بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
قال المصنف رحمه الله تعالى
الرسل وأتباعهم معرضون للمحن
فلم يخل جل ثناؤه أحدا من مكرمي رسله، ومقربي أوليائه من محنة في عاجلة دون آجلة؛ ليستوجب بصبره عليها من ربه من الكرامة ما أعد له ومن المنزلة لديه ما كتبه له ثم جعل تعالى، جل وعلا ذكره، علماء كل أمة نبي ابتعثه منهم وراثه من بعده، والقوام بالدين بعد اخترامه إليه وقبضه، الذابين عن عراه وأسبابه، والحامين عن أعلامه وشرائعه، والناصبين دونه لمن بغاه وحاده، الدافعين عنه كيد الشيطان وضلاله. فضلهم بشرف العلم، وكرمهم بوقار الحلم، وجعلهم للدين وأهله أعلاما، وللإسلام والهدى منارا، وللخلق قادة، وللعباد أئمة وسادة، إليهم مفزعهم عند الحاجة، وبهم استغاثتهم عند النائبة، لا يثنيهم عند التعطف والتحتن عليهم سوء ما هم من أنفسهم يولون، ولا تصدهم عن الرقة عليهم والرأفة بهم قبح ما إليه ما يأتون محرما منعهم طلب جزيل ثواب الله فيهم وتوخيا طلب رضا الله في الأخذ بالفضل عليهم
الشيخ المعنى الرسل عليهم السلام يبتلون بالأعداء الذين يؤذونهم في حياته كما ابتلي نوح عليه السلام بقومه ابتلي هود بقومه ابتلي صالح بقومه ابتلي شعيب بقومه ابتلي لوط بقومه ونبينا عليه الصلاة والسلام كذلك ابتلي ابتلاهم الله ليرفع درجاتهم ليعلي منزلتهم سبحانه وتعالى وجعل وراثهم من بعده العلماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم يسيرون على طريقهم ومنهجهم ويصبرون على أذى الناس يعلمونهم ويدلونهم على سبيل الخير ويحذرونهم من سبيل الشر ولا يثنيهم ذلك كونه يؤذونهم أو كونهم لا يقبلون منهم بل هم مستمرون على دعوتهم على طريق الأنبياء عليهم الصلوات والسلام يرجون ما عند الله عز وجل من الكرامة والثواب
قال الشارح عفا الله عنه
قول المؤلف رحمه الله: (فلم يخل جل ثناؤه أحدا من مكرمي رسله، ومقربي أوليائه من محنة) المعنى: أن الأنبياء والرسل امتحنوا، فليس أحد هناك من الرسل الذين كرمهم الله إلا امتحن، والأولياء بعدهم كلهم امتحنوا، فلا أحد يسلم من المحنة، إذ سنة الله الامتحان للرسل والأنبياء والأولياء المقربين.
قوله: (في عاجلة دون آجلة) يعني: ما خلا أحد منهم إلا وأصابته محنة، فالرسل المكرمون وهم أفضل الناس، ثم المقربون من الأولياء، كل واحد منهم امتحن في عاجلة دون آجلة، لماذا امتحنه الله؟
قال المؤلف رحمه الله: (ليستوجب بصبره عليها من ربه من الكرامة ما أعد له) هذه الحكمة في الابتلاء أنه إذا صبر نال المنزلة العظيمة، والكرامة التي أعدها الله له، ولهذا فالأنبياء أرفع الناس منزلة في الجنة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم له الوسيلة وهي أعلى بيت ومنزلة في الجنة، وسقفها عرش الرحمن، لذلك أمرنا بعد الأذان أن نقول:(اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)
فائدة: بعض العامة يزيد يقول:(آت محمد الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة) و(الدرجة الرفيعة) زيادة، لم ترد.
كما أن بعض العامة يزيد في الاستفتاح فيقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" فيقول: (ولا معبود سواك). وهذا غلط؛ فإن «لا إله غيرك» هي نفسها (لا معبود سواك)، الإله هو المعبود والزيادة لا أصل لها
الشيخ وكذلك القول بعد الأذان آت محمدا الوسيلة والدرجة الرفيعة الدرجة الرفيعة هي الوسيلة يكون تكرار " اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة الدرجة الرفيعة ما وردت الدرجة الرفيعة هي الوسيلة أعلى حاجة الدرجة الرفيعة زيادة في النص زيادة في الحديث اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " وهذا حديث صحيح زاد البيهقي إنك لا تخلف الميعاد اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد " هذه الزيادة وإن كانت صحيحة أخذ بها المتأخرون من المحدثين من قال إنها شاذة المحدثون القدامى يقولون إنها شاذة ويكتفون بما ورد الحديث " اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " فقط ومن المتأخرين من أخذ بها وقال غنها زيادة الثقة مقبولة أما الاستفتاح " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك وتعالى جدك ولا إله غيرك " أربع جمل يزيد بعض العامة ولا معبود سواك ما وردت ليست من الاستفتاح وهي معناها الجملة الرابعة لا إله غيرك يعني لا معبود سواك لكنها زيادة لم ترد
قال: (ثم جعل تعالى، جل وعلا ذكره، علماء كل أمة نبي ابتعثه منهم وراثه من بعده، والقوام بالدين بعد اخترامه إليه وقبضه) جعل الله سبحانه في كل أمة علماء يرثون الأنبياء، كل نبي يرثه العلماء من بعده، ويقومون بالدعوة ويحملونها.
قوله: (الذابين عن عراه وأسبابه، والحامين عن أعلامه وشرائعه، والناصبين دونه لمن بغاه وحاده، الدافعين عنه كيد الشيطان وضلاله): العلماء بعد الأنبياء هم الذين يرثون علم الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، ولهذا في الحديث: (... وإن العلماء ورثة الانبياء، وإن الانبياء لم يورثوا دينارا، ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ حظ وافر).
فالعلماء وراث الأنبياء وهم الذين يقومون بالدين بعد موتهم، وهم الذين يذبون عن الدين ويحمونه ويدافعون عنه وينصبون العداوة لمن عادى وطعن وبغى على هذا الدين، ويدفعون كيد الشيطان وضلاله.
قوله: (فضلهم بشرف العلم، وكرمهم بوقار الحلم) هذا من تفضيل الله فهم شرفوا بالعلم.
قوله: (وجعلهم للدين وأهله أعلاما، وللإسلام والهدى منارا) يعني: جعلهم أسوة للناس كالأعلام، والأعلام هي الجبال يراها كل أحد.
قوله:(وللخلق قادة وللعباد أئمة وسادة) أي: يقودون الناس للحق، سادة للناس، وأئمة يقتدى بهم.
قوله :(إليهم مفزعهم عند الحاجة) أي: عندما يحصل للناس حاجة فإنهم يفزعون إلى أهل العلم ليقضوا حاجاتهم.
قوله: (وبهم استغاثتهم عند النائبة) الاستغاثة هي: دعاء الملهوف والمكروب والاستغاثة بالحي الحاضر لا بأس بها كاستغاثة الغريق عندما يقول للسباح: أغثني، فلا بأس به إنما الممنوع: الاستغاثة بالميت أو بالغائب
والمعنى أنهم يستغيثون بالعلماء في قضاء حوائجهم التي يقدرون عليها، وليس المراد الاستغاثة بهم بعد الموت. أو فيما لا يقدرون عليه
الشيخ يعني العلماء يطلبون منهم ويسألونهم عن حكم الله في هذه المسألة مستغيث ملهوف فالعلماء يغيثونهم ويجيبونهم عن مسائلهم فإذا أجابوهم عن مسائلهم التي هم في أشد الحاجة إليها صار هذا إغاثة لهم
والمعنى أنهم يستغيثون بالعلماء في قضاء حوائجهم التي يقدرون عليها، وليس المراد الاستغاثة بهم بعد الموت. أو فيما لا يقدرون عليه
قوله: (لا يثنيهم عند التعطف والتحتن عليهم سوء ما هم من أنفسهم يولون) يعني: كونهم يحنون عليهم بقلوبهم، ويعطفون عليهم، لا يثنيهم عن هذا سوء ما هم في أنفسهم يولون، أي: إذا كان الناس يعلمون من أنفسهم ما يعملون من السيئات والأعمال، لا يمنعهم هذا من كونهم يسألون العلماء، ويطلبون عطفهم والتحنن عليهم.
قوله: (ولا تصدهم عن الرقة عليهم والرأفة بهم قبح ما إليه ما يأتون محرما) يعني: هؤلاء الناس وإن كان بعضهم يعمل المحرمات لا يمنع من كونهم يلجئون لأهل العلم، ويطلبون منهم الرأفة والرحمة، وحل المشاكل وقضاء الحوائج.
قوله: (منعهم طلب جزيل ثواب الله فيهم، وتوخيا طلب رضا الله في الأخذ بالفضل عليهم) وذلك لأن العلماء يحتسبون ذلك عند الله، ويطلبون جزيل الثواب عند الله، ويتوخون رضا الله فيما يأخذونه ويقولونه من قول أو فعل مما يكون لهم فضل على عباد الله