بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين, وصلى الله وسلم وبارك عَلَى عبد الله ورسوله نبينا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بعد: ...
الرسالة الَّتِي بين أيدينا " التحف فِي مذاهب السلف " الشيخ العلامة محمد بْنَ علي الشوكاني رحمه الله, هَذِهِ الرسالة جواب عَنْ سؤال وجه سؤال إِلَى الشيخ وأجاب, وأجاب بهذه الرسالة وكأن السائل وجه الخطاب إِلَى عدد من العلماء؛ لَمْ يخصص شخص بعينه, قَالَ: ما يَقُول فقهاء الدين, وجهه إِلَى الفقهاء والعلماء والموحدين.
أجاب الشيخ رحمه الله بِهَذَا الجواب, والسؤال وإن كان موجه للعموم لعموم فقهاء الدين والعلماء المحدثين وجماعة الموحدين؛ وكأن السائل الَّذِي يظهر أَنَّهُ من أهل العلم والبصيرة وَأَنَّهُ من أهل السُّنَّةِ والجماعة, وكان المقصود من السؤال البيان للناس والإيضاح, وإلا هُوَ طالب علم الآن يستدل بآيات والنصوص وذكر أَن أهل التأويل يأولون نصوص الصفات؛ لِأَنَّهُ استدل بالآيات وسأل عَنْ حكم من أَوَّل الصفات, حكم من نفى الأسماء والصفات, وسأل عَنْ جواب الجهمية والمتكلمين, فالسائل طالب علم وسؤاله للإفادة لإفادة النَّاس, مثل ما سأل جبرائيل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سأل عَنْ الْإِسْلَام وعن الإيمان وعن الإحسان؛ لإفادة النَّاس.
لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سلوني سلوني», فهابه النَّاس فأرسل الله جبرائيل يسأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب فستفيد النَّاس, فصار سؤال جبرائيل وإجابة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تشمل مراتب الدين كلها.
- الدين ثلاثة مراتب:
- الْإِسْلَام.
- ثُمَّ الإيمان.
- ثُمَّ الإحسان.
وجبريل سال عَنْ هَذِهِ المراتب الثلاثة وَلَمَّا أجابه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَـذَا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم, فسمى هَذِهِ المراتب دين».
فكذلك هَـذَا السائل الَّذِي وجه هَـذَا السؤال لعموم الموحدين وعموم الفقهاء أجاب عنه الشوكاني, هُوَ طالب علم وهذا ظاهر من سؤاله, استدل بالآيات والنصوص وسأل الحكم المؤولين, وسأل عَنْ جواب الجهنميين والمريسيين, الجهنميين أتباع الجهم بْنَ صفوان, والمريسيين أتباع بشر المريسي, بشر المريسي جاء متأخر, فالمريسية جمهمية.ينتسبون إلى بشر المريسي
والشوكاني رحمه الله كما هُوَ معلوم من أهل السُّنَّةِ, وأجاب ركز عَلَى صفات وَعَلَى العلو والاستواء والمعية, وإن كان هناك بعض الملحوظات اليسيرة فِي المعية وإن كان له فيه مؤلفات أخرى يكون موافقًا للسنة إِلاَّ أَنَّهُ له بعض,, المعية هنا نفى أَن تكون المعية معية علم, وهِيَ معية علم وإحاطة كما بينها فِي بعض كتبه.
وَهَذِهِ الرسالة قلنا مشتملة عَلَى توحيد الأسماء والصفات,(.....) وخصوصًا العلو والمعية (.....) مثل موضوع رسالة " الحموية " لشيخ الْإِسْلَام ابْنَ تيمية, كلها فِي الصفات والعلو والاستواء عَلَى العرش, واشتملت عَلَى نقول من العلماء, نقرأ الآن.
(المتن)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله رب الْعَالمين, وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، غفر الله لنا ولشيخنا وللحاضرين، فَإِنَّهُ وصل سُؤال من بعض الْأَعْلَام الساكنين بِبَلَد الله الْحَرَام.
(الشرح)
إذًا السؤال هَـذَا من أهل البلد الحرام يَعْنِي من أهل مكة, السائل من أهل مكة لكنه طالب علم كما سيأتي.
(المتن)
وَهَذَا لَفظه:
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم, الْحَمد لله رب الْعَالمين.
مَا يَقُول فُقَهَاء الدّين وعلماء الْمُحدثين وَجَمَاعَة الْمُوَحِّدين فِي آيَات الصِّفَات وأخبارها اللاتي نطق بها الكتاب العظيم، وأفصحت عنها سنة الهادي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم.
(الشرح)
إذًا السؤال الآن عَنْ آيات الصفات وأخبار الصفات فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, نصوص الصفات فِي الْكِتَابِ, ونصوص الصفات فِي السُّنَّةِ, نصوص الْكِتَابِ مثل قول تعالى: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰗ) [المائدة/119] .
(ﮥ ﮦ ﮧﮯ) [الفتح/6] .
(ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الفجر/22] .
(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5] .
(ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النحل/50] .
ومثل قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء/164] .
كُلّ هَذَا من نفي الصفات؛ الَّتِي فيها إثبات العلو وإثبات الرؤية, (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [القيامة/22-23] .
فَهَذِهِ نصوص الصفات فِي الْقُرْآن الَّتِي فيها إثبات العلو, إثبات الكلام, إثبات الرؤية, إثبات السمع والبصر(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11] .
إثبات اليدين لله, (ﯯ ﯰ ﯱﰙ) [المائدة/64] .
كُلّ هَذِهِ تسمى نصوص الصفات وأخبار الصفات في الْقُرْآن, وهناك نصوص صفات أخرى فِي السُّنَّةِ, مثل قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا كُلّ ليلة إِلَى السَّمَاء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر, فيقول: من يدعوني فأستجيب له, ومن يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له»؛ هَـذَا من نصوص الصفات فِي السُّنَّةِ.
ومثل قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة»؛ إثبات العجب لله, «عجب ربنا من قنوط عباد وقرب غيره», إثبات العجب: «حديث يضحك الله إِلَى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة», إثبات الضحك لله U, هَذِهِ تسمى نصوص وأخبار الصفات فِي السُّنَّةِ النبوية.
ومعلوم أَن مذهب السُّنَّةِ والجماعة إثبات الصفات لله كما يليق بجلال الله وعظمته, إثبات الضحك لله إثبات النزول إثبات العجب إثبات الاستواء, إثبات اليدين لله U, إثبات المحبة(ﮨ ﮩﯤ) [المائدة/54]؛ إثبات الرضا (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰗ) [المائدة/119]؛ إثبات العلم والقدرة والسمع والبصر, هذه يثبتها؛ حتى الأشاعرة, الحياة والكلام والبصر والسمع والعلم والقدرة والإرادة, هَذِهِ سبع صفات إضافة يَعْنِي يوافق الأشاعرة أهل السُّنَّةِ عَلَى إثباتها؛ وَأَمَّا بقية الصفات فهم يحرفونها, يؤولونها, مثل المحبة والغضب والرضا, والضحك والنزول والاستواء كُلّ هَذِهِ يؤولها الأشاعرة؛ لِأَنَّ الصفات السبع عندهم تواطأ عليها الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وما دام اتفق عَلَيْهِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عندهم فهي ثابتة لله.
أَمَّا بقية الصفات يَقُولُونَ انفرد بها النصوص, والعقل هناك تواطأ عليها العقل والنقل يسمونها الصفات العقلية الصفات السبع, دل عليها النص والعقل, أَمَّا بقية الصفات دل عليها النص فقط, والنص عندهم يَعْنِي ظني يحتمل, فلهذا أولوها.
وَأَمَّا المعتزلة فإنهم لاَّ يثبتون شيئًا من الصفات مطلقًا؛ حَتَّىَ السبعة يؤولونها, وَإِنَّمَا يثبتون الأسماء فقط دون الصفات, وَأَمَّا الجهمية المحضة لاَّ يثبتوا الأسماء ولا الصفات, يثبتون ذات مجردة, ومعلوم أَن الذات المجردة لاَّ وجود لها إِلاَّ فِي الذهن, الذات المجردة لاَّ وجود لها إِلاَّ فِي الذهن, إِذَا قِيلَ كما يَقُول المعطلة ليست له سمع ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا إرادة, وليس فوق العالم ولا تحت العالم ولا متصل بالعالم ولا محايد للعالم, ولا مداخل, إيش يكون هَـذَا؟ هَـذَا العدم المحض؛ بَلْ أشد من العدم, يكون مستحيل, فإذًا الجهمية نفوا الأسماء والصفات, فَلَمْ يثبتوا إِلاَّ ذاتًا مجردة, والذات المجردة لاَّ وجود لها إِلاَّ فِي الذهن.
الْمُعْتَزِلَة أثبتوا الأسماء دون الصفات, الْأَشَاعِرَة أثبتوا الأسماء وسبع صفات, أهل السُّنَّةِ والجماعة أثبتوا جميع الأسماء والصفات الَّتِي وردت فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, إِذَا صح الحديث وفيه إثبات الصفة, يثبت أهل السُّنَّةِ الصفة, حديث الأصابع إثبات الأصابع لله «إن الله يضع السماوات على أصبع والأراضين على أصبع والماء والثرى على أصبع والشجر على أصبع وسائر الخلق على أصبع», خمسة أصابع لله U.
إثبات اليدين, إثبات الكلام, إثبات الضحك, إثبات العجب, إثبات العجب إثبات المحبة, إثبات الغضب, إثبات الرضا, إثبات الكراهة, (ﮨ ﮰ ﮱ ﯓﯙ) [التوبة/46] .
هكذا الباب واحد كلها تُثبت لله على ما يليق بجلال الله وعظمته من غير تكييف ولا تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه, على حد قول الله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11] .
هَذَا معتقد أهل السُّنَّةِ والجماعة, أَمَّا الْأَشَاعِرَة فكما سبق يثبتوا سبع صفات ويتأولون الباقي, والمعتزلة ينفونها كلها, وكذلك الجهمية يَقُولُونَ: هِيَ أسماء تضاف إِلَى الله لكنها أسماء لمخلوقاته, فتضاف إِلَى الله إضافة تشريف, كما يضاف العبد إِلَى الله والرسول, عبد الله ورسول الله وناقة الله إضافة تشريف, فكذلك الصفات تضاف إلى الله إضافة تشريف وإلا فهي صفات لخلقه, العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام, وَهَذِهِ صفات لخلقه؛ وَلَـكِن نسبت إِلَى الله وأضيفت إليه تشريف وتكريم.
وأهل السُّنَّةِ يبينون الفرق بين النوعين, المضاف له نوعان:
النوع الأول: أَن يكون شيءٌ قائم بنفسه, المضاف شَيْء قائم بنفسه مستقل, مثل: العبد والرسول والناقة, هَـذَا إضافة مخلوق إِلَى خالقه, مثل: عبد الله, ناقة الله, رسول الله, مثل: أرض الله سماء الله, هَذِهِ قائمة بنفسها, إضافة المخلوق إِلَى خالقه.
الثَّانِيَ: إضافة معاني لاَّ تقوم بنفسها, هَذِهِ إضافة صفة إِلَى موصوفها, كإضافة العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والاستواء والعلو, هَذِهِ ليست قائمة بنفسها, فَهَذِهِ معاني قائمة بغيرها؛ فَهذه إِذا أضيفت إِلَى الله فهي من إضافة الصفة إِلَى موصوفها,واضح الآن؟ هَذِهِ قاعدة تفيدك مهمة.
- المضاف كم نوع؟ نوعان:
النوع الأول: قائمٌ بنفسه, مثل الناقة والعبد قائم بنفسه والرسول قائم بنفسه, هَذِهِ إضافة مخلوق إِلَى خالقه, السَّمَاء إضافة السَّمَاء إِلَى الله, سماء الله أرض الله عبد الله, رسول اللهِ, ناقة الله, إضافة المخلوق إِلَى خالقة.
الثَّانِيَ: أَن تكون تضاف معاني لاَّ تقوم بنفسها وَإِنَّمَا تقوم بغيرها, مثل العلم, العلم ما يقوم بنفسه, القدرة السمع, البصر, الكلام, الرؤية, هَذِهِ إضافة صفة إِلَى موصوفها.
فَهَذِهِ القاعدة إِذَا عرفتها ترتاح, تفرق بينهم, الجهمية ما فرقوا بينهما, قَالُوا : كلها إضافة مخلوق إِلَى خالقه, ما فرقوا بين إضافة المعاني وإضافة الأعيان.
(المتن)
مَا يَقُول فُقَهَاء الدّين وعلماء الْمُحدثين وَجَمَاعَة الْمُوَحِّدين.
(الشرح)
إذًا السؤال موجه إِلَى من؟ للفقهاء والعلماء والموحدين, جماعة وليس شخص واحد, وَلَـكِن إِذَا أجاب واحد عنهم فَهُوَ يمثلهم؛ فأجاب الشوكاني عنهم, السؤال موجه إِلَى فقهاء الدين وعلماء المحدثين وجماعة الموحدين, والسؤال عَنْ أي شَيْء؟ عَنْ آيات الصفات وأخبارها؛ الَّتِي وردت فِي الكتاب والتي ووردت فِي السُّنَّةِ, آيات الصفات الَّتِي نطق بها الْكِتَابِ العظيم وَهُوَ الْقُرْآن, وأفصحت عنها سُنَّةَ الهادي إِلَى صراط مستقيم هَذِهِ السُّنَّةِ.
(المتن)
فِي آيَات الصِّفَات وأخبارها اللاتي نطق بها الكتاب العظيم، وأفصحت عنها سُنَّةَ الهادي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم.
هَل إِقْرَارهَا وإمرارها وإجراؤها على الظَّاهِر بِغَيْر تكييف وَلَا تَمْثِيل وَلَا تَأْوِيل وَلَا تَعْطِيل عقيدة الْمُوَحِّدين وتصديق بِالْكتاب الْمُبين وَاتِّبَاع للسلف الصَّالِحين أَو هَذَا مَذْهَب المجسمين؟.
(الشرح)
إذًا السؤال الأول سؤال عَنْ آيات الصفات وأحاديث الصفات, يَقُول: هَلْ إقرارها وإمرارها وإجراؤها عَلَى الظاهر من غير تكييف ولا تعديل ولا تمثيل ولا تأويل عقيدة الموحدين؟ هَـذَا من أهل السُّنَّةِ هُوَ عالم طالب علم, يبين الآن, الآن يريد رد مذهب أهل السُّنَّةِ بسؤاله, هَـذَا سؤال العارف يريد أَن يجيب السائل؛حَتَّىَ يستفيد النَّاس, كما سأل جبريل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, سؤال العارف يَقُول: هَلْ إقرارها, شوف إذًا مذهب السلف هُوَ هَـذَا, إقرارها, وإمرارها, وإجراؤها عَلَى الظاهر من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأول ولا تعطيل, هَذِهِ عقيدة الموحدين, هَذِهِ عقيدة أهل السُّنَّةِ.
هَـذَا يَدُلُّك عَلَى أَن السائل عارف, إذًا مذهب أهل السُّنَّةِ فِي آيات الصفات ما هُوَ؟ هُوَ من نفس السؤال, مذهب أهل السُّنَّةِ إقرارها وإمرارها وإجراؤها عَلَى ظاهرها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل هَذِهِ عقيدة الموحدين, وهذا تصديق بالكتاب المبين وهذا اتِّبَاعِ للسلف الصَّالِحِين.
السائل يَقُول: هَلْ هَذِهِ عقيدة الموحدين أو مذهب المجسمين؟
الجواب: هَـذَا عقيدة الموحدين, يَعْنِي عقيدة أهل السُّنَّةِ والجماعة هِيَ إقرارها وإمرارها وإجراؤها عَلَى الظاهر, إقرارها يَعْنِي تقر بآيات الصفات, تقر بالعلم, بالقدرة, بالسمع بالبصر, بالعلو, بالضحك, باليدين تقرها, وتمرها وتجريها عَلَى ظاهرها, إمرارها يَعْنِي تمرها معناه أنك تثبتها مع المعاني, مع معناها, يَعْنِي أنك لاَّ تحرف ولا تأول تحريف النفاة, إجراؤها وإبرامها عَلَى هَـذَا ظاهرها هِيَ أنت تثبتها دالة عَلَى المعاني, (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯾ) [البقرة/255] .
تُمِر هذه الآية وتجريها على ظاهرها, ظاهرها إثبات العلم, هَذَا الظاهر, تجريها على ظاهرها تثبت العلم, (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯨﯾ) [البقرة/255]؛ إثبات العلم.
(ﮥ ﮦ ﮧﮯ) [الفتح/6]؛ يجريها على ظاهرها إثبات الغضب, (ﮨ ﮰ ﮱ ﯓﯙ) [التوبة/46]؛ إثبات الكراهة.
(ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النحل/50]؛ إثبات العلو.
(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮇ) [الفرقان/59]؛ إثبات الاستواء, هَـذَا إقرارها وإمرارها وإجراؤها عَلَى الظاهر, الظاهر يعني المعنى الظاهر, ما هُوَ المعنى الظاهر من, (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯨﯾ) [البقرة/255]؟ العلم.
ما هُوَ الظاهر من قوله: (ﮥ ﮦ ﮧﮯ) [الفتح/6]؟ إثبات الغضب, هَـذَا الظاهر.
ومعنى إمرارها يَعْنِي أنك ما تأول, من أَوَّل ما أجراها عَلَى ظاهرها, ولا أمرها, فالمؤولة والنفاة ما أجروها عَلَى ظاهرها حرفوها, أهل السُّنَّةِ أجروها أقروها وأمروها وأجروها عَلَى ظاهرها, وهذا مأخوذ من قول الإمام أحمد وغيره: أمروها بلا كيف.
الكثير من أَئِمَّة السلف كالإمام أحمد لَمَّا سُئِلَ عَنْ نصوص الصفات, قَالَ: أمروها بلا كيف, أمروها يَعْنِي مثبتين للمعنى الَّذِي تدل عَلَيْهِ من غير تحريف.
قَالَ المؤلف: (بغير تكييف), التكييف معناه هُوَ أَن تقول: الصفة كيفيتها كذا وكذا, كيفية الاستواء كذا وكذا,(....) إذا أردت أن تكييف كيفية استواء المخلوق مثلاً هُوَ أَن يستقر ويجلس عَلَى الدابة أو عَلَى الطائرة أو عَلَى السيارة, هَذِهِ كيفية, وإِذَا أردت التمثيل قلت: مثل استواء زيد, استواء عمرو مثل استواء زيد, التمثيل هُوَ أَن تحدد الشيء الَّذِي تمثله, والتكييف هُوَ أَن تبين الكيفية عَلَى الكيفية كذا وكذا.
فأهل البدع يَقُولُونَ: إِنَّ استواء الله عَلَى العرش مثل المشبهة يَقُولُونَ: استواء الله عَلَى العرش مثل استواء الدابة المخلوق عَلَى الدابة, كما قَالَ شيخ الْإِسْلَام رحمه الله فِي التَّدْمُرِيَّة, المشبهة يَقُولُونَ: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ استواء الرب عَلَى العرش مثل استواء المخلوق عَلَى الدابة, ومن المعلوم أَن المخلوق إِذَا استوى عَلَى الدابة وسقطت الدابة سقط الراكب عليها, فيقاس ذَلِكَ أَنَّهُ لو سقط العرش سقط الرب, هكذا يَقُولُونَ, وهذا من أبطل الباطل, الله تعالى خلق العرش ما هُوَ محتاج إِلَى العرش, هُوَ الحامل للعرش ولحملته بقوته وقدرته.
الاستواء ما يلزمه الحاجة, الله تعالى هُوَ الحامل للعرش هُوَ الحامل لحملة العرش بقوته وقدرته, هُوَ الَّذِي يمسك السموات والأرض أَن تزولا, فالمشبهة قبحهم الله كفرة قَالُوا : استواء الله عَلَى العرش مثل استواء المخلوق عَلَى الدابة وهذا كفر وضلال.
قابلهم المعطلة, المعطلة قَالُوا : ما فِي استواء من الأساس, الاستواء معناه الاستيلاء أبطلوا الاستواء نفوه ما فِي استواء, استوى بمعنى استولى أو ملك, أو استوى بمعنى غلب, وأهل السُّنَّةِ قَالُوا: استوى فِي اللغة العربية له أربع معاني: استقر وعلا وصعد وارتفع, هَذِهِ معاني الاستواء فِي اللغة العربية.
وتفاسير السلف للاستواء تدور عَلَى هَذِهِ المعاني الأربعة, والمعنى أَن الله مستوى عَلَى عرشه استواءً حقيقًا بهذه المعاني الأربع عَلَى كيفية الله أعلم بها لاَّ نعلم بالكيفية, استوى استقر وعلا وصعد وارتفع, هَذِهِ معاني الاستواء الأربعة.
قَالَ العلامة ابْنَ القيم رحمه الله: فلهم عبارات عَلَيْهَا أربع قَدْ حصلت للفارس الطعان وهِيَ استقر، وقد علا، وكذلك ارتفع الَّذِي ما فيه من نكران, وكذاك قد صعد الَّذِي هُوَ رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني يختار هَـذَا القول فِي تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن.
إذًا السؤال الأول للسائل يَقُول: هَل إِقْرَارهَا وإمرارها وإجراؤها على الظَّاهِر بِغَيْر تكييف وَلَا تَمْثِيل وَلَا تَأْوِيل وَلَا تَعْطِيل عقيدة الْمُوَحِّدين وتصديق بِالْكتاب الْمُبين وَاتِّبَاع للسلف الصَّالِحين أَو هَذَا مَذْهَب المجسمين؟ أيهما الصواب؟
أنها عقدية الموحدين, إقرارها وإجراؤها وإمرارها عَلَى الظاهر هِيَ عقيدة الموحدين, وهذا تصديق بالكتاب المبين وهذا اتِّبَاعِ للسلف الصالح, وليس هَـذَا مذهب المجسمين, التكييف والتمثيل هُوَ أَن يَقُول المشبه: إِنَّ صفات الله مثل صفات المخلوقين, هَـذَا تمثيل, والتكييف أَن تقول: صفة الله كيفيتها كذا وكذا, والتأويل هُوَ أَن يؤول الاستواء فيقول: معناه الاستيلاء, والتعطيل هُوَ نفي الصفة, هُوَ ينكرها نفي الاستواء, التعطيل وَهُوَ الخلو والفراغ, ومنه قوله: خلت الدار لساكنها إِذَا لَمْ يكن فيها ساكن, وخلت الإبل من راعيها إِذَا لَمْ يكن لها راعي, ومنه قول: " امرأةٌ عطل " إِذَا لَمْ يكن عليها حلي, فإذًا التكييف ذكر فِي الحاشية يقول: أَن يَقُول: الصفة عَلَى هيئة كذا وكيفيها كذا.
والتمثيل: هُوَ تشبيه الخالق بالمخلوق.
والتأويل: صرف الصفة عَنْ معناها الحقيقة إِلَى معناها المجازي.
والتعطيل: نفي أسماء الله وصفاته وتعطيلها.
إذًا السائل هَـذَا طالب علم يَقُول: هَلْ إقرارها وإمرارها وإجراؤها عَلَى الظاهر بغير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل عقيدة الموحدين؟ نقول: نعم هَذِهِ عقيدة الموحدين.
وتصديق بالكتاب المبين؟ نعم اللي هُوَ الْقُرْآن. وَاتِّبَاعِ للسلف الصالح؟ نعم. أو هَـذَا مذهب المجسمين؟ المجسمة يَقُولُونَ: إِنَّ الله جسم كالأجسام, الأجسام الآن هَذِهِ البلاطة جسم, وابن آدم جسم, والعمود جسم (.....) مخلوق يَعْنِي.
فالسائل يَقُول: أيهما الصواب؟ القول الأول, نقول: الواجب هُوَ هذا إقرار وإمرار وإجراء الصفات عَلَى ظاهرها هَـذَا هُوَ الواجب هَذِهِ عقدية أهل السُّنَّةِ والجماعة, ما هِيَ عقيدة أهل السُّنَّةِ والجماعة فِي الصفات الثابتة فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ تقول: مذهبهم إقرارها وإجراؤها وإمرارها عَلَى الظاهر من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل.
هَذِهِ عقيدة الموحدين, وهذا تصديق بالكتاب المبين, وهذا اتِّبَاعِ للسلف الصَّالِحِين, وليس هَـذَا مذهب المجسمين, المجسمين المشبهة يَقُولُونَ: إِنَّ الله جسم مثل الأجسام, نعم هَـذَا السؤال الأول, كان السؤال يَعْنِي مكون من عدة أسئلة, عدة أسئلة متصل بعضها ببعض.
السؤال الأول عرفنا هَلْ إقرارها وإمرارها وإجراؤها عَلَى الظاهر من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل عقيدة الموحدين أو عقيدة المجسمين؟
الجواب: عقيدة الموحدين, وليس مذهب المجسمين.
(المتن)
وَمَا حكم من أول الصِّفَات (جمع المؤنث السالم ينصب بإيش؟ بالكسرة) وَنفى مَا وصف الله بِهِ نَفسه وَوَصفه بِهِ نبيه وتأيد بالنصوص وَاتفقَ عَلَيْهِ الْخُصُوص من أَن الله سُبْحَانَهُ فِي سمائه مستوٍ على عَرْشه بَائِن من خلقه وَعلمه فِي كل مَكَان.
(الشرح)
إذًا هَـذَا السؤال الثَّانِيَ يَقُول: ما حكم من أَوَّل الصفات؟ كيف يؤول الصفات؟ يؤول الاستواء بالاستيلاء, أَوَّل المحبة بالإرادة, أَوَّل الغصب بالانتقام, أَوَّل الرضا بالثواب, أَوَّل النزول بأنه نزول الملك, ينزل الملك. ما حكم من أول الصفات؟
وَبِهَذَا إِذَا أَوَّل الصفات إيش يكون؟ نفى الصفات, إِذَا أَوَّل الصفات يكون نفى الصفة عَنْ الله,(.....) إِذَا قَالَ: الاستواء بمعنى الاستيلاء نفى, الله تعالى وصف نفسه بالاستواء وليس هُوَ الاستيلاء, فَإِذا فسر الاستواء بالاستيلاء فقد نفى ما وصف الله به نفسه, (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭨ) [البينة/8]؛ الله أثبت لنفسه الرضا, فَإِذا فسر الرضا بالثواب نفى ما وصف الله به نفسه.
(ﮥ ﮦ ﮧﮯ) [الفتح/6]؛ فَإِذا أوله بالانتقام نفى ما وصفه الله به نفسه من الغضب, إذًا ما حكم من أَوَّل الصفات ونفى ما وصفه الله به نفسه؟ حكمه إيش؟ من المعطلة, يكون معطل, والمعطلة ثلاثة أقسام كما سلف, معطلة محضة كالجهمية الَّذِينَ ينفون الأسماء والصفات, ومعطلة الْمُعْتَزِلَة الَّذِينَ أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات, والمعطلة الْأَشَاعِرَة الَّذِينَ أثبتوا الأسماء وسبع صفات.
إذًا ما هُوَ جواب هَـذَا السؤال ما حكم من أَوَّل الصفات ونفى ما وصفه الله به نفسه أو وصفه به نبيه؟ حكمه معطل جهمي.
أيضًا يَقُول: وتأيد بالنصوص واتفق عَلَيْهِ الخصوص, يَعْنِي أَوَّل الصفات الَّتِي تأيدت بالنصوص, النصوص تؤيدها واتفق عَلَيْهِ الخصوص,من هم الخصوص؟ أهل السُّنَّةِ والجماعة, الرسل وأتباعهم هم الخصوص, أراد أَن يمثل للصفات ما مثالها؟ قَالَ: من أَن الله سبحانه فِي سمائه مستوٍى عَلَى عرشه بائن من خلقه وعلمه فِي كُلّ مكان؛ هَذِهِ عقيدة أهل السُّنَّةِ والجماعة, ليش؟ لصفة العلو والاستواء.
لو أردت عبارة أحسن من هَذِهِ ما جئت, ما هِيَ عبارته؟ يَقُول: (الله فِي سمائه مستوٍى عَلَى عرشه بائن من خلقه وعلمه فِي كُلّ مكان). هَـذَا إثبات الاستواء والعلو, تقول: أثبت الاستواء لله وأن الله فِي سمائه مستوى عَلَى عرشه بائن من خلقه يَعْنِي منفصل عنهم, ليس فِي ذاته شَيْء مِنْهُم من المخلوقات ولا في المخلوقات شَيْء من ذات الله, وعلمه فِي كُلّ مكان, إذًا هَـذَا السؤال الثَّانِيَ ما حكم من أَوَّل الصفات ونفوا ما وصف الله به نفسه, ووصفه به رسوله وتأيد بالنصوص واتفق عَلَيْهِ الخصوص, مثل للصفات فَقَالَ: (من أَن الله فِي سمائه مستوٍى عرشه بائنٌ من خلقه وعلمه فِي كُلّ مكان).
(المتن)
من أَن الله سُبْحَانَهُ فِي سمائه مستو ٍعلى عَرْشه بَائِن من خلقه وَعلمه فِي كل مَكَان, وَالدَّلِيل آيَات الاسْتوَاء والصعود وَالرَّفْع وَقَوله تَعَالَى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}[الملك/16].
وَمن السّنة حَدِيث الْجَارِيَة وَالنُّزُول وَعمْرَان بن حُصَيْن وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ «أَلا تأمنوني وَأَنا أَمِين من فِي السَّمَاء» وَغير ذَلِك من الْآيَات المتواترة وَالْأَحَادِيث المتكاثرة.
(الشرح)
إذًا المؤلف الآن أو السائل استدل جاب أدلة من نصوص الصفات, هَـذَا طالب العلم, الدَّلِيل آيات الاستواء, آيات الاستواء فِي الْقُرْآن فِي سبعة مواضع, كلها جاءت بلفظ الاستواء وتعدت بعلى الَّتِي تدل عَلَى العلو والارتفاع, الموضع الأول: فِي سورة الأعراف, قَالَ تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮧ) [الأعراف/54] .
الموضع الثَّانِيَ فِي سورة الرعد فِي قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﮁ) [الرعد/2] كلها أتت بلفظ عَلَى الَّذِي يدل عَلَى العلو والارتفاع.
الموضع الثالث في سورة طه, في قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ كلها على العرش.
الموضع الرابع في سورة الفرقان, في قوله: ( ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الفرقان/59] .
قبل ذلك في سورة يونس قوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮕ) [يونس/3] .
الموضع السادس في سورة السجدة قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ) [السجدة/4] .
الموضع السابع في سورة الحديد في قوله تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭸ) [الحديد/3-4] .
كلها تعدت بعلى الَّتِي تدل على العلو والارتفاع, هَذَا معنى قوله بأن الله سُبْحَانَهُ مستوٍ على عرشه, سبعة مواضع وهذا كلها من أدلة العلو, ولهذا قَالَ العلماء: أفراد الأدلة الَّتِي تدل عَلَى علو الله تزيد عَلَى ألف دليل.
أفرادها تزيد عَلَى ألف دليل, أَوَّل الاستواء هَذِهِ السبعة مواضع, كما سردتها سبعة أدلة,
سبعة أَدِلَّة فِي الاستواء خاصة, وكل دليل فيه الصعود وفيه العلو وفيه الارتفاع, وفي دليل فيه التنزيل كله يَدُلُّ عَلَى علو الله, نزول الله من الأعلى إِلَى الأسفل وأن الله فِي العلو, وفي حديث الجارية كُلّ هَـذَا دليل عَلَى الفوقية يَدُلُّ عَلَى العلو, كُلّ دليل فيه العلو والأعلى يَدُلُّ عَلَى العلو وهكذا.
فأفرادها إِذَا عددتها تزيد عَلَى ألف دليل كما قَالَ العلماء وَقَالَ العلامة ابْنَ القيم, ومع ذَلِكَ أنكرها الجهمية وأولوها مع أنها تزيد عَلَى ألف دليل, من أَن الله سبحانه مستوٍ عَلَى عرشه بائن من خلقه, ما معنى بائن؟ يَعْنِي منفصل, منفصل من خلقه, لَمْ يدخل فِي ذاته شيء من مخلوقاته ولا فِي مخلوقاته شَيْء من ذاته.
وعلمه فِي كُلّ مكان, الآن يقرر مذهب أهل السُّنَّةِ والجماعة طالب هَـذَا السائل, من أَن الله فِي سمائه مستوٍى عَلَى عرشه بائنٌ من خلقه وعلمه فِي كُلّ مكان, كما قَالَ والدليل, ما هِيَ؟ آيات الاستواء, والصعود والرفع.
آيات الاستواء قلنا سبع مواضع كما فِي السابق, آيات الصعود مثل قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯹ) [فاطر/10] .
وآية الرفع: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯹ) [فاطر/10] .
يصعد والصعود يكون من أسلف إِلَى أعلى, والرفع يكون من أسفل إِلَى أعلى, فدل على أَن الله في العلو, قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮟ) [النساء/158]؛ لعيسى.
وقوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯬ) [غافر/15] .
رفيع فعيل بمعنى مفعول أي: مرفوعة درجاته سبحانه وتعالى, فكل آيات الاستواء والصعود والرفع كلها تدل عَلَى العلو, وأيضًا استدل السائل بها.
وقوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭿ) [الملك/16] .
شوف هَذَا السائل يستدل, أأمنتم من في السماء, والسماء الأصل فيها أَن المراد بها العلو, وكل شيء فوق رأسك فهو سماء, كل شيء سماك فهو سماء, السقف يسمى سماء في اللغة العربية, والله تعالى له أعلى العلو وهو فوق العرش, ويأتي السماء ويراد بها الطباق المبنية, الطباق السبع سموات, (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮧ) [الأعراف/54] .
وإذا أريد بالسموات الطباق المبنية فتكون(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭿ) [الملك/16] . تكون بمعنى علا, (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭿ) [الملك/16]؛ أي: على السماء, إذا أُريد بالسماء الطباق المبنية تكون (في) بمعنى علا, وإذا أريد بها السماء العلو تكون (في) للظرفية, في السماء في العلو, والعلو كل ما كان فوق رأسي يسمى علو, والله تعالى له أعلى العلو وهو فوق العرش.
السائل يقول: والدليل, يشوف يستدل, هَذَا سؤال العارف, (وَالدَّلِيل آيَات الاسْتوَاء والصعود وَالرَّفْع وَقَوله تَعَالَى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}[الملك/16]) .
طيب جاب الأدلة من السُّنَّةِ, قَالَ: (وَمن السّنة حَدِيث الْجَارِيَة وَالنُّزُول) حديث الجارية هَـذَا فِي صحيح مسلم معاذ بْنَ حكم السلمي له جارية أعجمية ترعى الغنم خلف جبل أحد, وصدفة صار ينظر إليها من بعد, ينظر إِلَى الجارية وهِيَ ترعى الغنم, فجاء الذئب وأخذ واحدة منها وَلَمْ تستطع أَن تنتزعها منه فغضب وصكها, قَالَ: كيف تتركين الذئب يأخذ واحدة؟ ثُمَّ ندم وأراد أَن يعتقها, وَقَالَ: يا رسول الله إني أريد أَن أعتقها؛ حَتَّىَ تكون كفارةً له؛ فَقَالَ النَّبِيّ: «ائتني بها», فسألها قَالَ: «أين الله؟ قالت: فِي السَّمَاء, قَالَ: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله, قَالَ: أعتقها فإنها مؤمنة», شهد لها بالإيمان.
أهل السُّنَّةِ يستدلون بِهَذَا عَلَى العلو ما وجه الدلالة؟ وجه الدلالة أَنَّهُ سأل الجارية قَالَ: «أين الله؟», وأين إِنَّمَا يسأل بها عَنْ المكان, فدل عَلَى أَن الله فِي العلو, أهل البدع يَقُولُونَ: لاَّ, ليس لله مكان, من قَالَ: إِنَّ الله فِي العلو عِنْدَ أهل البدع عِنْدَ الجهمية يَقُولُونَ: مُشَبه متنقص لله, يَقُول: تجعل الله محصور فِي جهة معينة, هَـذَا تنقص لله, محصور محدود فِي جهة معينة هَـذَا تنقص لله.
ولهذا لو رفعت أصبعك إِلَى السَّمَاء قطعها الجهمي, احذر أَن ترفع أصبعك وعندك جهمي وحدك, يقطع أصبعك عَلَى طول؛ ليش؟ لأنكم مشبهة, أنت تتنقص لله, ويرميك بالكفر, الجهمية قَالُوا: من قَالَ إِنَّ الله فوق كافر؛ لِأَنَّهُ متنقص لله, والمتنقص لله كافر, أنت تتنقص الرب ما تنزه الرب, تجعل الرب محصور فِي جهة معينة محدود, طيب أين هُوَ؟ هُوَ ذاهب فِي جميع الجهات, لاَّ تحدد جهة, يَعْنِي اجعله مختلط بالمخلوقات.
طيب كيف يجيبون عَنْ هَـذَا الحديث؟ أين يُسأل بها عَنْ المكان! جن جنونهم أهل البدع, ماذا يجيبون عَنْ هَـذَا؟ لَابُدَّ أَن يجيبون عنها.
قَالُوا: إِنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم سأل سؤال يناسب حال الجارية العجمية, قَالُوا: هَـذَا السؤال فاسد؛ لَـكِن الرسول مضطر إِلَى هَـذَا ليخاطبها عَلَى قدر عقلها, وَلَمَّا قَالَت: فِي السَّمَاء, أيضًا أقرها عَلَى جوابه فاسد, اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم, قَالُوا: الرسول سأل سؤال فاسد وإلا الرسول أراد أَن يَقُول: من الله؟ ما يريد أَن يَقُول: أين الله, يريد أَن يَقُول: من الله؟ طيب الرسول أفصح النَّاس ما يستطيع أَن يَقُول: من الله؟! من حرفين وأين ثلاثة حروف أسهل.
ما يستطيع أَن يَقُول: من الله؟ هكذا اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم, قَالُوا: سأل الجارية سؤالًا فاسدًا مراعاةً لعقلها وفهمها؛ لِأَنَّها جارية أعجمية ما تفهم, وأقرها عَلَى الجواب الفاسد, هَذِهِ تهمة للرسول عليه الصلاة والسلام, المهم هَـذَا يَدُلك عَلَى تعسف أهل البدع والانحراف الَّذِي وصلوا إليه.
السائل يَقُول: ومن السُّنَّةِ حديث الجارية, عرفنا وجه الدلالة؟ وجه الدلالة قَالَ: «أين الله», أين يُسأل بها عَنْ المكان فدل عَلَى أَن الله فِي العلو, وأهل البدعة يَقُولون: ليس لله مكان, والقول بأنه فِي مكان معين فَهَذَا تشبيه وتنقص للرب.
والنزول أيضًا حديث النزول, حديث الجارية قَالَ المحشي لَمَّا قَالَ: «أعتقها فإنها مؤمنة», رواه مسلم وغيره وله طرق شواهد, حديث النزول أيضًا من الأحاديث المتواترة وما ثَبِّتْ فِي الصحيحين فِي السنن والمسانيد أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ينزل ربنا كُلّ ليلة إِلَى السَّمَاء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ثُمَّ يَقُول: من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له؛ حَتَّىَ يطلع الفجر», هَـذَا حديث متواتر, رواه أصحاب السنن والمسانيد والمعاجم.
وجه والدلالة من الحديث ما هُوَ؟ هَـذَا الحديث فِي إثبات النزول, «ينزل ربنا كُلّ ليلة إِلَى السَّمَاء الدنيا», ينزل نزولًا يليق بجلال الله وعظمته, ليس كنزول المخلوق, ولا يلزم هَـذَا النزول أَن يكون فوقه شَيْء من المخلوقات تعالى الله.
يَعْنِي أهل التشبيه فهموا منه أَن الله يكون بين طبقتين طبقة فوقه من المخلوقات وطبقة تحته نعوذ بالله, هَـذَا باطل, هَـذَا جعلوا الرب مختلط بالمخلوقات, ينزل سبحانه وتعالى نزولًا يليق بجلاله وعظمته, ينزل وَهُوَ فوق العرش, ما ندري كيف نزوله, نزول المخلوق نعم أعرف نزول المخلوق, أَمَّا نزول الخالق ما أعرفه, استواء المخلوق يستوي عَلَى الدابة يجلس عليها, فَإِذا سقطت الدابة سقط, لَـكِن استواء الخالق لاَّ, يستوي عَلَى العرش وَهُوَ غير محتاج إِلَى العرش.
نزول المخلوق ينزل من مكان إِلَى مكان يكون فوقه, أَمَّا نزول الخالق لاَّ, ما نشبه, ينزل وَهُوَ فوق العرش وما ندري كيف ينزل لاَّ يعلم ِإلا الله, كما قَالَ الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة, تلقته الأمة بالقبول هَـذَا الجواب المالكي, وهكذا يقال فِي النزول, نقول: النزول معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
والنزول معلوم فِي اللغة العربية معناه, والكيف مجهول كيفية نزول الرب, والإيمان به واجب؛ لِأَنَّهُ ورد به النص, والسؤال عَنْ الكيفية بدعة, فَإِذا قِيلَ لشخص: (ﯯ ﯰ ﯱﰙ) [المائدة/64] .
كيف اليدين؟ تقول: اليدان معلومة والكيف مجهول, والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وهكذا.
لله تعالى أصابع, قَالَ: «يضع أصبع عَلَى أصبع», كيف الأصبع؟ تقول: الأصبع معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة, وهكذا فِي جميع الصفات يقال هكذا.
وبعض أهل البدع قَالُوا: ينزل, يَعْنِي ينزل أمره, أمره ما ينزل فِي آخر الليل بس؟ أمره فِي كُلّ وقت, (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮜ) [السجدة/5] .
الأمر في كل مرة ينزل أمر الله, ما هُوَ خاصة في آخر الليل,(.....) بعضهم يقول: ينزل ملك, كل هذه تأويلات باطلة فاسدة, والصواب: أَن الله ينزل نزولًا يليق بجلاله وعظمته, ولا يُشكل عَلَى هَـذَا يَقُول بعض النَّاس: الآن الليل يختلف الكرة الأرضية يَأْتِيَ مثلاً عندنا ليل الآن وأمريكا الآن نهار, كيف مثلاً ينزل؟
ومثلاً إِذَا انتهى الليل من هَـذَا الإقليم جاء الإقليم الثَّانِيَ بدأ فيه الليل وهكذا, فلا يزال الرب ينزل باستمرار, هَـذَا قول بعض النَّاس, هَـذَا أجاب عنه شيخ الْإِسْلَام بمجلد كامل شرح حديث النزول, والجواب عَنْ السؤال, وذلك أَن أحدهما قَالَ: كيف ينزل والليل يتغير من مكان إِلَى مكان, فَقَالَ الثَّانِيَ: لاَّ نقول كيف لاَّ تسأل عَنْ الكيف, وهذا هُوَ الصواب, الصواب أَن هَـذَا السائل الَّذِي يَقُول: تغير, السائل لِأَنَّهُ ما فهم من نزول الرب إِلاَّ مثل نزول المخلوق.
لَـكِن نَحْنُ نقول: أنت فِي أي مكان فِي الكرة الأرضية إِذَا جاء ثلث الليل الآخر هَـذَا وقت نزول الله, هَـذَا وقت فاضل, صل وادع ربك, أَمَّا نزول الرب فلا نعلم الكيفية, ينزل سبحانه وتعالى نزولًا يليق بجلاله وعظمته وَهُوَ فوق العرش, ولا نعلم الكيفية, وهل يخلو العرش منه أولا يخلو؟
فِي ثلاثة أقوال لأهل العلم, قِيلَ: يخلو وقيل: لاَّ يخلو, وقيل: بالتوقف, وأصحه أَنَّهُ لاَّ يخلو العرش منه, والنزول فعل يفعله سبحانه الله أعلم بكيفيته.
السائل يَقُول: (ومن السُّنَّةِ), يستدل, كيف يسأل ويستدل؟ هَـذَا دليل عَلَى أَنَّهُ عالم طالب علم, (وَمن السّنة حَدِيث الْجَارِيَة وَالنُّزُول وَعمْرَان بن حُصَيْن), ما هُوَ حديث عمران بْنَ حصين؟ هُوَ سؤال النَّبِيّ r لحصين والد عمران, قَالَ: «كم تعبد اليوم إلهًا؟ قَالَ: سبعة, ستةٍ فِي الأرض وواحد فِي السَّمَاء, قَالَ: فأيهم الَّذِي تعده لرغبتك ورهبتك؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاء, قَالَ: اعبد الَّذِي فِي السَّمَاء واترك الآلهة وسأعلمك كلمتين اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي».
فَهَذَا والد عمران بْنَ حصين كان يعبد سبعة ستة فِي الأرض وواحد فِي السَّمَاء, لَـكِن الَّذِي يعده لرغبته هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء, قَالَ: خلاص اعبد الَّذِي فِي السَّمَاء واترك الستة, وسأعلمك كلمات ينفعك الله بها, كلمتين: «اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي أو وأعذني من شر نفسي».
والشاهد من حديث عمران ما هُوَ؟ قَالَ: واحد فِي السَّمَاء, أثبت أَن الله فِي السَّمَاء, ومعنى فِي السَّمَاء العلو, فِي الظرفية, وإِذَا أُريد بالسماء الطباق المبينة تكون فِي بمعنى عَلَى, وقوله: (وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلا تأمنوني وَأَنا أَمِين من فِي السَّمَاء»), هَـذَا الحديث رواه البخاري ومسلم عَنْ أبي سعيد الخدري t أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ألا تأمنوني وأنا أمين من فِي السَّمَاء».
الشاهد من الحديث ما هُوَ؟ من فِي السَّمَاء, والمراد بالسماء العلو, والله له أعلى العلو؛ وَهُوَ ما فوق العرش, وتكون (فِي) للظرفية, وإِذَا أريد بالسماء الطباق المبينة تكون (فِي) بمعنى عَلَى, (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭿ) [الملك/16]؛ أي: من على.
ومثل قوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮰ) [طه/71]؛ قول الله عن فرعون, يَعْنِي المراد يشق جذوع النخل ويدخلهم فيها؟ لاَّ, (فِي) بمعنى عَلَى.
(ﭛ ﭜ ﭝﭪ) [التوبة/2]؛ يعني فسيحوا على الأرض ليس المعنى ادخلوا في الأرض, ويقال: فلانٌ في السطح, وإن كان علا على شيء, يعني على السطح, فالسماء إذا أريد بها الطباق المبنية فــ (في) تكون بمعنى علا, وإذا أريد بها السماء العلو فتكون (في) للظرفية, وأيها الأصل؟ الأصل أنها ظرفية هَذَا الأصل.
أَن السماء المراد بها العلو وتكون فِي للظرفية وغير ذَلِكَ من الآيات المتواترة والأحاديث المتكاثرة, فِي الحاشية يَقُول: لعل الصواب العكس, الآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة, شوفوا الآن السائل كم استدل من دليل الآن؟ استدل بآيات الاستواء والصعود والرفع وحديث الجارية وحديث النزول وحديث عمران بْنَ حصين«أَلا تأمنوني وَأَنا أَمِين من فِي السَّمَاء», يَقُول السائل: هَـذَا مثال, الآيات كثيرة والأحاديث متواترة, هَـذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طالب علم, يسأل حَتَّىَ يستفيد الغير من الجواب, حَتَّىَ يستفيد النَّاس, وله سلف فِي هَـذَا قدوته فِي ذَلِكَ جبريل حينما سأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
وَأول الْآيَات وَجعل الاسْتوَاء اسْتِيلَاء وَأول النُّزُول بِالرَّحْمَةِ وَهَكَذَا جعل التَّأْوِيل عَلَيْهِ مطردَة فِي سَائِر نُصُوص الصِّفَات وعاش فِي ظلام الْعقل فِي الْجَهْل والشبهات وَإِذا قيل لَهُ أَيْن الله أجَاب بِأَنَّهُ لَا يُقَال أَيْن الله الله لم يكن لَهُ مَكَان كَمَا هُوَ جَوَاب فريق المضلين.
(الشرح)
يَعْنِي السائل الآن يسأل يَقُول إيش؟: ما حكم من أَوَّل الصفات؟ ثُمَّ أتى بأدلة للصفات من الْكِتَابِ العزيز ومن السُّنَّةِ المطهرة, ثُمَّ قَالَ: ما حكم من أَوَّل هَذِهِ الآيات الَّتِي سبقت؟ وأول الاستواء وجعل الاستواء الاستيلاء؟ هَـذَا بعض أهل البدع يَقُول: الاستواء معناه الاستيلاء, وبعضهم يَقُول: ( ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮧ) [الأعراف/54]؛ أي: الملك, العرش الملك ما في عرش, ثم استوى على العرش على الملك, جعل الاستواء الاستيلاء, وأول النزول بالرحمة, يَقُول بعضهم: «ينزل ربنا كُلّ يوم إِلَى السَّمَاء الدنيا», قَالَ: تنزل رحمته, وبعضهم قَالَ: ينزل الملك, وبعضهم قَالَ: ينزل أمره, كُلّ هَذِهِ تأويلات باطلة.
قَالَ: (وهكذا جعل التأويل عَلَيْهِم مطردة), يَعْنِي مضطرد فِي سائر النصوص, نصوص الصفات, قَالَ: (وَهَكَذَا جعل التَّأْوِيل عَلَيْهِ مطردَة), يَعْنِي مضطرد فِي سائر النصوص, نصوص الصفات, يَقُول: جعل التأويل مضطرد فِي جميع الصفات, كُلّ صفة يَأْتِيَ يأولها, كُلّ صفة هَـذَا يسمى إيش؟ جعل التأويل مضطردًا, جعل آيات التأويل مضطردة فِي سائر النصوص, طيب وإِذَا أَوَّل النصوص ما أثبت لله أسماء ولا صفات, ما أثبت وجود الله إِلاَّ فِي ذهن صار فِي ظلام عقله مظلم, صار عقله مظلم وصار عنده شبهات وجهل, قَالَ: (وعاش فِي ظلام الْعقل فِي الْجَهْل والشبهات), ليش عاش فِي ظلام الْجَهْلُ؟ لِأَنَّ من أنكر نصوص الصفات فَهُوَ جاهل وعاش فِي ظلمات العقل فِي الْجَهْل؛ لِأَنَّ الإنسان إِذَا بعد عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ صار فِي ظلام, صار عنده شبهات, اجتمعت الشبهات, وصار الشبهة اللي عنده يَقُول: لو أثبتنا الصفات لقلنا: إِنَّ الله مشابه للمخلوقات هَذِهِ شبهة, يركزون عليها, العكاز الَّذِي يعتمد عليها جميع النفاة هِيَ أَن إثبات النصوص قَالَ: تجسيم, وتشبيه, والأجسام متشابهة والله ليس له مثيل, قَالُوا: لو أثبتنا الصفات للزم أَن يكون الله جسم, ولو قلنا: إِنَّ الله جسم لصار مشابهًا للمخلوقات, ولو قلنا: إِنَّ الله جسم لصار مشابهًا للأجسام؛ لِأَنَّ الأجسام متشابهات والله ليس كمثله شَيْء, ففرارًا من ذَلِكَ نفوا الصفات, فَلَمَّا نفوها حصلت الشبهة هَذِهِ الشبهة وصاروا فِي ظلام, عندهم ظلام فِي العقل, وظلام فِي الْجَهْل, وظلام فِي الشبهات, تراكمت الظلمات, ظلمة العقل وظلمة الْجَهْل وظلمة الشبهات.
طيب بقية السؤال يَقُول: (وَإِذا قيل لَهُ أَيْن الله؟), من هُوَ هَـذَا؟ يَعْنِي المعطل؛ الَّذِي نفى نصوص الصفات(أجَاب بِأَنَّهُ لَا يُقَال أَيْن الله الله لم يكن لَهُ مَكَان), كما سبق, يَقُول: أين يستدل بها عَلَى المكان, والله ليس له مكان, أين يكون؟ يَقُول: ذاهب فِي جميع الجهات, فوق وتحت وأمام وخلف فِي جميع الجهات, هَـذَا القول بالاختلاط بأنه مختلط بالمخلوقات, القول بالحلول.
وإِذَا قِيلَ له: أين الله أجب بأنه لاَّ يقال: أين الله, الله لَمْ يكن له مكان ( كَمَا هُوَ جَوَاب فريق المضلين), فريق المضلين الَّذِينَ ضلوا عَنْ سواء السبيل أجابوا: بأن الله لاَّ يُسأل عنه بأين؛ لِأَنَّ الله ليس له مكان.
(المتن)
فَهَل هَذَا جَوَاب الجهميين والمريسيين وأضلاء الْمُتَكَلِّمين أم اخْتِيَار عُلَمَاء السنيين.
(الشرح)
ما الجواب؟ الجواب: أَن هَـذَا جواب الجهميين والمريسيين, وأضلاء المتكلمين, وليس جواب السنيين, يَعْنِي اللي أَوَّل آيات الصفات ونفاها, هَـذَا جواب الجهمنيين, أو الجهميين, الجهميين نسبة إِلَى جهم بْنَ صفوان, الجهم بْنَ صفوان هُوَ الَّذِي أَوَّل نصوص الصفات, الجهم بْنَ صفوان تنسب إليه عقيدة نفي الصفات, أَوَّل من اخترع نفي الصفات, أَوَّل من اخترع نفي الصفات فِي الْإِسْلَام الجعد بْنَ درهم, أَوَّل من ابتدع القول بنفي الصفات هُوَ الجعد بْنَ درهم, وتأوليه كان فِي صفتين فقط, أنكر صفة الكلام, وأنكر صفة الخلة.
فَقَالَ: إِنَّ الله لَمْ يكلم موسى تكليمًا؛ وَلَمْ يتخذ إبراهيم خليلاً, وهاتين الصفتين ترجع إليهم جميع الصفات, إِذَا أنكر الكلام كلام الله لموسى بمعنى إنكار للشرائع والرسالات؛ لأنها بالكلام, ما فِي نبوة, ولا فِي أنبياء ولا كتب ولا رسالات ولا شرائع, إنكار التكليم هَـذَا معناه إنكار النبوات والشرائع؛ إذًا النَّاس فِي ظلام وجهل ما جَاءهُمُ نبوة, ما جَاءهُمُ رسل ولا أنباء ولا غيره.
والخلة إنكار الخلة معناه قطع الصلة بين الله وبين خلقه, الخلة اللي هِيَ المحبة, فسروا الخلة بمعنى الفقر, إبراهيم خليل الله يَعْنِي الفقير إِلَى الله, وهذا هَـذَا خاصٌ به بإبراهيم؟ كُلّ الخلق فقراء إِلَى الله, فسروا الخلة بأي شَيْء؟ بالفقر والحاجة, إبراهيم خليل إيش معنى خليل الله؟ فقير محتاج إِلَى الله.
طيب والكافر؟ فقير ومحتاج إِلَى الله, إذًا ما فِي فرق بين إبراهيم ولا غيره, إذًا الخلة فسروها بالحاجة والفقر, وَعَلَى هَـذَا فيدخل فيها المؤمن والكافر, فالجعد أنكر هاتين الصفتين, وكان فِي زمن التابعين فِي عهد التابعين فأفتى علماء التابعين بقتله, أفتوا بقتله وكان ذَلِكَ فِي زمان إيش؟ من الَّذِي قتله؟ خالد بْنَ عبد الله القسري أمير العراق والمشرق بواسط, كان أمير العراق والمشرق بواسط واستفتى علماء التابعين فأفتوا بأن الرجل يستحق القتل؛ لِأَنَّ هَـذَا مفسد للدين, أنكر الصفات فأفتوا بقتله, قَالُوا: إِنَّهُ مستحق للقتل, فنفذ الفتوى وقتله وكان هُوَ الأمير وكان هُوَ الَّذِي يصلي بالناس؛ يخطب الجمعة والعيد عَلَى عادة الأمراء السابقين كانوا هم الَّذِينَ يتولون الخطابة, يصلي بالناس الجمعة والعيد علماء, كانوا علماء الأَمْر علماء, أمير عالم وَهُوَ قاضي ومفتي.
خالد بْنَ عبد الله القسري عالم فاضل يصلي بالناس وَلَـكِن مع ذَلِكَ ما يأخذ بقوله, يأخذ الفتوى من العلماء, فأفتوا بقتله فنفذ هَـذَا وأمر به فقيد أُتي به مقيد, ربطت يداه إِلَى رجليه وربط, وأُتي به وكان صادف هَـذَا فِي يوم عيد الأضحى, فصلى بالناس خالد بْنَ عبد الله القسري صلى بالناس ثُمَّ خطب خطبة العيد بعد الصلاة قَالَ فِي آخر الخطبة: ضحوا تقبل الله ضحايكم, فإني مضحيٍ بالجعد بْنَ درهم فَإِنَّهُ زعم أَن الله لَمْ يتخذ إبراهيم خليلاً وَلَمْ يكلم موسى تكليمًا, ثُمَّ نزل من المنبر وأخذ السكين وذبحه ذبح الشاة, ذبحه من المنبر وكان هَـذَا مصلى خارج البلد, السُّنَّةِ أَن العيد ما يصلى فِي المسجد, يصلى خارج البلد.
كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي المدينة ما يصلي العيد فِي المسجد النبوي يصليه فِي الخارج, مصلى للجنائز ومصلى للعيد والاستسقاء كلها خارج البلد, صحراء قريبة من البلد, فخالد قتله وضحى به, فشكره العلماء وأثنوا عَلَيْهِ, ومن ذَلِكَ ابْنَ القيم فِي " الكافية الشافية " أثنى عَلَيْهِ, قَالَ:
ولذا ضحى بجعد خالد القسري ***يوم ذبائح القربان
إذ قَالَ إبراهيم ليس خليله ***كلا ولا موسى كليم الباري,
ثُمَّ قَالَ: شكر الضحية كُلّ صاحب سنةٍ ***لله درك من أخي قربان.
ولاشك أَن هَذِهِ الضحية أجرها عظيم تعدل أجر الضحايا؛ لِأَنَّ فيها قطع لدابر الفتنة والشر, وَلَـكِن مع الأسف قبل أَن يموت هَـذَا الجعد تتلمذ عَلَيْهِ الجهم, الجهم بْنَ صفوان هَـذَا.
تتلمذ عَلَى الجعد وأخذ منه عقيدة نفي الصفات, ثُمَّ توسع الجهم فِي عقيدة نفي الصفات ونفى الصفات كلها, ودافع عَنْ عقيدة نفي الصفات؛ حَتَّىَ نسبت إليه عقيدة نفي الصفات فقيل: عقيدة الجهمية, عقيدة الجهم, والأصل أَن يقال: الجعدية, عقيدة الجعدية بالنسبة إِلَى الجعد, لَـكِن قَالَ: عقيدة الجهمية؛ لِأَنَّ الجهم دافع عنها وتوسع فِي عقيدة نفي الصفات؛ حَتَّىَ أنكر جميع الصفات ودافع عَنْ مذهب أهل البدع؛ حَتَّىَ نسبت إليه الجهيمة, فقيل: عقيدة الجهم, والجهم والعياذ بالله حصلت له مناظرة مع طائفة يقال لهم: السومنية, من فلاسفة الهند, يقال لهم: السومنية, لاَّ يؤمنون إِلاَّ بالحسيات, بالمحسوس, ما هِيَ المحسوسات الخمس؟ ما تراه بعينك أو تسمعه بإذنك هَذِهِ الحاسة الثانية, أو تلمسه بيدك هَذِهِ الثالثة, أو تذيقه بلسانك هَذِهِ الرابعة, أو تشمه بأنفك هَذِهِ تسمى المحسوسات الخمسة.
ما يؤمنون إِلاَّ بما يدرك من المحسوسات الخمسة والباقي ينكرونه, فحصل لهم مناظرة للجهم مع السومنية, قَالُوا: ربك هَـذَا الَّذِي تعبد هَلْ رأيته بعينيك؟ من الَّذِي يَقُول هَـذَا السومنيين يناظرونه, قَالَ: لاَّ, قَالُوا: هَلْ سمعته بأذنك؟ قَالَ: لاَّ, قَالُوا: هَـذَا ذقته بلسانك؟ قَالَ: لاَّ, قَالُوا: هَلْ شممته بأنفك؟ قَالَ: لاَّ, قَالُوا: هَـذَا جسسته بيدك؟ قَالَ: لاَّ, قَالُوا: إِلَهَ معدوم, ما فِي رب, فشك فِي ربه وترك الصلاة أربعين يومًا الجهم.
ثُمَّ بعد الأربعين نقص الشَّيْطَان فِي ذهنه أَن الله موجود وجودًا مطلقًا, والوجود المطلق هُوَ الَّذِي لَمْ يقيد باسم ولا صفة, هَـذَا يقال له: الوجود المطلق, لَمْ يقيد باسم ولا صفة.
ومعلوم أَن الوجود المطلق ولا وجود له إِلاَّ فِي الذهن, يَعْنِي أي شَيْء تثبته وليس له اسم ولا صفة لاَّ يوجد إِلاَّ فِي الذهن, هَذِهِ المنصة لها صفات ولا ما لها صفات؟ ما هِيَ صفاتها؟ لها طول ولها عرض ولها عمق طوله كذا كم متر أو أو مترين, وعمقها كذا, لها ذات, ذات خشب وهِيَ موجودة فوق الأرض.
فَإِذا نفيت قلت: عندي منصة ليس لها طول ولا عرض ولا عمق وليس لها ذات؛ لاَّ من خشب ولا من زجاج ولا من حديد ولا من أي شَيْء وليست فوق الأرض؛ ولا تحت الأرض ولا متصلة بالأرض, ولا منفصلة عنها, وليست فوق العالم ولا تحت العالم, ولا محادية للعالم, معدومة, هكذا الملاحدة يصفون ربهم هَـذَا اللي يعبدونه, هَـذَا ربهم اللي يعبدونه, وإلا تعالى الله فوق ما يظنون و أعلى مما يتوهمون.
فالجهمية هكذا, ولهذا يَقُول العلماء: المعطل يعبد عدمًا, والمشبه يعبد صنمًا, والموحد يعبد إلهًا واحدًا فردًا صمدًا, فالجهمية والمعطلة يعبدون عدمًا, ما عندهم رب, ما هُوَ ربهم؟ عدم خيال, لاَّ داخل العلم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مباين له ولا محايد له, وما منفصل عنه, سلب النقيضين, وليس له أي صفة, إذًا لاَّ وجود له إِلاَّ فِي الذهن خيال فِي الذهن فقط, يتصوره الإنسان فِي ذهنه, وإلا مستحيل وجود شَيْء ليس له اسم ولا صفة. واضح هذا؟
لَـكِن الجهم أيضًا قيد الله له من قتله, وَهُوَ سلم بْنَ أحوز, سلم بْنَ أحوز أمير خرسان, قتل الجهم, سلم بْنَ أحوز أمير خرسان قتل الجهم, لَـكِن انتشر المذهب الجهمية وتقلده عَنْه الْمُعْتَزِلَة.
المؤلف يَقُول: (فَهَل هَذَا جَوَاب الجهميين), أم جواب أهل السُّنَّةِ؟ الجواب: هَـذَا جواب أهل السُّنَّةِ, (والمريسيين), المريسيين من هم؟ نسبة إِلَى بشر المريسي وَهُوَ رأس من رؤوس القائلين بخلق الْقُرْآن من المتكلمين, فِي القرن الثالث الهجري, هُوَ رئيس الجهمية بعد الجهم, الجهم قديم فِي أَوَّل المائة الثانية, وهذا فِي المائة الثالثة, عَلَى مذهب الجهم, المريسي يسمى بشر المريسي جهمي ينكر الصفات, وتزعم طائفة تسمى المريسية, جهمية, ترجم الذهب فِي ميزان الاعتقاد قَالَ عَنْ المريسي: ضال ولا يَنبَغِي أَن يروى عنه ولا كرامة.
ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يدرك الجهم بْنَ صفوان وَإِنَّمَا أخذ مقالته واحتج لها ودعا إليها, انظر مسائل الإمام أحمد كما فِي الحاشية رواية أبي داود وَالسُّنَّةِ للإمام عبد الله بْنَ أحمد, إذًا المريسية من هم؟ جهمية, هَـذَا هُوَ الَّذِي رد عَلَيْهِ عثمان بْنَ سعيد الدارمي, عثمان بْنَ سعيد الدارمي له مؤلف فِي الرد عَلَى إيش؟ بشر المريسي هَـذَا, فيه قوة, يَعْنِي عثمان بْنَ سعيد الدارمي هُوَ يناقش فيرد عَلَى بشر بقوة, يَقُول: هَذِهِ الآيات الَّتِي تأخذ بحلقك أيها المريسي, وآخر اسمه ابْنَ الثلجي ي رد عَلَيْهِ فِي رسالته, رسالة " رد عثمان بْنَ سعيد الدارمي عَلَى بشر المريسي " .
فهل هَـذَا جواب الجهمنيين أم جواب المريسيين وأضلاء المتكلمين؟ أضلاء جمع ضال, المتكلم الَّذِينَ يتكلمون فِي الصفات ويؤولنها وينفونها ويعرضون عَنْ النصوص, يسمى متكلم, أضلاء المتكلمين يَعْنِي الضَّلَالِ من المتكلمين.
(أم اخْتِيَار عُلَمَاء السنيين), أي الأمرين؟ السائل يَقُول: هَلْ هَـذَا الجواب هَـذَا اللي يؤول الاستواء أو النزول بالرحمة يؤولها ويقول له: أين الله يَقُول: فِي كُلّ مكان, هَلْ هَـذَا جواب الجهمنيين والمريسيين وأضلا ء المتكلمين أم جواب السنيين أم اختيار علماء السنيين أيهم؟ الجواب: هَـذَا جواب الجهميين والمريسييين.
(المتن)
أفيدونا بِجَوَاب رَجَاء الثَّوَاب يَوْم تَأتي كل نفس تجَادل عَن نَفسهَا فَإِن هَذَا الْمقَام طَال فيه النزاع وحارت فِيهِ الأفهام وزلت الْأَقْدَام وكل يَدعِي الصَّوَاب بزخرف الْجَواب فأبينوا الْمُدَّعَى بِالدَّلِيلِ وبينوا طَرِيق الْحق بالتفصيل والتطويل ضاعف الله لكم الْأجور ووقاكم الشرور وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله.
(الشرح)
انتهى السؤال الآن, السائل الآن يطلب الجواب يَقُول: (أفيدونا بِجَوَاب رَجَاء الثَّوَاب), يَعْنِي أَنتُمْ إِذَا أجبتم أهل السُّنَّةِ فَأَنتُمْ ترجون ثواب الله, متى هَـذَا؟ يوم الْقِيَامَة, (يَوْم تَأتي كل نفس تجَادل عَن نَفسهَا).
يشير إِلَى الآية الكريمة آية النحل, (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل/111] .
هَـذَا اقتبسه من الآية, (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل/111] .
فالسائل يَقُول: أجيبونا بجواب وَأَنتُمْ تذكروا أنكم ترجون ثواب الله, أنكم حينما تجيبون أَن الله يثيبكم, ترجون الثواب, ترجون ما عِنْدَ الله, أجيبوا بجواب كأنكم تشاهدون ربكم وكأنكم وواقفون بين يدي الله فِي الحساب, ترجون الأجر والثواب, (أفيدونا بِجَوَاب رَجَاء الثَّوَاب), من الله, متى يكون الثواب؟ يوم الْقِيَامَة (يَوْم تَأتي كل نفس تجَادل عَن نَفسهَا).
قال: (فَإِن هَذَا الْمقَام طَال فيه النزاع), أي مقام هَـذَا؟ مقام إثبات الصفات ونفي الصفات طال فيه النزاع بين من ومن؟ بين أهل السُّنَّةِ وبين أهل البدعة, بين أهل السُّنَّةِ وبين الجهمية والمعتزلة والأشاعرة فِي نزاع وردود وأخذ ورد وألفت فِي هَـذَا مؤلفات, شيخ الْإِسْلَام ألف العقيدة الواسطية وألف أيضًا التَّدْمُرِيَّة وألف الحموية وألفت العقيدة الطاحوية, والكتاب وَالسُّنَّةِ للإمام أحمد, كتاب (.....) لابن عبد الله, كتاب للبربهاري, كتب ألفت كثيرة, كتب السُّنَّةِ لابن أبي شيبة, الإيمان أبي عبيد إِلَى آخره, كتب التوحيد كثيرة الآن, الكتب المؤلفة فِي الرد عَلَى أهل البدع.
(فَإِن هَذَا الْمقَام طَال فيه النزاع بين أهل السنة وأهل البدعة وحارت فِيهِ الأفهام), أفهام النَّاس حارت, حارت الأفهام, صار عندهم حيرة وتحير ولذلك أهل الكلام حصل عندهم حيرة, الرازي صار عنده حيرة, والزمخشري صار عنده حيرة, وتمنوا فِي آخر الأَمْر أَن يسلمون من هَذِهِ الشبهات وأن تكون عقيدتهم عَلَى الفطرة عقيدة العجائز؛ حَتَّىَ قَالَ بعضهم: يا ليتني أموت عَلَى عقيدة عجائز نيسابور.
(..)الثَّانِيَ والرازي والزمخشري كلهم لهم كلام فِي هَـذَا, قَالَ:
لعمري لقد طُفت المعاهد كلها |
|
وسـيرت طرفي بين تلك المعالمِ |
فلم أرَ إلا واضعا كف حـائرِ |
|
على ذَقَنٍ، أو قارعاً سن نادم |
كلهم حيران, يضع كفه عَلَى ذقنه أو قارع سن نادم, ما يدري إيش يعمل من الحيرة, والرازي تاب, وَقَالَ: طفت المعاهد كلها وخضت فِي البحر, ثُمَّ قَالَ: رأيت أقرب الطرق طريقة أهل السُّنَّةِ والجماعة, اقرأ آية الإثبات(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5] .(ﯦ ﯧ ﯨﯹ) [فاطر/10] .
اقرأ آية النفي: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11]؛ هذه أقرب الطرق.
وقال بعضهم من شدة الحيرة, يقول: بعد صلاة العشاء, أنام على الأرض وأضع الملحف على وجهي وأفكر؛ حتى يطلع الفجر وأنا أفكر في أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء ولا أطلع بنتيجة, وأقوم ما طلعت بنتيجة, يقول: أنا في حرة الآن, وقال رجل من أهل الحيرة لأهل السنة والجماعة: ما تعتقد في ربك؟ قال: أعتقد أَن الله في السماء وأنه على كل شيء قدير, قال: وأنت مطمئن وأنت مرتاح؟ قال: نعم, والحمد لله مطمئن, قال: احمد ربك أنا ما أستطيع, أنا ما أدري ماذا أقول في ربي, نعوذ بالله من الحيرة, نسأل الله السلامة والعافية.
قال له: احمد ربك, هكذا حصل له حيرة وشكوك نسأل الله العافية, وعوقبوا لأنهم تركوا النصوص ورائهم ظهريًا فعوقبوا نسأل الله السلامة والعافية.
المؤلف يقول: (فَإِن هَذَا الْمقَام طَال فيه النزاع وحارت فِيهِ الأفهام), أفهام النَّاس, كلٌ له فهم, هَـذَا له فهم وهذا له فهم, هَـذَا يفهم ما فهمه المشبهة, هَـذَا يفهم ما فهمه المعطلة, حارت فيه الأفهام.
(وزلت الْأَقْدَام), زلت أقدام أُناس هلكوا, ونزلوا فِي هوة الحمية, قَالَ: (وكل يَدعِي الصَّوَاب بزخرف الْجَواب), كلٌ يدعي الصواب بخرف الجواب, زخرف القول, كلٌ يدي وصلاً ليلي وليلي لاَّ تقر لهم بذلك.
ثُمَّ قَالَ: (فأبينوا الْمُدْعَى بِالدَّلِيلِ), أبينوا هَـذَا الجواب, يَعْنِي بينوا, ما هُوَ الَّذِي تدعونه؟ هَلْ تدعون أَن مذهب أهل السُّنَّةِ هُوَ الْحَقّ أو مذهب الجهمية هُوَ الْحَقّ؟ هَـذَا الَّذِي تدعونه بينوه بالدليل, هاتوا الدَّلِيل, بينوا المدعَى, ما معنى المدعَى؟ ما تدعون أَنَّهُ الصواب, بينوا ما تدعون من الصواب بالدَّلِيل, لاَّ بالهوى, فأبينوا المدعى بالدليل قَالَ الله قَالَ الرسول هَـذَا الدَّلِيل, وسبق أَنَّهُ ذكر الأدلة, ذكر الاستواء وحديث الجارية هُوَ ذكر الدَّلِيل.
قَالَ: (وبينوا طَرِيق الْحق بالتفصيل والتطويل), بينوا طريق الْحَقّ بالتفصيل, تفصيل الأدلة وبيان وجه واستدلالها والرد عَلَى المخالفين.
ثُمَّ دعا قَالَ: (ضاعف الله لكم الْأجر ووقاكم الشرور), سأل الله أَن يضاعف الأجر والثواب لمن أجاب, وأن يقيه شرور الدنيا والآخرة, شرور الدنيا من الفتن والأمراض والنكبات والمصائب, وشرور الآخرة من العذاب فِي القبر وعذاب النار, إذًا دعا دعوة عظيمة, دعوة سأل السائل لمن أجاب أَن يضاعف الله له الأجر وأن يقيه شرور الدنيا وشرور الآخرة.
ثُمَّ ختم فَقَالَ: (وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله), هَـذَا السؤال الآن, بعد ذَلِكَ يَأْتِيَ الجواب, نقف عَلَى الجواب الآن.