شعار الموقع

نواة الإيمان [2] من قوله: "ولفظ العبادة في أصل اللغة...". إلى قوله: "ولذلك لا يغفره الله أبداً لمن أصر عليه..."

00:00
00:00
تحميل
167

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(المتن)

ولفظ (العبادة ) في أصل اللغة : لمطلق الذل والخضوع، ومنه طريق معبّد ، إذا كان مذللاً  قد وطأته الأقدام ، كما قال الشاعر :

تُباري عِتاقاً ناجِياتٍ، وَأَتبَعَتْ وظيفاً وَظيفاً فَوقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ

واستعمله الشارع في العبادة الجامعة لكمال المحبة وكمال الذل والخضوع ، وأوجب الإخلاص لله فيها ، كما قال تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وهذا هو التوحيد الذي جاءت به كل الرسل ، ونزلت به جميع الكتب .

والعبادة إذا خالطها الشرك أفسدها وأبطلها/ ولا تسمى عبادةً إلا مع التوحيد الخالص، قال ابن عباس رضي الله عنهما : "ما جاء في القرآن من الأمر بعبادة الله إنما يراد به التوحيد" أ. هـ.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله يقول : إن لفظ العبادة في أصل اللغة لمطلق الذل والخضوع هذا المعنى اللغوي للعبادة أصله الذل والخضوع ومنه يقال طريق معبّد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام الآن نقول الشارع المعبد طريق معبد مزفلت حتى تمشي عليه السيارات والآدميين تطأه الأقدام خاضع ما يمانع الذليل هو الخاضع الذي ما يمانع كذلك الذي يعبد الله خاضع له لا يمانع ولا يعصي ربه ، ما يعاكس يطيع ، الذليل هو المطيع فالمؤمن ذليل له يخضع له كالطريق الذي وطأته الأقدام كما أنه لا يمتنع الطريق أن يطأه أحد كذلك المؤمن لا يمتنع من أمر الله فيمتثله يمثل أمر الله ويجتنب نهي الله . ولهذا قال المؤلف لفظ العبادة في أصل اللغة لمطلق الذل والخضوع ومنه عن طريق معبد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام كما قال الشاعر :

تُباري عِتاقاً ناجِياتٍ، وَأَتبَعَتْ وظيفاً وَظيفاً فَوقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ

الشاعر يقول فوق مور معبد طريق معبد يعني تسلكه الأقدام .

هذا البيت من قصيدة لطرفة بن العبد التي مطلعها :

لِخَولَةَ أَطْلاَلٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ تَلُوُح كباقي الوَشْمِ في ظاهرِ اليَدِ

والوضيف هو خف البعير أو فرس الشاة أو حافر الفرس والمور الطريق المعبد وهذا الشاهد خف البعير يقول تباري عتاق الناجيات الوضيف الطريق مشي البعير نوع من أنواع المشي يقال له وضيف والشاهد قوله طريق معبد فوق مور معبد يعني فوق طريق معبد يعني تمشي الإبل تمشي وضيفا وضيفا فوق طريق معبد ، الوضيف هو خف البعير أو فرس الشاة أو حافر الفرس تمشي يعني البعير والإبل والفرس تمشي على الطريق مشياً خاصاً فوق طريق معبد فالمؤلف يستشهد أن العبادة أصلها الطريق المعبد المذلل الذي لا يمتنع قد وطأته الأقدام فكذلك العابد لله خاضع لله ذليل له لا يمانع ولا يستكبر عن عبادة الله بل هو عبد ذليل لله يمتثل أمره ويجتنب نهيه ،  ولهذا قال المؤلف رحمه الله: واستعمله الشارع في العبادة الجامعة لكمال المحبة وكمال الذل والخضوع كما سبق هذان أصلان العبادة كمال المحبة وكمال الذل والخضوع كما قال:

وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده فهما قطبان

وأوجب الإخلاص لله فيها يعني يجب الإخلاص لله في هذه العبادة بمعنى أنه يخص الله بهذه العبادة يقصد بها وجه الله صلاة صيام دعاء ذبح نذر إذا صرفها لغير الله فقد وقع في الشرك يجب الإخلاص لله فيها بمعنى أنه لا يريد بها إلا وجه الله كما قال الله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ  الدين معناه العبادة هنا ، الدين يأتي بمعنى العبادة ويأتي بمعنى الجزاء والحساب مالك يوم الدين  هذا الجزاء والحساب مخلصين له الدين، مخلصين له العبادة إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فالله تعالى يقول لنبيه إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فاعبد الله يعني أدي ما أمرك الله مخلصا له الدين ومخلصا له العبادة إلا لله الدين الخالص إلا لله العبادة الخالصة فالله تعالى له العبادة الخالصة الدين الخالص هو الذي يراد به وجه الله ولا يراد به غيره.

 قال المؤلف رحمه الله : وهذا هو التوحيد الذي جاءت به كل الرسل ونزلت به جميع الكتب وهو أن تعبد الله مع الإخلاص بمعنى أن تعبد الله مريداً بهذه العبادة وجه الله والدار الآخرة.

 قال المؤلف رحمه الله : والعبادة إذا خالطها الشرك أفسدها وأبطلها ولا تسمى عبادة إلا مع التوحيد الخالص، العبادة إذا خالطها الشرك فسدت لو كان شخص يعبد الله في الدعاء وفي الذبح وفي هذا ثم دعا غير الله قال يا رسول الله اشفع لي يا علي يا عيدروس يا حسين هنا بطلت عبادته بطل دينه فسد دينه . ما الذي أفسده ؟ الشرك دعا صار  وثنيا في الأول كان مسلما حديثاً ثم صار من أهل الأوثان فلو مات على ذلك لصار من أهل النار انتقل من كونه مسلما إلى كونه وثنيا بسبب الشرك العبادة إذا خالطها الشرك أفسدها وأبطلها ولا تسمى عبادة إلا مع التوحيد الخالص بدون توحيد لا تسمى عبادة كما أن الطهارة والوضوء يفسدها نواقض ، المتطهر إذا خرج منه بول أو غائط فسدت الطهارة أو ريح أو نام أو أكل لحم جزور فسدت وبطلت ، ما الذي أفسدها الحدث فكذلك التوحيد والعبادة إذا دخل الشرك أفسدها وأبطلها ولا تسمى عبادة إلا مع التوحيد الخالص قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما جاء في القرآن من الأمر بعبادة الله إنما يراد به التوحيد". أن تعبد الله يعني مع التوحيد الإخلاص لله بمعنى أن تعبد الله ولا تعبد غيره.

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

ويدخل في العبادة الشرعية : كل ما شرعه الله ورضيه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ؛ من محبة الله ، وتعظيمه وإجلاله ، وطاعته والتوكل عليه ، والإنابة إليه ، ودعائه خوفاً وطمعاً ، وسؤاله رغباً ورهباً وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهود ، وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار واليتيم والمملوك والمسكين وابن السبيل ، وكذا النحر والنذر ، فإنهما من أجلّ العبادات ، وأفضل الطاعات وكذلك الطواف ببيته تعالى ، وحلق الرأس نسكاً ، تعظيماً وعبودية . وكذا سائر الواجبات والمستحبات.

فحق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً .

والشرك في العبادة ينافي هذا التوحيد ويبطله، فإن الله تعالى لما ذكر خواص أوليائه ومقربي رسله قال : ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُون

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: ويدخل في العبادة الشرعية كل ما شرعه الله ورضيه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، كل العبادة يدخل فيها كل ما شرعه الله ورضيه من الأقوال أقوال اللسان كالذكر والدعاء وتلاوة القرآن والتسبيح والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والتعلم والتعليم كل هذا داخل من الأقوال والأعمال مثل الصلاة والصيام والحج وكذلك يدخل أقوال القلب والتصديق والإقرار والأعمال أعمال القلوب أعمال القلب كالنية والإخلاص والمحبة والخوف والرجاء والرغبة والرهبة كل هذه من الأعمال، الأقوال الباطنة مثل التصديق والإقرار ، والأقوال الظاهرة مثل أقوال اللسان الذكر والتسبيح ، والأعمال الظاهرة مثل الصلاة والصيام ، والأعمال الباطنة مثل المحبة أعمال القلوب المحبة والخوف والرجاء والرغبة والرهبة كلها داخلة في العبادة ولهذا مثّل المؤلف: قال من محبة الله هذه من الأعمال الباطنة وتعظيمه وإجلاله كذلك ، وطاعته طاعته تشمل الأعمال الباطنة والظاهرة والتوكل عليه يعني الاعتماد على الله وتفويض أمره والإنابة إليه يعني الرجوع إليه ، ودعائه الدعاء والسؤال خوفا وطمعا خوفا وطمعا هذه من أعمال القلوب ، وسؤاله يسأل الله اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار رغباً ورهباً يعني خوفا وطمعا وصدق الحديث إن يصدق في حديثه هذا من العبادة وأداء الأمانة سواء كانت أمانة التكليف من الوضوء والصلاة هذه أمانة ، وكذلك أيضاً الودائع والوفاء بالعهود أيضاً هذا من العبادة وصلة الأرحام الأقارب من قبل الأب ومن قبل الأم ، والإحسان إلى الجار هذا أيضاً من العبادة والإحسان إلى اليتيم والإحسان إلى المملوك العبيد والإحسان إلى المسكين والإحسان إلى ابن السبيل وابن السبيل هو ابن الطريق السبيل الطريق ابن السبيل هو المسافر الذي انقطع ولا يجد ما يوصله إلى بلده ويحسن إليه يعطى ما يوصله إلى بلده ، وكذا النحر والنذر فأنهما من أجل العبادات النحر الذبح والنذر ينذر عبادة صلاة أو صيام أو ذبح ويقول المؤلف : إنهما أي النذر والذبح من أجل العبادات وأفضلهما وكذا الطواف بالبيت عبادة وحلق الرأس نسكاً كحلق الرأس في الحج أو في العمرة نسكاً هذا عبادة تعظيما وعبودية وكذا سائر الواجبات والمستحبات.

فحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً . كما أخبر النبي في حديث معاذ قال :أتدري ما حق الله على العباد ؟ وما حق العباد على الله ؟ قال : الله ورسوله أعلم قال : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً )[1] هذا حق الله أن يعبدوه ولا يشركوا به وهذا الأمر الذي خلقهم لأجله.

 والشرك في العبادة ينافي هذا التوحيد إذا أشرك بعبادة الله وذبح لغير الله أو نذر لغير الله بطل التوحيد قال فإن الله تعالى لما ذكر خواص أوليائه ومقربي رسله قال : ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذكر أن الشرك يحبط الأعمال بجميع أنواع الشرك من ذبح أو نذر أو دعاء أو دعاء غير الله أو سجود لغير الله أو أي نوع من أنواع العبادة فإنه يبطل الأعمال .

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى :

والشرك : قد عرفه النبيﷺ بتعريف جامع كما في حديث ابن مسعود : أنه قال : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك، والند : المثل والشبيه فمن صرف شيئاً من العبادات القولية أو الإعتقادية أو المالية أو العملية لغير الله ؛ فقد أشرك شركاً يبطل به التوحيد وينافيه ، لأنه شبه المخلوق بالخالق ، فأحبه كحبه ، وعظّمه كتعظيمه ، وخافه كخوفه . ولهذا كان الشرك أكبرَ الكبائرِ على الإطلاق ، وكان محبطاً لكل عمل ، وكان محرّماً الجنة على صاحبه ، والشرك فيه أسوأ الظن بالله . كما قال الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام :  مَاذَا تَعْبُدُونَ ۝ أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ۝ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

(الشرح)

قال المؤلف رحمه الله : والشرك قد عرفه النبي بتعريف جامع كما في حديث عبد الله بن مسعود أنه قال : يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك[2] إذاً الشرك هو جعل الند لله أن يجعل الإنسان ندا ، والند هو المثيل أن يجعل نداً ومثيل لله قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله  فالشرك أن يجعل نداً لله يحبه كحب الله ويخافه كخوفه ويرجوه كرجائه كما قال الله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ  والأنداد الأمثال والنظراء.

 وأول أمر في القرآن الكريم هو الأمر بالتوحيد ، وأول نهي في القرآن الكريم هو النهي عن الشرك، أول أمر في القرآن قول الله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ  في سورة البقرة بعد أن ذكر الله صفات المؤمنين في أربع آيات صفات المؤمنين ظاهراً وباطنا ثم ذكر صفات الكفار باطناً وظاهراً في آيتين ثم ذكر صفات المنافقين الكفار باطناً والمسلمين ظاهراً في ثلاث عشرة آية جاء بعدها يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ  هذا أول أمر في القرآن الَّذِي خَلَقَكُمْ  هذا توحيد الربوبية الذي خلقكم والذي فعل هذه الأشياء هو المستحق للعبادة الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ الذي فعل ذلك هو المستحق للعبادة ثم قال فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا  هذا أول نهي في القرآن نهى عن الشرك فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا  يعني أمثالاً ونظراء تساونهم بالله في العبادة والمحبة والتعظيم والإجلال، بينما الشرك عرفه النبي ﷺ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك [3] تجعل لله ندا يعني مثيلا في العبادة في الخوف يدعوه كما يدعو الله يخافه كما يخاف الله يرجوه كما يرجو الله يصرف له الدعاء أو النذر أو المحبة أو الخوف أو الرجاء هذا الند ،الند المثيل شبه بالله جعله مثيلاً لله وشبيهاً لله أن تجعل لله نداً وهو خلقك.

قال المؤلف : الند المثل والشبيه فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله فقد جعل هذا الغير نداً لله من صرف شيئا من العبادات لغير الله جعله نداً من دعا عليا فقد جعله ندا من غير الله مثيلا لله من دعا الحسين جعله مثيلا لله من دعا القمر جعله مثيلا لله من دعا الشمس جعل الشمس مثيلة لله يعني صرف لها عبادة والعبادة حق الله إذا صرفه لغير الله جعله مثيل لله ولذلك قال:

فمن صرف شيئا من العبادات القولية مثل الدعاء مثل إن يقول يا فلان يا علي يا حسين هذه عبادة قولية أو كذلك أيضاً هذه من العبادات القولية يدعو غير الله فمن دعا غير الله فقد صرف عبادة قولية لغير الله أو الاعتقادية كأن يعتقد أن لله شريكاً أن مع الله شريكا مدبرا في هذا الكون أو يعتقد أن الله له صاحبة أو له ولد تعالى الله فيكون بهذا الاعتقاد جعل شريكا لله جل نداً لله أو يعتقد أن الله ليس له صفات الكمال وجحد اسما من أسمائه أو صفة من صفاته فقد صرف شيئا من العبادة الاعتقادية أو أنكر ملك من الملائكة ، أنكر هنا من العبادة الاعتقادية أو أنكر اليوم الآخر أو الحساب أو الجنة أو النار أو المالية كالزكاة لغير الله أو الصدقة لغير الله أو الكفارة لغير الله مثل ما يفعل بعض الصوفية يقدمون النذور والأموال وكذلك النصارى لرؤسائهم قساوستهم يعطونهم الأموال وكذلك بعض الرافضة وبعض الباطنية يدفعون أموالا لرؤسائهم يصرفونها لغير الله.

فمن صرف شيئا من العبادات القولية أو المالية أو العملية كالصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج لغير الله فقد أشرك شركا يبطل به التوحيد وينافيه يبطل التوحيد بها بهذا الشرك سواء كانت العبادة قولية أو اعتقادية أو مالية أو عملية وينافيه لأنه شبه المخلوق بالخالق إذا صرف العبادة للمخلوق فقد شبهه بالخالق الخالق هو المعبود هو المعبود بالحق هو الذي له العبادة فإذا عبد غير الله جعله شبيها لله شبهه بالله حيث صرف له العبادة التي هي حق الله.

لهذا قال : فأحبه كحبه المحبة خاصة بالله محبة العبادة المحبة كما سيأتي محبة العبادة والطاعة والاتباع إذا أحب مخلوقا غير الله فقد جعله نداً لله وصرف له العبادة المحبة محبة الطاعة كما سيأتي محبة الجائع إلى الطعام والظمآن إلى الماء ومحبة الأنس والألف هذه محبة طبيعية محبة الولد لوالده والوالد لولده محبة الزوجة والمال والولد هذه محبة طبيعية فمحبة العبادة التي تقتضي الطاعة والامتثال والخضوع والذل يخضع ويذل المخلوق ويطيعه هذا هو الشرك جعله ندا لله فأحبه كحبه وعظمه كتعظيمه ويخافه كخوفه.

قال المؤلف رحمه الله : ولهذا كان الشرك أكبر الكبائر على الإطلاق أكبر الكبائر الشرك قال ﷺ: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : الشرك بالله )[4] أكبر الكبائر  الشرك بالله على الإطلاق وكان محبطا لكل عمل كل عمل يعمله الإنسان إذا وقع في الشرك بطل قال الله تعالى : وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا   وقال تعالى : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ  وقال : وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ   وقال : لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ  هذه النصوص كلها تدل على أنها محبطة للعمل.

وكان محرما الجنة على صاحبه قال تعالى : مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ 

والشرك فيه أسوأ الظن بالله ، كيف يكون الشرك أسوأ الظن ؟ لأن المشرك لما صرف العبادة لغير الله ظن أنه مستحق للعبادة وهذا أسوأ ظن أن يظن أن المخلوق يستحق ما يستحقه الخالق فيصرف العبادة له ، هذا أسوأ الظن كما قال عن الخليل إبراهيم :  ( مَاذَا تَعْبُدُونَ ۝ أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ۝ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ  تظنون أن رب العالمين يرضى أن تصرف العبادة لغيره إذا كنتم تظنون فهذا أسوأ الظن ثم قال المؤلف رحمه الله كلام ابن القيم في معنى الظن هنا.

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى :

قال العلامة بن القيم رحمة الله : أي فما ظنكم أن يجازيكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره. وما ظنكم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص ؟ حتى أحوجكم ذلك إلى العبودية لغيره ، فلو ظننتم به ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وأنه الغني عن كل ما سواه ، وكل ما سواه فقير إليه ، وأنه قائم بالقسط على خلقه ، وأنه المنفرد بتدبير خلقه ، لا يشركه فيه غيره ، وأنه العالم بتفاصيل الأمور ، فلا تخفى عليه خافية من خلقه ، وأنه الكافي لهم وحده ، لا يحتاج إلى معين ، وأنه الرحمن بذاته ، فلا يحتاج في رحمته من يستعطفه , وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء فإنهم محتاجون إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم ، ومحتاجون إلى من يعينهم على قضاء حوائجهم ، وإلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعة . فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة . لحاجتهم وعجزهم وضعفهم ، وقصور علمهم . فأما القادر على كل شيء ، الغنى بذاته عن كل شيء ، العالم بكل شيء . الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء : فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه : تنقّص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده ، وظن به ظن السوء . وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده ويمتنع في العقول والفطر . وقبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبح . انتهى .

(الشرح)

هذا كلام ابن القيم رحمه الله على قوله تعالى : فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ  يقول الله تعالى عن إبراهيم ع  أنه قال لقومه وهم يعبدون الأصنام والأوثان ماذا تعبدون استفهام استنكار ينكر عليهم ماذا تعبدون؟  أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ  الإفك هو أسوأ الكذب أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ  تريدون دون الله آلهة هذا أسوأ الكذب وأسوأ العمل فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ استفهام إنكار .

قال العلامة ابن القيم : أي ما ظنكم أن يجازيكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره . إذا ساء العمل ساءت الظنون وإذا حسن العمل حسنت الظنون ولهذا في الحديث :  لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله )[5] فينبغي للمؤمن أن يحسن الظن بالله لكن ينبغي أن يحسن العمل متى يكون حسن الظن ؟ متى تحسن الظنون ؟ إذا حسن العمل وإذا ساء العمل ساءت الظنون إذا حسن العمل حسنت الظنون وإذا ساء العمل ساءت الظنون.

ابن القيم رحمه الله قال : ما ظنكم أن يجازيكم ؟ وقد عملتم عملاً سيئا الذي هو أقبح كل عمل وهو الشرك فما ظنكم أن يجازيكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره لا بد أن يجازيكم بالخلود في النار ، كما توعدكم من مات على الشرك الأكبر مصيره الخلود ، فما ظنكم بأسمائه وصفاته وربوبيته من نقص؟ لأنكم تنقصتم الله بأسمائه وصفاته وربوبيته حيث عبدتم غيره وهو الكامل في أسمائه وصفاته وربوبيته لا ينبغي أن تكون العبادة إلا له فإذا عبدتم غيره تنقصتموه ، لو كنتم تعتقدون أنه كامل في ربوبيته وكامل في أسمائه وصفاته وكامل في أفعاله لما عبدتم غيره فلما عبدتم غيره دل على أنكم تظنون أنه ناقص فلهذا صرفتم العبادة لغيره وما ظنكم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى أن تعبدوا غيره يعني حاجتكم ظنكم يعني أنكم تحتاجون لعبادة غيره لأنكم تنقصتم في ربوبيته وأسمائه وصفاته لو كنتم تعتقدون أنه كامل في أسمائه وصفاته ما احتجتم إلى أن تعبدوا غيره الكامل هو المستحق للعبادة وهو الذي بيده كل شيء وهو القادر على كل شيء وهو مستحق للعبادة فكيف تصرف العبادة لغيره وهو كامل فإذا صرفتموها لغيره دل على أنكم اعتقدتم النقص حيث إنكم أشركتم مع الله غيره فهذا المخلوق الذي عبدتموه جعلتموه شبيها لله ونداً لله وتنقصتم الرب في ذلك صار الرب ناقصا يحتاج معه مثيل نعوذ بالله فما ظنكم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره فلو ظننتم به ما هو أهله ما هو من أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه وأنه القائم بالقسط يعني بالعدل على خلقه وأنه المنفرد بتدبير خلقه لا يشرك فيه غيره وأنه العالم بتفاصيل الأمور فلا تخفى عليه خافية من خلقه وأنه الكافي لهم وحده ما يحتاج إلى معين وأنه الرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته ما يستعطفه لو كنتم تعتقدون هذا ما عبدتم غيره لو كنتم تظنون ما هو أهله الله تعالى أهل لأن يكون بكل شيء عليم وأهل لأن يكون على كل شيء قدير وأهل لأن يكون غني عن كل من سواه وأهل لأن يكون قائم بالقسط على الخلق وهو المنفرد بتدبير خلقه وهو العالم بتفاصيل الأمور وهو الكافي لخلقه وحده وهو الرحمن بذاته لو كنتم تعتقدون هذا الاعتقاد لما عبدتم غيره لو كنتم تعتقدون ما هو أهله لكن تنقصتم الرب ونفيتم هذه الأمور التي هو أهل لها نفيتم أنه بكل شيء عليم لو كنتم تعتقدون أنه بكل شيء عليم ما عبدتم غيره هذا الذي بكل شيء عليم يحتاج إلى أن تعبد غيره هذا المعبود لا حاجة إليه تحت قبضة الله لا يتصرف إلا بالله مدبر مأمور مسخر عبد مثلك كيف تصرف له العبادة لولا أنك تنقصت الله لما عبدت هذا المخلوق فلو ظننتم بالله ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم لما عبدتم غيره ولو ظننتم بالله ما هو أهله من أنه على كل شيء قدير ما عبدتم غيره ولو ظننتم بالله أنه الغني عن كل ما سواه لما عبدتم غيره ولو ظننتم بالله بما هو أهله أنه قائم بالقسط على خلقه بالعدل لما عبدتم غيره ولو ظننتم أنه المنفرد بتدبير خلقه لا يشرك معه غيره لما عبدتم غيره ولو ظننتم أنه العالم بتفاصيل الأمور فلا تخفى عليه خافية من خلقه لما عبدتم غيره ولو ظننتم أنه الكافي لعباده في الخلق وحده لا يحتاج إلى معين لما عبدتم غيره ولو ظننتم بما هو أهله بأنه الرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته من يستعطفه لما عبدتم غيره.

قال المؤلف : وهذا بخلاف الملوك وغيره من الرؤساء ،الرؤساء والأمراء والوزراء ورؤساء الجمهوريات والملوك جميعاً محتاجون إلى الرعية ، محتاجون إلى من يعرفهم بأحوال الرعية وأحوالهم ما يعلمون ما يدرون لولا أنها ترفع إليهم أحوال الناس ما عرفوها أما الله ما يحتاج إلى أن أحد يرفع إليه ولهذا من جعل بينه وبين الله واسطة صار مشركا لكن المخلوق يحتاج إلى واسطة أنت إذا أردت الرئيس تحتاج إلى واسطة يكون بينك وبينه يعرفه عن حالك يقول هذا فلان صفته كذا لكن الرب ما يحتاج إلى أحد يعرفه هو العالم بكل شيء فمن جعل بينه وبين الله واسطة فهو مشرك فالله تعالى لا يماثل المخلوق وأنه الرحمن بذاته يرحم بذاته لا يحتاج إلى أحد فلا يحتاج في رحمته من يستعطفه وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء فإنهم محتاجون إلى من يعرفهم بأحوال الرعية وحوائجهم ومحتاجون إلى من يعينهم على قضاء حوائجهم ومحتاجون إلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعة فاحتاجوا إلى الوسائط للضرورة الملوك والرؤساء يحتاجون إلى الوسائط ضرورة أما الرب فلا فجعل الوسائط بينك وبين الله شرك فالملوك والرؤساء يحتاجون إلى وسائط ضرورة لحاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم أما الرب فليس محتاجاً ولا عاجزاً ولا ضعيفاً وليس علمه ناقصا بل علمه كامل.

ولهذا قال : وأما القادر على كل شيء هو الله والغني بذاته عن كل شيء العالم بكل شيء الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه تنقص بحق ربوبيته وألوهيته وتوحيده ومن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أو ينذر لهم أو يذبح لهم فقد تنقص الرب في ربوبيته وتنقصه في ألوهيته وتنقصه في توحيده وظن به ظن السوء كيف ظن به ظن السوء ظن به أنه محتاج مثل المخلوق ظن أنه عاجز ظن أن علمه قاصر فعبد غيره وهذا هو ظن السوء أن يظن أن الله محتاج وأن علمه قاصر وأنه يحتاج إلى وساطة مثل المخلوق هذا هو ظن السوء.

قال : وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده ما هو هذه الإشارة تعود إلى الوسائط يستحيل أن يشرع الله لعباده أن يجعلوا بينه وبين عباده وسائط يشفعون له .  يا فلان ادع الله لي يا فلان اشفع لي عند الله يدعو ميتا أو غائبا يقول اشفع لي عند الله يجعل واسطة بينه وبين الله كما يفعل المشركون هذا يستحيل هذا هو الشرك هذا ضد التوحيد هذا يستحيل أن يشرعه لعباده ويمتنع في العقول والفطر يمتنع في العقول السليمة والفطر السليمة أن يشرع الله وسائط بينه وبين عباده وقبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبح هذا أقبح القبح وأظلم الظلم هو الشرك وهو أن يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم وينذر لهم .

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى :

 إذا عرفت هذا : فصلاح العبد وفلاحه ، وسعادته ونجاته وسروره ونعيمه : إنما هو في إفراد الله بهذه العبادة ، والإنابة إليه بما شرعه لعباده منها .

وأصلها كمال المحبة ، وكمال الذل والخضوع ، كما تقدم، هذا سر العبادة وروحها ، ولا بد في عبادة الله من كمال المحبة مع كمال الخضوع .

فأحب خلق الله إلى الله ، وأقربهم منـزلة عنده من قام بهذه المحبة والعبودية ، وأثنى على ربه سبحانه بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العلا ، فمن أجل ذلك كان الشرك أبغضَ الأشياء إلى الله ، لأنه ينقض هذه المحبة والخضوع والإنابة والتعظيم ، ويجعل ذلك شَرِكَةً بين الله وبين من أشرك به من الأنبياء أو الأولياء ، أو الملائكة أو الأشجار والأحجار . ولذلك لا يغفره الله أبداً لمن أصر عليه حتى مات ، لأنه يتضمن سب الله وتنقصه بالتسوية بينه وبين من اتخذ معه شريكاً في المحبة والتعظيم وغير ذلك من أنواع العبادة .

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله : إذا عرفت ما تقدم من كلام ابن القيم رحمه الله من أن الشرك أن إدخال الوسائط والشرك تنقص لله في ربوبيته وتوحيده وظن به ظن السوء وأن هذا يستحيل أن يشرعه لعباده ويمتنع وأن قبح هذا مستقر في العقول فوق كل قبيح إذا عرفت هذا فاعلم أن صلاح العبد وفلاحه وسعادة ونجاته وسروره ونعيمه إنما هو في إفراد الله بهذه العبادة صلاح العبد بإفراد الله بالعبادة فلاحه بإفراد العبادة سعادته نجاته سروره ونعيمه بإفراد الله بالعبادة لا يكون العبد صالحا حتى يوحد الله في العبادة ليس صالحا بل هو فاسد ومفسد مفسد كافر ، والكفر أعظم الفساد إذاً الصلاح يكون بالتوحيد والصالح هو الموحد والمشرك فاسد من المفسدين مفسد في الأرض إذاً صلاح العبد يكون بالتوحيد فالموحد رجل صالح امرؤ صالح في الدنيا والفلاح هو النجاة الحصول على المطلوب والنجاة على المطلوب فالفلاح إنما يكون بالتوحيد إذا أفرد الله بالعبادة حصل له المطلوب والمطلوب هو رضا الله والتنعم بدار كرامته في جنته وهذا حاصل للموحد والسلامة من النار من غضب الله وسخطه ومن النار هذا هو الفلاح أن يحصل الإنسان على المطلوب ويسلم من المرهوب وأعظم شيء يطلبه الإنسان هو رضا الله والتنعم بجنته وأعظم شيء يخشاه الإنسان ويخافه هو غضب الله وسخطه وناره فالموحد الذي يفرد الله بالعبادة يحصل له الفلاح يحصل على المطلوب وينجو ويسلم من المرهوب صلاح العبد في الدنيا بالتوحيد وفلاحه في الآخرة بالتوحيد وسعادته تكون في التوحيد السعيد في الدنيا والآخرة يكون سعيدا في الدنيا بنعيم القلب وطمأنينته وراحته وسعيدا في الآخرة برضا الله والتمتع بدار كرامته وجنته ، ونجاته نجاة من النار إنما تكون بالتوحيد وسروره ونعيمه في الدنيا سروره ونعيم قلبه في الدنيا وسروره ونعيمه في الآخرة إنما يكون بالتوحيد والإنابة إليه يعني كونه ينيب ويرجع إلى الله ويؤدي حقه وما شرعه لعباده.

وأصل العبادة كمال المحبة وكمال الذل والخضوع والمحبة كما سبق العبادة تقوم على أصلين كمال الحب وكمال الذل والخضوع هذا سر العبادة وروحها . أن توحد الله بكمال الحب وكمال الذل والخضوع لا بد من العبادة يكون فيها كمال المحبة وكمال الخضوع كما سبق . غاية الحب مع غاية الذل والخضوع هذه هي العبادة وهذا هو ركناها وهما قطب رحاها ويديرها الأمر أمر الله وأمر رسوله.

قال : فأحب خلق الله إلى الله وأقربهم منزلة عنده من قام بهذه المحبة والعبودية أحب الخلق إلى الله من هم؟ وأقربهم منزلة من قام بهذه المحبة وهذه العبودية وأعظم من قام بحق الله وهذه العبودية هم الأنبياء هم أعظم الناس أحب الخلق إلى الله وأقربهم منزلة إلى الله وأحبهم إلى الله وأقرب الأنبياء الرسل وأحب الرسل وأقربهم أولي العزم الخمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد رسول الله ﷺ. وأحب الخلق إلى الله وأقربهم وأعبدهم الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام وأحب الخليلين وأعبدهما لله نبينا ﷺ هو أكرم الخلق على الإطلاق وأحبهم إلى الله وأعبدهم وأشجعهم وأكرمهم وأفضلهم في جميع الصفات فنبينا ﷺ أكمل الناس وأعبد الناس وأزهد الناس وأشجع الناس وأكرم الناس وأعظم الناس خَلْقاً وخُلُقاً وأحب الناس إلى الرحمن وهو أعظم من قام بهذا التوحيد أعظم من قام بالعبودية هو نبينا ﷺ ثم يليه جده إبراهيم ثم يليه بقية الخمسة ثم بقية الرسل ثم الأنبياء ثم يليهم الصديقون جمع الصديق والصديق صيغة مبالغة الذي قوى إيمانه وتصديقه حتى أحرق الشبهات والشهوات وفي مقدمتهم الصديق أبو بكر ثم يليهم في المحبة والعبودية الشهداء والشهيد هو الذي قتل في المعركة لإعلاء كلمة الله أغلى ما يملك الإنسان روحه التي بين جنبيه والشهيد بذلها رخيصة لله والمحبة لله ثم يليهم الصالحون على تفاوت بينهم فأحب الخلق إلى والله وأقربهم منزلة من الله من قام بهذه العبودية وأثنى على ربه بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العلا، من قام بعبودية الله ومحبته والثناء على الله بأسمائه وصفاته.

قال المؤلف : فمن أجل ذلك كان الشرك أبغض الأشياء إلى الله أبغض الأشياء إلى الله هو الشرك لماذا ؟ قال لأنه ينقض هذه المحبة والخضوع والإنابة والتعظيم الشرك ينقض المحبة وينقض الخضوع وينقض الإنابة والتعظيم ويجعل المشرك المحبة والخضوع والإنابة والتعظيم شركة بين الله وبين من أشرك به يجعل المحبة مشتركة مشرك المحبة مشتركة بينه بين الله وبين من أشرك به ، يعبد الله تارة ويعبد المخلوق تارة المشركون في زمن النبي ﷺ الذين بعث فيهم كانوا يعبدون الله كانوا يصلون وكانوا يصومون كان يوم عاشوراء يوم تصومه قريش في الجاهلية وهم مشركون وكانوا يطوفون بالبيت وكانوا يحجون على ما كان عليه دين إبراهيم  يعبدون الله لكن لماذا كانوا مشركين ؟ لأنهم يعبدون الله ويعبدون غيره فهم مرة يدعون الله ومرة يدعون غيره مرة يدعون الله ومرة يدعون الأصنام ويدعون القمر ويدعون النجم وهكذا مرة يدعون الله مرة يدعون غيره مرة يذبحون لله ومرة يذبحون لغيره فيعبدون الله ويعبدون غيره أشركوا مع الله غيره فصارت المحبة مشتركة بعضها لله وبعضها لمن أشرك بعضها لله وبعضها للسماء وللقمر وللنجم بخلاف المؤمن الموحد محبته خالصة خاصة خالصة لله ليس معه أحد.

لذلك قال المؤلف : فمن أجل ذلك كان الشرك أبغض الأشياء إلى الله لأنه ينقض هذه المحبة والخضوع والإنابة والتعظيم ويجعل ذلك شركة بين الله وبين من أشرك به من الأنبياء أو الأولياء أو الملائكة أو الأشجار والأحجار فالذي أشرك بالنبي ﷺ جعل المحبة بين الله وبين النبي ﷺ مشتركة وكذلك من عبد الملائكة جعل المحبة مشتركة بين الله وبين الملائكة.

قال : ولذلك لا يغفره الله أبداً لمن أصر عليه حتى مات الشرك لا يغفره الله قال : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ   لماذا قال :  لأنه يتضمن سب الله وتنقصه بالتسوية مع من اتخذه معه شريكا في المحبة والتعظيم وغير ذلك من العبادة سب الله من عبد غير الله فقد سبه والسب هو الذم والعيب فالذي يعبد الأصنام والأوثان سب الله ذمه وعابه حيث اعتقد أن غيره يساويه استحقاقا للعبادة هذا أعظم سب أعظم سب هو الشرك المشرك يسب الله ما هو السب هو الذم والعيب ويسمى اللعن السب واللعن هو الذم قال تعالى : وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القرآن  أي المذمومة التي ذمها الله شجرة الزقوم المذمومة فالشرك سب الله وتنقصه بالتسوية بينه وبين من اتخذ معه شريكا في المحبة والتعظيم فمن سب الله وتنقص الله حيث أشرك مع الله غيره واعتقد أن غيره يستحق  التعظيم والعبادة وصرف العبادة التي هي حق الله لغيره فهذا أعظم السب .


[1] -البخاري ( 7373 ) مسلم ( 154 )

[2] -البخاري ( 6001 ) مسلم ( 267 )

[3] - البخاري ( 6001 ) مسلم ( 267 )

[4] - البخاري ( 2654 ) مسلم ( 269 )

[5] - مسلم ( 2877 )

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد