شعار الموقع

شرح كتاب صريح السنة للطبري_1

00:00
00:00
تحميل
102

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد 

قال المصنف رحمه الله تعالى

   الحمد لله مفلج الحق وناصره، ومدحض الباطل وماحقه، الذي اختار الإسلام لنفسه دينا، فأمر به وأحاطه، وتوكل بحفظه وضمن إظهاره على الدين كله ولو كره المشركون، ثم اصطفى من خلقه رسلا ابتعثهم بالدعاء إليه، وأمرهم بالقيام به والصبر على ما نابهم فيه من جهلة خلقه، وامتحنهم من المحن بصنوف وابتلاهم من البلاء بضروب تكريما لهم غير تذليل، وتشريفا غير تخسير ورفع بعضهم فوق بعض درجات فكان أرفعهم عنده درجة أجدهم إمضاء مع شدة المحن وأقربهم إليه زلفا، وأحسنهم إنفاذا لما أرسله به مع عظيم البلية. 

قال الشارح عفا الله عنه

أول ما ابتدأ المؤلف ابن جرير رحمه الله رسالته بقول: (الـحمد لله)؛ وذلك لأن الله تعالى افتتح كتابه بالحمد لله رب العالمين وهي سورة الفاتحة وذلك باعتبار ان البسملة ليست من الفاتحة، والحمد أكمل من المدح

فالحمد: الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية، مع وحبه وإجلاله وتعظيمه 

والمدح: أن تثني على الممدوح بصفاته، وقد تكون هذه الصفات ليست اختيارية وإنما صفات ليس له دخل فيها         

         فالإنسان فيه صفات اختيارية وفيه صفات اضطرارية فالصفات الاضطرارية مثل كون الإنسان طويلا أو قصيرا أو أبيض أو أحمر أو أسود، فهذه صفات اضطرارية ليس له دخل فيها 

  والصفات الاختيارية مثل: الكرم والشجاعة والإيثار، وحب الخير والإقدام وحسن الخلق.

  والأسد يمدح بأنه: قوي ومفتول الساعدين وهذه القوة ليس له فيها اختيار بل قد جبل عليها

  فالحمد هو: الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع وإجلاله وتعظيمه فإذا اجتمع ثناء على صفات اختيارية مع الحب والإجلال هذا هو الحمد 

  أما المدح فهو أن تخبر وتثني بصفاته سواء كانت اختيارية أو اضطرارية ولهذا جاء الحمد في الرب سبحانه وتعالى، فأخبر عن نفسه بالحمد، فقال: "الحمد لله رب العالمين"[الفاتحة: ١٢]، ولم يقل: أمدح الله رب العالمين.   

  و (أل) للاستغراق فأنواع المحامد كلها مستغرقة لله فهي ملك لله ومستحقة له؛ فمعنى (الحمد لله): أثني على الله بصفاته مع حبه وإجلاله وتعظيمه 

  قوله: (مفلج الحق وناصره) وصف الله أنه مفلج الحق يعني: مظهر الحق أفلج أي: أظهر ومنه أنه إذا اختصم شخصان وخصم أحدهما الآخر يقال: فلج أحدهما الآخر فلجه بمعنى غلبه بالحجة وظهر عليه فمعنى (الحمد لله مفلج الحق) مظهر الحق، أظهره وبينه في كتبه.  

  وأعظم الحق استحقاق الله للعبادة بين الله سبحانه في كتابه أنه مستحق العبادة وأنه معبود بالحق وغيره معبود بالباطل كما قال الله سبحانه: "ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلى الكبـير) [الحج: 62] فأعظم الحق هو عبودية الله وإظهار أنه- سبحانه وتعالى - مستحق للعبادة في كتبه وعلى ألسنة رسله. 

  فالحمد لله مظهر الحق وناصره، نصر الحق بأن أمر بفعل الحق. 

  والحق هو: ما جاء في كتاب الله، فالحق أحقه الله وأظهره ونصر أهله وهم أهل الإيمان وأهل التوحيد نصر الحق الذي بينه في كتابه ونصر أهل الحق الذين عبدوه هم وأتباعهم فنصرهم الله على غيرهم من الكفرة والمشركين وأهل البدع 

  قوله: (ومدحض الباطل وماحقه) مدحض يعني: مزيل ومبطل دحض الشيء أزاله وأبطله وأذهبه. 

  والله تعالى يظهر الحق ويعليه ويؤيده وينصره ويدحض الباطل، كما قال سبحانه: (بل نقذف بالحق عل الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) [الأنبياء: ٢١٨]، فالله سبحانه ينصر أهل الحق الموحدين والمؤمنين ويبطل الباطل وأهل الباطل ويدمغه ويدحضه ويزيله ويذهبه

  سؤال من أسمائه الناصر

الشيخ " وهو خير الناصرين " جاءت خير الناصرين وهو الناصر لعباده (6,20) بدون إضافة

  قوله: (الذي احتار الإسلام لنفسه دينا) الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، فاستسلم بمعنى: انقاد، مثل: الجمل منقاد ومستسلم، فاستسلم أي: انقاد وذل وخضع فالمسلم خاضع لله ذليل محب لله منقاد لأوامره، بخلاف الكافر فهو غير مستسلم، فالكافر إما مستكبر وإما مشرك، فالناس ثلاثة أقسام: 

القسم الأول: مسلم مستسلم لله ومنقاد خاضع له، هؤلاء أهل الايمان والإسلام. 

  القسم الثاني: مستكبر عن عبادة الله ومستنكف قال الله تعالى (وأما الذين استنكفوا واستكيروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) [النساء:١٧٣]. 

القسم الثالث: مشرك عبد الله وعبد معه غيره

  فالمستكبر والمشرك كلاهما في النار، والمستسلم هو الموحد وهو في الجنة. 

  • استدراك: 

  قوله: (الذي اختار الإسلام لنفسه دينا) فيه إشكال من جهة أن الدين هو ما يدين به الانسان ربه ويعتقده، فالله لا يدين لأحد الله هو المعبود بالحق والدين ما يدين به الإنسان ربه ويعبد به ربه ولو قال المؤلف رحمه الله: اختار الإسلام لعباده دينا أو رضي الإسلام لعباده دينا كما قال الله سبحانه لكان أولى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة: ٣] فهو رضيه لعباده. 

  أو لو أن المؤلف رحمه الله قال: الدين عنده الإسلام، كما قال الله سبحانه (إن الدين عند الله الإسلام) [آل عمران: ١٩] وقال سبحانه: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) [آل عمران: ٨٥] وذلك في حق من يبتغي من المخلوقين، أما هو سبحانه فهو الخالق وهو المشرع وهو الآمر والناهي. 

  ويمكن تأويل هذه العبارة بأن يكون المراد: الذي اختار الإسلام لعباده وأمرهم به لكن الأولى أن يقول: الذي اختار الإسلام لعباده دينا، أو الذي رضي الإسلام لعباده دينا كما قال الله في الآية الكريمة: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة: ٣]. 

  قوله: (فأمر به وأحاطه، وتوكل بحفظه وضمن إظهاره على الدين كله ولوكره المشركون) الله سبحانه وتعالى أمر بالإسلام، أمر به عباده وهذا يؤيد أن الأولى أن يقول: اختار لعباده دينا، فقوله: (فأمر به) أي: أمر به عباده. 

فالله أمر بالإسلام عباده وأحاطه، وتوكل بحفظ هذا الدين فهذا الدين باق إلى قيام الساعة وهو محفوظ بحفظ مصادره وهي الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحج: 4]، فالله تعالى توكل بحفظه.

   والإسلام له معنيان: 

  أحدهما المعنى العام أنه دين الأنبياء جميعا: فالإسلام دين آدم عليه السلام ومن  بعده فهو دين نوح وهود وصالح وعيسى وإبراهيم وموسى ومحمد دين الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام والإسلام في زمن آدم توحيد الله وما جاء به  آدم من الشريعة والإسلام في زمن نوح هو توحيد الله وما جاء به نوح من الشريعة والإسلام في زمن هود توحيد الله وما جاء به  هود من الشريعة، والإسلام في زمن إبراهيم هو توحيد الله وما جاء به إبراهيم من الشريعة، والإسلام في زمن موسى هو توحيد الله، وما  جاء به موسى من الشريعة والإسلام في زمن عيسى هو توحيد الله وما جاء به عيسى من الشريعة، والإسلام بعد بعثة محمد هو توحيد الله وما جاء به محمد من الشريعة الخاتمة. 

الثاني المعنى الخاص توحيد الله والعمل بالشريعة الخاتمة فالله  تعالى حفظ هذا الدين وتكفل به بخلاف الأمم السابقة، فحفظ القرآن وتوكل بحفظه وضمن حفظه فبقي، أما الكتب السابقة فلم يتكفل بحفظها فلهذا التوراة حرفت والإنجيل حرف لأن الله سبحانه وكل حفظه إلى علمائهم والربانيين قال الله تعالى: " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله" [المائدة : 44]"استحفظوا " طلب منهم أن يحفظوا التوراة فلم يحفظوها فدخل التغيير والتبديل  للتوراة وكذلك الإنجيل حرف. 

  أما القرآن فلم يكل الله سبحانه إلى الناس أو العلماء حفظه، بل توكل بحفظه فحفظه بنفسه، قال الله سبحانه:" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر: ٩] فالقرآن محفوظ بحفظ الله وحفظ القرآن يتضمن حفظ السنة لأن السنة وحي ثان، وهذا يتضمن أن الحق باق والشريعة باقية والحق لا يمكن أن يضيع في أي زمن من الأزمنة، بل لابد أن يبقى على الحق طائفة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس». إذن فالدين محفوظ والقرآن محفوظ، والسنة محفوظة، ولا يمكن أن يضيع الحق ولا يمكن أن يخلو زمن من الأزمنة بألا يوجد فيه موحد أبدا لأنه إذا خلا العالم من التوحيد والإيمان، قامت القيامة، وهذا يكون في آخر الزمان بعد وجود علامات الساعة الكبرى فتأتي ريح طيبة من اليمن تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات وفي الحديث الصحيح أنه لا يبقى أحد إلا قبضته حتى لو دخل أحدكم في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه.

  فلا يبقى إلا الكفرة، والكفرة غير موحدين فيخلو الزمان من موحد فتقوم الساعة وهم في ذلك حسن رزقهم دار عيشهم يتمثلهم الشيطان ويأمرهم بعبادة الأوثان فعليهم تقوم الساعة.

وبهذا يتبين أن القرآن محفوظ، والسنة محفوظة، والشريعة محفوظة، وهذا الدين محفوظ، وأهل الإيمان والتوحيد باقون إلى قرب قيام الساعة، هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (فأمر به وأحاطه، وتوكل بحفظه وضمن إظهاره على الدين كله ولوكره المشركون) كما قال الله سبحانه وتعالى: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون"، هذا وعد من الله، فعلى رغم أنوف المشركين فإن هذا الدين ظاهر ومنصور، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية: 

والدين ممتحن ومنصور فلا تعجب فهذي سنة الرحمن

  فالدين منصور لكن لابد من الامتحان

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد