شعار الموقع

شرح كتاب الفرق المبين_3

00:00
00:00
تحميل
77

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولعموم مشايخنا وللمسلمين والمسلمات.

(المتن)

قال العلامة حمد بن علي بن عتيق رحمه الله تعالى: فلينظر اللبيب إلى ما قاله هؤلاء من الكفر العظيم، من كونهم يقولون: إن ربهم هو المطعوم والملبوس والمشموم، والمنكوح، والمذبوح... ونحو ذلك، تعالى الله وتقدَّس، وأن الكفر هو الهدى، وإن المجوس إنما عبدوا الله، وإنما ضل من ضل.

(الشرح)

ما وصلنا هذا، الأبيات ما شرحناه، فنقول قبل هذا، فنقول مذهب أهل هذه الطائفة صفحة عشرين.

الطالب: صفحة كم يا شيخ؟.

الشيخ: عشرين أو ثلاثين، فنقول: (مذهب هذه الطائفة).

الطالب: قرأناها يا شيخ.

الشيخ: شرحنا ثلاثة أبيات منها فقط.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: فنقول: مذهب أهل هذه الطائفة الملعونة: أن الرب تعالى وتقدس هو عين وجود السموات والأرض، والجبال والبحار، وجميع الموجودات هي عين الرب عندهم؛ فليس عندهم رب وعبد ولا خالق ومخلوق، وقد قال العلامة بن القيم رحمه الله تعالى:

 

فالقوم ما صانوه عن إنس 

ولا جن ولا شجر ولا حيوان

لكنه المطعوم والملبوس

والمشموم والمسموع بالأذان

وكذلك قالوا إنه المنكوح

والمذبوح بل عني الغوي الزاني

والكفر عندهم هدى ولو أنه

دين المجوسي وعابد الأوثان

قالوا وما عبدوا سواه وإنما

ضلوا بما خصه من الأعيان

ولو أنهم عموا وقالوا كلها

معبودةٌ ما كان من كفران

قالوا ولم يك كافرًا في قوله

أنا ربكم فرعون ذو الطغيان 

بل كان حقًا قوله إذ كان

عين الحق مطلعًا بهذا الشان

قالوا ولم يك منكرًا موسى

لما عبدوه من عجل لذي الخوران

إلا على من كان ليس بعابد معهم

وأصبح ضيق الأعطان

ولقد رأى إبليس عارفهم فأهوى

بالسجود هوي ذي خضعان

  قالوا له ماذا صنعت فقال

هل غير الإله وأنتما عميان

ما ثم غير فاسجدوا إن شئتم

للشمس والأصنام والشيطان

فالكل عين الله عند محقق

والكل معبود لذي عرفان

هذا هو المعبود عندهم فقل

سبحانك اللهم ذا السُبحان

واحتد يومًا بالكتاب عليهم 

شخص فقالوا الشرك في القرآن

تالله ما بعد البيان لمنصف

إلا العناد ومركب الخذلان

 

(الشرح)

المؤلف رحمه الله الشيخ حمد رحمه  الله، في كتابه هذا لما بين أن من سوى بين مذهب الاتحادية ومذهب الأنبياء الصحابة والتابعين فهو أحد أمرين:

الأول: إما أنه لا عقل له.

الثاني: أو أنه ملبس، وملحد.

ثم بين التفصيل، فصَّل في بيان مذهب أهل السنة؛ مذهب الصحابة والتابعين، ثم بين مذهب الاتحادية، فقال: (مذهب هذه الطائفة الملعونة) يعني: التي لعنها الله وطردها من رحمته؛ ولذلك لأنهم تلبسوا بأغلظ الكفر وأعظم الكفر، قول هذه الطائفة الذين أنكروا وجود الله، في أعظم من هذا الكفر؟ هذا أعظم الكفر وأغلظ الكفر، أنكروا وجود الله، وقالوا: ما في خالق ولا مخلوق، ما في إلا واحد، أنت الخالق وأنت المخلوق، وأنت الرب وأنت العبد، نعوذ بالله، كما قال ابن العربي رئيس وحدة الوجود:

الرب عبد والعبد رب

يا ليت شعري من المكلف

 

ما يدري، التبس عليه الأمر، الرب هو العبد والعبد هو الرب؛ أيهما المكلف؟

إن قلت عبد فذاك بيت

وإن قلت رب أنى يكلف

وهو رب مالك وعبد هالك وأنتم 

ذلك والعبد فقط والكثرة وهم

 

 يقول الشيخ رحمه الله: (فنقول: مذهب أهل هذه الطائفة الملعونة) حق بأن تلعن؛ لغلظ كفرها والعياذ بالله مذهب أهل هذه الطائفة الملعونة، ما هو مذهبهم؟ (أن الله رب تعالى وتقدس هو عين وجود السموات والأرض، والجبال والبحار) يقولون: كل ما ترى هو الله؛ فالسماء التي تراها هي الله، والأرض هو الله، والجبال هو الله، والبحار هو الله، (وجميع الموجودات هي عين الرب عندهم)؛ لأن الوجود واحد ما في خالق ومخلوق، الخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق، فإذا قيل لهم كيف هذه أشياء متعددة؟ قالوا:

وهو رب مالك وعبد هالك وأنتم 

 ذلك والعبد فقط والكثرة وهم

 

(فليس عندهم رب ولا عبد) فليس عندهم رب ولا عبد، فليس عندهم رب ولا عبد؛ بل هو شيء واحد، الرب هو العبد، (ولا خالق ومخلوق) بل هو شيء واحد نسأل الله السلامة والعافية، ويقولون: إنك لا تستطيع أن تعرف مذهب الاتحادية وتتصور حقيقته، حتى تخرق الشرع، وتخرق العقل، وتخرق الحس، يعني: تُلغي الشرع حتى تعرف مذهب الاتحادية، ويُلغي العقل يصير مجنون، ويُلغي الحس، يصير مجنون ويلغي الحس حتى يعرف المذهب، نعوذ بالله؟

ابن المقيم رحمه الله في الكافية الشافية، النونية التي هي ما تقارب من ستة آلاف بيت، التي هي شهب على المعطلة، وعلى أهل البدع والكفر، ذكر مذهبهم في هذه الأبيات، هذه الأبيات نقرأها، يقول: (فالقوم)؛ القوم من هم؟ الاتحادية، (ما صانوه)، ما صانوا الرب، (عن إنس ولا جن ولا شجر ولا حيوان)، ما صانوا الرب عن هذا؛ قالوا: هو الإنس وهو الجن، وهو الشجر وهو الحيوان الرب، ما صانوه، فالقوم ما صانوه عن إنس ولا شجر ولا حيوان؟

(قالوا: لكنه المطعوم والملبوس، والمشموم والمسموع بالآذان) قالوا: الطعام الذي تأكله هو الله نعوذ بالله, والملبوس الذي تلبسه الثوب هو الله، والمشموم الذي تشمه والطيب هو الله، والمسموع بالأذان تسمع أصوات كل ما تسمع من أصوات هو كلام الله نعوذ بالله وكذلك قالوا: (إنه المنكوح، والمذبوح، بل عين الغوي الزاني) نعوذ بالله؛ لأن الوجود واحد، هو المذبوح وهو الغوي نعوذ بالله إذًا ما هو الكفر عندهم؟ هل في كفر عندهم؟ هذا هو الإيمان عندهم، هذا هو التوحيد، التوحيد عند هؤلاء الملاحدة أن يقال: الرب هو العبد، والعبد هو الرب، وهو البحار وهو الأشجار وهو الأنهار، وهو المأكول والمشروب والملبوس.

والكفر ما هو عندهم؟ (الكفر عندهم هدى؛ ولو أنه دين المجوس وعابد الأوثان) الكفر هدى عندهم، دين المجوس هدى عندهم، دين عباد الأوثان هدى.

قالوا: من عبد الأوثان مصيب، ومن عبد النيران مصيب، ومن عبد الشجر مصيب؛ متى يكون كافر؟ قالوا: إذا خصص، إذا خصص شيء وقال: لا يعبد إلا هذا، هذا هو الكافر، والذي يعمم بكل شيء يعبد هذا هو الموحد عندهم.

(قالوا: وما عبدوا سواه وإنما ضلوا بما خصوا من الأعيان) يعني: كل من عبد شيئًا لم يعبد سوى الله، وإنما الضلال والكفر للتخصيص، الذي يخصص شيء ويقول: لا تعبد الله هذا هو الضال عندهم.

(ولو أنهم عموا وقالوا: كلها كل معبودةٌ ما كان من كفران) يعني: اللي خصص هو الكافر، ولو عمم وقال: كل شيء معبود ما كان كافرًا، ولو خصص كان كافرًا؛ إذًا الاتحادية عندهم الموحد: الذي يعبد كل شيء، والكافر الذي يخصص، وينهى غيره عن عبادة شيء، الذي يعمم هو الموحد، والذي يخصص هو الكافر، ولذلك قال: (ولو أنهم عموا وقالوا: كلها كل معبودة ما كان من كفران).

(قالوا: ولم يك كافرًا في قوله: أنا ربكم فرعون ذو الطغيان) وفرعون حينما قال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ[النازعات/24] مصيب؛ لأن الوجود واحد، ما هو بكافر فرعون، أخوهم وزميلهم، فرعون زميل الاتحادية وأخوهم، دين فرعون هو دين الاتحادية، فرعون أنكر الرب العظيم، وقال: أنا ربكم الأعلى، قالت الاتحادية: إن فرعون مصيب، ليس كافرًا؛ بل هو مؤمن موحد.

(بل كان حقًا قوله؛ إذ كان عين الحق مطلعًا بهذا الشان) بل كان حقًا قول فرعون, لماذا؟ لأن الله هو عين فرعون، فرعون هو الله، يعني يقول الاتحادية نعوذ بالله؛ فلهذا كان مصيب حين قال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) يعني:  كلام تقشعر منه الجلود والعياذ بالله.

(قالوا: ولم يك منكرًا موسى لما عبدوه من عجل لذي الخوران، إلا على من كان ليس بعابد معهم، وأصبح الأعطان) يقولوا: موسى لما ذهب لميقات ربه؛ عبد بنو إسرائيل العجل، ولما جاء موسى بعد ذلك وجد قومه يعبدون العجل، ماذا حصل؟ غضب غضبًا شديد، وألقى الألواح من شدة الغضب حتى تكسرت وهي كلام الله، وجعل يجر أخاه هارون وهو نبي مثله يجره من رأسه ولحيته من شدة الغضب، يقول له: كيف لم تنهاهم؟ كيف تتركهم يعبدون العجل؟

ماذا قال هارون؟ قال: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮨ[طه/94]، عجزت عنهم ما قدرت، كادوا يقتلونني: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ[طه/94] واضح الآن؟

الاتحادية ماذا يؤولون الآيات: يقولون: موسى ما أنكر على عباد العجل، أنكر على هارون حينما نهاهم عن عبادة العجل، شوف كيف التلبيس؟! يقول: موسى مقر عباد العجل، هم على الصواب، ينكر على هارون، يقول: لماذا تنهاهم هم على الصواب، فيجر هارون  لأنه ينكر عليه، يقول له: لماذا تنكر عليهم؟ هم مصيبون؛ لأنهم حينما عبدوا العجل عبدوا الله، واضح؟ هذا ما نقلوه.

(قالوا: ولم يكن منكرًا موسى لما عبدوه من عجل لذي الخوران؛ إلا على من كان ليس بعابد) ينكر على من ليس بعابد وهو هارون، (معهم وأصبح ضيق الأعقان).

ثم قال: (ولقد رأى إبليس عارفهم، فأهوى بالسجود هوي ذي خضعان، قالوا له: ماذا صنعت؛ فقال: هل غير الإله وأنتم عميان) إبليس رأى عارف من الاتحادية، من رؤساء الاتحادية، يسمون أنفسهم عارفين، إبليس رأى واحد منهم فأهوى بالسجود له، لما رأى إبليس عارف من الاتحادية؛ فأهوى هذا العارف بالسجود لإبليس، فقالوا له: كيف ماذا صنعت؟ قال: أنا ما سجدت إلا للإله، هذا هو الإله، ماذا صنعت؟ قال: هل غير الإله وأنتم عميان، ما فيه إلا الإله، هو إبليس وغيره هو الإله، نعوذ بالله.

(ما ثم غير فاسجدوا إن شئتم، للشمس والأصنام والشيطان) يقول: اسجد للشمس؛ لأن الوجود واحد، أو اسجد للأصنام أو للشيطان (فالكل عين الله عند محقق والكل معبود للذي العرفان) الكل عين الله عند هؤلاء الملاحدة، اللي يسجد للصنم، أو للشمس، أو للشيطان، الوجود واحد، والكل معبود لذي العرفان، هذا هو المعبود عندهم، هذا كلام ابن القيم: هذا هو المعبود عندهم.

(فقل: سبحانك يا اللهم) تنزيهًا لك يا الله عن هؤلاء الملاحدة، عما يقول هؤلاء الملاحدة (سبحانك اللهم ذا السبحان)؛ للتنزيه.

 (واحتج يومًا بالكتاب عليهم وشخص) شخص احتج على الاتحادية، قال: أتتم كلامكم هذا شرك، القرآن بين أن هذا شرك، ماذا ردوا عليه؟ (فقال: الشرك في القرآن) قالوا: القرآن من أوله لآخره شرك، وإنما الحق ما نقوله، هؤلاء الملاحدة يقولوا: القرآن هو الشرك؛ لأنه مخالف لعقيدة الاتحادية، لما احتج عليهم شخص بالقرآن، قالوا: القرآن من أوله لآخره شرك والحق ما نقوله؟

فقال المؤلف رحمه الله: (تالله ما بعد البيان لمنصف إلا العناد وركوب الخذلان) إذا بيِّن الحق للمنصف، ثم عاند، ما بقي إلا العناد، إذا اتضح الحق للمنصف؛ إما أن يقول الحق، وإما أن يعاند؛ ولهذا قال: (تالله ما بعد البيان لمنصف إلا العناد وركوب الخذلان) الشيخ حمد سيشرح هذه الأبيات.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: فلينظر اللبيب إلى ما قاله هؤلاء من الكفر العظيم، من كونهم يقولون: أن ربهم هو المطعوم، والملبوس، والمشموم، والمنكوح، والمذبوح، ونحو ذلك، تعالى الله وتقدس.

(الشرح)

واضح هذا في الأبيات، أنهم يقولون: (أن ربهم هو المطعوم، والملبوس، والمشموم، والمنكوح، والمذبوح) تعالى الله, (وأن الكفر هو الهدى وإن المجوس) وأن الكفر هو الهدى أيضًا، يقولون: الكفر هو الهدى.

(المتن)

  وإن المجوس إنما عبدوا الله، وإنما ضل من ضل بتخصيصه عبادته ببعض المخلوقات.

(الشرح)

يقول: المجوس إنما عبدوا النار، المجوس يعبدون النار، فهم مصيبون؛ لأن النار هي الله نعوذ بالله كل شيء تراه هو الله، وإنما ضل من ضل لتخصيصه عبادة بعض المخلوقات؛ فالذي يقول: لا يعبد إلا الشيء الفلاني، هذا الضال وهذا الكافر، واللي يقول: اعبد ما شئت هذا الموحد، يقولوا: كل مصيب، لا تنكر على أحد، الذي يعبد الشمس مصيب، والذي يعبد الشيطان مصيب، والذي يعبد الأشجار مصيب، والذي يقول: لا يعبد إلا شيء واحد هذا هو الكافر عندهم، نعوذ بالله.

(المتن)

 ولا يكون موحدا عندهم إلا من عبد جميع الموجودات.

(الشرح)

ما يكون موحد إلا من عبد جميع المخلوقات.

(المتن)

ومن قولهم: إن فرعون صادق في قوله: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)[النازعات:24].

(الشرح)

يقولون: فرعون مصيب صادق إذ قال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)  [النازعات/ 24]؛ لماذا؟ لأن الوجود واحد؛ فهو الرب، الرب هو العبد، والعبد هو الرب.

(المتن)

 وأن موسى إنما أنكر على من ترك عبادة العجل، وأنكر على هارون إنكاره عليهم.

(الشرح)

موسى أنكر على من؟ هل أنكر على عباد العجل، ولا أنكر على هارون؟ أنكر على هارون، فأنكر على من ترك عبادة العجل، اللي ما عبد العجل هو اللي أنكر عليه؛ هارون، وجره برأسه ولحيته ينكر عليه، يقول: لماذا تنكر على عباد العجل؟

كذلك أيضًا يقولون في موضع آخر ما ذكره المؤلف هنا، يقول الاتحادية: إن فرعون أُغرق، لماذا أُغرق؟ تطهيرًا له؛ ليزول الحسبان والوهم، ما هو الحسبان والوهم؟ قالوا: فرعون قال: أنا ربكم الأعلى، توهم إنه هو الرب وحده، ما أنت الرب كل الناس أرباب، فلما توهم أنه هو الرب دون غيره، أغرق تطهيرًا له حتى يزول الحسبان والوهم، تطهر حتى يزول الحسبان والوهم، يعني ما فيه إلا أنت الرب؟ كل الناس أرباب، فلما ظن أن هو الرب دون غيره أُغرق تطهيرًا له ليزول الوهم والحسبان، نعوذ بالله، نعوذ بالله من الزيغ.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: كذلك لما سجد بعض أعيانهم للشيطان، وقال له بعضهم: كيف تسجد له؟ أجابه: بأنه عين الإله، وأن من سجد للشمس، والأوثان، والشيطان، فقد سجد لله!!

(الشرح)

كذلك بعض أعيانهم، بعض أعيان الاتحادية رأى الشيطان وسجد له، فأنكر عليه بعض الناس: كيف تسجد للشيطان؟ (أجابه: الشيطان هو عين الإله)، ألههم هم، (وأن من سجد للشمس، قال: من سجد للشمس أو الأوثان أو الشيطان، فقد سجد لله)؛ هذا معبودهم والعياذ بالله، نسأل الله العافية، والله سبحانه فوق ما يتصورون، وأعلى مما يظنون، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: ويقولون: إن جميع ما في الوجود من الكلام هو عين كلام الله، فجميع الأغاني، والأشعار، والسباب، كله كلام الله، كما قال بعضهم:

وكل كلام في الوجود كلامه

سواء علينا نثره ونظامه

 

(الشرح)

يقولون: جميع ما تسمع من الأصوات هو كلام الله، فأصوات الغناء والمزامير، والسباب، والشتام، كله كلام الله عز وجل؛ لماذا؟ لأن الوجود واحد، الوجود واحد، كل ما تراه هو الله، وكل ما تسمع من صوت كلام الله، نعوذ بالله، ويقول ابن عربي في هذا البيت رئيسهم: (وكل كلام في الوجود كلامه) كلام مَن؟ الله، (سواء علينا نثره ونظامه)؛ سواء نثر ولا نظم، أشعار أو كلام عادي، (كل كلام في الوجود كلامه، سواء علينا نثره ونظامه).

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: ويقولون: إن القرآن كله شرك؛ لأنه يفرق بين الخالق والمخلوق، والعابد والمعبود، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.

(الشرح)

يقولون: القرآن من أوله لآخره كله شرك، لماذا؟ لأنه يفرق بين الخالق والمخلوق والعابد والمعبود، وهم لا يفرقون، فلذا قالوا: إنه شرك؛ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: وإذا تبين ذلك، فمن لم يعرف الفرق بين هؤلاء وما ذهبوا إليه، وما يقولونه في رب العزة والجلال، وبين ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم، فلا حيلة فيه.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله الشيخ حمد: إذا تبين هذا، وعرفت مهذب الصحابة والتابعين ومذهب الملاحدة، فالذي يقول: ما في فرق بين الطائفتين ما حكمه؟ هذا ما فيه حيلة؛ لأن هذا إما متمرد ملحد، وإما ما عنده عقل، فلا حيلة فيه.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: فقول هذا الملبس: ابن عربي وأتباعه مسلمون؛ والإمام أحمد وأتباعه مسلمون، يُقتدى بهؤلاء مثلما يقتدى بهؤلاء، من أعظم الزور وأقبح الفجور، فإن الفرق بين الطائفتين والمقالتين أبعد مما بين المشرق والمغرب.

(الشرح)

هذا السائل الذي يقول: ما في فرق بين ابن عربي رئيس وحدة الوجود، وابن سبعين، وابن الفارض وبين الإمام أحمد وأتباعه، وبين الصحابة، كلهم مسلمون، يقتدى بهؤلاء ويقتدى بهؤلاء، يقول المؤلف: (هذا من أعظم الزور، وهذا من أقبح الفجور؛ فإن الفرق بين الطائفتين) يعني: الاتحادية والصحابة والتابعين، (والمقالتين أبعد مما بين المشرف والمغرب) ثم ذكر المؤلف أدلة فيها التفريق بين أهل الحق وأهل الباطل، وبين أهل الإسلام وأهل الشرك.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: وقد قال الله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)[ص:28].

وقال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)[القلم:35-36].

وقال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ)[السجدة:18].

وقال عز من قائل: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ)[غافر:58]، ونحو ذلك في القرآن كثير.

(الشرح)

هذه الأدلة التي استدل بها رحمه الله فيها التمييز والتفريق بين المختلفات، فيها التفريق بين المسلمين وبين الكفار، وأنهم لا يستوون ولا يلتقون, قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)  [ص/ 28]؛ إنكار, هل يمكن أن يسوي الله بينهما؟ يسوي بين المؤمن وبين المفسد في الأرض؟ ويسوي بين المتقي وبين الفاجر؟ لا يمكن.

وقال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)  [القلم/ 35]؛ يقول الله عز وجل: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)  [القلم/ 36]؛ (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [القلم/ 37]، ما لكم؟ أي شيء حصل لكم؟ كيف هل يمكن يجعل المتقي مثل الفاجر؟ هؤلاء الملاحدة جعلوا الصحابة والتابعين مثل الاتحادية.

وفي الآية الأخرى قال: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)[السجدة/ 18]؛ هل يستوي المؤمن والفاسق؟ لا يستوون، وهؤلاء سووا بينهم.

قال تعالى في الآية الأخرى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [غافر/ 58]؛ هل يستوي الأعمى والبصير؟ ما يستويان، هل يستوي المؤمن والمسيء؟ لا يستويان ولا يلتقيان، والأدلة في هذا كثيرة.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: وأما قول هذا الزائغ: أن الأئمة الأربعة خاضوا في الصفات فقد كذب في ذلك وافترى؛ فإن الله قد ذم الخوض وأهله، قال الله تعالى: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)[التوبة:69].

وقال تعالى عن الكفار: (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ)[المدثر:45]؛ وقال تعالى: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا)[الزخرف:83].

وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا)[الأنعام:68]؛ في مواضع من كتابه، والأئمة الأربعة إنما تكلموا في صفات الرب تعالى بإثباتها، وإمرارها كما جاءت، واعتقاد دلالة النصوص على معانٍ عظيمة، تليق بجلالة الرب وعظمته، من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيل، فمن سمى هذا خوضًا؛ فهو من أعظم الملبسين، ومن أكبر المفترين، وقول هذا المفتري: أن كلام الأئمة يشبه كلام ابن عربي كذب ظاهر يعرفه كل مؤمن.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله يقول: (وأما قول هذا الزائغ، أن الأئمة الأربعة خاضوا في الصفات) وابن عربي وابن سبيل خاضوا في الصفات فكلهم سواء، كلهم على واحد سواء، الأئمة الأربعة خاضوا في الصفات، وابن عربي وابن سبعين خاضوا في الصفات، يعني كلهم مؤمنون، وكلهم يقتدى بهم، المؤلف رحمه الله يقول: هذا من الكتب والافتراء، من قال لكم إن الأئمة الأربعة خاضوا في الصفات؟ ما خاضوا في الصفات، الخوض مذموم، فإن الله تعالى قد ذم الخوض وأهله، الدليل: قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭳ)[التوبة/ 69].

وقال تعالى عن الكفار: (ﰦ ﰧ ﰨ ﰩ ﰪ)  [المدثر/ 45]؛ إذًا الخوض هذا من أخلاق الكفار والعصاة.

قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮥ)  [الزخرف/ 83]؛ تهديد ووعيد، وقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﰏ)  [الأنعام/ 68]؛ إذًا الخوض مذموم، فقولهم: أن الأئمة الأربعة خاضوا في الصفات، وابن عربي خاض في الصفات وكلهم على حد سواء هذا باطل.

(ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﰏ)  [الأنعام/ 68] في مواضع من كتابه؛ قال المؤلف رحمه الله: (الأئمة الأربعة إنما تكلموا في صفات الرب؛ بإثباتها وإمرارها)؛ ولم يتكلموا في الخوض، ما خاضوا.

(الأئمة الأربعة إنما تكلموا في صفات الرب، بإثباتها وإمرارها كما جاءت، واعتقاد دلالة النصوص على معان عظيمة، تليق بجلالة الرب وعظمته من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكليف ولا تبديل) هذا الذي جاء به الصحابة، هذا الذي فعله الأئمة الأربعة، تكلموا في الصفات بإثباتها: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [التحريم/ 2]؛ إثبات العلم، اسم العليم والحكيم.

(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)  [الشورى/ 11]؛ إثبات السمع والبصر، وإثبات اسم السميع والبصير.

الأئمة تكلموا في إثبات الصفات، وإمرارها كما جاءت، واعتقاد دلالة النصوص على معان عظيمة، تليق بجلالة الرب وعظمته؛ فالعليم مشتمل على صفة العلم، يدل على معنى عظيم وهو العلم؛ صفة العلم، الرحيم يشتمل على صفة الرحمة، القدير يشتمل على صفة القدرة، الحكيم صفة الحكمة، وهكذا العزيز صفة العزة، يمرونها كما جاءت، ويعتقدون دلالة النصوص على معاني عظيم، تليق بجلالة الرب وعظمته.

(من غير تحريف) تحريف لفظي أو معنوي كما سبق، (وتعطيل) يعني: جحد المعاني، جحد الصفات، (من غير تكييف) أن يقال: كيفية صفة الله كذا وكذا، (من غير تمثيل) بأن يقول: صفات الله مثل صفات المخلوقين، كل هذا ما فيه.

قال المؤلف رحمه  الله: (فمن سمى هذا خوضًا؛ فهو من أعظم الملبسين، ومن أكمل المفترين)؛ كان الأئمة الأربعة يثبتون الصفات ويمرونها، ويثبتون معانيها، ويسمون هذا خوض! هذا من أعظم التلبيس، من أعظم الملبسين، ومن أكبر المفترين، (وقول هذا المفتري إن كلام الأئمة يشبه كلام ابن العربي، كذب ظاهر يعرفه كل مؤمن) كلام ابن العربي، ملحد أنكر وجود الله، ويقول: الوجود واحد، ويصير مثل كلام الأئمة الأربعة، من قال هذا فهذا كذب ظاهر.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: وأما قوله: إنهم أطلقوا أن لله صفات مشابهة لصفات العبد؛ لأن الله سمى نفسه: سميعًا، بصيرًا، رحيمًا، عليمًا، حليمًا، وسمى بعض خلقه بذلك، فهو من أعظم التلبيس؛ لوجهين:

الأول: أنه كذب على السلف والأئمة، فإنهم لم يقولوا: أن أسماء الرب تشبه أسماء الخلق.

والثاني: أنه إذا قيل: إن الله سميعٌ، بصيرٌ، عليمٌ، حليمٌ، وقيل في بعض المخلوقين مثل ذلك، لم يلزم أن يكون الرب مشابهًا لخلقه، ولا أن أسمائه، وصفاته مشابهة لأسماء خلقه وصفاتهم.

فليس الرحيم كالرحيم، ولا الحليم كالحليم، ولا السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير، كذلك ليس العلم كالعلم، ولا السمع كالسمع، ولا الحلم كالحلم، ولا البصر كالبصر، فمن قال: إن علم الرب، وحلمه، وسمعه، وبصره، كعلم العبد، وحلمه، وسمعه، وبصره، فهو كافر بالله العظيم بلا ريب، بل علم الرب تعالى وحلمه، وسمعه، وبصره، وجميع صفاته، مبرأة من جميع العيوب والنقائص.

(الشرح)

والنقائص بالصاد، من جميع العيوب والنقائص جمع نقيصة.

(المتن)

 وجميع صفاته مبرأة من جميع العيوب والنقائص، ومنزهة عن ذلك، ولا يعلم كيف هي إلا هو؛ وعلم الكيفية ممتنع على جميع الخلق.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: إن قول هذا الملبس المفتري، إن الأئمة الأربع أطلقوا أن لله صفات مشابهة لصفات العبد؛ لأن الله سمى نفسه سميعًا، بصيرًا، رحيمًا, عليمًا, حليمًا, وسمى بعض خلقه بذلك؛ فهذا من أعظم التلبيس، الذي يقول: إن الأئمة أطلقوا أن لله صفات مشابهة لصفات العبد، يعني يقول: إن الأئمة الأربع قالوا: إن الله عليم سميع بصير، والمخلوق عليم سميع بصير، قال: أطلقوا لله صفات مشابهة لصفات العبد؛ لأن الله سمى نفسه سميع، بصير، رحيم، عليم، حليم، وسمى بعض خلقه: سميع، بصير، رحيم، عليم، قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭒ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)  [الإنسان/1-2]؛ سماه سميع بصير، والله من أسمائه السميع البصير.

  • يقول المؤلف: هذا من أعظم التلبيس من وجهين:

الوجه الأول: أنه كذب على السلف والأئمة، فإنهم لم يقولوا: إن أسماء الرب تشبه أسماء الخلق، ما قالوا هذا، ما قال أحد من السلف إن أسماء الرب تشبه أسماء الخلق.

والثاني: أن التسمية لا يلزم منها المشابهة، فالله تعالى من أسمائه: السميع، والبصير، والعليم، والحليم، فله صفة السمع، والبصر، والعلم، والحلم ما يليق بجلاله، والمخلوق إذا سمي: سميع، وبصير، وعليم، وحليم، له من الصفات ما يناسبه، كلٌ له ما يناسبه، الخالق له من الصفات ما يليق به، والمخلوق له من الصفات ما يليق به.

  • لأن الصفات نوعان:

النوع الأول: نوع خاص بالله لا يسمى به غيره مثل: الله، الرحمن، مالك الملك، رب العالمين، النافع الضار، المعطي المانع، هذه لا يسمى بها غيره.

النوع الثاني: وهناك أسماء مشتركة، مثل: الرحمن، مثل الرحيم، والعليم، والسميع، والبصير، والملك؛ هذه مشتركة، يسمى بها الخالق، ويسمى بها المخلوق، لكن إذا سمي بها الله، فله الكمال، وإذا سمي بها المخلوق له ما يناسبه.

من أسماء الله الحي، والمخلوق من أسمائه الحي، لكن هل حياة الخالق مثل حياة المخلوق؟ لا؛ حياة الخالق كاملة، لم يسبقها عدم ولا يلحقها عدم، ولا يلحقها نقص، ولا ضعف، ولا نوم ولا نعاس، أما حياة المخلوق ضعيفة وناقصة، ومسبوقة بالعدم، وسيموت وهو موجود حياته يلحقها الضعف والنعاس والنوم، فلا يلزم من ذلك.

إذا قيل: إن الله سميع، بصير، عليم، حليم، وقيل: في بعض المخلوقين مثل ذلك، لم يلزم أن يكون الرب مشابهًا لخلقه، ولا أن أسمائه وصفاته، مشابهة لأسماء خلقه وصفاتهم؛ لأن المخلوق له ما يليق به من الصفات، والخالق له ما يليق به، لم يلزم أن يكون الرب مشابهًا لخلق، ولا أن أسمائه وصفاته مشابهة لأسماء الخلق وصفاتهم.

قال المؤلف: (فليس الرحيم كالرحيم) ليس الرحيم الخالق كالرحيم المخلوق.

قال الله عن نفسه: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [التوبة/ 117]؛ وقال عن نبيه: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [التوبة/ 128]؛ سمى نفسه رءوف رحيم، وسمى نبيه رءوف رحيم.

والله له ما يليق به والمخلوق له ما يليق به، ولا أن أسمائه وصفاته مشابهة لأسماء خلقه وصفاتهم، فليس الرحيم؛ يعني: الخالق, كالرحيم المخلوق، ولا الحليم الخالق كالحليم المخلوق، ولا السميع الخالق كالسميع المخلوق، ولا البصير الخالق كالبصير المخلوق.

كذلك ليس العلم كالعلم، ليس علم الخالق مثل علم المخلوق، علم الخالق كامل، ولا يلحقه نقص ولا نسيان، وعلم المخلوق ضعيف يلحقه الضعف والنسيان، ومسبوق بالعدم، ولا السمع كالسمع، ليس سمع الرب كسمع المخلوق، ولا الحلم كالحلم، ليس حلم الله كحلم المخلوق، ولا البصر كالبصر، ليس بصر المخلوق كبصر الخالق.

يقول المؤلف الشيخ حمد: (فمن قال: إن علم الرب، وحلمه، وسمعه، وبصره كعلم العبد وحلمه وسمعه وبصره؛ فهو كافر بالله العظيم) لأنه شبه الله بخلقه، وقد قال أبو نعيم الخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه كفر، ومن نفى ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه،  أو وصفه به رسوله في ذلك تشبيه، هذا كافر الذي يشبه الرب.

يقول ابن القيم رحمه الله، في النونية:

لسنا نشبه وصفه بصفات

إن المشبه عابد الأوثان

 

وقال:

من شبه الله العظيم بخلقه

فهو الشبيه المشرك النصراني 

 

ولهذا قال الشيخ حمد: (من قال: إن علم الرب، وحلمه، وسمعه، كعلم العبد وحلمه وسمعه؛ فهو كافر بالله العظيم بلا ريب).

قال: (بل علم الرب تعالى، وحلمه، وسمعه، وبصره، وجميع صفاته مبرأة من جميع العيوب والنقائص) أما حلم العبد وسمعه وبصره ففيه عيوب، فيه نقائص، المخلوق تلحقه العيوب في صفاته، وتلحقه النقائص، العلم الناقص والحلم الناقص، وحياة ناقصة، ويلحقها عيوب، وأما الرب له الكمال، لا يلحقه في صفاته نقص ولا عيوب، جميع صفاته مبرأة من جميع العيوب والنقائص منزهة من ذلك.

قال المؤلف: (ولا يعلم كيف هو إلا هو).

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: ولا يعلم كيف هو إلا هو، وعلم الكيفية ممتنع على جميع الخلق كما قال أعلم الخلق به: «سبحانك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».

وأما المخلوق فهو ناقص ذاته وصفاته وأفعالها كلها ناقصة، ويتطرق إليها ويجوز عليها العدم بخلاف صفات الرب سبحانه وبحمده، ولا يلزم من الاتفاق في التسمية الاتفاق في الحقيقة والمسمى، وهذا هو الفرقان المبين بين أهل السنة والجماعة، وأهل البدعة والضلالة.

فإن أهل البدع لما لم يفهموا من أسماء الرب وصفاته إلا ما يليق بالمخلوق, وظنوا أنهم إذا أثبتوا لله سمعًا وبصرًا، وقدرة وحلمًا أن ذلك يلزم منه المشابهة بين الخالق والمخلوق، تعالى الله وتقدس؛ فعند ذلك ذهبوا إلى تحريف النصوص وتأويلها، ونفي ما دلت عليه مما يليق بالرب تعالى، فأول مذهبهم تشبيه وتمثيل، وآخره: تحريف وتعطيل.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (لا يعلم كيف هو إلا هو) لا يعلم كيف الله إلا الله، وعلم الكيفية ممتنع على جميع الخلق، ما أحد يعلم كيفية ذات الله، ولا كيفية صفاته، لا يعلم كيف الله إلا هو، كما قال الإمام مالك، لما سئِل عن الاستواء؛ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول؛ فلا يعلمه إلا الله، لا يعلم كيف هو إلا هو، وعلم الكيفية ممتنع على جميع الخلق.

كما قال أعلم الخلق به، من هو؟ محمد صلى الله عليه وسلم: «سبحانك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» وأما المخلوق فهو ناقص، ذاته، وصفاته، وأفعاله كلها ناقصة، ذاته ناقصة، كيف ذات الإنسان ناقصة؟ من النقص أنه ينام، ومن النقص أنه يموت، وتبلى؛ إذًا ناقص ذاته، وصفاته ناقصة، علمه ناقص، وقدرته ناقصة، أما الرب فله الكمال في ذاته وأسمائه وصفاته، وأما المخلوق فهو ناقص ذاته وصفاته وأفعاله كلها ناقصة، ويتطرق إليها، ولا يجوز عليها العدم، وأما المخلوق فهو ناقصٌ ذاته وصفاته، وأفعاله كلها ناقصة، ويتطرق إليها العدم.

الطالب: قال: يجوز عليها العدم.

الشيخ: وإيش عندك الآن؟

الطالب: قال: يجوز عليها العدم يا شيخ.

الشيخ: لا؛ صفات المخلوق يجوز عليها العدم.

(وأما المخلوق فهو ناقص ذاته وصفاته، وأفعاله كلها ناقصة، ويتطرق إليها) ماذا؟

الطالب: العدم.

الشيخ: نعم؟

الطالب: النقص؟

الشيخ: عندك ويتطرق عليها النقص؟

الطالب: الخلل في النسخة هذه.

الشيخ: في النسخة هذه يتطرق إليها الخلل؟ وإيش بعده؟

الطالب: قال: (ويتطرق إليها الخلل، ويجوز عليها العدم).

الشيخ: أحسنت، صحح هذا، احذف لا اكتب (ويتطرق إليها الخلل)، واحذف "ويجوز" كلمة لا تحذف هذه، تغير المعنى.

(ويتطرق إليها، وأما المخلوق فهو ناقص ذاته ناقصة، وصفاته ناقصة، وأفعاله كلها ناقصة، ويتطرق إليها الخلل) ذاته وصفاته يتطرق إليها الخلل والضعف والنقص، (ويجوز عليها العدم) هذا المخلوق كيف يجوز عليه العدم؟ يموت، يكون عدم، إذًا صفات المخلوق، ذات المخلوق ناقصة، وأفعاله ناقصة، ويتطرق إليها الخلل، ويجوز عليها العدم، بخلاف صفات الرب سبحانه وبحمده؛ فإنه لا يتطرق إليها نقص، لا في ذاته ولا في صفاته ولا يجوز عليه العدم.

(بخلاف صفات الرب سبحانه وبحمده، ولا يلزم من الاتفاق في التسمية، الاتفاق في الحقيقة والمسمى) يعني: المخلوق له علم، والخالق له علم، الاتفاق في أي شيء؟ في الاسم، هل لزم من الاتفاق في الاسم الاتفاق في الحقيقة والمسمى؟ لا؛ (ولا يلزم من الاتفاق في التسمية، الاتفاق في الحقيقة والمسمى).

(وهذا هو الفرقان المبين بين أهل السنة والجماعة، وأهل البدعة والضلالة) هذا هو الفرقان، إنه صفات الخالق تليق به، وصفات المخلوق تليق به، ولا يلزم من الاتفاق في الاسم الاتفاق في الحقيقة والمسمى.

قال: (فإن أهل البدع، لما لم يفهموا من أسماء الرب وصفاته إلا ما يليق بالمخلوق، وظنوا أنهم إذا أثبتوا لله سمعًا وبصرًا وقدرةً وحلمًا، أن ذلك يلزم منه المشابهة بين الخالق والمخلوق، تعالى وتقدس، فعند ذلك ذهبوا إلى تحريف النصوص) يعني: يقول: أهل البدع أُتوا من جهة الفهم، أفهامهم سقيمة؛ فهموا من أسماء الرب وصفاته مثل ما يليق بالمخلوق، ظنوا أن علم الله مثل علم المخلوق، وأن سمعه مثل سمع المخلوق، فلما ظنوا هذا الظن وتوهموا، وظنوا أن من أثبت لله سمعًا وبصرًا وقدرةً وحلمًا، أن ذلك يلزم منه المشابهة بين الخالق والمخلوق، ماذا عملوا؟ حرفوا النصوص، ذهبوا يحرفون، بسبب الفهم السقيم الذي فهموه، فهموا وتوهموا أنه يلزم المشابهة، فقالوا: معنى الرضا: الثواب، ومعنى الغضب: العقوبة، حتى لا يشابه المخلوق الخالق.

(فعند ذلك ذهبوا إلى تحريف النصوص وتأويلها، ونفي ما دلت عليه مما يليق بالرب تعالى، فأول مذهبهم تشبيه وتمثيل، وآخره تحريف وتعطيل) أول مذهبهم شبهوا الخالق بالمخلوق، قالوا: علم الله مثل علم المخلوق، فلما شبهوا، قالوا: إذًا ليس لله علم حتى لا يشابه المخلوق، فشبهوا أولًا ثم عطلوا ثانيًا، الأول شبهوا، فهموا التشبيه ثم بعد ذلك عطلوا الصفات، نفوا صفات الرب، فهموا التشبيه، وقع في أذهانهم التشبيه، فلما وقع في أذهانهم التشبيه أنكروا الصفة؛ حتى لا يقع التشبيه بزعمهم، فشبهوا أولًا، ثم عطلوا ثانيًا.

(أول مذهبهم تشبيه وتمثيل، وآخره تحريف وتعطيل) نسأل الله السلامة والعافية.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: وأما أهل السنة والجماعة فقالوا: نثبت لله ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، مع اعتقادهم أن ما يثبت لله لا يشبه ما يثبت لخلقه؛ لأنهم عرفوا كيفية المخلوق، فعرفوا كيفية صفاته، والرب يتعالى ويتقدس على أن يعلم أحدٌ كيفية ذاته وصفاته، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله تعالى، وقبله ربيعة، ويروى عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله مبينًا مذهب أهل السنة والجماعة، فقال: (وأما أهل السنة والجماعة فقالوا: نثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات) الله أثبت لنفسه العلم، والقدرة، السمع، البصر: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/ 11].

(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯷ)[الحشر/ 22-24]؛ نثبتها لله، كما أثبتها لنفسه الله عالم بنفسه وبغيره سبحانه وتعالى.

قالوا: (نثبت لله ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا» نثبت النزول، «يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة» نثبت العجب، أثبته له أعلم الخلق، نثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مع اعتقادهم أن ما يثبت لله لا يشبه ما يثبت لخلقه، يعتقدون أن ما يثبت لله من الأسماء والصفات لا يشبه ما يثبت لخلقه؛ لأنهم؛ أهل السنة والجماعة عرفوا كيفية المخلوق، فعرفوا كيفية صفاته، المخلوق نعرفه فنعرف كيفية صفاته، الآن المخلوق أمامك اعرف صفاته، لكن الخالق هل رأيت الخالق؟ ما رأيت الخالق، فلا تعلم كيفية ذاته ولا تعلم كيفية صفاته.

(والرب يتعالى ويتقدس) يتقدس يعني: يتنزه، يتعالى يعني: يتعاظم، يتعالى: يتعاظم، ويتقدس: يتنزه، عن أن يعلم أحد كيفية ذاته وصفاته، ما يستطيع أحد يعرف كيفية ذات الله، ولا يستطيع أحد أن يعرف كيفية صفات الله، لا يعلم كيف ذات الله إلا الله، كيف الله إلا الله، ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو؛ ولهذا قال الإمام مالك مقولته المشهورة التي تلقاها العلماء بالقبول ما هي:

الاستواء معلوم، لما سأله رجل، قال: يا مالك: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ)  [طه/ 5]، كيف استوى؟ ماذا عمل الإمام مالك؟ أطرق مديًا رأسه إلى الأرض، وجلس برهة حتى وتأثر من هذه المقالة، حتى تصبب عرق، ثم رفع رأسه وقال: أين السائل. قال: أنا، فقال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء، وأمر به فأخرج من مجلسه" لماذا يسأل عن الكيفية، ومعنى الاستواء معلوم، يعني: معلوم معناه في اللغة العربية: استقر، وعلا، وصعد، وارتفع، العلم: معلوم أن العلم ضد الجهل، القدرة معلومة: ضد العجز، الاستواء له أربعة  معاني في اللغة العربية: استقر، وعلا، وصعد وارتفع.

والكيف مجهول؛ كيفية استواء الرب هذا مجهول، ما نعلم كيفية استواءه، ما يعلم إلا هو سبحانه، لكن المخلوق أعلم كيفية استواءه، أنت أنا مستوي على الكرسي، لو سقط الكرسي سقط الجالس عليه، هذه كيفية استواء المخلوق، أما كيفية استواء الخالق لا نعلمها، ولهذا المشبهة، في طائفة يسمونها المشبهة كفرة، يقولون: إن الله يشبه المخلوق، وصفاته تشبه المخلوق، فقالوا: إن المخلوق إذا لو كان مستويًا على الدابة، ثم سقطت الدابة سقط الراكب عليها، قالوا: فكذلك الرب، مستويًا على العرش، لو سقط العرش لسقط الرب، تعالى الله عما يقولون، هؤلاء كفرة.

لكن نقول: إن الله تعالى ليس محتاج إلى العرش، المخلوق محتاج إلى الدابة أن يركب عليها والكرسي، الخالق ليس محتاج، هو الحامل للعرش، ولحملة العرش، بقوته وقدرته سبحانه: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮦ) [فاطر/ 41]؛ ليس بحاجة إليه, لكن استوى عليه استواءً يليق بجلاله وعظمته، لا نعلم كيفيته.

الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب؛ لأن الله أثبته لنفسه، والسؤال عن الكيفية بدعة؛ لأنه لم يرد عليه السلف، هذه المقالة تلقتها الأمة بالقبول عن الإمام مالك.

يقال في جميع الصفات, فإذا قال شخص: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، كيف النزول؟ نقول: النزول معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

قال الله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)  [الشورى/ 4]؛ كيف علو الله؟ نقول: العلو معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)  [الملك/ 14]؛ كيف علم الله؟ نقول: العلم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

يقال هذا في جميع الصفات، هذه المقالة مروية عن الربيعة، شيخ الإمام مالك، مروي عنه أنه قال هذه المقالة، وروي أيضًا عن أم سلمة أنها قالت هذا الجواب، لكن فيه ضعف وصحة نظر.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: وأما قوله: إذا قلتم إنهم في القول سواء، فما وجه تبديعهم وتكفيرهم وتضليلهم؟ فنقول: معاذ الله أن نقول أنهم سواء، بل بينهم من الفرق أبعد مما بين.

لعلنا نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد