(قارئ المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين.
قلتم حفظكم الله ورعاكم:
وملائكته، وأؤمن بالملائكة وأنهم أشخاصٌ وذواتٌ محسوسة تصعد وتنزل, وتذهب وتجيء, وتُرى وتخاطب الرسول r, وأنهم من عالم الغيب وقد يُرون أحيانًا كما تمثل جبريل لمريم بشرًا سويًا, وكما رأى الصحابة جبريل في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر, فسأل النبي r عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان ثم عن الساعة ثم عن أشراطها.
وأؤمن بأنهم مخلوقون من نورٍ كما ثبت ذلك في صحيح مسلم: «خُلقت الملائكة من نور, وخُلق الجان من مارجٍ من نار, وخُلق آدم مما وُصف لكم؛ يعني: من طين».
(شرح الشيخ)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:...
- سبق الكلام أن أصول العقيدة ستة:
الإيمان بالله, الإيمان بالملائكة, الإيمان بالكتب المنزلة, الإيمان بالرسل, الإيمان باليوم الآخر, الإيمان بالقدر خيره وشره.
وسبق أن الإيمان بالله لابد فيه من الإيمان بوجود الله, والإيمان بربوبيته, والإيمان بأسمائه وصفاته وأفعاله, والإيمان بألوهيته وأنه المعبود بالحق, وأن مَن أنكر شيئًا من ذلك فهو كافر, ويدخل في ذلك الفلاسفة المتأخرون أرسطو وأتباعه فإنهم لا يؤمنون بوجود الله, فإن أرسطو لا يؤمن بوجود الله إلا من حيث أنه مبدأ لهذه الكثرة, مبدأ للعالم ومبدأ لهذه الكثرة, فلا يؤمن بوجود الله وربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله, وكذلك أبو نصر الفارابي, وكذلك أبو علي بن سينا.
أبو علي بن سينا حاول أن يقرب الفلسفة من دين الإسلام ولكنه في محاولته الشديدة لم يصل إلى ما وصل إليه الجهمية الغالية في التهجم, فالجهمية الغالية في التجهم أشد وأصح منه, أشد مذهباً من مذهب ابن سينا، مع أن مذهب الجهمية لا يؤمنون بوجود الله لكن مع ذلك الفلاسفة أشد غلوًا, فأرسطو المعلم الأول هذا لا يؤمن بوجود الله إلا من حيث مبدأ الكثرة وملئ هذا العالم, وكذلك أبو نصر الفارابي, وأما أبو علي بن سينا فجاء وسموه المعلم الثالث ليقرب الفلسفة من دين الإسلام فأثبت وجودين: وجود لله, ووجودًا للمخلوق في اللفظ وفي الذهن فقط؛ لأنه أنكر أسماء الله وصفاته, قال: ليس له اسم, ولا صفة, ليس له علم, ولا قدرة, ولا سمع, ولا بصر, وليس في العلو, ولا داخل العالم ولا خارجه, ولا متصلٌ بالعالم ولا منفصل عنه, ولا محايد له ولا مباين له,(5:19) إذًا أثبت وجودين في اللفظ, يقول: هناك خالق ومخلوق في اللفظ, وفي الذهن فقط, فيكون أيضًا الفلاسفة من جملة مَن جحد الرب سبحانه وتعالى, يلتحقون بالأصل الأول مَن جحد ربوبية الله أو ملكه, أو منتهى خلقه أوتدبيره, أو جحد علوه وفوقيته يدخل في ذلك الفلاسفة.
أرسطو لا يثبت وجودًا لله فقط إلا من حيث مبدأ الكثرة, وابن سينا أثبت وجودين: وجود للخالق, ووجود للمخلوق في اللفظ وفي الذهن, لكن لم يثبت وجودًا مستقلًا لأنه لم يثبت الأسماء ولا الصفات.
فالأصل الثاني: الإيمان بالملائكة.
والملائكة لابد من الإيمان (بأنهم أشخاص وذواتٌ محسوسة تصعد وتنزل, وتذهب وتجيء, وتُرى, وتخاطب الرسول r) فإن هذا فيه الرد على الفلاسفة الذين يقولون: إن الملائكة ليسوا أشخاص وليسوا ذوات محسوسة تنزل وتذهب وتُرى, ولكنهم أشكال نورانية يتخيلها النبي بزعمهم, الملائكة أشكال وأشباح نورانية يتخيلها النبي في نفسه, وليست ذوات محسوسة, ولا أشخاص محسوسة تنزل وتصعد وتُرى وتذهب وتجيء وتخاطب الرسول, ما آمنوا بالملائكة.
فيكون أيضًا هذا كفر آخر كفر مستقل للفلاسفة, هم كفروا بوجود الله وكفروا أيضًا بالملائكة وجحدوا الملائكة, جحدوا الرب وجحدوا الملائكة؛ لأنهم قالوا: الملائكة عبارة عن أشكال وأشباح نورانية يتخيلها النبي بزعمهم, وإذا تقربوا إلى أهل السنة إلى وأهل الإسلام قالوا: الملائكة عبارة عن القوى الخيرة الفاضلة في العبد التي تبعث على الرحمة والإحسان والإيثار, والشياطين عبارة: عن القوى الرديئة التي تبعث على الظلم والإيذاء والطغيان, هذا إذا تقربوا إلى أهل الإسلام, وإلا فإنهم يقولون: عبارة عن أشكال وأشباح, ما في أشخاص ولا ذوات, أشكال يتخيلها النبي ويتصورها في ذهنه, أشكالٌ نورانية, وإذا أرادوا يتقربوا إلى أهل الإسلام قالوا: هي عبارة عن القوى الخيرة الفاضلة في العبد التي تبعث على الرحمة والإحسان والإيثار, ويقابلها الشياطين عبارة عن القوى الرديئة التي تبعث على الظلم والإيذاء والطغيان.
فهؤلاء ما آمنوا بالملائكة, ولا آمنوا بالجن والشياطين, فالفلاسفة إذًا كفار جحدوا الرب وجحدوا الملائكة, هذا كفر وهذا كفر؛ كفران, أما أهل الحق فإنهم يؤمنون بأن الملائكة أشخاص وذوات محسوسة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وتُرى وتخاطب الرسول, وأنهم من عالم الغيب, من عالم الغيب لا نراهم, ولكن قد يتمثلون أحيانًا، ويُرون أحيانًا كما تمثل جبريل لمريم بشرًا سويًا, فقالت له: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا}[مريم:18], وكما رأى الصحابة جبريل في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر, فسأل النبي r عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان ثم عن الساعة ثم عن أشراطها.
ولابد من الإيمان من بأنهم مخلوقون من نور, الملائكة مخلوقة من نور, وبنو آدم مخلوقون من طين, أباهم من طين, والذرية من نطفة, وآدم مخلوق من تراب من طين, تراب ثم تحول إلى طين والصلصال يُصوغ, والشيطان خُلق من مارج من نار، كما في الحديث في صحيح مسلم: «خُلقت الملائكة من نور وخُلق الجان من مارجٍ من نار وخُلق آدم مما وُصف لكم» يعني: من طين, هذا الأمر الأول من الأمور التي يجب الإيمان بالملائكة.
- من الأمور التي يجب فيها الإيمان بالملائكة:
الأمر الأول: الإيمان بوجودهم؛ والإيمان بالوجود يتضمن أنهم أشخاص وذوات محسوسة, ليسوا أشكال ولا أشباح, ولا أمور خيالية كما يقول الفلاسفة بل هم ذوات وأشخاص, وأنهم مخلوقون من نور.
الأمر الثاني: الإيمان بشرفهم وفضلهم ومكانتهم عند الله, فهم: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6], قال تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء:19-20].
وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}[الأعراف:206].
قال تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:26-27].
إذًا لهم شرف ومكانة عند الله, فهم لا يعصون الله, ينفذون أمر الله, يطيعون الله, يعبدون الله, لا يسأمون من العبادة, أعطاهم الله قوة.
الأمر الثالث: الإيمان بوظائفهم وأعمالهم, الإيمان بأن الملائكة لهم وظائف وأعمال, وظفهم الله تعالى فيها, وأن كل حركة في السموات والأرض هي ناشئة عن الملائكة بإذن الله الكوني والقدري, بخلاف الفلاسفة أيضًا فإنهم يقولون: الحركات ناشئة عن النجوم, والنجوم هي المؤثرة, كل حركة ناشئة عن الملائكة بإذن الله الكوني القدري؛ فمنهم: المقسمات أمرًا, الملائكة يقسمون الأمر من أمر الله, ومنهم المرسلات عُرفًا, ومنهم العاصفات عصفًا, ومنهم الناشرات نشرًا, وقيل: إن المرسلات من الفاظ الريح, والعاصفة الريح شديدة الهبوب, لكنها بأمر الله وهي ناشئة عن الملائكة, الريح ناشئة عن الملائكة تدبرها بأمر الله.
ومنهم الناشرات نشرًا كذلك الريح, ومنهم الفارقات فرقًا, الملائكة ينزلون بالأمر من عند الله ليُفرقوا به بين الحق والباطل, ومنهم الملقيات ذكرا والملائكة كثرة ذكر الله، وتقرأ كلام الله, ومنهم النازعات غرقًا, من الملائكة تقبض أرواح الكفار بقوة وشدة, ومنهم الناشطات نشطاَ الملائكة تقبض أرواح المؤمنين بسهولة ويسر, ومنهم السابحات سبحًا الملائكة تنزل بالأمر من السماء, ومنهم السابقات سبقًا الملائكة تسبق بالأمر من عند الله, ومنهم المدبرات أمرًا الملائكة تدبر أمر الله U, ومنهم الصافات صفًا الملائكة تصف عند ربها للعبادة, ومنهم الزاجرات زجرًا, الملائكة، ومنهم (15:28) وهكذا هذه أوصاف الملائكة, هذه أوصافهم، وهذه من أعمالهم, ومنهم حملة العرش وهم أربعة في الدنيا وفي يوم القيامة يكونون ثمانية, حملة العرش أربعة في الدنيا وثمانية يوم القيامة, قال تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة:17].
ومنهم الكروبيون الذين حول العرش وهم مع حملة العرش من أصناف الملائكة, فهم يسبحون الله, ويستغفرون للمؤمنين كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}[غافر:7] فهذه من الإيمان بوظائفهم.
ومنهم الموكل بالشمس, ومن الملائكة الموكل بالقمر, ومنهم الموكل بالنجوم, ومنهم الموكل بالجنة وإعداد النعيم لأهلها, ومنهم الموكل بالنار وإعداد العذاب لأهلها, ومنهم الموكل بالجبال, ومن الملائكة الموكل ببني آدم, ومنهم الموكل بالنطفة يدبر أمرها حتى يتم خلقها, ومنهم الموكل بحفظ بني آدم, ومنهم الموكل بكتابة أعمال العباد من الجن والإنس, وكتابة الحسنات والسيئات, وكل واحد من العباد وُكل به أربعة أملاك, أربعة أملاك بالليل وأربعة أملاك بالنهار: بدلاً حافظان من بين يديه ومن خلفه, وكاتبان عن يمينه وعن شماله, كما في الحديث: «يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار».
فالإنسان عليه أربعة أملاك بالليل وأربعة أملاك بالنهار: حافظان وكاتبان, حافظان يحفظونه من أمر الله واحدٌ أمامه وواحدٌ خلفه, هذا الحفظة، وكاتبان واحدٌ عن يمينه يكتب الحسنات وواحد عن الشمال يكتب السيئات, هؤلاء أربعة بالليل, وأربعة بالنهار يتعاقبون, ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر, ففي صلاة الصبح ينزل ملائكة النهار ويصعد ملائكة الليل, يصعد أربعة وينزل أربعة, وفي صلاة العصر ينزل ملائكة الليل ويصعد ملائكة النهار, في الحديث: «يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر< ولهذا قال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} يعني: صلاة الفجر, {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء:78] يعني: تشهده الملائكة.
ومن وظائف الملائكة منهم الموكل بقبض أرواح العباد وفي مقدمتهم ملك الموت وهو الذي يتخذ الروح من الجسد, ثم يأخذها أعوانه ويجعلونها في كفنه, والله هو الآمر بذلك, ولهذا أُضيف التوفي إلى الله لقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}[الزمر:42] فالله يتوفى لأنه سبحانه هو الآمر بذلك, وأُضيف إلى ملك الموت لقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ}[السجدة:11] لأنه هو الذي يستخرج الروح من الجسد, وأُضيف التوفي إلى الرسل لقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}[الأنعام:61] لأنهم يأخذونها من ملك الموت ويضعونها في الكفن المعد لها.
ومنهم الموكل بالنفخ في الصور وهو إسرافيل عليه الصلاة السلام, في الحديث أن إسرافيل هو الذي ينفخ في الصور, وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:68].
- فهي نفختان:
النفخة الأولى: نفخة الصعق والموت والهلاك يموت بها الخلق والناس إلا مَن استثناه الله, ينفخ إسرافيل هذه النفخة فيطولها فأولها فزع وآخرها صعقٌ وموت, كما جاء في الحديث, يبدأ الصوت قليلًا فلا يسمعه أحدًا إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، فلا يزال الصوت يقوى ويقوى حتى يموت الناس, فهي نفخة طويلة أولها فزع وآخرها صعقٌ وموت, قال تعالى في سورة النمل: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}[النمل:87], وفي سورة الزمر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} فأولها فزع وآخرها صعق.
النفخة الثانية: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} وهذه نفخة البعث، نفختان.
وجاء في حديث الصور أنها ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع, ونفخة الصعق والموت, ونفخة البعث, لكن الحديث ضعيف في سنده إسماعيل بن رافع وهو ضعيف, والصواب أنها نفختان: الأولى طويلة أولها فزع وآخرها صعقٌ وموت, والثانية نفخة البعث, ولهذا قال تعالى في سورة الزمر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} قال: أخرى, هذا دليل على أنه ليس هناك ثالثة، نفختان, أخرى تقابل الأولى, ولو كان هناك ثالثة لكانت الأولى ثانية, فلما قال: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} دل على أنها نفختان.
وذلك أن إسرافيل ينفخ في الصور النفخة الأولى فيموت الناس إلا مَن استثناه الله, والروح إذا خرجت من الجسد لا تموت, الروح باقية في نعيم أو في عذاب, روح المؤمن تُنقل إلى الجنة وتتنعم كما في الحديث: «نسمة المؤمن طائرٌ يعلق في شجر الجنة حتى يُرجعها الله إلى جسده يوم يبعثه» تتخذ شكل طائر, تتنعم, «نسمة المؤمن طائرٌ يعلق» يعني: يأكل, وأما روح الشهيد الذي قُتل في المعركة لإعلاء كلمة الله فإنها تتنعم أكمل من تنعم المؤمن غير الشهيد, فإن المؤمن غير الشهيد تتنعم روحه وحدها وتتخذ شكل طائر, وأما الشهيد فإن روحه تتنعم بواسطة حواصل طيرٍ خُضر؛ لأنهم لما أتلفوا أجسادهم لله وبذلوها لله عوض الله أرواحهم أجسادًا تتنعم بواسطتها وهي حواصل طير خضر, كما ثبت في الحديث عن النبي r أنه قال: «إن أرواح الشهداء في حواصل طيرٍ خضرٍ تسرح في الجنة ترد أنهارها وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقةٍ بالعرش».
فهذه الروح للشهيد تتنعم بواسطة حواصل طيرٍ خضرٍ بدلًا من أجسادهم التي أتلفوها لله عوض الله أرواحهم أجسادًا تتنعم بواسطتها, وأما المؤمن غير الشهيد فإن روحه تتنعم وحدها وتأخذ شكل طائر كما سبق في الحديث: «نسمة المؤمن طائرٌ يعلق في شجر الجنة حتى يُرجعها الله إلى جسده يوم يبعثه» فروح الشهيد نعيمها أكمل من تنعم روح المؤمن غير الشهيد, وإذا وُضع الميت في قبره تُرد إليه روحه في الحال ويأتيه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيمتحناه ويقال لهم الفتانان, يختبرانه ويمتحنانه ويسألانه هذه الأسئلة: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومَن نبيك؟ ثلاثة أسئلة, فالمؤمن يثبته الله فيقول: «الله ربي والإسلام ديني ومحمد r نبيي» نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت, قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[إبراهيم:27].
وأما الفاجر فلا يستطيع أن يجيب عن هذه الأسئلة ولو كان أفصح الناس في الدنيا, لو كان فصيح يعرف كل شيء لا يستطيع يجيب على هذه الأسئلة, «يقال له: مَن ربك؟ يقول: ها ها لا أدري» كما جاء في حديث البراء وغيره, فإذا قال له الملك: «مَن نبيك؟ قال: ها ها لا أدري, فيقول له ما دينك؟ فيقول: ها ها لا أدري, سمعت الناس يقولون شيء فقلته» يعني: يتبع الناس على غير بصيرة, «فيضربه الملك بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل مَن خلق الله إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق, فيقول له الملك: لا دريت ولا تليت» لا تليت لا علمت الحق بنفسك ولا تبعت من يعلم الحق, لا دريت ولا تبعت, لا علمت الحق بنفسك ولا تبعت مَن يعمل بالحق.
والمؤمن يُفتح له بابٌ إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها, ويأتي رجلٌ حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب, فيقول: «مَن أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير, يقول: أنا عملك الصالح, فيقول: ربِ أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي» والمؤمن يوسع له في قبره مد البصر, والفاجر يُضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله, ويُفتح له بابٌ إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها, «ويأتيه ملك قبيح الوجه وقبيح المنظر منتن الريح, فيقول: مَن أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر, فيقول: أنا عملك الخبيث, فيقول: ربِ لا تقم الساعة» والمؤمن عمله الطيب في صورة رجل حسن الوجه طيب الريح: « فيقول مَن أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير, فيقول: أنا عملك الصالح».
فالمؤمن يُنعم في قبره, تُنعم الروح والجسد جميعًا, وتُنعم الروح مفردة تنعم في الجنة وحدها، ولا صلة بالجسد, والجسد يبلى ويكون ترابًا والروح باقية, والكافر تُعذب روحه مع الجسد, وتُعذب منفصلة؛ لأن الكافر تُلقى روحه إلى النار, تعذب في النار، والمؤمن تُلقى روحه إلى الجنة, فروح المؤمن تُنعم مفردة ومتصلة بالجسد, وروح الكافر تُعذب مفردة ومتصلة بالجسد, فإذا أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور نفخة الصعق مات الناس, مات الجسد ونُقلت روح المؤمن إلى الجنة وروح الكافر إلى النار.
ثم يُنزل الله مطرًا بعد النفخ في الصور يُنزل الله مطرًا غليظ أربعين يومًا تنبت منه أجساد الناس, فينشئ الله الناس نشأة جديدة, ويعيد الله الذرات التي استحالت ترابًا لأنه عالم وقادر: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ}[ق:4] ابن آدم يبلى إلا عجب الذَنب, عّجب الذنب هو العصعص آخر فقرة في العمود الفقري تبقى, كل الجسد يكون ترابًا إلا هذه الفقرة, ولهذا يسمى عجب الذنب آخر فقرة في العمود الفقري, قال r في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: «كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خُلق ابن آدم ومنه يُركب» سبحان الله, يُركب منها تبقى يعني هذه الفقرة يعني صغيرة مثل حبة, مثل البذرة ينشأ منها الإنسان, مثل السنبلة يكون لها بذرة أليس كذلك؟ تنبت منها, كذلك الإنسان ينبت من ماذا عجب الذنب كالحبة الصغيرة.
ينشئ الله الخلق نشأة جديدة بإنزال المطر وتُعاد الذوات هي هِي, الذوات تعاد هي هِي, فذات المؤمن هي التي تتنعم, هي التي تعاد وذات الكافر هي التي تُعذب, خلافًا للجهم قبحه الله فإن الجهم يقولوا: إن الإنسان يبلى ويخلق الله ذواتً أخرى, وهذا من جهلهم وضلالهم, معناه: أنه نسبه ربه إلى الظلم وأنه يخلق ذوات أخرى أناسًا يعذبهم وما عصوا! فهذا من أبطل الباطل, نفس الذوات, ذوات الإنسان والذرات التي استحالت يعيدها الله خلقًا جديدًا, نفس الإنسان العاصي هو العاصي جسمه وذراته تُعاد, والمطيع جسمه وذراته تُعاد, الذرات التي استحالت تراب, ينشئها الله نشأة جديدة, ويكون التبديل صفات لا تبديل ذوات الذات هي هِي, لكن الصفات تُنشئ نشأة قوية تتحمل المشاق التي تكون في يوم القيامة.
فإذا تكامل خلقهم ونشأتهم وصاروا صورًا بلا أرواح, كل واحد على صورة نشأه الله, أعاد الله جسده ويده ورجله ورأسه لكن ما فيه روح, إذا تكامل خلقهم أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور النفخة الثانية بعد أربعين من النفخة الأولى, أربعين ماذا؟ سُئل أبو هريرة رضي الله عنه لما روى الحديث أنه يمكث الناس أربعين, ثم يبعثهم الله, قيل: «أربعين سنة؟ قال: أبيت, أربعين شهرًا؟ قال: أبيت, أربعين يومًا؟ قال: أبيت» يعني: ما عندي علم, ما يُدرى, وجاء في حديث فيه ضعف أنها أربعين سنة.
إذا نشئ الله العباد الناس نشأة جديدة وتكامل خلقهم أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور فتطايرت الأرواح وجاءت الأرواح ودخلت كل روحٍ في جسدها التي تعمره في الدنيا, كل روح تدخل في أي شيء؟ في جسدها فإذا دخلت في جسدها دبت الحياة فقام الناس ينفضون التراب عن رؤوسهم, كل واحد ينفض التراب عن رأسه؛ لأن الله تعالى أنبتهم وصورهم وخلقهم أجساد بلا روح ثم لما نُفخ في الصور جاءت الأرواح ودخلت كل روحٍ في جسدها فعادت الأرواح إلى الأجساد وقام الناس من قبورهم لرب العالمين, ينفضون التراب عن رؤوسهم مسرعين إلى الداعي للوقوف بين يدي الله للحساب, عراة لا ثياب عليهم؛ الرجال والنساء, حفاة لا نعال عليهم, «غرلًا» غير مختونين, الجلدة التي قُطعت من الإنسان في الختان وهو صغير تعود إليه مرة أخرى, جاء في أثر أن عائشة قالت: «يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض عراة؟ فقال النبي r: الأمر أشد من ذلك» كلٌ مشغولٌ بنفسه: كلٌ بصره شاخص إلى السماء لا يبغي أحد على أحد، {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ}[إبراهيم:42].
لا يمكن أن ينظر الرجل إلى المرأة, المقام ما هو مقام نظر وإنما مقام خوف ووعظ, واندهاش, والمدهوش المرعوب هل ينظر إلى أحد؟ ما ينظر إلى أحد, بل إن الإنسان في الدنيا إذا انشغل ذهنه بشيء لا يرى مَن أمامه, وهذا واقع, فأنت أحيانًا تسلم على بعض الناس, بعض الناس مروا على شخص يفكر ومشغول وسلم عليه فلا يرد عليه السلام، فلقيه بعد ذلك فقال: يا فلان أنا سلمت عليك ولم ترد عليَ السلام, لماذا؟ أنت زعلان علي؟ أنت غضبان عليَ؟ فقال: والله ما رأيتك, قال: والله سلمت عليك, قال: والله ما رأيتك, ولا سمعتك (36:33)كيف؟ لأنه مندهش ويفكر, مشغول الذهن, فإذا كان هذا في أمور الدنيا فكيف بيوم القيامة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:1-2].
هل يمكن لأحد في هذه الحالة الرجل ينظر للمرأة؟ {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لماذا؟ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس:33-37] كل واحد مشغول بنفسه, فالأمر عظيم, وأول مَن يُكسى في موقف القيامة إبراهيم عليه السلام يُكسى بكساء من الجنة ثم يُكسى الأنبياء ثم المؤمنون.
فالمقصود: أن الروح تُنعم وتُعذب متصلة بالجسد, ومن الوظائف التي تكون للملائكة منهم الموكل بالقطر وهو المطر وهو ميكائيل, ومنهم مَن هو موكل بالوحي الذي ينزله الله على الأنبياء وهو جبريل عليه الصلاة السلام, ورؤساء الملائكة وأشرافهم ثلاثة: جبريل, وميكائيل, وإسرافيل, هؤلاء الملائكة الثلاثة موكلون بالحياة كلها, فجبريل موكل بالوحي الذي فيه حياة القلوب والأرواح, وميكائيل موكلٌ بالقطر الذي فيه حياة الأبدان والنبات, وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي يُعيد الأرواح إلى أجسادها فتعود الحياة, ولهذا توسل النبي r في حديث الاستفتاح في صلاة الليل بربوبية الله بهؤلاء الأملاك الثلاثة كما ثبت في صحيح مسلم: «أن النبي r كان إذا قام من الليل يقوم يصلي يستفتح يقول: اللهم رب جبريل, وميكائيل, وإسرافيل, فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اُختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مستقيم».
(قارئ المتن)
وأؤمن بشرفهم وفضلهم ومكانتهم عند الله تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6], وأؤمن بوظائفهم وأعمالهم, وأن كل حركةٍ في السموات والأرض فهي ناشئةٌ عن الملائكة بإذن الله الكوني القدري, فمنهم المقسمات أمرًا, ومنهم المرسلات عُرفًا, ومنهم العاصفات عصفًا, ومنهم الناشرات نشرًا, ومنهم الفارقات فرقًا, ومنهم الملقيات ذكرًا, ومنهم النازعات غرقًا, ومنهم الناشطات نشطًا, ومنهم السابحات سبحًا, ومنهم السابقات سبقًا, ومنهم المدبرات أمرًا, ومنهم الصافات صفًا, ومنهم الزاجرات زجرًا, ومنهم التاليات ذكرًا, ومنهم حملة العرش وهم أربعةٌ في الدنيا, وفي يوم القيامة يحمل العرش ثمانية كما قال تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة:17].
ومنهم الكروبيون الذين حول العرش وهم مع حملة العرش من أشراف الملائكة وهم يسبحون الله ويستغفرون للمؤمنين كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}[غافر:7].
ومنهم الموكل بالشمس, ومنهم الموكل بالقمر, ومنهم الموكل بالنجوم, ومنهم الموكل بالجنة وإعداد النعيم لأهلها, ومنهم الموكل بالنار وإعداد العذاب لأهلها, ومنهم الموكل بالجبال, ومنهم الموكل ببني آدم, ومنهم الموكل بالنطفة يدبر أمرها حتى يتم خلقها, ومنهم الموكل بحفظ بني آدم, ومنهم الموكل بكتابة أعمال العباد من الجن والإنس بكتابة الحسنات والسيئات, فكل واحدٍ من العباد وُكل به أربعة أملاك بالليل وأربعة أملاك بالنهار بدلًا حافظان من بين يديه ومن خلفه, وكاتبان عن يمينه وعن شماله كما في الحديث: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار».
ومنهم الموكل بقبض أرواح العباد وفي مقدمتهم ملك الموت فهو الذي يستخرج الروح من الجسد ثم يأخذها أعوانه ويجعلونها في كفنه والله هو الآمر, ولذا أضيف التوفي إلى الله في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}[الزمر:42], وأضيف إلى ملك الموت في قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}[السجدة:11], وأضيف التوفي إلى الرسل في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ}[الأنعام:61].
ومنهم الموكل بالنفخ في الصور وهو إسرافيل, ومنهم الموكل بالقطر وهو ميكائيل, ومنهم الموكل بالوحي وهو جبريل عليه السلام, ورؤساء الملائكة وأشرافهم الأملاك الثلاثة الموكلون بالحياة وهم: جبريل, ميكائيل, إسرافيل, فجبريل موكلٌ بالوحي الذي فيه حياة القلوب والأرواح, وميكائيل موكل بالقطر الذي فيه حياة الأرض والأبدان, وإسرافيل موكلٌ بالنفخ في الصور الذي فيه حياة الناس بعد موتهم بإعادة الأرواح إليها, ولهذا توسل النبي r في حديث الاستفتاح في صلاة الليل بربوبية الله لهؤلاء الأملاك الثلاثة كما ثبت ذلك في صحيح مسلم: «أن النبي r كان إذا قام من الليل يصلي يستفتح بهذا الاستفتاح اللهم رب جبريل, وميكائيل, وإسرافيل, فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون, اهدني لما اُختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مستقيم».
وأعتقد أن مَن جحد ملكًا من الملائكة فهو كافر, وكذا مَن قال من الفلاسفة أو غيرهم: إن الملائكة أشكالٌ نورانية يتخيلها النبي بزعمهم, أو أنها القوى العقلية الفاضلة في الإنسان, كما يقول ذلك من الفلاسفة أرسطو, وأبو نصر الفارابي, وأبو علي بن سينا, مَن قال ذلك فهو كافر؛ لأنه جحد الملائكة, فهو مكذبٌ لله ولرسوله.
(شرح الشيخ)
إذًا مَن جحد ملك من الملائكة فهو كافر لأنه مكذبٌ لله ولرسوله, ولأنه أنكر أمرًا معلوم من الدين بالضرورة, ولأنه جحد أصلًا من أصول الإيمان, إذا مَن جحد الملائكة كافر لماذا؟ لأنه مكذبٌ لله ولرسوله, هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: أنه جحد أمرًا معلوم من الدين بالضرورة.
ثالثًا: أنه جحد أصلًا من أصول الإيمان, ومن ذلك الفلاسفة أرسطو وأتباعه الذين جحدوا الملائكة وقالوا: أنهم عبارة عن أشكال نورانية يتخيلها النبي بزعمهم, وإذا تقربوا إلى أهل الإسلام قالوا: الملائكة عبارة القوى العقلية الفاضلة في الإنسان, كما أن الشياطين هي القوى الرديئة عندهم, وكما يقول ذلك من الفلاسفة أرسطو, وأبو نصر الفارابي, وأبو علي بن سينا, مَن قال ذلك فهو كافر؛ لأن الفلاسفة كفار أرسطو وأتباعه لأنهم أنكروا الملائكة, أنكروا وجود الرب أولًا وجحدوا الرب, ثم جحدوا الملائكة, جحدوا الكتب المنزلة, وجحدوا الرسل, وجحدوا البعث.
فهم يقولون عن الملائكة أشكال نورانية يتخيلها النبي بزعمهم, أو عبارة عن القوى العقلية الفاضلة في الإنسان, الفلاسفة هكذا يقولون, يقولون ماذا؟: الملائكة عبارة عن أشكال نورانية يتخيلها النبي بزعمهم, وإذا أرادوا أن يتقربوا من أهل الإسلام قالوا: هي عبارة عن القوى الخيرة الفاضلة في العبد التي تبعث على الخير, وعلى الرحمة, وعلى المواساة, وبالمقابل الشياطين عبارة عن القوى الرديئة التي تبعث على الشر والظلم والإيذاء, مَن قال ذلك فهو كافر لأنه جحد الملائكة فهو مكذبٌ لله ولرسوله.
يعني مَن قال: أن الملائكة أشكال, أو عبارة عن القوى الفاضلة في الإنسان فهذا كله كفر, كما يقول ذلك من الفلاسفة أرسطو, وأبو نصر الفارابي, وأبو علي بن سينا, يقولون: عبارة عن القوى الخيرة الفاضلة في العبد, لماذا كفر؟ لأنه جحد بالملائكة فهو مكذبٌ لله ولرسوله.
(قارئ المتن)
وأعتقد أن الجن خلق الله وأحد الثقلين, وهم مكلفون خلقهم الله لعبادته كالإنس كما قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56] فمَن أنكر الجن فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ورسوله, وكل واحدٍ من بني آدم معه قرينٌ من الجن كما ثبت في الحديث الصحيح في مسلم أن النبي r قال: «ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكل به قرينه من الجن, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير».
والجن من عالم الغيب يروننا ولا نراهم كما قال الله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}[الأعراف:27] وهذا في الغالب, وقد يظهرون ويُرون في بعض الأحيان في صور متعددة من صور الآدميين وغيرهم من الحيوانات؛ لأن الله أقدرهم على ذلك, وإبليس كبيرهم, والشياطين هم الكفار من الجن ومَن أسلم منهم لا يسمى شيطانًا, وأعتقد أن مَن أنكر الشياطين أو قال هم القوى العقلية الرديئة في الإنسان، والملائكة هم القوى العقلية الفاضلة كما يقول ذلك بعض الفلاسفة كابن سينا وغيره فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله, قال الله تعالى: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}[الأنعام:112], وقال تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ}[ص:37].
وكل متمردٍ يسمى شيطانًا, وفي الحديث: «الكلب الأسود شيطان», وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر:6].
شرح الشيخ
الجن خلق الله وهو أحد الثقلين, وهم مكلفون, خلقهم الله لعبادته كالإنس كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56] مَن أنكر الجن فهو كافر, لماذا؟ لأنه مكذبٌ لله ولرسوله, مكذبٌ للقرآن,(50:23) ومَن كذب الله ورسوله كفر, وكل واحد من بني آدم معه قرين من الجن كما ثبت في الحديث الصحيح في مسلم أن النبي r قال: «ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكل به قرينه من الجن, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» يعني: كل واحد معه قرين.
والجن من عالم الغيب يروننا ولا نراهم كما قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}[الأعراف:27] وهذا في الغالب, وقد يظهرون ويُرون في بعض الأحيان في صور متعددة من صور الآدميين وغيرهم من الحيوانات؛ كأن يظهر جني في صورة حية أو ثعبان, أو في صورة إنسان, قد يظهر في صور متعددة للآدميين وغيرهم من الحيوانات؛ لأن الله أقدرهم على ذلك, وإبليس هو كبيرهم ورئيسهم, والشياطين هم الكفار من الجن, ومَن أسلم منهم لا يسمى كافر, قال الشاعر:
أبا الجن اللعين فقل له أتعرف الخلاق أم أنت ذا نكران
أبو الجن هو الشيطان, قال تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ}[ص:37].
وكل متمردٍ يسمى شيطانًا, من الدواب أو الإبل أو البقر, وفي الحديث: «الكلب الأسود شيطان» لأنه متمرد وكل متمرد يسمى شيطان, كما في الحديث الكلب الأسود شيطان، فالمتمرد من الحيوانات يسمى شيطان, والمتمرد من الآدميين يسمى شيطان, قال تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ}[ص:37], (وكل متمردٍ يسمى شيطانًا, وفي الحديث: «الكلب الأسود شيطان», وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:6]).