بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
الحمد لله رب العالمي وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
قال الشارح عفا الله عنه
قوله: (ثم اصطفى من خلقه رسلا) اصطفى يعني: اختار سبحانه رسلا هم أفضل الناس نسبا وخلقا وخلقا وعلما: قول الله تعالى "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون" (القصص: ٦٨)، وهو عليم بالذوات التي تصلح لغرس الكرامة، كما قال سبحانه: "الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس [الحج: ٢٥]، فاختار من خلقه رسلا لحمل الرسالة، وهو سبحانه وتعالى أعلم بأحوال عباده وما يصلحهم وعليم بمن يختار. قوله:(ابتعثهم بالدعاء إليه، وأمرهم بالقيام به) أي يدعون إلى الله على بصيرة، فيدعون الناس إلى توحيد الله، يأمرونهم بالتوحيد ويحذرونهم من الشرك، وأمرهم بالقيام به، وأمرهم بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمرهم بالصبر على جهلة خلقه؛ لأن الداعية لابد أن يصيبه أذى.
قوله:(والصبر على ما نابهم فيه من جهلة خلقه): والرسل هم قدوة الناس أصيبوا بالأذى، فنوح- عليه السلام - صبر وصابر ودعا الله، ومكث يدعو إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما قال الله تعالى عنه:" ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه. فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما "(العنكبوت: ١٤)، وهم يؤذونه ويسبونه ويضربونه، يقولون إنه مجنون فيقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، ألف سنة إلا خمسين عاما، ومع ذلك ما آمن معه إلا عدد قليل، ركبوا معه في السفينة قال الله عنه أنه:" قال ربي إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإن كلما دعوتهم لتغفر لههم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لم إسرارا "[نوح 5-9], فصبر وصابر ولم يضره، وكذلك تتابع الأنبياء والرسل، وقد عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء قال صلى الله عليه وسلم :( عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط, والنبي ومعه الرجل والرجلان
الشيخ ليلة الإسراء والمعراج
عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد ...) فبعض الأنبياء ما تبعه إلا الرهط من- ثلاثة إلى عشرة- ما تبعه إلا واحد.
وبعضهم ما تبعه أحد، وبعضهم قتل، قال الله تعالى: "ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون" [البقرة: ٨٧] فزكريا عليه السلام قتل، ويحيى عليه السلام قتل ولم يضرهم ذلك؛ لأنهم أدوا ما عليهم وبلغوا رسالات ربهم. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم حصل له من الأذى الشيء الكثير، فوضع سلا الجزور على ظهره وهو ساجد، وخنقه أبو جهل حتى كاد أن يقتله، حتى جاء أبو بكر فأزال يديه وقال رضى الله عنه: أتقتل رجلا قال ربي الله
الشيخ أتقتلون رجلا قال ربي الله كما قال مؤمن آل فرعون
حتى جاء أبو بكر فأزال يديه وقال رضى الله عنه: أتقتلون رجلا قال ربي الله وتآمروا على قتله ثم أمره ربه عز وجل بالهجرة، وحصل عليه صنوف من الأذى من المنافقين واليهود، آذوه وتكلموا فيه، وقيل له: اعدل يا محمد!! إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، ولما أخبره ابن مسعود عما قيل احمر وجهه حتى كان كالصرف ثم قال: (...رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)، وفي يوم أحد شج وجهه وجرح عليه الصلاة والسلام وكسرت رباعيته وجرحت وجنتاه، وسقط في حفرة
الشيخ يوم أحد شج وجهه
وصاح الشيطان إن محمد قد قتل فلابد من الصبر على الأذى لأن الداعية يقف ضد رغبات الناس ويمنعهم من أهوائهم وشهواتهم، فلابد أن يؤذوه بقول أو بفعل فإذا لم يصبر انقطع، فالله تعالى يسلي نبيه صلى الله عليه وسلم فيقول سبحانه " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل "(الأحقاف: ٣٥)، وقال سبحانه "وإن تصيروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا"(آل عران: ١٢٠)، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فالإمامة في الدين تنال بأمرين:
الأمر الأول: الصبر.
الأمر الثاني. اليقين.
والله تعالى بين صفات المؤمنين فقال: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" (العصر: ١-٣)، فلابد من الصبر، ولهذا أمرهم بالقيام بالحق، والصبر على ما أصابهم فيه من جهلة خلقه، وامتحنهم من المحن بصنوف وألوان، وما ذاك لهوانهم عليه، بل لكرامتهم عليه؛ ليعلي شأنهم ويرفع درجتهم، ويعظم أجرهم، ويجعلهم قدوة للناس وأسوة قال الله تعالى (لقد كان لكم في رسول أسوة حسنة (الأحزاب: ٢١).
قوله: (وامتحنهم من المحن بصنوف وابتلاهم من البلاء بضروب) فالرسل وهم أشرف الخلق، ابتلوا بصنوف وضروب وأنواع البلاء والمحن، هل هذا لهوانهم على الله؟
الجواب: لا؛ بل كما قال المؤلف رحمه الله (تكريما لهم غير تذليل، وتشريفا غير تخسير) فهو كرامة لهم؛ لأن العاقبة تكون حميدة، وفى أول الأمر تكون الشدة والعاقبة حميدة، (تكريما لهم غير تذليل) فيرفع الله درجتهم ويعلي شأنهم، وليكونوا قدوة وأسوة.
قوله:(وتشريفا غير تخسير) فهذا تشريف لهم، قال تعالى: "ورفع بعضكم فوق بعض درجات"(الأنعام:١٦٥)، الرسل يتفاوتون قال الله تعالى "تلك الرسل فضلنا بعضهم علن بعض منهم من كلم الله) (البقرة: ٢٥٣)، قال سبحانه: "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم "(الأنعام: ١٦٥).
قوله: (فكان أرفعهم عنده درجة أجدهم إمضاء): وإنفاذا للحق، ومسارعة إليه وتنفيذا له، (مع شدة المحن) أرفعهم درجة الذي يمضي في الحق، ويجد في طلبه وفعله، ويسارع في تنفيذه، مع شدة المحن والبلاء والمصائب، ويصبر على الشدة والألم وما يكرهه ويمضي في سبيله، ويصبر ويصابر ولا يتأخر، ولهذا لما أقبل المشركون في غزوة أحد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم، وشاورهم وقال: «هل نقاتلهم في المدينة، أو نخرج إليهم؟» فاختلف الناس، فبعضهم قال: نبقى في المدينة نقاتلهم ونحتمي، وبعضهم قال: نخرج إليهم، فكأن الذين قالوا نخرج كانوا أكثر فأخذ صلى الله عليه وسلم بقولهم ودخل لابسا لأمته، فقال بعضهم: لعلنا أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله لو قاتلناهم في المدينة، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما كان لنبي لبس لأمة الحرب أن يتأخر حتى يحكم الله بينه وبين عدوه»، ثم خرج -عليه الصلاة السلام -، فهذا من الإمضاء في المحن.
قوله: (وأقربهم إليه زلفى، وأحسنهم إنفاذا لما أرسله به مع عظيم البلية): أقربهم إليه زلفى يعني: مكانة كأن حذف الواو أولى، فيكون: أقربهم إليه زلفى أحسنهم إنفاذا لما أرسله به مع عظيم البلية، فأقربهم إلى الله مكانه أحسنهم تنفيذا لما أمره به ربه، ولما أرسله به ربه مع عظيم البلية.
وأولو العزم الخمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، لهم القدح المعلى، وهم أفضل الناس ولهم المكانة العالية، فهم أقرب الناس زلفى.
وأفضل أولي العزم: الخليلان؛ إبراهيم ومحمد، وأفضل الخليلين: إمامنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فأفضل الناس: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يليه: جده إبراهيم، ثم يليه: موسى الكليم ثم بقية أولي العزم: عيسى ونوح، ثم الرسل ثم بقية الأنبياء، ثم الصديقون، ثم الشهداء ثم الصالحون ثم المؤمنون الأمثل فالأمثل.