شعار الموقع

شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري_4

00:00
00:00
تحميل
117

 

كتاب الصوم: المحاضرة 4

المدة: 41:25

 

الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

بعون الله تعالى نبدأ درسنا هذا المساء في هذه الليلة المباركة التي هي أول ليالِ العشر من الأواخر من رمضان فنسأل الله أن يوفقنا جميعًا للعمل الصالح الذي يرضيه وأن يوفقنا للجد والنشاط، وأن يرزقنا الإخلاص في العمل، والصدق في القول، والمتابعة للنبي –صلى الله عليه وسلم-إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا سيدنا محمد.

قارئ المتن:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللقارئ والمستمعين، فقد أخذنا فيما مضى من صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري –رحمه الله تعالى-إلى أن وصلنا إلى كتاب الصوم.

قال البخاري –رحمه الله تعالى-:

بَابُ الحِجَامَةِ وَالقَيْءِ لِلصَّائِمِ

وَقَالَ لِي يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ: أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: «إِذَا قَاءَ فَلاَ يُفْطِرُ إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلاَ يُولِجُ».

شرح الشيخ:

قال يقول البخاري (وقال لي) ما قال حدثني قال حدثني قال العلماء: إنما سمعه منه في المذاكرة، إذا سمعه منه في المذاكرة قال: وقال لي وليس بالتحديث، إنما قال إنما يفطر إذا قاء لا يفطر إنما يفطر مما يولج لا مما يخرج، هذا قول لبعض العلماء إنما الفطر في الذي يدخله الإنسان إلى جوفه وليس الذي يخرجه من جسده، ولكن هذا ليس على اطلاقة، هذا القول ليس على إطلاقه الحجامة إخراج ومع ذلك فيها خلافٌ كبير والتحقيق الذي عليه المحققون أنها تفطر وهي مما يخرج فليس هذا على إطلاقه.

إذا قاء فلا يخرج وإنما يكون الفطر مما يخرج ولا يولج، يولج: أي يدخل كأنه يقول إذا قاء فلا يفطر لأنه أخرج والذي يخرج لا يفطر، وإنما يفطر الذي يولج وهذا أولًا موضع رواه عن شيخة في المذاكرة، وثانيًا أن هذا ليس على إطلاقه وإنما هذا في الأغلب أن الذي يولج هو الذي يفطر، يولج كإدخال الطعام، أو الشراب، وكذلك الإبر وغيرها.

أما الذي يخرج فلا كالقيء وهذا فيه تفصيل سيأتي أن القيء فيه تفصيل وفي حديث وإن كان فيه كلام أنه إذا استقاء عامدًا أفطر، وإذا قاء بدون اختياره فإنه لا يفطر.

إذا استقاء أي: طلب القيء، واستدعى القيء بنفسه فإنه يفطر، وإذا تقيأ بدون اختياره فلا يفطر وهذا كما سيأتي.

والحجامة: هي إخراج ومع ذلك فيها خلافٌ كبير بين العلماء، والمحققون على أنها تفطر كما سيأتي قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ».

قارئ المتن:

 وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّهُ يُفْطِرُ» وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.

شرح الشيخ:

نعم، يفطر ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر إذا قاء والأول أصح الذي مر أنه أصح، أنه لا يفطر وهذا كما سبق كما جاء في الحديث أن القيء فيه تفصيل، إذا استدعى القيء بأن عصر بطنه حتى يتقيأ أو أدخل أصابعه في حلقه أو شم شيئًا ليتقيأ فهذا يفطر، أما إذا ذرعه القيء وغلبه فلا يفطر، ولهذا جاء في الحديث: «إذا استقاء عامدًا فليقضي، وإذا تقيأ بدون اختياره فلا يفطر».

قارئ المتن:

 وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَعِكْرِمَةُ: «الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ».

شرح الشيخ:

«الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» هذا في الأغلب، وإلا هناك شيء يفطر بالخروج لأنه يضعف الصائم، ولذلك الحيض والنفاس هذا خروج من المرأة ومع ذلك تفطر، وكذلك الحجامة لأنها فيه إضعاف للصائم خروج الدم إضعاف للصائم، وخروج الدم من المرأة فيه إضعاف فلذلك يفطر.

قارئ المتن:

 وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ

شرح الشيخ:

(وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ) كان ابن عمر وهو صائم يعني يرى أن الحجامة لا تفطر، ثم تبين له بعد ذلك أنها تفطر أو أنه فعل هذا من بـاب الاحتياط فترك الاحتجام بالنهار وجعل يحتجم بالليل في غير الصيام.

قارئ المتن:

 وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه لَيْلًا.

شرح الشيخ:

(وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلًا) احجتم أبو موسى ليلًا احتياطًا وتجنب الاحتجام في النهار لئلا يتسبب في إفساد صومه.

قارئ المتن:

 وَيُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهم: احْتَجَمُوا صِيَامًا.

شرح الشيخ:

(وَيُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ: احْتَجَمُوا صِيَامًا) وأم سلمة وجابر أنهم احتجموا ... سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وأم سلمة نعم أنهم احتجموا صيامًا.

قلنا أن الحجامة فيها خلاف وسيأتي أن النبي –صلى الله عليه وسلم-احتجم وهو صائم أيضًا، والجمهور على أن الحجامة لا تفطر، والقول الثاني أنها تفطر فيها قولان لأهل العلم، الجمهور على أن الحجامة لا تفطر والقول الثاني أنها تفطر، وسيأتي الكلام على الجمع بين الأحاديث.

قارئ المتن:

 وَقَالَ بُكَيْرٌ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ: كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها «فَلاَ تَنْهَى»

شرح الشيخ:

وَقَالَ بُكَيْرٌ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ: كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها «فَلاَ تَنْهَى» وهم صيام فلا تنهاهم فدل على أن عائشة ترى أن الحجامة لا تفطر.

قارئ المتن:

 وَيُرْوَى عَنِ الحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا فَقَالَ: «أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ»

شرح الشيخ:

 وَيُرْوَى عَنِ الحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا فَقَالَ: «أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ» الحسن البصري أنه أفطر الحاجم والمحجوم وأن الحديث صحيح.

أما المحجوم فلأن خروج الدم يضعفه، وأما الحاجم: فكانت الحجامة في الأول عن طريق المص فالحاجم لا بد أن يذهب إلى حلقه شيء من رائحة الدم، أو شيء خفيف فيفطر بهذا، ولكن الآن الحجامة ليس فيها مص، الحجامة الآن حديثة، فقال بعضهم أنه يفطر عقوبة له.

قارئ المتن:

وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ مِثْلَهُ.

شرح الشيخ:

(وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ مِثْلَهُ) يعني الحسن البصري مثله مثل ما سبق أنه أفطر الحاجم والمحجوم.

قارئ المتن:

قِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ.

شرح الشيخ:

(قِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ) الحسن لم يدرك النبي –صلى الله عليه وسلم-فيكون منقطع هذا.

البخاري –رحمه الله-يذكر هذه الآثار، يذكر الترجمة ويذكر الآثار، والآثار تقوي الترجمة ثم يذكر الحديث الذي يستدل به، يذكر الآثار عن السلف، يذكر الترجمة ثم يذكر الآثار ثم يذكر الحديث الذي يؤيد هذه الآثار.

قارئ المتن:

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ»

شرح الشيخ:

هذا الحديث الذي في البخاري حديث ابن عباس «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» أما احتجامه وهو محرم فهل يحتاج أن يأخذ شعرات قيل يحتاج إلى شعرات قليلة ولا تؤثر ولم يفتي النبي –عليه الصلاة والسلام-لأنها شعرات قليلة، ويحتمل أنه يفتي.

وأما قوله «وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» هذا ثابت عن النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه احتجم وهو صائم، وثبت عنه أنه قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» فما الجمع بينهما؟

جمهور العلماء على أن الحجامة تفطر، وذهب جمع من المحققين أنها لا تفطر وقالوا: أن الحجامة احتجم وهو صائم هذا أولًا، وأما قوله لما رأى جعفر وأخر احجتما قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» قال هذا في السنة التاسعة، وابن القيم –رحمه الله-قال: (لا نستطيع أن نقول أن النبي –صلى الله عليه وسلم-احتجم وهو محرم) لا نستدل على أن الحجامة لا تفطر، صحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم-احتجم وهو صائم، لكن هل احتجم في رمضان؟

يحتمل أنه في غير رمضان في صيام النفل، والنافل أمير نفسه له أن يفطر، ويحتمل أنه احتجم وهو مريض، والمريض له أن يفطر، ويحتمل أنه احتجم وهو مسافر، والمسافر له أن يفطر، ويحتمل أنه احتجم قبل أن يقول «أفطر الحاجم والمحجوم» فإذا تم هذه الأمور الأربعة أمكن أن نقول أنها لا تفطر أثبتوا هذه الأمور الأربعة، أثبتوا أنه احتجم في صيام الفريضة لا في صيام النفل، واحتجم وهو في الحضر لا في السفر، واحتجم وهو صحيح غير مريض، واحتجم بعد أن قال «أفطر الحاجم والمحجوم» إذا أثبت هذه الأمور الأربعة أمكن أن نقول أنها تفطر، وإلا أنها لا تفطر، وإلا فالحجامة تفطر، وهو مذهب الإمام أحمد وجماعة، وهو عليه الفتوى الآن وعليه المحققون وأفتى به سماحة الشيخ عبد العزيز ... رحمه الله ابن باز وجماعة، ولنا رسالة في هذا في الصيام ذكر فيها الخلاف والتوسع في مسألة الحجامة والأقوال رسالة كنا قرأنها هنا وتوزع نعم.

قارئ المتن:

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ».

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا البُنَانِيَّ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ»، وَزَادَ شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

شرح الشيخ:

سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ» يعني يكره الحجامة لأنها تضعف الصائم، وهذا كان أولًا محمول على أنه كان أولًا قبل أن يقول النبي –عليه الصلاة والسلام-: «أفطر الحاجم والمحجوم».

قارئ المتن:

بَابُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِفْطَارِ

شرح الشيخ:

(بَابُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِفْطَارِ) قد تكون الحجامة فيها خلاف شديد، من العلماء من قال أنها تفطر، ومنهم من قال أنها لا تفطر، والفتوى على أنها تفطر وهو الأحوط، وعليه يقاس سحب الدم الكثير إذا سحب منه إبره أو إبرتين فهذا مقيس على الحجامة، وكذلك فصد العرق، أما الشيء القليل الذي يؤخذ من رأس الإصبع هذا لا يضر، لكن السحب يسحب إبره أو إبرتين هذا يضعف الصائم وهو مقيس على الحجامة، فينبغي أن يقضي احتياطًا إذا احتجم في نهار الصيام.

قارئ المتن:

بَابُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِفْطَارِ

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الشَّمْسُ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي»، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَا هُنَا، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»، تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ.

شرح الشيخ:

«انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» الجدح: هو تحريك السويق في الماء، خلط السويق في بالماء يجعل مشروب للصائم، عندهم شراب السويق، يحركه بالمجدح وهو العصا في طرفه يحركه حتى يتهيأ للشرب.

(قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الشَّمْسُ؟) الشمس طالعه، باقي يعني،

فقالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» لأنه يرى حمرة، يرى الرجل .. الحمرة والنبي –صلى الله عليه وسلم-اعتبر أن الشمس غابت والحمرة ما تضر، فهذا الرجل الذي مع النبي يظن أنها الشمس فقال انزل فاجدح لي ... (17:10) إن عليك نهارًا، قال انزل فاجدح لي، ثم جاء فَنَزَلَ وجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَا هُنَا، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، يعني من جهة المغرب وأدبار النهار من هاهنا فَقَدْ غربت الشمس وأَفْطَرَ الصَّائِمُ.... (17:18) هذا فيه دليل على أن الحمرة بعد غروب الشمس لا تضر، العبرة بقرص الشمس إذا غابت، فهذا الرجل يرى الحمرة فقال له الرسول –صلى الله عليه وسلم-: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إن عليك نهارًا قال رسول الله: الشَّمْسُ؟ ففيه مراجعة العالم الكبير، فهذا الرجل راجع النبي –صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات يقول له اجدح فيقول يا رسول ما غابت الشمس ما غابت يدل على مراجعة الكبير والاستفهام فيما يشكل، فهذا ثلاث مرات يراجعه، هذا مشروب شراب عندهم شراب سويق يبل بالماء ويحرك حتى يكون يفيد الصائم مثل المشروبات التي عندنا الآن.

قارئ المتن:

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ رضي الله عنه، قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ».

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، -زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ رضي الله عنه، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ -وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ -، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ».

شرح الشيخ:

نعم، فيه دليل على التخيير تخيير المسلم الصائم يخير بين أن يصوم وبين أن يفطر في رمضان وفي غيره، ولكن جاءت الأحاديث الأخرى جاء حديث فيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «ليس من البر الصيام في السفر» وهذا قاله لما رأى رجل ظلل عليه وأصابه التعب وهو صائم فقال: «ليس من البر الصيام في السفر» فأخذ العلماء من هذا أن الصيام إذا كان يشق على الإنسان فإنه يكره في حقه الصيام، أما إذا كان لا يشق عليه فهو مخير كما قال «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» ولكن اختلف العلماء في الأفضل، هل الأفضل الفطر أو الأفضل الصوم؟

إذا كان يشق عليه هذا مكروه الصيام للحديث «ليس من البر الصيام في السفر» وحديث «عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها» لكن إذا كان لا يشق فهو مخير يجوز له الصوم، ويجوز له الفطر.

ولكن قال بعض العلماء: الصوم أفضل في هذه الحالة؛ لأنه أسرع في براءة الذمة وأنشط له إذا يصوم مع الناس وأعون له.

وقال أخرون: الفطر أفضل لأن فيه أخذًا بالرخصة.

والأقرب: أن الصوم أفضل في هذه الحالة؛ لأنه فيه مبادرة بأداء الواجب؛ ولأنه أنشط له من أن يكون دينًا عليه.

قارئ المتن:

قال البخاري –رحمه الله-:

بَابُ إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الكَدِيدَ، أَفْطَرَ»، فَأَفْطَرَ النَّاسُ.

شرح الشيخ:

نعم، هذا فيه دليل على أن الإنسان إذا صام أيام من رمضان ثم في أثناء هذا الشهر، ثم سافر فله أن يفطر الأيام التي سافر فيها، ولكن اختلف العلماء في اليوم الذي سافر فيه هل له أن يفطر أو يجب عليه أن يتمه؟

  • قال بعض العلماء: يجب أن يتم هذا اليوم الذي صام أوله، وإنما يفطر في اليوم الجديد الذي أدركه وهو في السفر.
  • القول الثاني: أنه لا بأس أن يفطر ولو صام أوله في الحضر، وهذا هو الصواب.

قارئ المتن:

 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " وَالكَدِيدُ: مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ "

شرح الشيخ:

(وَالكَدِيدُ: مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ) لأن النبي صام في المدينة أيام ثم سافر وهذا في غزوة الفتح فأفطر، فدل على أنه لا بأس للإنسان أن يفطر إذا سافر في أثناء الشهر.

قارئ المتن:

 قال البخاري رحمه الله:

بـابٌ

شرح الشيخ:

(بـابٌ) هنا –رحمه الله-ما ذكر ترجمة كالفصل للباب السابق.

قارئ المتن:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رضي الله عنها، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنه»

شرح الشيخ:

هذا فيه دليل على جواز الصيام في السفر، وهذا فيه استثناء من النافلة أنه يجوز للإنسان أن يصوم في السفر ويجوز له أن يفطر، فيه الرد على من قال من العلماء بأنه لا يجوز الصوم في السفر، طائفة قليلة من أهل العلم قالوا: لا يجوز الصوم في السفر، وإذا صام فلا يصح صومه، وهذا ضعيف، فالنبي –صلى الله عليه وسلم-صام في يومٍ شديد الحر هو وعبد الله بن رواحة «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ» فهذا دليل على أنه لا بأس بالصيام في السفر، ولكن كما سبق إذا كان يشق عليه الأفضل الفطر، وإذا كان لا يشق عليه فالأمر واسع.

 

قارئ المتن:

بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الحَرُّ «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ»

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ»

شرح الشيخ:

هذا الحديث فيه دليل على أن من شق عليه الصوم في السفر، فإنه يكره في حقه الصوم، ويستحب له أن يفطر.

قارئ المتن:

بَابٌ: لَمْ يَعِبْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّوْمِ وَالإِفْطَارِ

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلاَ المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ»

شرح الشيخ:

هذا يدل على أن الأمر فيه توسعه في السفر، وأنه يجوز للإنسان أن يصوم ويجوز له يفطر سواء في رمضان أو في غيره، فالصائم لا يعيب على المفطر، والمفطر لا يعيب على الصائم، والأمر واسع والحمد لله.

قارئ المتن:

بَابُ مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ "، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ»

شرح الشيخ:

الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، النبي –صلى الله عليه وسلم-صام حتى بلغ عُسفان ثم أتي بقدح فرفع حتى يراه الناس فشرب والناس ينظرون فعرفوا أنه مفطر، قال ابن عباس: «فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ» الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، وهذا في رمضان، والله –تعالى-يقول في كتابه الكريم : ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ]البقرة: 184[، فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، فالآية فيها دليل على جواز الفطر.

قارئ المتن:

بَابُ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ [البقرة: 184].

قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَسَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ: نَسَخَتْهَا ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].

وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَنَسَخَتْهَا: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 184] فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ.

شرح الشيخ:

هذا الطور الثاني أو الثالث من أطوار الصيام هنا الصيام له أطوار:

الطور الأول: فرض الله صيام يوم عاشوراء في السنة الأولى من الهجرة، ولما قدم المدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر فسألهم فقالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى وقومه فصامه موسى ونحن نصومه، فأمرهم بصيامه وأرسل مناديًا ينادي أن اليوم يوم عاشوراء فمن كان صائمًا فليتم صومه، ومن كان مفطرًا فليصم.

الطور الثاني: ثم في السنة الثانية من الهجرة فرض الله صيام رمضان فنُسخ وجوب صوم يوم عاشوراء وبقي مستحب، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من شاء صام، ومن شاء أفطر» فرض الله صيام شهر رمضان.

الطور الثالث: كان الناس مخيرين بين الصيام وبين الإطعام من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكين لما نزل قول الله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: 184]، فالذي يطيق الصوم له أن يفطر ويطعم مكانه ذلك اليوم مسكين وله أن يصوم.

الطور الرابع: أوجب الله الصوم حتمًا على المستطيع لما نزلت الآية التي بعدها ونسخت هذه الآية وهي قول الله –تعالى-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]، هذا حتم.

الطور الخامس: كان الناس يفطرون إذا غربت الشمس ويستمر الفطر إلى صلاة العشاء فإذا صلى العشاء أو نام حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القادمة، مدة الإفطار بين العشاءين بعد المغرب إلى العشاء، وكذلك بشرط أن لا ينام فإن نام أو صلى العشاء حرم عليه الصوم إلى الليلة القادمة فحصل بهذا بعض الحالات والقصص من ذلك: أن قيس بن صرمة –رضي الله عنه-كان يعمل في مزرعته طول النهار فلما قرب غروب الشمس جاء إلى أهله وقال لهم هل عندكم طعام، قالت: سأبحث لك، وذهبت تبحث له عن الطعام وغلبته عينيه من شدة التعب فنام، فلما نام حرم عليه الإفطار فأصبح صائمًا اليوم الثاني فلما انتصف النهار غشي عليه وسقط، وكذلك أيضًا من الصحابة ابن عمر وغيره بعضهم كان يتخول نفسه وباشر أهله فأنزل الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]، فأباح الله للصائم الفطر من غروب الشمس ومباشرة النساء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا والحمد لله هذه أطوار الصيام.

قارئ المتن:

حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَرَأَ: (فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ) قَالَ: «هِيَ مَنْسُوخَةٌ».

شرح الشيخ:

هذا قول الجمهور، وابن عباس يرى أنها غير منسوخة، وأنها باقية في حق الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، والمريض الذي لا يرجى برؤه باقيه في حقهم يفطرون، ويطعمون مكان كل يوم مسكين.

