شعار الموقع
شعار الموقع

الرسالة الدينية في معنى الألوهية 5 من قوله فصل ومما استدل به علينا في جواز دعوة غير الله في المهمات - إلى آخر الرسالة

00:00

00:00

تحميل
83

 الحمد لله رب العالين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين أجمعين.

(المتن)

قال الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله تعالى:

فصل: ومما استدل به علينا في جواز دعوة غير الله في المهمات قوله ﷺفي الحديث الذي رواه ابن مسعود: إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا.

وفي رواية إذا أعيت فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ أَعِينُوا وهذا من جملة الجهل والضلال، وإخراج المعاني عن مقاصدها من وجوه.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: ...

فهذا الفصل الذي عقده المؤلف رحمه الله في بيان شبه المشركين الشرعية؛ لأن المشركين لهم شبه شرعية ولهم شبه عقلية.

من الشبه العقلية يقولون: إن الميت له وجاهة عند الله فهو أقرب منا إلى الله، وأيضًا كذلك القياس على الملوك في الدنيا، فإن الملك أو الرئيس في الدنيا ما تستطيع أن تأتي إليه مباشرةً بل لابد أن  تأتي بواسطة، فكذلك قاسوا الرب، قاسوا الخالق على المخلوق فقالوا: كذلك الرب لا يمكن أن ندعوه مباشرة نحن مذنبون، ومتلطخون بالمعاصي والذنوب ما نستطيع أن ندعو ربنا مباشرة لابد أن نأتي بواسطة، رجل صالح يكون واسطة بيننا وبينه، وينقل حوائجنا إلى الله، هذه من الشبه العقلية.

ومن الشبه الشرعية الأدلة، سبق الدليل السابق الذي ذكره المؤلف من الشبه الشرعية وهو حديث الأعمى اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي؛ اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ. قالوا: هذا دليل على دعاء غير الله، رد عليهم المؤلف وأجاب.

فهذه شبه شرعية الآن وهو حديث هذا الحديث وهو حديث ابن مسعود إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا. يعني إذا ضاعت الدابة ولا يجدها ينادي يا عباد الله احبسوا، فإن لله عبادًا يحبسونها يعني من الجن أو من الملائكة، يأتون بها إليه.

وفي حديث آخر: إذا أعيت فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ أَعِينُوا، وفي بعض الآثار: أغيثوني، هذه أدلة شرعية تسمى شبه شرعية للمشركين الذين يجيزون دعاء الأموات.

يقولون: الدابة إذا انفلتت تنادي يا عباد الله احبسوا لا تراهم، كذلك يجوز (...) الميت ما في مانع، فالمؤلف رحمه الله أجاب عنها بسبعة أجوبة، سبعة أجوبة أجاب بها على استدلالهم بهذا الحديث.

قال: أولًا: إن هذه ليست بوسيلة، أنتم تقولون: نجعل الميت وسيلة بينه وبين الله، هذه ما هي بوسيلة، هل هي وسيلة؟ في وسيلة أن تقول إذا انفلت الدابة أن تقول: يا  عباد الله احبسوا، هذه ليست وسيلة، ولو سلمنا أنها وسيلة فالجواب عنها من سبعة أوجه:

أولًا: نقول: هذه ما هي بوسيلة، هل جعلت الدابة وسيلة الآن؟ ما في وسيلة، أين الوسيلة، هم يقولون: الميت وسيلة بينه وبين الله واسطة، هنا جعلت الدابة واسطة ما في، إنما ينادي إن صح الحديث ما في وسيلة، فالحديث أجاب المؤلف أولًا بأن هذه ليست وسيلة.

ثانيًا: لو سلمنا أنها وسيلة فيجاب بستة أجوبة، قال: إن هذا يدل على جهل وضلال هذا المستدل الذي يستدل بهذا الحديث على (...) على الميت، وجعله واسطة بينه وبين الله.

قال: (وهذا من جملة الجهل والضلال، وإخراج المعاني عن مقاصدها من وجوه).

(المتن)

الأول: أن هذه ليست بوسيلة أصلاً، إذ معنى الوسيلة ما يتقرب به من الأعمال إلى الله وهذا ليس بقربة.

(الشرح)

نعم هم يقولون الميت وسيلة بينهم وبين الله، ما هي الوسيلة؟ في قوله  تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة/35].

الوسيلة: التقرب إلى الله بطاعته، هل هذا فيه تقرب إلى الله بطاعته؟ هل إذا انفلتت الدابة وقال: يا عباد الله احبسوا هل في هنا طاعة تتقرب بها؟ ما في، إنما تطلب ممن سمعك أن يحبس دابتك، ما في قربة، هذا الذي جاوب به العلماء أنها ليست بوسيلة؛ لأن معنى الوسيلة في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة/35] .

يعني اطلبوا القربة إلى الله بطاعته، اطلبوا التقرب إلى  الله بطاعته، وإذا انفلت الدابة و نادى يا عباد الله احسبوا ما في قربة، ما في عمل صالح يتقرب به، هذا الجواب الأول، بأن هذه ليست بوسيلة أصلاًح لأن معنى الوسيلة ما يتقرب به من الأعمال الصالحة إلى الله وهذا ليس بقربة.

(المتن)

الثاني: أن الحديثين غير صحيحين.

(الشرح)

الحديثين: الحديث الأول: إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا.

والثاني: إذا أعيت فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ أَعِينُوا، وفي الثالثة في رواية يقول: يَا عِبَادَ اللهِ أَغِيثُونِي، كلها أحاديث غير صحيحة، ولو سلمنا أنها صحيحة فتأتي الأجوبة أيضًا، الحديثين غير صحيحين استدل بهما المشبه.

(المتن)

أما الأول فرواه الطبراني في الكبير.

(الشرح)

ما هو الأول؟ حديث ابن مسعود إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا.

(المتن)

رواه الطبراني في الكبير بسند منقطع عن عقبة ، وحديث انفلات الدابة عزاه النووي رحمه الله لابن السني وفي إسناده معروف بن حسان، قال بن عدي هو منكر الحديث

(الشرح)

يعني المؤلف يقول: الحديث الأول: إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ. رواه الطبراني بسند منقطع، منقطع بين عتبة وبين الراوي وإذا كان الحديث إسناده منقطع يكون ضعيف، وأيضًا في سنده معروف بن حسان وهو ضعيف، فهو منقطع وفيه راوي ضعيف فيكون الحديث ضعيف، والضعيف لا يحتج به، فالحديث الأول بسند منقطع والثاني حديث الدابة في إسناده معروف بن حسان وهو منكر الحديث.

(المتن)

ولا دليل في هذين الحديثين مع ضعفهما ولا في الحديث المتقدم قبلهما على دعاء أصحاب القبور.

(الشرح)

يعني المؤلف يقول: الحديثان ضعيفان، الأول هو حديث:  إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ فهو ضعيف للانقطاع بين الراوي عتبة والراوي عنه زيد بن علي بن الحسين، وإذا كان الحديث منقطع يكون ضعيف، الثاني ضعيف لأنه في سنده منكر الحديث وهو معروف بن حسان.

قال رحمه الله: (ولا دليل في هذين الحديثين مع ضعفهما ولا في الحديث المتقدم قبلهما على دعاء أصحاب القبور).

ما هو الحديث  المتقدم؟ حديث الأعمى الذي قال: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، ما في دليل على دعاء الأموات؛ لأن الأعمى رجلٌ حاضر طلب من النبي أن يدعو له أن يرد عليه بصره فدعا النبي وهو يؤمّن، هل هذا دليل على دعاء أصحاب القبور؟ ما في دليل، يقول: هذان الحديثان والحديث السابق كل الأحاديث الثلاثة ليس فيها دليل لأصحاب القبور الذين يزعمون دعاء الأموات.

(المتن)

ولا دليل في هذين الحديثين مع ضعفهما ولا في الحديث المتقدم قبلهما على دعاء أصحاب القبور كعبد القادر الجيلاني من قطر شاسع، بل ولا من عند قبره ينادي غيره لا الأنبياء، ولا الأولياء، إنما غايته أن الله جعل من عباده من لا يعلمهم إلا هو سبحانه وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ.

وإذا نادى شخصاً باسمه معيناً فقد كذب على رسول الله ﷺ ونادى من لا يؤمر بندائه، وليس معنى الحديث في كل حركة وسكون وقيام وقعود، وإنما أبيح له ذلك إن أراد عوناً على حمل متاعه أو انفلتت دابته، وهذا مع تقدير صحة الحديث.

(الشرح)

واضح إذًا الجواب الأول أن الحديثين غير صحيحين، لأنهما ضعيفان، وإذا كان ضعيفين فكيف يستدل بهما المشركون على دعاء أصحاب القبور كعبد القادر الجيلاني؟ عبد القادر الجيلاني هذا رجل صالح من علماء الحنابلة، وله كتاب " الغنية " ولما مات عبدوا قبره له قبر يسمى قبر عبد القادر الجيلاني، ينادونه من بعيد يا عبد القادر الجيلاني يا عبد القادر يا فلان يا علي يا حسين ينادونهم، يقول: هل هذا دليل لأصحاب القبور أن ينادونهم من قطر شاسع أي من مكان شاسع، قطر البلد، بل حتى ولو كان عند قبره يناديه، لا يجوز هذا سواء ناداه من مكانٍ بعيد أو نداه عند قبره كل هذا ممنوع.

بل ولا ينادي حتى غيره، لا ينادي الأنبياء جميعًا، لا يجوز أن ينادي يقول: يا موسى أو يا عيسى أو يا نوح أو يا إبراهيم أو يا محمد حتى الأنبياء، ولا الأولياء ما في دليل على هذا، غايته لو صح أن الله تعالى جعل من عباده من لا يعلمهم إلا هو قال تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر/31] .

وجعل من عباده إما من مؤمني الجن أو من الملائكة لو صح الحديث، فيكون الحديث معناه أنه إذا انفلتت دابته ينادي عبادًا صالحين لله من مؤمني الجن أو من الملائكة يقول: يا عباد الله احبسوا لي الدابة، لو صح، لكن الحديث لا يصح.

قال: أما لو نادى شخصًا بعينه يا فلان يا علي يا حسين يستدل بهذا الحديث نقول: كذب على الرسول، الرسول ما قال ادعوا علي ولا حسين قال: فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا، ما قال شخص معين فإذا نادى علي أو حسين أو عبد القادر الجيلاني واستدل بهذا الحديث يكون قد كذب على الرسول؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما قال نادى شخص معين، وإنما قال إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا، هذا لو صح الحديث.

لكنه لا يصح، هذا جواب على تقدير، جواب فرضي، يعني لو صح لو قدر صحته لكان هذا هو الجواب، إذا نادى شخص معين باسم معين فقد كذب على رسول الله ﷺونادى من لم يؤمر بندائه، وليس معنى الحديث ما يفعله عباد القبور ينادي الميت في كل حركة وفي كل سكون وفي كل قيام وفي قعود.

تجد بعض عباد القبور كل ما تحرك على لسانه معبوده يناديه ويلهج بذكره كما ينادي الموحد ربه، إذا قام قال يا علي، إذا جلس قال: يا حسين، إذا سقط قال: يا علي، بدل ما يقول: بسم الله أو يقول يا الله يقول: يا علي يا حسين.

إذا استغفر قال: يا علي، إذا فرع قال: يا علي يا حسين، يا عبد القادر هذا يقول: ما في دليل على أنه في كل حركة وفي كل سكون وفي كل قيام وفي كل قعود، وإنما أبيح له متى؟ قال: على تقدير صحة الحديث إذا أراد عونًا على حمل متاعه، إذا أراد أحد أن يعينه على حمل متاعه وانفلتت دابته قال: يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا.

يقول المؤلف: (هذا مع تقدير صحة الحديث).

(المتن)

الثالث: إن الله تعالى قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً [المائدة/3] فبعد أن أكمله بفضله ورحمته فلا يحل أن نخترع فيه ما ليس منه ونقيس مالا قياس عليه.

(الشرح)

نعم الجواب الثالث أن الله أكمل لنا الدين بنص الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً  [المائدة/3] .

فإذا كان الدين كامل فكيف يأتي شخص ويخترع في دين الله ما ليس منه ويقس الخالق على المخلوق ويقول: ندعو الميت نجعل واسطة بيننا وبين الله كما نجعل الواسطة بيننا وبين الملوك، والدين كمل، الدين كامل من أين تأتي بهذا؟

تخترع شيء وتقيس الخالق على المخلوق والدين كامل، أكمل الله لنا هذا الدين وتوفي النبي فلا سبيل للزيادة، فأنت مستدرك على الله وعلى رسوله حينما  تزيد في الدين ما ليس منه.

(المتن)

الرابع: أن الحديث الصحيح إذا شذ عن قواعد الشرع لا يعمل به، فإنهم قالوا إن الحديث الصحيح الذي يعمل به إذا رواه العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة، فكيف العمل بالحديث المتكلم فيه بما يدل عليه دلالة مطابقة، ولا تضمن، ولا التزام، فهذا هو البهتان.

(الشرح)

هذا يدل على أن المؤلف رحمه الله محدث، ويعرف شروط صحة الحديث يقول: الحديث الصحيح إذا صح سنده وكان شاذًا فلا يُعمل به؛ لأن الحديث الصحيح له خمسة شروط لابد من توفرها حتى يكون حديث صحيح يُعمل به.

الشرط الأول: أن يكون رواته عدول.

الشرط الثاني: أن يكون رواته ضابطون.

الشرط الثالث: أن يكون السند متصل من أوله إلى آخره.

الشرط الرابع: ألا يكون الحديث شاذًا.

الشرط الخامس: ألا يكون الحديث فيه علة قادحة.

وهذا الحديث لو سلمنا أنه رواه عدول ضابطون والسند متصل وليس فيه علة نقول: شاذ، مخالف للأحاديث الصحيحة حتى لو كان سنده صحيح، ولو كان سنده قائم إقامة السهم فالحديث شاذ مخالف للنصوص من كتاب الله ومن سنة رسوله والحديث إذا كان شاذ فيكون ضعيف، ولو صح السند، وهذا شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة مخالف للنصوص، فيجب اضطراحه هذا لو صح السند، فكيف والحديث متكلم فيه ضعيف منقطع، الثاني ضعيف.

ولذلك قال: (فكيف العمل بالحديث المتكلم فيه بما لا يدل عليه). لا يدل الحديث على معنى صحيح لا دلالة مطابقة، هذه دلالة السلف عند (..) ما هي؟ دلالة المطابقة: دلالة الشيء على جميع معناه، ودلالة التضمن: دلالة الشيء على جزء من معناه، ودلالة الالتزام: دلالة الشيء على خارج معناه، مثال ذلك: الرحمن، الرحمن: اسم الله يدل على شيئين ما هما؟ إثبات اسم الرحمن لله ويدل على صفة الرحمة.

  • الرحمن يدل على شيئين ما هما؟.
  1. أن الرحمن اسم من أسماء الله.
  2. أنه صفة لله.

فدلالة الرحمن على الأمرين على الاسم وعلى الصفة دلالة مطابقة، دلالة الرحمن على الاسم فقط أو على الصفة فقط دلالة تضمن، دلالة الرحمن على صفة الحياة دلالة التزام، الرحمن لابد أن يكون حيًا فله صفة الحياة، ودلالته على الحياة دلالة على شيء خارج معناه، هذه الدلالات الثلاث وسبق أن ذكرناه.

وهذا يدل على أن المؤلف رحمه الله يعني عنده تأصيل وعنده فهم والأحاديث والمعاني، يعرف شروط الحديث الصحيح، يعرف الدلالات، دلالة المطابقة والتضمن والالتزام، فهي معروفة الدلالات عند الأصوليين.

قال المؤلف: (هذا هو البهتان)، أن يعمل بحديث صحيح وهو شاذ ولا يدل على ما استدل به المستدل لا دلالة مطابقة ولا تضمن ولا التزام.

(المتن)

الخامس: أنهم عمروا مواقفهم بذكر من يعتقدون ونسبوا الأفعال إليهم، وكل أحد يذكر ما وقع له من الاستغاثة بفلان وأنه أنجده، وكشف شدته.

فإذا قال أحد سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ قاموا عليه وخرجوه وبدعوه، وقالوا معلوم أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فإذا قال نعم ولكن ليس لأحد منهم ملكوت خردلة والله يقول: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ[فاطر/13-14].

فإن منهم من يدعي العلم والإنصاف وهو واسع الصدر يقول هذه الآية نزلت في عباد الأصنام فإذا قيل له الأصنام:ودٌ، وسواعٌ، ويغوث، ويعوق أسماء رجال صالحين، وهذه الخرق على التوابيت ودعوة الأموات هي فعل عباد الأصنام.

وقد قرر أهل العلم أن العامة لا يقصر على السبب، مثلاً: أن نتحيل ألا نؤدي الأمانة، فإذا قيل: أدوا الأمانة فإن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء/58] . فلا يقال: هذه نزلت في مفتاح باب الكعبة فلا يحتج بها عامة، كذلك لا يقال: هذه نزلت في عباد الأصنام وتفعل فعلهم وتقول لسنا مشركين.

وفي الأحاديث القدسية عن خير البرية ﷺأنه قال: قَالَ اللّٰهُ  إِنِّي وَالإِنْسُ وَالْجِنُّ فِي نَبَإٍ عَظِيمٍ أَخْلُقُ وَيُعْبَدُ غَيْرِي وَأَرْزُقُ وَيُشْكَرُ غَيْرِي، أخرجه الحاكم والترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء .

فيجيب بأن الأمة مطبقة على هذا، والأمة لا تجتمع على ضلالة، فيلزم منه تضليل الأمة وتسفيه الآباء، وجوابه: أما أن الأمة مطبقة على هذا فكذبٌ عليها، هذه كتب الحديث والتفسير ليس فيها يجوز أن يدعى غير الله بما لا يقدر عليه إلا هو تعالى، ولا يباح، بل الآيات البينات والأحاديث وأقوال العلماء ترشد أن هذا شركٌ محقق والله تعالى يقول لرسوله ﷺ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام/151] . ويقول: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء/23] . والأحاديث ونصوص العلماء لا تخالف الكتاب.

(الشرح)

هذا الجواب الخامس، هذا الجواب الخامس جوابٌ طويل، يقول المؤلف رحمه الله: (الخامس: أنهم عمروا مواقفهم بذكر من يعتقدونه ونسبوا الأفعال إليهم).

يعني هؤلاء المشركين عمروا أوقاتهم يعني أوقاتهم ومجالسهم كلها عمروها بذكر معبوديهم من الأموات، وينسبون الأفعال إليهم ويحيكون القصص، الذين يعبد البدوي يقول: حصل من البدوي كذا فلان دعاء البدوي وفرجت كربته، وفلان دعاه أن يرزق ولد فرزق ولد يحيكون القصص، وفلان سأله الرزق فرزق وكان من مدة طويلة ما وجد وظيفة، يحيكون القصص، عمروا أوقاتهم ومواقفهم ومجالسهم كلها بذكر هؤلاء المعبودين من الأموات ويحيكون القصص ويضحكون حولها وأنه فعل كذا وكذا، وأن من دعاه حصل له كذا، وأن هناك من دعوهم حصل لهم كذا وكذا إلى آخره، ونسبوا الأفعال إليهم.

قال: (وكل أحد يذكر ما وقع له من الاستغاثة بفلان وأنه أنجده، وكشف شدته). يقول: أنا دعوته وكشف كربتي، أنا دعوته ونجاني من البحر، أنا دعوته وأعطاني الولد، جعلوه إله يحيكون القصص.

(فإذا قال أحد سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ وأنكر عليهم قاموا عليه وخرجوه وبدعوه). قالوا: أنت خارجي أنت مبتدع أنت ما تحب الصالحين أنت تتنقص الصالحين وتنزلهم عن مرتبتهم، ألم يقل لهم: ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [يونس/62] . طيب هذا فضلهم، فضلهم لهم ما ينتقل إليك.

 يقول: ألم يقل لهم: لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ [الشورى/22] . هكذا يستدلون، لهم ما يشاءون عند ربهم ما في مانع، فإذا نهاه رماه بالتهم: أنت خارجي أنت مبتدع، خرجوه و بدعوه.

 (وقالوا معلوم أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). إذا قال: نعم، ولكن ليس لأحدٍ منهم ملك، ما يملك وصحيح لا خوفٌ عليهم، لكن هل يملك لا يملك ولا مثقال ذرة ما يملك، المالك هو الله، اسأل ربك، هذا صحيح الولي لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، لكن هل الولي يملك؟ هل يعطي ويمنع؟ من الذي يعطي ويمنع؟ هو الله.

 (فإذا قال نعم ولكن ليس لأحد منهم ملكوت خردلة والله يقول: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر/13-14] ). خص الملك لله، المخلوق ما له ملك.  وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر/13] . أتدري ما القطمير؟ اللفافة القشرة الرقيقة البيضاء التي تكون على النواة، ما يملك، ثم قال تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر/14] . ما يسمع لأنه بلي وصار تراب كيف تدعو التراب وتنسى رب الأرباب، ما يسمع، ولو سمع على فرض التقدير ما استجاب لكم ما يجيبك ما في يده شيء. إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر/14] . يعني يعاديك ويتبرأ منك وينكر دعوتك إلى الله، يقول: أنا ما أمرتك بعبادتي أنا مخلوق، وسماه الله شركًا، يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر/14] . من الذي سماه شركًا؟ الله يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر/14] . وهو الله.

قال رحمه الله : (يكون جواب من يدعي العلم والإنصاف)، من المشركين من يدعي العلم والإنصاف، العلم والإنصاف وهو واسع الصدر وهو يقول: هذا علم هذه الآية نزلت في عباد الأصنام ود، وسواع، ويغوث، كيف تجعلني مثل عباد الأصنام؟ أنا أشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأصلي وأصوم كيف تجعلني مثل عباد الأصنام؟ هذه الآية ليست فينا يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر/14]. هذه في عباد الأصنام نحن مسلمون لا تنطبق علينا الآيات نقول: ليش ما تنطبق؟ أنت مشرك الآن، كل مشرك تنطبق عليه طالما وقعت في الشرك حكمك مثل حكم عباد الأصنام ما في فرق.

من يدعي هذا يقول: (أن هذه الآية نزلت في عبادة الأصنام فيقال له الأصنام:ودٌ، وسواعٌ، ويغوث، ويعوق ونسرًا أسماء رجال صالحين، وهذه الخرق على التوابيت ودعوة الأموات هي فعل عباد الأصنام). يقولون: ما هو فعلنا نحن ما نسوي هذا، ما نجيب خرق ولا كذا.

يقول المؤلف رحمه الله : (وقد أقر أهل العلم أن العامة لا يقصر على السبب). يعني العام نقول له لماذا تعبد الأصنام؟ لكن هل هي خاصة بعباد الأصنام؟ هذا عام، والعام لا يقصر على السبب، ليست خاصة بهم، مثال ذلك: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء/58] . هذه نزلت في رد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن أبي شيبة لو قال شخص: أنا ما أؤدي الأمانة هذه خاصة بعثمان خاصة بالمفتاح، نقول: لا، صحيح أنها نزلت في إعطائه المفتاح لكن هي عامة تشمله وتشمل غيره، كذلك الآية نزلت في عباد الأصنام لكن تشمل المشركين الأموات.

قال: (وقد أقر أهل العلم أن العام لا يقصر على السبب،  مثلاً: أن نتحيل ألا نؤدي الأمانة، فإذا قيل: أدوا الأمانة فإن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء/58] . فلا يقال: هذه نزلت في مفتاح باب الكعبة فلا يحتج بها عامة، كذلك لا يقال: هذه نزلت في عباد الأصنام وتفعل فعلهم وتقول لسنا مشركين.

وفي الأحاديث القدسية عن خير البرية ﷺأنه قال: قَالَ اللّٰهُ  إِنِّي وَالإِنْسُ وَالْجِنُّ فِي نَبَإٍ عَظِيمٍ أَخْلُقُ وَيُعْبَدُ غَيْرِي وَأَرْزُقُ وَيُشْكَرُ غَيْرِي، أخرجه الحاكم والترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء . فيجيب بأن الأمة مطبقة على هذا) الأمة مطبقة على دعاء الأموات.

(والأمة لا تجتمع على ضلالة)، قال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، ولو قلت: إن هذا شرك دعاء غير الأموات والأمة مطبقة عليه(فيلزم منه تضليل الأمة وتسفيه الآباء). يعني ما في أحد الأمة كلها مطبقة يدعون الأموات، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، ويلزم من هذه أن الآباء كلهم آباءنا كلهم سفهاء.

الجواب يقول: هذا كذب الأمة مطبقة على عبادة القبور من قال له أن الأمة مطبقة على هذا، أهل الحق المسلمون ما يدعون الأموات من قال إن الأمة مطبقة على هذا؟! هذا من التلبيس، أما أن الأمة مطبقة على هذا فهذا كذبٌ عليها.

(وجوابه: أما أن الأمة مطبقة على هذا فكذبٌ عليها، هذه كتب الحديث والتفسير ليس فيها يجوز أن يدعى غير الله بما لا يقدر عليه إلا هو تعالى، ولا يباح، بل الآيات البينات والأحاديث وأقوال العلماء ترشد أن هذا شركٌ محقق والله تعالى يقول لرسوله ﷺ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا  [الأنعام/151] . ويقول: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء/23] . والأحاديث ونصوص العلماء لا تخالف الكتاب). بل توافقه.

(المتن)

السادس: أنهم اختلفوا في التوسل إليه بشيء من مخلوقاته تعالى وتقدس هل هو مكروه أو حرام، والأشهر الحرمة كما قال به أبو محمد العز بن عبد السلام في فتاويه أنه لا يجوز التوسل إليه بشيء من مخلوقاته لا الأنبياء ولا غيرهم، وتوقف في حق نبينا محمد ﷺهل فيه الحرمة أو الكراهة، وتقدم قول أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله.

(الشرح)

السادس يقول: (أنهم اختلفوا في التوسل إلى الله بشيء من مخلوقاته).

يعني توسل إليه مثلاً بالعرش أو بالكرسي هل يجوز أولا يجوز؟ على قولين:

القول الأول: أنه مكروه.

القول الثاني: أنه حرام.

والصواب أنه حرام لا يجوز التوسل بشيء من المخلوقات، وإنما نتوسل إلى الله بأي شيء؟ بالأعمال الصالحة بالإيمان بالتوحيد بأسمائه الحسنى، بفقر الإنسان وحاجته، بدعاء الحي الحاضر، أما التوسل بالسماء أو بالأرض أو بالكرسي أو بالعرش هذا لا يجوز على الصحيح.

( كما قال به أبو محمد العز بن عبد السلام في فتاويه أنه لا يجوز التوسل إليه بشيء من مخلوقاته لا الأنبياء ولا غيرهم، وتوقف في حق نبينا محمد ﷺ). إلا بنبينا محمد وهي رواية عن الإمام أحمد وهي ضعيفة أنه يجوز التوسل بذات النبي خاصة دون غيره لكن هذه رواية ضعيفة والصواب أنه لا يجوز التوسل بذات النبي ، لا النبي ولا غيره.

 (وتوقف في حق نبينا محمد ﷺ هل فيه الحرمة أو الكراهة). كذلك الحلف بعضهم أجاز الحلف بالنبي بذاته وهذا قول ضعيف.

(وتقدم قول أبي حنيفة) أن أبا حنيفة قال: إنه لا يجوز الحلف بمعاقد العز من عرشه، وأجازه أبو يوسف؛ لأن أبا حنيف قال: معاقد العز من عرشه هذه مخلوق ولا يجوز التوسل بالمخلوق، وقال أبو يوسف: لا، ليس بمخلوق معاقد العز من عرشه صفةٌ من صفاته، فيجوز، الاختلاف بينهما لأن أبو حنيفة يراه أنه مخلوق فلا يجوز، وأبو يوسف يرى أنه غير مخلوق وأنه صفة فيجوز.

(المتن)

السابع: أنهم يشترون أولادهم ممن يعتقدونه ويجعلون زوايا لمن يعتقدونه ويفعلون فيها الطبول والبيارق والمزاهر ومطارق الحديد يضربون بها أنفسهم، وفيها جماعة ينسبون إلى ذلك المعتقد كالعلوانية، والقادرية والرفاعية وأشباههم، وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.ويعبدون أنفسهم لها كعبد فلان وفلان والله قد سمانا المسلمين. قال الله تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ [الحج/78] . في كتب منزلة كالتوراة والإنجيل وفي هذا القرآن، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.

وإذا مرض هذا المشتري من المعتقد نذر أهله له النذور، ولم يزل يستغيث به أن يشفي سقمه، ويكشف شدته، وهذا الأمر سرى في العلماء والجهال، وفي مكة أكثر فهم قد غلبت عليهم العوائد وسلبت عقولهم من تفهم المراد والمقاصد، من الكتاب والسنة، وكلام الأئمة، ولم يجدوا هذا في كتاب فروع أحدٍ منهم ولا أصوله صانهم الله عن هذه الوصمة، فما استدلوا به مما تقدم لا يكون دليلاً على التوسل بالأموات للمعلوم حالهم أنهم في أعلى الجنان، فكيف غيرهم ممن لا يعلم حاله في الآخرة ولا يدرى أين مآله؟ أم كيف يكون دليلاً على دعوة غير الله في المهمات ويقال: الوسيلة، ويستدل لها بهذا: سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم [النور/16] . وتحريف للكلم عن مواضعه.

(الشرح)

نعم هذا الرد السابع يقول المؤلف: (السابع: أنهم يشترون أولادهم ممن يعتقدونه ويجعلون زوايا لمن يعتقدونه). كأنهم ينذرون  أولادهم لهم، ويجعلون زوايا يعني في أمكنة متعددة مثل زوايا الصوفية وغيرها لمن يعتقدونه (ويفعلون فيها الطبول والبيارق والمزاهر ومطارق الحديد يضربون بها أنفسهم)، ومنهم جماعة ينتسبون إلى هذه المعتقد يسمون العلوانية نسبة إلى أحمد بن علوان الصوفي اليماني، المتوفى سنة 665 كما ذكر (..).

 (والقادرية) طريقة صوفية تنسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، تسمى القادرية.

(والرفاعية) نسبة إلى أحمد الرفاعي أبو العباس ولد سنة 512 وفيها مؤلفات، إذًا الرفاعية والقاديرية والعلوانية والنقشبندية والزهروندية والشاذلية والتجانية، كل هذه طرق صوفية توصل إلى النار، وكل طريقة لها شيخ وهذا يوجد الآن، الأخوان الوافدين من أهل البلد يعرفون أنه وجد في البلاد، إذا خرجت من المملكة تجد الطرق الصوفية في كل بلد، في الشام وفي مصر وفي ليبيا وفي باكستان وفي كل مكان.

كل مكان تجد فيه صوفية وفيها طرق عشر طرق عشرين طريق كل طريقة لها شيخ، هذه الرفاعية هذه القادرية هذه النقشبندية هذه التجانية الزهروردية هذه العلوانية، هذه الرفاعية هكذا ولهم أرواد خاصة، وبعضهم يعتقد أن الأوراد أفضل من القرآن بستة ألاف مرة، هكذا يقولون، ولهم أوراد يقرؤونها في الصباح والمساء، والقرآن يهجرونه.

أوراد شركية ومنهم من يقرأ قصيدة البوصيري الهمزية يقرؤونها ورد صباحًا ومساء

يَا أكْرمَ الْخلْقِ مَا لِيْ مَنْ الُوْذ بهِ سِوَاكَ عِنْد حلُوْلِ الْحادث الْعَمِمِ

 يقرأها في الصباح والمساء،و هي فيها شرك فيها غلو، وهكذا استحوذ عليهم الشيطان تركوا القرآن وصاروا يقرؤون الشركيات ويتعبدون بها.

يقول المؤلف رحمه الله: (ويعمرونها بآلات الطرب واللهو والمزاهر ومطارق الحديد يضربون بها أنفسهم)، مثل ما يفعل الشيعة ويتقربون بذلك إلى الله.

يقول المؤلف: (وهذه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان). يعني العلوانية والقادرية إلى آخره كل هذه الأسماء صوفية ويفعلون الشركيات.

(ويعبدون أنفسهم لها) يعبد يقول: عبد القادر، عبد الرافعي، عبد الجيلاني، يعبدون أنفسهم، كما يعبد المشرك اللات يعبد يقول: عبد فلان، عبد البدوي عبد كذا، كما يعبد المشركون عبد اللات وعبد العزى.

قال رحمه الله : (والله قد سمانا المسلمين. قال الله تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ [الحج/78]) . هو سماكم المسلمين من قبل يعني في الكتب المنزلة، في التوراة والإنجيل في هذا وفي القرآن سمانا مسلمين، سماكم المسلمين من قبل يعني: من قبل نزول القرآن في التوراة والإنجيل والزبور، وسمانا مسلمين في هذا القرآن.

(فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير). استبدلوا: يعني تركوا الذي هو خير وهي التسمية الإسلامية وسموا أسماء شركية.

قال رحمه الله : (وإذا مرض هذا المشتري من المعتقد)، الذي اشترى أو باع نفسه للصنم أو الوثن أو للطريقة الصوفية (نذر أهله له النذور، ولا يزالون يستغيثون به أن يشفي سقمه، ويكشف شدته، وهذا الأمر سرى في العلماء والجهال).

يقول في بعض الطبعات: (يعتقدون فيه السر والبركة ويعبدونهم لها ويبنون لها الزوايا ويعمرونها بآلات الطرب اللهو ومطارق الحديد يضربون بها أنفسهم من أولئك الجماعة الذين يعرفون بالعلوانية والقادرية والرفاعية وأشباههم وهذه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان).

يقول: (وهذا الأمر)، يعني هذه الشركيات (سرى فيها العلماء والجهال)، استبرؤوا  هذا، علماء لأن أهل الشرك لهم علماء قال الله تعالى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [غافر/83] .

  والنبي ﷺلما بعث معاذ إلى اليمن قال: إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، عندهم علم، فالمشركون لهم علوم فرحوا بما عندهم من العلم، وهؤلاء العلم الذي معهم سرى في العلماء والجهال، كلهم على حدٍ سواء.

قال رحمه الله : (في مكة أكثر)، يعني في زمانه، في ذاك الزمان.

يقول رحمه الله : (فهم قد غلبت عليهم العوائد)، كل واحد اعتاد هذا يعني نشأ في هذا وورث هذا عن آبائه وأجداده و يعبد الوثن ويدعوه من دون الله. (وسلبت عقولهم من تفهم الكتاب والسنة)، ما يعرفون الكتاب والسنة، ما يعرفون ما يقولو شيوخهم. 

(وسلبت عقولهم عن تفهم المراد والمقاصد، من الكتاب والسنة وكلام الأئمة،و لم يجدوا هذا في كتاب فروع أحدٍ منهم ولا أصوله). يقول: لا توجد هذه الشركيات حتى في كتب الأئمة الله تعالى صانهم عن هذه الوصمة أو هذا العار، لا يوجد هذا في كتاب فروع أحدٍ منهم ولا أصوله (صانهم الله عن هذه الوصمة، فما استدلوا به مما تقدم لا يكون دليلاً على التوسل بالأموات).

هذه كلها أدلة فاسدة لا تكون دليل على التوسل بالأموات (المعلوم حالهم أنهم في أعلى الجنان)، يقول: التوسل بالأموات الصالحين مثل الأنبياء أو غيرهم معروف أنهم في أعلى الجنان؛ لأنهم ما أمروا بهذا، فهم عبدوا عيسى وعبدوا كذا وعبدوا عزير وعبدوا أُناسًا صالحين هم الآن في أعلى الجنان وهم ما يرضون بهذا إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء/101] .

(فكيف غيرهم ممن لا يعلم حاله)، إذا كان هؤلاء في أعلى الجنان وعبدوا من دون الله ولا يجوز هذا فكيف بمن عبد فاسقًا أو زنديقًا أو كافرًا أو من لا يعلم حاله!.

(فكيف غيرهم ممن لا يعلم حاله في الآخرة ولا يدرى أين مآله؟ أم كيف يكون دليلاً على دعوة غير الله في المهمات ويسمى الوسيلة). ويستدلون بهذه الأدلة الفاسدة.

قال المؤلف:  سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم [النور/16] . وتحريف للكلم عن مواضعه).

(المتن)

فصل: فبهذا يتبين أن الشيطان اللعين نصب لأهل الشرك قبورا يعظمونها ويعبدونها من دونها أوثانا من دون الله ثم أوحى إلى أوليائه أن من نهى عن عبادتها واتخاذها أعيادا وجعلها والحالة هذه أوثانا فقد انتقصها وغمصها حقها، فيسعى الجاهلون المشركون في قتالهم وعقوبتهم.

وما ذنبهم عند هؤلاء إلا أنهم أمروهم بإخلاص التوحيد، ونهوهم عن الشرك بأنواعه وقالوا بتبطيله، فعند ذلك غضب أولئك المشركون، واشمأزت قلوبهم وهم لا يؤمنون.

وقالوا قد انتقصوا أهل المقامات والرتب، واستحقوا الويل والعتب، وفي زعمهم أنهم لا حرمة لهم لدينا ولا قدرا حتى يسري ذلك في نفوس الجهال والطغام وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين، والذين أحبو الأولياء وأتباع المرسلين  وبسبب ذلك عادونا ورمونا بالعظائم والجرائم، ونسبوا كل قبيح إلينا ونفروا الناس عنا وعما ندعو إليه ووالوا أهل الشرك وظاهروهم علينا، وزعموا أنهم أولياء الله وأنصار دينه ورسوله وكتابه ويأبي الله ذلك، فما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون، الموافقون له، العارفون به، وبما جاء به، والعاملون به، والداعون إليه لا المتشبعون بما لم يعطوا، اللابسون ثياب الزور، الذين يصدون الناس عن دين نبيهم وهديه وسنته ويبغونها عوجًا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.باتباعه واحترامه والعمل به

وتعظيم الأنبياء والأولياء واحترامهم متابعتهم لهم فيما يحبونه وتجنب ما يكرهونه وهم أعصى الناس لهم وأبعدهم منهم ومن هديهم ومتابعتهم كالنصارى مع المسيح وكاليهود مع موسى،والرافضة مع علي

فأهل التوحيد أين كانوا أولى بهم وبمحبتهم ونصرة طريقهم وسنتهم وهديهم ومنهاجهم، وأولى بالحق قولاً وعملاً من أهل الباطل، فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، والمنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات بعضهم أولياء بعض.

(الشرح)

هذا الفصل عقده المؤلف رحمه الله لبيان أن المشركين تطورت بهم الحال، وانقادوا للشيطان وزاد شركهم ظلمات، فبدل من أنهم يقتصروا على أن يبعدوا الأموات ويدعونهم، صاروا يدعون الناس إلى عبادة الأصنام والأوثان، صاروا يدعون الناس، صاروا دعاة للشيطان دعاة للشرك.

أولًا: وقعوا في الشرك فقط.

ثانيًا: تطور بهم الحال إلى أنهم يدعون الناس إلى الشرك هذا هو دين الإسلام هذا هو الدين.

ومن نهاهم عن دعوة  الناس إلى الشرك قالوا: هذا ما يحب الصالحين هذا تنقص الصالحين أنزلهم من رتبهم العالية وصاروا من شرور الناس، يقولون: انظروا هؤلاء يبغضون الصالحين يبغضون الأنبياء، لا يعطونهم حقوقهم، الله تعالى يقول: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. لهم رتب عالية، وهكذا صاروا دعاة للشرك بدلا من أن يقعون في الشرك فقط صاروا يدعون الناس، دعاةٌ للشرك والعياذ بالله، وهكذا تطورت بهم الحال.

 يعني:هذا الشيطان يدعو الإنسان أولًا إلى البدعة يدعوه إلى المكث عند القبر ودعاء الله عنده والصلاة عنده فإذا وافقه واستمر على ذلك دعاه إلى أن يدعو الميت من دون الله، فإذا وافقه ودعاه إلى أن يدعو الناس إلى هذا الشرك.

فإذا أطاعه يعني: زاد على كونه يدعو يقول: إن من نهى عن الشرك فهو يتنقص الأولياء والصالحين وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور/40] .

ولهذا قال المؤلف: (فصل: فبهذا يتبين أن الشيطان اللعين نصب لأهل الشرك قبورًا يعظمونها ويعبدونها أوثانا من دون الله). هذا الأول.

(ثم أوحى إلى أوليائه أن من نهى عن عبادتها واتخاذها أعيادا فقد انتقصها وغمصها حقها). الذي ينهى عن الشرك يقول: هذا انتقص الصالحين وهضمهم حقهم.

 (وما ذنبهم عند هؤلاء إلا أنهم أمروهم بإخلاص التوحيد، ونهوهم عن الشرك). وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج/8] .

(وما ذنبهم عند هؤلاء إلا أنهم أمروهم بإخلاص التوحيد، ونهوهم عن الشرك بأنواعه وقالوا بتبطيله، فعند ذلك غضب أولئك المشركون، واشمأزت قلوبهم)وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر/45] .

(وقالوا قد انتقصوا أهل المقامات والرتب)، نقصوهم حقهم ما أعطوهم حقهم.

(فاستحقوا الويل والعتب، وفي زعمهم أنهم لا حرمة لهم لدينا ولا قدر، حتى يسري ذلك في نفوس الجهال والطغام وكثير ممن ينتسب إلى العلم).

وجاء في نسخة: (وزعموا أنا لا نحترم الصالحين ولا نحبهم حتى سرى ذلك في نفوس الجهال والطغام وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين). والذين أحبوا الأنبياء وأتباع المرسلين يعني عادوهم (وبسبب ذلك عادونا)، بسبب كون نهينا عن الشرك وأمرناهم بالتوحيد عادونا (ورمونا بالعظائم والجرائم، ونسبوا كل قبيح إلينا ونفروا الناس عنا). يعني: هؤلاء المشركين رموا أئمة الدعوة، الدعوة السلفي التي جاء بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رموه بالعظائم والجرائم ونسبوا كل قبيح إليهم ونفروا الناس.

قال: (ونفروا الناس عنا وعما ندعو إليه ووالوا أهل الشرك وظاهروهم علينا)، يعني: عاونوا علينا.

(وزعموا أنهم أولياء الله وأنصار دينه)، هم زعموا أنهم أولياء الله وأنصار دينه.

(ورسوله وكتابه ويأبي الله ذلك، فما كانوا أولياءه) المشركون ما كانوا أوليائه كما قال الله عن المشركين: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأنفال/34]  الموافقون له، العارفون به، وبما جاء به، والعاملون به)، هؤلاء هم أولياء الله.

(والداعون إليه لا المتشبعون بما لم يعطوا، اللابسون لثياب الزور)، متشبعون أنهم أهل التوحيد وأنهم كذا، هذا تثيب بما ليس فيهم.

(الذين يصدون الناس عن دين نبيهم وهديه وسنته ويبغونها عوجًا وهم يحسبون أهم يحسنون صنعاً باتباعه واحترامه والعمل به، وتعظيم الأنبياء والأولياء واحترامهم). بماذا يكون؟ هم يدعون أنهم يعظمون الأولياء، تعظيمهم الحقيقي واتباعهم يكون بأي شيء؟

يقول: (بمتابعتهم والاقتداء بأفعالهم الطيبة، متابعتهم فيما يحبون وتجنب ما يكرهونه، وهم أعصى الناس لهم وأبعدهم منهم ومن هديهم، ومتابعتهم كالنصارى مع المسيح واليهود مع موسى والرافضة مع علي).

في النسخة الثانية يقول: (واحترامهم ومحبتهم متابعتهم فيما يحبون ويأمرون به، وتجنب ما يكرهونه وما ينهون عنه قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه [آل عمران/31].  

فأهل التوحيد أين كانوا أولى بهم وبمحبتهم ونصرة طريقهم وسنتهم وهديهم ومناهجهم، وأولى بالحق قولاً وعملاً من هؤلاء المبتدعة الذين كانوا هم أعصى الناس لهم)، المبتدعة أعصى الناس للأولياء.

(وأبعدهم عن هديهم ومتابعتهم وصنيعهم معهم كصنيع النصارى مع المسيح، وكاليهود مع موسى، والرافضة مع علي)، يعني: في العصيان، أن النصارى عصوا المسيح واليهود عصوا موسى والرافضة عصوا علي.

قال المؤلف رحمه الله: (فأهل التوحيد أين كانوا أولى بالمؤمنين)، من الأولى بالمؤمنين؟ أولى بالمؤمنين وأولى بالنبي من أولاهم؟ أهل التوحيد أينما كانوا أولى بهم.

(وبمحبتهم ونصرة طريقهم وسنتهم وهديهم ومناهجهم)، أولى من المشركين الذين يزعمون أنهم أولياء.

(وأولى بالحق قولاً وعملاً من أهل الباطل)، لماذا؟ لأن المؤمنين أولياء المؤمنين، و المشركون أولياء المشركين.

(فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، والمنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض والمشركون والمشركات بعضهم أولياء بعض).

(المتن)

ومن أصغى إلى كلام الله بكلية قلبه وتدبره وتفهمه أغناه عن اتباع الشياطين وشركهم الذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة وينبت النفاق في القلب.

وكذلك من أصغى إليه وإلى حديث الرسول ﷺ بكليته وحدث نفسه بهما وعمل باقتباس الهدى والعلم منه لا من غيره أغنياه عن البدع والشرك والآراء والترخصات والشطحات والخيالات التي هي وساوس الشيطان والنفوس وتخيلات الهوى والبؤس ومن بعد عن ذلك فلا بد أن يتعوض ما لا ينفعه بل مضرة عليه.

كما أن من عمر قلبه بمحبة الله وبخشيته والتوكل عليه أغناه أيضاً عن عشق الصور، وإذا خلا من ذلك صار عبد هواه أي شيء استحسنه ملكه واستعبده فالمعرض عن التوحيد عابد للشيطان مشرك شاء أم أبى.

كما في صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي واسمه حيان بن حصين قال: قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ أن لا أدع تمثالًا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (ومن أصغى إلى كلام الله بكلية قلبه وتدبره وتفهمه أغناه عن اتباع الشياطين وشركهم)، وعن الشطحات، المهم أن يحقق هذا الوصف، يصغي إلى كلام الله بكليته بقلبه بحضور قلب ويضرع إلى الله ويسأله أن يفتح عليه، وأن يوفقه إلى الفهم الصحيح، من أصغى إلى كلام الله بكلية قلبه وتدبره وتفهمه أغناه عن اتباع الشياطين وشركهم(الذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة وينبت النفاق في القلب). يعني: الإصغاء إلى المشركين وأهل البدع والشياطين يصد عن ذكر الله وعن الصلاة وينبت النفاق في القلب.

(وكذلك من أصغى إلى النبي ﷺوإلى حديثه)، بكليته وحدث نفسه بأن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وعمل باقتباس الهدى والعلم من الكتاب والسنة لا من غيره أغناه عن البدع والشرك ويغنيه عن الآراء والتخرصات والشطحات الصوفية وغيرهم والخيالات التي هي وسواس الشيطان، والنفوس والتخيلات في الهوى والبؤس.

قال: (ومن بعد عن ذلك)، وهو الشرك للذي ابتعد عن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فلابد أن يعتاض بشيء آخر، من بعد عن الكتاب والسنة لابد هناك عوض القلب لا يخلو من شيء، إذا حل فيه كتاب الله وسنة رسوله حل التوحيد، وإذا خلا من كتاب الله وسنة رسوله لابد أن يحل فيه ضدهم، من بعد ذلك فلابد أن يتعوض أي يعتاض ما لا ينفعه بل يضره بل مضرةً عليه.

كما أن من عمر قلبه بمحبة الله وخشيته والتوكل عليه أغناه عن عشق الصور، يعني من عمر قلبه بمحبة الله وخشيته صار يكره الصور، ومن خلا قلبه عن محبة الله وخشيته صار يعرف الصور ويحب الصور ويحب الغناء ويحب الزنا ويحب الفواحش؛ لأن قلبه خلا من محبة الله وخشيته، فلابد أن يحل فيه ما يحبه الشيطان.

قال: (وإذا خلا عن ذلك صار عبد هواه)، يصير عبدٌ لهواه. (أي شيء استحسنه ملكه واستعبده)، عبدٌ لهواه: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا [الفرقان/43] .

(فالمعرض عن التوحيد عابد للشيطان مشرك شاء أم أبى)، المعرض عن التوحيد يعبد الشيطان، وهذه قاعدة ما يمكن لشخص يكون بدون معبود، كل أحدٍ له معبود، من عبد الله فهو الموحد، ومن لم يعبد الله عبد الشيطان شاء أم أبى.

حتى الشخص الذي يزعم يقول أنه يتحلل من الأديان ولا يلتزم بأي دين معرض، نقول: هذا له معبوده من هو معبوده؟ الشيطان، فرعون الذي ادعى الربوبية له آلهة يعبدها من دون الله وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف/127] . وفي قراءة: وإلاهتك، أي: ومبعودك، فرعون من يدعي الربوبية له معبود له آلهة يبعدها، كل شخص له معبود ما يمكن، من لم يعبد الله عبد الهوى والشيطان، كل شخص في الدنيا، حتى من يزعم أنه يتحلل من كل دين، عبد الهوى أو عبد الشيطان أطاعه؛ لأنه هو الذي أمره بذلك، هذه قاعدة.

ولهذا قال المؤلف المعرض عن التوحيد عابد للشيطان مشرك شاء أم أبى حتى لو لم يعلم. (كما في صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي واسمه حيان بن حصين قال: قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته). وهذه الحديث أخرجه مسلم وأبي داود والترمذي وأحمد وهو حديث صحيح.

(المتن)

وفي الصحيح أيضًا عن ثمامة بن شفى الهمداني.

(الشرح)

الهمداني نسبة إلى قبيلة همدان، أما إذا كان بالذال الهمذاني، تقول: الهمذاني نسبة إلى بلدة همذان في الشرق في إيران، بالذال همذاني نسبة إلى البلدة، وبالدال همداني نسبة إلى قبيلته همدان.

(المتن)

 قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم فتوفى صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي فقال سمعت رسول الله ﷺ يأمر بتسويتها. وقد أمر به وفعله الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون.

قال الشافعي في "الأم" ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنون على القبور، ويؤيد الهدم قوله"ولا قبرًا مشرفا إلا سويته" وحديث جابر الذي في صحيح مسلم نهى ﷺ عن البناء على القبور.

ولأنها أسست على معصية الرسول ﷺ لنهيه عن البناء عليها وأمره بتسويتها فبناء أسس على معصية الرسول ومخالفته بناءٌ غير محترم وهو أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعاً، وأولى من هدم مسجد الضرار المأمور بهدمه شرعاً إذ المفسدة أعظم حماية للتوحيد.

والله المستعان وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على أفضل الخلق أجمعين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (وفي الصحيح أيضًا عن ثمامة بن شفي الهمداني قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي)، سوي القبر وفي بعضها أن الصحابة حفروا له ثلاثة عشر قبر فدفنوه حتى يعموه، سوي ما يكون بارز حتى لا يأتي المشركون ويعبدونه من دون الله.

قال فأمر فضالة بقبره فسوي)، وهذا أخرجه مسلم والنسائي.

(فقال) يعني: فضالة بن عبيد الصحابي: (فقال: سمعت رسول ﷺ يأمر بتسويتها، وقد أمر به وفعله الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون). يقول: درج على هذا الصحابة والتابعون والأئمة.

(قال الشافعي في "الأم")، في كتابه " الأم " ( ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنون على القبور)، المراد بالتسوية، يعني: تسوى ولا ترفع إلا مقدار شبر عن القبر، التسوية يعني لا يوضع عليها قباب ولا يوضع عليها بناء ولا يجصص القبر، ولا يجعل عنده الرياحين، ولا يكتب الاسم ولا أرقام ولا يكتب عليه كتابات ولا يسرج، كل هذه من وسائل الشرك، كله من الوسائل ومن البدع.

ولهذا قال المؤلف: (قال الشافعي رحمه الله: ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنون على القبور)، إذا بني بناء على القبور يهدم.

يقول رحمه الله: (ويؤيد الهدم قوله"ولا قبرًا مشرفا إلا سويته")، الحديث السابق حديث أبي الهياج الأسدي وهو صحيح أخرجه الإمام مسلم وغيره.

(وحديث جابر الذي في صحيح مسلم نهى صلى  النبي ﷺ عن البناء على القبور)، والحديث أخرجه مسلم والنسائي ولفظ مسلم: «قال جابر: نهى رسول الله عن تجصيص القبر وأن يقعد عليها وأن يبنى عليه»، التجصيص وهو أن يجعل فيه الجص والرخام؛ لأن المشرك إذا رآه مخصص صار دعوة إلى الشرك، أو رأى عليه الأنوار أو الطيب أو الكتابة، أو البناء.

قال رحمه الله : (ولأنها أسست على معصية الرسول)، يعني القبور التي بني عليها قباب وبناء أسست على معصية، وهذه المعصية وسيلة للشرك، فهي أولى بهدمها؛ ولأن الرسول نهى عن البناء على  القبور، ونهى عن تجصيص القبر، نهى عن البناء نهى عن الكتابة، فالقبر الذي فيه بناء وكذا فيه معصية للرسول، فأسس هذا القبر على معصية الرسول بنهيه عن البناء عليه.

 (لنهيه عن البناء عليها وأمره بتسويتها فبناء أسس على معصية الرسول ومخالفته بناءٌ غير محترم يجب هدمه)، بناء أسس على معصية الرسول ومخالفته بناءٌ غير محترم، وإذا كان محترم يجب هدمه.

قال: (وهو أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعاً)، الشخص لو جاء غصب أرض و بنى عليها بيت ثم استطاع صاحبها أن يرجع حقه يرجع حقه، يأخذ حقه والبناء الذي بناه الغاصب يهدم، فهو المعتدي، البناء على القبر أولى من هدم البناء الذي أخذه الغاصب وبناه على الأرض.

وكذلك مسجد ضرار، المنافقون بنوا مسجد على عهد النبي ﷺقبيل غزوة تبوك وقصدوا من ذلك أن يكون هذا مكان مستقر للمنافقين لتدبير المكائد لإيذاء المسلمين، كما قال الله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [التوبة/107] . هذا قصدهم، وجاءوا إلى النبي ﷺفقالوا: يا رسول الله نحن أسسنا مسجد ليكون لليلة الشاتية والضعيف والكبير يصلي فيه، يريدون أن يصلوا فيه حتى يأخذوا إذن من الرسول، فقال: إنا على سفر وإذا قدمنا إن شاء الله، وكان قد سافر إلى تبوك، وبعد شهر لما رجع وهو قادم إلى المدينة نزلت الآية لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة/108] .فأمر النبي ﷺبهدمه فهدم، يقول: البناء على القبور أولى بالهدم من مسجد ضرار، يعني هذا مبني على الشرك وأولى من هدم البناء الذي يفعله الغاصب في أرض اغتصبها.

قال رحمه الله : (وأولى من هدم مسجد الضرار المأمور بهدمه شرعاً) لماذا (إذ المفسدة أعظم حماية للتوحيد)، المفسدة التي تبنى على القبر أشد وأعظم، يعني هذا الغاصب مسألة تتعلق بالمال، وكذلك مسجد ضرار هذا خفي ما هو واضح، لكن هذا واضح أنه شرك، دعوة للشرك فهدمه أولى حمايةً للتوحيد، حمايةً لجناب التوحيد.

(والله المستعان وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على أفضل المرسلين سيدنا ونبينا وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين).

الحمد لله على التمام وبهذا نكون انتهينا من هذه الرسالة المباركة.

أسأل الله أن يرزق الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وفق الله الجميع إلى طاعته وثبت الله الجميع على الهدى، ورزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد