(المتن)
قال الله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ أخبر سبحانه : أن من أحب أحداً أو شيئاً دون الله حباً من جنس الحب الواجب لله – وهو الحب مع الذل والخضوع – فقد اتخذه نداً لله .
وهذا معنى قول المشركين لمعبوديهم يوم القيامة تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فهذه تسوية في المحبة والتأليه ، لا في الذات والأفعال والصفات.
والآيات قبلها تدل على ذلك ، إذ يقول الله تعالى فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كما حكى عنهم في سورة البقرة أيضاً : إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ
(الشرح)
قال الله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ قال المؤلف في شرح الآية أخبر أن من أحب أحداً أو شيئاً دون الله حبا من جنس الحب الواجب لله وهو الحب مع الذل والخضوع فقد اتخذه نداً لله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أخبر الله أن من أحب أحداً أو شيئاً دون الله حبا من جنس الحب لله الواجب لله هذا يخرج الحب الطبيعي كحب المال والصديق والولد والوالد هذا الحب طبيعي حب الظمآن للماء والجائع لطعام هذا حب طبيعي حب كما سيبين المؤلف المشتركين في عمل أو تجارة أو دراسة حب أنس وألف هذا حب طبيعي المراد حب العبادة حب العبادة محبة خاصة محبة الذل والخضوع تقتضي الذل والخضوع كما ذكرت هذا الذي يصرفها لغير الله يكون مشركا أخبر أن من أحب شيئا من دونه أو من دون الله حباً من جنس الحب لله وهو الحب مع الذل والخضوع ويقتضي هذا الحب كمال الطاعة إذا أحبه يطيعه في امتثال أوامره واجتناب نواهيه :
لو كنت تزعم محباً لأطعته | إن المحب لمن يحب مطيع |
قال المؤلف : وهذا معنى قول المشركين لمعبوديهم يوم القيامة تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فهذه تسوية بالمحبة والتأليه لا في الأفعال والأسماء والصفات يعني المشركون يوم القيامة حينما يدخلون النار مع معبوديهم يدور بينهم حوار ما هو الحوار فيقول العابد للمعبود تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ حلف أنه في الدنيا لفي ضلال مبين لماذا إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ في ضلال مبين كيف نسويكم برب العالمين رب العالمين هو المستحق للعبادة نسويكم به نجعلكم مثله تستحقون العبادة متى أبصروا هذا ؟ في النار كانوا عميانا ولذلك قال الله قالوا رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا الآن عرفنا كل شيء عرفنا أبصرنا وسمعنا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا ولكن أخبر سبحانه وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ قال المؤلف هذه تسوية قالوا إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ تسوية بأي شيء هل سووهم في الربوبية هل سووهم في اللذات في الصفات لا قال هذه تسوية في المحبة والتأليه التعبد سووهم في المحبة والتأليه لا في الذات والأفعال والصفات ما سووهم بالله في ذاته فقالوا ذاتهم مثل ذات الله أو صفاتهم مثل صفات الله لا إنما سووهم بالمحبة والتأليه.
قال المؤلف : والآيات قبلها تدل على ذلك إذ يقول الله إخبارا عن العابدين والمعبودين الذين سقطوا في النار فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ فكبكبوا يعني أسقطوا وضعوا كبكبوا فيها يعني المعبودين هم والغاوون وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ كلهم سقطوا في النار إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ كيف نسويكم برب العالمين ونصرف لكم حقه من العبادة والتأله وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ الذي أضلنا هم المجرمون هم الذين أضلونا الذين أجرموا ويزينون لنا الباطل وأشركوا بالله أضلونا ثم قالوا فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ما أحد يشفع لنا حتى نخرج من النار فما تنفعهم شفاعة الشافعين أهل النار الذين هم مشركون فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ قطعت قطع العمل ولا شفيع ولا حميم فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً أي رجعة إلى الدنيا لو أن لنا كرة ورجعة إلى الدنيا آمنا من جديد ووحدنا فلو أن لنا كرة لكنا من المؤمنين قال الله إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ولكن هيهات هل يرجعون إلى الدنيا ما في رجعة وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ كما حكى عنهم في سورة البقرة أيضاً أنهم إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا هو المتبوع المعبود إذ تبرأ من الذين اتبعوا لما عبدوهم إلى يوم القيامة تبرؤوا منهم ما لنا دعوى فيكم قالوا عبدناكم انفعونا الآن قالوا خلاص نبرأ منكم إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا رجعة في الدنيا فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا يقولون أنتم تبرأتم منا الآن نحن عبدناكم ولا نفعتونا الآن تبرأتم منا ليت لنا رجعة إلى الدنيا حتى نتبرأ منكم كما تبرأتم منا حتى نجازيكم بالمثل أنتم تبرأتم في النار تبرأتم منا لكن نحن الآن لو كان لنا رجعة إلى الدنيا لتبرأنا منكم كما تبرأتم منا وهذه كلها أماني وحسرات فلذلك قال : كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ مع هذه المحاورة لا يخرجون من النار ولهم عذاب السموم نسأل الله العافية هذا جزاء الكافرين.
(المتن)
قال المؤلف رحمه تعالى :
فمن صرف ذلك لغير الله الإله الحق : فقد أعرض عنه ، وأبق عن مالكه وسيده . فاستحق مقته وغضبه . وطرده عن دار كرامته ، ومنازل أحبابه .
والمحبة ثلاثة أنواع : محبة طبيعية ، كمحبة الجائع للطعام ، والظمآن للماء ، وغير ذلك ، وهذه لا تستلزم التعظيم .
والنوع الثاني : محبة رحمة وإشفاق ، كمحبة الوالد لولده ونحوهما ، وهذه أيضاً لا تستلزم التعظيم .
والنوع الثالث : محبة أنس وإلف ، وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر بعضهم لبعض ، وكمحبة الإخوة بعضهم لبعض . فهذه المحبة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض ، ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله . ولهذا كان الرسول ﷺ يحب الحلوى والعسل . وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد ، وكان أحب اللحم إليه الذراع ، وكان يحب نساءه ، وكانت عائشة أحبهن إليه . وكان يحب أصحابه ، وأحبهم إليه الصديق .
(الشرح)
يقول المؤلف :
فمن صرف ذلك لغير الله الإله الحق فقد أعرض عنه من صرف العبادة لغير الله أعرض عن الله أبق عن مالك أبق يعني هرب العبد مملوك لله مثل العبد الذي يهرب عن سيده إذا هرب العبد عن سيده هرب العبد عن مالكه وسيده ، ونحن عبيد لله فالموحد مطيع لله كالعبد المطيع لسيده والمشرك هارب عن سيده ومولاه هارب عنه إلى غيره ، فمن صرف العبادة عن غيره فقد أعرض عن الله وأبق عن مالكه هرب عن مالكه وسيده فاسحق مقته وغضبه ، والمقت أشد البغض استحق مقت الله وغضبه وطرده عن دار كرامته وهي الجنة ومنازل أحبابه هذا جزاء المشركين المشرك معرض عن الله هارب عنه مستحق لغضب الله ومقته مطرود عن دار كرامته وهي الجنة ومنازل أحبابه.
ثم قال المؤلف : والمحبة ثلاثة أنواع : المحبة غير محبة العبادة المحبة ثلاثة أنواع غير محبة العبادة كان الأصل أن يقول المحبة أربعة أنواع ثلاثة أنواع طبيعية والرابع هي محبة العبادة هذا هو الأصل أو يقول والمحبة نوعان : محبة طبيعية ومحبة العبادة والمحبة الطبيعية ثلاثة أنواع : فسماها محبة طبيعية والأصل أنها كلها محبة طبيعية كمحبة الجائع للطعام طبع الإنسان على هذا الجائع يحب الطعام ، ومحبة الظامئ للماء وغير ذلك محبة من أصابه حر شديد محبته للماء والهواء والبراد هذه محبة طبيعية .
والنوع الثاني : محبة رحمة وإشفاق محبة الوالد لولده هذه ليست محبة عبادة محبة رحمة وإشفاق وهذه أيضا لا تستلزم التعظيم الأولى محبة طبيعية لا تستلزم التعظيم والثانية محبة الوالد لولده لا تستلزم التعظيم
والنوع الثالث : محبة أنس وألف وهي محبة المشتركين في صناعة ناس يشتغلون في مصنع واحد يومياً يعملون سويا وينصرفون سويا يحصل بينهم أنس وألف في العمل ومحبة المشتركين في العلم طلبة العلم والطلاب في المدارس والكليات بينهم وبين الزملاء محبة أنس وألف هذه ليست محبة عبادة محبة المرافقة في السفر ، سافرت مع أناس جلست معهم أيام حصل بينك وبينهم أنس وألف هذه محبة أنس وكذلك التجارة المشتركون في تجارة محبة الإخوة بعضهم لبعض كلها من هذا النوع .
قال : فهذه المحبة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض هذه تصلح للخلق ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله ليست شركا لأنها طبيعية ولهذا كان الرسول ﷺ يحب الحلوى الحلو والعسل بطبعه وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد وكان أحب اللحم إليه الذراع وكان يحب النساء وكانت عائشة أحبهن إليه وكان يحب أصحابه وأحبهم إليه الصديق كل هذه محبة طبيعية .
ومن العلماء من يزيد في تعداد هذه يقول المحبة أنواع :
محبة طبيعية كمحبة الجائع للطعام ومحبة الظمآن للماء ومحبة رحمة وإشفاق كمحبة الوالد لولده ومحبة تقدير وإجلال كمحبة الولد لوالده عكس ومحبة أنس وإلف كمحبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافق أو تجارة على كل حال كل هذه الأنواع محبة طبيعية لأنها لا تستلزم التعظيم ولا تستلزم الطاعة أما المحبة التي يجب صرفها لله هي محبة العبادة وهي محبة خاصة . محبة عامة ومحبة خاصة والمحبة الخاصة التي هي محبة العبادة التي لا تصلح إلا لله .
(المتن)
قال المؤلف رحمه الله تعالى :
و أما المحبة الخالصة التي لا تصلح إلا لله وحده ، والتي إن أحب العبد بها غيره كان شركاً لا يغفره الله : فهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم ، وكمال الطاعة ، وإيثار رضا المحبوب على رضا غيره فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلاً ، وهي التي سوى المشركون فيها بين آلهتهم وبين الله وهي أول دعوة الرسل ، وآخر كلام العبد المؤمن الذي إذا مات عليه دخل الجنة : اعترافه وإقراره بهذه المحبة وإفراد الرب بها . فهي أول ما يدخل بها في الإسلام ، وآخر ما يخرج به المؤمن من الدنيا إلى الله ؛ وجميع الأعمال كالأدوات والآلات لها ، وجميع المقامات وسائل إليها ، وأسباب لتحصيلها وتكميلها وتحصينها من الشوائب والعلل . فهي قطب رحى السعادة ، وهي روح الإيمان ، وساق شجرة الإسلام ، ولأجلها خلق الإنس والجن ولأجلها أنزل الكتاب والحديد . فالكتاب هاد إليها ، ودال عليها ومفصل لها ، والحديد لمن خرج عنها وأشرك مع الله غيره فيها . ولأجلها خلقت الجنة والنار ، فالجنة دار أهلها الذين أخلصوها لله وحده ، فأخلصهم لها . والنار دار من أشرك فيها مع الله غيره ، وسوى بينه وبين الله فيها.
فالقيام بها علماً ، واعتقاداً وعملاً وحالاً وتصحيحاً : هو تصحيح شهادة أن لا إله إلا الله .
(الشرح)
هذا كلام عظيم قول المؤلف رحمه الله كلام عظيم يكتب بماء الذهب يقول رحمه الله:
وأما المحبة الخالصة التي لا تصلح إلا لله فهي محبة العبادة أما المحبة الطبيعية والمحبة العامة بأنواعها الطبيعية ومحبة الرحمة والإشفاق ومحبة الأنس والإلف هذه محبة طبيعية ، أما المحبة الخالصة التي لا تصلح إلا لله فهي محبة العبادة هي محبة العبادة وأما المحبة الخالصة التي لا تصلح إلا لله فهي محبة العبودية والتي إن أحب العبد بها غيره كان شركا لا يغفره الله فهي محبة العبودية محبة العبادة المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم وكمال الطاعة وإيثار رضا المحبوب على رضا غيره هذه هي المحبة هذه هي حق الله هذه هي العبودية ، المحبة الخالصة التي لا تصلح إلا لله هي محبة العبودية والتي إن أحب العبد بها غير الله كان شركاً لا يغفره الله ما هي ؟ هي محبة العبودية محبة العبودية تستلزم الذل والخضوع والتعظيم وكمال الطاعة وإيثار رضا المحبوب على رضا غيره هذه محبة العبادة محبة العبودية تستلزم الذل لله تذل وتخضع وإذا ذل الإنسان وخضع لله زال عنه الكبر بخلاف المشرك فإنه لا يذل ولا يخضع لله مستكبر فإذا ذل وخضع لله أدى العبادة ، المصلي يذل ويخضع لله والذي لا يصلي مستكبر ولا خضع لله لو خضع لله وذل لصلى ، والصائم كذلك يذل ويخضع لله والمزكي والذي يحج والذي يأمر والديه كله عنده ذل وخضوع لله منقاد لشرع الله الناس بين مشرك ومسلم فمنهم من هو مشرك ومنهم من هو مسلم فالمسلم هو المنقاد لشرع الله والمشرك الذي استكبر عن الله والمستكبر الذي استكبر عن عبادة الله ثلاثة أقسام الناس مسلم ومشرك ومستكبر ، فالمسلم هذا هو المنقاد الخاضع لله والمشرك الذي أشرك مع الله غيره والمستكبر هو الذي تكبر عن عبادة الله لم ينقد ولم يعبد الله كبراً استكبر عن عبادة الله فالمحبة الخالصة لله التي لا تصلح إلا لله والتي إذا أحب العبد بها غير الله كان مشركاً هي المحبة في العبودية محبة العبودية تستلزم الذل والخضوع وتستلزم التعظيم كمال الذل وكمال الحب وتستلزم كمال الطاعة المحب إذا أمره ربه بالصلاة صلى ، إذا أمره بالزكاة زكى إذا نهاه عن الزنا وعن السرقة وعن شرب الخمر وعن الربا انتهى هذا المحب المطيع أما الذي يزعم أنه يحب ولا يطيع هذا دعوة باطلة كيف تزعم الحب وأنت لا تطيعه :
لو كنت تزعم حبه لأطعته | إن المحب لمن يحب مطيع |
فإذا المحبة هنا تستلزم الذل كمال الذل وتستلزم الخضوع وتستلزم التعظيم وتستلزم كمال الطاعة وتستلزم إيثار رضا المحبوب على رضا غيره . إذا الله يرضى منك أن تتعامل معاملة شرعية والمخلوق يرضى منك أن ترضى أن تتعامل بالربا فأنت تؤثر رضا الله على رضا المحبوب فمن تعامل بالربا آثر رضا المخلوق على رضا الله ومن تعامل معاملة شرعية آثر رضا الله على رضا غيره .
قال المؤلف رحمه الله : فهذه المحبة لا يجوز أن تعلقها بغير الله أصلا يعني محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والطاعة وإيثار رضا المحبوب على غيره هذه لا يجوز تعلقها بغير الله أصلا وهي التي سوى المشركون فيها بين آلهتهم وبين الله . هذه هي محبة العبادة والذل والخضوع هي التي سوى المشركون فيها بين الله وبيت آلهتهم كما أخبر الله أنهم قالوا في النار تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وهي أول دعوة الرسل كل نبي بعثه الله أول ما يدعو قومه إلى التوحيد لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إذاً هي أول دعوة الرسل ، كل رسول بعثه الله يدعو إلى التوحيد وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ وهي أول ما يدخل بها المسلم وآخر كلام العبد المؤمن الذي إذا مات عليه دخل الجنة وفي الحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة إذا قال لا إله إلا الله اعترف وأقر بهذه المحبة لا معبود بحق إلا الله فهو يعبد الله لأنه يحبه ويذل له ويخضع ويطيع فالذي يقول لا إله إلا الله عند موته اعترف وأقر بهذه المحبة وأفرد الرب بها فمات على ذلك فيكون من أهل الجنة فهي أول ما يدخل بها في الإسلام وآخر ما يخرج به المؤمن من الدنيا إلى الله ، أول ما يدخل به الإسلام هي لا إله إلا الله مفتاح الإسلام الشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمد رسول الله . لا يدخل في الإسلام حتى يشهد لله بالوحدانية ويشهد لنبيه ﷺ بالرسالة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله هذه أول ما يدخل بها في الإسلام وآخر ما يخرج بها من الدنيا من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة إذا كلمة التوحيد التي هي محبة الله وتقديم لمحبة الله على غيره أول ما يدخل بها في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا إلى الله.
أدوات هذه المحبة وآلاتها الصلاة الصيام الزكاة بر الوالدين صلة الأرحام كل هذه أدوات وأعمال أصلها التوحيد والأعمال هي حقوق هذا التوحيد ،التوحيد أن تعبد الله مخلصا له الدين وحقوق هذا التوحيد أن تؤدي الواجبات وتنتهي عن المحرمات ولهذا قال المؤلف رحمه الله وجميع الأعمال كالأدوات والآلات لها وجميع المقامات وسائل إليها وسائل إلى المحبة مقام الرجاء مقام الخوف مقام العبادة مقام الذل والخضوع كل هذه وسائل توصل إليها هذه المقامات المحب هو الذي يخاف الله هو الذي يرجو الله هو الذي يعبد الله هو الذي يؤدي حقه هو الذي ينتهي عن أمره وأسباب لتحصيلها وتكميلها وتحسينها بالشوائب والعلل إذا كلمة التوحيد محبة الله هي الأصل هي أصل الدين وأصل سنته والأعمال حقوق لها وآلات وأدوات والمقامات مقام الرجاء مقام الخوف مقام التوكل هذه المقامات كلها وسائل وأسباب لتحصيل هذه المحبة الذي يخاف الله ويرجو الله ويتوكل عليه ويرغب إليه الرغبة والرهبة والرجاء والخوف والتوكل كلها أسباب ووسائل لتحصيل محبة الله وتحصينها وتكميلها من الشوائب والعلل فهي قطب روح السعادة وهي روح الإيمان محبة الله أصلها أصل هذه المحبة تنشئ من كلمة التوحيد لا إله إلا الله وهي قطب روح السعادة وهي روح الإيمان وساق شجرة الإسلام والساق الشجر له أغصان والأغصان هي الأعمال ولأجل هذه العبادة خلق الإنس والجن وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ولأجلها أنزل الكتاب والحديد قال الله تعالى لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ أنزل الله الكتاب والحديد أنزل الله القرآن على نبيه ﷺ وأنزل الحديد المأخوذ من الجبال فالكتاب هاد إليها يهدي إلى محبة الله وتوحيده ودال عليها الكتاب القرآن والسنة هاد إليها ودال لها ومفصل لها والحديد لمن خرج عنها وأشرك بالله مع الله غيره فيها الحديد المشرك يقتل فمن بدل دينه فاقتلوه من قبل ولاة الأمور إذا ثبت هذا والمشركون يقاتلون ويجاهدون في الله فالكتاب هاد إلى توحيد الله والحديد عقوبة لمن خرج عن محبة الله وعن توحيده وأشرك مع الله ولأجلها لأجل التوحيد وأجل العبادة التي أصلها محبة الله خلقت الجنة والنار خلق الله الجنة لأهل محبته وتوحيده وخلق الله النار لأهل الشرك لأهل عداوته أعدائه ، فالجنة دار أهلها الذين أخلصوها لله الجنة دار المتقين دار أهل المحبة الذين أخلصوها لله من أخلص المحبة لله فهو من أهل الجنة فالجنة داره فأخلصهم لله جزاء وفاقا . لما اخلصوا التوحيد لله أخلصهم الله للجنة يعني خصهم بها فالجزاء من جنس العمل من أخلص لله أخلص الله له الجنة ومن أشرك مع الله غيره أدخله النار والنار دار من أشرك مع الله غيره وسوى بينه وبين الله فيها.
يقول المؤلف : فالقيام بها علما واعتقادا وعملا وحالاً وتصحيحاً هو تصحيح شهادة أن لا إله إلا الله من علم يقوم بالعبادة والتوحيد عن علم من علم وأن هذه الكلمة مشتملة على نفي وإثبات وأن النفي نفي العبادة عن غير الله بجميع أنواعها والإثبات إثبات العبادة من جميع أنواعها لله لا بد من العلم إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ واعتقادا يعتقد أن الله المستحق للعبادة دون غيره وعملاً بأن يوحد الله ويخلص له العبادة ويخلص له في عبادته في صلاته وصومه وزكاته وحجه وبره للوالدين وصلته للرحم وحالاً كذلك وتصحيحاً ويقوم بهذه الكلمة علماً عن علم وبصيرة لا عن جهل وعن اعتقاد بأن الله يستحق العبادة وعن عمل الواجبات وحقوق التوحيد وكذلك حالهم مع الله حال العابد المخلص وتصحيحا يصحح هذه العبادة من شوائب الشرك هو تصحيح شهادة أن لا إله إلا الله من قام بهذا التوحيد علما واعتقادا وعملا وتصحيحا فقد صحح شهادة أن لا إله إلا الله .
(المتن)
قال المؤلف رحمه الله تعالى :
فحقيق بمن نصح نفسه وأحبها ، وأحب سعادتها ونجاتها . أن يتيقظ لهذه المسألة أشد التيقظ ، وتكون أهم الأشياء عنده ، وأجل علومه وأعماله . فإن الشأن كله فيها ، والمدار كله عليها . والسؤال عنها يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ كل السلامة من أي علة ومرض من أمراض حب غير الله ، وتقديم طاعته ومرضاته على طاعته ومرضاته .
قال تعالى : فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ قال غير واحد من السلف : هو السؤال عن قول ( لا إله إلا الله ) وهذا حق . فإن السؤال كله عنها وعن أحكامها وحقوقها .
قال أبو العالية : كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون : ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟
فالسؤال عن ( ماذا كانوا يعبدون ) هو السؤال عنها نفسها.
والسؤال عن ( ماذا أجابوا المرسلين ) هو السؤال عن الوسيلة والطريق المؤدية إلى تحقيقها ، هل سلوكها وأجابوا الرسل لما دعوهم إليها أم لا ؟ فعاد الأمر كله إليها .
وأمر هذا شأنه : حقيق بأن تثنى عليه الخناصر ، ويعض عليه بالنواجذ ، ويقبض فيه على الجمر ، ولا يؤخذ بأطراف الأنامل ، ولا يطلب على فضلة ، بل يجعل هو المطلب الأعظم ، وما سواه إنما يطلب على الفضلة . والله المسؤول أن يمن علينا بتحقيق ذلك علما واعتقاداً وعملاً وحالاً . ونعوذ بالله أن يكون حظنا من ذلك مجرد حكايته.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ، وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه محمد النبي الأمي ، وعلى آله الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ، واجعلنا منهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
(الشرح)
يقول المؤلف : حقيق ممن نصح نفسه وأحبها لله وأحب سعادتها ونجاتها أن يتيقظ لهذه المسألة أشد التيقظ وتكون أهم الأشياء عنده وأجل علومه وأعماله جدير حقيقة يعني جدير بمن نصح نفسه وأحبها وأحب سعادتها ونجاتها أن يتيقظ لهذه المسألة وهو أن التوحيد هو مدار السعادة المحبة محبة الله وتوحيده وإخلاص الدين لله هو طريق السعادة وطريق النجاة يتيقظ لهذه المسألة فيدعوه ذلك إلى تحقيق التوحيد وإخلاصه لله والقيام بحقه وامتثال أمره واجتناب نهيه هذا الذي ينصح نفسه الذي ينصح نفسه ويحب نفسه ويحب سعادتها ونجاتها يتفطن لهذا الأمر يتيقن لهذا الأمر يتيقظ لهذه المسألة اشد التيقظ وتكون أهم الأشياء عنده أهم الأشياء عنده أن يوحد الله وأن يخلص له العبادة لأن هذا هو الأمر الذي خلق العباد له وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ يحقق العبادة ويخلص لله العمل فيها ويجاهد نفسه على الاستقامة وعلى شرع الله ودينه وعلى الإخلاص والبعد عن الرياء والشرك والقيام بحقه وتنقية التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك هذا هو الذي ينصح لنفسه وهذا هو الذي يحب نفسه حقيقة وهذا الذي يحب سعادتها ونجاتها يتيقظ لهذه المسألة أشد التيقظ فتكون أهم الأشياء عنده وأجل علومه وأعماله أجل العلوم والأعمال هو أن تعلم الأمر الذي خلقك الله من أجله تصحح العبادة وتخلصها لله وتحقق التوحيد وتنقيه من شوائب الشرك والبدع حتى يكون خالصا لله وحتى تكون محبتك خالصة لله.
قال : فإن الشأن كله فيها والمدار كله عليها على محبة الله وتوحيده والسؤال عنها يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ السؤال عن العبادة وعن التوحيد يُسأل الناس يوم القيامة عن هذا الأمر يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وهو يوم القيامة لا تنفع الأموال والبنون ما يحصل النفع إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ سليم من الشبهات والشهوات سليم من الشرك سليم من الشبهات والشهوات خالص لله فإن القلب إذا كان فيه شرك يكون ميتا وإذا كان فيها شبهات وشهوات يكون مريضا متى يكون سليما ؟ إذا سلم من الشرك والشهوات والشبهات ما ينجو يوم القيامة إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ من الشرك والبدع والشهوات والشبهات يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ سليم يكون سالما من كل علة ومرض من أمراض حب غير الله من أحب غير الله أو أشرك مع الله غيره فقلبه مريض ومن المرض تقديم طاعة غير الله على طاعة الله وتقديم مرضاة غير الله على طاعته ومرضاته قال الله : فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ هذا قسم من الله قسم بأن الخلق سوف يُسألون أجمعين فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ كل واحد يُسأل عن عمله ماذا عملك هل عملك لله أو لغير الله ؟ هل هو توحيد أو شرك ؟ هل هو بدع ؟ هل هو خالص لله ؟ أو جعلت لله معه شريكا؟ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) قال غير واحد من السلف هو السؤال عن قول لا إله إلا الله.
قال المؤلف : وهذا حق هذا قول حق فإن السؤال كله عن كلمة التوحيد وعن أحكامها وحقوقها هذا السؤال يُسأل العبد عن كلمة التوحيد لا إله إلا الله هل أخلصها لله أو لا ؟ هل أشرك مع الله غيره ؟ ويُسأل عن أحكام هذه الكلمة هل حققها هل حقق التوحيد هل حقق الذل والخضوع لله ، ويُسأل عن أحكامها وعن حقوقها من الواجبات الصلاة الزكاة صيام حج بر الوالدين صلة الأرحام والمناهي المحرمات الزنا السرقة شرب الخمر عقوق الوالدين قطيعة الرحم التعامل بالربا العدوان على الناس في دمائهم العدوان على الناس في أموالهم العدوان على الناس في أعراضهم ، هذه كلها من الحب يجب تركها المحرمات يجب تركها والواجبات يجب أداؤها هذه حقوق كلمة التوحيد فالإنسان يسأل يوم القيامة عن كلمة التوحيد وعن حقوقها وعن أحكامها عن الواجبات التي هي حقوق التوحيد وعن المحرمات هل ترك المحرمات هل أدى الواجبات ؟ هل حقق التوحيد ؟ هل أشرك مع الله غيره ؟ هل أضعف توحيده بالبدع هل أضعف توحيده بالمعاصي ؟ هل أضعف توحيده بالكبائر ؟ الزاني والسارق وشارب الخمر والمرابي أضعفوا التوحيد توحيده ناقص وضعيف وهو متوعد بالنار لضعف إيمانه وقلة توحيده إذا مات على ذلك من غير توبة ومن تاب تاب الله عليه .
قال أبو العالية : كلمتان يسأل عنها الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون؟ وبماذا أجبتم المرسلين؟ كلمتان يسأل عنها الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون ما الذي تعبد ؟ هل تعبد الله ولا تعبد غيره وبماذا أجبتم المرسلين الذين أرسلهم الله هل اتبعتهم ؟ هل امتثلت أوامرهم ؟ هل انتهيت عن نواهيهم ؟ قال فالسؤال عن ماذا كانوا يعبدون هو السؤال عنها نفسها ماذا كانوا يعبدون هذا ما الذي تعبده هو السؤال عنه كلمة التوحيد نفسها عن محبة لله فالذي يعبد الله هو المؤمن والذي يعبد غيره مشرك والسؤال عن ماذا أجبتم المرسلين ؟ هو السؤال عن الوسيلة وعن الطريق المؤدية إلى تحصيلها لأن المرسلين أرسلهم الله يعرفون الناس الأمر الذي خلقوا له ويعرفون الناس ما يحبه الله حتى يفعله الناس وما يكرهه الله حتى يتركه الناس فالرسل وسيلة بين الله وبين خلقه يعرفون الناس ما أوجب الله عليهم حتى يفعلونه وماذا نهاهم عنه حتى يتركوه فالسؤال عن ماذا أجبتم المرسلين هو سؤال عن الوسيلة والطريق المؤدية إلى تحصيلها هل سلكوها وأجابوا الرسل لما دعوهم إليها أم لا فعاد الأمر كله إليها عادوا الأمر إلى كلمة التوحيد لأن السؤال عن المرسلين سؤال عن الوسيلة المؤدية إليه .
قال المؤلف : وأمر هذا شأنه حقيق بأن تثنى عليه الخناصر ويعض عليها بالنواجذ ويقبض عليه بالجمر ولا يأخذه بأطراف الأنامل ولا يطلب على فضله بل يجعل هو المطلب الأعلى يقول : هذا الأمر الذي هذا شأنه الذي من أجله خلق الله الخلق من أجله تحصل السعادة أو الشقاوة من أجله خلق الله الجنة والنار من أجله انقسم الناس إلى شقي وسعيد أمر هذا عظيم ليس أمرا سهلاً أمر عظيم ينبغي للإنسان أن تكون عنايته وغايته في هذا الأمر إما سعيد في الجنة وفي رضا الله وإما شقي في النار وفي غضب الله وسخطه هذا الأمر أمر عظيم لا ينبغي أن يتساهل فيه بل أمر تثنى عليه الخناصر هذا مثل يقال الأمر الذي تثنى عليه الخناصر يعني الأمر العظيم الذي لا أعظم منه تثنى عليه الخناصر ويعض عليه بالنواجذ ، النواجذ وهي والأسنان التي تلي الأضراس والشيء المهم قال عضوا عليه بالنواجذ ويقبض فيها على الجمر لأهميته ولا يؤخذ بأطراف الأنامل ولا يطلب على فضله يعني ما يطلبه الإنسان في وقت فراغه ويجعله أمراً ثانوياً بل يجعله هو المطلب الأعلى هو المطلب المهم هو المطلب الأول هو شغل اللسان الشاغل وما سواه فإنما يطلب مع الفضل ما سوى هذا الأمر على الفراغ وعلى تراخي لكن هذا الأمر الذي خلق العباد من أجله الذي عليه مدار السعادة والشقاوة وتحقيق التوحيد وتنقيته وتصفيته وتخليصه من شوائب الشرك والبدع هذا الأمر العظيم الذي خلق الإنسان من أجله ينبغي أن يكون هو شغل الإنسان ومطلبه الأول والذي يثنى عليه الخواصر ويعض عليه بالنواجذ ويقبض فيه على الجمر ولا يأخذ بأطراف الأصابع ولا يطلب على الفضلة وعلى التراخي بل يطلب يجعل هو المطلب الأعلى وما عداه يطلب على الفضلة .
ثم ختم المؤلف الرسالة بالدعاء قال :الله المسؤول أن يمن علينا بتحقيق ذلك يعني بتحقيق التوحيد علماً بأن نعلم حق الله وأنه هو المستحق للعبادة وغيره لا يستحق العبادة وأن نعلم أن كلمة التوحيد هي نفي العبادة عن غير الله وعملاً واعتقاداً تعتقد أن الله هو المستحق للعبادة دون سواه وعملاً نعمل بأن نؤدي الواجبات ونترك المحرمات وحالا يكون حالنا كذلك حال الموحد المخلص قال المؤلف رحمه الله : ونعوذ بالله أن يكون حظنا من ذلك مجرد حكايته يستعيذ بالله أن يكون حظنا مجرد القول بدون عمل لا بد من القول والعمل لا يكفي كون الإنسان يقر التوحيد ولا يعمل ما ينفع لا بد من القول والعلم والعمل .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله صلى الله الصلاة على النبي ﷺ أصح ما قيل فيها الثناء عليه في الملأ الأعلى فأنت تطلب من الله أن يثني على عبده في الملأ الأعلى . وسلم يعني سلمه من الشرور في الدنيا والآخرة وهذا دليل على أن النبي ﷺ بشر لأنه يدعى له ويطلب له السلامة ولو كان إلها ما طلبت له السلامة فلما دعي له دل على أنه مخلوق وأن كان أفضل الناس فهو مخلوق عليه الصلاة والسلام أفضل الناس ولكنه بشر لا يعبد وإنما المعبود هو الله ولذلك يصلى عليه يطلب من الله أن يثني عليه ويسلمه .
وبارك الدعاء بالبركة على عبده ورسوله هو عبد الله ورسوله ليس إلها ولكنه عبد حقق العبودية لله ورسول أرسله الله بالرسالة وصفوته من خلقه اصطفاه الله فهو صفوة من صفوته وأمينه على وحييه هو الأمين مؤتمن على الوحي لا يكتم ولا ينقص ولا يزيد ، النبي الأمي الذي نبأه الله الأمي نسب إلى أمه لا يقرأ ولا يكتب ولكن الله شرفه بالرسالة وهو هذا من كماله عليه الصلاة والسلام من كماله أنه نبي أمي لا يقرأ ولا يكتب بل جاء بهذه الرسالة العالمية التي تحدى البشر أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعشر سور مثله أو بسورة فعجزوا فدل على أنه رسول الله حقاً وعلى آله أتباعه على دينه على الصحيح وقيل آله أزواجه وذريته الذين آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ يشمل أتباعه على دينه من الصحابة وذريته المؤمنين وأقاربه المؤمنين فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ صدقوه وَعَزَّرُوهُ يعني قدروه واحترموه وَنَصَرُوهُ نصروا دينه وسنته وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ وهو القرآن والسنة اللهم اجعلنا منهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
هذه الرسالة قيمة عظيمة على صغر حجمها كما سماها المؤلف كما سماها نواة الإيمان فنسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويجمعنا وإياكم وإياه في دار كرامته إنه ولي ذلك والقادر عليه.