قارئ المتن:

بَابٌ: مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ

شرح الشيخ:

(بـاب متى يقضي) أي: الصائم من عليه الفطر، قضاء رمضان أو يقضى ما في مانع يقضى نعم.

قارئ المتن:

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لاَ بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]"

شرح الشيخ:

وهذا هو الصواب أنه لا بأس أن يفرق ما يلزمه السرد، لو كان عليه عشرة أيام يجوز أن يصوم يوم ويفطر يوم، يصوم يوم ويفطر يومين يفرقها ولا يجب عليه أن يسردها سردًا والأمر في هذا واسع، فله أن يصومها من رمضان إلى رمضان الثاني فإن بقي على رمضان الثاني خمسة أيام وعليه خمسة أيام لزمه أن يصوم الخمسة وليس له أن يؤخرها إلى بعد رمضان.

﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ أوجب العدة ولم يوجب التتابع، قال: العدة عدد الأيام التي عليك سواء متجمعة أو متفرقة.

قارئ المتن:

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ فِي صَوْمِ العَشْرِ: «لاَ يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ».

شرح الشيخ:

العشر الأول يعني من ذي الحجة لا يصلح حتى يبدأ برمضان، أي: لا يصوم النفل ومثله صيام الست من أيام شوال وعليه من رمضان يبدأ برمضان أهم لأن صيام الستة وصيام العشر من ذي الحجة هذه نافلة، والله لا يسألك عن النافلة، وإنما يسألك عن الفريضة، وقال بعض العلماء: لا بأس له أن يؤخر الست، وله أن يصوم عشر ذي الحجة، أو تسع ذي الحجة قبل قضاء رمضان، ولكن الصواب أنه يجب عليه أن يبدأ برمضان.

قارئ المتن:

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: " إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا.

شرح الشيخ:

يعني إذا أخر صيام رمضان حيث جاء رمضان الثاني يصومها بعد رمضان وليس عليه شيء، وذهب بعض الصحابة إلى أنه يطعم عن كل يوم مسكين بسبب التأخير، فإذا أخر إلى رمضان الثاني يصومها مع الإطعام عن كل يوم مسكين أفتى بهذا جمع من الصحابة.

قارئ المتن:

 وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مُرْسَلًا وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: " أَنَّهُ يُطْعِمُ ...

شرح الشيخ:

أَنَّهُ يُطْعِمُ يذكر يعني بصيغة التمريض روي عن أبي هريرة بسند مرسل وكذا عن ابن عباس أنه يطعم، ثم قال البخاري بعده ولم يذكر الله الإطعام في القرآن ما ذكر إلا قال: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ في هذا دليل على أن البخاري يميل على أنه ليس عليه إطعام، ولم يذكر هذا من كلام البخاري، ولم يذكر الله الإطعام في القرآن.

قارئ المتن:

وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ، إِنَّمَا قَالَ: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184] "

شرح الشيخ:

ما قال فعدة وإطعام هذا اختيار البخاري أنه لا يجب عليه الإطعام لكن بعض الصحابة افتى بهذا.

قارئ المتن:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، تَقُولُ: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ»، قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

شرح الشيخ:

هذه عائشة –رضي الله عنها-كان عليها أيام من رمضان ولا تستطيع قضاءها إلا في شعبان، ولا تؤخر عن شعبان، لماذا؟ قال الشغل برسول الله، فبعضهم يشكل يقول هل عائشة ما تصوم أيام الست من شوال، وما تصوم تسع ذي الحجة هذه مسكوت عنه الأمر فيه، قد يحتمل أن هذا قبل أن تشرع صيام الست من شوال، ويحتمل أنها تصومها قبل ذلك فيكون فيه دليل على جواز صوم الست قبل قضاء رمضان.

قارئ المتن:

بَابٌ: الحَائِضُ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ

وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: " إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ المُسْلِمُونَ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ.

شرح الشيخ:

(إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ) يعني هذا كلامٌ عظيم لأبي الزناد السنن ووجوه الحق تأتي كثيرًا على خلاف الرأي لأنه ليس الدين بالرأي من ذلك المسح على الخفين يمسح على الأعلى من الخف ولا يمسح على أسفله وذلك كما قال علي –رضي الله عنه-: (لو كان الدين بالرأي لكان المسح من أسفل الخف بدلًا من أعلى) لكن الدين ليس بالرأي، أيهما يباشر الأرض الأسفل أم الأعلى؟ الأسفل فكان الأولى أنه هو الذي يمسح لكن يمسح الأعلى لأن الدين ما هو بالرأي وهذا قول أبو الزناد: (إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ) يجب على الإنسان أن يسلم لله لأننا نحن عبيد مأمورون نعرف الحكم من ذلك أن الحائض تقضي الصوم ... لكن ما تبين لأبو الزناد لكن غيره تبين له الحائض تقضي الصوم لأن الصوم ما يتكرر في السنة إلا مرة بخلاف الصلاة فإنها تتكرر في اليوم خمس مرات فلو وجب عليها في كل شهر شق عليها ما تبين لأبو الزناد لكن غيره تبين له هذا واضح في قضاء الحائض الصوم؛ لأنها ما تكون إلا في السنة مرة سهل القضاء، لكن الصلاة كل شهر تتكرر فيشق عليها فلهذا الله –تعالى-سامحها عن الصلاة ولم يسامحها عن الصوم، لكن أبو الزناد لم يتبين له ولكن المسألة على خلاف الرأي وصحيح كلامه أن الإنسان يسلم له، لكن هذه المسألة التي ذكرها ليست منها واضحة هذه، هذه واضحة وضحت لكثير من أهل العلم أن الحكمة في قضاء الحائض الصوم وكذلك النفساء لأن الصوم لا يتكرر إلا في السنة مرة، بخلاف الصلاة فإنها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات فلا يشق صومها.

قارئ المتن:

وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: " إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ المُسْلِمُونَ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ.

شرح الشيخ:

هو ما تبين له الصواب أن هذا ليس منه هذا واضح وإلا كلامه صحيح لأن السنن تأتي على خلاف الرأي وما يجد الإنسان بدًا إلا أن يسلم لله ولرسوله هكذا المسلم نحن عبيد سمعنا وأطعنا إن عرفنا الحكمة فالحمد لله وإن لم نعرف نقول سمعًا وطاعة لربنا.

قارئ المتن:

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ، عَنْ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا».

شرح الشيخ:

نعم، هذا نقصان دينها قال أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، يعني فهذا نقص، لكن لا يضرها هذا النقص، بعض الناس يشنع على المرأة يظن أن المرأة كاملة في عقلها لكن هذا نقصان لا يضرها، نقصان كتبه الله عليها ولا يضرها ولا يؤثر عليها في فهمها وفي تصرفاتها، أم سلمة –رضي الله عنها-لها رأيٌ عظيم في عزوة الحديبية لما أمر الرسول –صلى الله عليه وسلم-الصحابة أن يتحللوا، فتحللوا، خلاص المشركون منعهم من دخول مكة ما في حيلة، قال تحللوا خلاص، ولم يفعل ولا واحد، قال تحللوا ولا تحرك ولا واحد، فدخل النبي –صلى الله عليه وسلم-إلى أم سلمة مغضب فقالت: يا رسول الله ما لك مغضب، قال: «ما لي أمر الناس ولا يمتثلون» فقالت يا رسول الله تريد يمتثلون؟ قال «نعم»، قالت: لا تكلم أحد ابدأ بنفسك، اخرج انت واذبح هديك واحلق وسافر، فخرج النبي –صلى الله عليه وسلم-وفعل فتتابع الناس حتى كادوا ... هذا رأي سديد، هذا يدل على أن المرأة يعني عقلها ما فيه نقص فنقصان عقلها هذا شيء مفطور من الفطرة من فطرتها ومن خلقتها ولا يضرها هذا، ليس معنى ذلك أن الإنسان يشنع على المرأة ويقول أن المرأة لا تفهم وليست عاقلة ولا عندها عقل،لا، هذا لا يضرها.

قارئ المتن:

بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ.

شرح الشيخ:

بركة، قف على هذا الباب.

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد