شعار الموقع
شعار الموقع

الإيمان لأبي عبيد القاسم 6 من قوله: "وقد وجدنا لهذين النوعين من الدلائل في الكتاب والسنة...". إلى آخر الكتاب.

00:00

00:00

تحميل
142

 (المتن)

وقد وجدنا لهذين النوعين من الدلائل في الكتاب والسنة نحواً مما وجدنا في النوعين الأولين، فمن الشاهد على الشرك في التنزيل: قول الله تبارك وتعالى في خلق آدم وحواء عند كلام إبليس إياهما هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف:189] إلى جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190]، وإنما هو في التأويل: أنَّ الشيطان قال لهما: سَمِيا ولدكما عبد الحارث، فهل لأحد يعرف الله ودينه أن يتوهم عليهما الإشراك بالله مع النبوة والمكان من الله؟! فقد سمَّى فعلهما شركاً وليس هو الشرك بالله.

(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:

سبق كلام المؤلف -رحمه الله- أن ذكر أن المعاصي التي يفعلها المؤمنون جاءت على أربعة أنواع: النوع الأول: نفي الإيمان عن العاصي، كقوله ﷺ: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن.

النوع الثاني: البراءة منه، كقوله عليه الصلاة والسلام كحديث : برئ النبي ﷺ من الصالقة والحالقة والشاقة.

النوع الثالث: أن يخبر عنه بأنه شرك، كقوله عليه الصلاة والسلام: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك.

النوع الرابع: أن يخبر عنه بأنه كفر، كقول النبي ﷺ: اثنتان في الناس هما بهم كفر.

وسبق الكلام على بيان معناها وتأويلها عند أهل العلم، فذكر المؤلف - رحمه الله - مثالاً هنا لما ورد في النصوص تسميته شركاً، وهو من الكبائر ومن الشرك الأصغر ولا يصل إلى حد الشرك الأكبر , ذكر المؤلف - رحمه الله - قال: (من الشاهد) أن أي من الدليل (على الشرك في التنزيل قول الله - تبارك وتعالى - في آدم وحواء عند كلام إبليس إياهما: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:189 - 190]، يقول المؤلف - رحمه الله - : تأويل هذه الآية أن الشيطان قال لهما: سميا ولدكما عبد الحارث، فهل لأحد يعرف الله ودينه أن يتوهم عليهما الإشراك بالله مع النبوة والمكان من الله؟! فقد سمى فعلهما شركاً وليس هو الشرك بالله.

هذه القصة ذكرها الله في كتابه يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف:189]، ظاهر القصة أنها في آدم وحواء، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف:189] هي آدم وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:1] هي حواء لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189] أي: ليسكن آدم إلى زوجه فَلَمَّا تَغَشَّاهَا [الأعراف:189] يعني: جامعها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:189]. دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً، يعني: ولداً سليماً مستوي الخلقة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:189] فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190].

 جاء في تفسير هذه الآية، ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية أثراً عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الشيطان جاء لهما لما حملت حواء وقال لهما: سمياه عبد الحارث؛ لئن لم تسمياه عبد الحارث لأجعلن له قرني أيِّل فيخرج من بطنك فيشقه ، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتاً , ثم حملت المرة الثانية فأتاهما فقال لهما مثل ذلك، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت في المرة الثالثة فقال لهما مثل ذلك فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث، فذلك قول الله تعالى: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190].

قال: (شركاء) يعني: شركاء في التسمية والطاعة، وليس شركاً في العبادة.
 وهذه القصة من أخبار بني إسرائيل لا تثبت، لكن قال كثيرٌ من السلف الحسن وغيره قال: أشفقا أن يكون بهيمة، وقال بعضهم في تفسيرها : شركاء في التسمية , في الطاعة , ولم يقل في العبادة، وكون هذه القصة لا تثبت فالآية كافية بها ، الآية كافية لمن تدبرها وتأملها فإنها ظاهرة في آدم وحواء.

قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف:189] هي آدم وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189] هي حواء، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا [الأعراف:189] جامعها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ [الأعراف:189] ثقل الحمل في بطنها دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا [الأعراف:189] يعني: إنساناً مستوياً سليم الأعضاء لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:189 - 190].

أما قوله تعالى: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190] انتقال من الشخص إلى الجنس , هذا في الذرية، فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ وقال بعض العلماء: إن الآية إنما هي في الجنس لا في آدم، فالمراد جنس بني آدم , لكن الصواب: أنها في آدم وحواء، وهذا هو الظاهر من الآية، والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمة الله عليه - ذكرها في كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190] وذكر أثر ابن عباس بصرف النظر عن كونه ثابتاً أو غير ثابت، وذكر الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب - رحمه الله - في كتاب تيسير العزيز الحميد: أن الآية صريحة في أن القصة في آدم وحواء، وأن على هذا تفاسير السلف، وأن إنكار كون الآية في آدم وحواء مكابرة وعدول عن تفاسير السلف إلى تفاسير أهل البدعة.

ومن العلماء من قال: إنها ليست في آدم وحواء، وإنما هي في جنس بني آدم، وذهب إلى هذا فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - في كتابه القول المفيد، وقال: إنها ليست في آدم وحواء , وإنما هي في الجنس , وقال : إنه لا يمكن أن يقع منهما الشرك من آدم، وهو معصوم من الشرك , والأنبياء معصومون من الشرك، ولو كان وقع الشرك لذكر الله توبتهما منه كما ذكر توبتهما من الأكل من الشجرة.

والذي يظهر لي أن الصواب : أنها في آدم وحواء، وأن هذا شرك في التسمية، وقع منهما الذنب في الشرك في التسمية كما وقع الذنب في الأكل من الشجرة، ولهذا قال العلماء: إن من ينكر وقوعهما في طاعة الشيطان في التسمية كيف يغفل عن معصيتهما في المرة الأولى، فهما وقعا في المعصية وأكلا من الشجرة، وسول لهما مرة أخرى وأطاعاه في التسمية، فهو شرك في التسمية لا شرك في العبادة.
هذا هو الصواب أنها في آدم وحواء.

أما قوله: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190] فهذا في الذرية، انتقل من الشخص إلى الجنس, والشرك في هذه الآية ليس شركاً في العبادة والتوحيد، وإنما هو شرك في الطاعة والتسمية، هو لا يمنع وقوعهما منهما كما وقعت المعصية منهما في أول الأمر، ومن ذلك المؤلف - رحمه الله -ذهب إلى أنها في آدم وحواء وقال: (فمن الشاهد على الشرك في التنزيل قول الله تعالى في آدم وحواء عند كلام إبليس) قال: (وإنما هو في التأويل: أن الشيطان قال لهما: سميا ولدكما عبد الحارث)، يقول المؤلف - رحمه الله - : (فهل لأحد يعرف الله ودينه أن يتوهم عليهما الإشراك بالله مع النبوة؟!) يعني : الشرك الأكبر , الشرك في العبادة, يقول: إن الله أخبر أنه وقع منهما الشرك، وآدم نبي - عليه الصلاة والسلام - فهل يتوهم أحد أنه يقع منه الشرك الأكبر، والأنبياء معصومون من الشرك الأكبر , معصومون فيما يبلغون عن الله؟ ( فهل لأحد يعرف الله ودينه أن يتوهم عليهما الإشراك بالله مع النبوة والمكان من الله ؟! فقد سمى فعلهما شركاً وليس هو الشرك بالله)، يعني: بل هو شرك أصغر، شرك في الطاعة , في التسمية ينافي كمال التوحيد.

فالشرك الذي وقع من الأبوين شرك في التسمية ، شرك في طاعة الشيطان في التسمية، حينما سمياه عبد الحارث وليس شركاً في العبادة، ولهذا استدل المؤلف - رحمه الله - بهذه الآية على أن بعض المعاصي تسمى شركاً كقوله عليه الصلاة والسلام: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك فكما سمى الحلف بغير الله شركاً، فكذلك سمى ما وقع من الأبوين شركاً في التسمية وهو شرك أصغر، ويكون قد تابا منه، فهذا مثال في الشرك الذي لا يخرج من الملة.

(المتن)

وأما الذي في السنة: فقول النبي : أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر، فقد فسر لك بقوله: الأصغر أن هاهنا شركاً سوى الذي يكون به صاحبه مشركاً بالله.

(الشرح)

وهذا مثال من السنة , تسمية بعض الذنوب شركاً وليس شركاً في العبادة، وإنما هو كبيرة من الكبائر وسمي شركاً، وهو الرياء: أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر.

والمؤلف يشير إلى حديث النبي ﷺ قال: ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الرياء، يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه، فالرياء شرك أصغر، وكذلك الحلف بغير الله شرك أصغر، فبعض الذنوب تسمى شركاً ولا يكون ذلك شركاً في العبادة.

(المتن)

ومنه قول عبد الله: الربا بضعةٌ وستون باباً، والشرك مثل ذلك.

(الشرح)

والشرك مثل ذلك , يعني : أبواباً كثيرة، والحديث أخرجه البزار من حديث ابن مسعود ولا بأس بسنده.

(المتن)

فقد أخبرك أن في الذنوب أنواعاً كثيرة تسمى بهذا الاسم، وهي غير الإشراك التي يُتَّخذ لها مع الله إلهٌ غيره.

