بسم الله الرحمن الرحيم
القارئ
قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه " الأصول الثلاثة ":
الأصل الثالث
معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون في النبوة. نبئ بـ {اقْرَأ}، وأرسل بـ {الْمُدَّثِّرْ}، وبلده مكة, وهاجر إِلَى المدينة, بعثه الله بالنذارة عن الشرك، وبالدعوة إلى التوحيد.
شرح الشيخ
هذا الأصل الثالث (معرفة نَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم) هذا من الأصول الثلاثة الَّتِي يُسأل عنها الإنسان إذا وضع في قبره, من ربك؟ وما دينك؟ من نبيك؟ لَابُدَّ أن تعرف نبيك وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.
أبوه عبد الله وجده عبد المطلب وهو المشهور, وكان له عشرة من الولد, كان لعبد المطلب عشرة من الولد وكان مشهور وكان شريفًا في قومه, ونذر إذا أتاه عشرة من الولد أن بذبح العاشر, فصار العاشر عبد الله والد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, فلما أراد أن يذبح جاء أخواله وقالوا: ما يمكن, تذبح ابننا ما يمكن, قال: كيف أفي بندري؟ أنا نذرت أن أذبح العاشر, قالوا: هات من الإبل .. جاء من الإبل بعشر قرعة بينه وبينه فتقع عَلَى الولد عَلَى عبد الله, يجيء بعشرة أصبحوا عشرين وتقع القرعة عَلَى الابن, عشرة ثالثة ثلاثين تقع عَلَى الابن, عشرة أربعين تقع عَلَى الابن, عشرة خمسين تقع عَلَى الابن, حَتَّى وصلت إِلَى المائة فوقعت عَلَى الإبل, فذبحها, ولذلك يقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن الذبيحين» الذبيح الأول أبوه عبد الله, والذبيح الثاني جده إسماعيل بن إبراهيم الخليل الَّذِي أمره الله أن يذبحه, قال: أن ابن الذبيحين, محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, وكان جده مشهورًا وكان أبوه عبد الله ليس بمشهور, ولهذا كان يأتي الأعرابي إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: أيكم ابن عبد المطلب, ما يقول: ابن عبد الله؛ لِأَنَّ جده هُوَ المشهور, وجد الإنسان أبوه, ولهذا قال النَّبِيّ: «أنا النَّبِيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب» انتسب إِلَى أبيه وجده.
يأتي الأعرابي فيقول: أيكم ابن عبد المطلب؟ فيقولون: هذا الرجل الأبيض, هذا دليل عَلَى أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما يتميز عن أصحابه مثلهم ما يعرف بينهم, محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي, وهاشم من قريش, وقريش من العرب والعرب من ذرية إسماعيل ابن إبراهيم الخليل عَلَى نَبِيّنا وعليه أفضل الصَّلَاة والتسليم.
لَابُدَّ أن تعرف نبيك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم, هناك سلسلة النسب معروفة مكتوبة وموجودة, يتصل إِلَى عشرين جد, إِلَى عدنان, وما بعد عدنان إِلَى إسماعيل مختلف فيهم أربعة أجداد, لكنه متيقن أَنَّهُ من ذرية إسماعيل عليه الصلاة والسلام, وله من العمر عليه الصلاة والسلام ثلاث وستون سنة, منها أربعون قبل النبوة, بلغ أربعين قبل أن ينبأ, فلما بلغ أربعين جاءه الوحي نبأه الله, وأول ما بدأ به عليه الصلاة والسلام من الوحي الرؤيا الصادقة ستة أشهر, أول ما بدأ ستة أشهر من ربيع إِلَى رمضان الرؤيا, فكأن إذا رأى في المنام رؤيا جاءت في النهار مثل فلق الصبح, ورؤيا الأنبياء وحي, ولهذا قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «الرؤية الصادقة جزء من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة».
قال العلماء: إن نبوة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثٌ وعشرون سنة, والرؤيا الَّتِي بدأ بها عليه الصلاة والسلام ستة أشهر, فإذا نسبت ستة أشهر إِلَى ثلاث وعشرين سنة كم تقع؟ ستة وأربعين, فالرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة, وهذا عَلَى هذه الرواية, وإِلَّا جاء في رواية أكثر من هذا, الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين من ستة وخمس من كذا, لكن هذا عَلَى هذه الرواية, لما بلغ أربعين نبأه الله, نبئ بـ {اقْرَأ}، وأرسل بـ {الْمُدَّثِّرْ}، نبأه الله قال جبريل: اقرأ, قال: ما أنا بقارئ, فصار بهذا نبيًا.
ثُمَّ بعد فترة لما تغطى وتدثر جاءه الوحي ونزل عليه: {يا أيها المدثر (1) قم فأنذر} قم فأنذر النَّاس صار رسولًا بذلك, صار نَبِيّنا بــ اقرأ لما نزل عليه الوحيبـ {اقْرَأ}, ولما نزلت عليه المدثر صار رسولًا, هُوَ نبيًا رسولًا عليه الصلاة والسلام.
له من العمر ثلاثٌ وستون سنة, منهم أربعون قبل النبوة, ومنها ثلاثٌ وعشرون نَبِيّنا رسولًا, وبلده مكة وهو من أهل مكة عليه الصلاة والسلام, وكان يرعى الغنم في أهل مكة عَلَى قراريط, قال العلماء: والحكمة في كونه يرعى الغنم, قال عليه الصلاة والسلام: «ما من نبي إِلَّا رعى الغنم, قالوا: وأنت يا رسول الله, قال: وأنا, فقد كنت أرعاها عَلَى قراريط لأهل مكة».
قال العلماء: الحكمة في رعي الأنبياء الغنم أَنَّهُ يسوس الغنم, يتمرن عَلَى سياسة الغنم, فينتقل من سياسة الغنم إِلَى سياسة الدول والأمم, كل نبي رعى الغنم, وهذا أَيْضًا يَدُلّ عَلَى تواضع الأنبياء, ويَدُلّ عَلَى أن الأنبياء لهم حرف وصناعات, وأن الحرفة ليس فيها عيب كما يظن بَعْض النَّاس بَعْض الشباب, بَعْض الشباب في الدول العربية يرون بَعْض الحرف فيها عيب, العيب في الكسل, أن يكون الإنسان عاطل بدون عمل هذا هُوَ العيب.
أَمَّا الحرف فهي شريفة إِلَّا بَعْض الحرف كالحجام هذه حرفة رديئة, بدله مكة عليه الصلاة والسلام وهاجر إِلَى المدينة.
القارئ
بعثه الله بالنذارة عن الشرك، وبالدعوة إلى التوحيد.
شرح الشيخ
نعم هكذا بعثه الله, بعثه الله بالنذار عن الشرك ويدعوا إِلَى التوحيد, إِلَى توحيد الله وإخلاص الدين له, وينذر النَّاس عن الشرك, قال: «أنذرتكم النَّار, أنذرتكم النَّار, أنذرتكم النَّار» كان يجمعهم يقول: يا صباح, فإذا اجتمعوا أنذرهم النَّار وخصص ويعم, كل قبيلة يا قبيلة فلان يا فلان أنقذوا أنفسكم من النَّار, حَتَّى يصل إِلَى أقربائه, يا صفية عمرة رسول الله أنقذي نفسك من النَّار, يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النَّار, سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا, فَهُوَ عليه الصلاة والسلام بعثه الله بالنذارة عن الشرك ينذر عن الشرك ويدعو إِلَى التوحيد.
القارئ
والدليل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: 1 - 7]. ومعنى: {قُمْ فَأَنْذِرْ}: ينذر عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد. { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}: أي: عظمه بالتوحيد. { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}: أي: طهر أعمالك عن الشرك. { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}: الرجز: الأصنام، وهجرها: تركها، والبراءة منها وأهلها، أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد.
شرح الشيخ
هذا الدَّلِيل, الدَّلِيل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} يا أَيُّهَا المدثر يا أَيُّهَا المتغطي؛ لِأَنَّهُ لما جاءه الوحي اشتد عليه الأمر, وكان جبريل عَلَى صورته الَّتِي خُلق عليها له ستمائة جناح, كل جناح يملأ ما بين السَّمَاء والأرض, وجاء في أول الوحي وقال: اقرأ, قال: ما أنا بقارئ, ما تعلمت القراءة, ما هُوَ عصيان, أنا ما تعلمت القراءة أنا أمي لا أقرأ ولا أكتب, فغطه حَتَّى بلغ منه الجهد, وقال: اقرأ, فقال: ما أنا بقارئ, كيف أقرأ وأنا ما تعلمت القراءة, أمي لا أقرأ ولا أكتب, فغطه حَتَّى بلغ منه الجهد, ثُمَّ قال: اقرأ, قال: «ما أنا بقارئ» فغطه الثالثة حَتَّى بلغ منه الجهد ونزل: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} قال العلماء: الحكمة من كونه غطه حَتَّى بلغ منه الجهد هذه الشدة الَّتِي أصابته حَتَّى يتمرن عَلَى القيام بأعمال الرسالة, أعمال الرسالة ثقيلة وفيها مشقة عظيمة, ليتحمل ويتهيأ ويتصبر, فذهب إِلَى خديجة وقال: «خفت أن يختلج عقلي» قالت: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا, إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتعين عَلَى نوائب الحق.
قال: «دثروني دثروني» ثُمَّ جاءه الوحي فقال: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} المتغطي المتلفف بالثياب {قُمْ فَأَنْذِرْ} أنذر النَّاس عن الشرك, وأمرهم بالتوحيد.
{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} عظم ربك بالتوحيد {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} طهر أعمالك من الشرك, الثياب تفسر بالأعمال, ثيابك أي أعمالك طهرها من الشرك, والثياب من باب أولى, معلوم أن الثياب تكون طاهرة, المصلي لَابُدَّ أن تكون ثيابه طاهرة, لكن المهم طهارة الأعمال من الشرك, وثيابك فطهر طهر أعمالك من الشرك.
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} الرجز الأصنام اهجر الأصنام, الأصنام اهجرها اتركها واترك أهلها وتبرأ منهم, منها ومن أهلها {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} لا تمن عَلَى أحد تستكثر {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} اصبر لربك.
القارئ
أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد وبعد العشر عرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة.
شرح الشيخ
هذا عَلَى الصحيح أَنَّهُ أخذ يدعوا إِلَى التوحيد بمكة ثلاث عشر سنة, أَمَّا العشر السنوات الأولى قبل العروج إِلَى السَّمَاء, أخذ عشر سنين يدعوا إِلَى النَّاس إِلَى التوحيد, ولا في أمر بالصلاة ولا زكاة ولا صوم ولا حج, لماذا؟ لِأَنَّ الصَّلَاة والزَّكَاة والصوم ما ينفع معها الشرك, لَابُدَّ من التوحيد عشر سنين؛ بَلْ ثلاثة عشر سنة في مكة يدعوا إِلَى التوحيد, ولما هاجر إِلَى المدينة وثبت التوحيد فرضت الصَّلَاة, فرضت الجماعة, فرض الأذان, فرضت الزَّكَاة, فرض صوم رمضان, فرض الحج, فرضت الحدود, فرض الجهاد, ونزلت الأحكام أحكام الموريث كلها في المدينة, في مكة ما في إِلَّا دعوة للتوحيد؛ لِأَنَّ التوحيد هُوَ أصل الدين وأساس الملة.
جلس عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاث عشر سنة, أَمَّا العشر الأولى يدعوا إِلَى التوحيد, وبعد العشر عَلَى الصحيح عرج به إِلَى السَّمَاء, كيف عرج به إِلَى السَّمَاء, في ليلة واحدة أسري به أولًا ثُمَّ عرج به ثانيًا, أسري به من مكة إِلَى بيت المقدس, ثُمَّ عرج به من بيت المقدس إِلَى السَّمَاء, أتاه جبريل ومعه البراق وهو في مكة, والبراق دابة فوق الحمر ودون البغل, وسمي بالبراق؛ لِأَنَّ له بريق ولمعان, فركبه جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم, فكان البراق خطوه مد البصر, فوصل من مكة إِلَى بيت المقدس سرعته مثل سرعة الطائرة تقريبًا في ليلة واحدة, يعني في الليل بعد العشاء جاءه جبريل ومعه البراق, والبراق يضع خطوه يضع حافره مد البصر, إذا رفع رجله مد البصر, سرعته مثل سرعة الطائرة, ولما وصل إِلَى بيت المقدس ربط البراق بحلقة الباب, البراق دابة بحبل ربط البراق في حلقة الباب.
وجميع الأنبياء للنبي صلى الله عليه وسلم, الأنبياء أرواحهم جمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وقدمه جبريل فصلى بهم إمامًا, صلى بالأنبياء, ثُمَّ أتي بالمعراج, والمعراج آلة العروج, مثل السلم, فصعد عليه نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل بسرعة عظيمة حَتَّى وصل إِلَى السَّمَاء, قطع المسافة العظيمة في وقتٍ وجيز, الله عَلَى كل شيء قدير, بين السَّمَاء والأرض مسافة خمسمائة سنة, فلما وصل إِلَى السَّمَاء استفتح جبريل, قالوا: من؟ قال: جبريل, قالوا: من معك؟ قال: محمد, قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم, ففتحوا له الباب, إذًا السموات ليست مضيعة, لها حراس ولها أبواب, فلما وصل إِلَى السماء الدنيا وجد فيها آدم عليه الصلاة والسلام فرحب به, سلم عليه ورحب به, وقال آدم لمحمد: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح, وجاء في الحديث أن عن يمين آدم أسوده, وعن شماله أسوده, فإذا نظر عن يمينه ضحك, وإذا نظر عن يساره بكى, قيل: من عن يمينه أرواح أهل الْجَنَّة, ومن عَلَى يساره أرواح أهل النَّار.
ثُمَّ عرج به إِلَى السَّمَاء الثانية بصحبة جبريل, فاستفتح باب السَّمَاء, قالوا: من؟ قال: جبريل, قالوا: ومن معك؟ قال: محمد, قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم, ففتحوا له فوجد فيها يحيى وعيسى ابني الخالة, عيسى عليه السلام مرفوع بجسده إِلَى الآن حي بجسده وروحه, وأما الأنبياء أرواح, وجد معه يحيى فرحب به وقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح, ثُمَّ عرج به إِلَى السَّمَاء الثالثة استفتح جبريل, قيل: من؟ قال: جبريل, قالوا: ومن معك؟ قال: محمد, قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم, فوجد فيها إدريس عليه الصلاة والسلام فرحب به وقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح, ثُمَّ عرج به إِلَى السَّمَاء الرابعة, فاستفتح جبريل, قيل: من؟ قال: جبريل, قالوا: ومن معك؟ قال: محمد, قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قالوا: مرحبًا به فنعم المجيء جاء, ففتح فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام فرحب به وقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح.
ثُمَّ عرج به إِلَى السَّمَاء الخامسة فاستفتح جبريل, قيل: من؟ قال: جبريل, قالوا: ومن معك؟ قال: محمد, قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم, ففتح فإذا فيها هارون عليه الصلاة والسلام فرحب به وقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح, ثُمَّ عرج به على السَّمَاء السادسة فاستفتح جبريل, قيل: من؟ قال: جبريل, قالوا: ومن معك؟ قال: محمد, قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم, فاستفتح فوجد فيها موسى عليه الصلاة والسلام, فقال: مرحبًا بالنبي الصالح, فلما جاوزه نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم بكى موسى, فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لِأَنَّ نبيًا بعث بعدي يدخل الْجَنَّة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي, يعني بكى تألمًا عَلَى بني إسرائيل الذين لم يؤمنوا, ثُمَّ عرج به إِلَى السَّمَاء السابعة فاستفتح جبريل, قيل: من؟ قال: جبريل, قالوا: ومن معك؟ قال: محمد, قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم, فوجد فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام, أبوه جده, فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح؛ لِأَنَّهُ من سلالته جده, وآدم كذلك, كلهم قالوا: الأخ الصالح, إِلَّا آدم وإبراهيم, ووجد إبراهيم مسندًا ظهره إِلَى البيت المعمور, البيت المعمور كعبة سماوية, في السَّمَاء السابعة تحاذي الكعبة, لو سقطت لسقطت عَلَى الكعبة, البيت المعمور ما هُوَ؟ كعبة سماوية, فإبراهيم أسند ظهره إِلَى الكعبة السماوية؛ لِأَنَّهُ باني الكعبة الأرضية, والبيت المعمول يدخله كل يوم سبعون ألف من الملائكة, كل يوم يدخل سبعون ألف, ثُمَّ لا يعودون إليها أبد الدهر, لا يصلهم الدور من كثرة الملائكة, كل يوم سبعون ألف, كم عدد الأيام؟ لا يحصيها إِلَّا الله, كل يوم سبعون ألف ولا يعودون إليه لا يصلهم الدور.
ثُمَّ تجاوز السَّمَاء السابعة حَتَّى وصل إِلَى صدرة المنتهى, ووصل إِلَى مكان يسمع فيه صريف الأقلام, فسمع كلام الله عز وجل, وكلمه الله بدون واسطة, ولكنه لم ير ربه عَلَى الصحيح بعين رأسه, وإنما رآه بعين قلبه, قال بَعْض العلماء: رآه بعين رأسه, والصواب أَنَّهُ رآه بعين قلبه؛ لِأَنَّهُ احتجب عن خلقه, ومحمد من خلقه, لو كشف الحجاب لاحترقوا, لكنه سمع كلام الله.
ففرض عليه الصَّلَاة خمسين صلاة في اليوم والليلة, ومعه جبريل يصعد به ينزل به, فنزل به جبريل بصحبة جبريل ومر إبراهيم في السَّمَاء السابعة ونزل في السابعة حَتَّى وصل إِلَى موسى في السَّمَاء السادسة, فلما وصل قال: تعالى, ماذا فرض عليك ربك؟ قال: خمسين صلاة في اليوم والليلة, قال: ارجع إِلَى ربك فاسأله التخفيف لأمتك, فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمسين صلاة في اليوم والليل, فالتفت إِلَى جبريل يستشيره قال: أن نعم, فعلا به جبرائيل إِلَى ربه جل جلاله, فسأل ربه التخفيف, فخفف الله عنه عشرًا, وفي رواية: خمس, فصارت خمسة وأربعين صلاة, وفي رواية: أربعين صلاة, ثُمَّ نزل حَتَّى وصل إِلَى موسى في السَّمَاء السادسة, قال: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: خمس وأربعين صلاة, قال: ارجع إِلَى ربك فأنت أمتك ضعيفة لا تطيق خمسة وأربعين صلاة, فإن عالجت بني إسرائيل أكثر من ذلك, فعلا به جبرائيل فسأل ربه التخفيف فخفف عنه خمس أو عشر, ثُمَّ نزل ووصل موسى, فقال: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: أربعين صلاة, قال: ارجع إِلَى ربك فاسأله التخفيف, فجعل يتردد بين ربه وموسى حَتَّى خففها الله إِلَى خمس صلوات, فنزل به جبريل حَتَّى وصل إِلَى موسى, فقال: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة, قال: ارجع إِلَى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمس صلوات في اليوم والليلة, فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إني سالت ربي حَتَّى استحييت ولكن أرضى وأسلم, فنادى مناديٍ من السَّمَاء: أن أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي هي خمس في العدد وهي خمسون في الميزان والأجر» خمس صلوات عن خمسين صلاة, الحسنة بعشر أمثالها, كل هذا في ليلة واحدة, ثُمَّ نزل إِلَى الأرض, لما جاء الفجر نزل إِلَى الأرض, فالإسراء والمعراج في ليلة واحدة بروحه وجسده, فلما أخبر قريش بذلك استهزؤوا وسخروا به وارتد ناسٌ ممن آمن, قالوا: هذا مستحيل, مستحيل أن يذهب إِلَى المسجد الأقصى, نحن نسافر مسافة شهر عَلَى الإبل, ويصعد إِلَى السموات كل هذا كذب, أعوذ بالله, فارتد ناس وثبت الله المؤمنين, فلما قال أبي جهل وغيره استنكروا, قالوا: انتظر, انتظر, فأتوا إِلَى ملاً من قريش, وقال: حدثنا بما قلت, فحدثهم, جعلوا يضحكون ويستهزئون, وذهبوا إِلَى أبي بكر وقالوا: إن صاحبك يعزم زعمًا عظيمًا, قال: ماذا يزعم؟ قالوا: يزعم أَنَّهُ ذهبت إِلَى بيت المقدس وأنه صعد إِلَى السَّمَاء, قال: إن قال ذلك فقد صدق, ومن حينئذ سمي الصديق, وقالوا له: إن كنت صادقًا فصف لنا بعير, صف لنا بيت المقدس, وصف لنا إبل في الطريق أين هي؟ فجلى الله له بيت المقدس فصار أمامه فجعل ينظر إليه ويصفه, وأخبرهم عن عيرهم.
وصلى بمكة ثلاث صلوات, فرضت الصَّلَاة عشر سنوات ما في صلاة ما في إِلَّا دعوة إِلَى التوحيد, لكن يصلى عَلَى ما توارثه من دين إبراهيم, ثُمَّ فرضت ثلاث سنوات, وبعد الثلاث سنوات اشتد الأذى عليه عليه الصلاة والسلام وعَلَى من آمن به, فأمره الله بالهجرة إِلَى المدينة, فاهجر إِلَى المدينة ومكث فيها عشر سنوات, وتوفي عليه الصلاة والسلام ودفن في المدينة وجسده الطاهر حي حياةً برزخية أكمل من حياة الشهداء, وحرم الله عَلَى الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء, ولكنه ميت, كما قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون}[الزمر/30].
القارئ
وبعدها أمر بالهجرة إِلَى المدينة.
شرح الشيخ
يعني بعد ثلاثة عشر سنة.
القارئ
والهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام, والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
شرح الشيخ
الهجرة معناها الانتقال من بلد الشرك إِلَى بلد الإسلام, والهجرة فريضة عَلَى هذه الأمة, كل شخص مسلم يجب عليه أن يهاجر من بلد الكفر إِلَى بلد الإسلام حَتَّى يقيم دينه, إِلَّا إذا كان عاجز؛ لِأَنَّ الله توعد المؤمنين الضعفاء الذين جلسوا في مكلة ولم يهاجروا؛ لِأَنَّ المشركين يفتنونهم عن دينهم, فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} هذا عند الموت {قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} قال الله: {فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا}[النساء/97].
ثُمَّ استثنى الله {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلا (98) فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}[النساء/98-99].
فالهجرة فرض عَلَى كلم مسلم أن يهاجر من بلد الشرك إِلَى بلد الإسلام إِلَّا ذاك العاجز, وأما الهجرة من مكة إِلَى المدينة فانتهت بفتح مكة.
القارئ
وهي باقية إلى أن تقوم الساعة.
شرح الشيخ
نعم الهجرة باقية إِلَى أن تقوم الساعة, باقية الهجرة من بلد الشرك إِلَى بلد الإسلام إِلَى أن تقوم الساعة, أَمَّا الهجرة من مكة إِلَى المدينة انتهت بفتح مكة.
القارئ
والدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلا (98) فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}[النساء/97-99].
شرح الشيخ
هذه الآيات فيها دليل عَلَى أن الهجرة واجبة؛ لِأَنَّ الله توعد الذين لم يهاجروا بالنار, ولم يستثن إِلَّا الضعفاء, العاجزون, فدل عَلَى أن الهجرة فرض, لولا أَنَّهَا فرض لما توعد الله المؤمنين الذين بقوا بين الكفار بالنار, ولم يعذر إِلَّا العاجز, العاجز سواء رجل أو امرأة ولا يستطيع هذا معذور, والَّذِي يستطيع يجب عليه؛ لِأَنَّهُ في بلد الكفار عرضة إِلَى أن يفتنه النَّاس عن دينه, أن يفتنه الكفرة عن دينه, عرضة يخشى عليه من الردة ولا يستطيع أن يقيم دينه, كما هُوَ الحال الآن, قد يلزمونه بالربا, أقل شيء يلزمونه بالربا ويلزمونه بالمعاملات, يلزمونهم بأعمالهم وعاداتهم, قد يلزم بأكل لحم الخنزير, قد يلزم بأن تتعرى زوجته إِلَى آخره.
القارئ
وقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُون}[العنكبوت/56].
قال البغوي رحمه الله تعالى:نزلت هذه الآية في المسلمين الذين بمكة ولم يهاجروا، ناداهم الله باسم الإيمان.
شرح الشيخ
وهذا أَيْضًا الآية {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُون}[العنكبوت/56].
هذا نداء للمؤمنين المستضعفين دَلَّ عَلَى أنهم ليسوا كفار, لكن ضعفاء إيمانهم ضعيف, إِلَّا العاجز, {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُون}[العنكبوت/56].
قال البغوي: هذا نداء من الله للمستضعفين, نداهم الله أن يهاجروا من بلد الكفار {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُون}[العنكبوت/56].
القارئ
والدليل على الهجرة من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربه».
شرح الشيخ
هذا دليل عَلَى الهجرة لا تنقطع الهجرة حَتَّى تنقع التوبة, ولا تنقطع التوبة حَتَّى تطلع الشمس من مغربها في آخر الزمان, وإذا طلعت الشمس من مغربها في آخر الزمان اقفل باب التوبة, انتهى ليس هناك إيمان جديد, وكلٌ يبقى عَلَى ما كان, فالمؤمن يبقى عَلَى إيمانه والكافر يبقى عَلَى كفره, ما في إيمان جديد.
وطلوع الشمس من مغربها قريب من الدابة الَّتِي تسم النَّاس, الدابة وطلوع الشمس من مغربها أيهما خرجت الأخرى عَلَى إثرها قريبة, طلعت الشمس, تطلع الدابة, طلعت الدابة تطلع الشمس, إذا طلعت الشمس أغلق باب التوبة, ما في إيمان جديد, والدابة تلسع النَّاس في جباههم, المؤمن لسعة بيضاء فيبض بها وجهه, والكافر لسعة سوداء فيسود لها وجهه, فيبقى النَّاس الكفرة وجوهم سود, والمؤمنون وجوههم بيض, فيتبايع النَّاس في أسواقهم دهرًا من الزمان, بيع هذا مؤمن , خذ هذا يا كافر, باب التوبة أغلق, وليس هناك إسلام جديد.
ثُمَّ تأتي ريح طيبة من قبل اليمن تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات, حَتَّى ولو كان المؤمنة والمؤمنة في كبد جبل لدخلت عليه حَتَّى تقبضه, ثُمَّ بعد ذلك تقوم الساعة عَلَى الكفرة, نسأل الله السلامة والعافية, الساعة لا تقوم إِلَّا عَلَى الكفرة, لا يخرم هذا الكون, ولا تنكدر النجوم ولا تنشق السَّمَاء إِلَّا إذا خلا من التوحيد والإيمان.
ولذلك يقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لا تقوم الساعة حَتَّى لا يقال في الأرض الله الله» إذًا تقوم الساعة عَلَى الكفرة.
القارئ
فلما استقر في المدينة أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل: الزكاة، والصوم، والحج، والأذان، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
شرح الشيخ
لِأَنَّهُ لما استقر عليه الصلاة والسلام في المدينة صار للمؤمنين المسلمين دار مستقلة, صار لهم دار مستقلة, مكة كانت دار كفر, فصارت دار المدينة هي دار الإسلام, فشرع الله الأذان, وشرعت صلاة الجماعة, وشرع الصوم, وشرع الحج, وشرع الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, نزلت الشرائع أحكام البيع والشراء والمساقاة والمزارعة, نزلت بقية الشرائع.
القارئ
وغير ذلك من شرائع الإسلام، أخذ على هذا عشر سنين، وتوفي صلوات الله وسلامه عليه.
شرح الشيخ
نعم أخذ في المدينة عشر سنوات, وبعدها توفي عليه الصلاة والسلام ودفن في بيته, وبيته كان خارج المسجد, دفن في بيت عائشة وكان البيت خارج المسجد, وكذلك حجر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تسع حجر, البيت عبارة عن غرفة ما في مسافة, بيت عائشة بيت زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, فلما كانت في زمن الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي أراد أن يوسع المسجد, فوسع المسجد وأدخل الحجرات, حجرات أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ومنها حجرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, فنصحه العلماء وقالوا له: لا تدخل بيت الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم في المسجد, فلم يقبل النصيحة وأدخلها.
إذًا الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم ما دفن في المسجد بَعْض النَّاس يظن أن الرَّسُوْل مدفون في المسجد لا, الرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام مدفون في بيته والبيت خارج المسجد, والَّذِي غلط الوليد بن عبد الملك هُوَ الَّذِي أدخل البيت في المسجد, أدخل الحجرات كلها في المسجد, قال العلماء له: وسع المسجد من الجهات الأخرى لا توسع من هذه الجهة, فلم يقبل.
القارئ
ودينه باق وهذا دينه، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه.
شرح الشيخ
نعم عليه الصلاة والسلام توفي وجسده الشريف في قبره, وأما دينه فَهُوَ باقٍ إِلَى قيام الساعة, مات عليه الصلاة والسلام كما قال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون}[الزمر/30]. ولكن دينه ما مات؛ بَلْ هُوَ باق.
القارئ
ودينه باق وهذا دينه، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه, والخير الذي دلها عليه التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه، والشر الذي حذرها منه الشرك، وجميع ما يكره الله ويأباه.
شرح الشيخ
نعم هذا دين الرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام, دينه باقٍ, لا خير إِلَّا دَلَّ الأمة عليه, ولا شر إِلَّا حذر منه, والخير الَّذِي أمر أمته به التوحيد, فجميع ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال, والشر الَّذِي حذر الأمة الشرك وجميع ما يكرهه الله من الأقوال والأعمال.
الخير الَّذِي دَلَّ أمته عليه أصله التوحيد, الصَّلَاة, والزَّكَاة, والصوم, والحج, وبر الوالدين, وصلة الأرحام, والإحسان إِلَى النَّاس, والشر الَّذِي حذر منه الشرك وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم, والقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر, وجميع ما يكرهه الله ويأباه من الأقوال والأعمال.
القارئ
بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس.
شرح الشيخ
نعم بعثه الله إِلَى النَّاس كافة, فَهُوَ رسول الله إِلَى الجن والإنس, إِلَى العرب والعجم, إِلَى قيام الساعة, فمن زعم أن رسالته خاصة بالعرب فَهُوَ كافر, وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام, كان الأنبياء يرسلون إِلَى أقوامهم خاصة, موسى أرسل إِلَى بني إسرائيل, ولذلك لما ذهب إِلَى الخضر قال: من أنت؟ قال: أنا موسى, قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم, والخضر لا يعرفه, الخضر نبي وهو نبي, وأما نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم فرسالته عامة إِلَى جميع الثقلين, فمن زعم أَنَّهُ يجوز له الخروج عن شريعة محمد, كما جاز للخضر الخروج عن شريعة موسى فقط كفر, الخضر خرج عن شريعة موسى لماذا؟ لِأَنَّهُ ما أرسل إليه موسى.
ولهذا لما كان وموسى مع الخضر ونقر عصفور في البحر قال: ما علمي وعلمك في علم الله إِلَّا كما يأخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر.
وأما محمد عليه الصلاة والسلام فرسالته عامة إِلَى الثقلين فلا يجوز لأحد أن يخرج عن شريعته, من زعم أَنَّهُ يخرج عن شريعته فَهُوَ كافر بإجماع المسلمين, سدت الطرق إِلَى الله إِلَّا من طريق الرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام.
القارئ
والدليل قوله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعراف/158].
شرح الشيخ
الآية عامة {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ} كلمة النَّاس عامة, تشمل الجن والإنس والعرب والعجم, النَّاس من النوس والحركة, يقول تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}[الأنعام/19].
وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان/1].
والعالمين عام, كل هذه الأدلة الدالة عَلَى عموم رسالته, فمن قال من النَّاس إن رسالته إِلَى العرب خاصة فَهُوَ كافر.
القارئ
وكمل الله به الدين؛ والدليل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِين} [المائدة: 3].
شرح الشيخ
أكمل الله لهم الدين به عليه الصلاة والسلام قبل أن يتوفى, أنزل الله هذه الآية وهو في حجة الوداع وهو واقف بعرفة, قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِين} [المائدة: 3].
القارئ
والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30، 31].
شرح الشيخ
هذا دليل عَلَى أن الرَّسُوْل ميت, {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} بَعْض النَّاس ينكر يقول: ما مات الرَّسُوْل, الرَّسُوْل حي, لكن الرَّسُوْل ميت, حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء, لكن حياة خاصة, فبعض النَّاس يدعوا الرَّسُوْل يقول: إِنَّهُ حي الآن, هذا شرك, الرَّسُوْل ميت لا يدعى بعد وفاته, الصَّحَابَة ما سألوه, لما أجدبوا استسقوا بالعباس عمه, لماذا ما سألوا الرَّسُوْل أن يدعوا لهم لو كان حيًا؟ في حياته يسألونه فيدعوا الله فيسقهم المطر, ولما مات وأجدبوا في زمن عمر استسقوا بعمه العباس, فقال عمر: اللَّهُمَّ إنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنينا فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نَبِيّنا قم يا عباس ادع الله, فيقوم العباس يدعوا وهم يؤمنون.
القارئ
والناس إذا ماتوا يبعثون؛ والدليل قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[طه: 55].
شرح الشيخ
هذا البعث لَابُدَّ من الإيمان به, بعث الأجساد, وأن الله يعيد الذرات الَّتِي استحالت خلقًا جديدًا يعيدها, ويعيد الذرات الَّتِي استحالت؛ لِأَنَّ الله قادر وعالم, عالم بالذرة الَّتِي استحالت وقادر فيعيدها خلقًا جديدًا والروح باقية, الروح باقية ما تموت, روح المؤمن تنقل إِلَى الْجَنَّة, وروح الكافر تنقل إِلَى النَّار.
القارئ
وقوله تعالى: {اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: 17، 18].
شرح الشيخ
وهذا فيه دليل عَلَى البعث اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} كلها أدلة عَلَى البعث, والأدلة كثيرة {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير}[التغابن/7].
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}[سبأ/3].
{وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِين}[يونس/53].الْقُرْآن كله فيه دعوة إِلَى التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء والحساب.
القارئ
وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم.
شرح الشيخ
نعم النَّاس إذا ماتوا يبعثون, فبعد الممات مجزيون ومحاسبون بأعمالهم, يقفون بين يدي الله للحساب ويجزون وتوزن الأعمال ويوزن الأشخاص, وتتطاير الصحف, فالمؤمن يأخذ كتابه بيمينه, والفاجر يأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره, وتوزن الأشخاص والأعمال, ويرد النَّاس عَلَى الحوض, ويطرد أناس قد غيروا وبدلوا, وينصب الصراط عَلَى متن جهنم, ويعبر منه المؤمنون, ويسقط من خطفته الكلاليب نسأل الله السلامة والعافية, ثُمَّ يستقر المؤمنون في الْجَنَّة والكفار في النَّار.
القارئ
والدليل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31].
شرح الشيخ
هذا دليل عَلَى الجزاء {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31] هذا دليل عَلَى الجزاء والحساب.
القارئ
ومن كذب بالبعث كفر، والدليل قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7].
شرح الشيخ
نعم من كذب بالبعث هُوَ كافر, والدَّلِيل هذا: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا} وصفهم بالكفر {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} وهذا بإجماع المسلمين أن من أنكر البعث كافر.
القارئ
وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين؛ والدليل قوله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].
شرح الشيخ
هذه وظيفة الرسل أرسلهم يبشرون وينذرون, يبشرون من أطاعهم بالجنة, وينذرون من عصاهم بالنار, والدَّلِيل قوله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ} التعليل {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}