بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
قال المصنف رحمه الله تعالى
القول في القرآن وأنه كلام الله
فأول ما نبدأ بالقول فيه من ذلك عندنا: القرآن كلام الله وتنزيله؛ إذ كان من معاني توحيده، فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه: كلام الله غير مخلوق كيف كتب وحيث تلي وفي أي موضع قرئ، في السماء وجد، وفي الأرض حيث حفظ، في اللوح المحفوظ كان مكتوبا، وفي ألواح صبيان الكتاتيب مرسوما، في حجر نقش، أو في ورق خط، أو في القلب حفظ، وبلسان لفظ، فمن قال غير ذلك أو ادعى أن قرآنا في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه، أو أضمره في نفسه، أو قاله بلسانه دائنا به، فهو بالله كافر، حلال الدم بريء من الله، والله منه بريء، بقول الله عز وجل:(بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) (البروج: ٢١-٢٢)، وقال وقوله الحق عزوجل: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) (التوبة: 6). فأخبر، جل ثناؤه، أنه في اللوح المحفوظ مكتوب، وأنه من لسان محمد صلى الله عليه وسلم مسموع، وهو قرآن واحد من محمد صلى الله عليه وسلم مسموع، في اللوح المحفوظ مكتوب، وكذلك هو في الصدور محفوظ، وبألسن الشيوخ والشباب متلو.
الشيخ هذه عقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود فالله تعالى تكلم بالقرآن وسمعه جبرائيل من الله تكلم بحرف وصوت وسمعه جبرائيل من الله ونزل به على النبي ﷺ كما قال سبحانه تعالى " نول به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " وهو مكتوب في اللوح المحفوظ " بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " ومن تصرف حيث تصرف هو كلام الله إن قرأه قارئ فقد قرأ كلام الله وإذا كتبه كاتب فقد كتب كلام الله وإذا حفظه حافظ فكلام الله محفوظ له وإن قرأ قارئ فكلام الله مقروء له وإن سمعه سامع فهو يسمع كلام الله كما قال تعالى " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " أما أهل البدع من المعتزلة فقالوا القرآن مخلوق هذا كفر وضلال ولهذا قالوا من قال القرآن مخلوق فهو كافر على العموم أما المعين فلا يكفر لا يحكم عليه بالكفر حتى تقوم عليه الحجة فيبين له تقوم عليه الحجة فالقرآن مكتوب في المصاحف معلوم في الصدور متلو بالألسن محفوظ في الصدور وهكذا فهو كلام الله وفي آخر الزمان يرفع إذا ترك الناس العمل به والعياذ بالله رفع وهو من أشراط الساعة الكبار ينزع القرآن من الصدور والمصاحف إذا ترك الناس العمل به ينزع من الصدور وينزع من المصاحف يصبح الناس وما في صدورهم آية ولا في مصاحفهم آية من أشراط الساعة الكبار أن القرآن ينزع منه بدأ وإليه يعود إلى الله كما أنه من أشراط الساعة هدم الكعبة والعياذ بالله من الأشراط الدابة والدخان وطلوع الشمس من مغربها وخروج يأجوج ومأجوج ونزول عيسى بن مريم وخروج المسيح الدجال وأولها خروج المهدي كل هذه من أشراط الساعة
قال الشارح وفقه الله تعالى
هذه المسألة الأولى في القرآن، وأنه كلام الله وما قرره المؤلف رحمه الله هو الصواب الذي دلت عليه النصوص، وهو معتقد أهل السنة والجماعة، أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، وأن القران لفظا ومعنى وحروفا وسورا وآيات: كلام الله، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف،
الشيخ خلافا للأشاعرة الأشاعرة يقولون كلام الله المعاني أما الألفاظ والحروف مخلوقة قالوا والقرآن معنى قائم في النفس ما يسمع مثل العلم وقالوا إن الله ما تكلم بحرف ولا بصوت وليس معه جبرائيل لأنه لو تكلم بحرف لأن الحروف حادثة والأصوات حادثة لو كان الله يتكلم بحرف وصوت لكانت الحروف حادثة في ذاته والله منزه عن الحدوث زعموا فكيف قالوا القرآن في نفس الرب ما يسمع كيف قالوا الله اضطر جبريل اضطرارا اضطره ففهم المعنى القائم بنفسه عبر بهذا القرآن وأوصله إلى محمد فقط لكنه ما سمع من الله قرآن ولا حرف ولا صوت فاضطره اضطرار إلى أن يفهم المعنى القائم في نفسه ففهم جبريل فعبر به عنه فالقرآن عبارة عن كلام الله وقالت المعتزلة القرآن مخلوق ألفاظه ومعانيه هذا كفر وضلال وقال أهل السنة القرآن كلام الله لفظه ومعناه فأهل السنة يقولون القرآن كلام الله لفظه ومعناه منزه عن المخلوق كلام الله المعتزلة يقولون القرآن لفظه ومعناه مخلوق الأشاعرة يقولون ينقسمون قسمين قسم مع المعتزلة وقسم مع أهل السنة يقولون معناه غير مخلوق كما قال أهل السنة ولفظه كما قال المعتزلة مثل الرؤية والعلو المعتزلة ينكرون رؤية الله وينكرون علوه وأهل السنة يثبتون علو الله يثبتون كلام الله و المعتزلة يثبتون الرؤية وينكرون العلو يقولون يرى لا في علو يثبتون الرؤية كما قال أهل السنة وينكرون العلو كما قال المعتزلة بين بين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء
ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف،
كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية وهي على صغر حجمها عقيدة عظيمة، ينبغي على الطالب أن يحفظها ـ قال: وكلام الله هو الحروف والمعاني، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف
قال المؤلف: (فأول ما نبدأ بالقول فيه من ذلك عندنا: القرآن كلام الله وتنزيله) أنزله الله ـ سبحانه وتعالى - على نبينا محمد بواسطة جبرائيل عليه السلام، وجبرائيل سمع القرآن من الله، تكلم الله به بحرف وصوت، وجبرائيل نزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:(نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) (الشعراء: ١٩٥-١٩٣).