(الشرح)

هذا بيان وجه الدلالة من هذه النصوص، يقول: هناك ذنوب كثيرة سميت شركاً، منها: ما وقع من الأبوين، ومنها: الرياء، ومنها: الحلف بغير الله، ومنها ما جاء في حديث ابن مسعود أن الربا بضعة وستون باباً، والشرك مثل ذلك، يعني: هو بضعة وستون باباً، وهي ذنوب سميت شركاً.

يقول المؤلف: (وهي غير الإشراك الذي يتخذ لها مع الله إلهٌ غيره) يعني: غير الشرك الأكبر الذي يكون شركاً في العبادة ويخرج من الملة، وإنما هي معاص وكبائر سميت شركاً، فهي تضعف الإيمان وتنقص الإيمان، ولا يخرج صاحبها عن اسم الإيمان, بل يبقى اسم الإيمان عليه كسائر المعاصي، فإذا ارتكب كبيرة، زنا أو سرق أو شرب الخمر أو عق والديه أو قطع رحمه أو شهد زوراً أو حلف بغير الله فإن إيمانه يكون ضعيفاً ناقصاً، ولا ينتهي الإيمان إلا إذا فعل الشرك الأكبر، فالمؤلف يبين أن بعض الذنوب تسمى شركاً ولا تُخرج صاحبها عن الإيمان، لأنها من الكبائر ، وإن كانت أكبر من الكبائر، ما سميت شركاً وكفراً ألا أنها أكبر من الكبائر إلا أنها لا تخرج من الملة؛ لأنها ليست شركاً في العبادة ولا ناقضاً من نواقض الإسلام. ولهذا قال المؤلف :   (فقد أخبرك أن في الذنوب أنواعاً كثيرة تسمى بهذا الاسم، وهي غير الإشراك التي يُتَّخذ لها مع الله إلهٌ غيره).

(المتن)

تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فليس لهذه الأبواب عندنا وجوه إلا أنها أخلاق المشركين وتسميتهم وسننهم وألفاظهم وأحكامهم ونحو ذلك من أمورهم.

(الشرح)

هذا تأويل المؤلف لها أنهم أخلاق المشركين وتسميتهم وسننهم وألفاظهم وأحكامهم ، سبق الكلام أن الأصل في هذا أن يقال: إن هذه النصوص تفيد الوعيد والزجر وأنها من الكبائر، وما سميت بها شركاً أو كفراً فهو أصغر لا يخرج من الملة ما لم يكن شركاً في العبادة أو ناقضاً من نواقض الإسلام، فإذا حلف بغير الله يكون إيمانه ناقصاً وضعيفاً، لكن لا يخرج من الإيمان ولا ينتهي إيمانه إلا بالشرك الأكبر.

(المتن)

وأما "الفرقان" فالشاهد عليه بالتنزيل: قول الله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].

(الشيخ)

لعله وأما الكفر فالشاهد عليه بالتنزيل ،لأن المؤلف رحمه الله قال : وقد وجدنا لهذين النوعين من الدلائل من الكتاب والسنة (17:6) يعني الشرك والكفر ، مثل للشرك وانتقل للتمثيل للكفر ، لعل هذه خطأ ، تجعلك حائرًا، وأما العبارة (وأما الكفر).
(المتن)

وأما الكفر فالشاهد عليه بالتنزيل: قول الله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].

وقال ابن عباس: ليس بكفر ينقل عن الملة، وقال عطاء بن أبي رباح: كفر دون كفر، فقد تبين لنا إذ كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله وإن خالطه ذنوب، فلا معنى له إلا أخلاق الكفار وسنتهم على ما أعلمتك من الشرك سواء؛ لأن من سنن الكفار الحكم بغير ما أنزل الله، ألا تسمع قوله: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]، تأويله عند أهل التفسير: أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية، إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون.

(الشرح)

هذا مثال للكفر الذي لا يخرج من الملة، مثله المؤلف - رحمه الله - بقول الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، واستدل بتفسير ابن عباس وتفسير عطاء، قال ابن عباس على هذه الآية الكريمة: ليس بكفر ينقل عن الملة، وكمال كلام ابن عباس ولم يذكره المؤلف قوله: (ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر)، هذا تكملة الأثر عند ابن عباس، قال عن هذه الآية (ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر) وقال عطاء بن أبي رباح: (كفر دون كفر) على هذا يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر.

والصواب: أن الآية محتملة للكفر الأكبر والكفر الأصغر على حسب حال الحاكم واعتقاده، فإن حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله لا يناسب العصر، وأنه لا يناسب العصر إلا الحكم بالقوانين والآراء ؛ فهذا كفر أكبر يخرج عن الملة، وكذا إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله مماثل في الحكم بالقوانين والآراء وأنهما سيان، وأن الإنسان مخير بين أن يحكم بما أنزل الله أو يحكم بالقوانين والآراء فهذا كفر أكبر يخرج من الملة، وكذا إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله أحسن وأفضل إلا أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا أيضاً كفر أكبر يخرج من الملة؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه، والحكم بغير ما أنزل الله حرام بالإجماع، فإذا استحله ورأى أن الحكم بالقوانين والآراء جائز صار كفراً أكبر، ولو اعتقد أن الحكم بما أنزل الله أحسن، وكذلك إذا حكم بغير ما أنزل الله واستهان بحكم الله، وكذا إذا بدل الدين رأساً على عقب.

فالمقصود: أن الآية محتملة للكفر الأكبر وللكفر الأصغر، فالمؤلف - رحمه الله - مثّل بها للكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة وأنه ينافي الإيمان، ولهذا علق عليها فقال: (فقد تبين لنا إذ كان) يعني الحكم بغير ما أنزل الله (إذ كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله) يعني: أن من حكم بغير ما أنزل الله يكون دينه باق وإيمانه باق ولا يخرج من الملة ولا ينتهي إيمانه؛ لأنه لم يفعل شركاً في العبادة ولم يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام، وإنما فعل كبيرة من كبائر الذنوب وإن سميت كفراً، إلا أنها لا تخرج من الملة، فيكون إيمانه ضعيفاً وناقصاً، ويكون فاسقاً بهذا العمل لكنه لا يخرج من الملة؛ ولهذا قال المؤلف - رحمه الله -: (فقد تبين لنا إذ كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله وإن خالطه ذنوب، فلا معنى له إلا أخلاق الكفار وسنتهم على ما أعلمتك من الشرك سواء؛ لأن من سنن الكفار الحكم بغير ما أنزل الله، ألا تسمع قوله : أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]، تأويله عند أهل التفسير أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية، إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون) فالمعنى: أنه لا يخرج من الملة، وإن ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب وكفراً أصغر لا يخرج من الملة ولا ينتهي إيمانه بذلك، بل يكون إيمانه ضعيفاً وناقصاً، ويفسق بهذا العمل إلا أنه لا يكفر كفراً يخرج من الملة.

(المتن)

وهكذا قوله: ثلاثة من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب والنياحة، والأنواء.

(الشرح)

هذا الحديث يدل على أن من فعل هذه الثلاثة أو واحداً منها يكون مرتكباً لكبيرة؛ لأنه فعل أفعالاً من أفعال الجاهلية حذر منها النبي ﷺ.
ثلاثة من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب يعني: عيب الأنساب وتنَقُّصُها وذمها.

 والنياحة  وهي: رفع الصوت بالبكاء على الميت والندب، وتعداد محاسن الميت.

 والأنواء يعني: الاستسقاء بالأنواء وهي: النجوم، نسبة المطر والشتاء إلى النجوم والأنواء على أنها سبب، فهذا شرك أصغر وكفر أصغر، وهو من أعمال الجاهلية، لكنه لا يخرج به من الملة، مثل قوله - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الآخر: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب, والاستسقاء بالنجوم, والنياحة على الميت، وهذا الحديث يفيد فائدتين: الفائدة الأولى: أن هذه الأمور واقعة في هذه الأمة، ففيه علم من أعلام النبوة وأنه رسول الله حقاً.

والفائدة الثانية: التحذير من فعل هذه الأشياء، وأنه ينبغي للمسلم أن يحذرها ولا يفعل شيئاً منها.
فالمؤلف - رحمه الله - يبين أن من فعل هذه الثلاثة أو واحداً منها أنه مرتكب لكبيرة , لكنه لا يخرج به من الملة, ولا ينتهي إيمانه .

(المتن)

ومثله الحديث الذي يُروَى عن جرير وأبي البختري الطائي: ثلاثة من سنة الجاهلية: النياحة، وصنعة الطعام، وأن تبيت المرأة في أهل الميت من غيرهم.

(الشرح)

أما النياحة فالأحاديث فيها كثيرة في أنها من كبائر الذنوب ومن أعمال الجاهلية، وكذلك صنعة الطعام والاجتماع كما قال جرير بن عبد الله البجلي - رحمه الله -: كنا نعد الاجتماع عند الميت وصنعة الطعام من النياحة، وأما مبيت المرأة في أهل الميت فيحتاج إلى النظر في ثبوت الحديث في هذا.

(المتن)

وكذلك الحديث: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.

(الشرح)

هذا الحديث فيه أن هذه الثلاث من علامات النفاق: الكذب في الحديث، والخلف في الوعد، والخيانة في الأمانة، وهذه معاص وليست نفاقاً أكبر يخرج من الملة، وإنما هو نفاق عملي، والصواب: يكون صاحبها ضعيف الإيمان وناقص الإيمان، لكن لا ينتهي إيمانه ولا يخرج من الإيمان؛ لأنها ليست كفراً أكبر ولا ردة.

(المتن)

وقول عبد الله: الغناء ينبت النفاق في القلب.

(الشرح)

فإذا سمع الغناء وتلذذ به تلذذاً يذهب النفوس ويقعدها ضعف إيمانه ونقص إيمانه .

(المتن)

ليس وجوه هذه الآثار كلها من الذنوب أن راكبها يكون جاهلاً ولا كافراً ولا منافقاً وهو مؤمن بالله وما جاء من عنده ومُؤدٍّ لفرائضه، ولكن معناها أنها تتبين من أفعال الكفار محرمةً منهيَّاً عنها في الكتاب وفي السنة ليتحاماها المسلمون ويتجنبوها، فلا يتشبهوا بشيء من أخلاقهم ولا شرائعهم.

(الشرح)

كما سبق المؤلف يبدي ويعيد ويبين أن هذه الآثار التي هي وصف بعض الأعمال بالنفاق أو بالكفر أو بالشرك أو بنفي الإيمان أو بالبراءة منه ، ليس معناها أنه يخرج من الملة، وأنه ينتهي إيمانه وأنه يكفر كفراً أكبر، وليس معناها أن راكبها يكون جاهلاً جهل الكفار ولا كافراً كالكافرين الخارجين من الملة، ولا منافقاً نفاقًا أكبر وهو مؤمن بالله وبما جاء من عنده، بل معناها: أنه يكون جاهلاً لمعصيته جهلاً أصغر، وكافراً كفراً أصغر، ومنافقاً نفاقاً أصغر؛ ولهذا قال المؤلف : (وليس معناها: أن راكبها يكون جاهلاً ولا كافراً ولا منافقاً وهو مؤمن بالله وما جاء من عنده ومؤد لفرائضه، ولكن معناها أنها تتبين من أفعال الكفار محرمة منهيَّاً عنها في الكتاب والسنة) يعني: أنها يكون صاحبها مرتكباً لكبيرة ومعصية، ويكون إيمانه ضعيفاً وناقصاً لكنه لا يخرج من الملة؛ ولهذا قال: (ليتحاماها المسلمون ويتجنبوها، فلا يتشبهوا بشيء من أخلاقهم ولا شرائعهم).

(المتن)

ولقد روي في بعض الحديث: إن السواد خضاب الكفار فهل يكون لأحد أن يقول: إنه يكفر من أجل الخضاب؟!

(الشرح)

وهذا الحديث ضعيف أخرجه الطبراني والحاكم، وقال الذهبي وغيره : حديث منكر, كما ذكر المحشي ، لكن على فرض صحته فليس معناه أن الخضاب بالسواد يكون كفراً، وإنما يكون معصية؛ ولهذا قال المؤلف: (فهل يكون لأحد أن يقول: إنه يكفر من أجل الخضاب) يكون معصية، ويكون صاحبه ضعيف الإيمان وناقص الإيمان , هذا لو صح .

(المتن)

وكذلك حديثه في المرأة: إذا استعطرت ثم مرت بقوم يوجد ريحها أنها زانية، فهل يكون هذا على الزنا الذي تجب فيه الحدود؟!

(الشرح)

هذا الحديث حديث صحيح ولفظه: أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية.

يقول المؤلف - رحمه الله - : هذا الحديث في المرأة إذا استعطرت ثم مرت بقوم يوجد ريحها أنها زانية) يقول: ليس المراد الزنا الذي يجب فيه الحد ويقام عليه الحد , وإنما معناه أنها عاصية , وأنها مرتكبة لكبيرة , وأن إيمانها ناقص ضعيف , وليس المراد أنها فعلت الزنا الذي يوجب الحد ويقام فيه الحد.

(المتن)

ومثله قوله: المُستبَّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان، أفَيُتَّهمُ عليه أنه أراد الشيطانين اللذين هم أولاد إبليس؟! إنما هذا كله على ما أعلمتك من الأفعال والأخلاق والسنن.

(الشرح)

يقول الحديث : المُستبَّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان، هذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان في صحيحه، يقول المؤلف : المعنى المستبان شيطانان, ليس المراد أنهما شيطانان من أولاد إبليس؛ لأن إبليس هو أبو الجن، ولهذا قال:

واسأل أبا الجنِّ اللعينِ أتَعْرِفُ الــ خَلَّاقَ أم أمسيتَ ذا نُكرانِ


    
, فهو أبو الجن، ومن لم يسلم من الجن يسمى شيطاناً لتمرده، ومن أسلم فلا يسمى شيطاناً.

 يقول المؤلف: فهل معنى هذا الحديث المستبان شيطانان المراد المُستبَّان من أولاد إبليس؟ لا .وإنما المراد أنهما يقول: (على ما أعلمتك من الأفعال والأخلاق والسنن) يعني: فعلا فعل الشياطين المراد أنه تمرد، والمتمرد من كل جنس يسمى: شيطاناً، والمعنى: أن فعلهما كونهما يتهاتران ويتكاذبان هذا معصية وكبيرة تضعف الإيمان وتنقص الإيمان ، ولا يخرج بهما صاحبهما من الملة , لا يقال إنه خرج من الإيمان لذلك، وأنه كافر كما أن الشيطان كافر سيكون كافراً، لا.  المراد: أن هذا العمل من كبائر الذنوب ويضعف به الإيمان وينقص به الإيمان ، ولا يخرج به الإنسان من الإيمان، بل يبقى معه أصل الإيمان واسم الإيمان ، ويدخل في خطاب المؤمنين وتشمله أحكام المؤمنين.

(المتن)

وكذلك كلما كان فيه ذكر كفر أو شرك لأهل القبلة فهو عندنا على هذا.

(الشرح)

نعم , كل ما جاء من النصوص فيه ذكر الكفر أو الشرك لأهل القبلة الموحدين فهو عندنا على هذا , يعني : يكون كفراً أصغر وشركاً أصغر ، مثل : من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ومثل ما أخبر به النبي ﷺ إن الرياء من الشرك. ومثل قوله ﷺ : اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت، ومثل قوله ﷺ: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، ومثل قوله ﷺ: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ومثل كفر النعمة: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل:112]، ومثل قوله ﷺ: من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما، وما أشبه ذلك، فهذه النصوص التي فيها تسمية بعض الذنوب كفراً أو شركاً وفاعلها موحد وهو من أهل القبلة فإن المراد: أنه فعل شركاً أصغر أو كفراً أصغر، وارتكب هذه الكبيرة العظيمة فيكون إيمانه ناقصاً وضعيفاً ولا يخرج به من الإسلام والإيمان، وتبقى أحكام الإسلام واسم الإيمان وجميع الأحكام ثابتة له إلا أنه ضعيف الإيمان وناقص الإيمان.

(المتن)

ولا يجب اسم الكفر والشرك الذي تزول به أحكام الإسلام ويلحق صاحبة بردة إلا كلمة الكفر.

(الشيخ)

بكلمة الكفر.

(المتن)

ولا يجب اسم الكفر والشرك الذي تزول به أحكام الإسلام ويلحق صاحبة بردة إلا بكلمة الكفر خاصة دون غيرها، وبذلك جاءت الآثار مفسرة.

(الشرح)

يقول المؤلف: إن هذه النصوص التي سبقت فيها أن من فعل كبيرة أو الكبائر التي سميت فيها بعض الكبائر شركاً أو كفراً إنما هي كبائر، وإن كان الشرك والكفر أكبر من الكبائر إلا أنها كبائر لا تخرج صاحبها من الملة، ولا يلحقه اسم الكفر الأكبر والشرك الذي تزول به أحكام الإسلام ويلحق صاحبها بردة إلا بكلمة الكفر خاصة دون غيرها، وكلام المؤلف - رحمه الله - فيه نظر، قوله: (ويلحق صاحبه بردة إلا بكلمة الكفر خاصة دون غيرها) هذا فيه نظر، والصواب: أن الردة هي تحصل بكلمة الكفر كما سبق، وبفعل الكفر: كما لو سجد للصنم أو داس المصحف بقدميه أو لطخه بالنجاسة، هذا يكفر بهذا الفعل - والعياذ بالله - ولو لم يتكلم, كذلك أيضاً يكون الكفر باعتقاد الكفر: كما لو اعتقد أن لله صاحبة أو ولداً, ويكون أيضاً بكلمة الكفر: كمن سب الله أو سب رسوله أو سب دينه أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله، ويكون بالإعراض: كما لو أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله  أعرض عن دين الله علماً وعملاً يكون كافراً .

فقول المؤلف : (لا يكون إلا بكلمة الكفر خاصة ), ليس بسليم بل يكون كافراً بكلمة الكفر وبفعل الكفر وباعتقاد الكفر وبالإعراض عن دين الله لا يعلمه ولا يتعلمه لهذا بهذه الأنواع كلها يخرج من الإسلام إلى دائرة الكفر _والعياذ بالله_ نسأل الله السلامة والعافية.

المتن

قال أبو عبيد : حدثنا أبو معاوية عن جعفر بن برقان عن ابن أبي نسبة ، عن أنس بن مالك  قال : قال رسول الله ﷺ: ثلاث من أصل الإسلام، الكفُّ عمن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ، ولا نخرجه من الإسلام بعمل ،والجهاد ماضٍ من يوم بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمة الدجال ،لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل ،والإيمان بالأقدار كلها.

