من ذلك الإيمانُ بالقلب، والنُّطقُ باللِّسان أنَّ الله إلَهٌ واحدٌ لا إله غيرُه، ولا شبيهَ له، ولا نَظيرَ له، ولا وَلَدَ له، ولا وَالِدَ له، ولا صاحبة له، ولا شريكَ له.
(الشرح)
هَذَا وجه القلب من الاعتقادات (أن الله إلهٌ واحدٌ), هَذَا فِيهِ إثبات توحيد الإلوهية والربوبية والأسماء والصفات(لا إله غيرُه)؛ هَذَا توحيد الإلوهية لا معبود بحق سواه.
(المتن)
ولا شبيهَ له، ولا نَظيرَ له، ولا وَلَدَ له، ولا وَالِدَ له، ولا صاحبة له، ولا شريكَ له, ليس لأَوَّلِيَّتِهِ ابتداءٌ، ولا لآخِرِيَّتِه انقضَاءٌ، لا يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ الواصفون، ولاَ يُحيطُ بأمرِه المُتَفَكِّرونَ.
(الشرح)
الكنه يَعْنِي الكيفية عَلَى الحقيقة, يَعْنِي لا يبلغ حقيقة صفاته أحد, لا يمكن الكنه والكيفية لا يعلمها إِلَّا الله, لا يعلم كيفية صفاته إِلَّا هُوَ سبحانه وتعالى, وَقَالَ تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}[البقرة/255].
وَهُوَ الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء, أحسن من هَذَا ما فسره النَّبِيّ r, الله تعالى سمى نفسه بأربعة أسماء قَالَ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد/3].
هَذِهِ أربعة أسماء, الأول والآخر أسماء لأزليته وأبديته, واسمان الظاهر والباطن لفوقيته وعدم حجب شيء من المخلوقات له, قَدْ فسر النَّبِيّ r هَذِهِ الأسماء الأربعة في الحديث الصحيح الَّذِي في الاستفتاح قَالَ: «اللَّهُمَّ أنت الأول فَلَيْسَ قبلك شيء وأنت الآخر فَلَيْسَ بعدك شيء, وأنت الظاهر فَلَيْسَ فوقك شيء, وأنت الباطن فَلَيْسَ دونك شيء, اقضي عني الدين وأغنني من الفقر».
فالأول معناه هُوَ الَّذِي ليس قبله شيء, هَذَا أحسن من قول: الأول بلا ابتداء, والآخر هُوَ الَّذِي ليس بعده شيء, والظاهر هُوَ الَّذِي ليس فوقه شيء, والباطن هُوَ الَّذِي ليس دونه شيء لا يحجبه أحدٌ من خلقه, هَذِهِ الأسماء الأربعة.
(المتن)
يَعتَبِرُ المتفَكِّرونَ بآياته، ولا يَتَفكَّرونَ في مَاهِيَةِ ذاتِه.
(الشرح)
(يَعتَبِرُ المتفَكِّرونَ بآياته), يَعْنِي يتفكرون في مخلوقاته ولا يتفكرون في ماهية ذاته, في حديث «تكفروا في ألاء ولا تتفكروا في ذات الله», ولكنه حديث ضعيف.
(المتن)
ولا يُحيطون بشيءٍ من عِلمه إلاَّ بِما شاء وَسِعَ كرْسِيُّه السَّموات والأرض، ولا يِؤُودُه حفظُهما وهو العليُّ العَظيمُ.
(الشرح)
الطالب: لا بأس من إدراج الكلمات البشرية عَلَى كلام الْقُرْآن؟.
الشيخ: اقتباس, معروف أَنَّهُ اتقباس.
(المتن)
العالِمُ الخبيرُ، المُدَبِّرُ القَدِيرُ، السَّمِيعُ البصيرُ، العَلِيُّ الكَبيرُ، وَأنَّه فوقَ عَرشه المجيد بذاته، وهو في كلِّ مَكان بعِلمه.
(الشرح)
الطالب: كلمة الذات هَلْ قَالَ بها أحد من الصحابة يا شيخ؟.
الشيخ: قصده الرد عَلَى الجهمية, ما وردت لَكِن اضطر العلماء إِلَى ذكرها للرد عَلَى الجهمية, قَالُوا: إن الله مختلط بمخلوقاته.
(المتن)
خَلَقَ الإنسانَ ويَعلمُ ما تُوَسْوِسُ به نفسُه، وهو أَقرَبُ إليهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ، وما تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إلاَّ يَعلَمُها، ولاَ حَبَّةٍ في ظُلُمَات الأرضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِس إلاَّ في كتاب مُبين.
على العَرشِ اسْتَوى، وعَلى المُلْكِ احْتَوى، وله الأسماء الحُسنى والصِّفاتُ العُلَى، لَم يَزَل بِجَميعِ صفاتِه وأسمائِه، تَعالى أن تكونَ صفاتُه مَخلوقَةً، وأسماؤُه مُحْدَثَةً.
كلَّم موسى بكلامِه الَّذي هو صفةُ ذاتِه لا خَلْقٌ مِن خَلقِه، وَتَجَلَّى للجَبَل فصار دَكًّا مِن جلالِه، وأنَّ القرآنَ كلامُ الله، ليس بمخلُوقٍ فيَبِيدُ، ولا صفة لمخلوقٍ فَيَنْفَدُ.
والإيمانُ بالقَدَرِ خَيْرِه وشَرِّه، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وكلُّ ذلك قَد قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّنا، ومقاديرُ الأمورِ بيدِه، ومَصدَرُها عن قضائِه.
(الشرح)
الإيمان بالقدر هَذَا أصل من أصول الإيمان, هُوَ الركن السادس, من لَمْ يؤمن بالقدر فَلَيْسَ بمؤمن, قَالَ ابن عباس: القدر نظام التوحيد فمن آمن بالقدر صدق إيمانه, ومن كذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده.
(المتن)
وكلُّ ذلك قَد قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّنا، ومقاديرُ الأمورِ بيدِه، ومَصدَرُها عن قضائِه, عَلِمَ كلَّ شيْءٍ قَبل كَونِه، فجَرَى على قَدَرِه، لا يَكون مِن عبادِه قَولٌ ولا عَمَلٌ إلاَّ وقدْ قَضَاهُ وسبق عِلْمُه به، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك/14].
يُضِلُّ مَن يشاء فيَخْذُلُه بعدْلِه، ويَهدي مَن يَشاء فَيُوَفِّقُه بفضلِه، فكَلٌّ مُيَسَّرٌ بتَيْسيره إلى ما سَبَقَ مِن علمه وقَدَرِه، مِن شَقِيٍّ أو سعيدٍ.
تعالَى أن يكونَ في مُلْكِهِ ما لا يُريد، أو يكونَ لأَحَد عنه غِنًى، أو يكون خالقٌ لشيءٍ إلا هو رَبُّ العباد ورَبُّ أعمالِهم، والمُقَدِّرُ لِحَركاتِهم وآجالِهم، الباعثُ الرُّسُل إليهِم لإقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيهم.
ثُمَّ خَتَمَ الرِّسالةَ والنَّذَارَةَ والنُّبُوَةَ بمحمَّد نَبيِّه صلى الله عليه وسلم، فجَعَلَه آخرَ المرْسَلين، بَشِيرًا ونَذِيرًا وداعيًا إلى الله بإذنِه وسِرَاجًا منيرًا.
وأنزَلَ عَليه كتابَه الحَكِيمَ، وشَرَحَ به دينَه القَويمَ، وهَدَى به الصِّرَاطَ المستَقيمَ, وأنَّ السَّاعةَ آتيَةٌ لا رَيْبَ فيها، وأنَّ اللهَ يَبعَثُ مَن يَموتُ، كما بدأَهم يعودون.
وأنَّ اللهَ سبحانه وتعالَى ضاعَفَ لعباده المؤمنين الحسَنات، وصَفَحَ لهم بالتَّوبَة عن كبائرِ السيِّئات، وغَفَرَ لهم الصَّغائِرَ باجْتناب الكبائِر، وجَعَلَ مَن لَم يَتُبْ مِنَ الكبائر صَائرًا إلى مَشيئَتِه {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء/48].
(الشرح)
هَذَا دليل عَلَى أن صاحب الكبيرة تَحْتَ المشيئة, وَأَمَّا الصغائر فإنها تغفر باجتناب الكبائر, كما في قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[النساء/31].
بمعنى الصغائر, وفي حديث أبي هريرة: «الصلوات الخمس والجمعة إِلَى الجمعة ورمضان إِلَى رمضان كفارة لما بينهن إِذَا اجتنبت الكبائر».
(المتن)
ومَن عاقَبَه اللهُ بنارِه أخرجه مِنها بإيمانِه، فأدخَلَه به جَنَّتَه.
(الشرح)
هَذَا الْمُوَحِّد, الْمُوَحِّد العاصي لَابُدَّ أن يخرج ولو طالب مكثه, قَدْ يطول بعض العصاة مكثهم لكثرة جرائمهم وعظمها وفحشها, مثل القاتل أخبر الله أَنَّهُ خالد, والخلود المكث الطويل, لكنه إِذَا مات عَلَى التوحيد ما يبقى فِيهَا مخلد إِلَى الأبد, ولو طالت مدته.
(المتن)
ومَن عاقَبَه اللهُ بنارِه أخرجه مِنها بإيمانِه، فأدخَلَه به جَنَّتَه {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[الزلزلة:8]، ويُخرِجُ منها بشفاعَة النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم مَن شَفَعَ لَه مِن أهلِ الكبائِر مِن أمَّتِه.
(الشرح)
قَدْ يخرج بشفاعة النَّبِيّ أو بشفاعة غيره من النبيين أو بشافعة الصَّالِحِينَ, أو بشفاعة الأفراط, وَقَدْ يخرج قومٌ بَعْدَ أن تنتهي الشافعية يخرجهم الله برحمته, يَعْنِي في قوم لا تنالهم الشافعة فيخرجهم برحمته.
الطالب: حديث شفع الأنبياء وشفع الصَّالِحِينَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا رحمة أرحم الراحمين؟.
الشيخ: نعم, ويخرج قوم من النَّارِ لَمْ يعلموا خيرًا قط, معنى أَنَّهُمْ لَمْ يعملون خيرًا قط أيْ ما زادوا عَلَى التوحيد.
(المتن)
وأنَّ اللهَ سبحانه قد خَلَقَ الجَنَّةَ فأَعَدَّها دارَ خُلُود لأوليائِه، وأكرَمهم فيها بالنَّظر إلَى وَجْهِه الكريم، وهي الَّتِي أَهْبَطَ منها آدَمَ نبِيَّه وخلِيفَتَه إلى أَرضِه بِما سَبَقَ فِي سابِق عِلمِه.وخَلَق النَّارَ فأعَدَّها دَارَ خُلُود لِمَن كَفَرَ به، وألْحَدَ في آياتِه وكتُبه ورُسُلِه، وجَعَلَهم مَحجُوبِين عن رُؤيَتِه.
(الشرح)
{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين/15].
الْجَنَّةَ الَّتِي فِيهَا آدم هِيَ الْجَنَّةَ, قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا جنة أخرى والله أعلم.
الطالب: الحديث في هَذَا الطويل هَلْ هَذَا يدخل في مسائل الاعتقاد, الحديث في أن الْجَنَّةَ الَّتِي أخرج منها أو أهبط منها آدم أَنَّهَا جنة دار الخلد أو جنة أخرى هَلْ هَذَا يتعلق أو يخرج أو يدخل في مسائل الاعتقاد؟.
الشيخ: نعم إِذَا صح الحديث.
(المتن)
وأنَّ اللهَ تبارك وتعالى يَجيءُ يَومَ القيامَةِ: {وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22]؛ لِعَرْضِ الأُمَمِ وَحِسَابِهَا وعقُوبَتِها وثَوابِها، وتُوضَعُ الموازِينُ لَوَزْنِ أَعْمَالِ العِبَادِ.
(الشرح)
فِيهِ إثبات المجيء لله{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر/22]؛ بعض الطوائف أنكروا المجيء.
(المتن)
وتُوضَعُ الموازِينُ لَوَزْنِ أَعْمَالِ العِبَادِ: {فمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأولئك هم المُفلِحون}[الأعراف:8].
(الشرح)
إثبات الميزان وَأَنَّهُ له كفتان مثل الميزان الحسي له كفتان, الكفة أعظم من أطباق السموات والأرض.
(المتن)
ويُؤْتَوْنَ صَحائِفهم بأعمَالِهم: فمَن أُوتِي كتابَه بيمينه فسوف يُحاسَبُ حِسابًا يَسيرًا، ومَن أُوتِي كتابَه ورَاء ظَهْرِه فأولئِك يَصْلَوْنَ سَعيرًا.