الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين أجمعين.
(المتن)
قال الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله تعالى:
فصل
والشرك شركان:
أكبر وله أنواع، ومنه الذي تقدم بيانه آنفاً.
وشرك أصغر كالرياء والسمعة، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: قال الله تعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ.
ومنه الحلف بغير الله لما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه ابن حبان.
وقال ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ أخرجه الشيخان.
وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال له رجل ما شاء الله وشئت قال: أتجعلني لِلَّهِ ندًا؟ قل مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ.
والشرك الأصغر لا يخرج عن الملة، وتجب التوبة منه ومن كل ذنب.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله سلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا نحمد وعلى آله وصحبه أجمعين: أما بعد: ....
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فصل: والشرك نوعان: أكبر وأصغر). هذا الفصل معقود لبيان نوعي الشرك وأن الشرك ينقسم إلى قسمين:
نوع أكبر، ونوع أصغر.والفرق بينهما أن الأكبر يخرج من الملة والأصغر لا يخرج من الملة، الأكبر يحبط الأعمال والأصغر يحبط العمل الذي قارنه فقط، الأكبر يقضي على الحسنات والأصغر يدخل تحت الموازنة بين الحسنات والسيئات، الأكبر صاحبه مخلد في النار والأصغر صاحبه لا يخلد في النار.
الشرك الأكبر هو: الشرك النصيب، ومنه قوله: من كان له شرك في ذنب، شرك يعني مشاركة ونصيب، وشرعًا: هو نوع من العبادة لغير الله، الصرف نوع من العبادة لغير الله، أما الشرك من حيث هو يعني يشمل جميع أنواع الشرك فيقال: تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله.
وهو ثلاثة أنواع:
شرك في الربوبية: وهو أن يشرك في ربوبية الله.
وشرك في الألوهية: وهو الشرك في العبادة.
وشرك في الأسماء والصفات: وهو الشرك في الأسماء والصفات.
والشرك والمراد هنا من قول المؤلف بالشرك هو الشرك في العبادة والألوهية، أما الشرك في الربوبية فهذا معروف كأن يتخذ لله صاحبةً أو ولدًا أو يعتقد أن هناك مدبر مع الله أو شريك مع الله.
وأما الشرك في الأسماء مثل شرك المشركين حينما اشتقوا اسم اللات من الإله والعزى من العزيز ومنى من المنان.
وأما الشرك في الإلوهية فهو كثير، كل نوع من أنواع العبادة إذا صرفها لغير الله فهو شرك، مثل: شرك في الدعاء وشرك في النذر والشرك في الخوف والشرك في الرجاء والشرك في الركوع والشرك في السجود، والشرك في الصلاة، والشرك في الصيام، والشرك في الزكاة في الحج، أي نوع من أنواع العبادة يصرفه لغير الله يكون شرك.
الشرك الأكبر (..) بالله، إذا دعا الله موحد وإذا دعاء غير الله صار مشركًا، إذا صلى لله فهو موحد وإذا صلى لغير الله فهو مشرك، إذا زكى لله فهو موحد إذا زكى لغير الله فهو مشرك وهكذا.
ولذا قال كالمؤلف: (وله أنواع، ومنه الذي تقدم بيانه آنفاً). يعني: الشرك في الدعاء، الشرك في الدعاء الذي تقدم آنفًا يعني تقدم في الأصول السابقة يعني الشرك في الدعاء، ومعنى الشرك في الدعاء: هو أن يدعو ميتًا أو غائبًا فيما لا يقدر عليه إلا الله، أن يدعو ميتًا أو غائبًا أو حيًا، فيما لا يقدر عليه إلا الله، هذا هو شرك الدعاء.
أما إذا كان حيًا حاضرًا فيما يقدر عليه فلا يكون شرك، هذا من باب يعني: الأسباب التي يفعلها الإنسان، مثل قول: يا فلان أعني في إصلاح سيارتي، حي قادر، يا فلان أقرضني من مالا، يا فلان أعني في إصلاح مزرعتي، يا فلان انصرني على فلان عدوي، هل هذا شرك؟ لا، هذا من الأمور العادية.
لكن إن دعا ميت، الميت ما يستطيع، غير قادر، ما معه أسباب، أو دعا غائب، أو دعا حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله، مثل: أن ينجيه من النار، ما يقدر هذا، أو يغفر له، هذا ما يقدر عليه إلا الله، ولو كان حيًا.
دعا إنسان مشلول في أن ينقذه من الغرق، أنت الآن لو سباح سقط في الماء وغرق ودعا وسباح آخر وقال: يا فلان أنقذني أغثني، نزل وأنقذه هذا ما فيه مانع، لكن لو دعا مشلول ما يتحرك، هذا صار شرك لأنه ما دعا إلا لأنه يتعقد أنه له أن يتصرف في الخفاء.
فيكون الدعاء: هو أن يدعو ميتًا أو غائبًا أو حيًا حاضرًا فيما لا يقدر عليه إلا الله، هذا هو الشرك الأكبر.
والشرك الأصغر أنواع كثيرة: وهو كل ذنبٍ سمي شركًا وهو لم يصل إلى حد الشرك الأكبر، يعني لم يكن شرك في العبادة، كل ذنبٍ ورد في النصوص تسميته شركًا ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر، يعني: لم يكن شركًا في العبادة.
مثال ذلك قال: (كالرياء والسمعة)، الرياء في الأفعال والسمعة في الأقوال، وجاء في مسند الإمام أحمد بيان الشرك والرياء وأنه قال: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟. قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ. يحسن صلاته، هذا الشرك في الرياء.
(والسمعة) في الأقوال يحسن قراءته، يرائي في الدعوة إلى الله، يرائي في الأمر بالمعروف حتى يسمع، إذا أقبل على قوم صلوا ليقال: فلان ما شاء الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
أو حسن صوته في القراءة من أجل فلان، هذه السمعة، قول السمعة، السمعة في الأقوال والرياء في الأعمال، فهذا شرك أصغر.
قال المؤلف رحمه الله: (كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: قال الله تعالى:) هذا حديث قدسي؛ لأن النبي أضافه إلى الله، الحديث القدسي هو من كلام الله لفظًا ومعنًى مثل القرآن، لكنه يختلف عن القرآن، القرآن متعبد بتلاوته والحديث القدسي غير متعبد بتلاوته، القرآن معجز والحديث القدسي غير معجز، القرآن لا يمسه إلا المتوضأ والحديث القدسي يمسه غير المتوضأ، لكنه كلام الله لفظًا ومعنًى.
أما الحديث الغير قدسي فهو من الله معنًى ومن النبي ﷺ لفظًا، مثل حديث: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، هذا غير قدسي، معناه من الله ولفظه من الرسول ﷺ.
الحديث القدسي: قال الله تعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ. هذا حديث قدسي من كلام الله، الله تعالى غني عن المشرك إذا أشرك مع الله تركه الله وشركه.
قال: (ومنه الحلف بغير الله)، هذا مثال ثالث، إذًا الشرك الأصغر من أمثلته:
المثال الأول: الرياء.
المثال الثاني: السمعة.
المثال الثالث: الحلف بغير الله.
(لما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ أنه قال مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه ابن حبان). المؤلف إمام محدث يخرج الأحاديث، قال: (أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه ابن حبان).
(وقال ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ أخرجه الشيخان)، المراد بالشيخان: البخاري ومسلم.
( وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال له رجل ما شاء الله وشئت قال: أتجعلني لِلَّهِ ندًا؟ قل مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ )، الحديث رواه البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد في المسند وابن أبي شيبة والبيهقي، هذا مثال رابع.
كم مثل المؤلف بالشرك الأصغر؟ بالرياء بالسمعة والحلف بغير الله والتسوية بين الخالق والمخلوق بالمشيئة بالواو، ما شاء الله وشئت، والذي ينبغي أن تقول: ما شاء الله وحده فهذا هو أكمل، ويجوز أن تأتي بثم فتقول: ما شاء الله ثم شئت.
فالأحوال ثلاثة: ما شاء الله وحده هذا هو الكمال.ما شاء الله وشئت هذا هو الشرك.ما شاء الله ثم شئت جائز؛ لأن الواو تفيد التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه، أما ثم تفيد الترتيب والتراخي، لا يأتي المعطوف إلا بعد المعطوف عليه بتراخي ومهلة.
صار أربعة لأمثلة الشرك.
الأصغر ومن أمثله: لبس الحلق أو الخيط يعتقد أنها سبب تدفع البلاء أن تضره.
ومنها لبس التمائم يعلق في رقبته خيط أو عود كل هذا من الشرك الأصغر؛ لأن النبي ﷺ قال: إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ. قال: مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً، فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً، فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ.
(المتن)
فصل:
فلم يبق إلا التوسل بالأعمال الصالحة كتوسل المؤمنين بإيمانهم في قولهم: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ [آل عمران/193]. وكتوسل أصحاب الصخرة المنطبقة عليهم وهم الثلاثة النفر توسلوا إلى الله بالأعمال الصالحة. والحديث في صحيح البخاري.
والله سبحانه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله، وكسؤال الله بأسمائه الحسنى. قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف/180].
وكالأدعية المأثورة في السنن اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وأمثال ذلك، وهذا معنى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [سورة المائدة/35].
والوسيلة القرب التي يتقرب بها إلى الله وتقرب فاعلها منه، وهي الأعمال الصالحة لما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: قال الله مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ الحديث.
ولهذا كان رسول الله ﷺ إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة لأنها أعظم القرب إلى الله تعالى، قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [ البقرة/45].
وليست الوسيلة بمخلوق ليحصل واسطة بين الله وبين خلقه يشفع لهم ويتقربون به إليه، لأن هذا عين ما نهى الله عنه في الآيات وأنزل بقبحه الكتب وأرسل الرسل.
ومنه ما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ لأن قصدهم يتقربون به.
(الشرح)
هذا الفصل الذي عقده المؤلف رحمه الله لبيان الوسيلة الشرعية.
الوسائل التي يتوسل بها إلى الله ثلاثة أنواع:
وسيلة شركية، كأن يتوسل إلى الله بدعاء الميت يقول: يا فلان أغثني. أو بالذبح له، يذبح له يتوسل إلى الله بالذبح له.أو يطوف بقبره تقربًا إليه. هذه وسيلة شركية.
الثانية الوسيلة البدعية لا تصل إلى الشرك كأن يتوسل إلى الله بالجلوس عند القبر المكث الطويل، أو يصلي لله عند القبر هذا بدعة، أو يدعو الله عند القبر أو يقرأ القرآن عند القبر يرجو بذلك التقرب إلى الله، هذه وسيلة بدعية ما تصل إلى الشرك.
الثالثة: الوسيلة الشرعة.
والوسيلة الشرعية أنواع: ذكر المؤلف منها: التوسل بالإيمان، والتوسل بأسماء الله الحسنى، والتوسل بالأعمال الصالحة.
كم نوع ذكر المؤلف؟ التوسل بالأعمال الصالحة.والتوسل بأسماء الله الحسنى.التوسل بالأعمال الصالحة هو التوسل بالإيمان، مثل بقول الله تعالى في المؤمنين، قالوا: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران/193] . توسلوا إلى الله بإيمانهم كأصحاب الصخرة رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران/193] .
ومثله التوسل بالتوحيد كقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. هذا توسل بالتوحيد، التوسل بالإيمان التوسل بالتوحيد وهو متقارب.
التوسل بالعمل الصالح، كأن تتوسل إلى الله بصلاتك، أسألك اللهم بصلاتي بصيامي بصدقتي ببري بوالدي ومثال ذلك الثلاثة من بني إسرائيل الذين خرجوا فمشوا في صحراء فآواهم المبيت إلى غار في جبل، الغار: فتحة في الجبل، دخلوا الغار يريدون المبيت فانحدرت صخرة من أعلى الجبل وسدت باب الغار وأحكمته إحكامًا ولا يستطيعون زحزحته، صخرة، وهم في داخل الغار ما معهم شيء، ما معهم فؤوس ولا شيء، ولا يستطيعون بأيديهم أن يزحزحونها، فأيقنوا بالهلاك ولكنهم لم ييأسوا من رحمة الله، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذا المأزق وهذه الكربة وهذه الشدة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، كل واحد يدعو الله بصالح عمله.
فتوسل أولهم ببره بوالديه، قال: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلاَ مَالًا. والغبوق هو شراب اللبن في الليل، والصبوح شرب اللبن في الصباح، يعني: أنه كان من بره لوالديه يحلب النغم ويأتي ويسقي والديه في الليل وفي الصباح ولا يقدم عليهم أحد، الأول الوالدان، فإذا شرب الوالدان يعطي أولاده ولو كانوا صغارًا.
قال: ذات مرة طلبوا ماء الشجر فتأخرت ولم آتي إلا في ساعة متأخرة من الليل فحلبت الغبوق وجئت فوجدتهما قد ناما والصبية يتواغون تحت قدمي يريدون أن أسقيهم هو وقع بين أمرين أن يوقظ أبويه ويسقيهما هذا كره حتى لا ينغص عليهما لذيذ المنام، أو يسقي الصبيان فيكون قدم الصبيان على أبويه، فوقف والقدح في يديه حتى برق الفجر، واستيقظ الشيخان فسقهما ثم سقى الصبيان، شوف البر!
قال: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فانحدرت الصخرة قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج.
والثاني توسل إلى الله بعفته عن الفواحش عن الزنا فقال: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فأصابها شدة وحاجة وجاءت إليه وقالت: يا ابن العم أعطني نقودا أقضي بها حاجتي، فقال: لا، حتى تخلي بيني وبين نفسك على فعل الفاحشة، فامتنعت ورفضت ثم أصابتها شدة وحاجة فجاءت إليه مرة ثانية، فقال: لا، حتى تخلي بيني وبين نفسك، فرفضت، ثم أصابتها شدة فجاءت فقالت: أعطني فصارت مثل الحجة يعني أعطني القرض أصابتها شدة ، فقال: لا، إلا أن تخلي بيني وبين نفسك، فوافقت في المرة الثالثة، وافقت من شدة الحاجة، فأعطاها مائة وعشرين من الذهب وخلت بينه وبين نفسها.