الشرح

هذا الحديث ضعيف لأنه فيه نسب للمجهول ، وهو يزيد السلمي ،ولكن الحديث معناه صحيح ،وبعضه له شواهد، قوله : لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل ،هذا الصحيح ، هذا معتقد أهل السنة والجماعة ،أن من قال "لا إله إلا الله" وكان لا يقولها في كفره، فإنه يحكم بإسلامه ،ثم بعد ذلك يلتزم بأحكام الإسلام- فالحمد لله – وإن فعل ناقضاً من نواقض الإسلام عومل بذلك ،قال : الكف عمن قال "لا إله إلا الله " لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل ، هذا مذهب السنة والجماعة وقوله والجهاد ماضٍ من يوم بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمة الدجال ،لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل، هذا ثابت في الحديث ، وقوله والإيمان بالأقدار كلها هذا يحتاج إلى نظر، فالإيمان بالأقدار كلها لا يعلم أنه ثابت في حديث صحيح ويحتاج إلى مراجعة، المقصود أن معناه صحيح ، أنه يجب الإيمان بالأقدار هذا من أصل الإيمان ، (الإيمان بالقدر ، ركن من أركان الإيمان، لا يصح الإيمان إلا به ).

وكذلك الكف عمن قال: (لا إله إلا الله) لا يكفر بذنب، ولا يخرج من الإسلام بعمل، إلا إذا فعل ناقضاً من نواقض الإسلام وفعل شركاً في العبادة، وكذلك أيضاً الجهاد ماض إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، كل هذا صحيح.

والمؤلف رحمه الله بهذا الحديث يبين أن المسلم والمؤمن لا يخرج من الإيمان بذنب من الذنوب، ولا يخرج من الإسلام بعمل يعمله كما لو فعل كبيرة كالزنا أو السرقة أو شرب الخمر أو عقوق الوالدين أو قطيعة الرحم, ما دام أنه مسلم ومؤمن وموحد فلا يخرج من الإسلام بذنب ،ولا يكفر بمعصية من المعاصي إلا إذا فعل ناقضاً من نواقض الإسلام ،أو فعل شركاً في العبادة، كما لو دعا غير الله أو ذبح لغير الله أو نذر لغير الله أو طاف بغير بيت الله تقرباً لذلك الغير أو سجد للصنم أو اعتقد الكفر, أما إذا فعل معصية أو كبيرة فإنه يبقى عليه اسم الإسلام وحكم الإسلام، ولكن إيمانه يكون ناقصاً وضعيفاً.

هذا مقصود المؤلف -رحمه الله -من سياق هذا الحديث، والحديث ضعيف .

(المتن)

قال أبو عبيد: حدثنا عباد بن عباد عن الصلت بن دينار عن أبي عثمان النهدي قال: دخلت على ابن مسعود وهو في بيت مال الكوفة فسمعته يقول: لا يبلغ عبد كفراً ولا شركاً حتى يذبح لغير الله أو يصلي لغيره.

(الشرح)

وهذا الأثر عن ابن مسعود ضعيف؛ من أجل الصلت بن دينار فإنه ضعيف متروكٌ ضعيف جداً، لكن المؤلف - رحمه الله - يبين أن الإنسان المؤمن لا يخرج من الإيمان بالمعاصي إلا إذا فعل كفراً أو شركاً، وعلى فرض صحته فقوله: (لا يبلغ عبداً كفراً ولا شركاً حتى يذبح لغير الله أو يصلي لغير الله)؛ لأنه إذا ذبح لغير الله أشرك شركاً أكبر، وكذلك إذا صلى لغير الله، هذا مثال، وكذا جميع النواقض وجميع أنواع الشرك إذا فعلها خرج من الإسلام.

(لا يبلغ عبد كفراً ولا شركاً) يعني: بالمعاصي حتى يفعل الشرك الأكبر، ومثّل لذلك: بالذبح لغير الله أو الصلاة لغير الله.

(المتن)

قال أبو عبيد: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان قال: جاورت مع جابر بن عبد الله بمكة ستة أشهر فسأله رجل: هل كنتم تسمون أحداً من أهل القبلة كافراً؟ فقال: معاذ الله! قال: فهل تسمونه مشركاً؟ قال: لا.

(الشرح)

هذا الأثر عن جابر سنده صحيح، وفيه: أن جابراً بن عبد الله سأله رجل: هل كنتم تسمون أحداً من أهل القبلة كافراً؟ قال: معاذ الله، يعني: أهل القبلة الذين يستقبلون القبلة في الصلاة والذبح وغيرها ويلتزمون بأحكام الإسلام، هذا لا يسمى أحد منهم كافراً إلا إذا فعل ناقضاً من نواقض الإسلام أو شركاً في العبادة؛ ولهذا قال جابر: معاذ الله! قال: (فهل تسمونه مشركاً؟ قال: لا) لا يسمى مشركاً ولا يسمى كافراً بل هو مؤمن يبقى عليه اسم الإيمان وأحكام الإسلام والإيمان إلا إذا وجد ما ينقض ذلك من الشرك في العبادة أو ناقض من نواقض الإسلام.

(المتن)

باب ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر بلا خروج من الإيمان:

قال أبو عبيد: حديث النبي : لعن المؤمن كقتله، وكذلك قوله: حرمة ماله كحرمة دمه، ومنه قول عبد الله: شارب الخمر كعابد اللات والعزى , وما كان من هذا النوع مما يُشبَّهُ فيه الذنب بآخر أعظم منه، وقد كان في الناس من يحمل ذلك على التساوي بينهما, ولا وجه لهذا عندي؛ لأن الله قد جعل الذنوب بعضها أعظم من بعض فقال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31] في أشياء كثيرة من الكتاب والسنة يطول ذكرها، ولكن وجوهها عندي أن الله قد نهى عن هذه كلها، وإن كان بعضها عنده أجلَّ من بعض، يقول: من أتى شيئاً من هذه المعاصي فقد لحق بأهل المعاصي كما لحق بها الآخرون؛ لأن كل واحد منهم على قدر ذنبه قد لزمه اسم المعصية، وإن كان بعضهم أعظم جرماً من بعض.

(الشرح)

هذا الباب عقده المؤلف - رحمه الله - لبيان ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر وليس فيها بيان أنها شرك أو كفر، تلحق بالكبائر ولا يخرج صاحبها عن الإيمان, فهي مثل الذنوب التي سميت شركاً أو كفراً، فالتي سميت شركاً كالحلف بغير الله , والتي سميت كفراً كالطعن في النسب, لا تُخرج صاحبها عن الإيمان.

فكذلك الذنوب وكذلك الكبائر, وكذلك الذنوب التي تُلحق بالكبائر فإنها لا تخرج صاحبها عن الإيمان , وإنما يكون صاحبها مرتكباً لكبيرة فيكون ضعيف الإيمان وناقص الإيمان.

قال أبو عبيد : حديث النبي ﷺ: لعن المؤمن كقتله الحديث أخرجه مسلم - رحمه الله -  فيه أن النبي ﷺ شبَّه لعن المؤمن بالقتل، والقتل كبيرة وكذلك اللعن كبيرة، فيكون لعن المؤمن كبيرة، فإذا لعن الإنسان مؤمناً ضعُف إيمانه ونقص، كما أنه إذا قتله ضعف إيمانه ونقص.

ومثْلُه قوله: حرمة ماله كحرمة دمه، وهذا الحديث يقول المؤلف : أخرجه الدار قطني وأبو نعيم عن ابن مسعود وله شاهد في مسلم.

حرمة ماله كحرمة دمه كما أن دم المسلم حرام فكذلك ماله حرام، فإذا أخذ ماله بغير حق ارتكب كبيرة وضعف إيمانه ونقص.

ومثله قول عبد الله: شارب الخمر كعابد اللات والعزى، قول عبد الله بن مسعود، شبّه شارب الخمر بعابد اللات، شبّه الذنب بذنب آخر، وإن كان عابد الوثن مرتكباً للشرك الأكبر، فعل الشرك الأكبر، إلا أن المشبه أقل من المشبه به، فتشبيهه به يدل على أنه كبيرة من كبائر الذنوب، هذا على فرض صحة الحديث، وهو موقوف على عبد الله وليس مرفوعاً، والمحُشِّي يقول: إنه صحيح مرفوع إلى النبي ﷺ ولم أره موقوفاَ على عبد الله وهو ابن مسعود.

فالمقصود أن هذا فيه تشبيه, شبهه بالشرك، لكن المشبه أقل من المشبه به؛ ولهذا قال المؤلف: (وما كان من هذا النوع مما يشبه به الذنب بآخر أعظم منه، وقد كان في الناس من يحمل ذلك على التساوي بينهما، ولا وجه لهذا عندي) يقول :بعض الناس يسوي بين المشبه والمشبه به فيقول: لعن لمؤمن كقتله في الجريمة، يقول : هذا ليس بالصحيح، فالقتل أشد من اللعن، كذلك حرمة ماله كحرمة دمه فحرمة الدم أعظم من حرمة المال.

 (شارب الخمر كعابد الوثن) , لا شك أن شارب الخمر ليس كعابد الوثن، فمن يحمل ذلك على التساوي ويجعل المشبه كالمشبه به هذا ليس بجيِّد ؛ ولهذا قال المؤلف: (ولا وجه لذلك عندي), لماذا؟ قال : ( لأن الله قد جعل الذنوب بعضها أعظم من بعض) يعني: أن الله تعالى قسم الذنوب إلى كبائر وصغائر، والكبائر بعضها أكبر من بعض، وكل كبيرة فهي صغيرة بالنسبة إلى ما فوقها وكبيرة بالنسبة إلى ما دونها.

واستدل بقول الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ يعني : الصغائر, وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31] في أشياء كثيرة من الكتاب والسنة يطول ذكرها) يقول : هذه أمثلة وإلا فالأدلة كثيرة، (ولكن وجوهها عندي) يعني: معنى هذه النصوص وتفسيرها (أن الله قد نهى عن هذه كلها، وإن كان بعضها عنده أجلَّ من بعض) فالله تعالى نهى عن الكبائر وإن كان بعضها أكبر من بعض، فنهى عن لعن المؤمن ونهى عن قتله وحرم ماله وحرم دمه، وإن كان بعضها أكبر من بعض، فالقتل أعظم من اللعن، وحرمة الدم أعظم من حرمة المال، لكن يجمعها شيء واحد وهو أن الله نهى عنها كلها وإن كان بعضها عنده أجل من بعض عند الله.

يقول: (من أتى شيئاً من هذه المعاصي فقد لحق بأهل المعاصي كما لحق بها الآخرون؛ لأن كل واحد منهم على قدر ذنبه قد لزمه اسم المعصية، وإن كان بعضهم أعظم جرماً من بعض) المعنى أن الذنوب التي تُلحَق بالكبائر أو تُلحَق بما هو أكبر منها كلها معاص تنقص الإيمان وتضعف الإيمان كالكبائر لا تخرج صاحبها من الملة.

(المتن)

وفسر ذلك كله الحديث المرفوع حين قال: عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ثم قرأ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30])، فقد تبين لنا الشرك والزور، وإنما تساويا في النهي، نهى الله عنهما معاً في مكان واحد فهما في النهي متساويان، وفي الأوزار والمأثم متفاوتان.

(الشرح)

المؤلف يفسر هذا أن الذنب قد يلحق بالذنب وإن لم يبلغ مرتبته , الحديث المرفوع : عدلت شهادة الزور الإشراك بالله هذا إذا صح الحديث، وأظن الحديث ضعيفاً، لكن على فرض صحته، ثم قرأ قول الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، فقرن قول الزور بالأوثان، ومعلوم أن قول الزور أقل من عبادة الأوثان، فهذا أُلحق بهذا؛ لأن هذا كبيرة وهذا كبيرة, هذا كبيرة الرجس من الأوثان هذا كبيرة تصل إلى الشرك , وهذا كبيرة لا تصل الشرك.

فإلحاق الذنب بما هو أكبر منه يجعله كبيرة ولا يخرج صاحبه من الإيمان, فلا يخرج بقول الزور وشهادة الزور من الإيمان؛ ولهذا قال المؤلف: (فقد تبين لنا الشرك والزور، وإنما تساويا في النهي، نهى الله عنهما معاً في مكان واحد) في الآية: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30] (فهما في النهي متساويان) أي : نهى الله عنهما في مكان واحد (وفي الأوزار والمأثم متفاوتان) فهذا شرك أكبر يخرج من الملة وهذا معصية.

(المتن)

ومن هنا وجدنا الجرائم كلها، ألا ترى السارق يقطع في ربع دينار فصاعداً، وإن كان دون ذلك لم يلزمه قطع؟ فقد يجوز في الكلام أن يقال: هذا سارق كهذا، فيجمعهما في الاسم وفي ركوبهما المعصية، ويفترقان بالعقوبة على قدر الزيادة في الذنب.

(الشرح)

يعني يقول : هنا نجد الجرائم والمعاصي كلها كذا , قال : بينها تفاوت، فقد يكون مسماها واحداً والذين يفعلونها متفاوتون فيها، ولهذا مثَّل قال: (ألا ترى السارق يقطع في ربع دينار فصاعداً وإن كان دون ذلك لم يلزمه قطع)، ربع الدينار ثلاثة دراهم، فإذا سرق ما يبلغ ربع دينار قطعت يده، إذا سرق ثلاثة دراهم قطعت يده , وإذا سرق ألفاً تقطع يده، وإذا سرق ألفين تقطع يده، وإذا سرق أقل من ربع دينار لا تقطع يده ، وكل يسمى سارقاً الذي يسرق ديناراً سارق، والذي يسرق ثلاثة دنانير سارق، والذي يسرق ألفاً سارق والذي يسرق مليوناُ سارق, كلهم اسم كل منهم السارق، لكنهم متفاوتون في الجريمة والمعصية؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله -: (ألا ترى السارق يقطع في ربع دينار فصاعداً، وإن كان دون ذلك لم يلزمه القطع) فقد يجوز في الكلام أن يقال: هذا سارق كهذا , فالذي سرق ديناراً سارق، والذي سرق ألفاً سارق , فيجمعهما في الاسم سواء، كل منهما يسمى سارقاً ويجمعهما في المعصية , فكل منهما عاص، ويفترقان في العقوبة على قدر الزيادة في الذنب، فالذي يسرق الملايين ذنبه أعظم من الذي يسرق ديناراً واحداً، وإن كان كل منهما يسمى سارقاً، دل ذلك على أن الذنوب تتفاوت والمعاصي تتفاوت والكبائر تتفاوت، وهي كلها تُضعِف الإيمان.

(المتن)

وكذلك البكر والثيب يزنيان، فيقال: هما لله عاصيان معاً، وأحدهما أعظم ذنباً وأجل عقوبة من الآخر.

(الشرح)

فالبكر والثيب يزنيان وكل منهما زان و وكل منهما عاص عند الله، وكل منهما مرتكب لكبيرة، لكن الثيب أعظم ذنباً وأعظم عقوبة، فالثيب يرجم بالحجارة حتى يموت، والبكر يجلد مائة جلدة ويغرب عاماً، قال الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، وفي الحديث الصحيح قال النبي ﷺ: خذوا عني، خذوا عني, قد جعل الله لهما سبيلاً, البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم أو كما جاء في الحديث.

فالثيب يُرجَم والبكر يُجلَد، فهما يشْكُلُهما اسمٌ واحد وهو الزنا، ولكن العقوبة متفاوتة، وكل منهما ضعيف الإيمان، وكذلك المؤمنون يتفاوتون في إيمانهم, فالذي يرتكب الكبيرة العظيمة يضعف إيمانه، والذي يرتكب أقل منها يضعف ، فيكون الذي يرتكب الكبيرة العظيمة إيمانه أضعف، ناقص أكثر ، ينقص أكثر , فالزاني الثيب أضعف إيماناً من الزاني البكر، يكون إيمانه أشد ضعفاً.

(المتن)

وكذلك قوله: لعن المؤمن كقتله إنما اشتركا في المعصية حين ركباها، ثم يلزم كل واحد منهما من العقوبة في الدنيا بقدر ذنبه.

(الشرح)

حديث لعن المؤمن كقتله, فالذي يلعن مؤمناً والذي يقتل مؤمناً كل منهما يسمى عاصياً، فاللاعن عاص والقاتل عاص , لكن هل العقوبة واحدة والذنب واحد؟ لا، القاتل يقتل عمداً عدواناً، واللاعن ما يقتل ولكن يقتص منه، وكذلك في الإيمان يتفاوتان، فقاتل المؤمن ذنبه عظيم وإيمانه ناقص، يعني : إيمان القاتل أضعف من إيمان اللاعن.

(المتن)

ومثل ذلك قوله: حرمة ماله كحرمة دمه وعلى هذا وما أشبهه أيضاً.

(الشرح)

لا شك أن من أخذ مال المسلم بغير حق مرتكب للكبيرة، ومن قتله بغير حق مرتكب للكبيرة، لكن أيهما أعظم ؟ من سفك الدم بغير حق , هذا أعظم ذنباً وإيمانه أشد ضعفاً ممن أخذ المال، وكل منهما يسمى عاصياً مرتكباً لكبيرة، وكل منهما ناقص الإيمان.

والمؤلف - رحمه الله - يبين أن الناس يتفاوتون في الإيمان, ليسوا على حد سواء، خلاف المرجئة الذين يقولون: الإيمان واحد، وإيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد، وإيمان أفجر الناس وأتقى الناس واحد.

فالذي يزهق النفوس ويأخذ الأموال ويشرب الخمور هذا إيمانه مثل إيمان أتقى الناس وأعبد الناس، هل هذا صحيح ؟هذا من أبطل الباطل.

فالمؤلف  - رحمه الله - بيَّن أن الناس يتفاوتون في الإيمان على حسب تفاوتهم في التقوى والإيمان والطاعة والعمل الصالح، وكذلك يتفاوتون في ضعف الإيمان على حسب الجرائم التي ارتكبوها والكبائر ، فالقاتل إيمانه أشد ضعفاً ممن لعن المؤمن أو سبه.

(المتن)

قال أبو عبيد: كتبنا هذا الكتاب على مبلغ علمنا وما انتهى إلينا من الكتاب وآثار النبي والعلماء بعده، وما عليه لغات العرب ومذاهبها، وعلى الله التوكل وهو المستعان.

(الشرح)

(قال أبو عبيد) هو المؤلف - رحمه الله - القاسم بن سلام , : (كتبنا هذا الكتاب) وهو الإيمان, (على مبلغ علمنا) هذا من ورعه وتواضعه هذا تواضع العلماء.
يقول : كتبت هذا الكتاب على مبلغ علمي وما انتهى إليَّ من النصوص من كتاب الله وسُنَّةِ رسوله ﷺ وأقوال أهل العلم.
 يقول: أنا كتبت هذا الكتاب وألفت هذا التأليف ووضعت ما فيه ما وصل إليه علمي, والعلم إنما يؤخذ من أي شيء ؟ من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وما دلت عليه اللغة العربية وما أقره أهل العلم، وهكذا ينبغي للإنسان ألَّا يتكلم إلَّا بالعلم ,يقول : أنا ما تكلمت إلا بعلم , هذا الذي انتهى إليه علمي , ولا يجوز لنا أن نتكلَّم في شرع الله ودينه إلا عن علم وبصيرة.
ولهذا قال أبو عبيد: (كتبنا هذا الكتاب على مبلغ علمنا) على حسب العلم الذي وصلني ,(وما انتهى إلينا من الكتاب) الكتاب العزيز ,(وآثار النبي ﷺ) السنة النبوية ,( والعلماء بعده ) ما قرره أهل العلم في كثير من النصوص ، ( وما عليه لغات العرب ومذاهبها) إذاً : المؤلف - رحمه الله - استدل بأيِّ شيء في هذا الكتاب ؟ بالكتاب والسنة وأقوال أهل العلم ولغات العرب ,(وعلى الله التوكل) وعليه الاعتماد وتفويض الأمر ,(وهو المستعان) وهو المعين .

 (المتن)

قال أبو عبيد: ذكْرُ الأصناف الخمسة الذين تركنا صفاتهم في صدر كتابنا هذا من تكلم به في الإيمان هم الجهمية والمعتزلة والإباضية والصفرية والفضلية.

(الشرح)

ذكر أبو عبيد - رحمه الله - في أول هذا الكتاب الأصناف الخمسة وقد أشار إليهم وترك صفاتهم في الكتاب، وأراد الآن أن يذكر مذاهبهم في الإيمان وهم خمس طوائف:
الطائفة الأولى : الجهمية، والطائفة الثانية: المعتزلة، والطائفة الثالثة: الإباضية، والإباضية هم الخوارج، والصفرية كذلك من الخوارج، والفضلية من الخوارج، والمؤلف - رحمه الله - يريد أن يذكر مذهب هؤلاء الطوائف الخمس في الإيمان, ما هو مذهبهم في الإيمان ؟ مذهب الجهمية في الإيمان , ومذهب المعتزلة:

أما مذهب الجهمية : فهم الذين ينكرون أسماء الله وصفاته، وزعيمهم الجهم بن صفوان، يقولون: ليس لله اسم ولا صفة والعياذ بالله، ويقولون: إن الأسماء والصفات الواردة في النصوص : وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أن هذه إلا صفات خلْق، أضيفت إليه إضافة تشريف، كما أضيفت الناقة والعبد والرسول إلى الله، وهذا يوجب العدم - والعياذ بالله - الذي يقول: إن الله ليس له اسم ولا صفة , أيش معناه؟ شيء ليس له اسم ولا صفة , يقول : ما يوصف بأي وصف ولا يسمى بأي اسم، ما في شيء الوجود إلا له اسم وصفة، فالماسة هذه لها اسم لها طول , لها عرض , ولها عمق , وهي موجودة في الأرض, فإذا قلت هناك مثلاً: كرسي ليس له طول ولا عرض، ولا عمق وليس في السماء ولا في الأرض ولا داخل العالم ولا خارجه ولا مباين له ولا محايد له ولا متصل به ولا متصف به، ويش يكون ؟ هذا العدم، بل امتناع , فالجهمية هكذا يصفون ربهم , يعبدون معدوماً، فالجهمية يقولون: إن الله ليس له سمع ولا بصر ولا علم ولا قدرة، ولا كذا , وليس في العلو ولا فوق السموات ولا تحتها ولا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مباين له ولا محايد له ولا متصل به ولا منفصل عنه، ويش يكون ؟ ممتنعاً , أعظم من العدم , مستحيلاً , -أعوذ بالله-.

ولهذا كفّر العلماءُ الجهمية - كما ذكر ابن القيم - كفرها خمسمائة عالم؛ ولهذا قال:

 

ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام حكاه عنـهم بل حكاه قبله الطبراني

 

فالجهمية كفار -والعياذ بالله-؛ لأنهم ما أثبتوا الوجود لله - أعوذ بالله -، فالطائفة الأولى من الجهمية يقولون: إن الله يختلط بالمخلوقات ممتزج بها -نعوذ بالله-، وهذا كفر وردة، والطائفة المتأخرون منهم : ينفون النقيضين لا داخل العالم ولا خارجه.

أما المعتزلة : فهم يثبتون الأسماء لله، لكن ينكرون الصفات، فيقولون: الله سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، عليم بلا علم، حكيم بلا حكمة، ما معنى هذا ؟!

سمعٌ بلا معنى ؟! ولهذا كفرهم أكثر أهل العلم، ومن العلماء من بدّعهم. والإباضية طائفة من الخوارج، والصفرية والفضلية، كل هؤلاء الطوائف الخمس,
المؤلف - رحمه الله - استدرك وقال: ذكرت هذه الأصناف الخمسة في صدر هذه الرسالة وتركت وصفهم، والآن أريد أن أتكلم عن كل واحدة من هذه الطوائف الخمس وأبيِّن لك مذهبها في الإيمان.

(المتن)

فقالت الجهمية.

(الشرح)

هذا مذهب الجمهية , هذه الطائفة الأولى , مذهب الجمهية في الإيمان , وعرفنا الجهمية : هم أتباع الجهم بن صفوان وهم ينكرون الأسماء والصفات نعوذ بالله، وسبق أن المؤلف عقد لهم باباً قال : إن مذهبهم أن الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ولو فعل جميع المنكرات وجميع أنواع الردة، نعوذ بالله.

(المتن)

فقالت الجهمية: الإيمان معرفة الله بالقلب، وإن لم يكن معها شهادة لسان ولا إقرار بنبوة ولا شيء من أداء الفرائض.

(الشرح)

هذا مذهب الجهمية, إذاً ما هو مذهب الجهمية في الإيمان؟ معرفة الله بقلب, قالوا: من عرف ربه بقلبه فهو مؤمن ولو لم ينطق بلسانه ولو لم يقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ولو لم يعمل شيئاً لا صلاة ولا زكاة ولا صوماً ولا حجاً، يكفي المعرفة , ولو لم يقر بنبوة النبي ﷺ ولو لم يفهم شيئاً من القرآن، لا صلاة ولا زكاة , وهذا من أخبث المذاهب، وأفسد مذهب قيل في تعريف الإيمان مذهب الجهمية ، وسبق أن المؤلف - رحمه الله - ألزم الجهمية بأن إبليس يكون مؤمناً على هذا؛ إبليس يعرف ربه بقلبه أو ما يعرف ؟ يعرف , أيش الدليل ؟ : قَالَ ربِّ إذاً يعرف ربه قَالَ ربِّ فأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر:36], إذاً إبليس يكون مؤمناً على مذهب الجهمية أو غير مؤمن ؟ مؤمناً .

وفرعون الذي قال للناس: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] يعرف ربه بقوله أو ما يعرف ؟ يعرف . قال الله : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14] فيكون مؤمناً على مذهب الجهمية أو كافراً ؟ مؤمناً. واليهود مؤمنون على مذهب الجهمية أو كفار ؟ مؤمنون , والدليل قال الله : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ المعرفة بالقلب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وأنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146].

أبو طالب ثبت في صحيح البخاري أنه مات على الشرك , يكون مؤمناً على مذهب الجهم  أو غير مؤمن ؟ مؤمناً .الدليل قول أبي طالب في قصيدته:

ولقد علمت بأنَّ دينَ مُحمَّدٍ من خـــــير أديانِ البريَّةِ ديناً
لولا المــلامةُ أو حــــذار مسبَّــــة لوجدتني سمحاً بذاك مُبيناً


فتبين بهذا أن مذهب الجهمية في الإيمان أفسد مذهب وأخبث مذهب، وأن رُؤُوس الكفر يدخلون في الإيمان على مذهبهم -أعوذ بالله- يدخلون في الإيمان  إبليس وفرعون واليهود والوثنيين وأبو طالب كلهم يكونون مؤمنين على مذهب الجهم , نعوذ بالله .

(المتن)

احتجوا في ذلك بإيمان الملائكة فقالوا: قد كانوا مؤمنين قبل أن يخلق الله الرسل.

(الشرح)

هذه حُجَّتهم , حجتهم داحضة حيث قالوا: إن الملائكة مؤمنون قبل أن يخلق الله الرسل، فدل على أنه لا حاجة إلى الرسل وأنه يكفي المعرفة بالقلب، لكن هذا مذهب باطل.

(المتن)

وقالت المعتزلة.

(الشرح)

انتقل إلى الطائفة الثانية , يُبين مذهب المعتزلة في الإيمان , وهم أتباع عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، المعتزلة ؛ اعتزلوا مجلس الحسن البصري وصاروا يقررون مذاهبهم الباطلة في القول بأن مرتكب الكبيرة خارجٌ من الإيمان؛ فسُمُّوا معتزلة.

(المتن)

الإيمان بالقلب واللسان مع اجتناب الكبائر، فمن قارف شيئاً كبيراً زال عنه الإيمان، ولم يلحق بالكفر فسمي فاسقاً : ليس بمؤمن ولا كافر، إلا أن أحكام الإيمان جارية عليه.

(الشرح)

هذا مذهب المعتزلة في الإيمان , مذهبهم ما هو ؟ الإيمان : تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح مع اجتناب الكبائر ، مثل قول أهل السنة ، لكن يأتي الخلاف بينهم وبين أهل السنة ،أو تعريف الإيمان ماشٍ تمشى مع مذهب أهل السنة ، عند مذهب المعتزلة الإيمان ما هو : تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، واجتناب الكبائر كلها ، لا بد أن يؤدي هذه الفرائض وينتهي عن الكبائر، ولا يكون مؤمناً إلا إذا صدَّق بقلبه وأقرَّ بلسانه وأدَّى الفرائض واجتنب الكبائر، هذا مذهبهم, لكن يأتي الخلاف بينهم وبين أهل السنة , ما هو ؟ أنّ من قارف شيئاً كبيراً زال عنه الإيمان, إذا فعل كبيرة واحدة انتهى الإيمان ، فإذا زنا خرج من الإيمان, وإذا سرق خرج من الإيمان، وإذا غش خرج من الإيمان, وإذا عق والديه خرج من الإيمان، لكن هل يكون كافراً ؟ لا بل خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، ويش يكون ؟ يقولون : نسميه في منزلة بين المنزلتين: فاسقاً ، ليس بمؤمن ولا كافر، إلا أن أحكام الإيمان جارية عليه، والخوارج كذلك مثلهم، مع خلاف في أحكام الدنيا، وفي الآخرة ماذا يحكمون عليه؟ يحكمون عليه بأنه مخلد في النار، فالذي يفعل كبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر وصار في منزلة بين المنزلتين ويسمى فاسقاً, لا مؤمناً ولا كافراً , وهو في الآخرة مخلد في النار.

أما الخوارج فكذلك , الإيمان عندهم ما هو؟ تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح وأداء للفرائض وانتهاء عن المحارم، لا يكون مؤمناً إلا إذا صدق بقلبه وأقر بلسانه وأدى الفرائض واجتنب الكبائر، لكن يأتي الفرق بينهم وبين أهل السنة ما هو ؟ إذا فعل كبيرة عند الخوارج خرج من الإيمان ودخل في الكفر، هذا الفرق بينهم وبين أهل السنة وبينهم وبين المعتزلة, المعتزلة يقولون : خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر , ويش يكون ؟ في منزلة بين المنزلتين , تُجرى عليه في الدنيا أحكام الإسلام أم أحكام الكفرة ؟ عند المعتزلة تُجرى عليه أحكام المؤمنين , وعند الخوارج تُجرى عليه أحكام الكَفَرَة , فيستحلون دمه وماله, فإذا فعل كبيرة خرج من الإيمان ودخل في الكفر واستحق القتل , حل دمه وماله كالكفار , وفي الآخرة هو مخلد في النار، واضحٌ هذا ؟  فيكون الخوارج والمعتزلة يتفقون في تعريف الإيمان ويتفقون على أن صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان ويخلد في النار في الآخرة , لكن في أحكام الدنيا: المعتزلة قالوا: خرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر وتجرى عليه أحكام الإسلام, والخوارج قالوا: خرج من الإيمان ودخل في الكفر وتجرى عليه أحكام الكفرة فيقتل ويحل دمه وماله.

(المتن)

وقالت الإباضية: الإيمان جماع الطاعات، فمن ترك شيئاً كان كافر نعمة، وليس بكافر شرك، واحتجوا بالآية التي في إبراهيم بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا [إبراهيم:28].

(الشرح)

الإباضية طائفة من الخوارج, والخوارج ذكر الذين كتبوا في الفرق : كالملل والنحل للشهرستاني، والفصل لـ ابن حزم , والفرق للفضل البغدادي, ذكروا أن الخوارج طوائف ما يقارب اثنين وعشرين فرقة، وكذلك الشيعة طوائف ما يقارب اثنين وعشرين فرقة أو أربعة وعشرين فرقة، منهم الإباضية , فالإباضية طائفة من طوائف الخوارج، وهذه الطوائف يتفقون في أشياء ويختلفون في أشياء.
فالمؤلف يُبيِّن مذهب الإباضية , وهم طائفة من الخوارج في الإيمان , فما هو الإيمان عندهم ؟

(وقالت الإباضية: الإيمان جماع الطاعات) جميع الطاعات , يعني: لابد أن يصدق بقلبه ولابد أن يقر بلسانه ولابد أن يؤدي الواجبات والفرائض وينتهي عن المحرمات، لكن من ترك شيئاً منها من الطاعات يكون كافراً كفر نعمة لا كافر شرك , وهذا يدل على أن الخوارج يتفاوتون، فليس كلهم مكفراً بالمعاصي، هؤلاء ما كفَّرُوا , قالوا: إذا ترك شيئاً صار كافراً كفر نعمة لا كافراً كفر شرك، دليلهم الآية التي في إبراهيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا [إبراهيم:28] هذا بدل نعمة الله وهي الطاعة بدلها حيث تركها فصار كافراً كفر نعمة، والمعروف عن الخوارج أنهم يقولون: إذا ترك الطاعة أو فعل المعصية كفر كفراً أكبر يخرج من الملة ويحل دمه وماله , ويخلد في النار , لكن الإباضية يقول المؤلف : إن هذا مذهبهم , يقول : الإيمان جماع الطاعات كلها , وإذا ترك شيئاً صار كافراً كفر نعمة لا كافراً كفر شرك , استدلالاً بالآية.

(المتن)

وقالت الصفرية مثل ذلك في الإيمان أنه جميع الطاعات، غير أنهم قالوا في المعاصي صغارها وكبارها: كفر وشرك ما فيه إلا المغفور منها خاصة.

(الشرح)

هذا مذهب الصفرية , والصفرية طائفة من طوائف الخوارج، كما سبق أن الخوارج طوائف متعددة,أكثر من عشرين فرقة فالإباضية عرفنا مذهبهم , والصفرية قالوا مثل ذلك :قالوا مثلما قالت الإباضية : الإيمان جميع الطاعات كلها إيمان، تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح وأداء الفرائض وانتهاء عن المحارم، لكن يقولون في المعاصي: إن المعاصي صغارها وكبارها كفر وشرك، كل معصية يسمونها كفراً وشركاً.

(ما فيه إلا المغفور منها خاصة) يعني : ما يستثنى منها إلا المغفور خاصة , فالمغفور منها هذا يستثنى، وما لم يغفر فهو كفر وشرك سواء كان معصية كبيرة أو صغيرة، فكل ذنب كبير أو صغير فهو شرك إلا المغفور ما غفره الله، المغفور منها ،الذي يغفره الله يستثنى، والذي لا يغفره الله يكون كفراً وشركاً حتى اللطمة وحتى السب وحتى اللطمة الخفيفة ،وما أشبه ذلك يسمى كفراً وشركاً.
فهم يختلفون عن الإباضية , فالإباضية يقولون : إذا ترك شيئاً كان كافراً كفر نعمة, وهؤلاء يقولون : جميع المعاصي صغيرة أو كبيرة كفر وشرك ولا يستثنى إلا المغفور منها خاصة.

(المتن)

وقالت الفضلية مثل ذلك في الإيمان أنه أيضاً جميع الطاعات إلا أنهم جعلوا المعاصي كلها ما غفر منها وما لم يغفر كفراً وشركاً، قالوا: لأن الله جل ثناؤه لو عذبهم عليها كان غير ظالم لقوله: لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى ۝ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:15 - 16].

(الشرح)

هذا مذهب الطائفة الثالثة من الخوارج وهي الفُضلية، فتكون هذه الثلاث كلها من الخوارج : الإباضية والصِّفرية والفُضلية , مذهبهم أيضاً في الإيمان : جميع الطاعات, فتكون الطوائف الثلاث كلها اتفقت , الإباضية والصِّفرية والفُضلية كلهم يقولون : الإيمان جميع الطاعات .

فالفضلية يقولون: الإيمان جميع الطاعات، لكن يقولون: المعاصي كلها المغفور منها وما لم يغفر , كل هذا يسمى كفراً وشركاً، فهم يسمون المعاصي كفراً حتى المغفور منها، كل معصية ولو كانت سرقة أو مثلاً شرب خمر أو سب كلها شرك وكفر عندهم، وحتى ولو كان مغفوراً ,فهم يقولون : الإيمان جميع الطاعات كلها إلا أن المعاصي كلها تسمى كفراً وشركاً، حتى المغفور منها يسمى كفراً وشركاً, دليلهم قالوا: لأن الله جل ثناؤه لو عذبهم عليها كان غير ظالم واستدلوا بقوله تعالى : لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى ۝ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:15 - 16].

 (المتن)

وهذه الأصناف الثلاثة من فرق الخوارج معاً إلا أنهم اختلفوا في الإيمان.

(الشرح)

هذه الأصناف الثلاثة , ما هي ؟ الإباضية والصفرية والفضلية كلها من فرق الخوارج، وهي تزيد على عشرين فرقة، اتفقوا على أن الإيمان جميع الطاعات، لكن اختلفوا فيمن فعل المعاصي بعد ذلك، فالإباضية يقولون: يكون كافراً كفر نعمة، والصفرية يقولون: المعاصي كلها كبارها وصغارها كفر وشرك ولا يستثنى إلا المغفور، والفضلية يقولون: حتى المغفور يسمى شركاً وكفراً.

(المتن)

وقد وافقت الشيعة فرقتين منهم، فوافقت الرافضة المعتزلة، ووافقت الزيدية الإباضية.

(الشرح)

الشيعة طوائف كثيرة، واسم الشيعة عام لكل من يتشيع لـ علي وأهل البيت، يسمى شيعة , لكن طبقات أكثر من عشرين فرقة مثل الخوارج، منهم الزيدية ومنهم الرافضة ومنهم المفضلة، ومنهم المخطئة الذين خطئوا جبريل وقالوا: إن جبريل أخطأ في الرسالة, أرسله الله إلى علي فأخطأ وأتى بها إلى محمد، هؤلاء كفار بإجماع المسلمين.
وكذلك أيضاً النصيرية الذين يقولون : إن الله حل في علي , هم أعلى طوائف الشيعة، يقولون : إن الله حل في علي ،ويقولون: عليٌّ هو الإله، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين، ثم يليهم المخطئة الذين خطَّؤُوا جبريل، قالوا: جبريل أرسله الله إلى علي لكن جبريل خان ووصلها إلى محمد، ويقولون عبارة مشهورة: خان الأمين وصدها عن حيدرة،  (خان الأمين) وهو جبريل (وصدها) يعني: الرسالة (عن حيدرة) علي , حيدرة: لقب علي ،"خان الأمين وصدها" هذا كفر وردة.

ثم الرافضة أيضاً طائفة ، والزيدية طوائف ، هم طوائف كثيرة متعددة ، ثم الرافضة أيضاً طائفة:  الذين يكفرون الصحابة ويسبونهم ويعبدون آل البيت ويقولون: إن القرآن طار ثلثاه ولم يبق إلا الثلث.

وهذه أعمال كفرية, نسأل الله العافية .

ومنهم الزيدية , هكذا هم الزيدية , الزيدية الذين يفضلون علياً على عثمان  مبتدعة.

إذاً: الشيعة طبقات منهم الكافر ومنهم المؤمن على حسب الاعتقاد، والخوارج طبقات.

يقول المؤلف - رحمه الله - : (وقد وافقت الشيعة فرقتين منهم) ،وافقت الشيعة فرقتين من فرق الخوارج ,هذا في الإجمال , ثم فصّل , قال : (فوافقت الرافضة المعتزلة ووافقت الزيدية الإباضية).

إذاً : الشيعة وافقوا فرقتين من فرق الخوارج، فوافقت الرافضة المعتزلة , ما هو مذهب المعتزلة في الإيمان؟ إذا نظرت إلى فوق تجد المعتزلة قالوا: الإيمان بالقلب واللسان مع اجتناب الكبائر، ومن قارف شيئاً كبيراً زال عنه اسم الإيمان ولم يلحق بالكفر فيسمى فاسقاً لا مؤمناً ولا كافراً، فالرافضة وافقوهم ,فمذهب الرافضة في الإيمان مثل مذهب المعتزلة، ووافقت الزيدية الإباضية، الزيدية طائفة من الشيعة وافقت الإباضية , والإباضية ما هو مذهبهم؟ قالوا: الإيمان جماع الطاعات ومن ترك شيئاً كان كافراً كفر نعمة لا كفر شرك.
فالزيدية وافقوا الإباضية في الإيمان , والرافضة وافقوا المعتزلة في الإيمان.
س / الطالب: (1:22:46)
هذا يختلف , من ترك شيئاً من الإيمان , إن فعل ناقضاً من نواقض الإسلام أو شركاً في العبادة يكون كفراً , وإن فعل كبيرة يسمى كبيرة.

(المتن)

وكل هذه الأصناف يكسر قولهم ما وصفنا به باب الخروج من الإيمان بالذنوب.

(الشرح)

(كل هذه الأصناف يكسر قولهم) يعني: يرد قولهم ومذهبهم الباطل.

(ما وصفنا به باب الخروج من الإيمان بالذنوب) يقول: نرد على هذه الطوائف التي -سبق ذكرها - في قولهم إنه يخرج من الإيمان بالمعصية النصوص التي ذكرناها في الباب السابق أن المؤمن لا يخرج من الإيمان بالمعاصي كما سبق إذا فعل المؤمن شركاً أصغر أو كفراً أصغر أو فعل الزنا أو السرقة, يُنفى عنه الإيمان ولا يخرج من الإسلام.

فهذه النصوص التي سبقت يقول : نرد بها على هذه الأصناف من أصناف الخوارج والمعتزلة، كلهم يُرد مذهبهم ويُبطل مذهبهم بماذا ؟ بالنصوص التي فيها أن المعاصي لا تُخرج صاحبها من الإيمان, ولا تنفي عنه اسم الإيمان، وإنما ينفى عنه كمال الإيمان، فيكون ضعيف الإيمان.

(المتن)

إلا الجهمية فإن الكاسر لقولهم قول أهل الملة وتكذيب القرآن إياهم حين قال: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146].

(الشرح)


يعني يقول : إلا الجهمية فإن مذهبهم أشد , الأصناف التي سبقت :المعتزلة والإباضية والصفرية والفضلية ، كلهم مذهبهم تبطله النصوص التي سبقت؛ لأن المعاصي لا تُخرج صاحبها عن الإيمان , إلا الجهمية فإن مذهبهم يبطله جميع أهل الملة , جميع المسلمين يردون مذهبهم ويبطلونه، والقرآن يكذب مذهبهم ويبطله؛ لخبثه وفساده؛ لأن الجهمية قالوا: الإيمان معرفة الله بالقلب فقط، فهذا مذهبهم خبيث ومذهبهم فاسد، وكل المسلمين يردونه ويبطلونه بعد تكذيب الله له، فالقرآن يبطل مذهبهم، والسنة تبطل مذهبهم، وعموم المسلمين كلهم يشنعون عليهم ويبطلون مذهبهم.

(المتن)

إلا الجهمية فإن الكاسر لقولهم قول أهل الملة وتكذيب القرآن إياهم حين قال: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146].

هذه الآية بين الله فيها أن أهل الكتاب يعرفون الرسول كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك هم كفار بإجماع المسلمين، اليهود والنصارى كفار بإجماع المسلمين ، ،ومع ذلك يعرفون ربهم بقلوبهم ويعرفون صدق محمد - عليه الصلاة والسلام - ومع ذلك فهم كفار، وهذا يبطل مذهب الجهمية الذين يقولون: الإيمان معرفة الرب بالقلب.

(المتن)

وقوله: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14].

(الشرح)

كذلك أخبر الله عن فرعون وقومه الذي ادعى الربوبية أنه يعرف ربه بقلبه مستيقن في الباطن، قال الله: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، ومع ذلك ففرعون رأس في الكفر والضلال وهو يعرف ربه مستيقن بقلبه، وهذا كله يبطل مذهب الجهمية الذين يقولون: الإيمان معرفة الرب بالقلب.

(المتن)

فأخبر الله عنهم بالكفر إذ أنكروا بالألسنة.

(الشرح)

(أخبر الله عنهم) يعني : عن أهل الكتاب أنهم كفروا، وكذلك فرعون وملئه؛ لأنهم أنكروا بألسنتهم، ولهذا قال: وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]، فرعون أنكر باللسان وكذب موسى، وكذلك أهل الكتاب كذبوا النبي ﷺ، وأنكروا رسالته ونبوته فكفروا لما كذبوا بألسنتهم ولو كانوا يعرفون بقلوبهم.

(المتن)

وقد كانت قلوبهم بها عارفة.

(الشرح)

نعم كانت القلوب عارفة لكن كفروا لما كذبوا بألسنتهم.

(المتن)

ثم أخبر الله عن إبليس أنه كان من الكافرين وهو عارف بالله بقلبه ولسانه أيضاً.

(الشرح)

إبليس أخبر الله أنه كافر قال الله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]، مع أنه عارف ربه بقلبه ولسانه؛ لأن الله أخبر عنه، قال: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر:36].

إذاً: إبليس عرف ربه بقلبه ولسانه لكن لما استكبر عن عبادة الله صار كافراً، فكون الإنسان يعرف ربه بقلبه وبلسانه لا يكفي في الإيمان حتى ينقاد لشرع الله ودينه.

(المتن)

في أشياء كثيرة يطول ذكرها كلها ترد قولهم أشد الرد وتبطله أقبح الإبطال.

(الشرح)

يقول المؤلف ذكرنا الآيتين هذا مثال، وإلا فالأدلة كثيرة من الكتاب والسنة كلها تبطل مذهب الجهمية وتردها وتبطلها أقبح الإبطال .

(المتن)

تم الكتاب، أعني الرسالة، وكُتِبَ بخطه في شوال سنة ثمان وثمانين وأربعمائة من نسخة الشيخ العتيق أبي محمد عثمان بن أبي نصر بمصر، قوبِل به، والحمد لله وحده.

(الشرح)

نعم , والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد