شعار الموقع

شرح كتاب الأصول الثلاثة_1

00:00
00:00
تحميل
97

بسم الله الرحمن الرحيم

«من نبيك؟ قال: ها ها لا أدري سمعت الناس يقولون شيء فقلته» هكذا ورد في الحديث الصحيح في حديث البراء, وأن المؤمن يجيب عَلَى هذه الأسئلة الثلاثة حينما يسأله الملكان الأسودان الأزرقان يقال لأحدهما: منكر ويقال للآخر: نكير.

فإذا أجاب عَلَى هذه الأسئلة قال له: «إن علمنا إنك لصالح, ويفسح  له في قبره مد البصر, ويفتح له باب إِلَى الْجَنَّة فيأتيه من روحها وطيبها» وإذا قبض روحه ملك الموت يكون معه كفن وحنوط من أكفان الْجَنَّة ومن حنوط الْجَنَّة, وإذا خرجت روحه صعدت إِلَى السَّمَاء, ويخرج منها كأحسن نفحة مسك وجدت عَلَى وجه الأرض, وهي تصعد بها السَّمَاء فتفح لها أبواب السَّمَاء, ويشيعها من ملائكة مقربوها, حَتَّى يؤتى بها إِلَى السَّمَاء الَّتِي فيها الله, يقول الله تعالى: «أعيدوه إِلَى الأرض منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى» فتعاد روحه إِلَى جسده ويسأله الملكان ويجيب عَلَى الأسئلة بعدما يجلسانه, فيفسح له في قبره مد البصرِ, ويفتح له باب إِلَى الْجَنَّة فيأتيه من روحها وطيبها, والروح تكون في الْجَنَّة ولها صلة بالجسد, تعيش في الْجَنَّة, كما ثبت في الحديث الصحيح عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الْجَنَّة حَتَّى يرجعه الله إِلَى جسده يوم يبعثون» نسمة يعني روح, روح المؤمن تكون عَلَى شكل طائر, نسمة المؤمن طائر يعلق يأكل من شجر الْجَنَّة, حَتَّى يرجعه الله إِلَى جسده يوم يبعثون.

وأما الشهيد الَّذِي قتل في المعركة لإعلاء كلمة الله فإن روحه تتنعم في الْجَنَّة أكثر من تنعم سائر المؤمنين, فإنها تتنعم بواسطة حواصل طير خضر, كما قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن أرواح الشهداء جعلت في حواصل طير خضر تسرح في الْجَنَّة, ترد أنهارها وتأكل من ثمارها وتأوى إِلَى قناديل معلقة بالعرش».

وذلك أن الشهيد لما بذل جسده وأتلف جسده لله, عوض الله روحه جسدًا آخر تتنعم بواسطته وهو حواصل طير خضر, وأما غير الشهيد فإنها تنعم وحدها تأخذ شكل طائر, ولها صلة بالجسد, تتنعم مفردة وتتنعم مع الجسد والجسد يبلى ويكون ترابًا والروح باقية في النعيم, فإذا جاء يوم القيامة بعث الله الأجساد وأعادها خلقًا جديدًا, ونشأ الأجساد تنشئة قوية, أقوى من نشأتها في الدنيا, فإذا تكامل خلقها أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور فعادت الأرواح إِلَى أجسادها, كل روح تعود إِلَى جسدها, فيقوم النَّاس ينفضون التراب عن رؤوسهم.

وأما الفاجر والعياذ بالله فإنه إذا حضره الموت جاءه ملك الموت ومعه ملائكة يساعدونه {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} ملك الموت هُوَ المقدم ومعه الملائكة, ويأتون بمسوح بكفن أسود, الكفن هو المسوح هُوَ الَّذِي يكفن به النصارى, فيقول له الملك: أيتها الروح الخبيثة اخرجي إِلَى غضب من الله وسخط, فتخرج فيتفرق في جسده فينتزعها ملك الموت كما ينتزع الصفود من الصوف المبلول, كما ينتزع الشوك من الصوم المبلول في ظهر الغنم, ماذا يكون إذا أردت أن تستخرج شوك من صوف مبلول؟ بصعوبة, وأما المؤمن يقول له الملك: أَيُّهَا الروح الطيبة اخرجي إِلَى روح وريحان, اخرجي إِلَى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء, فإذا أخذها ملك الموت وجعلها في الكفن ثُمَّ يأخذها الملائكة فلا يدعوها طرفة عين حَتَّى يضعونها في ذلك الكفن.

وأما الكافر والفاجر فإن الملك يستخرج بقوة كما ينتزع الصفود من الصوف المبلول, فإذا أخذها استخرجها أخذها الملائكة وجعلوها في ذلك المسوح الأسود, ويخرج منها كأنتن ريح جيفة خبيثة وجدت عَلَى وجه الأرض, فلا يمر بها عَلَى ملك من الملائكة إِلَّا قالوا: ما هذا؟ فيقولوا: هذا روح فلان بن فلان بأخبث أسمائه الَّتِي كان يسمى بها في الدنيا, أَمَّا المؤمن فلا يمر عَلَى ملك من الملائكة إِلَّا قالوا: ما هذا؟ فيقولون: هذه روح فلان بن فلان بأحسن الأسماء الَّتِي كان يسمى بها في الدنيا.

فإذا صعد روح الفاجر إِلَى السَّمَاء أغلقت أبواب السَّمَاء دونها, كما قال الله تعالى: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِين}[الأعراف/40].

 وتطرح روحه إِلَى الأرض طرحًا, ثُمَّ قال رسول الله: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيق}[الحج/31].

فتعاد روحه إِلَى جسده في قبره, ويأتيه ملكان أزرقان أسودان, فيجلسانه فيقولوا: من ربك؟ يقول: ها, ها لا أدري, سمعت النَّاس يقولون شيء فقلته, فيقولون له: ما دينك؟ فلا يستطيع أن يجيب, يقول: ها, ها, لا أدري, سمعت النَّاس يقولون شيئًا فقلته, فيقولوا له: من نبيك؟ فيقول: ها ها لا أدري, سمعت النَّاس يقولون شيء فقلته, فيضربه الملكان بمرزبة من حديد ويقولان له: لا دريت ولا تليت, لا علمت الحق بنفسك ولا اتبعت من يعلم الحق, لا دريت ولا تليت, فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحةً يسمعها كل من خلق الله إِلَّا الجن والإنس, ولو سمعها الإنسان لصعق.

ويضيق عليه في قبره حَتَّى تختلف أضلاعه, ضلع نزل وضلع داخل, ويفتح له باب إِلَى النَّار فيأتيه من حرها وسمومها, ويرى مكانه من النَّار, يقال: هذا مقعدك من النَّار, ويعذب في قبره ثُمَّ إذا جاء يوم القيامة انتقل إِلَى الله كما قال الله عن أهل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} هذا في البرزخ {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب}[غافر/46].

ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح المنظر منتن الريح, فيقول: من أنت فوجه الوجه الَّذِي يجيء بالشر, فيقول: أنا عملك الخبيث, ولا يزال يروعه ويوحشه فيقول: رب لا تقم الساعة, رب لا تقم الساعة, وأما المؤمن يأتيه رجل حسن الوجه, حسن المنظر, طيب الريح, فيقول: من أنت فوجهك الوجه الَّذِي يأتي بالخير, فيقول: أنا عملك الصالح, فيقول: رب أقم الساعة حَتَّى أرجع إِلَى أهلي ومالي.

هذا الحديث رواه البراء بن عازب عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ورواه عدد من المحدثين, وهو حديث صحيح وله شواهد, هذه الأصول الثلاثة الَّتِي يُسأل عنها الإنسان في قبره, ألف الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رسالة سماها " الأصول الثلاثة " ألفها ليحفظها الصغار والكبار, وكان النَّاس من عهد إِلَى زماننا يحفظونها, يحفظوها الصغار في المدارس, ويحفظها الكبار, وكان أئمة المساجد يدرسونها ويحفظونها العامة, ويحتاج إليها الصغير والكبير, وأدلتها واضحة من الكتاب والسنة, كل شيء يأتي بدليل, ما يأتي بكيسه, كل جملة عليها دليل, نقرأ فيها.

القارئ

قال الإمام المجدد رحمه الله:

اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل:

المسألة الأولى: العلم: وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.

المسألة الثانية: العمل به.

المسألة الثالثة: الدعوة إليه.

المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه. والدليل قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} سورة العصر.

شرح الشيخ

هذه مقدمة للأصول الثلاثة, يقول المؤلف رحمه الله: (اعلم رحمك الله) اعلم يعني تقين واجزم, فالعلم هُوَ اليقين الَّذِي يدركه الإنسان يدركه إدراكًا جازمًا؛ لِأَنَّ المدركات أربعة أنواع:

1.العلم.

2.والظن.

3.والشك.

4.والهم.

هذه المدركات, فالمؤلف يقول: اعلم لا تظن ولا تشك ولا تتوهم, اعلم علمًا يقينًا جازمًا, العلم هُوَ الَّذِي يدركه الإنسان ويتيقن به, يعلمه يقطع به, ويتيقن أَنَّهُ حق, قد يكون باطل, مثل الكفرة, يتيقنون ما هم عليه صواب وهم عَلَى الباطل {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف/104].

فإذا كان الإنسان يتيقن من شيء يسمى علم, وإذا كان يشك فيه وهو متردد بين أمرين, فإن كان أحدهما راجحًا والأخر مرجوح, فالراجح يسمى ظن, والمرجوح يسمى وهم, وإن كانوا عَلَى حدٍ سواء ما في راجح ولا مرجوح يسمى شك, هذه المدركات.

العلم هُوَ الَّذِي يجزم به الإنسان ويتيقن به.

الظن هُوَ إدراك الراجح من أمرين محتملين.

الوهم إدراك المرجوح من الأمرين المحتملين.

الشك هُوَ أن يشك في الأمرين عَلَى حدٍ سواء لا يرجح أحدهما عَلَى الآخر.

فالمؤلف يقول: اعلم لا تشك ولا تظن ولا تتوهم؛ بَلْ تيقن واجزم, ثُمَّ قال: (رحمك الله) رحمك الله جملة خبرية بمعنى الدعاء, بمعنى الله يرحمك, وهذا من نصحه رحمه الله يعلمك ويدعو لك بالرحمة, بالنصح هكذا الأئمة وهكذا العلماء ورثة الأنبياء, الأنبياء أنصح النَّاس للناس فهم يصبرون عَلَى آذاهم ويعلمونهم, يعلمون النَّاس ما في سعادتهم وينهونهم عما فيه شقاوتهم, ومع ذلك يصبرون عَلَى أذاهم, هم أصبر النَّاس عَلَى الأذى.

والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا ضربه قومه فأدموه وأدموا وجهه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللَّهُمَّ اغفر لقومي فَإِنَّهُمْ لا يعلمون» هكذا يدعون له بالمغفرة وهم أدموه, الدم يسيل عَلَى وجهه ويقول: «اللَّهُمَّ اغفر لقومي فَإِنَّهُمْ لا يعلمون».

قالوا: رجل يس قتله قومه, فقال في الآخرة لما لقي ما عند الله من الكرامة, قال: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون}[يس/26].

ولما قتل الشهداء القراء في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنزل الله فيهم قرآنًا, قالوا: بلغوا قومنا أن لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا, فأنزل الله فيهم: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون}[آل عمران/169].

فالأنبياء أنصح النَّاس ثُمَّ يليهم العلماء, فالعالم الرباني يعلم النَّاس ويربي النَّاس وصغار العلم قبل كباره, فيصبر عَلَى أذاهم ويتحملهم ويدعوا لهم, كالإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب, يعلم يقول: اعلم, يعلمك مسائل شرعية, ثُمَّ يدعوا لك بالرحمة, يقول: (اعلم رحمك الله) أَنَّهُ يجب عَلَى كل مسلم ومسلمة أن يتعلم أربع مسائل, كل مسلم وكل مسلمة, المسلم من هُوَ؟ المسلم هُوَ الَّذِي وحد الله وأخلص له العبادة, هُوَ الَّذِي شهد لله تعالى بالواحدانية وشهد لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة, ولم يفعل ناقضًا من نواقض الإسلام, ومات عَلَى هذا, هذا المسلم.

المسلم الَّذِي شهد لله تعالى بالوحدانية وشهد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة, أصل الدين وأصل الملة أن تشهد أن لا إله إِلَّا الله, وأن تشهد أن محمد رسول الله, أشهد أن لا إله إِلَّا الله وأشهد أن محمد رسول الله, هذا مفتاح الإسلام, ومفتاح دارس السلام.

مفتاح الْجَنَّة لا إله إِلَّا الله, والمفتاح له أسنان, والأسنان هي الأعمال والواجبات الصَّلَاة والصيام والزَّكَاة والحج, وبر الوالدين وصلة الأرحام, فالمؤلف الإمام رحمه الله يقول: اعلم, تيقن واجزم ولا تشك ولا تظن ولا تتوهم الله يرحمك, رحمك الله, أَنَّهُ يجب عَلَى كل مسلم اعلم رحمك الله أنه يجب عَلَى كل مسلم شهد لله تعالى بالوحدانية وشهد بالرسالة ودان بدين الإسلام يجب عليه أن يتعلم أربع مسائل:

(الأولى العلم) هذه المسألة الأولى.

المسألة الثانية: العمل.

المسألة الثالثة: الدعوة إِلَى الله.

المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه.

هذه أربع مسائل كل مسلم يجب أن يتعلمها, تعلم دينك, ما أوجب الله عليك, يجب عليك أن توحد الله وتخلص له العبادة, ولا تشرك به شيئًا, العلم بَلْ هُوَ فرض عَلَى كل مسلم, فرض عَلَى كل مسلم أن يوحد الله, هذا يجب عليه أن يتعلم ما أواجب الله عليه من توحيده, وأنه لا يجوز للإنسان أن يجهل هذا الأمر.

كذلك يجب عَلَى الإنسان أن يتعلم كيف يصلي؛ لِأَنَّ الصَّلَاة واجب عَلَى كل مسلم, يجب عليه أن يتعلم كيف يصوم, يجب عليه أن يتعلم كيف يزكي إن كان عنده مال, يجب عليه أن يتعلم كيف يحج إذا وجب عليه الحج, وأما ما لم يجب عليه الحج فلا يجب عليه, يجب عليه أن يعرف حقوق الزوجة إذا تزوج, وأما تفاصيل البيع والشراء والإجارة والنكاح والطلاق فهذا تفصيلات هذه تجب عَلَى العلماء, تجب عَلَى الأمة ككل وهي مستحبة في حق كل مسلم.

لكن ما يقيم به الإنسان دينه هذا واجب عليه, عَلَى كل أحد أن يتعلمه, يجب عليك أن تتعلمه لتقيم به دينك, يجب عليك أن تتعلم أن العبادة حق الله, وأنه يجب أن تصرف العبادة لله, الدعاء والذبح والنذر والصَّلَاة والصيام والزَّكَاة والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام, وأن صرف شيء منها لغير الله شرك, يجب أن يتعلم هذا, هذا فرض عَلَى كل واحد ما يعذر فيه أحد.

يجب عَلَى كل مسلم أن يعلم كيف يصلي؛ لِأَنَّ الصَّلَاة ما تسقط عن أحد, يجب عَلَى كل مسلم أن يصوم إذا كان قادرًا عَلَى الصيام, يجب عَلَى من وجب عليه الحج أن يتعلم كيف يحج, أَمَّا الزَّكَاة فلا يجب تعلم أحكامها إِلَّا من كان عنده مال, والفقير ليس عنده مال وإنما يجب عليه يتعلم.

كذلك أحكام حقوق الزوجات هذا يجب عَلَى المتزوج, أحكام البيع والشراء, إذا أراد الإنسان أن يبيع يتعلم كيف يبيع, إذا أرد أن يؤجر أو يعقد عقد صلح أو مساقاة أو مزارعة يتعلم, وأما سائر النَّاس فلا يجب عليهم.

المسألة الأولى: العلم.

الثانية: العمل.

علمت أن الله أوجب عليك أن تصرف العبادة له, يجب أن تعمل تنفذ لا تدع إِلَّا الله, لا تذبح إِلَّا لله, لا تنذر إِلَّا لله, لا تصلي إِلَّا لله, لا تركع إِلَّا الله, لا تسجد إِلَّا لله, لا تطوف إِلَّا ببيت الله, لا تنذر إِلَّا لله, تعمل, تعلم وتعمل.

أَمَّا إذا علمت ولم تعمل صار حكمك حكم اليهود مغضوب عليهم يعلمون ولا يعملون, فأنت في كل ركعة تسأل الله أن يجنبك طريقهم, وكذلك إذا جهلت ولم تتعلم صرت مثل النصارى الذين يتعبدون عَلَى جهل وضلال, أَمَّا إذا علمت وعملت صرت من المنعم عليهم.

النَّاس ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: منعم عليهم الذين يعلمون ويعملون.

والطائفة الثانية: يعلمون ولا يعملون مغضوب عليهم, مثل اليهود ومن فسد من علماء الأمة.

الطائفة الثالثة: يعبدون الله عَلَى جهل وضلال كالنصارى والجهلة من الصوفية وغيرهم والزهاد.

ونحن في كل ركعة من ركعاتت الصَّلَاة نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم, صراط المنعم عليهم, ونسأل الله أن يجنبنا طريق المغضوب عليهم, ونسأل الله أن يجبنا طريق الضالين.

كم طائفة للناس؟ ثلاث طوائف:

1.منعم عليهم.

2.ومغضوب عليهم.

3.وضالون.

والفاتحة هذه سبع آيات وهي أعظم سورة في الْقُرْآن, لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزابور ولا في الْقُرْآن مثلها, هي السبع المثاني والْقُرْآن العظيم, أوجب الله قراءتها في كل ركعة من ركعات الصَّلَاة, هي أركان العبادة المحبة والخوف والرجاء, {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} محبة, {الرَّحْمـنِ الرَّحِيم}[الفاتحة/3] رجاء {مَـالِكِ يَوْمِ الدِّين}[الفاتحة/4].الخوف.

فيه إثبات البعث والمعاد, يوم الدين يوم الجزاء والحساب, فيها الثناء عَلَى الله وتمجيده, فيها تعلم المسلم قبل أن يدعو ربه أن يثني عَلَى الله (الحمد لله رب العالمين) فإذا اعترف بربوبية الله واعترف بإلوهيته, والاعتراف بأسمائه وصفاته.

ثُمَّ بعد أن تثني عَلَى الله وتمجده تخصه بالعبادة تقول: إياك نعبد, يعني ما نعبد إِلَّا إياك, إياك تقديم الظرف إيّا يفيد التخصيص, ومعنى إياك نعبد أي نعبدك ولا نعبد غيرك, وهذا هُوَ معنى لا إله إِلَّا الله؛ لِأَنَّ معناها لا معبود بحق إِلَّا الله, وهذا متسفاد من تقديم الظرف (إياك) أَمَّا لو قلت: نعبدك, ما يفيد الاختصاص؛ لِأَنَّهُ قد تعبد الله وقد تعبد غيره, لكن (إياك نعبد) المعنى نخصك بالعبادة ولا نعبد سواك (وإياك نستعين) نخصك بالاستعانة, ثُمَّ بعد ذلك جاء الدعاء (اهدنا الصراط المستقيم) دلنا وثبتنا وأرسلنا عَلَى الصراط المستقيم, صراط المنعم عليهم, من هم المنعم عليهم؟ الذين يعلمون ويعملون وهم أربعة أصناف: الأنبياء, والصديقون, والشهداء, والصالحون, كما قال الله تعالى في سورة النساء: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}[النساء/69].

أربعة أصناف, فأنت تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم صراط المنعم عليهم, ثُمَّ غير المغضوب عليهم, غير طريق المغضوب عليهم وهم الذين يعلمون ولا يعملون كاليهود ومن فسد من علماء هذه الأمة.

(ولا الضالين) ولا طريق الضالين وهم الذين يعبدون الله عَلَى جهل وضلال كالنصارى ومن فسد من عباد هذه الأمة, فهذا الدعاء أنفع دعاء, وأجمع دعاء, وأفضل دعاء, وحاجة العبد إِلَى هذا الدعاء أشد من حاجته إِلَى الطعام والشراب؛ بَلْ أشد من حاجته إِلَى النفس الَّذِي يتردد بين جنبي الإنسان؛ لِأَنَّ الإنسان إذا فقد الطعام والشراب النفس ماتت, مات الجسد والموت لَابُدَّ منه إن عاجلاً أم آجلاً, لكن إذا فقد الهداية ماتت روحه وصار إِلَى النَّار, أيهما أشد؟ أَيُّهَا أحوج إليه الإنسان للهداية أم للطعام والشراب؟

للهداية؛ لِأَنَّ من لم يهده الله صار من الكفرة, والكفرة حالهم أسوء من حال الأنعام, يأكلون ويشربون والنَّار مثوى لهم, الأنعام أحسن منهم؛ لِأَنَّ الأنعام ما عليها حساب ولا عذاب, وأما ابن آدم فعليه حساب وعذاب وعقاب.

ومن هنا يتبين أن حاجة الإنسان إِلَى هذا الدعاء أشد من حاجته إِلَى الطعام والشراب؛ بَلْ أشد من حاجته إِلَى النفس الَّذِي يتردد بين جنبي الإنسان, ومن فضل الله تعالى وإحسانه إلينا أن أوجب علينا أن ندعو بهذا الدعاء في اليوم والليلة 17 مرة, 17 في صلاة الفريضة غير النوافل, 17 مرة تدعو بهذا الدعاء, كل يوم وليلة {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين}[الفاتحة/6-7].

 غير النوافل وصلاة الليل وصلاة الضحى وتحية المسجد وسنة الطواف وتحية الوضوء, والوتر, صار مرات كثيرة, دعاء أوجب الله عَلَى كل مسلم أن يدعو به في اليوم والليلة 17 مرة ما في أنفع منه, ولا أفضل منه, ولا أحوج منه {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين}[الفاتحة/6-7].

كل أحد يدعو بهذا, الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا, بهذا الدعاء يقرأ الفاتحة, أبو بكر أفضل النَّاس بعد الأنبياء يدعو بهذا الدعاء, عمر وعثمان وعلي وكذلك الصَّحَابَة, إذًا هذا الدعاء دعاء عظيم, وهذا من فضل الله وإحسانه علينا أن أوجب علينا هذا الدعاء.

الأولى: العلم.

الثانية: العمل.

وعرفنا أن الَّذِي لا يعمل بعلمه حكمه حكم اليهود, وحكم الثاني الدعوة إِلَى هذا العلم, إذا من الله عليك وتعلمت العلم الشرعي, وعملت به ادع إليه, ادع إِلَى هذا الخير الَّذِي منّ الله عليك, انفع النَّاس هذا الخير الَّذِي منّ الله به عليك علمت الحق وعلمت وجوب التوحيد انصح غيرك, علمه ادع إِلَى الله {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل/125].

اقتدي بالأنبياء والرسل والصالحين والدعاة والعلماء والأئمة, الدعوة إِلَى الله, تدعو إِلَى الله.

المسألة الرابعة: الصبر عَلَى الأذى, إذا دعوت إِلَى الله, دعوت النَّاس وجدت واحد يشرك بالله ثُمَّ دعوته, وجدت واحد مثلاً يفعل الزنا, يفعل السرقة, يفعل شرب الخمر, يتعامل بالربا, النَّاس طبقات, والنَّاس أصناف كثيرة.

وكل إنسان ينهاهم عن الشيء الَّذِي تميل إليه أنفسهم لَابُدَّ أن يؤذوه, يقف أمام النَّاس, يقف أمام رغباتهم, يمنعهم مِمَّا يهوونه لَابُدَّ أن يؤذوه إما بقول وإما بفعل.

فلابد من الصبر, اصبر, إن لم تصبر انقطعت, لَابُدَّ من الصبر, اصبر عَلَى الأذى, حينما تدعو إِلَى الله اصبر عَلَى الأذى, قد يصيبك كلمة يشتمك إنسان, يسبك إنسان, يضربك إنسان, لَابُدَّ من الصبر, الأنبياء ماذا حصل لهم؟ الأنبياء كثير منهم قتلوا, زكريا قتل, ويحيى قتل, قال الله تعالى: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون}[البقرة/87].

بَعْض الأنبياء قتل وهم من أفضل النَّاس, قتلوا وبعضهم أوذوا, وبعضهم قيل عليه مجنون, ونَبِيّنا صلى الله عليه وسلم أوذي وجعل السنى عَلَى رقبتيه الشريفة وهو ساجد, وخنقه أبو جهل حَتَّى كان أن يقتله, فجاء أبو بكر وأزال يده وقال: أتقتل رجل يقول: ربي الله.

وابتلي بعمه أبي لهب يتبعه, فإذا دعا, قال: لا تتبعوه فإنه صابئ فإنه كذاب, إذًا الأنبياء هم قدوة النَّاس لَابُدَّ من الصبر, إذا لم تصبر انقطعت, هذه أسباب الربح, أسباب الربح ثلاثة:

أولًا: العلم.

ثانيًا: العلم.

ثالثًا: الدعوة إِلَى الله.

رابعًا: الصبر.

ما الدَّلِيل؟ قلت لكم إن الشيخ رحمه الله ما يأتي بشيء لا بدليل, الدَّلِيل الآية الكريمة, قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} والعصر هذا قسم من الله, والله تعالى له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته, يقسم بالليل بالنهار بالشمس بالتين, بالليل إذا يغشى, بالضحى, لا أحد يحجب عليه سبحانه وتعالى, فَهُوَ يقسم ببعض مخلوقاته الَّتِي فيها دلالة عَلَى قدرته ووحدانيته, وأما نحن فلا يجوز أن نقسم بالله وأسمائه وصفاته, قال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك».

{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أقسم الله وهو الصادق سبحانه وتعالى (إن الإنسان) أن للجنس والمعنى جنس الإنسان في خسر, في خسارة, يعني جنس الإنسان في خسار وهلاك, إِلَّا من عمل بهذه الصفات الأربع, هذه أسباب الربح, السلامة من الخسران.

{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} والإيمان مبني عَلَى العلم, هذا العلم {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} هذا العمل {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} هذه الدعوة إِلَى الله {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} هذا الصبر.

هذه أسباب الربح من توفرت فيه هذه الأسباب فَهُوَ من الرابحين, ومن فاتت عليه فَهُوَ من الخاسرين, ومن انتقص شيئًا منها فاته شيء من الربح وحصل عَلَى شيء من الخسران, من كملها وأقامها واستقام عليها كمل ربحه, ومن ضيعها كملت خسارته, ومن أتى بها وانتقض شيئًا منها فاته شيء من الربح وحصل عَلَى شيء من الخسارة بقدر ما فاته من تحقيق هذه الصفات.

القارئ

  قال الشافعي رحمه الله تعالى: (لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم).

شرح الشيخ

الإمام الشافعي رحمه الله أحد الأئمة الأربعة, أهل المذاهب المعروفون, وهو الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل.

فالإمام الشافعي رحمه الله يقول عن هذه السورة: لو ما أنزل الله عَلَى خلقه حجة إِلَّا هذه السورة لكفتهم) يعني لكفتهم في إقامة الحجة عليهم, وأنه يجب عليهم أن يتعلموا ويعملوا, ولكن في تبيين الأحكام وتفصيل الأحكام يحتاجون إِلَى نصوص أخرى يبين لهم فيها الأحكام, لكن المعنى يعني لو أنزلنها الله لإقامة الحجة عليهم وأنه يجب عليهم أن يتعلموا ويعملوا ويدعو إِلَى الله إِلَّا هذه السورة لكفتهم؛ لِأَنَّ فيها بيان أسباب الربح, وبيان خسارة من لم يأتِ بهذه الأسباب, وأن من أتى بهذه الأسباب الأربعة فَهُوَ من الرابحين, ومن ضيعها فَهُوَ من الخاسرين.

القارئ

 وقال البخاري رحمه الله تعالى: باب: العلم قبل القول والعمل؛ والدليل قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [محمد:19]، فبدأ بالعلم (قبل القول والعمل).