قال: فلما قعدت منها مقعد الرجل من امرأته قالت: اتق اللهَ، ولا تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فقمت عنها وتركتها وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ. يعني تمناها يتمناها وما عنده أحد الآن، يتمنى الوصول إليها وحصل الوصول إليها، لكن لما ذكرته بالله خاف وقام وتركها وهي من أحب الناس إليه.
قال: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا. يعني: من يستطيع أن يكبح جماح نفسه! يعني: هذا يتمناها من قديم وليس عندهم إلا الله ومكنته من نفسها، لكن لما ذكرته بالله خاف من الله وتركها، فالخوف من الله الذي يحمل الإنسان على ترك الفواحش هذه حسنات عظيمة هذا ثواب عظيم وأجر عظيم، يهدم سيئات كثيرة.
وتوسل الثالث بأمانته، قال:اللهم إنه كان لي أجراء يعملون عندي فأعطيتهم أجرتهم إلا واحدا ترك أجرته سخطها، يعني أجرة قليلة فتكرها وذهب.
قال: فنميت أجرته وثمرتها، في بعض الآثار أنها شيء من رز كف من رز وبعضها أنها كف من ذرة، قال: «فنميتها»، باعها وصار يبيع بها ويشتري ثم اشترى بها مواشي، اشترى بها من الإبل، و اشترى بها من البقر، و اشترى بها من الغنم وبارك الله فيها وتناسلت، ومضى على الشخص هذا سنين، فتناسلت وصار واديا من الإبل، وواديا من البقر، وواديا من الغنم، وفي بعضها وادي من الرقيق.
وجاء هذا الرجل بعد سنين وتذكر، وقال: يا فلان أعطني أجرتي، ألا تذكر أني اشتغلت عندك ولي كف من الذرة أو من الأرز أعطني أجرتي واتق الله؟ فقال: ما تراه هذا أجرتك، هذا الوادي من الإبل والوادي من البقر والوادي من الغنم والوادي من الرقيق قال: سبحان الله تسخر مني؟ لا تستهزأ بي يا عبد الله أجرتي كف من الذرة، قال: لا أسخر بك فساقها كلها وأخذها.
أخذ الوادي من الإبل والوادي من البقر والوادي من الغنم والوادي من الرقيق، قال: اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ.
هؤلاء الثلاثة توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة، الأول توسل ببره لوالديه والثاني بعفته عن الزنا والثالث بأمانته وأدائه الحقوق، وهذا التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة.
التوسل بأسماء الله الحسنى: اللهم إني أسألك بأنك أنت المنان يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، يا قريب مجيب، هذا توسل إلى الله بأسمائه الحسنى.
كذلك أيضًا من التوسل الجائز التوسل بدعوى الشخص الحي الحاضر، كأن تقول: يا فلان ادع الله لي، فيدعو وأنت تؤمن، مثل قصة الرجل الأعمى الذي جاء إلى النبي ﷺ وسأله أن يدعو له وهو يؤمن.
وكذلك أيضًا من التوسل المشروع أن تتوسل إلى الله بفقرك وحاجتك، كقول الله تعالى عن موسى أنه قال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص/24] . أنا فقير لما أنزلت إليَّ، توسل إلى الله بفقره، ومثل ما جاء في الدعاء المشهور الذي هو سيد الدعاء: اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، خَلَقْتنِي وَأَنَا عَبْدُك، وَأَنَا عَلَى عَهْدِك وَوَعْدِك مَا اسْتَطَعْت، أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْت، أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ. هذا سيد الاستغفار، لماذا صار سيد الاستغفار؟.
أولًا: فيه ثناء اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، توسل إلى الله بالتوحيد. خَلَقْتنِي وَأَنَا عَبْدُك، توسل بعبوديته لله ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِك وَوَعْدِك مَا اسْتَطَعْت، أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْت، أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ، توسل بالاعتراف بالنعمة، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، توسل إلى الله بالاعتراف بالذنب، ثم قال: فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فهذا توسل إلى الله بأنواع، بفقره بعبوديته لله وبالتوحيد وبإقراره بالذنب.
فصار كم المشروع؟
التوسل إلى الله بالإيمان.التوسل إلى الله بالتوحيدالتوسل بالأعمال الصالحة.التوسل بدعاء الحي الحاضر.التوسل بفقر الإنسان وحاجته.كل هذا توسل مشروع.
عرفنا التوسل البدعي والتوسل الشرعي.
قال المؤلف: (وكتوسل أصحاب الصخرة المنطبقة عليهم)، توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة.
قال (لأنه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله) وكسؤال الله تعالى بأسمائه الحسنى.
الدليل: (قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف/180]. وكالأدعية المأثورة في السنن اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وأمثال ذلك، وهذا معنى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [سورة المائدة/35]).
ابتغوا يعني: اطلبوا إليه الوسيلة، يعني: القرب إلى الله بطاعته، التوسل إلى الله بطاعته يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة/35] . يعني: اطلبوا إليه التقرب إليه بالطاعة.
قال: (والوسيلة القرب التي يتقرب بها إلى الله وتقرب فاعلها منه، وهي الأعمال الصالحة لما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: قال الله مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ). هذا حديث قدسي من كلام الله لفظًا ومعنًى ويسمى حديث الأولياء، قال فيه: قال الله مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، من عاد وليًا من أولياء الله فهو محاربٌ لله، الذي يعادي الولي، ليحذر الإنسان من هذا، الولي: هو المؤمن التقي، أن يؤذي وليًا تقيًا، إذا آذيت وليًا تقيًا فاعلم أنك محارب لله. قال الله مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، أعلنته بالحرب، يعني: أعلنت الحرب بيني وبينه، احذر أن تؤذي مؤمنًا تقيًا، فإنه ولي الله ومن عادى ولي الله فهو محاربٌ لله.
ثم قال الرب سبحانه: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، يعني أحب شيء إلى الله أن تتقرب إليه بالفرائض ثم النوافل.
وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، يعني: إن التقرب إلى الله بالفرائض هذا أفضل شيء، ثم التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض يكون الإنسان من أحباب الله، وإذا كان من أحباب الله سدده الله في سمعه وبصره وجوارحه فلا يستعملها إلا في طاعة الله، وإذا دعا استجيب له وإذا استعاذ أعيذ.
ولذا قال الرب: فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، المعنى: أن الله يسدده في جوارحه فلا يستعملها إلا في طاعة الله.
(وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، ولهذا كان رسول الله ﷺ إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة لأنها أعظم القرب إلى الله تعالى)، لأنها أعظم الطاعات. قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [ البقرة/45].
وليست الوسيلة بمخلوقٍ يبتغى، ذكر في الحاشية أن في الطبعة الثالثة النسخة الثانية: (وأما التوسل بمخلوق وجعله واسطة بين الله وبين عبده، فهو عين ما نهى الله عنه). يعني: التوسل بمخلوق وتجعل المخلوق واسطة بينك وبين الرب هذا عين ما نهى الله عنه في الآيات.
هذا عين ما نهى الله (عنه في الآيات، وأنزل بقبحه الكتب وأرسل الرسل، وهو ما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ )، لأن قصدهم يتقربون به إلى الله، يجعلون التوسل بالمخلوق يجعلونه واسطة بينه وبين الله يتقرب به إلى الله، يتوسل بالميت، يتوسل بالصنم مثل بني إسرائيل يتوسل بالشجرة كأصحابه، هذا هو الشرك.
(المتن)
فصل
وأما الإقسام على الله بمخلوق فهو منهي عنه باتفاق العلماء، وهل هو منهي عنه نهي تنزيه أو تحريم؟ على قولين "أصحهما" أنه كراهة تحريم، واختاره العز بن عبد السلام في فتاويه. قال بشر بن الوليد سمعت أبا يوسف يقول: قال أبو حنيفة رحمهما الله لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك، وهو قول أبي يوسف. قال أبو يوسف بمعاقد العز من عرشك هو الله فلا أكره هذا، وأكره بحق فلان، أوبحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام، والمشعر الحرام.
قال القدوري رحمه الله: المسألة بحق المخلوق لا تجوز لهذا فلا يقول: أسألك بفلان وملائكتك وأنبيائك ونحو ذلك، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، انتهى.
وأما قوله بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ ففيه عطية العوفي وفيه ضعف، ومع صحته فمعناه بأعمالهم لأن حقه تعالى عليهم طاعته وحقهم عليه الثواب والإجابة، وهو تعالى وعد أن يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله.
وإذا والى العبد ربه وحده أقام الله له ولياً من الشفعاء، وهي الموالاة بينه وبين عباده المؤمنين فصاروا أولياءه في الله بخلاف من اتخذ مخلوقاً من دون الله أو معه، فهذا نوع وذلك نوع آخر.
كما أن الشفاعة الشركية الباطلة نوع، وشفاعة الحق الثابتة التي تنال بالتوحيد نوع آخر.
(الشرح)
هذا الفصل الذي عقده المؤلف الإقسام على الله.
قال: (وأما الإقسام على الله بمخلوق فهو منهي عنه)، يعني يقسم على الله يقول: أقسم عليك يا الله إلا فعلت كذا، إلا أعطيتني كذا، وهذا الإقسام على الله يعني: يقسم على الله أن يفعل كذا، أقسم عليك يا الله إلا نصرتنا على عدونا، هذا بعض الصالحين يعني الأتقياء إذا أقسم على الله أبر الله قسمه، يقول النبي ﷺ: رُب أشعث أغبر مدفوعٌ بالأبواب لو أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، لأبر الله قسمه، هذا التقي.
وكان بعض الصحابة منهم البراء وهو معروف كان إذا أقسم على الله أبر الله قسمه، فإذا كانوا في معركة قالوا له: أقسم على ربك أن ينصرنا عليهم، فيقسم على ربه فينصره، ومن ذلك: الربيع أخت أنس بن النضر كسرت ثنية جارية، متعمدة، فجاء أهلها يطالبون القصاص، فأمر النبي ﷺ بالقصاص أن تكسر ثنيتها، فجاء أخوها أنس قال: يا رسل الله أتكسر ثنية الربيع، قال: نعم، كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ. فقال: والله لا تُكسر ثنيتها، فقال: يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ، فقال: والله لا تُكسر ثنيتها، أقسم على الله، فرضي أهلها بالأرش بالدية، وسمحوا وتنازلوا عن القصاص إلى الدية، فقال النبي ﷺ: رُب أشعث أغبر لو أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. فأبر الله قسمه، لكن قال العلماء: ما ينبغي للإنسان أن يقدم على هذا؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يزكي نفسه، ولا يرى أنه له أهلية أن يقسم على الله.
الإقسام على الله بمخلوق يقول المؤلف: منهيٌ عنه باتفاق العلماء، وهل هو نهي تحريم أم تنزيه؟ قال المؤلف: الصواب أصح القولين أنه نهي تحريم واختاره العز بن عبد السلام في فتاويه.
قال بشر بن الوليد وهو الكندي القاضي الحنفي من أصحاب أبي يوسف، توفي سنة 238هـ، قال: (سمعت أبا يوسف)، أبا يوسف الصاحب الثاني لأبي حنيفة، أبو حنيفة له صاحبان: الصاحب الأكبر أبو يوسف، والصحاب الثاني الأصغر محمد بن الحسن، وأحيانًا يوافقون أبا حنيفة وأحيانًا يخالفونه في أقواله.
(سمعت أبا يوسف يقول: قال أبو حنيفة رحمهما الله لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به)، نعم لا يدعو الله إلا بالله؛ لأنه إذا دعا الله بغيره يكون شرك.
قال أبو حنيفة: (وأكره أن يقول بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك)، والمراد: كراهة التحريم، إذا قال أبو حنيفة أكره، يعني: أحرم، كراهة تحريم.
(وهو أبي يوسف. قال أبو يوسف بمعاقد العز من عرشك هو الله فلا أكره هذا)، يعني: اختلف أبو يوسف وأبو حنيفة، أبو حنيفة يقول: يحرم أن تقول: أسألك بمعاقد العز من عرشك؛ لأن معاقد العز من العرش مخلوق فلا يجوز.
وقال أبو يوسف: يجوز؛ لأن معاقد العز من العرش هو الله وصف الله، فاختلفا، أبو حنيفة يمنع أسألك بمعاقد العز من عرشك؛ لأنه يرى أن معاقد العز مخلوق، وأبو يوسف يرى الجواز، يقول: أسألك بمعاقد العز من عرشك؛ لأن معقد العز من عرشه وصف الله.
وأما أسألك بحق خلقك هذا ما يجوز، ولهذا قال أبو يوسف: بمعاقد العز من عرشك هو الله فلا أكره هذا، (وأكره بحق عرشك)، يعني: أحرم. (وبحق أنبيائك)، أسألك بحق أنبيائك مكروه كراهة تحريم ما يجوز أسألك بحق أنبيائك، بحق رسلك، بحق البيت، بحق المشعر الحرام كل هذا لا يجوز.
(قال القدوري)، القدوري هذا: أحمد بن محمد بن حمدان بن الحسين البغدادي القدوري، رئيس من رؤساء الحنفية في العراق.
(قال القدوري رحمه الله: المسألة بحق المخلوق لا تجوز)، يقول: أن تقول: أسألك بحق المخلوق هذا لا يجوز حرام.
(لهذا فلا يقول: أسألك بفلان وأسألك بملائكتك و وأسألك بأنبيائك ونحو ذلك، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، وأما قوله بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ)، يشير إلى الحديث اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا.
هل يجوز أن تقول: أسألك بحق السائلين عليك؟ جاء فيه حديث اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، يشرع للماشي إلى الصلاة أن يقول: للَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا.
المؤلف أجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: أنه حديث ضعيف؛ لأن فيه عطية العوفي، وعطية العوفي شيعي مدلس، هو ضعيف، وفيه أيضًا غيره أيضًا، قال البصيري: إن هذا السند مسلسل بالضعفاء، وعطية ضعيف، وفي فضيل بن مرزوق والفضل بن موفق وكلهم ضعفاء، وضعفه ابن تيمية في " قاعدة التوسل والوسيلة " .
إذًا الجواب الأول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ. نقول: التوسل بالمخلوق ما يجوز، طيب الحديث اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك كيف أجاز حق المخلوق؟ أجاب المؤلف أنه ضعيف، والضعيف لا يحتج به.
الجواب الثاني: سلمنا أنه صحيح بحق السائلين الإجابة، وحق المطيعين الإثابة، والإجابة والإثابة فعل من أفعال الله فهو سؤال من فعل الله وصفة من صفاته.
واضح الجوابين؟ الجواب الأول ضعيف لا يحتج به، الجواب الثاني سلمنا أنه صحيح لكن حق السائلين الإجابة وحق الماشين الإثابة، والإجابة والإثابة فعلان من أفعال الله فهما سؤالٌ بأفعال الله وصفاته فلا بأس.
قال المؤلف: (ومع صحته)، يعني القول الثاني (فمعناه بأعمالهم)، يعني: بثواب أعمالهم(لأن حقه تعالى عليهم طاعته وحقهم عليه الثواب والإجابة)، الثواب للماشي والإجابة للسائل.
قال: (وهو تعالى وعد أن يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله، وإذا والى العبد ربه وحده أقام الله له ولياً من الشفعاء، وهي الموالاة بينه وبين عباده المؤمنين فصاروا أولياءه في الله)، ينصرونه ويؤيدونه، إذا والى الإنسان ربه هيأ الله له أنصارًا ينصرونه، وإذا أشرك بالله خذله وأوكله إلى نفسه.
(بخلاف من اتخذ مخلوقاً من دون الله أو مع الله، فهذا نوع وذلك نوع آخر، كما أن الشفاعة الشركية الباطلة هذه نوع، والشفاعة الحق الثابتة التي تنال بالتوحيد نوع آخر). الشفاعة الشرعية تنال بالتوحيد والشفاعة الشركية باطلة.
(المتن)
قال رحمه الله :
فصل
ومما استدل به علينا الخصم ويزعم أن دعوة غير الله وسيلة قوله: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ رواه الترمذي والحاكم وابن ماجة عن عثمان بن حنيف فجوابه من وجوه.
الأول: أنه في غير محل النزاع إذ هذا ليس فيه سؤال النبي ﷺ نفسه، وإنما هو سؤال الله وحده أن يشفع فيه نبيه.
وعمل الخصم باختراعيه منكر ورواية الحديث بحرمته فأين هذا من عمارة القبور وإلقاء الستور عليها وتسريجها وهذه كلها كبائر كما قال أهل العلم حتى ابن حجر الهيتمي وغيره أن حدها كل ما أتبع بلعنة أو غضب أو نار.
والأحاديث في تحريم عمارة القبور كثيرة في الصحيحين وغيرهما ويضاف إلى عمارتها دعاء أصحابها ورجاؤهم، والالتجاء إليهم، والنذر لهم، وكتب الرقاع فيها، وخطابهم يا سيدي يا مولاي افعل كذا وكذا، وبهذا عبدت اللات والعزى، والويل كل الويل عندهم لمن عاب وأنكر عليهم.
ومن جمع بين سنة رسول الله ﷺ في القبور وما أمر وما نهى، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهما مضاداً للآخر، مناقضاً له.
(الشرح)
هذا الفصل عقده المؤلف للرد على شبه المجيزين لدعاء غير الله، من شبههم الذين أجازوا دعاء غير الله استدلوا بالحديث، حديث صحيح وهو يسمى حديث الأعمى، وذلك أن رجلاً أعمى جاء إلى رسول الله ﷺ فقال يا رسول لله : ادع الله أن يرد إليَّ بصري، فقال إِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ، وإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لك، قال: فادعه، فقال: اذهب فتوضأ وقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ.
هذا الحديث صحيح أو غير صحيح؟ صحيح رواه الترمذي والحاكم، يعني المؤلف الآن محدث الآن يخرج الأحاديث، إمام ومحدث (رواه الترمذي والحاكم وابن ماجة عن عثمان بن حنيف)، واضح؟ أن المشبه يقول: إن هذا فيه دعاء غير الله، المؤلف أجاب عليه بأجوبة.
قال:(فجوابه من وجوه. الأول: أنه في غير محل النزاع)، محل النزاع أنه دعاء غير الله، وهذا يدعوا الله، اللهم شفعه فيَّ ما دعا غير الله، هل هذا الأعمى دعا غير الله أو دعا الله؟ قال: اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ.، اللهم شفع فيَّ نبيك؟ يدعو الله أو يدعو غيره؟ إذًا ما هو في محل النزاع، النزاع بيننا وبينهم ما هو؟ أن يدعو غير الله، هذا الجواب الأول.
قال:(فجوابه من وجوه. الأول: أنه في غير محل النزاع إذ هذا ليس فيه سؤال النبي ﷺ نفسه، وإنما فيه سؤال الله وحده أن يشفع فيه نبيه). قال: اللهم شفع فيَّ نبيك، سأل ربه أم سأل من؟ سأل الله، قال: وعمل الخصم لاختراع منكر ورواية الحديث لحرمته، هذه العبارة يعني، عمل الخصم لاختراع منكر يعني: الخصم الذي يجيز الدعاء لغير الله منكر، ورواية الحديث بحرمته يعني: الأحاديث التي روت حرمته يعني فيها ركاكة العبارة.
قال المؤلف: (فأين هذا من عمارة القبور وإلقاء الستور عليها وتسريجها). وهذه كلها كبائر، يقول: هذا الأعمى يدعوا الله وأنتم ماذا تعمرون أنتم؟ أنتم تعمرون القبور وتلقون الستور عليها وتسرجونها تنورونها، وتدعون أصحابها، فرق بينكم وبين الأعمى، الأعمى يدعوا الله وأنتم ماذا تعملون؟ تدعون غير الله، أنتم تعمرون القبور بالجلوس عندها ودعاء أصحابها، تلقون الستور عليها تسرجونها تنوروها أنوار، وهذه كلها كبائر.
ما هي الكبائر؟ الجلوس عند القبور كبيرة، إطالة المكث عند القبور كبيرة، إلقاء الستور عليها، جعلها ستائر مثل البيوت يجملها حتى إذا جاء المشرك اشتاق، ويشرك بالله، تسريجها، كذلك تنوير القبر بالكهرباء بالقناديل هذا أيضًا من الكبائر.
قال المؤلف: (هذه كلها من الكبائر كما قال أهل العلم، حتى ابن الحجر الهيثمي وغيره، أن حدها)، يعني حد الكبيرة ما هي حد الكبيرة؟
كل ما أتبع بلعنةٍ أو غضب أو نار، هذا تعريف الكبيرة، ما توعد عليه بلعنة، مثل: لَعنَ اللَّهِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. أو نار: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء/10] . أو غضب: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.
إذًا المؤلف قال حد الكبيرة أو تعريف الكبيرة ما هي؟ كل ذنب توعد عليه بالنار أو اللعنة أو الغضب، أضاف بعضهم: أو رفع عن صاحبه الإيمان أو قال النبي ﷺ ليس منا، وأضاف بعضهم: أو نفي عن صاحبه الإيمان وأضاف بعضهم: أو أوجب فيه حدٌ في الدنيا كقطع اليد في السرقة والجلد أو الرجم في الزنا، هذا تعريف الكبيرة.
المؤلف يقول: الكبيرة ما ختم بنار أو لعنة أو غضب ويضاف إليه أو أجب حدٌ في الدنيا.
قال المؤلف: (والأحاديث في تحريم عمارة القبور كثيرة في الصحيحين وغيرهما). عمارة القبور والمكث عندها هذه من الكبائر، ويضاف إلى عمارتها دعاء أصحابها هذا شرك، كونه يدعو الميت. (ورجاءهم)، رجاء العبادة شرك (والالتجاء إليهم)، شرك (والنذر لهم)، شرك (وكتب الرقاع فيها)، يكتب رقة من الخرق ويخاطبهم يا سيدي يا مولاي يعني صاحب القبر افعل كذا، رد غائبي، اشف مريضي، أعطني كذا، فرج كربتي، يكتب رقعة أو ورقة ويرميها على القبر يا سيدي فلان اشف مريضي يا سيدي فلان، هذا شرك.
(وكتب الرقاع فيها، وخطابهم يا سيدي افعل كذا وكذا، وبهذا عبدت اللات والعزى)، عبدت العزى بهذا الشرك .
قال: (والويل كل الويل عندهم لمن عاب وأنكر عليهم). الويل كل الويل اللي يعيب عليهم وينكر عليهم يقول: هذا شرك، يروح في خبر كان يقتلونه، إذا قلت لهم: هذا ما يجوز وهم عدد كثير على الشرك، يقولون: أنت ما تحب الرسول أنت تبغض الرسول، أنت ما تحب الصالحين، ما تعطيهم حقوقهم، وإلا في هذا الزمن قيل: أنت وهابي، يروح يقتلونه على طول.
تروح القبور الكبيرة الآن التي فيها ألوف قبر البدوي قبر نعيم بن علوان وتدخل في هذا المعترك وتنكر عليهم قتلوك في الحال، تروح في خبر كان، ما يسمعون منك؛ لأنهم أُشربت قلوبهم حبًا كما أُشرب قلوب بني إسرائيل العجل، أشربوا في قلوبهم حب العجل.
ولهذا قال: (والويل كل الويل لمن عاب وأنكر عليهم).
قال المؤلف: (ومن جمع بين سنة الرسول ﷺ)، هذا كلام نقله من كلام ابن القيم في " إغاثة اللهفان " .
قال: (ومن جمع بين سنة الرسول ﷺ في القبور وما أمر ونهى وما كان عليه أصحابه وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهم مضادًا للآخر مناقضًا له). يقول: إذا جمعت سنة الرسول وما كان عليه الصحابة وما عليه عباد القبور تجد البون الشاسع هذا مناقضٌ للآخر.
(المتن)
(الشرح)
وأخرجه الإمام أحمد في المسند والحاكم والبيهقي (جاء حبر من اليهود)، يعني عالم، يقال: حَبر وحِبر.
(حبر من اليهود إلى رسول الله ﷺ والمسلمين، وقوله: نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله ندا فتقولون: ما شاء الله وشاء فلان). وهذا كان في أول الإسلام، كانوا يقولونه قبل أن ينهاهم النبي أول الهجرة، كانوا يقولون: ما شاء الله وشاء فلان، ثم نهاهم النبي ﷺ. فقال رسول الله ﷺ: أما إنه قد قال حقاً، يعني: هذا اليهودي، جاء الحق يقبل من اليهودي ومن غيره.
(وأنزل الله فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة/22]). فدل على أن قول: ما شاء الله وشئت، هذا تنديد، جعلته ندًا يعني شركه مع الله في المشيئة.
(المتن)
(الشرح)
يقول: المشركين يحب أحدهم معبوده اللي يعبده أكثر من حبه الله وإن كانوا يزعم أنه لا يحبه أكثر من الله، شواهد الحال تشهد أنه يحب صنم أو وثنه أكثر من محبته الله؛ لأنه يعظم القبر أعظم من بيت الله.
(ويحلف بالله كاذباً ولا يحلف بمعتقده إلا صادقًا؛ لأن تعظيمه لوثنه أعظم من تعظيم الله، فيقال له: احلف بالله كاذبًا يحلف ولا يبالي، أما إذا قيل له: احلف بمعبودك كاذبًا، لا، يخاف ما يحلف؛ لأنه صار يعظمه أكثر من تعظيم الله.
قال: (فلا جامع بين ما استدلوا به علينا وبين ما نهيناهم عنه).
(المتن)
الثاني: أن الحديث دليل لنا أنه لا يدعى غير الله ، فإن مستهله: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ، فسؤال الله أن يشفعه فيه واسطة يا حبيبنا يا محمد إنا نتوسل بك إلى ربك فاشفع لنا، فهذا خطاب كقولنا في صلاتنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وكاستحضار محبه أو مبغضه في قلبه فيخاطبه بما يهواه لسانه ومعناه، أتوجه عليك بدعاء نبيك.
وشفاعته التي معنا في هذه الدار الدعاء. ولهذا قال في تمام الحديث: اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ أي استجب دعاءه وهذا متفق على جوازه، إذ الحي يُطلب منه سائر ما يُقدر عليه،وأما الغائب والميت فلا يستغاث به، ولا يطلب منه مالا يقدر عليه قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران/154].
إنما غايته طلب الدعاء من الحي، وقبول شفاعته عند الله ، وهو ﷺ انتقل من هذه الدار إلى دار القرار بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
ولهذا استسقى أصحابه بعمه العباس بن عبد المطلب، وطلبوا منه أن يدعوا لهم في الاستسقاء عام القحط، أخرجه البخاري عن أنس ابن مالك ، ولم يأتوا إلى قبره ولا وقفوا عنده مع أن حياته ﷺ في قبره برزخية، والدعاء عبادةٌ مبناها على التوقيف والاتباع. ولو كان هذا من العبادات لسنه الرسول ﷺ، ولكان أصحابه أعلم بذلك وأتبع.
ولهذا لم يفعله أحد من الصاحبة ولا التابعين مع شدة احتياجهم وكثرة مدلهماتهم، وهم أعلم بمعاني كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأحرص على اتباع لملته من غيرهم، بل كانوا ينهون عنه وعن الوقوف عند القبر للدعاء عنده وهم خير القرون التي نص عليها النبي ﷺ في قوله: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قال عمران: لا أدري أذكر اثنين أو ثلاثا بعد قرنه. أخرجه البخاري في صحيحه.
(الشرح)
هذا الجواب الثاني عن الحديث، الجواب الأول، ما هو الجواب الأول؟ شبهة استدلوا بحديث الأعمى حين قال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ.
الجواب الأول: أنه في غير محل النزاع؛ لأن الأعمى سأل الله ولم يسأل غير الله.
الجواب الثاني: أن الحديث دليل لنا أنه لا يدعى غير الله فإن مستهله اللهم إني أسألك وأتوجه إليك.
يقول: الحديث دليل لنا ليس دليل علينا؛ لأن مستهل الحديث يعني أول الحديث سؤالٌ لله اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ، يخاطب من؟ يخاطب ربه، هو دليل لنا، مستهله يعني أول الحديث.
قال: (فسؤال الله أن يشفعه فيه بواسطة)، يعني سؤال الله قال: اللهم شفعه فيَّ جعله واسطة الدعاء، دعاء الحي الحاضر وهذا لا بأس به.
وقول: يا حبيبنا يا محمد إنا نتوسل بك إلى ربك فاشفع لنا، فهذا خطاب معاشر، في النسخة الثانية: (خطاب لحاضر)، خطابٌ لحاضر يقول: هو تفسير لمعاشر، خطاب لحاضر: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ.
(كقولنا في صلاتنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، هل هذا خطاب للرسول؟ هذا استحضار تستحضره في ذهنك، السلام عليك أيها النبي. (وكاستحضار محبه)، تستحضر من تحب في ذهنك.
( أو مبغضه في قلبه فيخاطبه بما يهواه لسانه ومعناه أتوجه عليك بدعاء نبيك وشفاعته التي معناها في هذه الدار الدعاء. ولهذا قال في تمام الحديث: اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ. أي استجب دعاءه وهذا متفق على جوازه). الحي الحاضر يدعوا وأنت تأمن ما فيه مانع.
( إذ الحي يُطلب منه سائر ما يُقدر عليه)، تقول: يا فلان ادعوا لي وأنت تؤمن.
(أما الغائب والميت فلا يستغاث به، ولا يطلب منه مالا يقدر عليه قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران/154].إنما غايته طلب الدعاء من الحي، وقبول شفاعته عند الله ). وهو انتقل من هذه الدار الميت انتقل إلى دار القرار بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، يعني الرسول ﷺ انتقل، قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر/30] . الدليل على أن الرسول ميت، بعض الناس يقولون: ما مات الرسول، ويستدل بحديث أنه حيٌ حياةً برزخية وأن حياته أكمل من حياة الشهداء.
الدليل أنه مات قول الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر/30] . ولو كان ما مات ما اعتدت أزواجه وكان يجيب على أسئلة الناس، فهو ميت وإن كان حيًا حياةً برزخية أكمل من حياة الشهداء لكن ليست مثل الحياة الدنيا.
ومن الأدلة على أنه مات أن الصحابة لما أصابهم الجدب في زمن عمر بن الخطاب استسقوا بالعباس، كانوا في حياة النبي ﷺ إذا أصابهم الجدب يستسقون بالنبي، بمعنى يدعوا النبي ﷺ وهم يؤمّنون.
فلما مات ما راحوا إلى قبره راحوا إلى عمه العباس، قال عمر : لما أصابهم جدب اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا إنا نتوسل إليك بعم نبينا قم يا عباس فادعوا الله، فجعل العباس يدعو الله وهم يؤمّنون.
فلو كان النبي ﷺ حيًا لذهبوا إليه ما ذهبوا إلى قبره وقالوا: يا رسول الله ادعوا الله لنا، ولهذا استسقى أصحابه بعمه العباس بن عبد المطلب أن يدعو لهم في الاستسقاء عام القحط، أخرجه البخاري عن أنس بن مالك، ولم يأتوا إلى قبره ولا وقفوا عنده، مع أنه ﷺ حياته في قبره برزخية.
قال: (والدعاء عبادةٌ مبناها على التوقيف والاتباع). الدعاء عبادة مبناها على التوقيف والاتباع ما فيه ابتداع.
(ولو كان هذا من العبادات)، أن الإنسان يأتي يدعو عند القبر يقول لصاحبه: ادعوا الله لي، لو كان من العبادات (لسنه الرسول ﷺ، ولكان أصحابه أعلم بذلك وأتبع، ولهذا لم يفعله أحد من الصاحبة ولا التابعين).
ما فعلوه من الرسول ما جاؤوا (..) (مع شدة احتياجهم وكثرة مدلهماتهم)، حصل لهم أمور شديدة اختلفوا في سقيفة بني ساعدة، لو كانوا قالوا: يا رسول الله من نختاره خليفة؟ نختار أبو بكر ولا غيره؟
في زمن عثمان الستة قالوا: يا رسول الله نختار من؟ في الحروب بين علي ومعاوية كان يسألوا النبي أيهما المصيب مثلاً، ما سألوا.
(مدلهمات أصابتهم وهم أعلم بمعاني كتاب الله وسنة رسوله وأحرص على اتباع لملته من غيرهم، قال بل كانوا ينهون عنه وعن الوقوف عند القبر للدعاء عنده وهم خير القرون التي نص عليها النبي ﷺ في قوله: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، قال عمران: لا أدري أذكر اثنين أو ثلاثًا بعد قرنه).
قال: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، والصواب أنها قرنين، فالقرون المفضلة ثلاثة. أخرجه البخاري في صحيحه.
(المتن)
الثالث: أنهم زعموا أنه دليل للوسيلة إلى الله بغير محمد ﷺ وخرجوا عن محل النزاع إلى شيء آخر، وهو التوسل بغير رسول الله ﷺ ولا دليل فيه أصلاً، لأنهم صرحوا بأنه لا يقاس مع فارق.
فلا يجوز لنا أن نقول: اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك برسولك نوح، يا رسول الله يا نوح.
ولا لنا أن نقول: إنا نسألك ونتوجه إليك بخليلك إبراهيم ولا بكليمك موسى، ولا بروحك عيسى، مع أن الجامع في نوح الرسالة، وفي إبراهيم الخلة مع الرسالة، وفي موسى الكلام مع الرسالة، وفي عيسى روح الله وكلمته مع الرسالة فليس لنا أن نقول هذا لأنه لم يرد، ولا حاجة لنا إلى فعل شيء لم يرد.
والقياس إنما يباح عند من يقول به للحاجة في حكم لا يوجد فيه نص. فإذا وجد النص فلا يحل القياس عند من يقول به ولا حاجة لنا إلى قول مخترع يجر إلى الشرك، خصوصاً مع ما ورد فيه، وأنه في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل وأن هذه الأمة افترقت على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، فالناجية من اتبع ما كان عليه ﷺ وأصحابه.
(الشرح)
هذا الجواب الثالث، الجواب الثالث يقول: (أنهم زعموا أنه دليل للوسيلة إلى الله بغير محمد ﷺ وخرجوا عن محل النزاع).
يعني: هؤلاء المشركين الذين يزعمون يدعون الرسول ﷺ ما اكتفوا بهذا، راحوا يدعون غير الرسول خرج عن محل النزاع، راحوا يدعون فلان والبدوي وفلان وفلان، ما اقتصروا على الرسول، ففتحوا لأنفسهم باب الشرك، يدعون غير الله، قالوا: دعاء الرسول وسيلة إلى دعاء غيره، هم قاسوا، قالوا: نقيس على الرسول غيره، ما في مانع، إذا كان الرسول ندعوه فندعوا غيره بالقياس.
المؤلف قال: قياس فاسد هذا (أنهم عزموا أنه دليل ووسيلة إلى الله بغير محمد ﷺ وخرجوا عن محل النزاع إلى شيء آخر، وهو التوسل بغير رسول الله ﷺ ولا دليل فيه أصلاً، لأنهم صرحوا بأنه لا يقاس مع الفارق). هذا قياس مع الفارق، فلا يجوز لنا أن نقيس مثلاً نوح وإبراهيم وموسى وعيسى على محمد، فلا يجوز لنا أن نقول: اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك برسولك نوح، يا رسول الله يا نوح، ولا أن نقول: إنا نسألك ونتوجه إليك بخليلك إبراهيم ولا بكليمك موسى، ولا بروحك عيسى، مع أن الجامع في نوح الرسالة، وفي إبراهيم الخلة مع الرسالة، وفي موسى الكلام مع الرسالة وفي عيسى روح الله وكلمته مع الرسالة، فليس لنا أن نقول هذا لأنه لم يرد، ولا حاجة لنا إلى فعل شيء لم يرد.
قال: (والقياس إنما يباح عند من يقول به للحاجة في حكم لا يوجد فيه نص). متى يكون القياس؟ عند الحاجة في حكمٍ لا يوجد فيه نص، مثلاً: الرسول ﷺ نص على أن البُر فيه الربا، قال: الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ.
فبيع صار من البُر بصاعين من البُر ربا، طيب أنا احتجت إلى القياس عند أرز، الأرز ما نص عليه الرسول، فأنا أقيس عند الحاجة الفقهاء قاسوا، قالوا: نقيس فيما يوافقه في العلة، فأقول: الأرز كالبُر في جريان الربا في كلٍ منهما بجامع الطُعم، كل واحد منهم مطعوم، أو بجامع الكيل والادخار؛ لأن العلة عند الحنابلة والأحناف جامع الكيل والوزن، أو بجامع الطعم عن الشافعية أو بجامع الادخار عند المالكية، هذا مما احتاج أن أقيس.
لكن هل تقيس في الأصول؟ لا، تقيس دعاء الرسول على دعاء غيره؟ لا، ما يقاس عليه غيره.
قال: والقياس إنما يباح عند من يقول به للحاجة في حكم لا يوجد فيه نص، فإذا وجد النص فلا يحل القياس عند من يقول به). يسمى قياس فاسد إذا وجد النص، القياس مع نص يسمى قياس فاسد الاعتبار.
(ولا حاجة لنا إلى قول مخترع يجر إلى الشرك، خصوصاً مع ما ورد فيه، وأنه –أي الشرك-في هذه الأمة أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ). يشير إلى الحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده وابن السني الشرك في هذه الأمة أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ على صخرة سوداء.
(وأن هذه الأمة افترقت على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة). في الحديث: افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. من هي الناجية؟ «قالوا من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي، هذه الفرقة الناجية، وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق وهم الطائفة المنصورة، من هم؟ هم من يتلمسوا خطى النبي ﷺ.
قال المؤلف: (فالناجية من اتبع ما كان عليه ﷺ وأصحابه). هذه الفرقة الناجية.
(المتن)
(الشرح)
هذا الرابع يقول: (الوسيلة ليست هي أن ينادي العبد غير الله، ويطلب حاجته التي لا يقدر على وجودها إلا الرب تبارك وتعالى). ليست هذه وسيلة شرعية أن ينادي العبد غير الله كالميت يا فلان يا بدوي ويطلب حاجته، يا بدوي اشفي مريضي وهذه لا يقدر عليها إلا الله وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء/80] .
كيف يطلبها ممن لا يملك لنفسه (نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً). كيف يطلبها ممن وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، إن يسلبك الذباب شيئًا ما تستطيع أن تستنقذه، هذا الذي سلبك الذباب تستطيع أن تطلعه تخلصه؟ ما تستطيع، فأنت عاجز.
يقول المؤلف: الوسيلة بالعمل الصالح تستطيع بعملك الصالح، بأسماء الله الحسنى، ليست الوسيلة أن تنادي غير الله وأن تطلب حاجةً منه لا يقدر عليها إلا الله، ليست هذه الوسيلة. تطلب حاجتك من مخلوق ضعيف لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، وإذا سلبه الذباب شيئًا لا يستنقذه منه، تطلب حاجتك منه، هذه هي الوسيلة؟! الوسيلة إنما هو بالعمل الصالح، تسأل الله بالعمل الصالح،
قال المؤلف: (كذلك من سرق التابوت والمعلق عليه من بيض النعام أو غيره). ما معنى هذا الكلام؟ يعلق عليه المحقق في الحاشية: لعل الإمام عبد العزيز رحمه الله يقصد التابوت الذي كان عند بني إسرائيل فأخذه المشركون، فقال لهم نبيهم: إن علامة بركة ملك طالوت عليكم أن يرد الله عليكم التابوت الذي كان أخذ منكم.
وكذلك من سرق التابوت والمعلق عليه من بيض النعام أو غيره، يقول: لعل الإمام يقصد التابوت الذي كان عند بني إسرائيل لما جاء النبي، قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [البقرة/246] . وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة/248].
بني إسرائيل جعل لهم علامة المُلك أن يأتيهم بالتابوت فيه سكينة من ربكم وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة/248] .
ينزل عليهم التابوت تحمله الملائكة، يقول المؤلف: لعل الإمام يقصد التابوت الذي كان عند بني إسرائيل فأخذه المشركون، أخذه المشركون من بني إسرائيل فرده الله عليهم، فقال لهم نبيهم: إن علامة بركة ملك طالوت عليكم أن يرد الله عليكم التابوت الذي كان أخذ منكم، كذلك من سرق التابوت والمعلق عليه من بيض النعام أو غيره.
ما معنى العبارة هذه؟ إيش ارتباطها بما سبق؟
الطالب: ........
الشيخ: كذلك من سرق التابوت والمعلق عليه من بيض النعام، يعني هذا كيف يكون يسرقه من الميت، الميت ما يملكه، الميت ما يملك حتى يقال سرق منه، لكن كيف سرق التابوت؟ سرق ممن؟
على كل حال العبارة يعني فيها يعني: كأنها منفصلة، لكن المحشي يقول: لعله يقصد التابوت تابوت بني إسرائيل أنه الذي أخذه المشركون، قال: من علامته أن يرده الله عليكم.
طيب لكن إيش مناسبتها هنا؟ كذلك من سرق التابوت والمعلق عليه من بيض النعام، على كل حال ما يهمنا هذا، الأمر في هذا سهل.
(المتن)
(الشرح)
قف على هذا أيضًا لا زال المؤلف يسوق الشبه.
وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.