بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعملنا، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني.
أشهد أنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، وإلى العربي والعجم، وأشهد أنه خاتم النبيين وإمام المرسلين فلا نبيا بعده، ولا رسول بعده، وأشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه من ربه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:-
فإني أحمد الله إليكم وأثني عليه الخير كله وأسأله المزيد من فضله، وأشكره سبحانه وأمانا علينا في هذه الدروس، وأسأله الله أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، وأسأله سبحانه أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذريتنا، كما أسأله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحوما وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصوما وألا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محروما.
كما أسأله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعل جمعنًا هذا جمع خير وعلم ورحمه تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده.
قد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
أيها الإخوان إن طلب العلم وتعلم العلم وتعليمه من أفضل القربات وأجل الطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى عَزَّ وَجَلَّ، ومن المعلوم لدى المسلمين أن العبادات لا تكون نافعةً ولا مقبولة ولا مقربةً إلى الله إلا إذا تحقق فيها هذا الأصلان.
الأصل الأول: أن تكون هذه العبادة خالصة لله مرادًا بها وجه الله والدار الآخرة، والأصل الثاني: أن تكون موافقة لشرع الله وصوابًا على هدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذان الأصلان دلت عليهم النصوص الكثيرة كما هو معلوم، قول اللهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [لقمان: 22].
وإسلام الوجه: هو إخلاص الوجه إلى الله، والإحسان: هو أن يكون العمل موافقًا للشرع، قال تعالى {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112].
ثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، الأعمال بالنيات.
ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ» وفي لفظٍ لمسلم: « من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ».
هذان الأصلان هما أصل الدين وأسام الملة؛ لأن إذا تخلف الأصل الأول وهو الإخلاص لله حل محله الشرك وإذا تخلف الأصل الثاني وهو المتابعة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حل محله البدع، والأصل الأول: هو تحقيق شهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، والأصل الثاني: هو تحقيق شهادة أن محمد رسول الله.
فهذان الأصلان هما أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وأشهد أن محمد رسول الله هما أصل الدين وأساس الملة بهما يدخل الإنسان في الإسلام وبهما يدخل الجنة، «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
وبهذا يتبين للسلم أن طلب العلم وتعلم العلم قربة وطاعة لله عَزَّ وَجَلَّ، بل من أصغر القربات يتعدى نفعها للآخرين، وهذا النفع هو أعظم نفع! النفع الأُخروي الذي ينفعك في دينك والذي ينقذك الله به من النار والذي تخرج به من الظلمات إلى النور وتخرج الناس كذلك من الظلمات إلى النور بإذن الله.
فوجب على طالب العلم أن يتعهد نيته في كل وقت؛ حتى تكون النية خالصة لله، يتعلم العلم المسلم لينقذ نفسه من الظلمات، ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان واليقين يتعلم المسلم حتى يعبد ربه على بصيرة، يتعلم المسلم؛ حتى يعرف ويعلم ما أوجب الله فيمتثله ويعلم ما حرم الله فينتهي عنه.
يتعلم المسلم حتى يعبد ربه على بصيرة، وكذلك أَيْضًا يعلم غيره فينفه أعظم النفع ويحسن إليه الإحسان العظيم؛ وهو إحسان إليه في دينه أعظم من الإحسان إلى البدن بالطعام والشراب؛ ولهذا تكاثرت النصوص في فضل العلم والعلماء ونوه اللهِ تَعَالَى بشأن العلماء ورفعهم درجات.
قال اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
وقد قارن اللهِ تَعَالَى شهادة العلماء بشهادته وشهادة ملائكته وهذا أجل مشهودٍ به وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية هذه أعظم الشهادة أجل شهادة، قال اللهِ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
والعلماء هم أهل البصيرة وهم الذين ينظرون إلى الحياة الدنيا وإلى الآخرة وينزلون كلً من الدارين منزلتهما، يعلمون الحياة الدنيا وأنها فانية، ويعلمون الحياة الآخرة وأنها هي الباقية، بخلاف غيرهم! من ضعفاء البصائر الذين ينظرون إلى الدنيا ولا يتجاوزنها.
انظر إلى قصة قارون الذي آته الله من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة والقوة ويخرج إلى قومه في حُلل يخرج في حُلة ويغدوا في حُلة، اغتر أهل الضعف ضعفاء البصائر اغتروا بما رأوا عليه من الزينة وظنوا أنها هي السعادة، قال اللهِ تَعَالَى عن قارون: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79].
انظر لا تجاوزون الدنيا {يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79]؛ لكن أهل العلم وأهل البصيرة مَاذَا؟ قالوا لهم: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]، " وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ" يعني: لا يلقاها هذا العلم وهذه البصيرة إلا أهل الصبر.
قال اللهِ تَعَالَى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 81، 82].
وقال تعالى عن أهل العلم وأهل البصيرة عند قيام الساعة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الروم: 55، 56].
"والْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" كما جاءت بذلك النصوص، ولهذا فإن الأنبياء لا يورثون مالًا، فمثلًا في الحديث الصحيح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ».
فالأنبياء لا يورثون مالًا ما يتركونه صدقة؛ لأنهم بعثوا لهداية الناس ولإنقاذهم من الشرك والبدع والخرافات إلى أولي العلم والإيمان ولم يبعثوا إلى الدنيا يورثوا الدنيا وهذا الحديث رواه عشرة من الصحابة رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم.
وبعد ذلك هذا خفي على فاطمة بنت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي سيدة نساء أهل الجنة جاءت إلى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تطلب منه ميراثها من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لها أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إن الأنبياء لا يورثون، ولكنها لم تقتنع فظل في نفسها بيَّن لها الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن الأنبياء لا يورثون وبقي في نفسها حتى توفيت رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها وأراها وهي ليست معصومة وهي سيدة نساء أهل الجنة.
ولكن الصواب مع الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ والصحابة ولو كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يورث لكان لها النصف ولعمه العباس الباقي لو كان يورث لكنه لا يورث عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
ولهذا الأنبياء لا يورثون لما دعى الله زكريا قال: "دعى الله أن يهب له ولدًا أن يرثه" قال العلماء: المراد ميراث النبوة، قال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 4 - 6].
هذا ميراث النبوة ليس ميراث الدنيا، ولهذا لم يأمر الله على نبيه أن يسأله من الزيادة من شيء إلى من العلم، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
وجاءت النصوص الكثيرة في أن لله ملائكة سياحين يتتبعون مجالس الذكر ومجالس العلم فيا مجالس الذكر يتتبعونها وإذا وجدوها حفوها بأجنحتهم وقال بعضهم لبعض: هذه طلبتكم، هذه طلبتكم.
وثبت في الأحاديث أن الرب سُبْحَانَهُ يسألهم وأعلم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى «يقول: ماذا وجدتم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يا ربنا يذكرونك ويسألونك ويستعيذون بك، فيسألهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مما يسألون؟ فقالوا: يسألونك الجنة، ويستعذونك من النار سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيقول الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إني أعطيتهم ما سألوا وأعذتهم مما استعاذوا، فيقولون: ربنا فيهم عبدك فلان جاء وليس منهم فجلس معهم فيقول الرب سُبْحَانَهُ: هم القوم لا يشقى به جليسهم» وهذا فضل عظيم.
فينبغي لطالب العلم والشباب أن يحرصوا على طلب العلم وتعلم العلم وأخذ العلم من العلماء من أفواه أهل العلم أهل البصيرة الذين عرفوا بسلامة المعتقد صحة العقيدة والعلم قبل فوات الأوان، فإنه في آخر الزمان أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يقبض العلم ويرفع العلم ويكثر الجهل».
وأخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أن العلم لا ينزع من صدر الرجال، ولا يقبض وإنما يقبض بموت العلماء، فلا يزال العلماء يموتون واحد بعد واحد حتى يبقى أهل الجهل».
قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزع من صدور الرجال، لكن يقبض العلم بموت العلماء أو "بقبض العلماء" فإذا لم يبقى عالم اتخذا الناس رؤوسًا جُهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».
فينبغي للشاب الحرص على تعلم العلم وعلى تسجيل الفوائد وتقييدها وعلى الإخلاص ويحرص على الإخلاص، إخلاص العمل، إخلاص النية لله عَزَّ وَجَلَّ وعلى سؤال الله أن يرزقه العلم فإن العلم رزق يرزقه الله من يشاء وهو رزق القلوب، كما قال البخاري رَحِمَهُ الله في شأن من كان بينه وبينه حسدٌ قال: "كم فلان كم يعتريه الحسد؟ والعلم رزقٌ يرزقه الله من يشاء من عباده".
الرزق رزقان: رزق القلوب إلى العلم، ورزق الأبدان؛ والله تعالى {هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]، فلابد من جهاد النفس على إصلاح النية ولابد من التعاون أَيْضًا بين الشباب وبين طلبة العلم فيما بينهم في تثبيت العلم والمذاكرة ولابد من التأدب بأدب العلم، أدب في الحلقات في الدروس، وكذلك الأدب فيما بينه وبين إخوانه لابد من الآداب والتأدب بالآداب.
الإخلال بالأدب قد يؤثر على الإنسان وعلى تعلمه وعلى تعلمه العلم، لابد من التأدب بالآداب بالحلقات وبين الإخوان، وكذلك التعاون أن يكون طالب العلم له خلق حسن في تعامله مع الناس، والخلق الحسن معروف لا يكون كالجاهلين ليس من يعلم كمن لا يعلم!
ولابد من سؤال الله والضرائه إليه في التوفيق في طلب العلم وفي التوفيق إلى الإخلاص وطلب العلم والصدق وإحسان العمل ونسأل اللهِ تَعَالَى أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح وأن يرزقنا الصدق في القول وأن يرزقنا الثبات على الإسلام والوفاة على الإيمان إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونحن إِنْ شَاءَ اللهُ في هذه الأيام وهذه الدروس نتكلم على ما يفتح الله عليه هذه الرسالة التي سمعتم رسالة شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ لمنسكه فيه الحج رسالة، (مسائل الجاهلية) للإمام المجد محمد بن عبد الوهاب، ورسالة (أصول الإيمان) كذلك للإمام المجد رَحِمَهُ الله، ونبدأ بالرسالة التي بين أيدينا منسك الإمام شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهِ تَعَالَى كتبها رَحِمَهُ الله فيما يتعلق بالحج وفيها علم غزير.
وبين رَحِمَهُ الله أنه كتب منسكًا في أوائل عمره ثم كتب هذا المنسك وهذا في أواخر عمره كما بين المحققون فهو كتب كتابًا في أوائل عمره وهذا المنسك كتبه في أواخر عمره، وفي آخر هذا المنسك الكلام عن الزيارة في بحث نفيس جدًا في العقيدة ليس بالقليل كثير في مبحث الزيارة باحث نفيس في العقيدة رَحِمَهُ الله.