شرح الشيخ

الإمام البخاري رحمه الله معروف, صاحب الجامع الصحيح, الَّذِي هُوَ أصح الكتب بعد كتاب الله عند المحققين, أصح كتب بعد كتاب الله صحيح الإمام البخاري, تلقته الأمة بالقبول, ثُمَّ يليه صحيح الإمام مسلم.

فجمهور العلماء والمحققون قدموا صحيح البخاري, وبعض العلماء قدموا صحيح مسلم, بَعْض المغاربة لكن قدموه من جهة الصنعة الحديثية, ومن جهة الترتيب والتنسيق, لكن من جهة الصحة صحيح البخاري أصح.

فالإمام البخاري رحمه الله ترجم أتى بتراجم, وهذه التراجم يأتي بعدها بآيات من الْقُرْآن وأحاديث عن الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم ويضع لها ترجمة, هذه الترجمة استنبطها من النصوص, ولهذا قال العلماء: إن فقه الإمام البخاري في تراجمه, فاق, يعني له تراجم عظيمة حيرت العلماء, هذه التراجم, ومنها هذه الترجمة, يقول: (باب العلم قبل القول والعمل) أول شيء تعلم ثُمَّ تقول ثُمَّ تعمل, كيف هل تعمل بدون علم؟ لا, أول شيء اعلم, اعلم هذا الشيء الَّذِي تقوله هل هُوَ حق أم باطل؟ ثُمَّ تكلم.

اعلم هذا الشيء الَّذِي تقوله هل هُوَ حق أم باطل ثُمَّ اعمله, أَمَّا أن تعمل أو تقول وأنت ما تدري هل هُوَ حق أم باطل؟ ما يصح هذا.

(باب العلم قبل القول والعمل) أردت أن تتكلم في هذه المسألة تقول: حلال أم حرام, هات الدَّلِيل, اعلم, عندك دليل من الكتاب والسنة نعم, ما عندك دليل ما تتكلم اسكت, واحد يصلي ركعتين الآن بعد المغرب هل عندك دليل؟ نعم عندي دليل أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شرع ركعتين بعد المغرب, نعم عَلَى  العين والرأس, ما عندك دليل لا تعمل.

(باب العلم قبل القول والعمل) ثُمَّ استدل بالآية, قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [محمد:19].

قال البخاري: (فبدأ بالعلم قبل القول والعمل) بدأ بالعلم ثُمَّ قال: استغفر لذنبك, الاستغفار يكون بعد العلم أو قبل العلم؟ بعد العلم, {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم}[محمد/19].

إذًا العلم أولًا, ثُمَّ العمل ثانيًا, ثُمَّ الدعوة إِلَى الله ثالثًا, ثُمَّ الصبر عَلَى الأذى رابعًا.

القارئ

اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة، تعلم هذه الثلاث مسائل، والعمل بهن:

الأولى: أن الله خلقنا، ورزقنا، ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولًا، فمن أطاعه دخل الْجَنَّة، ومن عصاه دخل النار، والدليل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15)  فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيل} [المزمل:15-16].

شرح الشيخ

يقول المؤلف رحمه الله مرة ثانية: (اعلم) يعني تيقن واجزم (رحمك الله) دعاء بالرحمة أَيْضًا (أنه يجب على كل مسلم) شهد أن لاإله إِلَّا الله وشهد أن محمد رسول الله وكذلك المسلمة أن يتعلم هذه المسائل الثلاث, يعلمها ويعلم حكمها ويتيقنها.

المسألة الأولى: أن تعلم أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً كالأنعام لا نؤمر ولا ننهى؛ بَلْ أرسل إلينا رسولًا يأمرنا بطاعة الله وينهينا عن معصيته, فمن أطاع هذا الرَّسُوْل دخل الْجَنَّة, ومن عصى هذا الرَّسُوْل دخل النَّار, هات الدَّلِيل؟ في دليل؟ قلنا: الشيخ يأتي بدليل ما يأتي بكلمة إِلَّا دليلها معها, الدَّلِيل قول الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً} الخطاب لمن؟ الخطاب لهذه الأمة {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} من هُوَ الَّذِي أرسل إِلَى فرعون؟ موسى, إن أسلنا إليكم أَيُّهَا الأمة المحمدية, إنا أرسلنا إليكم رسولًا وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم, كما أرسلنا إِلَى فرعون رسولًا وهو موسى بن عمران {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} فرعون عصى الرَّسُوْل من هُوَ الَّذِي عصاه؟ موسى {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيل} [المزمل:15-16].

{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} قال العلماء: إذا أعيدت الكلمة منكرة تختلف, وإذا أعيدت معرفة فلا تختلف {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً} هذا محمد {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} هذا موسى اختلف {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} هُوَ الرَّسُوْل السابق هُوَ موسى {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيل} يعني عاقبناه عقابًا شديدًا وهو الغرق.

إذًا لَابُدَّ أن تتحقق من هذه المسألة, أن الله خلقنا ورزقنا وأنعم علينا وأرسل إلينا رسولًا يأمرنا وينهانا, أنزل علينا الشريعة, من أطاع هذا الرَّسُوْل دخل الْجَنَّة, ومن عصاه دخل النَّار وهذا الدَّلِيل, هذه المسألة تيقنها واضبطها.

القارئ

الثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل؛ والدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[الجن: 18].

شرح الشيخ

هذه المسألة الثانية أن الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد, لا ملك مقرب ولا نبي مرسل, الله له حق سبحانه وتعالى, والرَّسُوْل له حق عليه الصلاة والسلام, والمؤمنون لهم, لا تخلق بين الحقوق, حق الله العبادة, العبادة لا تكون إِلَّا لله, ولا يرضى الرب سبحانه وتعالى أن يشرك معه في عبادته أحد, لا ملك مقرب ولا نبي مرسل, لا تشرك معه في عبادته جبريل ولا محمد ولا البدوي ولا الحسن وابن علوان وإِلَى آخره, العبادة حق الله.

ما هي العبادة الَّتِي هي حق الله؟ لَابُدَّ أن نعرفها, العبادة عرفها بَعْض العلماء قال: هُوَ اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه, من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.

اسم جامع, كل ما يحبه الله ويرضاه قولًا أو عملاً باطنًا أو ظاهرًا هذه هي العبادة, وقال بعضهم: العبادة هي ما أمر به شرعًا, كل ما أمر به شرعًا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي, ما أمر به شرعًا من غير أن يطرد في العرف ومن غير أن يقتضيه العقل.

وأبسط من هذا أن تقول: العبادة هي الأوامر والنواهي في الكتاب والسنة, الأمر تفعله والنهي تتركه هذه العبادة, والأوامر نوعان: أمر وجوب مثل أقيموا الصَّلَاة, وأمر استحباب كأمره صلى الله عليه وسلم بالسواك عند كل صلاة, هذه عبادة السواك لكن ليس بواجب مستحب, والصَّلَاة عبادة واجبة, والنهي كذلك كل ما نهى الله عنه تتركه, والنهي قد يكون نهي تحريم من قول الله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى}[الإسراء/32].

ونهي تنزيه كنهيه صلى الله عليه وسلم عن الحديث بعد صلاة العشاء, وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها, نهي تنزيه, هذه العبادة, جميع الأوامر سواء أمر إيجاب أو أمر استحباب هذا لله, وجميع النواهي سواء نهي تحريم أو تنزيه تتركها لله, فالله تعالى قال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر/60].

هذا أمر, فإذا دعا الإنسان غير الله, أشرك مع الله غيره وقع في الشرك, قال الله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}[البقرة/43]. فإذا صلى لغير الله أشرك مع الله, الله لا يرضى أن يشرك أحد معه في العبادة, وقال سبحانه: {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}[البقرة/278]. اتركوا الربا.

تتركوا الربا خوفًا من الله, لكن بَعْض الصوفية يقول: إذا أردت أن تترك النواهي فاذكرني, أو تفعل النواهي فاذكرني, معناه أَنَّهُ يريد أن يعبده, اذكر الله, خاف من الله, لا تذكر شيخ الطريقة, الأوامر والنواهي يفعلها المسلم, الأوامر تعبدًا لله, ومحبةً له, وخوفًا ورجاء, والنواهي يتركها خوفًا من الله وإجلالًا وتعظيمًا, هذه هي العبادة.

وعَلَى هذا الدعاء أمر الله لِأَنَّهُ عبادة, فالذي يدعوا الرَّسُوْل يقول: يا رسول الله أغثني, هل عبد الله أو عبد غير الله؟ عبد غير الله, والَّذِي يقول: يا رسول الله اشفع لي, عبد الله أم عبد غير الله؟ عبد غير الله, دعا غير الله, الله تعالى قال: (ادعوني) ما قال: ادعوني وادعوا الرَّسُوْل{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة/186]. {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر/60]. {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن/18]. الآية الَّتِي استدل بها المؤلف, هذه الآية كلمة أحدًا نكرة في سياق النهي, والقاعدة الأصولية تقول: إن النكرة إذا سبقها نهي أو نفي أو استفهام فهي تعم (لا تدعوا مع الله أحدًا) أي أحد عامة تشمل كل من سوى الله, لا تدعوا أحدًا مع الله, لا نبي ولا ملك ولا جني, ولا قبر ولا ولي ولا صالح ولا نجم, ولا شجر ولا حجر ولا حيوان, لا تدعوا إِلَّا الله.

ومن هنا يتبين لكم الآن وقوع الشرك عند كثير من النَّاس, تجدون الآن كثير من البلدان الَّتِي فيها مسلمون يقطنها مسلمون بلاد إسلامية فيها قبور, يدعونها من دون الله, وحَتَّى بَعْض الحجاج الآن بَعْض الحجاج شخص يقول: رأيت واحد يطوف بالكعبة ويقول: يا رسول الله, يا رسول الله, يا رسول الله, نسي ربه؟! بدل ما يقول: يا الله, يقول: يا رسول الله, يا رسول الله, كيف هذا حاج؟ والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لبى بالتحية قال: «لبيك لا شريك لك» وهذا جعل لله شريك, يا رسول الله, يا رسول الله, نسي ربه.

وبعض الحجاج يطوف بحجرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله أغثني, يا رسول الله جئتك من بلاد بعيدة, يا رسول الله لا تخيب رجائي, المدد يا رسول الله, الغوث يا رسول الله, ما حكم هؤلاء؟ دعوا الله ولا دعوا غير الله؟ صرفوا العبادة لغير الله؟ هل يرضى الله بهذا, لا يرضاه, لا يرضى الله أن يشرك معه أحد في العبادة, هذا حقه.

طيب والَّذِي يدعو العيدروس, يقول:يا عيدروس في حضر موت, أو يا عبد القادر الجيلاني في العراق, أو يا ابن علوان في الشام, أو يا سيدي البدوي في مصر, أو يدسوقي أو يا زينب أو يا حسين أو يا علي أو يا فاطمة, ما حكم هؤلاء مشركون أم موحدون؟ مشركون؛ لِأَنَّهُم دعوا غير الله, صرفوا العبادة لغير الله, فعلى من ابتلى بشيء من ذلك أن يتوب إِلَى الله ويجدد التوبة النصوح حَتَّى يصح حجه؛ لِأَنَّهُ إذا حج مشرك ما يصح.  

كذلك أَيْضًا الذبح عبادة, قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر}[الكوثر/2]. انحر معناه اذبح, صل لربك واذبح لربك, {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام/162]. أمر فدل عَلَى أَنَّهُ عبادة, إذًا العبادة حق الله النحر, فإذا نحر لله المسلم ينحر لله الأضحية والهدي وكذلك التطوع, لكن بَعْض النَّاس يذبح عَلَى قبر الرَّسُوْل عَلَى روح الرَّسُوْل, عَلَى قبر البدوي أو الدسوقي أو الحسين, يذبح له خروف أو عجل, حَتَّى قال بَعْض الحجاج قال: أنا أذبح, كثير منا ما يأتي حَتَّى يذبح للحسين, لازم نذبح للحسين.

قال لي بعضهم: أني أذبح للحسين أو للبدوي ثُمَّ تركت الذبح فرأيت في النوم جاءني جمل فتح فمه يريد أن يأكلني, فلما كان في الصباح ذبحت للحسين, شوف هذا الشيطان, شيطان يغريه بالشرك ويشجعه عَلَى الشرك.

الشيطان يتسلط عَلَى المشركين{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون}[النحل/99]. لكن الموحد ليس له سلطان عليه, فالذبح عبادة, إذا ذبح لغير الله كيف تحج؟ تحج وأنت مشرك؟ المشرك لا يصح حجه ولا صيامه ولا صلاته, عليه أن يجدد إسلامه من جديد, كم شرط للحاج؟ خمسة: الإسلام, والعقل, والبلوغ, والحرية, والاستطاعة.

الشرط الأول: الإسلام, فالذي يدعوا غير الله هذا غير مسلم ما يصح حجه, حجه باطل ولا صلاته ولا صيامه, والدَّلِيل قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}[الفرقان/23].

وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون}[الأنعام/88]. وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِين}[الزمر/65-66].

فالذبح عبادة لا تذبح إِلَّا لله, عليك أن تحذر وتحذر غيرك, أنتم الآن عليكم أن تحذروا بأنفسكم وتحذروا من روائكم, تحذروا ما تعلمون من أقاربكم وجيرانكم, ومن جميع الجهال الذين يذهبون إِلَى القبور, تنبهونهم وتحذرونهم وتنصحونهم, وتدعونهم إِلَى الله, تبينوا أن هذا شرك وأنه يخرج من ملة الإسلام.

كذلك النذر عبادة, النذر سواء كان مطلق أم مقيد, النذر المطلق كأن يقول شخص: لله عليّ أن أصلي عشرين ركعة, أو لله عليّ أن أصوم عشرين يومًا, أو لله علي أن أتصدق بمائة ريال, أو مائة جنيه أو مائة دينار, يجب عليه أن يفي بنذره لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه».

وأحيانًا يكون معلق كأن يقول: إن شفا الله مريضي أو نجح ولدي في الامتحان لأتصدقن بمائة دينار, أو بمائة ريال, أو بمائة جنيه, أو بألف ريال, أو بألف جنيه, إذا شفى الله مريضه أو نجحه في الامتحان يجب عليه دفعه.

لكن بَعْض النَّاس ينذر لغير الله, فيقول: عليّ نذر أن أصلي للبدوي عشرين ركعة, أو أصلي لرسول الله عشرين ركعة, أو أتصدق عَلَى روح البدوي, أو يقول: إن شفا الله مريضي أو نجح في الامتحان لأذبحن خروف عَلَى روح السيد البدوي, أو عَلَى روح الدسوقي أو عَلَى روح الحسين, أو عَلَى روح الرَّسُوْل, أو عَلَى النجم, للنجم أو للقمر, يكون هذا مشرك, هذا شرك؛ لِأَنَّهُ نذر لغير الله, والنذر عبادة, النذر عبادة لا يصرفها إِلَّا لله.

كذلك من العبادة الطواف, الطواف عبادة لا يكون إِلَّا في بيت الله, فالمسلم يطوف الكعبة في الحج طواف القدوم, طواف الإفاضة, طواف الوداع, وفي العمرة طواف العمرة طواف الوداع, والتطوع أَيْضًا, لكن بَعْض النَّاس يطوف عَلَى قبر الرَّسُوْل حجرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, فإذا قال: أنا أطوف عَلَى قبر الرَّسُوْل أو عَلَى قبر البدوي لله, نقول: هذا بدعة, فقال: أنا أطوف لله, إذا كنت تطوف لله ما في مكان طواف لله إِلَّا الكعبة اذهب إِلَى الكعبة, فإذا قال: أنا أطوف للرسول, أو أطوف للبدوي أو أطوف للحسين, نقول: أنت مشرك صرفت العبادة والطواف لغير الله, كذلك إذا ركع له أو سجد له, كل هذا من أنواع الشرك, الواجب الحذر, أعد المسألة الثانية.

القارئ

الثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل؛ والدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[الجن: 18].

شرح الشيخ 

واضح هذا؟ أن الله تعالى لا يرضى أن يشرك معه في حقه, حقه هي العبادة, وعرف العبادة. 

القارئ

الثالثة: أن من أطاع الرسول، ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب؛ والدليل قوله تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

شرح الشيخ

المسألة الثالثة: (أن من أطاع الله) أن من وحد الله وأطاع الرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله, والمراد بمن حاد الله ورسوله المشرك, من وحد الله وأطاع الرَّسُوْل لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب, فأنت أَيُّهَا المسلم إذا من الله عليك بالتوحيد وطاعة الرَّسُوْل لا يجوز لك موالاة من حاد الله ورسوله, لا يجوز لك محبة المشركين, ولو كانوا أقارب, ولو كانوا آبائك أو أمك أو أخاك أو أختك أو ابنك, لا تحبه محبة دينية, لا يجوز هذا, فإن أحببته محبة دينية فهذا ردة عن الإسلام, إذا أحببت مشرك لدينه, معناه فضلت الشرك عَلَى الإسلام, والدَّلِيل الآية: {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ} يعني يحبون {مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني من أشرك بالله {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} ولو كان آباءه أو ابنه أو من عشيرته {أُوْلَئِكَ} الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} أيدهم سبحانه وتعالى بتأييد ونصر من عنده, وتوفيق {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ} يوم القيامة {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

إذًا المسلم الَّذِي من الله عليه بالتوحيد لا يجوز له محبة المشركين, ولو كانوا أقارب, ولو كان أبيه أو أمه, لكن الكفار عَلَى قسمين:

القسم الأول: محاربون لنا, كاليهود مثلاً, فالمحارب هذا لا تعينه بشيء, ولا بأكل ولا بشرب, ما بيننا وبينهم إِلَّا القتال؛ لِأَنَّهُم أعلنوا الحرب, اتركه حَتَّى يموت ولا تعطه شيء, هذا مثل ما قال بَعْض العلماء: إن من برى لهم قلمًا أو أعطاهم كذا أو ساعدهم فعليه الوعيد.

القسم الثاني: غير محاربين مسالمين, بيننا وبينهم عهد من النصارى أو غيرهم, بيننا وبينهم عهد فهؤلاء لا تحبهم محبة دينية, لكن يجوز الإحسان إحسانًا دنيويًا, لا بأس أن تحسن إليهم, تطعهم تكسوهم, تدعهم إِلَى الله, تتكلم بالكلام الطيب, ويكون هذا من أسباب دعوتهم إِلَى الإسلام, وإذا كان قريبًا لك كالأب والأم فعليك أن تحسن إليه وتطعمه وتكسوهم وتتلطف معه؛ لِأَنَّ للأب حق عظيم, كما قال الله تعالى في الوالدين الكافرين {وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا}[العنكبوت/8]. ثُمَّ قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}[لقمان/15].

وإذا كان من الأقارب أو من غير الأقارب لك أن تحسن إليهم, لك أن تطعم الكافر إذا كان غير حربي غير محارب تطعمه تكسوه, لكن لا تحبه محبة دينيه, تحسن إليه, كما قال الله تعالى في سورة الممتحنة: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين}[الممتحنة/8].

ما ينهاكم الله عن برهم والإحسان إليهم والعدل فيهم, إِنَّمَا ينهاكم الله عمن؟ {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}[الممتحنة/9].

قد ثبت في الصحيح أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها استفت النبي صلى الله عليه وسلم في الهدنة والصلح الذين بين النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبين المشركين, قدمت إليها أمها وهي مشركة, قدمت من مكة إِلَى المدينة إليها وهي مشركة, راغبة في رفدها أن تحسن إليها, تريد أن تعطيها شيء من المال تحسن إليها.

فاستفت أسماء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هل تحسن إليها؟ قال: «صل أمك» وبعض الصَّحَابَة أرسل إِلَى بَعْض أقاربه المشركين بشيء من الكسوة يكسوه, كذلك عمر رضي الله عنه في الحلة الَّتِي كانت من حرير, لما نهى النَّبِيّ عن الحرير ثُمَّ أرسلها إِلَى عمر, فقال: يا رسول الله تنهى عن الحرير للرجال وترسلها إلي؟ قال: «ما أرسلتها إليك لتلبسها» فأرسله إِلَى خله في مكة المشرك.

فهذا فيه دليل عَلَى أن الإنسان إذا أهدي إليه شيء لا يليق به ليس معناه أَنَّهُ إذنه له باللبس, أرسل إليك ساعة نسوية هل معناه أنك تلبسها؟ لا, تعطيها زوجتك, أو تعطيها أحد من أقربائك, أرسل بثوب حرير تعطيه المرأة ما تلبسه, كما النَّبِيّ لعلي رضي الله عنه لما أرسل إليه الحرير, قال: «إِنَّمَا أرسلتها إليك لتشقها خمرًا بين الفواطم» خمر للنساء بين الفواطم, فاطمة زوجته بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, وفاطمة أمه بنت أسد, فشققها بينهم.

المقصود أن الكافر عَلَى نوعين:

الكافر الحربي الَّذِي يحاربنا هذا ما بيننا إِلَّا القتال, لا إحسان فيه.

والكافر المسالم الَّذِي بيننا وبينه عهد, بين المسلمين وبينه عهد صلح, مثل كثير من دول النصارى الآن بينهم وبين المسلمين عهد, ما بيننا وبينهم حرب, هؤلاء لا تحبهم محبة دينية؛ ولكن لا تعاملهم معاملة سيئة, فتحسن إليهم كما قال الله: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين}[الممتحنة/8]. برهم واقسط إليهم إن الله يحب المقسطين.

هذا لا بأس بالإحسان إليه, لا بأس بإطعامه, لا بأس بإسقائه, لا بأس بإعطائه هدية, أو طعام أو شراب, ولعل هذا يكون من أسباب دعوته إِلَى الإسلام ورغبته في الإسلام, لكن الآية الكريمة {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ} يعني يحبون, من أحبه لدينه أشرك بالله, أحب محبة دينية, فأنت لا تحبه لدينه, دينه الشرك, ولكن محبة طبيعية, للقرابة, أَمَّا محبة دينية لا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات/10]. إِنَّمَا تكون بين المؤمنين.

القارئ

  اعلم أرشدك الله لطاعته، أن الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وحده، مخلصًا له الدين. وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها؛ كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56]. ومعنى {يَعْبُدُونِ}: يوحدون.

شرح الشيخ

يقول المؤلف: (اعلم) كما سبق اعلم يعني تيقن واجزم (أرشدك الله لطاعته) هذا دعاء, في الأول قال: رحمك الله, وهنا قال: أرشدك الله لطاعته, دعا بأن يرشدك الله لطاعته وهذا من نصحه رحمه الله, يعلم ويدعوا (أن الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وحده، مخلصًا له الدين) هذه الحنيفية, إذا قيل لك: ما هي الحنيفية ملك إبراهيم؟ فالجواب: أن تعبد الله مخلصًا له الدين, الدين معناه العبادة, أن تعبد الله مخلصًا له العبادة, كما شرع للإنسان أن يقول بعد الصَّلَاة: لا إله إِلَّا الله مخلصين له الدين, يعني مخلصين له العبادة, ولو كره الكافرون, ولو كره الكافرون إخلاص العبادة لله؛ لِأَنَّ الكافرين يعبدون غير الله.

فالحنيفية ملة إبراهيم ما هي؟ أن تعبد الله فقط ولا معها شيء آخر؟ الإخلاص, والإخلاص معناه أن تخصه بالعبادة, فتعبده ولا تعبد غيره, أن تعبد الله, تعبده بأي شيء؟ بالأوامر والنواهي, تعبده بالصلاة بالزكاة بالصيام الدعاء بالذبح بالنذر بالاستعاذة, بالاستغاثة, ببر الوالدين, بصلة الرحم, بالجهاد في سبيل الله, بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, تعبده بكف نفسك عن الأذى, كف نفسك عن الشرك, عن القتل عن الغيبة وعن النميمة, وعن السرقة وعن الزنا, عن الخمر عن النظر إِلَى النساء الأجنبيات, هذا عبادة أَيْضًا, هذه الحنيفية, أن تعبد الله مع الإخلاص, لكن إذا عبدت الله وعبدت غيره ما في إخلاص ذهب الإخلاص وجاء الشرك.

إذًا الحنيفية ملة إبراهيم ما هي؟ أن تعبد الله مخلصًا له الدين, قال المؤلف: (وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها) كل النَّاس مأمورين بهذا, كل النَّاس مأمورون بهذا, مأمورون بأي شيء؟ بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين, هات الدَّلِيل؟ قلت لكم المؤلف يأتي بدليل ما يأتي بشيء من كيسه, الدَّلِيل قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56].

الجن ثقل عظيم, والإنس ثقل عظيم, قدم الله الجني قيل: لِأَنَّهُم أكثر من الإنس, قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ} خلق الله الجن والإنس لماذا؟ لعبادته, فكيف تعبد غير الله وأنت مخلوق للعبادة؟ تصرف العبادة الَّتِي خلقت لها لغيره؟

قال: (اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصًا له الدين, وبذلك أمر الله جميع النَّاس وخلقهم لها, كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56]). أعد اعلم أرشك الله.

القارئ 

  اعلم أرشدك الله لطاعته، أن الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وحده، مخلصًا له الدين. وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها؛ كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56]. ومعنى {يَعْبُدُونِ}: يوحدون.

شرح الشيخ

التوحيد هُوَ العبادة, العبادة هي التوحيد, والتوحيد معناه إفراد الله بالعبادة, فلا يشرك معه أحد لا ملك ولا نبي ولا جن ولا إنس ولا بشر ولا حجر, ولا حيوان, ولا جماد, فالعبادة حق الله.

الأسئلة تكون بعد الصَّلَاة إن شاء الله, من عنده سؤال يكتبه وبعد الصَّلَاة إن شاء الله سنجيب إِلَى الساعة الثامنة والربع إن شاء الله.

القارئ  

وأعظم ما أمر الله به التوحيد، وهو: إفراد الله بالعبادة. وأعظم ما نهى عنه الشرك، وهو: دعوة غيره معه، والدليل قوله تعالى {وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا}[النساء: 35].

شرح الشيخ

أعظم ما أمر الله به هُوَ التوحيد, وأعظم ما نهى الله عنه الشرك, أعظم الأوامر الشريعة كلها الدين أوامر ونواهي, ما هي أعظم الأوامر؟ وما هي أعظم النواهي؟ أعظم الأوامر التوحيد, وأعظم النواهي الشرك, والتوحيد أن تخلص العبادة لله U, تفرده بالعبادة, والشرك أن تشرك معه في عبادته غيره.

الشريعة أوامر ونواهي؛ بَلْ إن الدولة الإسلامية كلها قائمة عَلَى هذا الأمر, الدولة الإسلامية قائمة عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأعظم المعروف التوحيد, وأعظم المنكر الشرك, فالدولة الإسلامية قائمة عَلَى هذا, الوظائف في الدولة الإسلامية كلها قائمة عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, كلها من رئيس الدولة الإسلامية والوزراء والمدراء والرؤساء, ورؤساء الأقسام ومدراء المدارس والأساتذة والطلاب كلهم قائمون بهذا الأمر, كلهم قائمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, كل عملهم أمر بالمعروف ونهي عن المنكر, فالدولة الإسلامية قائمة عَلَى هذا, وظائف الدولة الإسلامية قائمة عَلَى هذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر, وأعظم المعروف التوحيد, وأعظم المنكر الشرك.

أعظم المعروف التوحيد ثُمَّ يليه بعد ذلك الصَّلَاة, ثُمَّ الزَّكَاة, ثُمَّ الصوم, ثُمَّ الحج, ثُمَّ بر الوالدين ثُمَّ صلة الأرحام كلها أوامر, وأعظم النواهي الشرك ثُمَّ يليه القتل بغير حق, والسحر من الشرك وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والزنا والسرق والغيبة والنميمة ويشرب الخمر والربا كل هذا نواهي.

لكن رأسها رأس النواهي الشرك, ورأس الأوامر التوحيد, الشريعة إِنَّمَا هي أمر ونهي, أمر بالمعروف ونهي عن المنكر, ومن هنا يتبين أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وإقامة رجال الحسبة, وهذه البلاد المملكة السعودية اختصت بوجود رجال الحسبة والهيئات.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد