اللمعة في الأجوبة السبعة2
(المتن)
فصل : و أما من يأتي إلى قبر نبي أو رجل صالح أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي أو رجل صالح و ليس كذلك و يسأله و يستنجده فهذا على ثلاث حالات: أحدها أن يسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو مرض دوابه أو يقضي دينه أو ينتقم له من عدوه أو يعافي نفسه و أهله و دوابه و نحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى فهذا شرك صريح يجب أن يستتاب منه صاحبه فإن تاب وإلا قتل.
وإن قال أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي في هذه الأمور و لأني أتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه و أعوانه فهذه من أفعال المشركين و النصارى فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم و رهبانهم شفعاء يستشفعون بهم في مطالبهم وكذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى و قال أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ و قال تعالى مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ و قال مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ
فبين الفرق بينه و بين خلقه فإن من عادة الناس أن يستشفعوا إلى الكبير من كبرائهم بمن يكرم عليه فيسأله ذلك الشفيع فيقضي حاجته إما رغبة أو رهبة و إما حياء أو مودة و إما غير ذلك و الله سبحانه لا يشفع أحد عنده حتى يأذن هو للشافع فلا يفعل إلا ما يشاء و شفاعة الشافع من إذنه فالأمر كله له.
و لهذا قال النبي ﷺ في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت و لكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له فبين أن الرب سبحانه يفعل ما يشاء لا يكرهه أحد على ما يختاره كما قد يكره الشافع المشفوع إليه و كما يكره السائل المسئول إذا ألح عليه آذاه بالمسألة.
فالرغبة يجب أن تكون إليه كما قال تعالى فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ و الرهبة تكون منه كما قال تعالى فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ و قال تعالى فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ
و قد أمرنا أن نصلي على النبي ﷺ في الدعاء و جعل ذلك من أسباب إجابة دعائنا.
و قول كثير من الضلال هذا أقرب إلى الله مني و أنا بعيد من الله لا يمكنني أن أدعوه إلا بهذه الواسطة و نحو ذلك هو من أقوال المشركين فإن الله تعالى يقول وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ و قد روي أن الصحابة قالوا : يا رسول الله ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؛ فأنزل الله هذه الآية.
و في الصحيح أنهم كانوا في سفر و كانوا يرفعون أصواتهم في التكبير فقال النبي ﷺ يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته و قد أمر الله العباد كلهم بالصلاة له و مناجاته و أمر كلا منهم أن يقول إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ و قد أخبر عن المشركين أنهم قالوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد على آله و صحبه أجمعين .. أما بعد :
فهذا الفصل بين فيه المؤلف رحمه الله الأقسام الثلاثة في سؤال الميت و الطلب منه أو التوسل به و هو تابع لجواب السؤال الأول من الأسئلة السبعة التي سئل فيها الإمام و المؤلف رحمه الله في (من يزور القبور و يستنجد بالمقبور في مرض به أو بفرسه أو بعيره يطلب إزالة المرض و يقول يا سيدي أنا في جيرتك أنا في حسبك فلان ظلمني فلان قصد أذيتي و يقول إن المقبور يكون واسط بينه و بين الله) هذا تابع لجواب هذا السؤال.
المؤلف في هذا الفصل بين أن سؤال الميت و الطلب منه أو التوسل لجاهه و بركته ثلاثة أقسام:
القسم الأول : أن يسأل الميت حاجته، بأن يطلب من الميت أن يشفيه من مرضه أو ينصره على عدوه أو يعافيه و يشفيه أو يدخله الجنة أو ينجيه من النار فهذا شرك هذا شرك أكبر يخرج من الملة يقول المؤلف (يستتاب فإن تاب و إلا قتل) من قبل ولاة الأمور إذا ثبت هذا عند الحاكم الشرعي يقتل لأنه مرتد.
القسم الثاني : أن يطلب من الميت أن يدعو له يقول يا فلان كأن يأتي لرجل و يقول يا فلان ادع الله لي يأتي للميت يقول يا فلان يخاطب الميت ادع الله لي ادع الله أن يغفر لي ادع الله أن يرحمني ادع الله أن يسترني فهذا ما سأل الميت هذا سأل الميت أن يدعو له و لكن لم يسأل الميت حاجته طلب من الميت أن يسأل الله له فهذا بدعة و وسيلة عند المؤلف و عند غيره شرك خلافا لبعض العلماء يرى أنه بدعة كشيخ الإسلام ابن تيمية و آخرون من أهل العلم يرون أنه شرك أيضا لأنه سأل الميت و لو لم يسأله أن يقضي حاجته لكنه سأله أن يدعو الله له و هو ميت.
القسم الثالث : أن يسأل الله بجاه فلان أو ببركته أو بحرمته فهذا بدعة لأنه ما سأل غير الله هو سأل الله لكن جعل الوسيلة بدعة كأن يقول : أسألك يا الله بجاه فلان بحرمة فلان بذات فلان فهذا بدعة ووسيلة من وسائل الشرك.
هذه أقسام، هذه هي الأقسام الثلاثة و المؤلف رحمه الله لسعة علمه و لغزارة علمه تجد هذه الأقسام الثلاثة متباعدة بين كل قسم و قسم صفحات فلهذا قربت لكم هذه الأقسام الثلاثة .
القسم الأول: يقول المؤلف : (و أما من يأتي إلى قبر نبي أو رجل صالح أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي أو رجل صالح و ليس كذلك و يسأله و يستنجده) يستنجده يعني يطلب منه النجدة (فهذا على ثلاث درجات) يعني ثلاثة أقسام , يأتي إلى قبر نبي أو قبر رجل صالح أو يعتقد أنه قبر نبي و ليس بنبي أو يعتقد أنه رجل صالح و لا يكون صالحا و يسأله , يسأله يقول : يا فلان سواء نبيا أو رجلا صالحا اغفر لي ارحمني انصرني عافني اشفني مرضي نجني من النار ادخلي الجنة اقض حاجتي اشفع لي هذا سؤال واستنجاد يسأله و يستنجد به , المؤلف يقول : هذه هي الدرجة الأولى أو القسم الأول يأتيه على ثلاث درجات الدرجة الأولى يسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو يسأله أن يزيل مرض دوابه أو يسأله أن يقضي دينه و هو ميت , الميت ما يقضي الدين هذا بخلاف الحي الحاضر القادر لا بأس الحي القادر يقول له : يا فلان اقضي ديني و هو يستطيع لا بأس أو يسأله أن ينتقم له من عدوه يقول انتقم لي من عدوي يخاطب الميت أو عافني في نفسي من المرض أو يسأله أن يعافيه في نفسي أو أهله أو دوابه و ما إلى ذلك مما لا يقدر عليه هذا هو الضابط .
الضابط أنه يطلب منه شيئا لا يقدر عليه إلا الله فإذا سأله شيئا لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك صريح و الصريح معناه الخالص الذي لا شبهة فيه و لاشك فيه هذا شرك صريح إذا سأل الميت شيئا لا يقدر عليه إلا الله.
وذكر المؤلف أمثلة يسأله أن يزيل مرضه يسأله أن يزيل مرض دوابه يسأله أن يقضي دينه يسأله أن ينتقم له من عدوه يسأله أن يعافي نفسه يسأله أن يعافي أهله يسأله أن يعافي دوابه هذه الأمور لا يقدر عليها إلا الله فهذا -يقول المؤلف- شرك صريح يعني خالص لا شبهة فيه.
ما حكمه ما يفعل به في الدنيا؟! يقول المؤلف إذا فعل هذا و كان في دولة تقيم شرع الله و تقيم حدود الله و ثبت هذا عند الحاكم الشرعي ثبت هذا عنده فإنه يحكم عليه بالقتل يحكم عليه بالقتل تقطع رقبته بالسيف لأنه مشرك مرتد لكن هذا بعد الاستتابة يقول المؤلف يستتيبه الحاكم الشرعي و القاضي يستتيبه فإن تاب و إلا قتل هذا حكمه في الدنيا و حكمه في الآخرة خالد مخلد في النار يحكم عليه بأنه في النار لأنه مات على الشرك مات على الكفر نسأل الله السلامة و العافية .
قال المؤلف : (و إن قال) و إن قال الذي يدعو الميت (أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي في هذه الأمور و لأني أتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه و أعوانه) هذه شبهة يقولها من يسأل الميت , يقول أنا ما أسأله أنا أعرف أن الميت لا ينفع و لا يضر و لا بيده شيء و الأمر بيد الله لكني أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي عند الله فقط و إلا أعرف أن الأمر بيد الله , الله هو الذي يقضي حاجتي لكني أسأل الميت لأنه أقرب إلى الله مني لأن يشفع لي و لأني أيضا أتوسل إليه كما يتوسل إلى السلطان بخواصه و أعوانه أتوسل إليه كما أنك لا تستطيع أن تدخل على الملك أو رئيس الجمهورية إلا بواسطة , بواسطة خواصه و أعوانه و كذلك الله أجعل بيني و بينه واسط , قاس الخالق بالمخلوق ما حكم؟
هذا قال المؤلف : (هذا من أفعال المشركين و النصارى) هذا من أفعال المشركين و النصارى و هذه هي شبهة المشركين التي ذكرها الله في القرآن أخبر الله عنه أنه قال مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى فقط يقربونا إلى الله مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى و قال تعالى وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ هذه شبهة المشركين المشركون يقولون نحن ندعوهم لأنه أقرب إلى الله منا و لأنهم يشفعون لنا عند الله فكفرهم الله بذلك حكم عليهم بالكفر و الكذب في قوله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ يعني قائلين مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى قال الله ردا عليهم إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ حكم عليهم بالكذب فهم يكذبون لا يقربونهم إلى الله وحكم عليهم بالكفر.
قال المؤلف رحمه الله : (فهذه من أفعال المشركين و النصارى فإنهم) يعني المشركون و النصارى (يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم و رهبانهم شفعاء يستشفعون بهم في مطالبهم) هكذا يزعم المشركون و النصارى أنهم يتخذون الأحبار و هم العلماء و الرهبان العباد يزعمون أنهم يتخذونهم شفعاء يستشفعون بهم في مطالبهم.
قال المؤلف : (و كذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى يعني ما نعبدهم لأنهم ينفعوننا أو يضرونا و إنما نعبدهم لأنهم يقربونا إلى الله زلفى فحكم عليهم بالكفر بهذه المقالة.
و قال تعالى أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ هذه الآية فيها إنكار على من اتخذ من دون الله شفعاء أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ لهم يا محمد أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ أم اتخذوا من دون الله شفعاء و هم لا يملكون شيئا و لا يعقلون ثم قال قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا يعني هو مالكها لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ اسأل الشفاعة اطلبها من الله قل يا رب شفع في نبيك يا ربي شفع في إفراطي يا رب اصرف عني , ما تسأل لميت لا تقول للميت اشفع لي اطلبها من الله قل يا رب شفع في نبيك يا رب شفع في الصالحين أما تسأل الميت تقول اشفع لي هذا شرك لا تسأل الميت اسأل الله.
و قال تعالى مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ أخبر أنه ليس لهم ولي ولا شفيع.
و قال مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ استفهام بمعنى النفي بمعنى لا أحد يشفع عند الله إلا بعد الإذن فدل على بطلان ما يزعمه المشركون و النصارى من الشفاعة.
قال المؤلف رحمه الله : (فبين الفرق بينه و بين خلقه) هذا المشرك الذي يقول أنا أدعو هؤلاء الأموات لأنهم يكونوا واسطة بيني و بين الله كما أن السلطان لا تأتي إليه إلا عن طريق أعوانه نقول إلا الله لا يقاس بخلقه , صحيح الملوك في الدنيا ما تدخل عليه إلا بواسطة لكن الله ليس بينك و بينه واسطة ادع مباشرة ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي ما قال ادعوني و ادع الأولياء ما قال اجعلوا بين أوليائي واسطة وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً هذا فرق، فرق بين الله و بين خلقه فالملوك و الأمراء و الوزراء لا بد تأتي بواسطة إذا أردت الدخول عليهم , أما الله فلا يحتاج واسطة ادع الله بنفسك إذا جعلت واسطة بينك و بين الله تدعوه من دون الله فإنك تكون مشركا.
قال المؤلف : (فبين الفرق بينه و بين خلقه فإن كمن عادة الناس أن يستشفعوا بالكبير من كبرائهم بمن يكرم عليه) عادتهم الكبير يأتون بشفيع , شفيع يكرم عليه و يعزه و يقدره هذا الرئيس أو الأمير أو الملك فيسأله ذلك الشفيع فالشفيع يسأل الملك أو الرئيس أو الأمير ثم الشفيع يرجع إلى من طلب منه الشفاعة فيقول الملك كذا أو يقول الوزير كذا أو يقول الرئيس كذا هذه عادة الناس مع الملوك في الدنيا , لكن الله لا يقاس بخلقه فلا تقيس الخالق بالمخلوق فإذا جعلت بينك و بين الله واسطة قياسا بالمخلوق وقعت في الشرك و صرت تدعوه أو تذبح له أو تنذر له.
(فإن من عادة الناس أن يستشفعوا بالكبير من كبرائهم بمن يكرم عليه فيسأله ذلك الشفيع فيقضي حاجته إما رغبة أو رهبة و إما حياء أو مودة و إما غير ذلك) يعني الملك أو الأمير أو الوزير يقضي حاجته , حاجة هذا صاحب الحاجة أحيانا يقضيها و هو ليس مرتاحا رغبة أو رهبة يخشى و لو كان ملكا و لو كان أميرا و لو كان وزيرا و لو كان رئيسا يخشى في المستقبل إذا ما قضى حاجته أنه بعد ذلك يكرهه و أنه يؤلب الناس عليه و أن الناس يكرهونه فيقضيه حياء إما حياء و إما مودة لأنه يحبه و إما رغبة في أنه ينفعه في المستقبل و إما رهبة خوفا من أن يؤلب الناس عليه في المستقبل لكن الله لا يخاف من أحد و لا يرجو أحد و لا يستحي من أحد و ليس بينه و بين أحد مودة إلا بالعمل الصالح المودة التي بين الله و بين خلقه بالعمل الصالح تكون بالتوحيد و إخلاص الدين له فالموحد هو الذي بينه و بين الله مودة.
قال المؤلف (و الله سبحانه لا يشفع أحد عنده حتى يأذن هو للشافع فلا يفعل إلا ما يشاء) لكن الملوك في الدنيا الشفعاء يشفعون بدون إذن يدخل على الملك أو على الرئيس أو على الوزير بدون استئذان يدخل عليه و يقول فلان يطلب منك كذا و كذا و هذه معاملة فلان لكن الرب لا يقاس به لا يستطيع أحد أن يشفع إلا بعد إذنه لعظمته لكمال عظمته حتى نبينا محمد ﷺ الذي هو أفضل الخلق و أعظم الناس وجاهة عند الله لا يستطيع أن يشفع يوم القيامة إلا من بعد أن يأتي الإذن من الرب فإنه يبدأ أولا بالسجود يسجد لله و يحمد الله و يمجده بما يفتح الله عليه في ذلك الموقف ثم يدعو الله ما شاء أن يدعه ثم يأتي الإذن من الله تعالى فيقول الله تعالى يا محمد ارفع رأسك و سل تعطى و اشفع تشفع هذا الإذن لا يستطيع أحد أن يشفع عند الله إلا من بعد الإذن أما ملوك الدنيا يشفعون بدون استئذان بدون إذن فالله تعالى لا يقاس بخلقه .
قال المؤلف رحمه الله (و الله سبحانه لا يشفع أحد عنده حتى يأذن هو للشافع فلا يفعل إلا ما يشاء وشفاعة الشافع من إذنه ) من إذن الله حينما يشفع بإذن الله.
قال المؤلف (فالأمر كله له) إذا الأمر كله لله ما أحد يستطيع أن يشفع إلا بعد الإذن ولا يستطيع أحد أن يشفع لأحد إلا أن يرضى الله عن قوله و عمله إذا ما الفائدة من الشفاعة ! الفائدة منها أن الله تعالى يكرم الشافع فيأذن له و ينال المقام الرسول عليه الصلاة و السلام ينال المقام المحمود عند الله و لهذا قال المؤلف رحمه الله (فالأمر كله لله).
ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت و لكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له هذا الحديث رواه الشيخان البخاري و مسلم و فيه أن النبي ﷺ قال لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت إن شئت هذا استثنى اللهم ارحمني إن شئت و لكن ليعزم المسألة اعزم لا تقول يا رب اغفر لي إن شئت , قل اللهم اغفر لي جزما اللهم ارحمني أما إذا قلت : اللهم اغفر لي إن شئت فكأنك يعني كأنك غير محتاج غير محتاج إلى المغفرة فكأنك تقول : يا ربي إن شئت فاغفر لي و إن شئت فلا تغفر لي و هذا ما يصلح , اعزم ولهذا قال ولكن ليعزم المسألة ثم علل فقال فإن الله لا مكره له لا أحد يستطيع أن يكره الله أما المخلوق و إن كان ملكا يكره يستجيب إكراها مكرها و أما الله فلا أحد يكرهه و لهذا قال فإن الله لا مكره له
قال المؤلف (فبين أن الرب سبحانه يفعل ما يشاء لا يكرهه أحد على ما يختاره كما قد يكره الشافع المشفوع إليه و كما قد يكره السائل المسؤول إذا ألح عليه آذاه بالمسألة) إذن الشافع قد يكره المشفوع إليه أما الله لا يستطيع أحد أن يكرهه و السائل قد يكره المسؤول إذا ألح عليه و آذاه و أما الله فلا يكرهه أحد.
قال المؤلف رحمه الله (فالرغبة يجب أن تكون إليه ) يعني إلى الله كما قال تعالى فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ارغب إلى الله ارغب فيما عنده في المسألة (و الرهبة تكون منه) الرهبة هي الخوف و الرغبة في معنى الرجاء , الرجاء الرغبة إلى الله فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ يعني ارغب إلى ربك لا إلى غيره (و الرهبة تكون منه كما قال تعالى فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) يعني خصوني بالرهبة , الرهبة هي الخوف و الخشية (و قال تعالى فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) خص الله بالخشية.
قال المؤلف ( و قد أمرنا أن نصلي على النبي ﷺ في الدعاء و جعل ذلك من أسباب إجابة دعائنا ) نحن مأمورون بأن نصلي على النبي ﷺ إذا أردنا الدعاء و الله تعالى جعل الصلاة على النبي ﷺ حمد الله و الثناء عليه و الصلاة على نبيه ﷺ من أسباب قبول الدعاء ومن أسباب إجابة الدعاء و لهذا لما رأى النبي ﷺ رجلا يدعو و لم يصل على النبي ﷺ و لم يثن على الله و لم يصل عليه قال عجل هذا ثم أرسل فقال له ولغيره إذا صلى أحدكم فليحمد الله و ليصلي على نبيه ثم ليسأل
قال المؤلف رحمه الله (و قول كثير من الضلال هذا أقرب إلى الله مني و أنا بعيد من الله لا يمكنني أن أدعوه إلا بهذه الواسطة و نحو ذلك هو من أقوال المشركين ) كثير من الضلال يقول أنا أدعو الميت لأنه أقرب إلى الله مني أنا بعيد من الله و هو قريب هو رجل صالح و أنا مذنب لا يمكنني أن أدعو الله أنا لا بد أن اجعل بيني و بين الله واسطة لأني مذنب فأدعوه بهذه الواسطة قال المؤلف (هذا من أقول المشركين) هذه أقوال المشركين , المشركون هم الذين يجعلون بينهم و بين الله واسطة يدعونهم فمن جعل بينه و بين الله واسطة يدعوه من دون الله أو يذبح له أو ينذر له فإنه يكون مشركا الشرك الأكبر.
قال المؤلف رحمه الله (فإن الله تعالى يقول وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ما قال اجعلوا بيني و بينكم واسطة قال فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (و قد روي أن الصحابة قالوا : يا رسول الله ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله هذه الآية) هذا رواه ابن جرير في تفسيره و ابن أبي حاتم , فأنزل الله هذه الآية لما سأل الصحابة هل الله قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه ! النجا هو الكلام من قرب يقال له النجا إذا كنت تكلم صاحبك بإسرار بالسر يقال هذه مناجاة , و إذا كنت تناديه من بعيد تسمى مناداة , النداء يلزمه الصوت و النجا لا يلزمه الصوت , فالصحابة قالوا للنبي ﷺ يا رسول الله هل ربنا قريب فنناجيه يعني نسر بالدعاء يسمعنا ! أو بعيد فنناديه بالصوت فأنزل الله هذه الآية وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
( و في الصحيح أنهم كانوا في سفر ) يعني الصحابة ( و كانوا يرفعون أصواتهم في التكبير فقال النبي ﷺ يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) و هذا الحديث رواه الإمام البخاري في كتابه , الصحابة كانوا في سفر فارتفعت أصواتهم بالتكبير فقالوا : الله أكبر الله أكبر الله أكبر , يرفعون أصواتهم , بماذا أرشدهم النبي ﷺ ! فقال النبي ﷺ يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم ارفقوا على أنفسكم لا تشقون على أنفسكم برفع الصوت فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا و هو الله ﷺ إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته فالله تعالى قريب من الداعين بالإجابة و قريب من العابدين بالإثابة كما قال سبحانه وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ الساجد قريب من الله بالإثابة و هو سبحانه فوق العرش , و فوق العرش ذاته فوق العرش و لكنه قريب من السائلين بالإجابة كما أنه قريب من الداعين بالإثابة و لهذا قال النبي ﷺ: ارفقوا اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته يعني أقرب إلى إجابة الدعاء و فيه إثبات اسم السميع لله و أن من أسمائه السميع وإثبات صفة السمع و فيه أن الله ليس أصم ولا غائبا فلا يقال أن الله غائب بل هو حاضر و فيه أن الله قريب و ليس ببعيد.
قال المؤلف (و قد أمر الله العباد كلهم بالصلاة و مناجاته و أمر كلا منهم أن يقول إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) أمر الله العباد بأن يصلوا له و يقوموا لله قانتين و يناجوه أمرهم أن يناجوه بالعبادة و الصلاة و أمر كلا منهم أن يقول في الصلاة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
(و قد أخبر عن المشركين أنهم قالوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) و هذا باطل فهم لا يقربونهم بل هذا فيه إبعاد لهم عن الله الشرك يبعدهم من الله ولا يقربهم منه .
(المتن)
ثم يقال لهذا المشرك: أنت إذا دعوت هذا فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على عطاء سؤالك أو أرحم بك من ربك فهذا جهل وضلال وكفر، وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وأرحم فلماذا عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره ؟ ألا تسمع إلى ما خرجه البخاري وغيره عن جابر قال: كان النبي ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم: إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به - قال - ويسمي حاجته فأمر العبد أن يقول: أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم.
وإن كنت تعلم أنه أقرب إلى الله منك وأعلى درجة عند الله منك فهذا حق؛ لكن كلمة حق أريد بها باطل؛ فإنه إذا كان أقرب منك وأعلى درجة منك فإنما معناه أن يثيبه ويعطيه أكثر مما يعطيك ، ليس معناه أنك إذا دعوته كان الله يقضي حاجتك أعظم مما يقضيها إذا دعوت أنت الله تعالى، فإنك إن كنت مستحقا للعقاب ورد الله دعاءك مثلا لما فيه من العدوان فالنبي والصالح لا يعين على ما يكره الله، ولا يسعى فيما يبغضه الله، وإن لم يكن كذلك فالله أولى بالرحمة والقبول منه.
(الشرح)
هذه المناقشة للمشرك المؤلف يناقش المشرك مناقشة و حوارا و جدالا مع المشرك لبيان بطلان شبهته و أنه على ضلال.
قال المؤلف ( ثم يقال لهذا المشرك) المشرك يدعو صاحب القبر أن يشفع له أو يقضي حاجته شبهته يقول هذا أقرب إلى الله مني هذا رجل صالح أجعله واسطة بيني و بين الله أنا مذنب وهو عابد فهو أقرب إلى الله مني , هذه شبهته و المؤلف يناقشه يجادله يحاوره.
يقول ( ثم يقال لهذا المشرك : أنت إذا دعوت هذا ) صاحب القبر الميت ( فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على عطاء سؤالك أو أرحم بك من ربك فهذا جهل وضلال وكفر ) تدعوه لماذا ؟ هل تظن أنه أعلم بحالك من الله تظن أنه يقدر على إجابة سؤالك أكثر مما يقدر عليه الله تظن أنه أقد على إعطاء سؤالك من الله تظن أنه أرحم بك من الله إن كنت تظن هذا الظن فهذا جهل و ضلال و كفر مخرج من الملة.
( وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وأرحم بحالك فلماذا عدلت عن سؤاله ) أنت بين أحد أمرين , المؤلف يقول لهذا المشرك الذي يدعو الميت أنت بين أمرين , إن كنت تعتقد أن هذا المشرك أعلم بحالك من الله و أقدر على عطاء سؤالك من الله و أرحم بك من الله فأنت جاهل ضال كافر فإذا قال لا أنا أعتقد أن الله أعلم بحالي من الميت و أعتقد بأن الله أقدر على عطاء سؤالي من الميت و أعتقد بأن الله أرحم بي من الميت نقول له لماذا لا تسأله ! اسأله هو لماذا تسأل الميت إن كنت تعتقد هذا الحمد لله لماذا تعدل عن سؤاله إلى سؤال الميت فهو بين أحد أمرين ما يستطيع الفكاك.
( فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على عطاء سؤالك أو أرحم بك من ربك فهذا جهل وضلال وكفر) وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وأرحم فلماذا لا تدعوه مباشرة ( فلماذا عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره ) هذا جدال و حوار واضح و بين.
قال المؤلف رحمه الله أيضا يخاطب المشرك الذي يدعو الميت ( ألا تسمع ) إلى الحديث الذي أخرجه البخاري الذي فيه الأمر بسؤال الله و استخارة الله تطلب الخيرة من الله أن يختار لك الخير اسمع يقول ( ألا تسمع إلى ما أخرجه البخاري وغيره عن جابر قال: كان النبي ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ) في كل أمر يشكل عليك استخر ربك صل صلاة الاستخارة ثم ارفع يديك و ادع بدعاء الاستخارة في كل الأمور المشكل أما الأمور الواضحة ما فيها استخارة ما يستخير الإنسان هل يصلي جماعة أو لا يصلي و لا يستخير الإنسان هل يصوم الاثنين و الخميس أو يصوم ثلاثة أيام من كل شهر و لا يستخير الإنسان هل يصلي السنة الراتبة أم لا يصلي و لا يستخير الإنسان هل يصوم رمضان أم لا يصوم هذا ما فيه استخارة الاستخارة في الأمور المشكلة كأن تستخير أن تسافر إلى هذا البلد الفلاني أو أن تتزوج المرأة الفلانية أو تستخير أن تشارك مثلا في تجارة نعم هذه الاستخارة فيها فالنبي ﷺ كان يعلم الناس الاستخارة في الأمور كلها.
يقول جابر ( كان النبي ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ) يعلمهم دعاء الاستخارة و كيفية الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن.
يقول إذا هم أحدكم بأمر يريد أن يستخير فليركع ركعتين من غير الفريضة يصلي ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل و ثم للترتيب و التراخي هذا يدل على أن الدعاء يكون بعد السلام من الركعتين ثم يقل اللهم: إني أستخيرك بعلمك يعني أطلب يا الله أن تختار لي الخير بعلمك لأنك تعلم وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك خطاب لله فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم: إن كنت تعلم أن هذا الأمر و يسميه بعينه , هذا الزواج أو هذه التجارة أو هذا السفر اللهم: إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر يسميه الزواج أو السفر أو التجارة شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به - قال - ويسمي حاجته هذا رواه البخاري في الصحيح و يسمي حاجته هذه الاستخارة فيها أن المؤمن يسأل ربه مباشرة بدون واسطة قال اللهم: إني أستخيرك بعلمك و أستقدرك بقدرتك قال المؤلف رحمه الله تعالى تعليق على هذا الحديث ( فأمر العبد أن يقول: أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم )
(وإن كنت تعلم ) هذا أيضا مناقشة للمشرك ( إن كنت تعلم أنه أقرب إلى الله منك وأعلى درجة عند الله منك فهذا حق؛ لكن كلمة حق أريد بها باطل ) إن كنت تعلم أن هذا الميت أقرب إلى الله مني و أعلى درجة مني عند الله يقول هذه كلمة حق أريد بها باطل نعم إذا كان أقرب إلى الله منك هل تدعوه نعم (فإن كان أقرب إلى الله منك و أعلى درجة منك فمعناه أن الله يثيبه و يعطيه أكثر مما يعطيك و ليس معناه أنك إذا دعوته كان الله يقضي حاجتك أعظم مما يقضيها إذا دعوت أنت الله تعالى) يقضي حاجتك أنت , أنت السائل حاجتك أنت يخاطب المشرك , المشرك يسأل الميت حاجته , كان الله يقضي حاجتك أنت يخاطب المشرك يقول المؤلف إذا كنت تعتقد أن المشرك أقرب إلى الله منك و أعلى درجة منك فهذا حق لكن هل معنى ذلك أنك تدعوه من غير الله , إذا كان أقرب إلى الله منك و أعلى درجة منك هل معنى ذلك أنك تدعوه , لا , معنى ذلك أن الله يثيبه أكثر منك و يعطيه أكثر منك و ليس معناه أن حاجتك يقضيها الله إذا دعوته أكثر مما تقضيها , حتى حاجتك يقضيها الله إذا دعوت أنت مباشرة و لا تستفيد من كونك تدعوه من دون الله حتى تقضى حاجتك أنت الداعي الذي يسأل الميت يريد أن يقضي حاجته هو ما يريد أن يقضي حاجة الميت ليس معناه إذا كان الميت أقرب إلى الله منك هل معنى ذلك أنك إذا دعوت الميت يقضي حاجتك أكثر لا , إن الله يقضي حاجتك إذا سألت أنت مباشرة إذا كان الميت أقرب إلى الله منك نعم يثيبه الله أكثر و يعطيه أكثر لكن أنت تريد أن تسأل الله حاجتك أنت تريد أن تسأل حاجتك , حينما يكون الميت أقرب إلى الله منك هل معنى ذلك أنك تسأل الميت حتى يقضي حاجتك أكثر , لا , كون الميت أقرب إلى الله منك هذه فائدة له يستفيد هو بأن الله يثيبه أكثر و يعطيه أكثر مما يعطيك لكن أنت ما هي حاجتك تريد أن تقضى حاجتك فأيهم أولى أن تسأل الميت أن يقضي حاجتك أو تسأل الله أنت أن يقضي حاجتك الأولى أن تسأل الله أنت يقضي حاجتك كون الميت أقرب إلى الله ما يفيدك أنت في قضاء حاجتك ما يفيدك هذا شيء خاص به لكن أنت ما الذي تريده أنت تريد أن تقضي حاجتك اسأل الله مباشرة و يتبين أن العبارة ( يقضي حاجتك ) ليس معناه أن سؤالك الميت يقضي حاجتك أعظم مما يقضيها إذا دعوت أنت الله
قال المؤلف رحمه الله ( فإنك إن كنت مستحقا للعقاب ورد الله دعاءك مثلا لما فيه من العدوان فالنبي والصالح لا يعين على ما يكره الله، ولا يسعى فيما يبغضه الله، وإن لم يكن كذلك فالله أولى بالرحمة والقبول منه ) يعني إن كنت تقول أنا مذنب أنا مستحق للعقاب و الله يرد دعاءك تقول أنا مذنب و الله يرد دعاءك و الميت هو الذي أسأل الله أن يقضي حاجتي أو يسأل الله لي يقول المؤلف إن كنت مستحقا للعقاب أنت تزعم أنك مذنب وأنك مستحق للعقاب و رد الله دعاءك لما فيه من العدوان فالنبي الذي تدعوه و الصالح الذي تدعوه لا يعين على ما يكره الله فمن باب أولى ما يعينك إذا كنت ظالم ما يعينك على ظلمك ( فالنبي والصالح لا يعين على ما يكرهه الله، ولا يسعى فيما يبغضه الله، وإن لم يكن كذلك فالله أولى بالرحمة والقبول منه ) إذا قلت لا أنا لست عاصيا و لا عندي عدوان نقول الله أولى بالرحمة و القبول من الميت ادع الله مباشرة , هذه مناقشة و محاورة للمشرك في بطلان ما عليه من الشرك في كونه يجعل الميت واسطة بينه و بين الله .
(المتن)
وإن قلت: هذا إذا دعا الله أجاب دعاءه أعظم مما يجيبه إذا دعوته أنا فهذا هو:
القسم الثاني: وهو ألا تطلب منه الفعل ولا تدعوه، ولكن تطلب أن يدعو لك، كما تقول للحي: ادع لي، وكما كان الصحابة يطلبون من النبي ﷺ الدعاء، فهذا مشروع في الحي كما تقدم، وأما الميت من الأنبياء والصالحين وغيرهم فلم يشرع لنا أن نقول: ادع لنا، ولا اسأل لنا ربك، و لا نحو ذلك لم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر به أحد من الأئمة، ولا ورد في ذلك حديث، بل الذي ثبت في الصحيح أنهم لما أجدبوا زمن عمر استسقى عمر بالعباس، وقال: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون) ولم يجيئوا إلى قبر النبي ﷺ قائلين: يا رسول الله ادع الله لنا واستسق لنا، ونحن نشتكي إليك مما أصابنا، ونحو ذلك، لم يفعل ذلك أحد من الصحابة قط، بل هو بدعة، ما أنزل الله بها من سلطان، بل كانوا إذا جاؤوا عند قبر النبي ﷺ يسلمون عليه، ثم إذا أرادوا الدعاء لم يدعو الله مستقبلي القبر الشريف، بل ينحرفون ويستقبلون القبلة، ويدعون الله وحده لا شريك له كما يدعونه في سائر البقاع.
وذلك أن في " الموطأ " وغيره عنه ﷺ قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وفي السنن عنه أنه قال: لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني وفي الصحيح عنه أنه قال في مرضه الذي لم يقم منه: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا. فقالت عائشة رضي الله عنها وعن أبويها: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدا، وفي صحيح مسلم عنه ﷺ أنه قال قبل أن يموت بخمس: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك وفي سنن أبي داود عنه قال: لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج.
(الشرح)
هذا هو القسم الثاني كما قلنا إنه إذا سأل الميت أن يقضي حاجته أو سأل الميت أن يدعوا الله أو يسأل الله بجاه الميت أو الحي، القسم الأول كما سبق أن يسأل الميت حاجته و هذا شرك، القسم الثاني أن يسأل الميت أن يدعو الله له فرق ما بين القسمين , القسم الأول يقول للميت يناديه يقول يا فلان اشف مريضي عافني القسم الثاني ما يسأل الميت حاجته إنما يسأل الميت فيقول يا فلان ادع الله لي أن يشفي مريضي خاطب الميت يقول ادع الله لي أن يشفي مريضي.
القسم الأول شرك بالاتفاق إذا سأل الميت حاجته إذا سأل الميت أن يغفر له أن يقضي حاجته أن يشفيه من مرضه هذا شرك، القسم الثاني يسأل الميت أن يدعو الله له يقول يا فلان ادع الله أن يشفي مريضي , طيب الميت لا يسمعك ! كيف تدعوه هكذا يدعوه يقول للميت ادع الله أن يشفي مريضي ادع الله أن يعافني.
فيقول المؤلف هذا بدعة ما أنزل الله بها من سلطان و إلى هذا ذهب جمع من أهل العلم و ذهب جمع آخرون إلى أن هذا شرك أيضا، المؤلف يرى أن القسم الثاني بدعة , لماذا بدعة ! لأنه ما سأل الميت أن يقضي حاجته سأل الميت أن يدعو الله له و القول الثاني لأهل العلم أن القسم الثاني شرك مثل القسم الأول و هو الصواب أنه شرك لأنه دعا، دعا غير الله و داخل في العموم وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ و لأن ما معنى قوله ادع الله لي لميت ما يدري قد بليت عظامه و تقول ادع الله لي ! فهذا دعاء غير الله.
قال المؤلف رحمه الله ( وإن قلت: هذا إذا دعا الله أجاب دعاءه أعظم مما يجيبه إذا دعوته أنا فهذا هو: القسم الثاني) إذا قلت أنا أدعو الميت لأن الميت إذا دعا فالله يجيب دعاءه أعظم مما يجيب دعائي ( فهذا هو القسم الثاني و هو ألا تطلب منه الفعل ) ألا تطلب منه الفعل لا تطلب منه أن يشفي مريضك و لا تدعوه (ولكن تطلب أن يدعو لك، كما تقول للحي: ادع لي، وكما كان الصحابة يطلبون من النبي ﷺ الدعاء، فهذا مشروع في الحي كما تقدم ) نعم الحي ما في مانع تأتي إلى حي قادر أمامك تقول يا فلان ادع الله لي ما في مانع لأنه حي حاضر قادر يسمعك قال (وأما الميت من الأنبياء والصالحين وغيرهم فلم يشرع لنا أن نقول: ادع لنا ) ليس مشروع أبدا و لا يجوز أن تقول للميت ادع الله لي و لا تقول للميت اسأل ربك و نحو ذلك.
قال المؤلف (لم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر به أحد من الأئمة، ولا ورد في ذلك حديث ) قال ( بل الذي ثبت في الصحيح ) خلاف ذلك الذي ثبت في الصحيح أنه يسأل الحي ثبت في الصحيح أن الصحابة كانوا يستسقون بالنبي ﷺ يعني يطلبون منه أن يدعو لهم أن يسقيهم الله المطر في حياته فلما مات هل جاء الصحابة إليه ! قالوا يا رسول الله ادع الله لنا أن يسقينا ! لما مات النبي ﷺ و أجدبوا توسلوا بالعباس عم النبي عليه الصلاة و السلام جاؤوا إلى العباس و قالوا : يا عباس ادع الله فيدعو , و كذلك معاوية بن أبي سفيان لما أجدبوا استسقى بيزيد الجرشي.
قال المؤلف رحمه الله ( بل الذي ثبت في الصحيح أنهم لما أجدبوا زمن عمر استسقى عمر بالعباس ) معنى استسقى يعني بدعائه يعني توسط بدعائه ( استسقى عمر بالعباس وقال: ) قال يعني عمر ( اللهم إنا كنا إذا أجدبنا ) أصابنا الجدب ( نتوسل إليك بنبينا ) يعني في حياته ( فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون) في الحديث الآخر : قم يا عباس فادع ربك ( فيسقون ).
قال المؤلف ( ولم يجيئوا إلى قبر النبي ﷺ قائلين: يا رسول الله ادع الله لنا واستسق لنا، ونحن نشتكي إليك مما أصابنا ) ما فعلوا هذا ( ونحو ذلك، لم يفعل ذلك أحد من الصحابة قط، بل هو بدعة، ما أنزل الله بها من سلطان ) ما هو البدعة ! يعني سؤال الميت أن يدعو الله لك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان فالمؤلف على أنه بدعة و يرى آخرون من أهل العلم أنه شرك.
قال ( بل كانوا إذا جاؤوا عند قبر النبي ﷺ يسلمون عليه ) الصحابة , يبدؤون بالسلام أولا ( ثم إذا أرادوا الدعاء لم يدعوا الله مستقبلي القبر الشريف، بل ينحرفون ويستقبلون القبلة) يسلمون عليه و إذا انتهوا من السلام انصرفوا إلى القبلة و دعوا ( ويدعون الله وحده لا شريك له كما يدعونه في سائر البقاع ) كما أنهم يدعون الله في سائر البقاع فكذلك عند في المسجد النبوي إذا أرادوا الدعاء انصرفوا إلى القبلة.
( وذلك أن في " الموطأ " وغيره عنه ﷺ قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) هذا الأثر رواه مالك في الموطأ مرسلا عن عطاء بن يسار ( وفي السنن عنه أنه قال: لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني ) هذا رواه الإمام أحمد و أبو داود ( وفي الصحيح عنه ﷺ أنه قال في مرضه الذي لم يقم منه ) يعني في مرض موته ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) قالت عائشة ( يحذر ما فعلوا) لماذا يلعن اليهود و النصارى اتخذوا قبور أوليائهم مساجد ! تحذيرا لهذه الأمة أن تفعل مثل فعلهم فيصيبهم ما أصابهم ( قالت عائشة رضي الله عنها وعن أبويها: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدا) قوله لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا و قالت عائشة رضي الله عنها : يحذر تقول عائشة رضي الله عنها يحذر ما فعلوا , هذا الحديث رواه الشيخان البخاري و مسلم تقول عائشة الرسول عليه الصلاة و السلام تقول لولا أن الرسول خشي أن يتخذ الناس قبره مسجدا لأبرز قبره , الرسول دفن في أي مكان ! في حجرة عائشة و لم يبرز في المقبرة قالت عائشة : السر في ذلك أنه خشي أن يتخذ مسجدا فلهذا دفن في بيته حتى لا يتخذوه الناس مسجدا هذا اجتهاد من عائشة لكن جاء حديث يدل على الحكمة في ذلك و هو أن النبي ﷺ قال كل نبي يدفن في المكان الذي مات فيه و النبي مات في هذا المكان فدفن فيه، عائشة ظنت أن السبب في دفنه في بيته أنه خشي أن يتخذ مسجدا و لكن جاء في الحديث ما يدل على السبب في دفنه في بيته أن كل نبي يدفن في المكان الذي مات فيه , و إبرازه يعني إخراجه , إخراجه مع القبور مع الباقين.
قال ( وفي صحيح مسلم عنه ﷺ أنه قال قبل أن يموت بخمس ) يعني قبل أن يموت بخمس ليال ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك ) و هذا رواه الإمام مسلم في صحيحه.
( وفي سنن أبي داود عنه قال: لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج ) و هذا أيضا رواه أبو داود بلفظ لعن رسول الله ﷺ زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه الترمذي و النسائي أيضا و الحديث ضعفه بعض أهل العلم لكن له شواهد .
(المتن)
ولهذا قال علماؤنا: لا يجوز بناء المسجد على القبور، وقالوا: إنه لا يجوز أن ينذر لقبر، ولا للمجاورين عند القبر شيئا من الأشياء، لا من درهم، ولا زيت، ولا شمع، ولا حيوان، ولا غير ذلك، بل ذلك كله نذر معصية، وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .
واختلف العلماء: هل على الناذر كفارة يمين؟ على قولين :
ولهذا لم يقل أحد من أئمتنا: إن الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبة، أو فيها فضيلة، ولا أن الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء؛ بل اتفقوا كلهم على أن الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور - قبور الأنبياء والصالحين - سواء سميت " مشاهد " أو لم تسم.
وقد شرع الله ورسوله في المساجد دون المشاهد أشياء؛ فقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ولم يقل: المشاهد، وقال تعالى: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ولم يقل المشاهد، وقال تعالى: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وقال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وقال تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وقال ﷺ: صلاة الرجل في المسجد تفضل على صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين ضعفا وقال ﷺ: من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة.
( شرح )
يقول المؤلف رحمه الله ( ولهذا قال علماؤنا: لا يجوز بناء المسجد على القبور ) هذا في جواب السؤال الثاني من الأسئلة التي وجهت للمؤلف في من ينذر للمساجد هذا السؤال الثاني من الأسئلة السبعة التي وجهت للمؤلف (في من ينذر للمساجد و الزوايا و المشايخ حيهم و ميتهم بالدراهم و الإبل و الغنم و الشمع و غير ذلك و يقول إن سلم ولدي فللشيخ علي كذا و كذا و أمثال ذلك) هذا شرك أكبر النذر لأصحاب القبور هذا من الشرك من ينذر للمساجد أو الزوايا أو المشايخ من الدراهم و الإبل و الغنم و الشمع و الزيت هذا شرك لأن النذر عبادة و العبادة إذا صرفها الإنسان لغير الله وقع في الشرك.
قال المؤلف رحمه الله ( ولهذا قال علماؤنا: لا يجوز بناء المساجد على القبور ) بناء المساجد على القبور هذا من وسائل إلى الشرك و من البدع لأن بناء المساجد على القبور و كذلك أيضا تجصيصها و وضع الورود و الرياحين عليها و تطيبها كل ذلك من وسائل الشرك و وضع الأنوار و الكهرباء عليها كل ذلك من وسائل الشرك وسيلة لتعظيم القبور ثم يتدرج الشيطان بأولئك حتى يعبدوا المقبور من دون الله.
و لذلك يقول المؤلف ( ولهذا قال علماؤنا: لا يجوز بناء المساجد على القبور ) لأنه وسيلة إلى الشرك ( وقالوا: إنه لا يجوز أن ينذر لقبر ) لأن هذا شرك، ينذر يقول لصاحب القبر إن شفى الله مريضي فللرسول علي ذبح خروف على روحه أو أتصدق بدراهم أو دنانير أو يقول إن شفى الله مريضي فللسيد البدوي خروف أذبحه أو أتصدق بدراهم على روحه هذا شرك لأن النذر عبادة.
و لهذا قال (وقالوا: إنه لا يجوز أن ينذر لقبر ولا للمجاورين عند القبر شيئا من الأشياء، لا من درهم، ولا زيت، ولا شمع، ولا حيوان، ولا غير ذلك، بل ذلك كله نذر معصية ) و نذر المعصية لا يجوز الوفاء به لقول النبي ﷺ: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه و هذا نذر معصية و شرك أيضا.
( وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) هذا رواه البخاري في كتاب الأيمان و النذور و إذا نذر الإنسان نذر معصية قلنا لا يجوز , لا يجوز الوفاء به لكن هل يلزمه الكفارة على قولين عند أهل العلم , من العلماء من قال : يلزمه كفارة و استدلوا بحديث ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه و كفارته كفارة اليمين و قال آخرون : ليس عليه كفارة لأن الحديث فيه ضعف و لهذا اختلف العلماء في من نذر ،نذر معصية هل يكفر أم لا يكفر مع اتفاق العلماء أنه لا يفي بالنذر نذر المعصية لا يفي به مثال ذلك أن يقول : إن شفى الله مريضي لأشرب الخمر أو لأشرب الدخان ! هذا حرام عليه أو لأتعامل بالربا هذا حرام عليه لا يجوز الوفاء به بالمعصية هذا نذر معصية لا يجوز الوفاء لكن المتفق عليه أنه لا يجوز الوفاء به لكن هل تلزمه كفارة يمين قال ذلك بعض العلماء و استدلوا بالحديث و قيل لا تلزمه كفارة يمين لأن الحديث ضعيف.
و لهذا قال (واختلف العلماء: هل على الناذر كفارة يمين؟ على قولين : ولهذا لم يقل أحد من أئمتنا: إن الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبة، أو فيها فضيلة، ولا أن الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء؛ بل اتفقوا كلهم على أن الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور - قبور الأنبياء والصالحين - سواء سميت " مشاهد " أو لم تسم ) يعني لم يقل أحد من أئمة المسلمين أن الصلاة في المقبرة أفضل من الصلاة في المسجد أبدا و لا أن الدعاء و قراءة القرآن في القبر أفضل بل متفقون اتفق العلماء على أن الصلاة في المسجد أفضل من الصلاة عند القبر و قراءة القرآن في المسجد أفضل من قراءة القرآن عند القبر سواء سميت مشاهد أو لم تسم بل إن الصلاة عند القبر و الدعاء من وسائل الشرك و من البدع و المساجد هي التي شرع فيها الصلاة و الدعاء أما القبور ما يشرع عندها الدعاء , يزور الميت و تسلم و تدعو الله و تنصرف.
قال ( وقد شرع الله ورسوله في المساجد دون المشاهد أشياء ) شرعها الله في المساجد دون المشاهد دون القبور أشياء ( فقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ولم يقل: المشاهد ) إذا المساجد يذكر فيها اسم الله مأمور بأن يذكر اسم الله فيها و يقرأ القرآن و يصلي عندها و المشاهد ممنوع ( وقال تعالى: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ولم يقل في المشاهد وقال تعالى: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) يعني العدل ( وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) إذا مأمور بإقامة الوجه عند المسجد ( وقال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ الشاهد قول إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ يعني العمارة المعنوية العمارة عمارتان عمارة حسية كبناء المساجد و تطيبها و العمارة المعنوية هي عمارتها بالطاعة بالصلاة و الدعاء و الذكر و تعلم العلم و تعليمه ( وقال تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) نهي عن الدعاء لأن من دعا غير الله فقد أشرك واحد نكرة في سياق النهي فتعم ( وقال ﷺ: صلاة الرجل في المسجد تفضل على صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين ضعفا ) هذا رواه الشيخان بنحوه وقال ﷺ: من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ) و هذا الحديث رواه الشيخان البخاري و مسلم من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة دل على أن المساجد يشرع فيها أمور لا تشرع عند المشاهد و عند القبور .
(المتن)
وأما القبور فقد ورد نهيه ﷺ عن اتخاذها مساجد، ولعن من يفعل ذلك و ذكره غير واحد من الصحابة والتابعين، كما ذكره البخاري في صحيحه والطبري وغيره في تفاسيرهم، وذكره أثيمة وغيره في " قصص الأنبياء " في قوله تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا قالوا: هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم طال عليهم الأمد فاتخذوا تماثيلهم أصناما وكان العكوف على القبور والتمسح بها وتقبيلها والدعاء عندها وفيها ونحو ذلك هو أصل الشرك وعبادة الأوثان؛ ولهذا قال النبي ﷺ: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد.
و لهذا اتفق العلماء على أن من زار قبر النبي ﷺ أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين - الصحابة وأهل البيت وغيرهم - فإنه لا يتمسح به، ولا يقبله؛ بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود، وقد ثبت في الصحيحين: أن عمر بن الخطاب قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك.
ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل و يستلم ركني البيت - الذين يليان الحجر - ولا جدران البيت، ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس، ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين، حتى تنازع الفقهاء في وضع اليد على منبر سيدنا رسول الله ﷺ لما كان موجودا، فكرهه مالك وغيره؛ لأنه بدعة، وذكر مالك أنه لما رأى عطاء فعل ذلك لم يأخذ عنه العلم، ورخص فيه أحمد وغيره؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما فعله.
وأما التمسح بقبر النبي ﷺ وتقبيله فكلهم كره ذلك ونهى عنه؛ وذلك لأنهم علموا ما قصده النبي ﷺ من حسم مادة الشرك، وتحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله رب العالمين.
وهذا مما يظهر به الفرق بين سؤال النبي ﷺ والرجل الصالح في حياته، وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه؛ وذلك أنه في حياته لا يعبده أحد بحضوره، فإذا كان الأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - والصالحون أحياء لا يتركون أحدا يشرك بهم بحضورهم؛ بل ينهونهم عن ذلك، ويعاقبونه عليه، ولهذا قال المسيح : مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ
(الشرح)
المؤلف رحمه الله بين أحكام الإتيان إلى القبور و التمسح بها و اتخاذها مساجد و خاض في هذا فقال (وأما القبور فقد ورد نهيه ﷺ عن اتخاذها مساجد، ولعن الله من يفعل ذلك ) كما في لحديث السابق لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم و الصالحين مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك سقطت كلمة وصالحيهم و هي موجودة في مسلم سقط عند المؤلف لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم و صالحيهم مساجد و هذه مهمة لفظ الصالحين فيها الدلالة على تحريم اتخاذ قبور الأنبياء و قبور الصالحين مساجد و أن الصالحين لا تتخذ قبورهم مساجد كما ذكر البخاري في الصحيح و الطبري و غيرهم في تفاسيرهم.
و ذكره أيضا المؤلفون في قصص الأنبياء و أخبارهم ذكره ( في قوله تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا قالوا: هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم طال عليهم الأمد فاتخذوا تماثيلهم أصناما ) و جاء في صحيح البخاري في تفسير قوله تعالى وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ عن ابن عباس في قوله وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما ماتوا حزنوا عليهم و اتخذوا صورهم ثم عبدوهم من غير الله قال ابن عباس (عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم ) إذا العكوف عند القبور و اتخاذه مساجد من وسائل الشرك يتوصل بها إلى الشرك لأنه في الأول يقول له الشيطان ادع الله عند القبر صل عند القبر اقرأ القرآن عند القبر هذا موطن إجابة ثم يتدرج به الحال حتى يدعوه إلى أن يعبد صاحب القبر و يذبح له و ينذر له و لهذا جاء في هذه القصة وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ في هذه الآية ( قالوا: هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح ) (ود) اسم رجل صالح (سواع) اسم رجل آخر (يغوث) اسم رجل آخر (يعوق) اسم رجل آخر (نسر) اسم رجل هذه أسماء الرجال الصالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم بعد ذلك طال عليهم الأمد فاتخذوا تماثيلهم أصناما.
قال المؤلف رحمه الله (و كان العكوف على القبور والتمسح بها وتقبيلها والدعاء عندها وفيها ونحو ذلك هو أصل الشرك وأصل عبادة الأوثان ) العكوف على القبور والتمسح بها وتقبيلها والدعاء عندها هذه وسيلة توصل إلى الشرك أصل الشرك إنما حدث من هذا من العكوف على القبور و التمسح بها و تقبيلها و الدعاء عندها و فيها هذا هو أصل الشرك و عبادة الأوثان. ( ولهذا قال النبي ﷺ: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد).
قال المؤلف رحمه الله ( و لهذا اتفق العلماء على أن من زار قبر النبي ﷺ أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين - الصحابة وأهل البيت وغيرهم - أنه لا يتمسح به، ولا يقبله ) يعني من زار قبر النبي ﷺ و قبر الصحابة هل يتمسح به أو يقبله ؟ لا القبر ما يتمسح به و لا يقبل و إنما تقف و تسلم عليه و تدعو الله له أما أن تتمسح بترابه أو بقبره أو تدعو الله عنده فهذا من البدع.
قال المؤلف رحمه الله ( بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيله إلا الحجر الأسود ) ما في شيء يشرع تقبيله تقبله من الجمادات إلا الحجر الأسود يشرع لمن طاف في البيت أن يقبل الحجر الأسود إن استطاع فإن لم يستطع يمسحه بيده و يقبله فإن لم يستطع أشار إليه بيده و كبر ما في شيء في الدنيا يقبل من الجمادات إلا الجر الأسود.
( وقد ثبت في الصحيحين: أن عمر قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك ) الحديث رواه الشيخان البخاري و مسلم عمر لما حج أظهر هذا للناس قبله و قال ( و الله إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك ) يبين عمر للناس كما في صحيح مسلم أن تقبيل الحجر لا لأنه يضر و ينفع بل للتأسي بالنبي ﷺ يقتدي بالرسول عليه الصلاة و السلام , الرسول قبله نقبله و ليس معنى ذلك أنه ينفع أو يضر , لا , الذي ينفع أو يضر هو الله لكن المقصود التأسي و الله تعالى يقول لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
قال المؤلف ( ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل و يستلم ركني البيت - اللذين يليان الحجر - ولا جدران البيت، ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس، ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين ) يقول المؤلف اتفق الأئمة على أنه لا يسن للرجل أن يقبل و يستلم ركني البيت الذين يليان الحجر , البيت فيه أربع أركان يليان الكعبة الركن اليماني و الركن الأسود ثم يليه الركن الشامي ثم الركن العراقي فنحن حين نطوف نستلم ركنين ولا نستلم ركنين لماذا ! الركن الأول الحجر اليماني يستلم و لا يقبل و الركن الأسود يستلم و يقبل و الركن الشامي و العراقي لا يستلم و لا يقبل لماذا ! نعم لفعل النبي ﷺ و ما سببه ! السبب أنهما ليسا على قواعد إبراهيم الركن اليماني و الحجر الأسود على قواعد إبراهيم أما الشامي العراقي فليسا على قواعد إبراهيم لأن قريش أخرجت جزءا من الكعبة و هو الحجر لماذا أخرجته ! لما تصدعت الكعبة في زمن قريش و النبي ﷺ عمره في ذلك الوقت خمس و ثلاثون عاما رأوا أن يبنوا البيت لأنه تصدعت الكعبة صار فيها تشققات فيخشى منها السقوط فعزموا على أن يبنوها و يجددوها فقال بعضهم لبعض و هم مشركون لا نبنيها إلا بمال حلال اجمعوا لنا مالا حلالا خصص مالا حالا للكعبة حتى تبنى فجمعوا مالا حالا و لكن ما وجدوا ما يكفيهم لبنائها الحرام طبق الأرض كل الأموال التي عندهم من ربا أو رشوة أو زنا أو سرقة ما وجدوا مالا يكفي لبناء الكعبة فقالوا : إذا ما نستطيع فنبني جزءا منها و نخرج جزءا منها فبنو جزءا منها و أخرجوا الحجر ستة أذرع و نصف الحجر يسميه بعض الناس حجر إسماعيل هذا خارج فلهذا ليست على قواعد إبراهيم فلهذا النبي ﷺ لم يستلم الركن الشامي و العراقي و إنما استلم الركن اليماني و الركن الأسود و النبي ﷺ قال في آخر حياته لعائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بكفر لنقضت الكعبة وأدخلت الحجر و جعلت لها بابين ففعل ابن الزبير في خلافته , قبل خلافة ابن الزبير طاف معاوية لما كان خليفة طاف معاوية ابن أبي سفيان بالكعبة و جعل يستلم الأركان الأربعة كلها , يستلم الركن اليماني و الحجر الأسود و الشامي و العراقي كما ثبت في الحديث فأنكر عليه ابن عباس فقال ابن عباس : لماذا يا أمير المؤمنين تستلم الأركان الأربعة لا تستلم إلا الركن اليماني و الحجر الأسود فقال معاوية لابن عباس : أفي البيت شيء مهجور ! نهجر بعض البيت , البيت ما فيه شيء مهجور كل الأركان نستلمها . فقال ابن عباس : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ و لم أر رسول الله ﷺ يستلم إلا الركنين اليمانيين فقال صدقت و رجع عن قوله.
ولما تولى الخلافة عبد الله بن الزبير أراد أن يطبق الحديث فهدم الكعبة و أدخل الحجر في الكعبة و فتح لها بابا غربيا و بابا شرقيا لأن النبي ﷺ قال لعائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بكفر لنقضت الكعبة وأدخلت الحجر و جعلت لها باب غربيا يخرج منه الناس و بابا شرقيا , فطبق الحديث فهدم الكعبة و قال الآن زال ما يخشاه الرسول ﷺ, الناس ليسوا بحديثي عهد بالشرك فهدم الكعبة و هو الخليفة و أدخل الحجر و صاروا يستلمون الأركان الأربعة كلها و لكن لم تطل مدته نازعه عبد الملك بن مروان و أخذ العراق ثم أخذ يتوسع حتى وصل إلى المدينة و عهد إلى أميره في المدينة أن يغزو عبد الله بن الزبير و جعل يوجه الجيوش إلى مكة ليقاتل عبد الله بن الزبير ينازعه في الملك حتى انتصر عليه و وكل هذا إلى الحجاج بن يوسف أمير العراق وكل إليه المهمة فجعله يجهز الجيوش إلى مكة ليقاتل عبد الله بن الزبير فانتصر الحجاج على عبد الله بن الزبير و وجه المنجنيق إلى الكعبة و ضربها و هدمها و قتل عبد الله بن الزبير و صلبه على خشبة و هدم الكعبة الحجاج مرة ثانية و أخرج الحجر و بناها على ما كانت عليه في الجاهلية و لما حج عبد الملك بن مروان و هذا ثابت في صحيح مسلم جعل يقول أن عبد الله بن الزبير يكذب على رسول الله ﷺ و يقول كذا و كذا فسمعه بعض الصحابة و قال لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فإني سمعت كذا و كذا فسكت عبد الملك بن مروان و قال : ليتنا تركناه و ما أراد يعني عبد الله بن الزبير و الله تعالى يجمع بينهما و يقضي بينهما بحكمه العدل يوم القيامة فبقيت الكعبة على بناء الجاهلية , أخرج جزءا منها و هو الحجر.
و لما كانت خلافة أبي جعفر المنصور استشار الإمام مالك في أن يهدم الكعبة و يدخل الحجر كما فعل عبد الله بن الزبير هل يفعل أو لا يفعل ! استشارة من الخليفة للإمام مالك , فأشار إليه الإمام مالك بأن يدعها على حالها , قال :أرى أن تتركها و تترك أحجارا أسلم الناس عليها , قال لماذا ! قال : أخشى أن تكون الكعبة ملعبة للملوك كل ملك هذا يهدم و هذا يبني يريد أن يخلد اسمه فسد الباب حتى لا تكون الكعبة ملعبة للملوك فكان رأي الإمام رأيا سديدا موفقا فبقيت على ما كانت عليه الآن على ما كانت عليه في الجاهلية و الحجر خارج الكعبة.
يقول المؤلف رحمه الله ( ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل و يستلم ركني البيت - الذين يليان الحجر ) و هما الشامي و العراقي , لماذا ! لأنهم ليسا على قواعد إبراهيم ( ولا جدران البيت، ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس، ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين ) كل هذا غير مشروع ما يجوز بل هو بدعة يقبل و يستلم الركن العراقي و الشامي من الكعبة أو يتمسح بجدران البيت و الكعبة أو يتمسح بمقام إبراهيم و ترون الآن بعض الناس , الآن وضعوا مقام إبراهيم في زجاج يأتي بعض الحجاج الزوار و يتسمحون به ! زجاج موضوع حديثا لجهلهم يتمسحون به , ولا صخرة بيت المقدس أيضا و لا قبر أحد من الأنبياء كل هذا غير مشروع.
قال المؤلف (حتى تنازع الفقهاء في وضع اليد على منبر سيدنا رسول الله ﷺ لما كان موجودا) في الأول كان موجودا و أزيل الآن , فبعض الناس كان يضع يده على منبر رسول الله ﷺ فتنازعوا ( فكرهه مالك و غيره لأنه بدعة ) قال لا تضع يدك على منبر الرسول ﷺ ( وذكر مالك أنه لما رأى عطاء فعل ذلك ) وضع يده عليه ( لم يأخذ عنه العلم ) هجره ( ورخص فيه أحمد وغيره ) قالوا لا بأس بوضع اليد ( لأن ابن عمر رضي الله عنهما فعله ) فإذا كان وضع اليد على منبر رسول الله ﷺ بعض العلماء كرهه و بعض العلماء لم يكره فكيف بالتمسح و التقبيل.
قال المؤلف رحمه الله ( وأما التمسح بقبر النبي ﷺ وتقبيله فكلهم كره ذلك ونهى عنه) كل العلماء كرهوا أن يتمسح بقبر النبي ﷺ أو يقبل قبر النبي ﷺ, قال ( وذلك لأنهم علموا ما قصده النبي ﷺمن حسم مادة الشرك، وتحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله رب العالمين ) لأن هذا فيه سد للوسائل التي توصل إلى الشرك , فلا تتمسح بقبر الرسول ﷺ و لا تقبله و هذا من تحقيق التوحيد و إخلاص الدين لله رب العالمين.
قال المؤلف رحمه الله ( وهذا مما يظهر الفرق بين سؤال النبي ﷺ والرجل الصالح في حياته، وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه ) هناك فرق بين أن تسأل ميتا أو غائبا أو تسأل حيا حاضرا , الحي الحاضر ما في مانع و الميت الغائب لا يسأل .
(المتن)
وهذا مما يظهر به الفرق بين سؤال النبي ﷺ والرجل الصالح في حياته، وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه؛ وذلك أنه في حياته لا يعبده أحد بحضوره، فإذا كان الأنبياء - صلوات الله عليهم و سلامه - والصالحون أحياء لا يتركون أحدا يشرك بهم بحضورهم؛ بل ينهونهم عن ذلك، ويعاقبونهم ، ولهذا قال المسيح : مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وقال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندا؟ ! قل : ما شاء الله وحده وقال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد ولما قالت الجويرية: "وفينا نبي الله يعلم ما في غد" قال: دعي هذا، وقولي بالذي كنت تقولين وقال: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله) ولما صلوا خلفه قياما قال: لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضهم بعضا وقال أنس: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله ﷺ وكانوا إذ ارأوه لم يقوموا له؛ لما يعلمون من كراهته لذلك. ولما سجد له معاذ نهاه، وقال: إنه لا يصلح السجود إلا لله رب العالمين، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ولما أتي علي بالزنادقة الذين غلوا فيه واعتقدوا فيه الإلهية أمر بتحريقهم بالنار. فهذا شأن أنبياء الله وأوليائه، وإنما يقر على الغلو فيه وتعظيمه بغير حق من يريد علوا في الأرض وفسادا، كفرعون ونحوه، ومشايخ الضلالة الذين غرضهم العلو في الأرض والفساد، والفتنة بالأنبياء والصالحين، واتخاذهم أربابا، والإشراك بهم مما يحصل في مغيبهم وفي مماتهم، كما أشرك بالمسيح و عزير.
فهذا مما يبين الفرق بين سؤال النبي ﷺ والصالح في حياته وحضوره، وبين سؤاله في مماته ومغيبه، و لهذا لم يكن أحد من سلف الأمة لا في عصر الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين يتحرون الصلاة والدعاء عند قبور الأنبياء و الصالحين و لا يسألونهم، ولا يستغيثون بهم، لا في مغيبهم ولا عند قبورهم، وكذلك العكوف.
ومن أعظم الشرك أن يستغيث الرجل بميت أو غائب، كما ذكره السائل، ويستغيث به عند المصائب يقول: يا سيدي فلان! كأنه يطلب منه إزالة ضرره أو جلب نفعه، وهذا حال النصارى في المسيح وأمه وأحبارهم ورهبانهم، ومعلوم أن خير الخلق وأكرمهم على الله نبينا محمد ﷺ، وأعلم الناس بحقه و قدره أصحابه، ولم يكونوا يفعلون شيئا من ذلك؛ لا في مغيبه، ولا بعد مماته. وهؤلاء المشركين يضمون إلى الشرك الكذب؛ فإن الكذب مقرون بالشرك، وقد قال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وقال النبي ﷺ: عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين، أو ثلاثا) وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ وقال الخليل : أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
فمن كذبهم أن أحدهم يقول عن شيخه: إن المريد إذا كان بالمغرب وشيخه بالمشرق وانكشف غطاؤه رده عليه، وإن الشيخ إن لم يكن كذلك لم يكن شيخا, وقد تغويهم الشياطين، كما تغوي عباد الأصنام كما كان يجري للعرب في أصنامها ، ولعباد الكواكب وطلاسمها من الشرك والسحر، كما يجري للترك ، والهند، والسودان، وغيرهم من أصناف المشركين من إغواء الشياطين لهم ومخاطبتهم ونحو ذلك، فكثير من هؤلاء قد يجري له نوع من ذلك، لا سيما عند سماع المكاء و التصدية؛ فإن الشياطين قد تنزل عليهم، وقد يصيب أحدهم كما يصيب المصروع: من الإرغاء، والإزباد، والصياح المنكر، و تكلمه بما لا يعقل هو والحاضرون، وأمثال ذلك مما يمكن وقوعه في هؤلاء الضالين.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله يقول هناك فرق بين سؤال النبي ﷺ و الرجل الصالح في حياته و بين سؤاله بعد موته و في مغيبه و هناك فرق بين سؤال الحي الحاضر و بين سؤال الميت أو الغائب فالحي الحاضر أمامك الحي الحاضر لا مانع تسأله ما يستطيعه , الحي الحاضر القادر يطلب منه ما يقدر عليه , يقول للحي الحاضر : يا فلان ادع الله لي , يستطيع , تقول للحي الحاضر يا فلان اقض ديني يستطيع إذا كان, يا فلان أعني في إصلاح مزرعتي , أعني في إصلاح سيارتي ما في مانع لأنه حي حاضر قادر لكن لا تطلب من الحي الحاضر ما لا يقدر عليه إلا الله ما تقول للحي يا فلان اغفر لي يا فلان نجني من النار ما يستطيع هذا , هذا لا يقدر عليه إلا الله شرك , أو تقول اقض ديني و هو فقير مقنع لأنه ما يقدر على هذا أما الميت انقطع عن الدنيا ما يمكن تدعو الميت و لا يجوز أن تدعو الميت و لا تدعو الغائب الذي لا يسمع و ما يستطيع أن يصله الكلام هذا شرك.
المؤلف يقول( وهذا ما يظهر به الفرق بين سؤال النبي ﷺ والرجل الصالح في حياته، وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه؛ وذلك أنه في حياته ) الرسول ﷺ في حياته ( لا يعبده أحد بحضوره ) ما يمكن أن يأتي أحد و يعبد الرسول أمامه و يقول أنا أعبدك يا رسول الله ( و ذلك أنه في حياته لا يعبده أحد بحضوره فإذا كان الأنبياء - صلوات الله عليهم و سلامه - والصالحون أحياء لا يتركون أحدا يشرك بهم بحضورهم؛ بل ينهونهم عن ذلك، ويعاقبونهم عليه ) الرسول ﷺ و الصالحون و العباد في حياتهم ما يرضون أن يعبدهم أحد و هم حاضرون ( ولهذا قال المسيح ) لما قال الله له وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قال المسيح ( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد
( وقال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندا؟ ) لأنه شرك بينه و بين المشيئة فقال: (أجعلتني لله ندا! قل : ما شاء الله وحده ) و هذا رواه الإمام أحمد و الطبراني.
( وقال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد ) هذا رواه ابن ماجة و ابن خزيمة و الإمام أحمد و جماعة كما ذكر المحقق.
( ( ولما قالت الجويرية: ) قالت الجورية للنبي ﷺ جويرية صغيرة يعني صبية تغني كلمات قالت (" وفينا نبي الله يعلم ما في غد) يعلم ما في الغد , زجرها النبي ﷺ (" قال: دعي هذا، وقولي بالذي كنت تقولي) و هذا الحديث رواه الترمذي و ابن ماجة , أنكر عليها لما قالت (" وفينا نبي الله يعلم ما في غدي ( قال: دعي هذا، وقولي بالذي كنت تقولين )
( وقال: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم؛ إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله) و هذا رواه البخاري في الصحيح و الإطراء هو مجاوزة الحد في المدح و الكذب فيه يعني لا تتجاوزوا الحد أنا إنما عبد الله و رسوله في لفظ آخر ما أحب أن ترفعوني عن منزلتي يعني التي أنزله الله , الإطراء هو مجاوزة الحد في المدح و الكذب فيه.
( ولما صلوا خلفه قياما ) و هذا في حديث لما ركب النبي ﷺ فرسا فسقط و جرحت ساقه صار فيها جرح و تأثر فأصبح لا يستطيع أن يصلي قائما فصلى بالناس قاعدا فصلوا خلفه قياما فقال و أشار إليهم ( قال: لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضهم بعضا في لفظ آخر أنه قال كدتم أن تفعلوا كما يفعل الأعاجم يقفون على رؤوس ملوكهم و هم قعود يعني كيف أنا أصلي جالس و أنتم تصلون قياما , أشار عليهم أن اجلسوا قال لا تفعلوا كما تفعل الأعاجم قال هنا لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضهم بعضا و هذا الحديث رواه أبو داود و الإمام أحمد.
( وقال أنس : لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله ﷺ، وكانوا إذ ارأوه لم يقوموا له؛ لما يعلمون من كراهته لذلك ) هذا رواه الترمذي و الإمام أحمد , الرسول ﷺ أحب الناس إلى الصحابة لكن مع ذلك إذا رأوه ما يقومون لأنهم يعلمون أنه يكره هذا فلا يقومون إذا جاء.
( ولما سجد له معاذ ) لما جاء معاذ و سجد للنبي ﷺ سجود تحية و قال إنه رأى الناس و كان لما جاء من اليمن و سجد للنبي ﷺ أنكر عليه النبي ﷺ و قال له (: إنه لا يصلح السجود إلا لله رب العالمين ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ) هذا رواه ابن ماجة و الحاكم , معاذ كان أميرا في اليمن فلما جاء للنبي ﷺ سجد للنبي سجود تحية فأنكر عليه النبي ﷺ و قال هذا لا يصلح إلا لله قال : لا يصلح السجود إلا لله رب العالمين و لو كنت آمرا أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها هذا فيه دليل على عظم حق الزوج.
( ولما أتي علي بالزنادقة الذين غلوا فيه واعتقدوا فيه الإلهية أمر بتحريقهم بالنار) علي غلا فيه بعض السبأية و قالوا إنه الإله قالوا يا علي أنت الإله أنكر عليهم و من شدت حنقه عليهم خد لهم أخاديد يعني حفر و أضرمها نارا و ألقاهم فيها حرقهم بالنار و قال لمولاه :
لما رأيت الأمر أمرا منكرا | أججت ناري و دعوت قنبرا |
فقذفهم في النار مع أن التعذيب بالنار لا يجوز لكن يحتمل أنه خفي عليه النص أو أنه من شد حنقه و غضبه عليهم حرقهم بالنار، قال المؤلف لأنهم غلوا فيه و بعضهم زاد غلوه لما رأوه يقذفهم في النار قالوا هذا الإله و جعلوا يسجدون له نعوذ بالله.
قال المؤلف رحمه الله ( فهذا شأن أنبياء الله وأوليائه ) ينكرون على أهل البدع و الغلاة و أهل الشرك , قال ( وإنما يقر على الغلو فيه وتعظيمه بغير حق من يريد علوا في الأرض وفسادا ) الذي يقر الغلو بغير حق و التعظيم بغير حق هو الذي يريد علوا في الأرض و فسادا ( كفرعون ونحوه، ومشايخ الضلالة ) هؤلاء هم الذين يقرون الغلو ( الذين غرضهم العلو في الأرض والفساد، والفتنة بالأنبياء والصالحين، واتخاذهم أربابا، والإشراك بهم مما يحصل في مغيبهم وفي مماتهم ) هذا الذي يقر هذا فرعون و أهل الضلال و المشركون ( كما أشرك بالمسيح و عزير ).
قال المؤلف ( فهذا مما يبين الفرق بين سؤال النبي ﷺ والصالح في حياته وحضوره، وبين سؤاله في مماته ومغيبه ) فرق بين أن تسأل الحي الحاضر و بين أن تسأل الغائب والميت , الحي الحاضر يسأل ما يقدر عليه و الميت لا يسأل و الغائب كذلك لا يسأل إذا كان لا يبلغه.
قال المؤلف ( و لهذا لم يكن أحد من سلف الأمة لا في عصر الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين يتحرون الصلاة والدعاء عند قبور الأنبياء و الصالحين و لا يسألونهم، ولا يستغيثون بهم، لا في مغيبهم ولا عند قبورهم، وكذلك العكوف ) ما يفعل هذا أحد من الصحابة و لا من التابعين لا يصلون عند القبور و لا يدعون و لا يسألون الأموات و لا يستغيثون بهم.
ثم قال المؤلف ( ومن أعظم الشرك أن يستغيث الرجل برجل ميت أو غائب، كما ذكره السائل ) هذا جواب السؤال الثالث من الأسئلة السبعة التي وجهت للمؤلف قال (وفي من يستغيث بشيخه إذا أصابته نائبة أو سمع حسا قبله أزعجه استغاث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع) هذا شرك يستغيث بالشيخ إذا سمع حسا خلفه أزعجه استغاث بشيخه أو يطلب من شيخه أن يثبت قلبه هذا كفر شرك.
وردة قال المؤلف ( بل من أعظم الشرك أن يستغيث الرجل برجل ميت أو غائب كما ذكره السائل ويستغيث به عند المصائب يقول: يا سيدي فلان! كأنه يطلب منه إزالة ضره أو جلب نفعه ).
قال المؤلف ( وهذا حال النصارى في المسيح وأمه ) حال النصارى حينما عبدوا المسيح و عبدوا أمه ( وأحبارهم ورهبانهم ) يعني يعبدون علمائهم و عبادهم , الأحبار هم العلماء و الرهبان العباد.
قال المؤلف ( ومعلوم أن خير الخلق وأكرمهم على الله نبينا محمد ﷺ، وأعلم الناس بحقه و قدره أصحابه، ولم يكونوا يفعلون شيئا من ذلك؛ لا في مغيبه، ولا بعد مماته ) أعلم الناس الصحابة ما فعلوه ما توسلوا بالنبي ﷺ ما تمسحوا به ما سألوه لأنهم يعلمون ما شرع الله.
قال المؤلف ( وهؤلاء المشركون يضمون إلى الشرك الكذب؛ فإن الكذب مقرون بالشرك ) يعني مع كونهم يشركون يكذبون و الكذب مقرون بالشرك ( قال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ فقرن قول الزور الذي هو الكذب بعبادة الأوثان حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِه وقال النبي ﷺ: عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين، أو ثلاثا ) هذا رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة و الحديث في سنده ضعف , عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله
( وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ يعني عبدوا العجل من دون الله سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) هذا الشاهد يعني و كذلك نجزي المفترين يصيبهم غضب و ذلة من افترى على الله الكذب.
( وقال الخليل إبراهيم: أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ الإفك أسوأ الكذب الذين عبدوا الأصنام قال إنهم أفاكون يعني كذابون أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ هذا من الأفك و الكذب بزعمهم أنها تستحق العبادة.
قال ( فمن كذبهم أن أحدهم يقول عن شيخه: إن المريد إذا كان بالمغرب وشيخه بالمشرق وانكشف غطاؤه رده عليه ) هذا من الكذب كذب الصوفية , المريد الصوفي إذا كان بالمغرب و شيخه بالمشرق و انكشف الغطاء يعلم الشيخ أنه انكشف الغطاء و يرده عليه هذا كذب كيف آدمي قدرته محدودة ولا فيه شيء من الوسائل الاتصال مثلا من الوسائل الحديثة أو شاشات ما عندهم شاشات في ذلك الوقت يقول من كذبه يقول الصوفي أنه إذا كان بالمغرب شيخه بالمشرق و انكشف الغطاء يعلم شيخه و يرده عليه يرد عليه غطائه هذا من الكذب و البهتان.
و قال ( وإن الشيخ إن لم يكن كذلك لم يكن شيخا ) إذا كان الشيخ ما يقدر على أن يكشف له عن تلميذه أو مريده في المشرق و ينفعه ما يكون شيخا.
قال المؤلف ( وقد تغويهم الشياطين، كما تغوي عباد الأصنام ) الشياطين لها تصرفات ( كما كان يجري للعرب في أصنامها ) فكانت الشياطين تدخل في العزى و تكلم الناس و تخاطبهم و يظنون أنها العزى شجرة العزى يعبدونها قريش و من على شاكلتهم و كانوا يسمعون منها الصوت و كانت تدخلها الشياطين و تجيب الناس و تخاطبهم و تقضي حوائجهم فيظنون أن هذه الصنم العزى تقضي حوائجهم و لهذا لما فتح النبي ﷺ مكة أمر بقطعها و لما أرسل أحد الصحابة يقطعها قال هل رأيت شيئا قال لا قال ارجع , فأرسل خادمه الوليد فلما قطعها رأى حبشية ناشرة شعرها لأسنانها صرير فقتلها خالد ضربها بالسيف جنية شيطانة فهذه كانت تدخل في الشجرة و تخاطب الناس.
و لهذا قال (وقد تغويهم الشياطين، كما تغوي عباد الأصنام كما كان يجري للعرب في أصنامها ولعباد الكواكب وطلاسمها من الشرك والسحر ) كل هؤلاء تخاطبهم الشياطين و تعينهم على الشرك و تشجعهم و تغويهم بالشرك ( كما يجري للترك ، والهند، والسودان، وغيرهم من أصناف المشركين من إغواء الشياطين لهم ومخاطبتهم ونحو ذلك ).
قال المؤلف ( فكثير من هؤلاء قد يجري له نوع من ذلك ) أن الشياطين تساعدهم و تخاطبهم و تعينهم و تغويهم و تشجهم و تقضي حوائجهم حتى يستمروا على شرك , قال ( لا سيما عند سماع المكاء و التصدية ) إذا كان فيه غناء أو في صفير أو طبل تشجعت الشياطين و زادت و زاد نفوذها لا سيما عند المكاء قال تعالى عن المشركين وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً المكاء الصفير و التصدية التصفيق إذا كان فيه تصفيق و صفير زادت الشياطين و الآن تجد في الحفلات الآن فيها صفير و تصفيق تشبه بالمشركين و أهل البدع و الواجب على الإنسان إذا أعجبه شيئا خطبة و كذا لا يصفق و لا يصفر يقول الله أكبر الله أكبر سبحان الله سبحان الله النبي ﷺ إذا أعجب قال الله أكبر إنها السنن و لما استيقظ فجأة قال سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الخزائن فإذا أعجبك شيء كبر الله أكبر الله أكبر لا تصفق و لا تصفر إياك و الصفير و التصفيق من أخلاق المشركين يتعبدون بذلك وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً المكاء الصفير و التصدية التصفيق فعند المكاء و التصفير الشياطين تتمكن من إغواء أهل البدع لأنه يناسبها الصفير و التصفيق أما ذكر الله يقتلها و يسقطها إذا ذكرت الله سقطت الشياطين و بطل السحر و الساحر أما مع الغناء و الطبل و المزمار و الصفير و التصفيق تتمكن الشياطين و تتغلب و تنفذ و لهذا قال المؤلف ( و لا سيما عند سماع المكاء و التصدية فإن الشياطين قد تنزل عليهم، وقد يصيب أحدهم كما يصيب المصروع: من الإرغاء، والإزباد، والصياح المنكر، و تكلمه بما لا يعقل هو والحاضرون، وأمثال ذلك مما يمكن وقوعه في هؤلاء الضالين ) و هذا مشاهد يعني قد تتلبس الشياطين و لا سيما عند الزار ما يسمى بالزار إذا حصل غناء أو طبل أو كذا بعض الناس تتلبس به الجان و ترفعه الجان و تضرب به و يرغد و يزبد و يتكلم بكلام لا يعرف عنه إلا في هذه الحالة يتكلم بكلام لا يعقله هو ولا الحاضرون و السبب في ذلك أن الشياطين تلبست فيهم و تمكنت فتفعل الأفاعيل و لهذا قال المؤلف (وقد يصيب أحدهم كما يصيب المصروع: من الإرغاء، والإزباد، والصياح المنكر، و تكلمه بما لا يعقل هو والحاضرون، وأمثال ذلك مما يمكن وقوعه في هؤلاء الضالين ).