وحتى في ثانيه المنسك، وكذلك فيما يتعلق بالعقيدة، وشيخ الإسلام إمام كونه معروف وأظهر أهل السنة والجماعة وأحياه بعد أن أندثر وهو إمام يرجع إليه ويعول عليه بعد الله وليس بمعصوم، ولكنه إمام معلوم أظهر أهل السنة والجماعة، والإمام محمد بن عبد الواهب رَحِمَهُ الله ودعوته امتداد لدعوة شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ الله وهي امتداد لدعوة الأئمة والعلماء الإمام أحمد رَحِمَهُ الله، الشافعي، ومالك، وابن حنيفة، وغيرهم من أهل العلم.
وهي امتداد ما عليه الصحابة ما عليه التابعون والصحابة رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم الذين تلقوا العقيدة والعلم عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينزل عليه الوحي بواسطة جبرائيل عن رب العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنبدأ على بركة الله.
(المتن)
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على الرسول الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمجتمعين يا رب العالمين، قال الإمام شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ اللهِ تَعَالَى في كتابه (منسك شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن تيمية):
مقدمة:-
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد:-
(الشرح)
هذه الخطبة تسمى عند أهل الخطوة الحاجة، وكثيرًا ما يفتتح بها شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ الله رسائله وكتبه، وهي تقال: في الحاجة يعني: النكاح وفي غيرها يفتتح بها، يعني: النكاح في خطبة تفتتح خطبة النكاح بهذه الخطبة وكذلك غيرها.
و"الحمد": هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله، فالحمد أبلغ من المدح، المدح: الثناء على الإنسان بصفاته ولازم أن يكون معه حب محبه بخلاف الحمد: هو ثناءٌ مع محبة، و ال: للاستغراق الحمد الله والمعنى جميعًا وعل المحامد كله مستغرقة كلها ملك لله كل مستغرقة لله جميعها حامد كلها ملكًا واستحقاقَ وهو مالكها ومستحق لها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
لله، اللام للملك والاستحقاق والله اعرف المعارف سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الله أصلها الإله ثم حذفت الهمزة اتصلت اللام باللام، والإله: هو المألوه إله على وزن انفعال بمعنى مفعول وهو الذي تأله القلوب محبة وإجلاًل وتعظيمًا وخوفًا ورجاءًا وهو المألوه المعبود بحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
"نحمد ونستعينه", الاستعانة طلب العون السين والتاء طلب العون، "ونستهديه" نسأله الهداية، "ونستغفره" نسأله المغفرة فالسين والتاء للطلب، "نستعنيه" نطلب منه ونسأله العون، "نستهدي" نطلب منه ونسأله الهداية، "ونستغفره" نطلب ونسأله المغفرة.
"ونعوذ بالله من شرور أنفسنا" العوذ يعني: اللوذ، أعوذ: ألوذُ والتجأ وأعتصم بك يا الله، "من شرور أنفسنا" النفس لها شر، النفس من الأعداء والشيطان عدو ويستعاذ بالله من شر نفس ومن شر الشيطان، "ومن سيئات أعمالنا" الأعمال سيئتها لها سيئات الأعمال كلُ ما في السموات والأرض من الشرور سببه الذنوب والمعاصي.
المعاصي هي سبب للمصائب والنكبات في الدنيا والآخرة، عذاب القبر سببه الذنوب والمعاصي، النار سببها الذنوب والمعاصي والكفر، ما يصيب الناس في الدنيا، تسليط الأعداء من الأمراض والحروق كله سببه الذنوب والمعاصي، يستعاذ بالله من شر النفس ومن سيئات الأعمال.
"من يهديه الله فلا مضل له" الهداية بيد الله، والهداية هدايتان: هداية دلالة وإرشاد، وهداية توفيق والتسديد، فهداية الدلالة والإرشاد هذه يقدر عليه العلماء والمصلحون والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثبتها الله لنبيه في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، أما هداية والتسديد هذه خاصة بالله لا يقدر عليها إلا الله فهو الموفق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو المسدد وهو الذي يجعلك تقبل الحق وترضى به وتختاره.
"من يهديه الله فلا مضل له" المراد الهداية هنا هداية التوفيق والتسديد من هداه الله لا يستطيع أحد أن يضله أبدًا، من كتب الله له السعادة وهداه الله فلا يستطيع أحدٌ أن يضله لو اجتمع أهل الأرض على أن يضلوا أحدًا والله أراد له الهداية لما استطاعوا.
"ومن يضلل فلا هادي له"من خلاه الله وتركه ولم يعنه فلا يستطيع أحدٌ أن يعنه هذا في إثبات القدر وإن كل شيء بقضاء الله وقدره، لإثبات القدر وإثبات أن اللهِ تَعَالَى هو المصرف لعباده وأنه هو المدبر لشئون عباده، وأنه لا مدبر مع الله، من خذله الله وأضله من اجتمع أهل الأرض كلٌ على أن يجعلوه مهتدٍ ما استطاعوا.
"وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريك له" أشهد أقر وأعترف بأنه لا معبود بحقٍ إلا الله، "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" هذه كلمة توحيد ومعناه لا معبود بحقٍ إلا الله والإله هو المعبود، والآلهة كثيرة وكل شيء في الدنيا عُبد، عُبدت النجوم والسماء والجبال والأنهار والبحار والحيوانات حتى الفرج حتى يُقال في الهند: أكثر من مائة معبود منها الفروج كلها معبودة بالبطال، العبادة بالحق عبادة الله عَزَّ وَجَلَّ.
"لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" لا معبود بحقٍ إلا الله فالإله هو المعبود، قد غلط الصوفية والمتكلمون والأشاعرة في تفسير الإله أنه الخالق أو القادر على الاختلاق قالوا معنى "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ " لا خالق إلا الله، لو كان معنى "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" لا خالق إلا الله لكان الناس كلهم مسلمون! لكان أبو جهل مسلم وقريش وكفار قريش كلهم مسلمون كلهم يقولون لا خالق إلا الله.
ولا يتبين عظمة هذه الكلمة وأنها هي كلمة التوحيد التي تنفي الشرك إلا إذا فسر الإله بأنه المعبود، "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" لا معبود بحق إلا الله والخبر محذوف تقديره حقٌ، "لا" نافية للجنس النحاة العربية، النحاة أهل العربية قالوا: "لا" نافية للجنس من أخوات "إن" تنصب الاسم وترفع الخبر.
"إله" اسمها والخبر محذوف تقديره حقٌ، لا إله حقٌ إلا الله كل الآلة باطلة، ولذلك قال الله: بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير، فالآلة كلها معبودة بالباطل والعبادة بالحق عبادة الله عَزَّ وَجَلَّ، "وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" لا إله حقٌ إلا الله والله حق، "وحده" هذا تأكيد للإثبات، "لا شريك له" تأكيد للنفي.
"وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" أشهد أقر وأعترف أن محمدًا، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي، "عبده" عبد الله، "ورسوله" هو عبدٌ لا يُكَذب عبدٌ يُطاع يُتبع ولا يُكَذب ورسولٌ لا يُعبد فهو عبد الله ورسوله ليس إلهًا يُعبد وليس كذبًا فعبده اجتمع على فعل العبودية والرسالة وأشرف المقامات مقام العبودية والرسالة، أشرف مقامات النبي مقامات العبودية والرسالة.
ولهذا جمع الله بينهما في المقامات العظيمة في مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1], في مقام الدعوة: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19]، مقام التحدي، {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23]، فعبد الله هذا رد على من قصر في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنكر نبوته.
"ورسوله" كذلك في إثبات الرسالة عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فعبد هذا رد على من غلى فيه وزعم أنه إلهًا فهو عبد ليس إلهًا، ورسوله رد على من أنكر رسالته وجفا، "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" فهو عبد الله ليس إلهًا ولكنه رسول ليس إلهًا يُعبد ورسول هو عبد الله ورسوله ليس كذبًا ولكنه رسول.
"صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ" الصلاة صلاة الله على عبده أصح ما قيل فيها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية أنه قال: "صلاةَ الله على عبده: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى" .فيسلط من الملائكة الاستغفار ومن الآدميين، كذلك الاستغفار ومن الله الثناء وتدخل الرحمة فيها أَيْضًا.
"وعلى آله" آله قيل: ذريته المؤمنون، وقيل: أتباعه على دنيه وهذا هو الأولى أتباعه على دينه "وعلى آله" أتباعه على دنيه ويدخل في ذلك دخولًا أوليًا ذريته المؤمنون وزوجاته وصحابته كلٌ داخل في آله، كل من آمن بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو داخل في آله من ذريته من الصحابة ومن زوجاته.
"وعلى آله وصحبه" صحبه جمع صاحب، والصاحب: أصح ما فيل فيه هو من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنًا ومات على الإسلام، كما قال الحافظ بن حذيفة: من لقي وهذا أولى من قول: من رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشمل العميان؛ لأن عبد الله بن مكتوم لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه لم يره لكنه لقيه، يقال: من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنًا ومات على الإسلام والصحابة يتفاوتون في هذا, منهم من هو له دور الصُحبة ومنهم من هو أقل.
"وسلم تسليمًا كثيرًا" أو وسلمى يقول: اللهم صلي وسلم، أو صلى وسلم تسليمًا كثيرًا، وهذا دعاءٌ على النبي بالسلام ما فيها دليل على أنه ليس إلهًا؛ لأنه يُدعى له لو كان إلهًا لما يُدعى له، دل على أنه عبد وبشر عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ولكن الله اختصه بالرسالة، "وسلم تسليمًا" دُعاء له بالسلامة م الآفات ومن كل شيء, "تسليمًا" تأكيد مفعول مطلق، "كثيرًا" أي وصف "تسليمًا كثيرًا" لأن السلام موصوفٌ بأنه "تسليمًا كثيرًا" تأكيد ووصفٌ له بالكثرة.
(المتن)
أحسن الله إليك؛ قال: أما بعد: فقد تكرر السؤال من كثير من المسلمين أن أكتب في بيان مناسك الحج ما يحتاج إليه غالب الحجاج في غالب الأوقات، فإني كنت قد كتبت منسكًا في أوائل عمري وذكرت فيه أدعية كثير وقلدت فيه الأحكام من اتبعت قبلي من العلماء وكتبت في هذا ما تبين لي من سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقصرًا مبينا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(الشرح)
"أما بعد" كلمة يؤتى بها للانتقال من شيء إلى شيء فالمؤلف رَحِمَهُ الله انتقل من الخطبة إلى الدخول في الموضوع "فأما بعد"، كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي كثيرًا بهذه الكلمة "أما بعد" في خطبه ورسائله، كان إذا خطب الناس في مجموعه قال: "أما بعد" فإن أحسن الحديث كتاب الله، وكذلك في رسائله لما كتب إلى هرقل "أما عبد" أسلم تسلم.
وهذا أولى من قول: وبعد، أما بعد اختلف في أول من قالها قيل أول أو من قالها أس بن سعد الريادي، وقيل أول من قالها: داود عليه السلام، وقيل أنها هي الفصل فصل الخطاب الذي أوتي. " أما بعد فقد تكرر السؤال في كثير من المسلمين أن أكتب في بيان مناسك الحج" هذا في بيان سبب تأليف هذه الرسالة في منسك الحج سبب التأليف المؤلفون الذين ألفوا يذكرون سبب التأليف، فيذكر سبب التأليف: أنه كثر السؤال في كثير من المسلمين كثرة الأسئلة الموجهة إلى الشيخ رَحِمَهُ الله بأن أكتب لهم منسكًا في الحج.
"أكتب لهم في بيان مناسك الحج ما يحتاج إليه غالب الحجاج في غالب الأوقات" هكذا السائل يعني السائل أو السائلون سألوه أن يكتب منسكًا للحج يتضمن هذا المنسك ما يحتاج إليه غالب الحجاج في غالب الأوقات، إذا ما يحتاج إليه غالب الحجاج في غالب الأوقات، "غالب الحجاج" يعني: أكثر الحجاج.
يعني: يخرج من هذا بعض أهل العلم قد لا يحتاجون إلى هذا، بعض طلبة العلم؛ لكن غالب الحجاج يحتاجون و أَيْضًا في غالب الأوقات هؤلاء السائلون طلبوا من الشيخ رَحِمَهُ الله أن يكتب لهم منسكًا في الحج يتضمن ما يحتاج إليه غالب الحجاج في غالب الأوقات، وذكر الشيخ رَحِمَهُ الله: أنه كتب منسكًا في أوائل عمره وذكر فيه أدعية كثيرة قلد في أحكامه العلماء السابقون قبله.
"قال: وكتبت في هذا ما تبين لي من سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يعني: هذا المنسك كتبه في آخر عمره كما ذكر المحقق: أن نص ابن عبد الهادي (الصارم المنكي).
أن شَيْخُ الإِسْلَامِ كتب هذا المنسك في أواخر عمره بعد ما نضج، نضج علمه وعقله رَحِمَهُ الله فتبين في هذا أن هذا المنسك فيه تحقيق، أن فيه علمًا غزيرًا فيه تحقيق.
فمنسكه الأول كتبه في أوائل عمره وذكر فيه أدعية وذكر في تقليد العلماء السابقين، وأما هذا المنسك ذكر له ما تبين له من سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظاهره أنه ما فيه تقليد، وإنما ذكر فيه ما ظهر له من سنة الرسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام مختصرًا على وجه الاختصار، نعم مختصرًا ليس مطولًا.
لو كان مطولًا لكان يأتي مجلدات مختصرًا مبينًا؛ يعني: جمع بين الاختصار مع البيان ليس اختصارًا مخلًا ولكنه اختصار فيه البيان، قال: "ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" هذه الكلمة كلمة عظيمة وهي كنز من كنوز الجنة.
كما ثبت في الصحيح: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر على أبو موسى الأشعري يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فقال له: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة، فقال: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" كنز من كنوز الجنة».
وما ذلك إلا لأن هذه الكلمة العظيمة فيها براءة من حول الإنسان وقوته وفيها اعتماد على الله عَزَّ وَجَلَّ وأنه لا تحول من حال إلى حال ولا قوة لسانه إلا بالله، فلا يتحول الإنسان من المرض إلى العافية إلا بالله، ولا يتحول الإنسان من الضلال إلى الهداية إلا بالله، لا يتحول الإنسان من الفقر إلى الغنى إلا بالله، لا تحول الإنسان من الضعف إلى القوة إلا بالله.
يقال: لا حول ولا قوة؛ يعني: لا قوة لنا على شيء إلا بك يا الله، ما يمكن أن يكون لك قوة إلا بالله، ولا يمكن أن تتحول من حال إلا بالله؛ ولهذا شُرع للمسلم حينما يجيب المؤذن إذا قال المؤذن: حي على الصلاة، حي على الفلاح أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فالمؤذن يقول: حي على الصلاة أقبل على الصلاة، فيجب أن تقول: لا حول لي ولا قوة إلا بالله، ولا تحول لي وإجابة المؤذن والقيام للصلاة والقوة لي على ذلك إلا بالله، "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" هذا كان جعلها المؤلف بين قوسين زيادة في بعض النسخ والذي ورد في الصحيح "لا حول ولا قوة إلا بالله".
"العلي" اسم الله، "والعظيم" اسم آخر، "العلي" فيه إثبات صفة العلو لله عَزَّ وَجَلَّ، "والعظيم" فيه إثبات صفة العظمة لله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأن أسماء الله مشتقة وليست جامدة كل اسم مشتمل على صفة، "فالعلي" مشتمل على صفة العلو، "العظيم" مشتمل على صفة العظمة.
"الرحيم" مشتمل على صفة الرحمة، "القدير" مشتمل على صفة القدرة، "الخبير" مشتمل على صفة الخبرة، "السميع" مشتمل على صفة السمع، "البصير" مشتمل على صفة البصر، وهكذا جميع الأسماء.
(المتن)
قال: فصلٌ، أول ما يفعله قاصد الحج والعمرة إذا أراد الدخول فيهما أن يحرم بذلك وقبل ذلك فهو قاصد الحج أو العمرة ولم يدخل فيهما، بمنزلة الذي يخرج إلى صلاة الجمعة فله أجر السعي ولا يدخل في الصلاة حتى يحرم بها وعليه إذا وصل إلى الميقات أن يحرم.
(الشرح)
هذا الفصل قاله المؤلف رَحِمَهُ الله للإحرام ومواقيت الحج، قال: "أول ما يفعله قاصد الحج والعمرة إذا أراد الدخول فيهما أن يحرم بذلك"، أو ما يفعله قاصد الحج والعمرة: الإحرام، والإحرام: هو النية في القلب، أن ينوي بقله الدخول في النسك هذا هو الإحرام، وقبل ذلك هو قاصد الحج أو العمرة ولم يدخل فيهما.
يعني: قبل ذلك أنت حينما تخرج من بلدك وأنت ناوي إلى الحج هذه نية عامة هذا قصد، قصد الحج ولم تكن داخل في الحج، وكذلك إذا وصلت إلى الميقات واغتسلت ما تعتر أحرمت هذا استعداد وتهيؤ، وكذلك لبس الإزار والرداء كذلك ما دخلت في الحج ولا في العمرة حتى تنوي بقلبك الدخول في الحج أو العمرة.
تنوي بقلبك الدخول في العمرة إذا كنت تريد الدخول في العمرة، أو تنوي بقلبك الدخول في الحج إذا كنت تريد الحج، أو تنوي دخول العمرة والحج إذا قصد الحج والعمرة.
يقول المؤلف: "بمنزلة الذي يخرج إلى صلاة الجمة فله أجر ما سعى، ولا يدخل في الصلاة حتى يحرم بها" أنت حينما تخرج إلى صلاة الجمعة أو صلاة الجماعة مثلًا تخرج من بيتك الآن لك أجر السعي القصد تكتب الخطوات من بيتك حتى تصل إلى المسجد، وكذلك أَيْضًا إذا وصلت إلى المسجد ووقفت في الصف كل هذا ما دخل في الصلاة حتى الآن.
حتى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام ثم تكبر حينئذٍ دخلت في الصلاة، تدخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام، وقبل ذلك استعداد وتهيؤ، كذلك الذي يقصد الحج والعمرة حينما يذهب من بلده أو يتهيأ أو يستعد بالنفقة ويركب السيارة والطائرة ويمشي ويصل إلى الميقات كل هذا استعداد وتهيؤ وله أجر لكن ما دخل في الحج والعمرة إلا بالإحرام، فلا يدخل الحج إلا بالإحرام، لا يدخل العمرة إلا بالإحرام، كذلك لا يدخل في الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام وقبل ذلك في استعداد وتهيؤ.
(المتن)
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم بارك على الرسول الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
فصل: الإحرام ومواقيت الحج.
أول ما يفعله قاصد الحج والعمرة إذا أراد الدخول فيهما أن يحرم بذلك وقبل ذلك فهو قاصد الحج أو العمرة ولم يدخل فيهما، بمنزلة الذي يخرج إلى صلاة الجمعة فله أجر السعي ولا يدخل في الصلاة حتى يحرم بها وعليه إذا وصل إلى الميقات أن يحرم.
(الشرح)
هذه المسألة مسألة مهمة يغلط فيها كثير من العامة، لأن بعض العامة يظن أن الإحرام هو التجرد من المخيط إذا تجرد من المخيط ظن أنه أحرم، أو إذا صلى ركعتين بعضهم يظن أن الإحرام أنه في وهو بلده إذا نوى النية العامة وهذا خطأ.
الإحرام: هو نية الدخول في النسك وليست نية قصد الحج، نية قصد الحج هذه موجودة قبل ستة أشهر أو سبعة أشهر أو قبل سنة وأنت ناوي أن تحج هذه هي ليست نية الحج هذه نية عامة قصد عام للحج، يعني: أنا ناوي هذا العام إِنْ شَاءَ الله أحج هل هذه النية هل هذه نية الحج؟ دخلت في الحج؟ لا، هذه نية عامة, هذه تعبر قصد نية قصد الحج.
فالمؤلف رَحِمَهُ الله يقول: "أو ما يفعله قاصد الحج والعمرة إذا أراد أن يدخل فيهما أن يحرم بذلك" أول نسك الحج هو النية، وهذه النية هي الإحرام وهي أن تنوي بقلبك الدخول في العمرة إذا كنت تريد العمرة أو تنوي بقلبك الدخول في الحج إذا كنت تريد الحج، أو تنوي بقلبك الدخول في العمرة والحج إذا كنت تريد الدخول فيهما قارنا، و أما قبل ذلك فهو قصد للحج وتهيؤ للحج واستعداد للحج.
فأنت تخرج من بلك متهيئ للحج معك النفقة، تخرج بسيارتك تركب السيارة تركب الدابة تركب الطائرة تركب قطار تركب الباخرة هذا كله استعداد تصل غلى الميقات تغتسل تتنظف تتطيب تتجرد من الخيط تلبس النعلين كل هذا ليس هو الإحرام هذا قصد تهيؤ واستعداد.
متى يكون الإحرام؟
إذا نويت بقلبك دخول الحج أو العمرة.
والإنسان كما سيأتي ويبين المؤلف رَحِمَهُ الله إذا وصل إلى المواقيت، مواقيت زمانية ومكانية فإنه ينوي بقله الدخول في النسك، سيأتي أنواع الإحرام بينما يكون النية في القلب وهذا النية التي في القلب نية دخول النسك هذا أول نسك من مناسك الحج أو العمرة وهو ركن لا يدخل في الحج ولا في العمرة بهذه النية بها، كما أنه لا يدخل في الصلاة إلا بتكبره الإحرام؛ فكذلك لا يدخل في الحج أو العمرة إلا بالنية.
أول النسك وهو ركن وكما سيأتي أنه وجوه الإحرام وأنواع النسك هو ثلاثة:
العمرة، أو الحج، أو الحج والعمرة معًا.
إما أن ينوي بقلبه الدخول في العمرة، وإما أن ينوي بقلبه الدخول في الحج مفردًا، وإما أن ينوي بقلبه الدخول في الحج والعمرة قارنًا.
ولهذا قال المؤلف رَحِمَهُ الله: "أو ما يفعله قاصد الحج والعمرة إذا أراد الدخول فيهما أن يحرم بذلك"، وقبل ذلك فهو قاصد للحج أو العمرة ولم يدخل فيهما مثل استعداد وتهيؤ، بمنزلة الذي يخرج إلى صلاة الجمعة أو صلاة الجماعة أَيْضًا فله أجر ما سعى له أجر السعي له أجر النية خطوات تدخل تكتب ذهابًا وإيابًا.
وكذلك أَيْضًا بقائه لبسه في المسجد يكبت له أجر انتظار الصلاة؛ لكنه ما دخل في الصلاة متى يدخل في الصلاة؟ بتكبيرة الإحرام، يدخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام، فتكبيرة الإحرام بها يدخل في الصلاة؛ كذلك الإحرام في الحج به يدخل في الحج به يدخل في الحج، الإحرام بالعمرة به يدخل في العمرة، الإحرام بالحج والعمرة بهما يدخل في الحج والعمرة بالإحرام الذي هو النية ليس هو اللبس وليس هو الاغتسال وليس هو المشي وليس هو الركوب وليس هو صلاة الركعتين؛ إنما هو النية في القلب تنوي بقلك الدخول في العمرة أو في الحج أو في الحج أو العمرة.
كما أنك إذا أردت أن تصلي تمشي تذهب من بيتك تتوضأ تتهيأ تمشي إلى المسجد وتصلي ولو دخلت المسجد تصلي السنة الراتبة، تقرأ قرآن وهو الآن ما دخل في الصلاة، متى تدخل في الصلاة؟ بتكبيرة الإحرام.
هذا ما يقوله المؤلف: "أول ما يفعله قاصد الحج والعمرة إذا أراد الدخول فيهما أن يحرم بذلك وقبل ذلك فهو قاصد الحج أو العمرة ولم يدخل فيهما بمنزلة الذي يخرج إلى صلاة الجمعة فله أجر ما سعى ولا يدخل في الصلاة حتى يحرم بها وعليه إذا وصل إلى الميقات أن يحرم" يحرم بماذا؟ بالنية، عليه أن إذا صل إلى الميقات أن يحرم.
ليس أن يحرم بالاغتسال ولا بلبس المخيط ولا بصلاة ركعتين بالنية وإنما ذكرنا هذا لأن هذا مكان خطأ لبعض العامة، كثير من العامة يقولون:أنا أحرمت، أنا أحرمت في بيتي، أنا أحرمت في الطائرة، أنا أحرمت قبل أن أركب الطائرة، أنا أحرم من ستة أشهر، النية قصد يخطئون في هذا فينبغي أن ينبته إلى هذا أن الإحرام: هو نية الدخول في النسك.
كما أن الإحرام في الصلاة بتكبيرة الإحرام فكذلك الإحرام في النسك بالنية التي تكون في القلب، ولهذا قال المؤلف: "وعليه إذا وصل إلى الميقات أن يُحرم".
(المتن)
أحسن الله إليك، والمواقيت خمسة:
ذو الحليفة، الجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وذات عرق.
ولما وقت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المواقيت قال: هن لأهلهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن لمن يريد الحج والعمرة ومن كان منزله دونهن فَمَهِلُه من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة.
(الشرح)
هذه المواقيت، المواقيت نوعان: مواقيت مكانية، ومواقيت زمانية.
مواقيت الحج نوعان: مواقيت مكانية، هذه هي التي ذكرها المؤلف رَحِمَهُ الله "ذو الحليفة، الجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وذات عرق"، وأما المواقيت الزمانية فهي: "شوال وذو القعدة وذو الحجة وعشرة ذو الحجة"، هذه هي المواقيت الزمانية يعني:الزمن الذي يُحرم فيه بالحج في هذه الثلاثة، "شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة" هذا يحرم فيه بالحج.
في رمضان ما دخل في أشهر الحج؛ بعد العشرة من ذي الحجة انتهت الحجة انتهى زمان الحج فهذه المواقيت الزمانية" شوال وذو القعدة وذو الحجة " للحج.
أما المواقيت المكانية فهذه هي الخمسة وهذه هي المواقيت الخمسة الكل يمر بها كل من أرد بحج أو بعمرة في أشهر الحج أو في غيرها لا يتجاوزها إلا يحرم إلا بإحرام، ذو الحليفة وسيذكر المؤلف رَحِمَهُ الله: تفاصيل عن المواقيت المكانية "ذو الحليفة والحجفة وقرن المنازل ويلملم وذات عرق".
قال المؤلف رَحِمَهُ الله: " هن لأهلهن وفي حديث: «هن لهن»، ولمن مر عليهن من غير أهلهن لمن يريد الحج والعمرة"، يعني: هذه المواقيت لأهل هذه المواقيت ولمن مر عليها من غيره، يراجع الحديث: «هن لهن ولغير أهلهن» لفظ الحديث، وقد تكون هذه رواية وهذه رواية، "هن لأهلهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن لمن يريد الحج والعمرة" وفي لفظ الحديث: «ممن يريد الحج والعمرة».
يعني هذه المواقيت لأهلها "ذو الحليفة" لأهل المدينة ولما مر عليها من غير أهل المدنية، "والجحفة" لأهل الشام ولما مر عليها من غير أهل الشام، "وقرن المنازل" لأهل نجد ولما مر عليه من غير أهل نجد، "ويلملم" لأهل اليمن ولما مر عليها من غير أهل اليمن، "ذات عرق" لأهل دمش والعراق ولمن مر عليه من غيرهم، هذا معنى " هن لأهلهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة".
قوله: "ممن يريد الحج والعمرة" فيه دليل على أن من لم يرد الحج والعمرة لا يجب عليه الإحرام وهي مسألة خلافية سيذكرها المؤلف رَحِمَهُ الله، "ومن كان منزله دونهن فَمَهِلُه من أهل" من كان دون هذه المواقيت فإنه يحرم من أهله أهل البحرة الشرائع وكذلك من جهة المدينة المستورة وأهل بدر كلهم يُحرمون من منازلة؛ لأنهم في داخل المواقيت حتى أهل مكة يهلون من مكة، حتى أهل مكة يهلون من بيوتهم للحج، أهل مكة يحرمون من منازلهم من بيوتهم للحج.
أما العمرة فالصواب أنه إذا أرادوا العمرة يُحرمون من الحِل خارج الحرم من التدعيم؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر عائشة أن تخرج إلى الحِل، وقال بعض العلماء: أَيْضًا يُحرم من مكة؛ لكن الصواب أن العمرة لابد أن يخرجها من الحِل جمعًا بين النصوص.
الطلب: يوجد نص في حديث صحيح البخاري يقول: «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمَ، قال: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ».
هذا في كتاب الحج في باب مهل لأهل مكة للحج والعمرة.
الطالب: ...
الشيخ: لأنه في رواية هن لأهلهن من غير ...، وكذلك ممن يريدون الحج والعمرة عندك لمن، ممن.
الطالب: وفي رواية أُخرى في البخاري كذلك قال: « فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِنَ»، هذا في باب ويل لمن كان دون المواقيت.
الشيخ: المقصود أن هذه المواقيت لأهلها وما مر عليها من غير أهله ومن كان دون المواقيت فإنه يحرم من منزله من مكانه، من كان داخل المواقيت البحرة، الجدة، الشرائع، وادي فاطمة، ...، ...، وبدر كلهم يحرمون من منازلهم؛ لأنهم داخل المواقيت وأهل جدة من جدة كذلك.
بعد ذلك سيتكلم المؤلف عن هذه المواقيت بالتفصيل، ولذلك ما تكلمنا عليها، لأن سيتكلم عنها المؤلف بالتفصيل.
(المتن)
فذو الحليفة: هي أبعد المواقيت، بينها وبين مكة عشرة مراحل أو أقل أو أكثر بحسب اختلاف الطرق، فإن منها إلى مكة عدة طرق وتسمى وادي العقيق، ومسجدها مسجد الشجرة،وفيها بئر يسميها الجهال العامة بئر علىِ لظنهم أن عليً رضي الله عنه قاتل الجن بها! وهو كذب، فإن الجن لم يقاتلهم أحد من الصحابة وعلي أرفع قدرًا من أن يثبت الجن لقتاله. ولا فضيلة لهذا البئر ولا مذمة ولا يُستحب أن يرمي بها حجرًا ولا غيره .
(الشرح)
فذو الحليفة: هذا ميقات هذه المدينة وذو الحليفة تصغير حلفة، والحلفة: نبت ينبت وهو يكثر في وادي العقيق فسمي ذو الحليفة باسم هذا النبت، ذو الحليفة هو تصغير حلفة وهو نبت معروف يسمى الآن آبار علي وبينها وبين مكة يقول المؤلف: عشرة مراحل للإبل يعني وهي ما يقارب (420) كيلوا وبينها وبين المسجد النبوي ما يقارب من ثلاثة عشر كيلوا وهي أبعد المواقيت من مكة.
بينما المواقيت الأخرى مثل الجحفة بينه وبين مكة ثلاثة مراحل والمواقيت الثلاثة الأخرى بينها وبين مكة مرحلتين فما الحكمة كون ميقات المدنية طويل عشرة مراحل(240) كيلوا، بينما المواقيت الأخرى (120)، (100)، هكذا فالله أعلم.
لكن ذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين رَحِمَهُ الله نلتمس الحكمة فلع الحكمة أن ميقات أهل المدينة أبعد المواقيت لعل الحكمة أن يتقارب الحرمان.
فما تكاد تخرج من الحرم المدني حتى تلبس بالإحرام الذي هو متعلق بالإحرام المكي، يقول: لعل من باب ألتماس الحكمة ولا ما في يعني ليس هناك دليل يدل على الحكمة يعني المواقيت الأخرى قريبة جدًا (120) كيلوا السيل، يلملم السعدية، كذلك ذات عرق، كلها قريبة، الجحفة ليست بعيدة بينما ميقات المدينة أبعدها (420)كيلوا وهما (120)، (100) أو أقل.
فيقول رَحِمَهُ الله: لعل الحكمة أن يتقارب الحرمان فلا تكاد تخرج من الحرم المدني حتى تتلبس بما له صلة بالحرم المكي وهو الإحرام ولهذا يقول: وهي أبعد المواقيت بينها وبين مكة عشر مراحل أو أقل أو أكثر بحسب اختلاف الطرق، فإن منها إلى مكة عدة طرق وتسمى وادي العقيق، تسمى وادي العقيق، يسمى الوادي المبارك.
جاء في حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ : صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ ، وَقُلْ : عُمْرَةٌ فِي حَجْة» فهو يسمى الوادي المبارك يسمى وادي عقيق وهو ذو الحليفة، ومسجده يسمى مسجد الشجرة يعني المكان المسجد يعني: المصلى ولا ما في مسجد؟ ما كان على عهد النبي فيه مسجد ولا كان سابقًا فيه مساجد، والمسجد اسم لما يصلى فيه ويسجد فيه كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جُعل في الأرض مسجدًا وطهورًا».
مسجد، مسجدها يسمى مسجد الشجرة، كان لعلى شجرة هناك، قال: وفيها بئرٌ تسميها جهال العامة بئر علي، لظنهم أن علي قاتل الجن بها هذا في زمن شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ الله، كان فيها بئر يسميها جهال العامة بئر علي لظنهم أن عليً رضي الله عنه قاتل الجن بها! وهو كذبَ! فإن الجن لم يقاتلهم أحد من الصحابة وعلي أرفع قدرًا من أن يثبت الجن لقتاله.
قال المؤلف رَحِمَهُ الله: " ولا فضيلة لهذا البئر ولا مذمة ولا يُستحب أن يرمي بها حجرًا ولا غيره"، كأنهم في زمن رَحِمَهُ الله بعض العامة يرمي بالحجر يستحب هذا، هذا من البدع ولا أصلًا لهذا وهذا كلا عن هذا البئر ليست موجودة، والمؤلف رَحِمَهُ الله يتحدث عن شيء كان موجود في زمنه رَحِمَهُ الله.
(المتن)
وأما الجحفة: فبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل, وهى قرية كانت معمورة، وكانت تسمى مهيعة وهى اليوم خراب، ولهذا صار الناس يحرمون قبلها من المكان الذي يسمى رابغًا, وهذا ميقات لمن حج من ناحية المغرب كأهل الشام ومصر وسائر المغرب.
وإذا اجتازوا بالمدينة النبوية كما يفعلونه في هذه الأوقات أحرموا من ميقات أهل المدينة فإن هذا هو المستحب لهم بالاتفاق،فإن أخروا الإحرام إلى الجحفة ففيه نزاع.
(الشرح)
الجحفة: هي الميقات الثاني وهي ميقات أهل الشام ومصر والغرب ميقاتهم الجحفة، والحجفة : كانت قرية صغيرة ثم جحفتها السيول فسميت بالجحفة؛ لأن السيول جحفتها، وتسمى أَيْضًا مهيعة الجحفة تسمى مهيعة وجحفة قرية صغيرة جحفتها السيول.
فصار الناس يحرمون من قبلها من رابغ، ورابغ قبلها بيسير، قال: وهي اليوم خراب فصار الناس يحرمون من رابغ ومن أرحم من رابغ قد أحرم من الجحفة؛ لأنه قد أحرم قبلها بيسير.
وهذا إلى سنوات قليلة كان الناس يحرمون من رابغ، الآن عمرة الجحفة الآن وضع فهيا مسجد كبير ومغاسل منذ سنوات، الآن صارت معمورة يحرم الناس من الجحفة نفسها ورأينا هذا وأحرمنا منها، فالجحفة الآن عمرة بعد أن كانت خراب كانت مسرين في الأول كانت خراب ولا فيها شيء والناس يحرمون من رابغ ثم بعد ذلك عمرت الآن وبني فيها مسجد كبير ومغاسل وصار الناس يحرمون ممن الجحفة.
قال المؤلف رَحِمَهُ الله: " وإذا اجتازوا بالمدينة النبوية كما يفعلونه في هذه الأوقات أحرموا من ميقات أهل المدينة فإن هذا هو المستحب لهم بالاتفاق" يعني: إذا اجتاز المدينة للزيارة لزيارة المسجد النبوي ثم سلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبيه كما هو معلوم الآن أكثر الحجاج يجتازون إلى المدنية ويزورن قبل الحج وبعضهم بعد الجح.
فالذي يزور المدينة قبل الحج، بعد الزيارة يرجع إلى مكة للإحرام للحج والعمرة، من أين يحرم؟ يحرم من المدنية من ميقات المدينة من ذو الحليفة، فإذا أحرم من ذو الحليفة فهذا هو الأفضل وهو المستحب وليس فيه إشكال، فإن أخر الإحرام إلى الجحفة كأن يحرم من الميقات الثاني من الجحفة أو أخر الإحرام إلى يلملم أو جاء إلى ميقات أخر أو حتى من السيل فهل يجوز له ذلك أو لا يجوز؟
قال المؤلف: إذا أخر الإحرام إلى الجحفة ففيه نزاع فيه خلاف، من العلماء من قال: لا بأس لأنه انتقل من ميقات إلى ميقات سواء أحرم من ميقات أهل المدنية أو من الجحفة أو من يلملم أو من السيل وهي قرن المنازل من أي مكان فلا بأس، وقال أحرم العلم: ليس له ذلك بل يجب عليه أن يحرم من ميقات أهل المدينة لأنه هو الميقات الذي مر به وصار حكمه الآن حكم أهل المدينة ليصدق قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن ممن أراد الحج والعمرة».
أنت الآن مررت على الميقات ينطبق عليك الحديث: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن ممن أراد الحج والعمرة»، وهذا هو الأحوط يعني: والأبرأ للذمة والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فإذا أحرمت من ميقات أهل المدينة ذو الحليفة ليس عليك شيء بالاتفاق وهذا أفضل وإذا أحرمت من ميقات أخر فمن العلماء من قال: يصح، ومنهم من قال: لا يصح.
وعلى القول: بأنه لا يصح يعني: يكون عليك الذنب شاة تذبحها لأنك تجاوزت الميقات التي مررت به، فلهذا الأحوط والأبرأ للذمة أن يحرم من ذو الحليفة إذا زار المدينة قبل الحج وأراد الإحرام.
(المتن)
أحسن الله إليك، وأما المواقيت الثلاثة:فبين كل واحد منها وبين مكة نحو مرحلتين وليس لأحد أن يجاوز الميقات إذا أراد الحج أو العمرة إلا بإحرام. وإن قصد مكة لتجارة أو لزيارة فينبغي له أن يحرم وفي الوجوب نزاع.
(الشرح)
وأما المواقيت الثلاثة وهي: وهي ميقات أهل اليمن وهي يلملم ويسمى السعدية، وميقات أهل النجد وهي قرن المنازل ويسمى السيل الكبير، وميقات أهل العراق والمشرق وهو ذات عرق ويسمى الضريبة هذه المواقيت الثلاثة.
قال: " المواقيت الثلاثة:فبين كل واحد منها وبين مكة نحو مرحلتين" ليس بالعبيد يعني: (120:100) كيلوا، والسيل (120) كيلوا وهي من جهة الهَدْىَ يكون أقرب من (80) كيلوا؛ لأنه وادي واحد متصل والضريبة الآن وهي ذات عرق عمرت الآن ولها خط قبل إذا كنت آتٍ من الرياض يأتي قبل أن تأتي الطائف كم كيلوا يأتيك خط ذات عرق هناك.
كذلك قريبة من مواقيت أهل المشرق ولأهل العراق وجاء في الحديث النبي وقتها، وجاء في حديث أخر أن عمر بن الخطاب هو الذي وقتها وذلك؛ لأن أهل العراق أتوا إلى عمر بن الخطاب وقالوا: إنه جور عن طريقنا فوقت لهم ذات عرق، وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لم يعلم بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتها فوفق اجتهاده النص.
والصواب أن ذات عرق ثابت في الحديث أنه وقتها لأهل المشرق ذات عرق، فهذه المواقيت الثلاثة كلها قريبة من مكة متقاربة، قريب مرحلتين في حدود (120) تزيد قليلًا أو تنقص قليلًا، قال المؤلف رَحِمَهُ الله: " وليس لأحد أن يجاوز الميقات إذا أراد الحج أو العمرة إلا بإحرام" وهذا بالاتفاق، وليس لأحد أن يجاوز الميقات إذا أراد الحج أو العمرة إلا محرم.
إذا أراد الحج والعمرة ومر بالميقات يجب عليه أن يحرم فإن لم يحرم وتجاوزها ناسيًا أو نائمًا فإن عليه أن يرجع إلى الميقات وليس عليه شيء حتى ولو وصل إلى مكة ولو كان متعمدًا، إذا لم يحرم يجب عليه أن يرجع إلى الميقات وليس عليه شيء، فإن تجاوزها وأحرم إن كان ناسيًا أو جاهلًا فعليه التوبة والاستغفار وعليه الفدية؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات العمرة ومن واجبات الحج.
والإحرام النية ركن من أركان العمرة والحج لكن كونه ينوي في هذا المكان واجب الميقات فإذا في ركن وفي واجب، إذا الركن هو النية والواجب أن تكون النية من هذا الميقات إذا تجاوز الميقات وأحرم فإن عليه دمًا عند جمهور أهل العلم؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الحج أو العمرة.
وإن تجاوزها متعمدًا وأحرم لزمه شيئان الشيء الأول: الدم، والأمر الثاني: الإثم يكون آثمًا لأنه متجاوزًا الحدود التي حدها الله ورسوله عليه التوبة والندم والاستغفار وعليه مع ذلك شاة يذبحها، أما إذا تجاوزها وأحرم جاهلًا أو ناسينًا فهذا معفوٌ عنه من جهة الإثم لأنه لم يتعمد ولكن عليه الفدية وهي الشاة التي يذبحها.
ولهذا قال المؤلف رَحِمَهُ الله: "وليس لأحد أن يجاوز الميقات إذا أراد الحج أو العمرة إلا بإحرام وفي الوجوب نزاع" وقال: "وإن قصد مكة لتجارة أو لزيارة فينبغي له أن يحرم وفي الوجوب نزاع".
يعني: إذا قصد مكة لا للنسك لا يريد حجًا ولا عمرة قصدها لزيارة بعض الأقارب أو قصدها للتجارة أو لأي غرض من الأغراض، هل يجب عليه أن يحرم؟ قال المؤلف: الأفضل يحرم، الأفضل ألا يحرم نفسه الخير ما دام أنك أتيت إلى مكة تقول: أنا آتٍ إلى زيارة ولا حضور زواج ولا لصلة أرحام, فتقول: أحرم ما تحرم نفسك الخير هذا أفضل.
لكن إذا لم يحرم هل يأثم؟ فيه خلاف، ذهب بعض العلماء أنه يأثم ويجب عليه أن يحرم، قالوا: وهذا مذهب الحنابلة والجماعة قالوا: هذا من خصائص مكة لا يدخل أحدًا إلا أن يحرم لأي قصد، جئت لأي قصد للزيارة للتجارة لكذا لازم تحرم هذا من خصائص مكة، حتى الذي تردد مثلًا صاحب سيارة الأجرة وغيرها في آخر مرة دخوله مكة يحرم.
وقال آخرون من أهل العلم: أنه لا يجب عليه أن يحرم إذا لم يقصد حجًا أو عمرة لا يجب عليه مادام دخلها ما نوى الحج ولا نوى العمرة فلا بأس أن يدخل بدون إحرام، تجارة ولزيارة ولصلة أرحام.
والدليل على ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة يوم الفتح ولم يحرم، دخل مكة وعلى رأسه المغفر وعليه عمامة سوداء؛ لأنه دخلها قاصدًا تطهيرها من الشرك والبدع ولم يقصد الحج والعمرة ولهذا دخلها غير محرم وهذا نص، أن من دخل مكة لا يريد حجًا أو عمرة لا بأس بالدخول وهذا هو الصواب الذي عند جماهير أهل العلم.
والقول الأول: ذهب إليه بعض العلماء من الشافعية ورواية عن الإمام أحمد، ولكن الصواب أنه لا يجب عليه، ودخول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح نصٌ في المسألة.
(المتن)
أحسن الله إليك، أنواع الإحرام:
ومن وافي الميقات في أشهر الحج فهو مخير بين ثلاثة أنواع:
وهي التي يقال لها: التمتع، والإفراد، والقران، إن شاء هل بعمرة فإذا حل منها أهل بالحج.
وهو يخص باسم التمتع، وإن شاء أحرم بهما جميعًا،أو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف وهو القران، وهو داخل في اسم التمتع في الكتاب والسنة وكلام الصحابة, وإن شاء أحرم بالحج مفردًا، وهو الإفراد.
(الشرح)
هذه أنواع الإحرام: تسمى وجوه الإحرام، أو أنواع الإحرام ثلاثة إذا وصل إلى الميقات في أشهر الحج، أشهر الحج: هي المواقيت الزمانية "شوال، وذو القعدة، وذو الحجة" إذا وصل إلى الميقات في شوال في واحد شوال أو في ثلاثين شوال، أو في واحد ذي القعدة أو في ثلاثين ذي القعدة، أو في ثمانية ذي الحجة أو تسعة ذي الحجة، هنا يخير بين واحد من الأنساك الثلاثة.
التي تسمى: "التمتع والأفراد والقران"، تسمى وجوه الإجرام وتسمى أنواع الإحرام الثالثة، "التمتع والأفراد والقران"، قال المؤلف رَحِمَهُ الله:" إن شاء هل بعمرة فإذا حل منها أهل بالحج" هذا التمتع، "إن شاء هل بعمرة" يهل بعمرة يذهب للعمرة، "فإذا حل منها" يعني: طاف وسعى وقصر وتحلل أهل بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة.
"يخص باسم التمتع" يعني: هذا يخص باسم التمتع عند الفقهاء يسمون هذا المتمتع؛ ولكن في الكتاب والسنة أَيْضًا يدخل اسم التمتع القادم يسمى متمتع، والتمتع معناه: الترفه، وسمي متمتع؛ لأنه ترفه بأن اسقط أحد السفرين، الأصل أن يحرم بعمرة بسفرة والحج بسفرة فالمتمتع أخذ نسكين أحرم بنسكين في سفرة واحدة فصار متمتع، ومثله القارن.
القارن أَيْضًا أحرم بحج وعمرة نسكين في سفرة واحدة إلا أن المتمتع عمرته منفصلة مستقلة عن الحج والقارن عمرته داخلة في الحج، فكل منهما سمي متمتع كما قال المؤلف: " وهو داخل في اسم التمتع في الكتاب والسنة وكلام الصحابة"، القارن داخل يسمى متمتع في الكتاب وفي السنة وفي كلام الصحابة؛ لكن الفقهاء المتأخرون فرقوا بينهما.
قالوا: التمتع اسم خاص لمن أهل بالعمرة وتحلل منها ثم أحرم بالحج ولا يسمون القارن متمتع يسمون هذا قارن خص اسم التمتع بالذي يحرم بالعمرة مستقلة؛ لكن في الكتاب والسنة وكلام الصحابة يدخلون القران باسم التمتع، ولهذا قال المؤلف رَحِمَهُ الله: " إن شاء هل بعمرة فإذا حل منها هل بالحج، وهو يخص باسم التمتع، وإن شاء أحرم بهما جميعًا" هذا القران يلبي بالحج والعمرة.
المتمتع ماذا يقول؟ المتمتع يحرم بالعمرة يقول: لبيك عمرة،أو اللهم لبيك عمرة أو أوجبت عمرة وأن شاء قال: لبيك عمرة متمتع بهذا الحج، أو أوجبت عمرة متمتع بهذا الحج.
والقارن يقول: لبيك عمرةً وحجًا، أو اللهم لبيك عمرةً وحجًا، أو أوجبت عمرةً وحجًا، المتمتع يقول: لبيك عمرة، أو اللهم لبيك عمرة، أو أوجبت عمرة.
والمفرد يقول: لبيك حجًا، أو أوجبت حجًا، أو اللهم لبيك حجًا.
هل هذا جهر بالنية؟ هل هذا تلفظ بالنية؟، شَيْخُ الإِسْلَامِ والجميع يقول: هذا ليس تلفظ بالنية هذا ذكر للنسك في التلبية، هذا ذكر للنسك في التلبية؛ ولكن الجهر بالنية بدعة في الصلاة أو في الصيام أو في الحج، وإن كان الفقهاء المتأخرون يقولون: ستحب التلفظ بالنية حتى يتواطأ القلب واللسان، المتأخرون من الفقهاء حتى في الصلاة يقولون: يستحب أن تنطق بالنية سرًا حتى يتواطأ القلب واللسان.
تقول: اللهم إني أريد الصلاة صلاة الظهر أربع ركعات خلف هذا الإمام، هكذا يقول المتأخرون، ولكن الصواب أن هذا بدعة ما فعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا فعله الصحابة والنية في القلب محلها في القلب والله أعلم ما في القلوب؛ ولهذا قال أبو العتاهية: لو عمرت عمر نوح وفتشت في الكتاب والسنة وفي كتب أهل ما وجد دليل يدل على جواز التلفظ بالنية.
المتأخرون يقولون: يستحب التلفظ بالنية سرًا حتى يتواطأ القلب واللسان هذا الاستحباب حكم شرعي لابد له من دليل ما عليه الدليل، كذلك أَيْضًا بعض الناس تتلفظ بالنية في الصيام تقول: نويت أن أصوم هذا اليوم من رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هذا أَيْضًا بدعة، الله يعلم ما في القلوب والصلاة ما تحتاج نية النية موجودة حتى لو أردت أن تفعل شيء بدون نية ما استطعت، النية ما تحتاج صنع الدروع.
نية الوضوء ما هي؟ إذا ذهبت إلى دورة المياه هذا نيته، إذا وقفت في الصلاة هذا نيته الصلاة النية في القلب موجودة، كذلك الصيام إذا تسحرت وقمت في آخر السحور هذه النية هذه نية الصيام، كذلك الحج كذلك نويت بقلبك الدخول في الحج هذه هي النية، لو نويت بقلبك الدخول في العمرة هذه هي النية، نويت بقلبك الدخول في الحج والعمرة هذه هي نية الحج والعمرة.
أما قولك: لبيك حجًا أو اللهم لبيك عمرة هذه ذكر للنسك في تلبيتك، الفقهاء يقولون: اللهم إني نويت الحج، اللهم إني نويت هذه النية هذا غير مشروع، اللهم إني نويت الحج، اللهم إني نويت العمرة، فيسأل: اللهم إني نويت الحج حج بيتك الحرام فيسره لي وتقبله مني، اللهم إني نويت العمرة والحج هذا جهر النبية وليس عليه دليل، وإنما تذكر نسكك في تلبيتك.
تقول: لبيك عمرة أو اللهم لبيك عمرة، أوجبت عمرة، لبيك حجًا أو أوجبت حجًا،أو اللهم لبيك حجًا، لبيك عمرة وحجًا، أو اللهم لبيك عمرة وحجًا، هكذا قال: العلماء والمحققون وشيخ الإسلام بن تيمية رَحِمَهُ الله، خلاف المتأخرين من الفقهاء.
(المتن)
أحسن الله إليك، قال: فصلٌ في الأفضل من ذلك:
فتحقيق في ذلك أنه يتنوع باختلاف حال الحاج، فإن كان يسافر سفرة للعمرة وللحج سفرة أخرى أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة. والإحرام بالحج قبل أشهره ليس مسنونًا بل مكروها، وإذا فعله فهل يصير محرم بعمرة أو بحج؟ فيه نزاع.
(الشرح)
المؤلف هنا قال: فصلٌ في الأفضل من ذلك، الأفضل يعني: من هذه النسك الثلاثة أيهما أفضل؟ التمتع أو القران أو الإفراد، في هذا خلاف بعض العلماء أو كثير من الفقهاء يرى أن التمتع أفضل الأنساك، ويرى آخرون من أهل العلم أن القران أفضل، ويرى آخرون أن الإفراد أفضل.
وكل واحد من هذه الأقوال الثلاثة قال: به بعض أهل العلم، قال بعض العلماء: التمتع أفضل، قال آخرون: القران أفضل، التمتع أفضل لأنه يأتي بنسكين، وقال: القران أفضل لأنه فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال الآخرون: الإفراد أفضل لأنه جاء في الأحاديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحرم مفردًا كما روت عائشة.
والمؤلف يقول: "التحقيق أنه يتنوع باختلاف حال الحاج، فإن كان يسافر سفرة للعمرة وللحج سفرة أخرى أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة".
لأنه في حالتين يكون التمتع أفضل، أو في حالتين يكون أفضل إذا كان يسافر سفرة للعمرة وللحج سفرة أخرى فهذا يكون الإفراد في حقه أفضل، يعني: سافر للعمرة في أشهر الحج في شوال أو ذو القعدة ثم رجع إلى بلده وأنشأ سفرة للحج هنا يحرم الحج مفردًا؛ لأن العمرة له سفر الحج له سفر هذا كلام المؤلف رَحِمَهُ الله، وهذا فيه نظر والصواب: أن التمتع أفضل؛ لأنه في السفرة الثانية أحرم للحج والعمرة صار له عمرتين العمرة الأولى والعمرة الثانية.
العمرة في السفرة الأولى والعمرة في السفرة الثانية، وما المانع قد يسافر ثلاث، ثلاث سفرات في أشهر الحج ولاسيما في زمننا الآن في ذلك الوقت فيه صعوبة، فهذا يرى المؤلف رَحِمَهُ الله: أنه في هذه الحالة يكون الأفضل إذا سافر للعمرة سفرة ثم رجع إلى بلده وأنشأ سفر أخر للحج يكون هذا الإفراد في حقه أفضل.لكن ليظهر والله أعلم أنه أَيْضًا في سفره الثاني أَيْضًا إذا أحرم بالعمرة والحج يكون له أفضل؛ لأنه حصل على عمرتين.
كذلك الحالة الثانية قال: " أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها حتى يحج" يعني: سافر اعتمر في رمضان ما دخل في أشهر الحج ثم بقي في مكة حتى جاء الحج فيحرم في هذه الحالة فيكون الإفراد في حقه أفضل، نعم هذه الحالة نعم الأفضل إنه يحرم بالحج مثل أهل مكة؛ لأنه ما خرج إلى مكة، والعمرة كونه يأتي بعمرة ثانية من مكة خلاف الأولى؛ لأن العمرة هي الزيارة ومن وجد في مكة كيف يزور؟ وكذلك أهل مكة كيف يعتمرون وهم في مكة؟
لكن لو خرج لحاجة إلى الطائف أو خرج إلى المدينة ثم رجع نعم يحرم للعمرة والحجا ويكون أفضل، لكن مادام بقي في مكة وأراد أن يحج من عامه فالأفضل ألا يأتي بالعمرة وإنما يحرم للحج والعمرة وقتها واسع.
ولهذا فإن العمرة من مكة فيها خلاف، العمرة المكية فيها خلاف حتى قيل أن أهل مكة لا عمرة عليهم؛ لأن العمرة للداخل وليست للخارج داخل مكة العمرة للداخل، ولأن العمرة هي الزيارة ومن في مكة كيف يزور وهو في جوف مكة؟
وقال آخرون من أهل العلم: لا حرج لا مانع أن تخرج من مكة وتأتي بعمرة وأهل مكة لا بأس أن يخرجوا ويأتوا بعمرة ويكون متمتعين، لكن أهل مكة إذا تمتعوا ليس عليهم هذه وقالوا: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن لعائشة أن تعتمر من التنعيم، ولكن على كل حال كما ذكر المؤلف يعني: إذا اعتمر قبل أشهر الحج في رمضان ثم بقي فالأفضل الإفراد مع المؤلف في هذا، أنا يظهر لي: أن قول المؤلف هنا وجيه.
أما المسألة الأولى وهو كونه يسافر للحج ويعمل عمرة يسافر للحج ويعمل عمرة أخرى مفرد، الأفضل فيما يظهر لي: أن يأتي بعمرة أخرى مع الحج فتكون المسألة الأولى يعني الأظهر: أن الأفضل التمتع، والمسألة الثانية الأظهر: الأفضل الإنفراد.
قال المؤلف رَحِمَهُ الله: "والإحرام بالحج قبل أشهره ليس مسنونًا بل مكروها"، أشهر الحج المواقيت معروف مواقيت الحج الزمانية "شوال وذو القعدة وذو الحجة" لو أحرم للحج في رمضان ما الحكم؟ هذا مكروه بالاتفاق ليس مسنونًا.
لكن هل يصير محرم؟ بعض العلماء يقول: ما يصير محرم؛ لأنه ما دخلت أشهر الحج ما الفائدة من التوقيت لو كان محرمًا بالحج لم يكن له فائدة بالتوقيت وقتت الحج بأشهر معلومات كما قال الله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، وهي" شوال وذو القعدة وذو الحجة" , فلو كان يصير محرمًا إذا أحرم قبل أشهر الحج لما كان هناك فائدة في التوقيت.
وقال آخرون من أهل العلم: يصير محرمًا لكن مكروه في حقه فإذا أحرم في رمضان للحج صح الإحرام، لكن مكروه في حقه كراهة تنزيه والأقرب والله أعلم أنه لا يكون محرمًا وأنه لا يكون محرمًا إذا أحرم بالحج قبل أشهر الحج وإنما يكون إحرامه عمرة نقلبه إلى عمرة ، إذا أحرم في رمضان أو في شعبان أو في رجب بالحج نقول: ما دخلت أشهر الحج عليك أن تفسخ نيتك بالحج وتجعلها عمرة وتطوف وتسعى وتقصر وتتحلل.
والحج تحرم بالحج في أشهره في مواقيته التي وقتها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والقول: بأنه يكون محرمًا قبل أشهر الحج قول: مرجوح قولٌ ضعيف.
(المتن)
أحسن الله إليك، وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس وهو أن يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة، ويقدم مكة في أشهر الحج وهن: شوال، وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له، وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل.
فإنه قد ثبت بالنقول مستفيضة التي لم يختلف فيه صحته أهل العلم بالحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حج حجة الوداع هو وأصحابه رَضِيَ اَللَّهُ تعالى عَنْهُمَ أمرهم جميعهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ يبلغ محله يوم النحر، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ساق الهدي هو وطائفة من أصحابه وقرن هو بين العمرة والحج فقال: «لبيك عمرة وحجًا».
(الشرح)
يقول المؤلف رَحِمَهُ الله: " وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس وهو أن يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة" وهذا أَيْضًا يفعله غالب الناس في هذه الأوقات يجمع بين الحج والعمرة في سفرة واحدة،" ويقدم مكة في أشهر الحج وهن: شوال، وذو القعدة وعشر من ذي الحجة" فهذا فيه تفصيل يقول المؤلف.
إن ساق الهدي فالقران أفضل له، وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل، هذا جيد هذا التفصيل، هذا التفصيل جيد إن ساق الهدي فالقران أفضل لأنه فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساق الهدي والله لا يختار لنبيه إلا الأفضل، إذا ساق الهدي، وما معنى ساق الهدي: هذه سنة مهجورة عند غالب كثير من الناس.
سوق الهدي أن تحمل معك إذا أحرمت إبل أو بقر أو غنم تذبحها في مكة تهديها ولو في السيارة تحمل معك في السيارة غنم أو بقر أو إبل تهديها هذه هي السنة، أذا أسقت الهدي تحرم بالحج والعمرة ما تتحلل حتى تذبح ذلك يوم العيد أن تذبح يوم العيد، بخلاف من لم يسوق الهدي يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، لكن من معه الهدي لا.
«النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له: لما أمر أصحابه أن يتحللوا بالعمرة قالوا: أنت ما تحللت قال إني لبد ت رأسي وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر»، لبدت رأسي تلبيد الرأس الشعر يجعل فيه شيء من السمر حتى لا يتشعر لأن المدة طويلة، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحرم بالعمرة أحرم يوم (25) ذو القعدة المسافة طويلة تسعة أيام السفر على الإبل ليس مثل الآن ساعة أو نص ساعة تسعة أيام أحرم يوم (25) ذو القعدة على الإبل ولا وصل إلى مكة إلا في اليوم الرابع من ذي الحجة.
فهو يحتاج قلد إلى أن يتشعس الرأس يعني: جعل فيه شيء من السمر لبد الرأس، تلبيده جعل الشيء يمسكه من السمر، وقلد الهدي، الهدي الإبل تمشي على الأقدام تسعة أيام تمشي من المدينة إلى مكة هذه ساقها معها، تقليد الهدي ما هو؟ هو أن يجعل في رقبتها خيط أو حبل أو يجعل نعال قلدها النعلين لكي تعرف أنها مهداة غلى البيت، هذه سنة يقلدها، وسنة أَيْضًا أخرى في الهدي خاصة بالإبل وهي الإشعار.
والإشعار: هو أن يأتي بالسكين ويشق صفحة سنامها حتى يخرج الدم ويسلته عن يمينه وعن شماله هذا وإن كان فيه نوع تعذيب للحيوان إلى أنه يغتفر للمصلحة المصلحة أعظم حتى يعلم الناس من رآها أنها مهداة البيت.
والهدي أَيْضًا الذي يهدى للبيت سواء حج الإنسان أو لم حج حتى ولو كنت في بلدك ترسل في أي وقت هدي هذه المسألة مهجورة، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرسل الهدي وهو في المدينة هل يلزمه أن يمتنع من أخذ شعره؟ إذا أرسل وهو غير محرم، قال بعض العلماء بذلك قال: إذا أرسلت الهدي من بلدك فأنت الآن شاركت المحرم في شيء وهو أنك لا تأخذ شيئًا من شعرك ولا من أظفارك حتى يذبح الهدي.
وقال آخرون: لا ما يلزم هذا من الإحرام أنت غير محرم، وقالت عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلها ولم يمتنع من شيء، لم يمتنع من شيءٍ حرم عليه»، الصواب: أنه لا يمتنع؛ لأنه غير محرم فهذه من السنن المهجورة سوق الهدي، سوق الهدي من السنن المهجورة.
فهذا السنتان السنة في الهدي تقليد بالإبل والبقر والغنم يجعل عليها قلادة حبل يربط فيه ويجعل فيه شيء من النعال وتقلد في رقبتها، والثاني شعار خاص بالإبل لأن البقر والغنم لا تتحمل يشق صفحة سنامها حتى تسلت الدم حتى يراها من يراها يعرف أنها مهداة إلى البيت، وإذا عطبت أو أصابها شيء تذبح وتترك للفقراء والمساكين ولا يأكل من صاحبها ولا أحد من أصاحبه.
فالمؤلف رَحِمَهُ الله يقول: إن ساق الهدي فالقران أفضل له، لأنه فعل الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فالرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أحرم للحج قارنًا وكذلك من ساق الهدي من الصحابة، وإن لم يسق الهدي فالتمتع في حقه أفضله لِمَاذَا؟. لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أصحابه أن يتحللوا، أمرهم مرات أمرهم لما قاربوا قال لهم: لو جعلتموها عمرة ولما طافوا وسعوا حتى ما عليهم وألزمهم حتى تحللوا إلا من ساق الهدي.
تحللوا كلهم فدل على أنه هو الأفضل قال المؤلف رَحِمَهُ الله: فإنه قد ثبت بالنقول مستفيضة التي لم يختلف فيه صحته أهل العلم بالحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حج حجة الوداع هو وأصحابه رَضِيَ اَللَّهُ تعالى عَنْهُمَ أمرهم جميعهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ يبلغ محله يوم النحر.
من ساق الهدي لا يتحلل حتى يذبح الهدي وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ساق الهدي هو وطائفة من أصحابه وقرن هو بين العمرة والحج فقال: لبيك عمرةً وحجًا، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خير أصحابه عند الميقات بين العمرة وبين الحج، قالت عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها: فمن من أهل بعمرة ومنا من هل بحج ومنا من هل بحج وعمرة وكثر ممن هل بالعمرة.
هذه وجوه الإحرام خيرهم عند الميقات بين الأنساك الثلاثة وتسمى وجوه الإحرام التمتع الإقران الإفراد، لكن لما قرب من مكة من ساق الهدي يبقى على الإحرام ما في إشكال من لم يسق الهدي أمره أن يتحلل، أمرهم لما قربوا من مكة ثم لما طافوا وسعوا حتى ما عليهم وألزمهم كلهم حتى يتحللوا إلا من ساق الهدي، قالوا يا رسول الله ما سمينا الحج ناوينا الحج ناوينا الحج والطواف وسعونا إلى الحج ومع ذلك عند المروة كلهم تحللوا، ولهذا قال بعض العلماء قال جمع من أهل العلم: أنه نسخ التخير للإنسان صار يجب على من لبس أن يتمتع وأن يتحلل من العمرة.
لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألزم الصحابة وحطوا ما عليهم وغضب على من لم يتمتع قالوا: يا رسول الله أنت ما تحللت قال: ما أستطيع إني لبدت رأسي وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر، ما أستطيع وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت معكم.
يعني: لو كنت أعرف المستقبل أنكم تتأخرون وتتلكئون ما سقت هذه حتى أتحلل معك وتتحللون حتى تقتضوا بي، ولهذا قل بعض العلماء بوجوب التمتع وذهب إلى هذا عبد الله بن عباس رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا وذهب إليه بعض العلماء وذهب إليه بن القيم رَحِمَهُ الله في (ذاد المعاد) وقال: إنه لو كنا معه لأحرمت بالعمرة تفادي لغضب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وذهب إلى هذا وهو رواية عن الإمام أحمد رَحِمَهُ الله المتأخرين الشيخ ناصر الدين الألباني أنه يجب التمتع، وذهب شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ الله إلى أن الوجوب خاص بالصحابة ليزول اعتقاد الجاهلية وأم غير الصحابة فلفظ في حقهم أن يتمتعوا.
وابن القيم رَحِمَهُ الله يقول: أنا إلى قول ابن عباس أميل منه إلى قول شيخنا، ابن القيم يقول: أنا أميل إلى ابن عباس أن التمتع واجب مطلقًا على الصحابة وغيرهم أميل إليه أكثر من قل شيخنا شَيْخُ الإِسْلَامِ يرى الفرق بين الصحابة وبينهم أن الوجوب خاص بالصحابة وأما غيرهم فهو مستحب لِمَاذَا؟.
قال: ليزول اعتقاد الجاهلية، ما هو اعتقاد الجاهلية؟ اعتقاد الجاهلية يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ولا تجوز العمرة في أشهر الحج، أشهر الحج خاصة بالحج، شوال وذو القعدة ومحرم إلى صفر كلها خاصة بالحج، قالوا لا يجوز أهل الجاهلية كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج لا تجوز بل أنها من أفجر الفجور العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يزيل اعتقاد أهل الجاهلية ولهذا قال: شَيْخُ الإِسْلَامِ خاصٌ بالصحابة حتى يزيل اعتقاد الجاهلة وبعد ذلك زال اعتقاد الجاهلية فكان في الجاهلية يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.
ويقولون: ما في أشهر الحج ما فيها عمرة شوال ما في عمرة وذو القعدة وذو الحجة ومحرم متى تكون العمرة؟ تكون العمرة إذا برأ الدبر يعني: الإبل حينما يحمل عليها تكون المسافة بعيدة تكون المسافة شهر تكون في ظهرها جروح تتعالج وتتداوى فإذا برأ الجرح بعدين تأتي العمرة، الآن مادام البعير مريض في جروح داويها الأول وبعد الحج ثم تأتي العمرة.
إذا برأ الدبر وعافى الأثر، الأثر الذي مضت عليه مدة وانسلخ شهر صفر حلت العمرة هكذا يقول: الجاهلية، إذا يقولون قولتهم المشهورة: إذا برأ الدبر الجروح داويته وبرأت من الحمل الثقيل الذي يحمل على الإبل مسافة شهر من الرياض إلى مكة شهر على الإبل رجوع شهر، ذهاب شهر ورجوع شهر فشر للذهاب وشهر للإياب وشهر للحج خلاص بعد أربعة أشهر تكون شوال وذو القعدة وذو الحجة ومحرم هذه ما فيها.
فإذا برأ الدبر وعافى الأثر، أثر البعير والمشي وانسلخ شهر صفر هلت العمرة لم اعتمر، هذا اعتقاد أهل الجاهلية، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يزيل اعتقاد الجاهلية ولذلك أمر وحطوا ما عليهم وألزمهم بالتحلل قالوا: يا رسول الله كيف نتحلل؟! سمينا الحج قد سمينا الحج قال: افعلوا ما أمرك به، قالوا: يا رسول الله سمينا الحج لا امتناعًا ولا تأبيًا لكن يعني: من باب لعلى يسمح لهم.
قال: افعلوا ما أمركم به، قالوا: يا رسول الله أنت لم تحل، قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ولا سقت الهدي، أنا سقت الهدي ما استطيع، فقالوا واعترضوا فقالوا: يا رسول الله يذهب أحدنا إلى منى وذكروه يقطر منيًا يعني: إن تحلل وننتهي من العمرة ويجامع الإنسان زوجته تحل زوجته، قالوا: يا رسول الله ما بينا وبين مكة إلا أربعة ليالي وما بينا وبين الحج إلا أربع ليالي كيف نتحلل؟ اعتقاد الجاهلية متبقي من النفوس كيف؟ ما بقي إلا أربع ليالي؟! يذهب أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيًا إذا جامع زوجته ويغتسل ويمشي للحج هذا فيه صعوبة عندهم، فقال: افعلوا ما أمركم به.
ولولا أني سقت الهدي لأحللت معكم وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي فتحللوا كلهم إلا من ساق الهدي، فشيخ الإسلام رَحِمَهُ الله يقول: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرد أن يزيل اعتقاد الجاهلية وزال فالأمر خاص بالصحابة وما بعدهم فليس بواجب.
ابن عباس يقول: واجب على كل حد كل من أحرم بالعمرة يجب عليه أن يتحلل شاء أم أبى ما له اختيار لازم تحلل، وابن القيم كذلك ذهب إلى ذلك، والعلامة الإمام أحمد، والشيخ محمد بن صالح العثيمين قال: خلاص نسخ الأمر الأول، جمهور العلماء على أنها باقية الأنساك الثلاثة باقية كما خيرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا هو الصواب ويدل عليه عمل الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان كانوا يفتون الناس بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإفراد أفراد الحج يفرد الحج وحتى يعتمر في وقت آخر وما يفتون بالتمتع يقولون: افرد الحج العمرة في وقت آخر فلا يزال هذا البيت يحج ويعتمر.
وكان ابن عباس يفتي بالتمتع، أبو موسى الأشعري يفتي بالتمتع، علي بن أبي طالب يفتي بالتمتع كما أفتى النبي، عثمان وعمر والصديق هؤلاء الثلاثة يفتون بالإفراد ويقلون ذال اعتقاد الجاهلية الآن والحمد الله ونحن نرى أنه يحرم بالإفراد الآن ويحرم بالعمرة في وقت آخر فلا يزال هذا البيت يحج ويعتمر.
فالقول: بأنه منسوخ معناه إنه عمل الخلفاء الثلاثة كلهم مخالف، لكن لاشك أن الأفضل التمتع أفضل ولهذا كان أبو موسى الأشعري يفتي بالتمتع كما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتي بالتمتع، فقيل له: أنت تفتي الآن وأمير المؤمنين في زمن عمر يفتي بالإفراد فلما علم بذلك أراد ألا يخالف، فقال: أيها الناس اتأدوا فإن أمير المؤمنين قادم عليكم، فخذوا بقوله لا يريد أن يخالف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكان علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اختلف علي وعثمان.
فكان عثمان يفتي بالإفراد وعلي يفتي بالتمتع فلما رأى عليه أنه لا يوافقه أحرم بهما، قال: ما تريد أن تأتي إلى أمري أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تريد أن تخالفه فأحرم بهما جميعًا، فالمقصود إن الصحابة منهم من يرى التمتع ومن يرى الإفراد، وابن عباس اشتد على من خالفه ابن عباس يفتي بالتمتع كل من أحرم ومن سمع هذه يلزمه أن يتحلل.
قال: يا بن عباس أنت تفتي بالتمتع وأبو بكر وعمر يفتون بالإفراد هذا بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنت تخالف أبو بكر وعمر يفتون بالإفراد وأنت تفتي بالتمتع، فقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقولون: قال: أبو بكر وعمر.
يقول: الآن أنا أفتيكم بالسنة وأنت تفتون بقول: أبي بكر وعمر، يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء فإذا كان الذي مثلًا يفتي ويخالف بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخشى أن تنزل عليه حجارة من السماء وهو يقول: بقول أبي بكر وعمر قبل الذي يقول: بأقوال بعيدة، يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله وتقولون: قال: أبو بكر وعمر.
والخلاصة في هذا أن الصواب أن الأفضل التمتع كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما الخلفاء الثلاثة فهم مجتهدون اجتهدوا ورأوا أن التمتع يعني: يؤخر إلى وقت آخر ويكون الإحرام بالإفراد ثم العمرة في وقت آخر حتى يزال هذا ويحج ويعتمر، ولكن هذا اجتهاد منهم والصواب خلاف الاجتهاد، الصواب أن التمتع هو الأفضل والصواب أن وجوه الإحرام الثلاثة باقية على حالة ولم تنسخ كما هو قول: جمهور العلماء.
لكن الإفراد أن وجوه الإحرام الثلاثة باقية على حالها ولم تنسخ كما هو قول: جمهور العلماء، لكن الإفراد هو الأفضل ولا يمكن أن يقال إن الصوب مع قلة من الصحابة ويكون العلماء وجماهير الصحابة كلهم مخطئون في هذا فهذا هو الصواب في هذه المسألة والقول: بأن الوجوه خاص بالصحابة قول وجيه وقول شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ الله والأنساك الثلاثة باقية والصديق وعمر مختلفون.
ولكن الصواب في غير ما اجتهدوا فيه الصواب أن التمتع أفضل كما هو قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكما هو قول أبو موسى الأشعري واختياره علي وجمع من الصحابة هذا هو الصواب في هذه المسألة.
وبعد العشاء إِنْ شَاءَ اللهُ يكون الإجابة على الأسئلة ولا نطيل إِنْ شَاءَ اللهُ، أحسن الله إليك نتوقف الآن لأن الإقامة قريبة، أحسن الله إليك، إذا بعض الصلاة لا نطيل إِنْ شَاءَ الله لأنه يكون في بعض الناس ولاسيما الصائمين لكن نجيب على الأسئلة إِنْ شَاءَ اللهُ ولا نطيل وفق الله الجميع صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، جزأك الله خير.
ويقدم مكة في أشهر الحج وهن: شوال، وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له، وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل.
فإنه قد ثبت بالنقول مستفيضة التي لم يختلف فيه صحته أهل العلم بالحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حج هو وأصحابه رَضِيَ اَللَّهُ تعالى عَنْهُمَ أمرهم جميعهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي.
فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ, يبلغ محله يوم النحر، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ساق الهدي هو وطائفة من أصحابه وقرن هو بين العمرة والحج فقال: «لبيك عمرة وحجًا».