هالك وأنتم ذلك، والله فقط، والكثرة وهم، ويقول: سر حيث شئت، فالله ثم، كل ما تراه هو الله، سر حيث شئت، قد تراه في الجبال، والأشجار، والبحار والأنهار هو الله.
سر حيث شئت فالله ثم، وقل ما شئت فالواسع الله، نسأل الله السلامة والعافية نعوذ بالله من زيغ القلوب؛ هذا ابن العربي، وابن الفارض كذلك له منظومة كفرية في وحدة الوجود، وابن سبعين كذلك ملحد آخر من أهل وحدة الوجود، والتلمساني العفيف التلمساني الفاجر كذلك.
هذه الرسالة التي جاءت من الإخوان من القصيم ذكروا فيها أن بعض الملحدين قالوا: ما في فرق بين الأئمة الأربعة وبين الملاحدة أهل وحدة الوجود، كلهم يثبتون الصفة لله فما الفرق بينهم؟.
(ذكر فيها من بعض الملحدين أن الإمام أحمد، ومالكًا والشافعي وأبا حنيفة والعلماء مثلهم تكلموا في الصفات) مثل ما تكلم (ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، والتلمساني) في الصفات، كلهم تكلموا في الصفات لا فرق بينهم كلهم حكمهم واحد كلهم موحدون تكلموا في الصفات، وهؤلاء تكلموا في الصفات.
هذه الرسالة التي جاءته قال: كلهم تكلموا في الصفات يعني الإمام أحمد، ومالك، والشافعي وأبي حنيفة والعلماء تكلموا في الصفات كما تكلم ابن العربي في الصفات، وكما تكلم ابن الفارض، وكما تكلم ابن سبعين، (كلهم خاضوا في الصفات) لا فرق بينهم، إذًا المذهب واحد.
تكلموا في الصفات كابن عربي يعني كما تكلم ابن عربي في الصفات، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني كلهم خاضوا في الصفات.
قال: وجه ذلك يعني هذه الرسالة التي جاءت إليهم يقولون: لا فرق بين مذهب الملاحدة، وبين مذهب الأئمة الأربعة كلهم تكلموا في الصفات، وكلهم أثبتوا لله الصفات، كلهم خاضوا في الصفات.
قال: (فالأئمة الأربعة قالوا: سميعٌ بصير، غفور، رحيم) يعني قالوا عن الله، وصفوا الله، فالأئمة الأربعة أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد قالوا عن الله: سميعٌ بصيرٌ غفورٌ رحيم.
(لأنهم يقولون ذلك، وكلهم أطلقوا لله صفات مشابهة لصفات العبد) يعني يقول: إن كل هؤلاء الأربعة قالوا عن الله: سميع، بصير، غفورٌ، رحيمٌ، يعني والعبد سميعٌ بصيرٌ غفورٌ رحيم، إذًا فيه مشابهة, المخلوقين صفاتهم تشابه الخالق؛ لأن الخلق يُسمى سميع، بصير، غفور رحيم، والمخلوق يُسمى سميع، بصير، غفور، رحيم.
وكلهم أطلقوا لله صفات مشابهة لصفات العبد وجه ذلك قال: (لأن العبد يُسمى بصيرًا، حليمًا، عليمًا) والخالق يُسمى بصيرًا، حكيمًا، عليمًا.
(فإذا قلتم: إنهم في القول سواء فكيف وجه تبدعيهم وتضليلهم وتكفيرهم؟) إذا كان قول ابن العربي، وابن الفارض، وابن سبعين والتلمساني قولهم مثل قول الأئمة الأربعة كيف يُقال إنهم مبتدعة وأنهم ضلال وأنهم كفرة؟ كيف تكفرون ابن عربي، وابن فارض، وابن سبعين وتبدعونهم وتضللونهم، وقولهم مثل قول الأئمة الأربعة؟! كلهم أثبتوا الصفات الله، أرأيتم كيف؟ كلهم ابن الفارض وابن العربي قالوا: إن الله سميعٌ، بصيرٌ، حليمٌ، غفور، والأئمة الأربعة قالوا: سميعٌ، بصير، غفورٌ، رحيم ما دام قولهم واحد فكيف يُكفر هؤلاء ويبدعون ويضللون، ولا يكفر الإمام أحمد وأبو حنيفة ومالك والشافعي والقول واحد؟!.
(فكيف وجه تبدعيهم وتضليلهم وتكفيرهم وقد وصفوا الله بما وصف به نفسه؟!), فابن عربي والإمام أحمد سواء كلهم وصفوا الله بما وصف به نفسه، قال: (فإن ابن عربي والإمام أحمد كلهم مسلمون), كلهم مسلمون، كلهم وصفوا الله، الإمام أحمد قال عن الله: سميع، بصير، غفور، رحيم، وابن عربي قال عن الله: سميع، بصير، غفور،ٌ رحيم.
(يُقتدى بهؤلاء مثل ما يُقتدى بهؤلاء), يقول: نقتدي بالأئمة الأربعة مثل ما نقتدي بابن العربي وابن سبعين وابن فارض مثل ما نقتدي بأحمد ومالك والشافعي، هذه الورقة التي جاءت من أهل القصيم فيها هذا، التسوية بين من؟ بين الأئمة الأربعة وهؤلاء الملاحدة، فهم يسألون الشيخ حمد، يقولون: (وما الحكم في هذا القائل؟), اللي يقول: نقتدي بهؤلاء وبهؤلاء، ولا يفرق بين هؤلاء الملاحدة وبين الأئمة الأربعة ما الحكم في هذا القائل؟ هذا السؤال الأول.
فيه سؤال ثاني أيضًا موجه للشيخ حمد يسأل عن حديث، عن (الحديث الذي يُروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الله لما خلق الخلق أخذت الرحم بحقوه فقال: مه، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطعية، وهل صح؟), يسأل عن معنى الحديث انتهى هذا السؤال الثاني، السؤال الثاني سؤال عن الحديث وما معناه؟ صحة الحديث وما معناه.
السؤال الثالث: (وهل صح أن النبي r قال: «خلق الله آدم على صورته»؟), يسأل عن حديث «خلق الله آدم على صورته» وهذا كما سيأتي حديث «لما خلق الخلق قامت الرحم أخذت بحقوه»؛ هذا حديث صحيح في البخاري ثابت، سيأتي الكلام عليه، وكذلك حديث «خلق الله آدم على صورته» في صحيح البخاري ثابت، بقي معرفة المعنى.
كم سؤال الآن وجه للشيخ حمد؟.
الأول: ما الحكم في القائل الذي يسوي بين الملاحدة وبين الأئمة الأربعة.
والثاني: سؤال عن حديث «إن الله لما خلق الخلق ».
والثالث: سؤال عن حديث «خلق الله آدم على صورته ».
الرابع: (وهل يُفسر العَجبْ بالرضا؟)؛ يعني العجب لله، الله تعالى وصف نفسه بالعجب، في الحديث «عجب الله من قنوط عباده وقرب غِيره», قرب غِيره يعني تغير الأحوال، «ينظر إليكم أزلين قنطين»؛ يعني إذا جاء الجدب والقحط، ودعا المسلمون ربهم واستسقوا الله تعالى يعجب من عباده، يعجب من قنوط عباده قنطين أزلين آيسين ويعلموا أن فرجه قريب، وتغير الحال من حالٍ إلى حال قريب «قرب غيره» تغير حال الناس من الجدب إلى الخصب، فالله تعالى يعجب من قنوط عباده وقرب غيره.
وفي الحديث «يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة» فالسائل يسأل: ماذا يفسر العجب؟ هل يُفسر برضاه عجب الله يعني رضي الله عنه؟ أو يُفسر بغير ذلك؟ فتكون الأسئلة اللي وجهت إلى الشيخ حمد كم سؤال؟ أربعة أسئلة، يأتي الجواب عنها هذه الأسئلة، الآن عرفنا صورة الأسئلة تصورنا الأسئلة بعد ذلك يأتي الجواب.
(المتن)
فنقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم مُورِدُ هذا السؤال إما أن يكون من أبله الناس وأشدهم بلادةً، فكأنه لا شعور له بالمحسوسات فإن الفرق بين ما عليه الصحابة والتابعون وأتباعهم، والأئمة الأربعة وإخوانهم، وما عليه ابن عربي وابن الفارض، والتلمساني وابن سبعين، وأتباعهم أمرٌ معلومٌ عند من قرأ القرآن، ودخل في قلبه الإيمان، فإما أن يكون هذا المورد من جنس الأنعام السارحة، أو يكون من أتباع ابن عربي وإخوانه من أهل وحدة الوجود، وأراد التلبيس على خفافيش البصائر، فينبغي بيان ما عليه الطائفتان.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله أجاب على السؤال الأول الآن، هذا كله جواب على ماذا؟ على السؤال الأول وهو عدم التفريق بين ماذا؟ بين الأئمة الأربعة والملاحدة.
قال: (فنقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم), هذا خطاب لله عز وجل، سبحانك يا الله، سبحانك يعني تنزيهًا لك يا الله عما لا يليق بك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، وهذا كما أخبر عن الملائكة أنهم قالوا لما أخبرهم الله بأنه جاعل في الأرض خليفة (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [البقرة/30].
(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)[البقرة/31]، ثم بعد ذلك قالت الملائكة: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة/32]، لما علم آدم الأسماء وقال للملائكة: ( أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء)[البقرة/31]، فنزهوا الله سبحانه ونسبوا العلم إليه (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮍ) [البقرة/32].
الشيخ رحمه الله يقتدي بالملائكة قال: سبحانك، تنزيهًا لك يا الله عما يقول هؤلاء الذين لا يفرقون بين مذهب الملاحدة وبين مذهب الصحابة والتابعين.
سبحانك يا الله تنزيهًا لك عما يقولون، التسبيح التنزيه، تنزيهًا لك عما يقولون (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮍ) [البقرة/32]؛ العلم من الله عز وجل، من لم يعلمه الله فلا يعلم (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮍ) [البقرة/32].
ثم قال: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة/32]؛ العليم اسم الله، والحكيم اسم الله، وقد أخبر الله عنهم بأنه العليم الحكيم في كتابه العظيم، وأسماء الله مشتقة ليست جامدة، مشتملة على صفات، العليم مشتملة على صفة العلم، والحكيم مشتملة على صفة الحكمة، ويُعبد فيُقال عبد العليم، وعبد الحكيم، إذا ثبت الاسم لله يُعبد له، يُقال عبد العليم، عبد الحكيم، وكل اسم مشتمل على الصفة، أسماء الله مشتقة العليم مشتمل على صفة العلم، الحكيم مشتمل على صفة الحكمة، الخبير مشتمل على صفة الخبرة، الله مشتمل على صفة الألوهية، الرحمن مشتمل على صفة الرحمة، وهكذا.
المؤلف رحمه الله نزه الله عما لا يليق به، وأضاف العلم إلى الله عز وجل ثم قال: (مُورِدُ هذا السؤال), الذي يسأل ويقول: لا فرق بين مذهب الأئمة الأربعة، وبين مذهب ابن عربي، يقول: وأنه يُقتدى بهؤلاء ويُقتدى بهؤلاء، والأئمة الأربعة وصفوا الله بالصفات، وسموه بالأسماء، وابن عربي وابن سبعين كلهم أيضًا وصفوا الله بهذه الصفات فكيف يبدعون ويضللون ويكفرون وهم وصفوا الله بما وصف به نفسه كما وصفه هؤلاء ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض والعفيف؟!.
قال المؤلف رحمه الله: مورد هذا السؤال يحتمل أمرين إما أنه: بليد، والبليد ضعيف العقل والبصيرة لا يفرق بين الأشياء، أو أنه: ملحد من أتباع من الاتحادية يريد أن يروج مذهب الاتحادية، فالشيخ حمد رحمه يقول: إن هذا الذي يورد السؤال ويقول لا فرق بين الأئمة الأربعة وبين هؤلاء الملاحدة أحد أمرين إما أنه بليد، ضعيف العقل، ما عنده عقل ولا بصيرة لا يميز بين الأشياء فهذا يكون معذور لضعف عقله، سفيه ضعيف العقل، بليد ما عنده فهم حتى يفرق بين الأشياء، أو أنه ملحد زنديق يريد أن يُروج مذهب ماذا؟ الاتحادية واحد من الأمرين.
ولا كيف يخفى؟ كيف يُقارن بين مذهب الملاحدة وبين مذهب الأئمة الأربعة؟! كيف يقارن بين الكفر الصريح الذي هو أغلظ الكفر وبين التوحيد؟! ما يقارن بينهما إلا إما ضعيف العقل ما يميز بين الأشياء لضعف عقله وبصيرته، وسفهه، وهذا معذور لقصوره.
أو أنه ملحد زنديق يريد أن يُروج مذهب الملاحدة الاتحادية واحد من الأمرين واضح جواب الشيخ؟.
مورد هذا السؤال لا يخلو حاله من هذه الأمرين، إما أنه عنده ضعيف العقل لا بصيرة ولا فهم عنده، أو إما أنه ملحد زنديق يريد أن يُروج مذهب الملاحدة.
(مُورد هذا السؤال) شوف الأمر الأول (إما أن يكون من أبله الناس وأشدهم بلادةً)؛ هذا الأمر الأول احتمال إما هذا وإما هذا (إما أن يكون من أبله الناس), والأبله الذي لا عقل عنده، ضعيف العقل، أو معدوم العقل، وأيضًا ليس أبله فقط، بل من أشد الناس بلاهة بلغ النهاية في البلاهة، ليس أبله فقط، بل من أشد الناس بلاهةً.
قال: (فكأنه لا شعور له بالمحسوسات), كأنه لضعف عقله وبصيرته لا يفرق بين المحسوسات، المحسوسات ما يُدرك بأحد الحواس الخمس، وهي: السمع، والبصر، والشم, والذوق, واللمس؛ يعني المحسوسات الخمس ما تراه ببصرك؛ هذا محسوس، وما تسمعه بأذنك؛ هذا محسوس، وما تشمه بأنفك؛ هذا محسوس، وما تذوقه بلسانك؛ هذا محسوس، وما تجسه بيدك وتلمسه؛ هذا محسوس؛ هذه تُسمى المحسوسات الخمس، فلا ينكر المحسوسات الخمس إلا إنسان لا عقل له.
ولهذا بالمناسبة الجهم بن صفوان هو أول من أسس عقيدة نفي الصفات، وكان أخذ عن الجعد بن درهم, التقى بطائفةٍ في الهند، طائفة يُسمون السمرية لا يثبتون إلا المحسوسات، لا يثبتون إلا ما يُدرك بالحس، إما بالسمع، أو بالبصر، أو بالذوق، أو بالشم، أو باللمس، التقى بهم الجهم بن صفوان، فشككوه في ربه.
قالوا: أنت ما حالك؟ فأخبرهم، فشككوه بربه، قال: إلهك هذا الذي تعبده هل رأيته بعينيك؟ قال: لا، قالوا: هل سمعته بأذنيك؟ قال: لا، قالوا: هل شممته بأنفك؟ قال: لا، قالوا: هل ذقته بلسانك؟ قال: لا، قالوا: هل جسسته بيدك؟ قال: لا، قالوا: إذًا معدوم، ما فيه، ما في إله، معدوم، فشك في ربه وترك الصلاة أربعين يومًا، أعوذ بالله، شك في ربه وترك الصلاة أربعين يومًا، أعوذ بالله وبعد أن مضت هذه المدة نقش الشيطان في ذهنه أن الله موجود وجودًا مطلقًا، والوجود المطلق هو الذي لم يقيد باسمٍ ولا صفة، والذي ليس له اسم ولا صفة لا وجود له إلا في الذهن، فصار معبوده خيال أعوذ بالله.
صار يعبد عمدًا، أنكر الأسماء والصفات، وإذا نفيت الأسماء والصفات يكون الشيء معدوم، لا وجود للشيء إلا بأسمائه وصفاته سواء كان آدمي، ,حيوان، أو حتى الجماد، هذه المنصة لها طول، لها صفات، لها طول، ولها عرض، ولها عمق، وذاتها خشب أو حديد، فإذا قلت عندي منصة ليس لها طول، ولا عرض، ولا عمق، ولا ذات، ليست من الخشب، ولا من زجاج، ولا من حديد، ولا من تراب، وليست فوق الأرض، ولا تحت الأرض ولا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصلة بالعالم ولا منفصلة عنه، ماذا تكون؟ ممتنع، مستحيل، هذا أشد من العدم هؤلاء الملاحدة هذا معبودهم.
الملاحدة من القرابطة وغيرهم، يقولون: عن معبودهم اللي يبعدونه، ليس له علم، ولا سمع، ولا بصر، ولا قدرة، ولا حياة، وليس متصلًا بالعالم، ولا منفصلًا عن العالم، ولا موجود، ولا معدوم، يعبدون عدم نسأل الله السلامة والعافية.
هذه المحسوسات قال المؤلف: (إما أن يكون من أبله الناس وأشدهم بلادةً فكأنه لا شعور له بالمحسوسات، فإن الفرق بين ما عليه الصحابة والتابعون وأتباعهم، والأئمة الأربعة وإخوانهم، وما عليه ابن عربي وابن الفارض، والتلمساني وابن سبعين، وأتباعهم أمرٌ معلومٌ)؛ يعني ضدان نقيضان لا يجتمعان، كيف يشتبه ما عليه الكفرة الأغلظ الكفر وما عليه الصحابة والتابعون؟! كيف يجتمعان؟! أمر معلوم الفرق بين المذهبين (عند من قرأ القرآن، ودخل في قلبه الإيمان), فمن قرأ القرآن ودخل في قلبه الإيمان يفرق بين المذهبين، ومن لم يقرأ القرآن ومن لم يدخل في قلبه الإيمان لا يفرق.
فعلى هذا، يقول من لم يفرق بينهما ليس بمؤمن، هذا هو الواقع، وهذا هو الصواب؛ لأن من لم يكفر الكفار وشك في كفرهم، فهو كافرٌ مثلهم من نواقض الإسلام؛ لأن من لم يكفر الكفار ما كفر بالطاغوت، فلا تصح كلمة التوحيد، كلمة التوحيد لابد لها من أصلين:
منها الأصل الأول الكفر بالطاغوت، ومن لم يكفر الكفار لم يكفر بالطاغوت، ومن لم يكفر بالطاغوت فليس بمؤمن ولا تصلح شهادته واضح هذا؟.
قال المؤلف رحمه الله: (فإن الفرق بين ما عليه الصحابة والتابعون وأتباعهم، والأئمة الأربعة وإخوانهم، وما عليه ابن عربي وابن الفارض، والتلمساني وابن سبعين، وأتباعهم أمرٌ معلومٌ عند من قرأ القرآن ودخل في قلبه الإيمان), أما من لم يقرأ القرآن ولم يدخل في قلبه الإيمان فليس هذا الأمر معلومًا عنده.
يقول المؤلف رحمه الله: (فإما أن يكون هذا المورد من جنس الأنعام السارحة), رجع إلى الأمر الأول من جنس الأنعام السارحة ما عنده عقل، الأنعام ما عندها عقل، الإبل والبقر والغنم هذه الأنعام السارحة، الأنعام السارحة هي الإبل والبقر والغنم ما عندها عقل، فالذي أورد هذا السؤال إما أن يكون لا عقل له مثل البهائم، مثل الأنعام السارحة، أو أنه ملحدٌ زنديق يريد أن يروج مذهب الملاحدة.
(فإما أن يكون هذا المورد من جنس الأنعام السارحة أو يكون من أتباع ابن عربي وإخوانه من أهل وحدة الوجود، وأراد التلبيس على خفافيش البصائر), يعني على ضعفاء البصائر، والخفافيش جمع إيش؟ خفاش، والخفاش ما هو؟ طائر لا يبصر في الظلام يعمى ولا يطير إلا في الليل، إذا جاء الظلام تحرك، وإذا جاء النهار عمي ولصق في الجدار، أو في السقف حتى يأتي إيش؟ الليل هذا يُسمى خفافيش الأبصار.
يقول المؤلف رحمه الله: إن هذا يعني مورد هذا السؤال إما أنه لا عقل له كالأنعام، أو أنه ملحدٌ زنديق يريد أن يلبس على من؟ على خفافيش الأبصار، على ضعفاء الأبصار، أما اللي عنده بصره سليم ما يُلبس عليه، اللي عنده عقلٌ سليم، وعنده دين ما يلبس عليه، إنما يلبس على ضعيف الإيمان، الذي لا يبصر، عنده إيمان ضعيف كالذي لا يبصر إلا بصرًا ضعيفًا هذا هو اللي يلبس عليه.
أما قوي البصر قوي الإيمان لا يمكن أن يلبس عليه، أراد بأحد أمرين: إما أنه من الأنعام السارحة، أو من الملبسين من الملاحدة الزنادقة الذين يلبسون على ضعفاء الإيمان وضعفاء البصائر (فينبغي بيان ما عليه الطائفتان), فالمؤلف أراد أن يفصل ما عليه الطائفتان، ما المراد الطائفتان؟.
الطائفة الأولى: الأئمة الأربعة وأتباعهم.
والطائفة الثاني: ابن العربي وابن سبعين والعفيف التلمساني وابن الفارض، فينبغي بيان مع عليه الطائفتان.