بسم الله الرحمن الرحيم
وعَلَى عبده ورسوله نَبِيّنا محمد, وعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بعد:
لقد سبق الكلام عَلَى أصول الإيمان, وأن أصول الإيمان ستة, وهي: الإيمان بالله, والإيمان بالملائكة, والإيمان بالكتب المنزلة, والإيمان بالرسل, والإيمان باليوم الآخر, والإيمان بالقدر خيره وشره, هذه الأصول أصول الإيمان دَلَّ عليها كتاب الله, قال الله تعالى في آية البر: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[البقرة/177]. هذه خمسة أصول.
والأصل السادس قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر}[القمر/49].
وقال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء/136].
دلت الآية عَلَى أن من كفر بهذه الأصول فَهُوَ الكافر, ودلت بمفهومها أن من آمن بهذه الأصول فَهُوَ المؤمن, قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}[البقرة/285].
وثبت في الحديث الصحيح الَّذِي رواه الإمام مسلم حديث جبرائيل الَّذِي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبرائيل أتى إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في صورة رجل شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر, لا يعرفه أحد ولا يرى له أثر السفر, فسأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن الإسلام, فقال: الإسلام أن تشهد ألا إله إِلَّا الله وأن محمد رسول الله, وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً, قال: صدقت أخبرني عن الإيمان, ؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» هذه أصول الإيمان, وسأل عن الإحسان «قال: صدقت. ما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسئول عنها بأعلم بها من السائل". قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان».
فهذه الأصول الستة دل عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليها المسلمون ولم يجد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وصار من الكافرين, من أنكر أصلاً من هذه الأصول هو كافر بإجماع المسلمين.
وسبق الكلام على الأصول الأربعة, على الإيمان بالله, وعرفنا أن الإيمان بالله يشمل الإيمان بربوبيته, الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى وأنه فوق العرش, والإيمان بربوبيته والإيمان بأسمائه وصفاته, والإيمان بإلوهيته واستحقاقه للعبادة.
فالإيمان بالله يشمل الإيمان بروبية الله, والإيمان بإلوهيته والإيمان بأسمائه وصفاته, مع الإيمان بقية أصول الإيمان الأخرى, والإيمان بالملائكة يشمل الإيمان بأشخاصهم منهم ذوات محسوسة تنزل وتصعد وترى, وتخاطب الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم ولهم وظائف ولهم شرف ومكانة عند الله U, وكل حركة في السموات والأرض فهي ناشئة عن الملائكة بإذن الله الكوني القدري.
فمن أنكر الملائكة أو قال: إنهم أشباح وأشكال نورانية كالفلاسفة فَهُوَ كافر, وكذلك من لم يؤمن بوظائفهم وشرفهم ومكانتهم عند الله, فالملائكة كرام كاتبون, كرام عَلَى الله, ينفذون أمر الله, لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون, منهم الموكل ببني آدم بحفظ بني آدم, ومنهم الموكل بكتابة الحسنات والسيئات, ومنهم الموكل بعمارة السموات, بالصلاة والتسبيح والتقديس, ومنهم الموكل بحمل العشر, ومنهم الموكل بقبض الأرواح, ومنهم الموكل بالنفخ في الصور, ومنهم الموكل بالوحي كجبريل, ومنهم الموكل بالقطر والنبات ومن ميكائيل, ومنهم الموكل بالجنة وإعداد الكرامة لأهلها, ومنهم الموكل بالنار وإعداد العذاب لأهلها, ومنهم الموكل بالجبار وبالشمس وبالقمر وبالنجوم, كل حركة في السموات والأرض تنشأ عن الملائكة
وكذلك الإيمان بالكتب المنزلة, لَابُدَّ من الإيمان إجمالًا وتفصيلاً, تفصيلاً بأسماء الكتب الَّتِي سماها الله تعالى في الْقُرْآن وهي التوراة والإنجيل والزابور والْقُرْآن, وصحف إبراهيم وصحف موسى, ومن لم يذكر منهم إِلَّا إجمالًا, ونؤمن بأن الله أنزل كتبًا عَلَى أنبيائه ورسله لا نعلم أسماءها وعددها إِلَّا الله.
وكذلك الإيمان بالرسل يجب الإيمان بهم إجمالًا وتفصيلاً, تفصيلاً فيمن سماهم اللهم, نؤمن بهم بأعيانهم, وهم خمس وعشرون في سورة النساء وفي سورة الأنعام {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}[النساء/163].
وفي سورة الأنعام {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم}[الأنعام/83].
وقال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين}[الأنعام/84].
ومعهم هود وصالح ونَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم, هذه هي الأصول الأربعة والفلاسفة لم يؤمنوا بالرسل؛ بَلْ يرون أن النبوة صنعة من الصناعات وحرفة من الحرف وسياسية من السياسات, ليست هبة من الله وكل واحد يمكن أن يصل إِلَى النبوة بالمران والمعالجلة وطول الخبرة, النَّبِيّ له صفات من استكملها فَهُوَ نبي قوة الإدراك وقوة التخيل وقوة التخييل, قالوا: هذا إذا وجد هذه الصفات صار نبيًا, ويرون أن هناك ما هُوَ أعلى من النبوة, وهو الفيلسوف, فيقولون: إن النَّبِيّ فيلسوف يسوس العامة, والفيلسوف يسوس الخاصة فَهُوَ أفضل من النَّبِيّ, فيقول: كل هؤلاء كفرهم فوق كفر الذين قالوا: {لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ}[الأنعام/124]. أشد كفرًا من هؤلاء؛ لِأَنَّهُم يرون أنهم أعلى من الرَّسُوْل, وهذا كفر وضلال, فالنبوة هبة من الله, الله يجتبي من رسله من يشاء ويختار ويصطفي {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير}[الحج/75].
النبوة اجتباء واصطفاء من الله, وليست سياسة ولا حرفة كما قال هؤلاء الملاحدة, والفلاسفة أنكروا وجود الله وأنكروا الملائكة وأنكروا الكتب وأنكروا الرسل, الفلاسفة المتأخرون فلاسفة اليونان أتباع أرسطو وأبو نصر الفاربي وأبو علي ابن سينا الملاحدة المتأخرون.
وكان الفلاسفة قبلهم يعظمون شرائع الأنبياء, ويعظمون الإلهيات بالجملة, ويقولون: علونا يختص بالرياضات وأشباهها, وأما علو الأنبياء في الإليهات, فهم في الجملة يعظمون الشرائع والإلهيات, وكذلك اليوم الآخر لم يؤمن به هؤلاء, لم بهذا الفلاسفة إِنَّمَا يقولون: ما في يوم آخر ولا في بعث ولا جزاء ولا نشور ولا جنة ولا نار, ولكن هذا من كلام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول في بعث وجزاء ونشور يكذب عَلَى النَّار حَتَّى تصلح أمورهم, فَهُوَ كذب لهم, يقول: فرق بين أن يكذب لهم وبين أن يكذب عليهم, هُوَ يقول: النَّبِيّ كذب لهم, لم يكذب عليهم, كذب لهم حَتَّى تصلح شؤونهم, يقول: في جنة وفي نار وفي بعث ونشور, هؤلاء الملاحدة الكفار, وكذلك لم يؤمنون بالقدر خيره وشره.
القارئ
فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟ فقل: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم.
شرح الشيخ
هذه الأصول الثلاثة الَّتِي يجب عَلَى الإنسان معرفتها, كل إنسان يجب عليه معرفة هذه الأصول, ولا يعذر فيها أحد.
الأصل الأول: معرفة الإنسان ربه.
الأصل الثاني: معرفة الإنسان دينه.
الأصل الثالث: معرفة الإنسان نبيه.
هذه الأصول الثلاثة يُسأل الإنسان عنها إذا وضع في قبره, إذا وضع في قبره يأتيه ملكان أزرقان أسودان يقال لأحدهما منكر ويقال للآخر: نكير, فيجلسانه فيقولان: من ربك, فالمؤمن يثبته الله يقول: الله ربي, ما دينك؟ يثبته الله المؤمن فيقول: ديني الإسلام, من نبيك؟ فيقول: نبي محمد صلى الله عليه وسلم, هذا المؤمن يثبته الله {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[إبراهيم/27].
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم, وأما الفاجر فلا يستطيع أن يجيب عَلَى هذه الأسئلة, ولو كان من أفصح النَّاس في الدنيا, ولو تعلم سبع لغات في الدنيا ما يستطيع أن يجيب عن الأسئلة, فإذا قيل: من ربك؟ ما يستطيع, يقول: ها ها لا أدري, سمعت النَّاس يقولون شيئًا فقلته, فإذا قيل له: ما دينك, يقول: ها ها لا أدري سمعت النَّاس يقولون شيئًا فقلته, فيقولون له: من نبيك؟ فيقول: ها ها لا أدري سمعت النَّاس يقولون شيئًا فقلته, فيضربه الملكان بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعه كل من خلق الله إِلَّا الإنسان, ولو سمعه الإنسان لصعق.
إذًا هذه الأصول الثلاثة هل يعذر أحد في معرفتها؟ ما يعذر أحد, لا صغير ولا كبير ولا رجل ولا امرأة ولا حر ولا عبد ولا ملك ولا وزير ولا حضري ولا بدوي, كل واحد يجب أن يعرف الأصول الثلاثة, ولا عربي ولا عجمي كل واحد مكلف بأن يعرف الأصول الثلاثة, ما يعذر أحد, هل يعذر أحد؟ ما يعذر أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة, لَابُدَّ أن تعرف ربك وتعرف دينك وتعرف نبيك, فالذي لا يعرف ربه ولا دينه ولا نبيه هذا من أهل النَّار نعوذ بالله نسأل الله السلامة والعافية.
القارئ
الأصل الأول
معرفة الرب ..
فإذا قيل لك: من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني، وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه؛ والدليل قوله تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الفاتحة/2]. وكل من سوى الله عالم، وأنا واحد من ذلك العالم.
شرح الشيخ
إذا قيل لك: من ربك؟ المؤلف رحمه الله أتى بها عَلَى صيغة الأسئلة حَتَّى تحفظ, سؤال وجواب حَتَّى يحفظه المسلم, وكلها أدلتها من الكتاب والسنة, ما يأتي بشيء من كيسه, كل شيء أدلته من الكتاب والسنة, إذا قيل: من ربك؟ (ربي الله الذي رباني، وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه) من ربك؟ يقول: ربي الله الَّذِي ربناني بنعمته والَّذِي خلقني وأوجدني من العدم ورزقني, وأعطاني السمع والبصر والفؤاد وأنعم عليّ وهو معبودي ليس لي معبود سواه.
هذا الخالق الرازق المحيي المييت المنعم هُوَ الَّذِي يستحق العبادة, أَمَّا غيره فلا يستحق, والدَّلِيل قول الله تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الفاتحة/2].
والشاهد رب العالمين, فالله تعالى رب العالمين, والمراد بالعالمين جميع المخلوقات, جميع المخلوقات العالمين, يشمل السموات والأراضين والآدميين, والحيوانات والحشرات والوحوش والبحار والأشجار والأنهار والملائكة, كله عالم والله رب الجميع.
وأنا وأنت واحد من العالم, أنا وأنت كلنا من العالم والله رب الجميع, وكل ما سوى الله عالم والله رب الجميع, هذا دليل عَلَى أي شيء؟ عَلَى ربوبية الله وأن الله رب جميع من في السموات ومن في الأرض فالله رب الجميع.
رب الآدميين رب الإنس رب الجن, رب الملائكة رب السموات رب الأراضين, رب البحار, رب الأشجار, رب الوحوش, رب جميع الخلق, الدَّلِيل {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الفاتحة/2].
وكلمة العالمين تشمل كل ما سوى الله, والله رب الجميع, عرفنا الدَّلِيل, الدَّلِيل الحمد لله رب العالمين.
القارئ
فقل: بآياته ومخلوقاته، ومن آياته: الليل، والنهار، والشمس، والقمر، ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهن، وما بينهما؛ والدليل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]. وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. والرب هو المعبود، والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السماء ماء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 21، 22].
شرح الشيخ
(فإذا قيل لك: من ربك؟) بأي شيء عرفت ربك (فقل: بآياته ومخلوقاته) ومن أعظم آياته الليل والنهار, الليل والنهار هذا الليل الَّذِي يخيم عَلَى النَّاس بظلام ويستمر, ثُمَّ يعقبه النَّار, يأتيه النهار, ثُمَّ يعقبه الليل منتظمات, ما يتخلف {لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون}[يس/40].
عَلَى مر السنين هذا التنظيم والإبداع يَدُلّ عَلَى الخالق الحكيم سبحانه وتعالى, وكذلك من أكبر المخلوقات السموات والأرض, والدَّلِيل استدل المؤلف بقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37].
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
(والرب هو المعبود) والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} إذًا الرب هُوَ المعبود {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أول أمر في الْقُرْآن الكريم هُوَ هذا, أول الأوامر في الْقُرْآن الكريم الأمر بعبادة الله, في سورة البقرة ذكر الله الأصناف الثلاثة, ذكر أصناف المؤمنين ظاهرًا وباطنًا في أربع آيات, ثُمَّ الكفار ظاهرًا وباطنًا في آيتين, ثُمَّ المنافقون في ثلاثة عشر آية, ثُمَّ جاء أول الأمر: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ}[البقرة/21].
أول أمر في الْقُرْآن هُوَ الأمر بعبادة الله, وأول نهي في الْقُرْآن النهي عن الشرك {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون}[البقرة/22].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون}[البقرة/21-22].
أول أمر في الْقُرْآن الأمر بعبادة الله {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} وأول نهي في الْقُرْآن نهى عن الشرك, قال: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} أمثالًا ونظراء.
القارئ
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة.
شرح الشيخ
ابن كثير رحمه الله يقول: (الخالق لهذه الأشياء هون المستحق للعبادة) ما هذه الأشياء؟ {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء} الخالق لهذه الأشياء هُوَ المستحق للعبادة.
القارئ
وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل: الإسلام، والإيمان، والإحسان، ومنه: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها. كلها لله تعالى، والدليل: قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[الجن: 18].
شرح الشيخ
نعم هذه أنواع العبادة الَّتِي أمر الله بها كثيرًا, العبادة قلنا: هي الأوامر والنواهي, كل ما أمر الله به يفعل, سواء كان أمر إيجاب أو أمر (... 22:29) يفعل عبادةً لله, وكل ما نهى الله عنه يترك, سواء نهي تحريم أو نهي تنزيه, ومن ذلك الإسلام, الإسلام معناه الاستسلام لله تعالى بالتوحيد, والانقياد له بالطاعة, أن تستلم لله بالتوحيد وأن تنقاد له بالطاعة, ومن أنواع الإيمان التصديق, تصدق بما أخبر الله به وبما أخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام, من الأخبار والأوامر, ومنه أَيْضًا الإحسان, أن تعبد الله عَلَى مشاهدة, تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك, ومن أنواع العبادة الدعاء, قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن/18].
فمن صرف الدعاء لغير الله أشرك, ومن أنواع العبادة الذبح {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام/162].
ومن أنواعه الاستعاذة{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}[الفلق/1].
ومن أنواعه الاستغاثة {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِين}[الأنفال/9].
ومن أنواعه التوكل {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}[المائدة/23].
والخشوع {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين}[الأنبياء/90].
والخشية {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون}[المائدة/44].
وكذلك الاستعاذة والاستغاثة, وغير ذلك, وسيأتي المؤلف يذكر أدلة لها, فالمؤلف ذكر من أدلة الدعاء قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[الجن: 18].
فلا تدعوا مع الله أحدًا, لا تدعوا هذا نكرة في سياق النهي, فتشمل كل أحد, وكذلك أَيْضًا دلت الآية الأخرى كما سبق عَلَى كفر من دعا غير الله عَلَى أَنَّهُ مشرك.
القارئ
فمن صرف منها شيئا لغير الله؛ فهو مشرك كافر؛ والدليل: قوله تعالى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
شرح الشيخ
هذه الأنواع من صرف شيئًا منها لغير الله فَهُوَ مشرك كافر, ومن صرف الدعاء لغير الله فَهُوَ مشرك كافر, والدَّلِيل الآية: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُون}[المؤمنون/117].
هذا الشاهد أَنَّهُ لا يفلح الكافرون الذين يدعون غير الله, وكذلك دلت الآيات الأخرى عَلَى أَنَّهُ مشرك من دعا غير الله, قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير (31) إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير}[فاطر/13-14].
سماه الله شركًا, دَلَّ عَلَى أن من دعا غير الله مشرك كافر, والذين يدعون الرَّسُوْل يقولون: يا رسول الله أغثني, يا رسول الله أفرج كربتي, يا رسول الله لا تخيب رجائي, يا محمد أتيت لك من بلاد بعيدة, المدد يا رسول الله, ما حكم هؤلاء؟ مشركون, أو يقول: مدد يا دسوقي, مدد يا بدوي, مدد يا حسين, مدد يا ابن علوان, مدد يا عيدروس, كل هذا صرف عبادة لغير الله, إذا طلب المدد أو دعا البدوي أو الدسوقي أو الحسين أو ابن علوان أو فاطمة, أو غيرها من البشر, أو دعا نبيًا أو وليًا أو جنيًا أو حجرًا أو بشرًا, أو جمادًا أو ميتًا فَهُوَ مشرك كافر.
القارئ
وفي الحديث: «الدعاء مخ العبادة». والدليل: قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر: 60].
شرح الشيخ
هذه الآية فيها الوعيد الشديد عَلَى من صرف العبادة لغير الله وأنه من أهل النَّار سيدخل جهنم صاغرًا ذليلاً {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر: 60]. يعني أذلاء صاغرين.
دَلَّ عَلَى أن الدعاء شرك, دعاء غير الله شرك, ولهذا توعده الله بأن يدخل النَّار صاغرًا ذليلاً, وأما الحديث: «الدعاء مخ العبادة» فيه ضعف, وأصح منه حديث: «الدعاء هُوَ العبادة» وحديث «الدعاء مخ العبادة» فيه ضعف.
القارئ
ودليل الخوف: قوله تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران:175].
شرح الشيخ
هذا دليل الخوف, قال: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران:175]. إذا خاف من غير الله فَهُوَ مشرك, والمراد خوف السر, خوف العبادة, كأن يخاف من الميت أن يحرمه من دخول الْجَنَّة, أو يخاف من الميت أن يدخله النَّار, أو يخاف من الميت أن يمرضه, أو يصيبه بسره لا بسبب الظاهر, أَمَّا الَّذِي يخاف من شيء فيما هُوَ سبب ظاهر, يخاف من عدو فيحذره أو يخاف من السباع, يخاف من الأرض المسبعة يأخذ سلاح, ويخاف من العدو فيأخذ سلاح, هذا خوف طبيعي, قال الله تعالى عن موسى عليه السلام: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين}[القصص/21].
هذا خوف طبيعي, الخوف الطبيعي ما يلام عليه الإنسان, لكن المراد خوف العبادة, خوف العبادة وخوف السر, وهو أن يخاف من الميت بسره, يخاف يمرضه بسره لا بسر المظاهر, الميت ما معه شيء, لكن عدو أمامك معه سلاح تخاف منه خوف طبيعي.
فإذا خاف من الميت هذا خوف العبادة هذا شرك, كيف تخاف من الميت, الميت لو كشفت قبره وجدت تراب, تخاف منه؟ تخاف من الميت أَنَّهُ يحرمك من دخول الْجَنَّة, أو يدخلك النَّار, أو يقطع رزقك أو يسلط عليك عدوك, وهو تراب؟ هذا ما خفت منه إِلَّا أنك تعتقد أَنَّهُ يستطيع التأثير وهذا شرك.
إذًا الخوف كم نوع؟ نوعان:
خوف طبيعي هذا لا يلام عليه الإنسان, الخوف من عدو أو من سبع وكذلك إذا خاف من النَّاس ولم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر هذا معصية, يخاف من النَّاس يؤذونه ولا يأمرهم ولا ينهاهم, بَعْض النَّاس ما يأمروا النَّاس بالصلاة يخشى أن يؤذونه, أو يكسرون سيارته أو ما أشبه ذلك, هذه معصية, يجب عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر إِلَّا إذا كان هناك ضرر محقق فأنت معذور, إذا كان عندك ضرر محقق في نفسك أو أهلك أو مالك فأنت معذور, أَمَّا توهمات لا, التوهمات من الشيطان, يخشى كذا, يخشى كذا.
القارئ
ودليل الرجاء: قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف: 110].
شرح الشيخ
الرجاء من أنواع العبادة والمراد رجاء السر أَيْضًا, رجاء العبادة, أَمَّا الرجاء العادي فلا يلام عليه إنسان, كأن تقول لشخص: أرجوك يا فلان أن تقرضني مال حَتَّى أسدد ديني, ما في شيء, أرجوك يا فلان تعينني عَلَى إصلاح سياراتي, أرجوك يا فلاني تعييني عَلَى إصلاح مزرعتي, أرجوك يا فلان تساعدني في الانتصار ممن ظلمني, هذا رجاء, عادي ما في شيء؛ لِأَنَّ الَّذِي ترجوه معه أسباب الظاهرة يستطيع, لكن الرجاء والسر أن ترجوا الميت, ترجوا الميت أن يدخلك الْجَنَّة, وهو تراب, ترجوا الميت أن يصد عدوك عنك وأن يمنع عدوك من أن يؤذيك, ترجوا الميت أن يرزقك هذا رجاء العبادة هذا شرك, لا ترجوا إِلَى الله.
إذًا الرجاء نوعان:
الأول: رجاء عادي هذا لا بأس به, وهو رجاء من حي حاضر قادر.
الثاني: رجاء السر, كأن ترجوا من الميت بسره, لا بأسباب الظاهرة هذا هُوَ الشرك, هذا رجاء الشرك.
القارئ
ودليل التوكل: قوله تعالى: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[المائدة: 23].
شرح الشيخ
التوكل من أنواع العبادة, والتوكل معناه الاعتماد عَلَى الله بالقلب, في حصول المطلوب, ولكن يكون بعد فعل الأسباب, فأنت تفعل الأسباب ثُمَّ تتوكل عَلَى الله في حصول النتيجة, عندك أرض بيضاء تزرعها وتبذرها وتحرثها وتسقيها الماء ثُمَّ تتوكل عَلَى الله في حصول (... 32:40)هذا لا بأس به, تطلب الرزق تببيع وتشتري تتوكل عَلَى الله أن يحصل لك ربح, لا بأس, تفعل الأسباب تطيع الله وتطيع الرَّسُوْل وتتوكل عليه في أن يدخلك الْجَنَّة وأن ينجيك من النَّار هذا لا بأس به.
أَمَّا الشخص الَّذِي يدعي أَنَّهُ متوكل ولكنه لا يعمل الأسباب ينام ويقول: أنا متوكل عَلَى الله في حصول الرزق, السَّمَاء ما تمطر ذهبًا لَابُدَّ أن تبحث افعل الأسباب حَتَّى تحصل عَلَى الرزق, فالتوكل وهو الاعتماد عَلَى الله بالقلب في حصول المطلوب بعد فعل الأسباب, والتوكل عَلَى الله لا يعاب, التوكل عَلَى غير الله لا يعاب, التوكل عَلَى غير الله فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله, كأن يتوكل عَلَى ميت أو غائب في أن يقضي حاجته, ميت تتوكل عَلَى ميت؟ يتوكل عَلَى ميت في أن يقضي حاجته في أن يقضي دينه, هذا شرك أكبر, لِأَنَّ هذا توكل عَلَى غير الله في شيء لا يقدر عليه إِلَّا الله, توكل عَلَى الميت في أن ينجيه من النَّار, توكل عَلَى الميت في أن يدخله الْجَنَّة, يتوكل عَلَى الميت في أن يسبب له طلب الرزق, هذا شرك أكبر؛ لِأَنَّ هذا لا يقدر عليه إِلَّا الله.
الثاني: التوكل عَلَى حي حاضر في الأسباب الظاهرة كأن يتوكل عَلَى أمير أو سلطان, فما أقدره الله عليه, من طلب رزق, أو شفاعته, أو غير ذلك فهذا شرك أصغر؛ لما فيه من الاعتماد بالقلب, توكل عَلَى حي حاضر قادر هذا شرك أصغر, لا تتوكل إِلَّا عَلَى الله.
فالتوكل عَلَى حي فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله أو ميت فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله هذا شرك أكبر, قال الله تعالى: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}[المائدة/23].
هنا قدم الجار والمجرور لإفادة الحصر, والمعنى فتوكلوا عَلَى الله لا عَلَى غيره.
القارئ
وقوله: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].
شرح الشيخ
{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]. يعني فَهُوَ كافيه, ومن كان الله كافيه فلا مطمع لأحد فيه.
القارئ
ودليل الرغبة، والرهبة، والخشوع: قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء: 90].
شرح الشيخ
الرغبة والرهبة والخشوع من العبادة, لا يجب صرفه إِلَّا لله, يرغب فيما عند الله من الفضل والأجر, فإذا رغب من آدمي حصول الْجَنَّة كفر, إذا رهب من الله يخشاه, يخاف الله أن يعذبه بالنار, هذا عبادة, فإذا خشي من شخص أن يعذبه بالنار صار شرك, وكذلك الخشوع, كونه يخشع لله ويستكين ويذل له هذه عبادة, وإذا خشع لآدمي وخضع له وذل, وغاية الحب هُوَ أحبه مع غاية الذل فهذا هُوَ الشرك.
القارئ
ودليل الخشية: قوله تعالى: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} الآية [البقرة: 150].
شرح الشيخ
الخشية مثل الخوف لكن الخوف (... 36:26) الخوف والخشية متفاربان, الخشية خوف من الله مع علم, مع لم بعظمة الله U, وكبريائه, {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} الآية [البقرة: 150]. نهى عن خشية النَّاس وأمر بخشيته سبحانه.
القارئ
ودليل الإنابة: قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} الآية [الزمر: 54].
شرح الشيخ
الإنابة من أنواع العبادة, الإنابة هي الرجوع إِلَى الله, الرجوع إِلَى الله أن يرجع إِلَى ربه ويخصه بالعبادة ويسأله حوائجه, فإذا رجع إِلَى غير الله وأناب إليه وخصه بالعبادة كفر, {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} فخصت الإنابة بالله U, الآية{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} يعني استسلموا وانقادوا له.
القارئ
ودليل الاستعانة: قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5].
شرح الشيخ
من أنواع العبادة الاستعانة, دليلها قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5].
الاستعانة نوعان:
1.استعانة عبادة.
2.واستعانة عادية.
فالاستعانة العادية كأن تستعين بحي حاضر, فتقول: يا فلان أعني عَلَى إصلاح مزرعتي, أعني في أن تقرضني لأقضي ديني, أعني في إصلاح سيارتي, هذا لا بأس به؛ لأنك تسأل شخص حاضر حي, قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة/2].
الثاني: أن يستعين بميت أو غائب أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله هذا شرك, يستعين بالميت في قضاء حوائجه في قضاء دينه, يستعين بالغائب الَّذِي لا يمكن وصول الخبر إليه هذا شرك, قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5].
(إياك) أي نخصك يا الله بالعبادة ونخصك يا الله بالاستعانة, وهذا مأخوذ من أي شيء, من تقديم الظرف (إياك نعبد) لما قدم الظرف دَلَّ عَلَى الاختصاص.
القارئ
وفي الحديث: «وإذا استعنت فاستعن بالله».
شرح الشيخ
«إذا استعنت فاستعن بالله» فلا يجوز الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله, أَمَّا الاستعانة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه فلا بأس به كما سبق.
القارئ
ودليل الاستعاذة: قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}[الفلق: 1]. وقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}[الناس: 1].
شرح الشيخ
نعم الاستعاذة من أنواع العبادة, فمن صرفها لغيره فقد أشرك, يستعيد بالله من شر عدوه, يستعيد بالله من شر الجن, يستعيذ بالله من النَّار, هذه عبادة, فإذا استعاذ بمخلوق من النَّار سواء حي أم ميت أو استعاذ بمخلوق أن يكف عنه عدوه, فَهُوَ مشرك, أَمَّا إذا استعان بحي حاضر فيما يقدر عليه فهذا لا يكون شرك, كأن تقول لشخص: يا فلان أعذني من شر أولادك, أولاده يؤذونه يستطيع أن يعيذك فَهُوَ حي حاضر, أعذني يا فلان من شر زوجتك سليطة اللسان, أعذني من شر خادمك, هذا لا بأس به, هذه استعاذة عادية, أَمَّا إذا استعاذ بميت أو غائب أو حي حاضر فما لا يقدر عليه إِلَّا الله هذا شرك.
القارئ
ودليل الاستغاثة: قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} الآية [الأنفال:9].
شرح الشيخ
الاستغاثة من أنواع العبادة, والاستغاثة نوعان:
1.استغاثة عادية.
2.واستغاثة شرك.
فالاستغاثة العادية كأن يستغيث بحي حاضر قادر, واحد غريق استعاذ بسباح يعرف أَنَّهُ يجد السباحة, قال: يا فلان أغثني, نزل في الماء وأخرجه, هذا لا بأس به, هذا حي حاضر, لكن إذا استعاذ بميت أو بغائب أو بحي حاضر فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله, استعاذ بحي قال: أعذني يا فلان من النَّار, هذا ما يقدر عليه إِلَّا الله هذا شرك.
الاستعاذة العادية استعاذة بالحي الحاضر, واستعاذة شرك وهي الاستعاذة بالميت أو الغائب أو الحي الحاضر فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله.
القارئ
ودليل الذبح: قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَه وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ُ} [الأنعام: 161 - 163].
شرح الشيخ
الذبح من أنواع العبادة, وهو أن يذبح لله قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر}[الكوثر/2].
أمر بالصلاة له والنحر, فالمسلم ينحر يذبح لله, يذبح لله إيش؟ ذبيحة الهدي في الحج, يذبح لله ذبيحة الأضحية, وكذبيحة اللحم يقول: بسم الله, فإذا ذبح لغير الله ذبح للرسول, عَلَى رسول الرَّسُوْل, أو عَلَى روح البدوي, أو عَلَى روح الدسوقي, أو عَلَى روح ابن علوان صار مشرك, صرف الذبح والعبادة لغير الله, قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} يعني وذبحي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام/162].
وقال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر}[الكوثر/2].
القارئ
ومن السنة: «لعن الله من ذبح لغير الله».
شرح الشيخ
الحديث الَّذِي رواه علي رضي الله عنه: «لعن الله من ذبح لغير الله, لعن الله من آوى محدثًا, لعن الله من غير منار الأرض, لعن الله من لعن والديه».
واللعن هُوَ الطرد والإبعاد عن رحمة الله, فالنبي صلى الله عليه وسلم لعن من ذبح لغير الله؛ لِأَنَّهُ مشرك.
القارئ
ودليل النذر: قوله تعالى:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}[الإنسان:7].
شرح الشيخ
نعم النذر عبادة, لا تكون إِلَّا لله, والنذر كما سبق يكون نوعان:
1.نذر مطلق.
2.ونذر مقيد.
فالنذر المطلق كأن يقول: لله علي أن أصلي ركعتين أو عشرين ركعة, أو لله علي أن أصوم عشرة أيام, أو لله علي أن أتصدق بمائة جنية أو مائة دينار أو مائة ريال, هذا يجب عليه الوفاء إذا كان نذر طاعة يجب الوفاء, وإذا كان نذر معصية فلا يجوز الوفاء به, إذا نذر أن يشرب الدخان هذا ما يجوز له؛ بَلْ يتوب إِلَى الله ويكفر كفارة يمين, هذا النذر المطلق.
والنوع الثاني مقيد كأن يقول: إن شفا الله مريضي أو نجح ولدي في الامتحان لأصلين لله عشرين ركعة, فهذا إذا شفا الله مريضه أو نجح ولده في الامتحان يجب عليه أن يصلي عشرين ركعة, أو قال: إن شفا الله مريضي أو نجح ولدي في الامتحان لأصومن عشرين يومًا, أو لأتصدقن بمائة جنيه أو بمائة جنيه, أو بمائة دينار, أو لأذبحن خروف لله للفقراء, هذا يجب الوفاء به إذا تحقق النذر.
فإذا صرف النذر لغير الله, قال: نذر أن يصلي ركعتين للرسول, أو نذر أن يصلي للبدوي, أو للدسوقي, أو للسيدة زينب, أو لابن علوان, أو لفاطمة أو للحسين, هذا مشرك, هذا شرك, صرف العبادة لغير الله.
أو قال: إن شفا الله مريضي أو نجح ولدي في الامتحان لأصلين للبدوي عشرين ركعة, أو للرسول عشرين ركعة, أو لأذبحن خروف عَلَى روح البدوي, أو عَلَى روح الرَّسُوْل, أو أتصدق بمائة جنيه أو مائة دينار عَلَى روح الرَّسُوْل, أو عَلَى البدوي, أو الدسوقي أو فاطمة, هذا شرك, النذر عبادة لا يصرف إِلَّا الله.
الله تعالى مدح الأبرار في قوله: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}[الإنسان/7].
القارئ
الأصل الثاني
معرفة دين الإسلام بالأدلة.
شرح الشيخ
هذا الأصل الأول معرفة العبد ربه, وذكر المؤلف انواع العبادة, والأدلة, انتقل إِلَى الأصل الثاني, الأصل الأول معرفة العبد لربه.
الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام.
أنت مسلم لَابُدَّ أن تعرف دين الإسلام ما هُوَ؟ ما هُوَ دين الإسلام؟.
القارئ
الأصل الثاني
معرفة دين الإسلام بالأدلة, وهو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان.
شرح الشيخ
هذا الإسلام, الإسلام دينك الإسلام, ما هُوَ الإسلام الَّذِي تدين به؟ (وهو: الاستسلام لله بالتوحيد) استسلام معناه انقياد, تستسلم وتنقاد وتذل وتخضع لله بالتوحيد, وتوحده سبحانه بأنواع العبادة كلها هذا الإسلام, وتنقاد له بالطاعة, وتتبرأ من الشرك وأهله, هذا الإسلام, استسلام لله بالتوحيد وانقياد به بالطاعة, والبراءة من الشرك وأهله, وهو ثلاث مراتب: الإسلام, ثُمَّ الإيمان, ثُمَّ الإحسان.
وأعلاها مرتبة الإحسان, ثُمَّ يليه الإيمان, ثُمَّ يليه الإسلام, فالمسلم هُوَ الَّذِي .. يطلق الإسلام عَلَى العاصي, إذا كان عاصي أو مقصر في بَعْض الواجبات أو فعل بَعْض المحرمات يسمى مسلم, لكن ما يسمى مؤمن, إذا أدى الواجبات وترك المحرمات يسمى مؤمن, إذا عبد الله عَلَى المشاهدة فَهُوَ محسن, الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه, كأنك تشاهده, هذه المرتبة الأولى, فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
يعني مرتبتين:
1.أن تعبد الله عَلَى المشاهدة كأنك ترى الله.
2.فإن ضعفت عن هذه المرتبة تعبده عَلَى أَنَّهُ يراك.
إذًا الإسلام ثلاث مراتب:
1.الإسلام.
2.والإيمان.
3.والإحسان.
أعلاها الإحسان ثُمَّ الإيمان؛ لِأَنَّ المؤمن بإطلاق لا يطلق عَلَى العاصي, العاصي ما يقال مؤمن, يقال: مؤمن ناقص الإيمان, مؤمن ضعيف الإيمان, لكن يقال: مسلم, إذا كان عاصي يقال مسلم.
القارئ
وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان. وكل مرتبة لها أركان.
شرح الشيخ
كل مرتبة لها أركان, فالإسلام له أركانه الخمسة, والإيمان له أركان ستة, والإحسان له ركن واحد.
القارئ
المرتبة الأولى: الإسلام
فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.
شرح الشيخ
هذه أركان الإسلام الخمسة وهي ظاهرة, أصلها وأساسها الشهادة لله تعالى بالوحدانية, والشهادة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة, أشهد أن لا إله إِلَّا الله, وأشهد أن محمدًا رسول الله, هذا أصل الدين وأساس الملة, هذا الركن الأول, أعظمها وأهمها الشهادتان, أن تشهد لله تعالى بالوحدانية, وتشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
الثاني: إقام الصَّلَاة, وليس المراد فعل الصَّلَاة, فرق بين فعل الصَّلَاة وبين إقامة الصَّلَاة, قام, إقام الصَّلَاة أن تقيمها تؤديها عَلَى الوجه المطلوب, يقال: أقام بالأمر يعني أتى به عَلَى الوجه المطلوب.
والله تعالى أثنى عَلَى المقيمين للصلاة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ}[البقرة/277].
ولم يقل: وصلوا؛ لِأَنَّ الإنسان يفعل الصَّلَاة مع الغفلة والإعراض قد يكون معذب, ما أقامها, فالمقيم للصلاة هُوَ الَّذِي أقامها باطنًا وظاهرًا, أقامها باطنًا بحضور القلب والإخلاص, وظاهرًا بأداء الواجبات, والأركان والمستحبات, هذا المقيم للصلاة, أَمَّا المصلي فقد قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون}[الماعون/4-5].
فالمصلي بدون رقابة قد يتوعد بالويل, يسهون عن الصَّلَاة فيؤخرونها عن وقتها, أو يتركون شيء من واجباتها.
الثاني: إيتاء الزَّكَاة, إيتاء يعني دفع الزَّكَاة إِلَى مستحقيها, مع طيب النفس, والمستحق للزكاة كم هم؟ ثمانية أصناف, ذكرهم الله في كتابه, وهو قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم}[التوبة/60].
سبعة أصناف لا يجب صرفها إِلَى غيرهم, يروى أن رجلاً جاء إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يطلب الزَّكَاة, فقال: «إن الله جزئها ثمانية أجزاء, ولم يرض فيها بحكم نبي ولا غيره, فإن كنت منهم أعطيتك».
إذًا من الَّذِي فرض مصارف الزَّكَاة, الله من فوق سبع سموات, إيتاء الزَّكَاة يعني دفعها إِلَى مستحقيها, تدفع إِلَى مستحقيها عن طيب نفس, ما تدفع وأنت متبرم, ولا متكره, ولا مستثقل لوجوبها, لا, تدفعه عن طواعية وانشراح صدر واطمئنان وتعلم أنك رابح.
فلا يجوز دفع الزَّكَاة لبناء المساجد ولا الجمعيات الخيرية ولا غيرها, الجمعيات الخيرية والمساجد من غير الزَّكَاة, الزَّكَاة تعطى أهلها ثمانية أصناف:
(الفقراء والمساكين) الفقير الَّذِي لا يجد شيئًا معدم, أو وجد أقل من نصف الكفاية لمدة سنة, يعطى الفقير ما يكفيه لمدة سنة, نفقة أو كسوة وسكنى, دفع الإيجار, فالذي لا يملك قوت سنة ما يكفيه لمدة سنة هذا فقير, يعطى ما يكمل نفقته, والمسكين يجد نصف الكفاية إِلَّا أَنَّهُ لا يجد الكفاية, يعطى ما يكمل نفقته, فالفقر أشد حاجة.
(والعاملين عليها) الَّذِي يبعثهم ولي الأمر, إمام المسلمين يجعل عمال يجبون الزَّكَاة, يعطون من الزَّكَاة, يعطيهم ولي الأمر, والمؤلفة قلوبهم الذين إيمانهم ضعيف يعطون من الزَّكَاة حَتَّى يتقوا إيمانهم, أو من يرجى أي إسلامه من الكفرة يعطى.
(وفي الرقاب) يعطى الزَّكَاة لشراء العبيد ولفك رقاب العبيد ولفك المأسورين والسجناء عند الكفار, كل هذا وفي الرقاب.
(وفي الغارمين) الَّذِي غرم مالًا وتحمل دينًا لقضاء حاجته, تدين للنفقه عَلَى أهله وأولاده, تدين لتسديد إيجار البيت يعطى ما يسدد دينه.
والنوع الثاني من الغارمين الذين يصلح بين النَّاس ويتحمل في ذمته دينًا حَتَّى يصلح بين النَّاس, يجد قبيلتين بينهم نزاع أو شخصين فيصلح بينهم يقول: أعطيكم عشرة ألاف, وأعطي هؤلاء عشرة ألاف, ويتحملها في ذمته, يعطى من الزَّكَاة ما يسدد دينه ولو كان غنيًا تشجيعًا له عَلَى هذا العمل النبيل.
وفي سبيل الله) في الجهاد في سبيل الله عَلَى المجاهدون.
(وابن السبيل) الفقير الَّذِي انقطع عن بلده وليس عنده نفقة, ابن السبيل المسافر الَّذِي بعيد عن بلده وانقطعت نفقته وليس عنده شيء يوصله إِلَى بلده, فيعطى ما يوصله إِلَى بلده ولو كان غنيًا, هذه الزَّكَاة.
الزَّكَاة تعطى هؤلاء الأصناف الثمانية ولا تعطى غيرهم.
وصيام رمضان هذا الركن الرابع, أن يصوم لله شهر رمضان من طلوع الفجر إِلَى غروب الشمس, عن إخلاص ورغبة ونية, هذا ركن من أركان الإسلام, يجب عَلَى كل أحد من المسلمين أن يصوم رمضان إِلَّا العاجز والمريض هذا معفو عنه.
الخامس: حج بيت الله الحرام, يجب عَلَى كل أحد أن يحج بيت الله في العمر مرة واحدة, الحج والعمرة في العمر مرة, هذه أركان الإسلام الخمس.
القارئ
فدليل الشهادة: قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}[آل عمران/18].
ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، وحد النفي من الإثبات {لا إله} نافيًا جميع ما يعبد من دون الله {إلا الله} مثبتًا العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه ليس له شريك في ملكه.
شرح الشيخ
هذه الشهادة .. المؤلف سيستدل بأدلة من أركان الإسلام:
الركن الأول: إسلام الشهادتين, شهادة ألا إله إِلَّا الله, الدَّلِيل, قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}[آل عمران/18].
ومعنى (لا إله إِلَّا هُوَ) لا معبود بحق إِلَّا الله, لا إله نفي, نفي جميع العبادة عن غير الله, إِلَّا الله يثبت العبادة لله وحده, فهي مشتملة عَلَى كلمة التوحيد, هذه كلمة التوحيد أعظيم كلمة وأفضل كلمة, وأفضل ما تكلم به النَّاس هذه الكلمة, لا إله إِلَّا الله, مشتملة عَلَى نفي وإثبات, مشتملة عَلَى كفر وإيمان, كفر بالطاغوت وإيمان بالله, ما في إيمان إِلَّا بالأمرين, كفر بالطاغوت لقولك: لا إله, إِلَّا الله هذا الإيمان بالله, قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[البقرة/265].
لا إله, ماذا تنفي؟ تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله, إِلَّا الله تثبت جمع أنواع العبادة لله, ومعنى لا إله إِلَّا الله لا معبود حق إِلَّا الله, قد يقول قائل: في آلهة معبودة, النجم عبد والشجر عبد والآدميون عبدوا, والأشجار والأحجار والخيل والبقر حَتَّى الفرج عبد, كل شيء, هؤلاء معبودون بالباطل ولا بالحق؟ بالباطل, والعبادة بالحق عبادة الله, قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير}[لقمان/30].
القارئ
وتفسيرها: الذي يوضحها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُون (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِين (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون}[الزخرف/27-28].
وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
شرح الشيخ
تفسير كلمة التوحيد, تفسيرها الَّذِي لا إشكال فيه قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُون (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} فإبراهيم الخليل تبرأ من جميع ما يعبده النَّاس إِلَّا من ربه, إِلَّا الَّذِي فطرني {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} يعني كلمة التوحيد {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون} وكذلك قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء} يعني نصف عدل بيننا وبينكم, كلمة عدل, ما هي؟ {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون}[آل عمران/64].
هذا يفسر كلمة التوحيد, قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} أهل الكتاب اليهود والنصارى { تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء} سواء يعني نصف عدل بيننا وبينكم, ما هي هذه الكلمة: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون}[آل عمران/64].