وسبب بداءة المؤلف بالقول بأن القرآن كلام الله وتنزيله: (إذ كان من معاني توحيده) فمن معاني توحيد الله -عز وجل - أن يعتقد المسلم أن القرآن كلام الله، فالموحد يؤمن بأسمائه وصفاته وأفعاله والقرآن كلام الله، صفة من صفاته، منزل غير مخلوق والمعنى: أن القرآن كلام الله كيفما تصرف، إذا قرأه القارئ فالقرآن كلام الله مقروء له، وإذا سمعه السامع فالقرآن مسموع له وإن حفظه الحافظ فكلام الله محفوظ له، إن كتبه الكاتب فكلام الله مكتوب له، فالقرآن كلام الله مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مسموع بالآذان
سؤال حكى ابن عباس في نزول القرآن جملة واحد إلى السماء الدنيا
الشيخ ما ينافي هذا مثل كتابته في اللوح المحفوظ نزل جملة واحدة في بيت العزة ونزل منجما على النبي ﷺ على حسب الحوادث في ثلاث وعشرين سنة
سؤال يعني الذي نزل إلى السماء هو قرآن مكتوب لم يسمعه جبريل من الرجال وعلا
الشيخ نعم نزل جملة واحدة مثل كتابة اللوح المحفوظ الذي نزل به جبريل سمعه من الله عز وجل
الطالب والذي سمعه جبريل عليه السلام من الله عز وجل مباشرة
الشيخ نعم سمعه من الله ثم نزل به منجما على حسب الحوادث كل ما حدث حادث تكلم الله وسمع جبريل ونزل به
مسألة: المصحف فيه كلام الله وغيره،
الشيخ وغيره يعني فيه الورق والجلد يعني غير الكلام ما فيه كلام آخر
مسألة: المصحف فيه كلام الله وغيره،
فلا يحلف بالمصحف؛ لأن فيه الورق والحبر والجلد إنما يحلف بكلام الله فالمصحف فيه كلام الله فإذا حفظه الحافظ فكلام الله محفوظ له، وإذا سمعه السامع فكلام الله مسموع له، وإذا قرأه القارئ فكلام الله مقروء له، وإذا كتبه الكاتب فكلام الله مكتوب له كيفما تصرف فهو كلام الله هذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص والذي قرره الأئمة والعلماء، كالإمام أحمد وغيره من الأئمة الأربعة، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم وغيرهم من أهل العلم، كما قرره العلماء في مؤلفاتهم وفي عقائدهم، مثل العقيدة الواسطية، والطحاوية وفي غيرهما من كتب السنة، ولهذا قال المؤلف أن الصواب أنه كلام الله غير مخلوق(كيف كتب) إذا كتب فهو كلام الله مكتوب (وحيث تلي) إذا تلي فكلام الله متلو(وفي أي موضع قرئ) في السماء وجد فهو كلام الله، وفي الأرض حفظ فهو كلام الله محفوظ، في اللوح المحفوظ كان مكتوبا وفي ألواح صبيان الكتاتيب مرسوما وفي الحجر اذا نقشته فهو كلام الله، وإذا كتبته في ورق فهو كلام الله وفى القلب حفظ فهو كلام الله بلسان لفظ فكلام الله ملفوظ.
قوله:(فمن قال غير ذلك أو ادعى أن قرآنا في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه، أو أضمره في نفسه، أو قاله بلسانه دائنا به) دائن به يعني: يدين ويعتقد به ربه، (فهو بالله كافر، حلال الدم بريء من الله، والله منه بريء
المؤلف رحمه الله يرى أن من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر وهذا هو قول الأئمة من أهل السنة والجماعة والذين يقولون القرآن مخلوق هم المعتزلة فهم يقولون: كلام الله مخلوق لفظه ومعناه.
والأشاعرة يقولون: كلام الله هو المعنى دون اللفظ، فالألفاظ والحروف مخلوقة، والمعاني هي كلام الله.
فعند الأشاعرة أن الكلام اسم للمعنى فقط؛ أما اللفظ والحروف فليست من كلام الله ولهذا يكون مذهب الأشاعرة نصف مذهب المعتزلة:
فالمعتزلة يقولون: الكلام مكون من لفظ ومعنى مثل ما يقوله أهل السنة لكن يقول المعتزلة: مخلوق
والأشاعرة يقولون: الكلام هو المعنى ليس بمخلوق، واللفظ مخلوق
ولهذا يقول الأشاعرة: إن الله لا يتكلم بحرف وصوت يسمع، فالكلام معنى قائم في نفسه، مثل: العلم فلا يسمع. كيف سمعه جبريل؟
قالوا: ما سمعه جبريل من الله ولا كلمه.
كيف ذلك؟
فكانوا ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: قالوا: الله اضطر جبريل اضطرارا ففهم المعنى القائم في نفسه فعبر به، هذا القرآن عبر به جبريل عليه السلام.
الطائفة الثانية: قالوا: الذي عبر به محمد صلى الله عليه وسلم.
الطائفة الثالثة: قالوا: جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، والله لم يتكلم بكلمة
الشيخ يعني ثلاث طوائف طائفة الذي عبر به جبريل وطائفة قالوا الذي عبر به محمد استندوا لقوله " إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون " إنه لقول رسول يعني والصواب يعني قوله الذي نسب إليه أنه بلغه والذين قالوا أن الذي عبر به جبريل استدلوا بقوله تعالى في سورة التكوير إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند الذي العرش كريم " وقوله يعني قوله تبليغا لا ابتداء وطائفة ثالثة قالوا أخذه من اللوح المحفوظ وما سمع كلام الله ولهذا ما يوقرون المصحف يقولون المصحف هذا ما فيه كلام الله تأدى به كلام الله ما هو بكلام الله كلام الله قائم بنفسه لكن المصحف الآن هذا الحروف والكلمات تأدى به كلام الله ما يوقرون المصحف عندهم
الطائفة الثالثة: قالوا: جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، والله لم يتكلم بكلمة
ليس ثم لفظ ولا حرف ولا صوت المسائل المبنية على قول الأشاعرة:
- لهذا يقولون: المصحف ليس فيه كلام الله إنما هو عبارة عن كلام الله فيه الحروف والألفاظـ وهذا يتأدى به كلام الله فيسمى كلام الله مجازا فهم يقولون كلام الله ولكن عند المناقشة يقولون: نحن نقول إنه: كلام الله على سبيل المجاز فنسميه كلام الله لأنه تأدى به كلام الله، وإلا فهو ليس بكلام الله حقيقة
- ولهذا فإن بعض غلاتهم لا مانع عنده أن يطأ الإنسان المصحف برجله لأنه ليس فيه كلام الله!
هذا مذهب الأشاعرة الذين هم أقرب الطوائف لأهل السنة.
والمؤلف رحمه الله قال كما قال أئمة العلم: من قال القرآن مخلوق فهو كافر، والمعنى أنه يكفر على العموم
الشيخ على العموم أما فلان بن فلان كافر لا لابد تقيم الحجة عليه الشخص المعين لكن على الموم من قال القرآن مخلوق كافر لكن فلان بن فلان يقول القرآن مخلوق ما تقول له لابد نقيم عليه الحجة تعال بين له الحجة إذا قامت عليه الحجة وأصر حكم بكفره
أما الشخص المعين فلا يكفر، حتى تقوم عليه الحجة، فلان ابن فلان قال القرآن مخلوق لابد أن تقام عليه الحجة وتكشف الشبهة.
ثم استدل المؤلف رحمه الله بما يلي:
- قال تعالى:(بل هو قرءان مجيد) [البروج:٢١].
- وقال:( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) [التوبة:6].
فأخبر أنه مسموع بالآذان من النبي صلى الله عليه وسلم ومكتوب في اللوح المحفوظ
قوله: (فأخبر جل ثناؤه أنه في اللوح المحفوظ مكتوب، وأنه من لسان محمد صلى الله عليه وسلم مسموع، وهو قرآن واحد من محمد صلى الله عليه وسلم مسموع، في اللوح المحفوظ مكتوب، وكذلك هو في الصدور محفوظ، وبألسن الشيوخ والشباب متلو)
بين المؤلف رحمه الله وجه الدلالة: من هذه الآيات أنه في اللوح المحفوظ مكتوب، وأنه من لسان محمد صلى الله عليه وسلم مسموع.
فأراد المؤلف بيان أن القرآن محفوظ، سواء:
- من محمد مسموع.
- في اللوح المحفوظ مكتوب.
- في الصدور محفوظ.
- في ألسنة الشيوخ والشباب متلو، فتتلوه ألسنة الشيوخ والشباب كما قال القحطاني في نونيته:
إن الذي هو في المصاحف مثبت بأنامل الأشياخ والشبان