شعار الموقع

اعتقاد أهل السنة للإسماعيلي (5) من قوله: "ويقولون إن أحداً من أهل التوحيد" – إلى قوله: "اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتصديقاً لقوله"

00:00
00:00
تحميل
154

المتن:

ويقولون إن أحداً من أهل التوحيد ومن يصلي إلى قبلة المسلمين لو ارتكب ذنباً أو ذنوباً كثيرة، صغائر أو كبائر مع الإقامة على التوحيد لله والإقرار بما التزمه وقبله عن الله فإنه لا يكفر به ويرجون له المغفرة،  قال الله تعالى : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

الشرح:

ويقولون: يعني أهل السنة والجماعة ، ويقولون : إن أحداً من أهل التوحيد ومن يصلي إلى قبلة المسلمين ، لو ارتكب ذنباً أو ذنوباً كثيرة صغائر أو كبائر مع الإقامة على التوحيد لله ، والإقرار بما التزمه وقبله عن الله ، فإنه لا يكفر به ويرجون له المغفرة ثم استشهد بالآية: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ينبغي أن يذكر أول الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، المعنى أن أهل السنة والجماعة لا يكفرون بالذنوب والمعاصي لا يكفرون المسلمين وأهل القبلة بالذنوب والمعاصي، فإذا كان الإنسان مسلم من أهل التوحيد وأقر بالتوحيد، وأقر بما التزمه من أحكام الإسلام وقبله عن الله، ولم يفعل ناقض من نواقض الإسلام فإنه لا يكفر بالمعاصي إذا لم يستحلها ولو كانت كبيرة ، وإنما يضعف إيمانه وينقص إيمانه ، لكن لا يخرج من الملة مثل فعل الزنى والسرقة وشرب الخمر أو عق والديه أو شهد زوراً أو تعامل بالربا أو أكل الرشوة وهو يعلم أنها حرام لكن فعلها غلبته نفسه وهواه والشيطان ، يعلم أن الزنا حرام ويعلم أن الربا حرام ، يعتقد أنه حرام يعتقد أن عقوق الوالدين حرام لكن غلبه الهوى فعمل المعصية هذا ناقص الإيمان ، ضعيف الإيمان ولا يكفر خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يقولون يكفر إذا ارتكب الكبيرة ، الخوارج فرقة زائغة منحرفة ، يكفرون المسلمين بالمعاصي ، يقولون إذا فعل الزنى كفر إذا سرق كفر ، إذا تعامل بالربا كفر وخرج من الملة ، ويستحلون دمه وماله في الدنيا ويخلدونه في النار في الآخرة ، و يقولون يجب قتله كالكافر سواءً بسواء ، إذا سرق أو شرب الخمر أو فعل معصية أو تعامل بالربا ، كفر ووجب قتله وأخذ ماله ، وفي الآخرة يخلدونه في النار .والمعتزلة قالوا : إنه إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر ، فصار في منزلة بين المنزلتين ، لا يسمى مؤمن ولا يسمى كافر يسمى فاسق هذا في الدنيا ، وفي الآخرة يوافقون الخوارج على أنه مخلد في النار .

أما أهل الحق أهل السنة والجماعة فلا يكفرونه في الدنيا بل يعتبرونه مسلم لكنه ضعيف الإيمان ناقص الإيمان ، الكبيرة تنقص إيمانه ، وتضعف إيمانه ، ولا يكفر إلا إذا استحلها إذا اعتقد أن الزنى حلال أو الخمر حلال أو الربا حلال كفر لأنه كذب الله، لأنه كذب الله استحل أمراً معلوم من الدين بالضرورة ، لكن إذا فعل الكبيرة ويعتقد أنها حرام ،  ولكن فعلها طاعة لهوى الشيطان ويعلم أنها حرام ، ويعتقد أنها حرام ، هذا عاصي ومرتكب للكبيرة ، وضعيف الإيمان وناقص الإيمان وفاسق ، لكن لا يكفر مؤمن داخل في دائرة الإسلام ، وهو تحت مشيئة الله إذا مات من غير توبة إن تاب ،تاب الله عليه قبل الموت وإن لم يتب فهو تحت مشيئة الله ، إن شاء الله غفر له ذنبه وأدخله الجنة من أول وهلة ، وإن شاء عذبه ، فإذا طهر من معصيته أخرج من النار ويستدل المؤلف بقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وهذه الآية في غير التائبين ، فالله تعالى خص وعلق ، خص الشرك بأنه لا يغفره وعلق ما دونه تحت المشيئة ، فدلت على أنها ليست في التائبين ، في من مات من غير توبة بخلاف ، الآية الأخرى في سورة الزمر وهي قوله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن  الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم هذه الآية في التائبين أجمع العلماء على أنها في التائبين ، لأن الله عمم وأطلق ، فدل على أنها في التائبين ، بخلاف آية النساء التي معنا ، فإنها في غير التائبين ، لأن الله خص وعلق ، فأهل السنة والجماعة لا يكفرون بالذنوب والمعاصي ، ولو كانت كبيرة إلا إذا استحلها ، إذا استحلها فعل ناقض من نواقض الإسلام ، فإذا استحلها معناه كذب الله ، وأخبر أن الزنى حرام ويعتقد أنه حلال كذب الله ، أخبر أن الربا حرام و يعتقد أنه حلال كذب الله فكفر ، يكفر ، لكن إذا فعله على أنه معصية ، يعلم أنه عاصي ، لكن فعله طاعة للهوى والشيطان ، ويعلم أنه عاصي ، يعلم أنه حرام ويعتقد أنه حرام ، هذا ضعيف الإيمان ، وناقص الإيمان فاسق بمعصيته وكبيرته ، ولا يكفر ، هذا إذا كان من أهل التوحيد ومن يصلي إلى القبلة ، وهذا  معنى قول العلماء : ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ، ما لم يستحله ، لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله ، والمرجئة يقابلون الخوارج والمعتزلة ، الخوارج والمعتزلة يكفرون بالمعاصي والكبائر ويستحلون دمه وماله ويخرجونه من الملة ويخلدونه في النار ، يقابلهم المرجئة الجهمية يقولون : المعاصي لا تؤثر ولا تضر ولا تخدش الإيمان ، فهو مؤمن كامل الإيمان ولو فعل جميع المنكرات والمعاصي ، يكفي أنه يؤمن مرجئة الجهمية ، إذا نطق بالشهادتين فهو مؤمن كامل الإيمان ولو فعل جميع نواقض الإسلام ، ولو سب الله وسب الرسول وقتل الأنبياء وهدم المساجد ما يؤثر ، يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، فهاتان الطائفتان متقابلتان ، المرجئة يقابلون الخوارج والمعتزلة ، طائفتان زائغتان ، وأهل الحق وسط ، أهل السنة والجماعة وسط بين المرجئة و بين الخوارج والمعتزلة ، هم لا يقولون بقول المرجئة إن المعاصي لا يؤثر على الإيمان ولا تنقصه لا ، بل المعاصي تؤثر  وتضر وتنقص الإيمان وتضعفه ، وهو متوعد بالنار والعذاب ويستحق العذاب وقد يعذب ، وهو تحت مشيئة الله ، ولكن أصل الإيمان باقي ما ينتهي الإيمان حتى ولو عظمت الذنوب ، ولو كثرت ، لكن تضعف الإيمان ولا تقضي عليه ، لا يقضي على الإيمان إلا الكفر الأكبر ، أو الشرك الأكبر ، أو النفاق الأكبر ، أو الفسق الأكبر ، هذا الذي يقضي على الإيمان ،ولا يقولون بقول : الخوارج والمعتزلة إن الذنوب والمعاصي تقضي على الإيمان ، وأنه ينتهي إيمانه  بالذنوب والمعاصي ، لا ، ما ينتهي الإيمان ، الإيمان يبقى ، يبقى جزء منه  يكون به الإنسان من أهل التوحيد والإيمان ، ويدخل به الجنة ويخر به من النار ، ما لم يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام ، ولهذا فإن العصاة ، عصاة الموحدين الذين يعذبون في النار يخرجون بالتوحيد والإيمان ، وقد تطول مدتهم ، بعضهم تطول مدته ، لكثرة جرائمه ومعاصيه أو فحشها ، لكنه في النهاية يخرج ، ولهذا تواترت الأخبار بالشفاعة، وأن نبينا ﷺ يشفع أربع شفاعات ، كل مرة يحد الله  حداً حتى في الشفاعة الأخيرة يقول الله له : أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ثم في المرة الأخيرة يقول : أخرج من كان في قلبه أنى من مثقال ذرة من إيمان، ثم في المرة الأخيرة يقول : أخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان ، إذاً بقي شيء من الإيمان يخرج به من النار ، ما ينتهي وهذه النصوص فيها رد على الخوارج والمعتزلة ، الخوارج والمعتزلة يقولون ينتهي الإيمان بالكبيرة ، يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر، وهذا باطل ، يتبين بهذا أن مذهب أهل السنة حق بين باطلين ، وهدى بين ضلالتين ، حق بين باطل المرجئة الذين يقولون : لا يتأثر الإيمان بالمعاصي ، وبين باطل الخوارج والمعتزلة الذين يقولون ينتهي الإيمان بالمعاصي والكبائر ، فتكون المذاهب ثلاثة ، مذهب المرجئة أن الإيمان لا يتأثر بأي كبيرة ولا بأي معصية حتى لا يتأثر بنواقض الإسلام ، وهذا من أبطل الباطل ، مذهب الخوارج والمعتزلة يقولون : أن المعاصي تقضي على الإيمان ويكفر صاحبها ، وأهل الحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء ، المعاصي تؤثر على الإيمان لكنها لا تقضي عليه ولا تنهيه ولا يخلد صاحبها في النار .

المتن:

ثم قال رحمه الله: واختلفوا في متعمدي ترك الصلاة المفروضة حتى يذهب وقتها من غير عذر ، فكفروا جماعة لما روي عن النبي ﷺ أنه قال: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، وقوله: من ترك الصلاة فقد كفر، وقال: من ترك الصلاة فقد برئت منه ذمة الله، وتأول جماعة منهم بذلك من تركها جاحداً لها ، كما قال يوسف عليه السلام: إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله، ترك الجحود .

الشرح:

يقول المؤلف: اختلفوا يعني أهل السنة والجماعة في متعمدي ترك الصلاة المفروضة حتى يذهب وقتها من غير عذر هل يكفر أو لا يكفر ؟ من ترك الصلاة ، الصلاة المفروضة ، يعني ترك صلاة الفجر متعمد حتى تطلع الشمس ، أو ترك صلاة الظهر حتى دخل وقت صلاة العصر ، أوترك العصر حتى اصفرت الشمس ، أو ترك المغرب حتى دخل وقت العشاء ، أو ترك وقت العشاء حتى جاء نصف الليل ، هل يكفر أو لا يكفر؟ على قولين لأهل السنة :

قال بعض العلماء : يكفر يخرج من الملة ، هذا إذا تركها من غير عذر ، لكن لو تركها نائم ، نوم يعذر فيه ، أو تركها متأولاً  ، مثل بعض المرضى في المستشفى ما يصلي ، وإذا قلت له : لماذا لم تصل يخرج الوقت متعمد ؟ قال والله ملابسي نجسة ولا أستطيع أتوضأ هذا متأول لا يكفر ولو تركها لغير عذر لأنه ذو شبهة ما تركها متعمد ، نقول له لا ، صل ولو ثيابك نجسة ، ولو ما تستطيع أن تتوضأ ، ما تعجز عنه يسقط ، لكن الصلاة ما تسقط، إن استطعت أن تتوضأ توضأ وإذا لم تستطع تيمم أو ييممك غيرك ، وإن لم تستطع صل على حسب حالك فاقد الطهورين ، الصحابة الذين أرسلهم النبي ﷺ ليبحثوا عن عقد عائشة ، أدركتهم الصلاة ، وليس عندهم ماء ، ولم يشرع التيمم فصلوا  بغير ماء ولا تراب ، فصحت صلاتهم ، إذا كنت في المستشفى مريض ولا تستطيع صل على حسب حالك ولا تؤخر الصلاة ، هذا معذور ، لكن إذا تركها من غير عذر حتى خرج الوقت ، لا متأولاً ولا ناسياً ولا نائماً نوم يعذر فيه ، ما حكمه للعلماء قولان :

القول الأول - أنه يكفر ويكون مرتد  يقول المؤلف واستدلوا بما روى عن النبي ﷺ يقول: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، وهذا الحديث أخرجه أبو داوود والترمذي وابن ماجه ، وفي رواية: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة، وهذه رواية الإمام مسلم وهذا صريح في أن تارك الصلاة يكفر ، لأنه جعل ترك الصلاة حداً فاصلاً بين الإيمان وبين الكفر ، قال المؤلف: واستدلوا بدليل آخر وهو قوله: من ترك الصلاة فقد كفر ، ومن ترك الصلاة فقد برئت منه ذمة الله، وهذا الحديث مركب من حديثين، الحديث الأول: من ترك الصلاة فقد كفر، وهذا في معناه أحاديث رواه أحمد والترمذي عن بريدة بن حصيب قال: قال النبي ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، وجه الدلالة جعل الصلاة حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر والبينية تفصل بين الشيء وغيره.

والحديث الثاني الذي ركبه المؤلف: من ترك الصلاة فقد برئت منه ذمة الله، وفي معناه أحاديث رواه ابن ماجه عن أبي الدرداء قال أوصاني خليلي ﷺ: ألا تشرك بالله شيئاً ، وإن قطعت وحرقت ، ولا تترك صلاة مكتوبة  متعمداً ، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه ذمة الله حسنه البصيري  (في مصباح الزجاجة)  وضعفه الحافظ (في التلخيص) وصححه الألباني والحديث له شواهد ، قال المؤلف: هذه حجة من كفر من ترك صلاة متعمداً ، هناك أدلة أخرى غير ما ذكرها المؤلف تدل على هذا، منها حديث بريدة بن حصيب كما رواه البخاري، عند البخاري أن النبي ﷺ قال: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله والذي يحبط عمله هو الكافر ، قال الله تعالى: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله، وهذا مثال وليس خاصاً بصلاة العصر قال: بكروا بالصلاة في الغيم فمن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله، هذا دليل على كفر تارك الصلاة وفي رواية يدل على ذلك أيضاً.

الحديث الآخر الذي نهى النبي عن الخروج على الأمراء قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان وفي الحديث الآخر أن النبي ﷺ قال: خير أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، حديث عوف مالك الأشجع عند مسلم خير أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم (أئمتكم : يعني الأمراء ) الذين تحبونهم ويحبونكم تصلون عليهم ويصلون عليكم ، (يعني تدعون لهم ويدعون لكم) وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتعلنونهم ويلعنونكم قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف (ما داموا الشرار يتلاعنون) قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، فإذا ضممت هذا الحديث إلى حديث إلا أن تروا كفراً بواحاً ، لا ما أقاموا فيكم الصلاة  فدل على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار يقاتلون ، بدليل الحديث الآخر قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً يعني لا تخرجون عليهم إلا أن تروا كفراً بواحاً ، وهنا قال : إذا أقاموا  الصلاة فلا تخرجوا عليهم ، فدل على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فقد أتوا كفراً بواحاً ،هذه حجة من يقول إذا ترك صلاة مفروضة صلاة واحدة ، إذا ترك صلاة واحدة حتى خرج الوقت متعمد  بغير عذر ، العذر ما هو يكون نائم نوماً يعذر فيه جعل أسباباً توقظه لكن لم يستطع ، أو ناسياً نسي الصلاة ،هذا معذور لقول النبي ﷺ: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك، أو يكون متأول الواحد يظن أنه ما يصلي إذا كانت ثيابه نجسة كالمريض في المستشفى هذا معذور ، لكن إذا لم يكن لا نائم ولا ناسي ولا متأول تركها عمدا كفر هذا القول الأول .

القول الثاني – أنه لا يكفر وهؤلاء الذين قالوا : لا يكفر ، قالوا : لا يكفر إذا ترك صلاة متعمداً ، بل لا يكفر حتى يترك جميع الصلوات ، فإذا كان يصلي ويخلي فلا يكفر ، وتأولوا  هذا "من ترك الصلاة فقد كفر " الذين قالوا لا يكفر تأولوا الحديث ، فسروه بأي شيء قال المؤلف وتأوله جماعة منهم ، أنه يريد بذلك أن من تركها جاحداً لها ، والدليل على ذلك أيضاً أن الترك يطلق على الجحود قول يوسف عليه الصلاة والسلام : إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله، يعني تركت ترك جحود ، إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ترك جحود ، لكن قال الحافظ الصابوني (في عمدة السلف) لم يكن يوسف عليه السلام تلبس بكفر فارقه ولكن تركه جاحداً له ، إذاً أهل القبلة ، أهل السنة لا يكفرون بالمعاصي ، إلا الصلاة فقد اختلفوا في التكفير ، إذا تركها جاحداً من غير عذر فبعض أهل السنة كفرهم وبعض أهل السنة لم يكفرهم والصواب أنه يكفر لأن النصوص صريحة في هذا  ولا سيما حديث بريدة  بكروا بالصلاة في وقت الغيم فمن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله، والذي يحبط عمله هو الكافر ، وهذا صريح وأما  قول تركها جاحداً لها هذا تأويل هذه ما فيها جحود ، الجحود هذا يكفر سواء صلى أو ما صلى ، الجحود إذا جحد كفر حتى ولو صلى ، إذا جحد وجوب الصلاة ، وقال : أنا أعتقد أن الصلاة غير واجبة لكن أصلي رياضة حتى جسمي يستفيد يكفر هذا  ما تنفعه الصلاة ، إذا جحد وجوب الصلاة كفر سواء صلى أو لم يصل ، وهذا يضعف.

القول الثاني الذي تأويله قالوا إن تركها جاحداً لها  نقول: الجحود كفر مستقل ، سواء صلى أو لم يصل ، وإذا جحد وجوب الصلاة كفر  أوجوب الصوم وجوب الحج وجوب الزكاة كفر ، أو جحد تحريم الزنى أو تحريم الربا كفر ، الجحود كفر مستقل .

المتن:

قال رحمه الله: وقال كثير منهم إن الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل ما فرض على الإنسان أن يفعله، إذا ذكر كل اسم على حدته مضموماَ إلى لآخر فقيل المؤمنون والمسلمون جميعاً لا مفردين.

أريد بأحدهما معنىً لم يرد بالآخر ، وإن ذكر أحد الاسمين شمل الكل وعمهم ، وكثير منهم قالوا: الإسلام و الإيمان واحد قال : ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، فلو أن الإيمان غيره لم يقبل منه، وقال: فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، ومنهم من ذهب إلى أن الإسلام مختص بالاستسلام لله ، والخضوع له والانقياد  لحكمه في ما هو مؤمن به كما قال: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم، وقال: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان، وهذا أيضاً دليل لمن قالهما واحد .

الشرح:

المؤلف رحمه الله قال: قال كثير منهم يعني أهل السنة: إن الإيمان قول وعمل ، والإسلام فعل ما فرض على الإنسان أن يفعله ، هذا يقابل قوله في آخر ما قرأنا أمس (ويقولون إن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ومن كثرت طاعاته أزيد إيماناً ممن هو دونه في الطاعة)، ثم قال: وقال كثير منهم: الإيمان قول وعمل ، والإسلام فعل ما فرض على الإنسان ، يقولون: يعني أهل السنة والجماعة: إن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ومن كثرت طاعاته أزيد إيماناً ممن هو دونه في الطاعة ، ويقولون وقال كثير منهم : في الفرق بين الإيمان والإسلام ، إن الإيمان : قول وعمل ، والإسلام : فعل ما فرض ، فالإيمان قول وعمل والإسلام فعل الواجبات المفروضات ، والإسلام فعل ما فرض على الإنسان أن يفعله ، المؤلف الآن يريد أن يقارن بين الإيمان والإسلام ، هل هما شيء واحد أو مختلفان؟ ، قال: قال كثير من أهل السنة إن الإيمان يشمل جميع الأقوال والأعمال التي أوجبها الله ، والإسلام خاص بفعل الواجبات ، فيكون أيهما أعم ، الإيمان أعم ، لأنه يشمل الأقوال والأفعال ، كل قول وكل فعل أوجبه الله هذا يسمى إيمان ، وأما الإسلام خاص  بفعل الفرائض والواجبات.

ثم قال المؤلف: إذا ذكر كل اسم على حدته ، مضموماً إلى الآخر فقيل المؤمنون والمسلمون جميعاً لا مفردين ، أريد بأحدهما معنىً لم يرد به الآخر ، وإن ذكر أحد الاسمين شمل الكل وعم ،  يعني يقولون : إن الإيمان قول وعمل والإسلام فعل الواجبات فإذا ذكرا جميعاً ، ذكر الإيمان والإسلام ، فإنه يفسر الإسلام بتفسير ، ويفسر الإيمان بتفسير ، وإذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان ، وإذا ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام ، فإذا اجتمعا افترقا ، إذا ذكرا جميعاً فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة ، كما في حديث جبريل ، لما سئل النبي ﷺ عن الإسلام فسره بالأعمال بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، قال: أخبرني عن الإسلام قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام ، قال : أخبرني عن الإيمان، فسره بالأعمال ، بأعمال القلوب" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، واليوم الآخر و أن تؤمن بالقدر خيره وشره، فيقول المؤلف :إذا ذكر كل اسم على حدة مضموماً إلى الآخر فقيل المؤمنون والمسلمون جميعاً لا مفردين أريد بأحدهما معنىً لم يرد به الآخر، يراد بالإسلام الأعمال الظاهرة وبالإيمان الأعمال الباطنة ، وإذا ذكر أحد الاسمين فقط الإيمان وحده دخل فيه الإسلام فيشمل الأعمال الباطنة و الظاهرة ، وإذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان فيشمل الأعمال الظاهرة والباطنة ، مثل قوله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام، الدين عام يشمل الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة ، والإسلام يشمل الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة ، بئس  الاسم الفسوق بعد الإيمان الإيمان أطلق وحده يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة ، أما إذا ذكرا جميعاً الإسلام والإيمان ، يختلف المعنى يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان يفسر بالأعمال الباطنة ، فإذا اجتمعا افترقا ، صار كل واحد منهما معنى ، وإذا افترقا اجتمعا ، يقال " إذا اجتمعا افترقا ، و إذا افترقا اجتمعا " ، إذا اجتمعا الإسلام والإيمان افترقا صار كل واحد منهما معنىً وإذا ا فترقا جاء أحدهما وحده اجتمعا اجتمع معناهما صار يراد بأحدهما ما يراد بالآخر ، وهذا له نظائر مثل الفقير والمسكين ، إذا ذكر الفقير وحده دخل فيه المسكين ، وإذا ذكر المسكين دخل فيه الفقير ، وإذا اجتمعا صار لكل واحد منهما معنىً ، فسر الفقير بأشد حاجة وهو الذي لا يجد شيئاً ، أو يجد أقل من نصف الكفاية ، والمسكين هو الذي يجد نصف الكفاية إلا أنه لا يجد الكفاية ، يعني ما يكفيه لمدة سنة ، وكذلك الربوبية والألوهية إذا اجتمعا فسرت الربوبية بأفعال الرب ، والألوهية بأفعال العبد ، وإذا ذكر الربوبية دخلت فيه الألوهية ، وإذا ذكرت الألوهية وحده دخلت فيها الربوبية وهكذا ، هذا قول .

والقول الثاني لأهل السنة قالوا: الإسلام والإيمان شيء واحد ،سواء اجتمعا أو افترقا وهذا اختيار البخاري وجماعة ، والأول اختيار شيخ الإسلام بن تيمية وجماعة ، وهو قول الجمهور، البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح الأبواب والأدلة التي ذكرها تدل على أنه  يرى أن الإيمان والإسلام شيء واحد لا فرق بينهما سواء اجتمعا أو افترقا ، هذا قول لبعض أهل السنة وهو قول الخوارج والمعتزلة أيضاً ، وذكر لهم المؤلف أدلة ، من أدلتهم قوله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، هذا دليل ، يقول المؤلف هذا دليل لمن يرى أن الإسلام والإيمان شيء واحد وجه الدلالة ، أن الله أخبر أن من ابتغ غير الإسلام فلا يقبل منه ، فلو كان الإيمان غير الإسلام فلا يقبل ، ويدل هذا على أن الإسلام هو الإيمان وأن الإيمان هو الإسلام ، من ابتغ غير الإسلام فلن يقبل منه والإسلام هو الإيمان لا فرق بينهما ، لو كان الإيمان يغاير الإسلام لما قبل من الإنسان ، لكن يقال في الجواب إن الإسلام دعوته واحدة يدخل فيه الإيمان ، وقالفأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين هذا دليل ، دليل لأي شيء ؟ دليل على أن الإسلام والإيمان واحد ، لأن البيت واحد بيت لوط  ،لوط وابنتاه ، قال: فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، (وصفهم بالإيمان ووصفهم بالإسلام وهم بيت واحد فدل على أن الإيمان والإسلام شيء واحد ، هو بيت واحد) فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وصفهم أولاً بالإيمان ووصفهم بالإسلام وهم بيت واحد ، فدل على أن الإسلام والإيمان شيء واحد وأجيب والجمهور أجاب بأن أهل البيت اتصفوا بهذا وبهذا ،أهل بيت اتصفوا بالإسلام واتصفوا بالإيمان فوصفه بهذا وبهذا ، لكن بيت آخر قد لا يتصف إلا بالإسلام ولا يتصف بالإيمان ، فهذا البيت اتصف بالإسلام والإيمان ، فلهذا وصف بهما ، هذا القول الثاني.

إذاً القول الأول وهو قول جمهور أهل السنة أن الإسلام والإيمان تختلف دلالتهما بالافتراق والاقتران ، فإذا اقترن أحدهما بالآخر ، اختلف المعنى فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، والإيمان بالأعمال الباطنة ، وإذا اجتمعا ، بأن ذكر أحدهما وحده دخل فيه الآخر ، القول الثاني أن الإسلام والإيمان شيء واحد سواء اجتمعا أو لم يجتمعا ،وهذا اختيار البخاري وجماعة ، القول الثالث قال المؤلف : ومنهم من ذهب إلى أن الإسلام مختص بالاستسلام لله والخضوع له والانقياد لحكمه فيما هو مؤمن به ، قال الإسلام مختص بالاستسلام لله والخضوع له والانقياد لحكمه فيما هو مؤمن به ، كما قال تعالى: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم، وقال: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان، وهذا يقول المؤلف أيضاً دليل لمن قال: هما واحد هذه الآيات التي استشهد بها المؤلف دليل لمن قال إن الإسلام والإيمان شيء واحد ، استدل بها البخاري والجماعة، قال الدليل على هذا: قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، من قال إن الإسلام والإيمان شيء واحد يقول إن هذه الآية في المنافقين، قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، يعني استسلمنا وانقدنا للإسلام ظاهراً نفاقاً، وجمهور السنة يقولون إن هذه الآية في ضعفاء الإيمان بدليل أنه قال: وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً،  (لا ينقص من ثواب أعمالكم شيئاً ) ولو كانت في المنافقين لما صارت لهم أعمال يثابون عليها ، وأثبت لهم الإسلام بقوله: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم، ومن العلماء من قال: الإيمان العمل والإسلام هو الكلمة وهذا قول الزهري، قال الإسلام هو الكلمة النطق بالشهادتين والإيمان هو العمل، فعلى تكون الأقوال ثلاثة: هل الإسلام والإيمان شيء واحد أو يختلفان.

القول الأول – أن الإسلام هو الكلمة والإيمان هو العمل ،كلمة يعني النطق بالشهادتين وهذا قول الزهري .

القول الثاني – أن الإسلام والإيمان شيء واحد ،سواء اجتمعا أو افترقا ، وهو اختيار البخاري وقول طائفة من أهل السنة وعلى رأسهم الإمام البخاري ، وهو قول الخوارج والمعتزلة أيضاً .

القول الثالث – قول جمهور أهل السنة وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية أن الإسلام والإيمان تختلف دلالتهما بالاقتران والانفراد ، إذا انفرد أحدهما كقوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام يدخل فيها الإيمان، أن هداكم للإيمان يدخل فيها الإسلام ، وإذا اقترنا واجتمعا اختلف المعنى يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة ، كما في حديث جبريل لما سأله عن الإسلام فسره بالأعمال الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج ، ولما سأله عن الإيمان فسره بالأعمال الباطنة أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ومن ذلك أن سعد ابن أبي وقاص قال للنبي ﷺ وهو يقسم  الغنائم ولم يعط رجلاً قال : له سعد ابن أبي وقاص قال : يا رسول الله مالك عن فلان لم تعطه من الغنيمة والله إني لأراه مؤمناً ، فقال النبي ﷺ :" أو مسلماً، يعني لا تصفه بالإيمان ما وصل الإيمان قال سعد فسكت ، ثم غلبني ما أجد ما أعرف عنه ثم قلت : يا رسول الله مالك عن فلان فو الله إني  لأراه مؤمنا ، فقال النبي ﷺ: أو مسلماً ، فهذا دليل على التفريق بين الإسلام والإيمان ، تفريق بين الإيمان والإسلام يعني لا تصفه بالإسلام ، فهذا من أدلة من فرق بينهما.

والحاصل أن الأقوال ثلاثة في الإسلام والإيمان ، قيل إن الإسلام هو الكلمة والإيمان هو العمل ، وقيل الإسلام والإيمان شيء واحد سواء اجتمعا أو افترقا ، وقيل تختلف دلالتهما بالاقتران والانفراد ، فإذا انفرد أحدهما دخل فيه الآخر ، وإذا اجتمعا افترقا وصار لكل واحد منهما معنىً ، ويفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة ، وشيخ الإسلام رحمه الله ذكر شيئاً من هذا ، وقال : جاء  في الكتاب والسنة وصف أقوام بالإسلام دون الإيمان ، فقال تعالى: قالت الأعراب آمنا، وقال تعالى في قصة قوم لوط: فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ۝ فما وجدنا فيه غير بيت من المسلمين، وقد ظنت طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد ، وعارضوا بين الآيتين وليس كذلك ، بل هذه الآية توافق الآية الأولى ، لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمناً وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين ، وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين ولم تكن من المخرجين الذين نجوا ، بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب ، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه وفي الباطن مع قومها على دينهم ، خائنة لزوجها وهذه خيانة في الدين ، لا في العرض قال تعالى: ضرب الله مثلاً  للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما، قال العلماء الخيانة في الدين لا في العرض ، لأن الله صان أعراض الأنبياء ، الخيانة في الدين لا في العرض أما العرض فهما مطهرتان لأن الله صان أعراض الأنبياء، وكانت من أهل البيت المسلمين وممن وجد فيه، ولهذا قال تعالى: فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وبهذا تظهر حكمة القرآن حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج ، وذكر بالإسلام لما أخبر بالوجود ، وقال أيضاً في موضع آخر ، و قد صار الناس في مسمى الإسلام  على ثلاثة أقوال:

قيل هو الإيمان وهما اسمان لمسمى واحد ، وقيل هو الكلمة ، لكن التحقيق ابتداءً هو ما بينه النبي ﷺ، لما سئل عن الإسلام والإيمان ففسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأصول الخمسة، فليس لنا إذا جمعنا بين الإسلام والإيمان أن نجيب بغير ما أجاب به النبي ﷺ، وأما إذا أفرد اسم الإيمان فإنه يتضمن الإسلام ، وإذا أفرد الإسلام فقد يكون الإنسان يكون مؤمناً بلا نزاع .     

المتن:

قال رحمه الله: ويقولون إن الله يخرج من النار قوماً من أهل التوحيد بشفاعة الشافعين  وبرحمته ، وأن الشفاعة حق ، والحوض حق والمعاد حق والحساب حق .

الشرح:

ويقولون يعني أهل السنة والجماعة : إن الله يخرج من النار قوماً من أهل التوحيد بشفاعة الشافعين ، وإن الشفاعة حق ، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة أنه يدخل النار جملة من العصاة الموحدين ، ويخرون منها بشفاعة الشافعين ، أو برحمة أرحم الراحمين والأحاديث في إثبات الشفاعة متواترة ، بلغت حد التواتر ومع ذلك أنكرها الخوارج والمعتزلة ، الخوارج والمعتزلة قالوا : إن مرتكب الكبيرة يخلد في النار ولا يخرج منها ، قالوا: مستحيل شخص يدخل دارين ، يدخل نار و يدخل جنة ، قالوا : لا من دخل النار لا يخرج منها ، ومن دخل الجنة لا يخرج منها ، ولا يمكن أن يكون شخص يدخل النار ثم يخرج ويدخل الجنة ، مع أن الأحاديث في هذا متواترة، قالوا : إذا فعل الكبيرة كفر وخلد في النار ، فأنكر عليهم أهل السنة وصاحوا بهم وبدعوهم  ، قالوا : الأحاديث متواترة ، بلغت حد التواتر كيف تنكرونها ، ولهذا قال المؤلف : أن الله يخرج من النار قوماً من أهل التوحيد بشفاعة الشافعين برحمته ، وتواترت الأخبار أن النبي ﷺ يشفع أربع مرات ، كل مرة يحد له حداً بالعلامة ، وكذلك الأنبياء يشفعون والملائكة يشفعون ، والأفراط يشفعون ، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة ، فيخرجهم رب العالمين برحمته ، فيقول الرب سبحانه ، شفعت الملائكة ، و شفع النبيون ، ولم يبق إلا رحمة الراحمين  فيخرج قوماً من النار قوماً لم يعملوا خيراً قط ، يعني زيادة على التوحيد والإيمان ، إذاً هذه عقيدة أهل السنة والجماعة ، عقيدة الخوارج والمعتزلة أن العاصي يخلد في النار ، وهذا من أبطل الباطل ، وإن الحوض حق ، حوض نبينا ﷺ والوقوف فيه يوم القيامة ، الحوض يجيب الإيمان به ، وهذا الحوض وجاء وصفه في الأحاديث أن طوله مسافة شهر وأن عرضه مسافة شهر وأن ماءه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحاً من المسك ، وأنه يصب في مرزابان من أهل الجنة ، من أهل الكوثر ، وأن أوانيه ، أواني الشرب عدد الكيسان عدد نجوم السماء ، يرد المؤمنون عليه ويشربون و من شرب منه شربة لا يضمأ بعدها حتى يدخل الجنة ، ويرد عليه قوم بدلوا وغيروا، فيطردون تطردهم الملائكة ، يذادون كما تذاد الإبل العطاش ، يطردون ، وردوا على الحوض عطاش من شدة العطش فتقمعهم الملائكة بالحديد فتطردهم ، والنبي واقف على الحوض ، فإذا رآهم قال : يا ربي أصحابي أصحابي ، وفي لفظ أُصيحابي أصيحابي ، فيقول الله له : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فقال النبي فأقول : سحقاً سحقاً لما غيروا بعدي ، يعني بعداً ، وهذا فيه دليل على أن النبي ﷺ لا يعلم عن أعمال أمته ولا يدري ما أحدثوا بعده ، وفيه الرد على من صحح حديث :" أن أعمال أمته تعرض عليه ، فيستبشر بحسنها ويستغفر لمسيئها " هذا الباطل ، لو كان يعلم لعلم أن هؤلاء مرتدين ، لما قال الله: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لا تدري ما يدري ، هذا في البخاري ، رواه البخاري في الصحيح  قال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لا يعلم أعمال أمته وغيره من باب أولى ، فيجب الإيمان بالحوض ، والشفاعة والحوض من الأحاديث المتواترة ، وكذلك مسح الخفين ، السنة ليس فيها أحاديث متواترة ، كلها ثابتة بأي شيء ، بخبر الآحاد ، خبر الآحاد ، قد يكون واحد واثنين وثلاثة، لا يصل إلى التواتر ، وخبر الآحاد إذا صح ،صح السند ، وإذا عدلت الرواة فهو مقبول يفيد العلم ، والسنة هكذا ، وليس في السنة أحاديث متواترة إلا ما يقرب من أربعة عشر حديث ، منها: حديث الحوض وحديث الشفاعة وحديث المسح على الخفين ، وحديث: من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الحنة، هذه  متواترة ، ولو كان لا يقبل إلا الأحاديث المتواترة لضاعت السنة ، ولم تقبل وهذا باطل .

قال المؤلف رحمه الله: والميزان حق،  قد  أنكر الحوض الخوارج والمعتزلة ، أنكروه ، وجاءت السنة بأن لكل نبي حوضاً ، جاء في الترمذي أن لكل نبي حوض يوم القيامة ، لكن حوض نبينا ﷺ أوسعها وأعظمها وأكثرها وارداً جعلنا الله منهم بمنه وكرمه ، فالشفاعة أنكرها الخوارج والمعتزلة والحوض كذلك أنكره الخوارج والمعتزلة ، ولهذا قال : شارح الطحاوية  هؤلاء الذين أنكروا الحوض أخلف بهم أن يحرموا منه ، حري بهم أن يحرموا من الورود عليه ، أنكروه حرمهم الله منه كما أنكروه .

وقال المؤلف :" والحساب حق ، نعم الحساب حق حساب الناس قال الله تعالى: إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم، دلت الأحاديث على أن الله تعالى يحاسب الخلائق  يوم القيامة ، وأنه يفرغ منهم بقدر منتصف النهار ، ويقيل ، ثم يصل أهل الجنة إلى الجنة وقت القيلولة ، يقيلون في الجنة ، قال الله تعالى: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقر وأحسن مقيلاً  ينتهي حسابهم بقدر منتصف النهار ، وفي الحديث: من نوقش الحساب عذب، فالحساب حق فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً، فالحساب حق من أنكر الحساب وأنكر البعث والجزاء كفر ، الله سيبعث الخلائق ويحاسبهم ويجازيهم .

المتن:

قال رحمه الله: ولا يقطعون على أحد من أهل ملة أنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار لأن علم ذلك مغيباً عنهم لا يدرون على ماذا يموت أعلى الإسلام أم على الكفر ، ولكن يقولون إن من مات على الإسلام مجتنباً الكبائر والأهواء والآثام فهو من أهل الجنة لقوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولم يذكر عنهم ذنباً أولئك هم خير البرية ۝ جزاؤهم عند ربهم جنات عدنٍ، ومن شهد له النبي بعينه ، وصح له ذلك عنه فإنهم يشهدون له بذلك اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتصديقاً لقوله .

الشرح:

قال المؤلف: ولا يقطعون يعني أهل السنة على أحد من أهل الملة على أنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار ، لأن علم ذلك مغيباً عنهم لا يدرون على ماذا يموت أعلى الإسلام أو على الكفر ، يعني أهل السنة لا يشهدون لأحد من أهل الإسلام بعينه أنه من الجنة أو أنه من النار قال : لماذا ؟ قال : لأن علم ذلك مغيب عنهم ، لا يدرون على ماذا يموت أعلى الإسلام أو على الكفر ، ولكن يقولون إن من مات على الإسلام مجتنباً الكبائر والأهواء والبدع والآثام فهو من أهل الجنة ، من مات على الإسلام فهو من أهل الجنة وقول : أن من مات على الإسلام مجتنباً الكبائر والآثام فهو من أهل الجنة ، والصواب أنه من أهل الجنة ولو كان فاعلاً للكبائر ما دام مات على الإسلام والتوحيد ولم يعمل ناقضاً من نواقض الإسلام فهو من أهل الجنة ولو مات على الكبائر والأهواء والآثام ، لكن قد يعذب قبل دخول الجنة ، وقد يعفى عنه ، لكن في النهاية من أهل الجنة ، من مات على التوحيد والإسلام ولو فعل الكبائر ولو مات على كبيرة ، إن تاب من الكبيرة تاب الله عليه ، وإن مات من غير توبة فهو تحت مشيئة الله ، كما قال الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

وقول المؤلف : من مات على الإسلام مجتنباً الكبائر فهو من أهل الجنة ليس بصحيح ، بل هو من أهل الجنة ولو لم يجتنب الكبائر، ما دام أن الكبائر لا تصل إلى حد الكفر ، قال المؤلف : في قول الله تعالى: الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لم يذكر لهم ذنباً، قال: أولئك هم خير البرية ۝ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن حكم لهم بالجنة ، حكم لهم بالجنة بالإيمان والعمل الصالح.

قال المؤلف رحمه الله: ومن شهد له النبي ﷺ بعينه بأنه من أهل الجنة  ، فإنهم يشهدون له ، من شهد له النبي ﷺ بأنه من أهل الجنة وصح له ذلك عنه فإنهم يشهدون له بذلك اتباعاً لرسول الله ﷺ وتصديقاً لقوله ، قال الصابوني : ( في عقيدة السلف أصحاب الحديث)  فأما الذين شهد لهم الرسول ﷺ من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك ، تصديقاً للرسول ﷺ فيما ذكره ووعده لهم ، فإنه ﷺ لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك ، والله تعالى أطلع رسوله على ما شاء من غيبه ، وبيان ذلك في قوله تعالى: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً ۝ إلا من ارتضى من رسول.

الحاصل ، حاصل البحث هذا أن أهل السنة لا يشهدون لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار ، أهل القبلة الذين أظهروا الإسلام ويتجهون إلى القبلة في الصلاة والذبح ، لا يشهدون لواحد بعينه من أهل الجنة إلا من شهدت له النصوص ، ولكن يشهدون على العموم ، ولا يشهدون لأحد كذلك بالنار إلا إذا علموا أنه مات على الكفر ، فيقولون كل مؤمن في الجنة ، نجزم بأن المؤمنين كلهم في الجنة ، لكن فلان ابن فلان بعينه هل تشد له بأنه من أهل الجنة قالوا : لا نشهد إلا لمن شهدت له النصوص ، من شهدت له النصوص نشهد له بالجنة كالعشرة المبشرين بالجنة ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام وسعد ابن أبي وقاص وسعيد بن عامر بن النفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح) هؤلاء المبشرون بالجنة شهد لهم النبي نشهد لهم ، وكذلك أهل بيعة الرضوان قال النبي ﷺ: لن تمس النار أحد بايع تحت الشجرة، وقال تعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت ا لشجرة، كذلك عبد الله بن سلام شهد له النبي بالجنة ، وابن عمر قال : "لن تراع " وكذالك أيضاً ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي ﷺ، كان يرفع صوته في الخطبة ، إذا جاءت الوفود ، فلما نزل قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون خاف أن يحبط عمله فجلس وجاء يبكي في بيته ، وفقده النبي ﷺ فأرسل إليه فقال : إنه حبط عمله ، إنه من أهل النار حبط عمله لأنه رفع صوته فوق صوت النبي بالخطبة فأرسل إليه النبي وقال: قولوا له إنه من أهل الجنة وليس من أهل النار هذه شهادة ، شهد له النبي بالجنة نشهد له ، فهل يشهد لأحد بعينه بأنه من أهل الجنة ؟ لأهل السنة ثلاثة أقوال :

القول الأول – أنه لا يشهد لأحد بعينه بأنه من أهل الجنة من المسلمين إلا لمن شهدت له النصوص كما  سمعنا ، إلا للأنبياء ومن شهدت له النصوص .

القول الثاني – أنه لا يشهد إلا للأنبياء فقط .

القول الثالث – أنه يشهد للأنبياء وللمؤمنين ولمن شهد له المؤمنون ، من شهد له اثنان من أهل العدالة بأنه في الجنة  يشهد له ، واستدل هؤلاء بما ثبت في الحديث الصحيح: أنه مر بجنازة والنبي ﷺ معهم فأثنوا عليها خيراً ، فقال النبي ﷺ: وجبت، ثم مر بجنازة أخرى فأثنوا عليها شراً فقال النبي ﷺ: وجبت فقالوا : يا رسول الله ما وجبت؟ قال: رسول الله ﷺ: هذا أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شراً وجبت له النار وفي الحديث الآخر: أنتم شهداء الله في الأرض، فاستدل هؤلاء بأنه من شهد له اثنان عدلان بأنه من أهل الجنة يشهد له ، ومن ذلك أن أبا ثور يشهد لأحمد بالجنة على هذا القول للإمام أحمد و المراد من أهل العدالة ليس كل أحد ، والصواب القول بأنه يشهد للأنبياء ولمن شهدت له النصوص ، هذا هو الصواب لأنه لو كان يشهد لكل أحد بالجنة لصار كل أحد يمكن أن يشهد بالجنة ولم يكن هناك فائدة لمن شهدت له النصوص.

وأما الأحاديث التي خاصة بالصحابة الذين زكاهم الرسول ﷺ، ولا يشهد لأحد بالجنة إلا من شهدت له النصوص ، ولا يشهد لأحد بالنار إلا من شهدت له النصوص كأبي لهب وأبي جهل نشهد لهم بالنار ، وكذلك من علمنا أنه مات على الكفر وقامت عليه الحجة يشهد له بالنار لأن النار مثوى الكافرين ، إذا شهدت عليه بالكفر تشهد عليه بالنار، كل كافر في النار ، أما إذا لم تعلم حاله ولا تدري هل قامت عليه الحجة تشهد له بالعموم ، كل كافر بالنار وكل مؤمن بالجنة هذا على العموم ، لكن شخص معين بعينه نشهد له بالجنة مسلم لا ، إلا الذي شهد له الرسول ، لكن نرجو للمحسن من رأيناه يعمل الخيرات من المؤمنين نرجو له الخير ولا نجزم بأنه من أهل الجنة ، لأن البواطن لا يعلمها إلا الله ، ومن رأيناه يعمل السيئات والمعاصي نخاف عليه من النار ولا نشهد عليه بالنار ما دام أنه موحد  هذا هو الصواب في هذه المسألة .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد