(المتن)
والأسباب التي جعلها الله أسبابا لا تجعل مع الله شركاء وأندادا وأعوانا.
وقول القائل: ببركة الشيخ قد يعني بها دعاءه، وأسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب، وقد يعني بها بركة ما أمره به وعلمه من الخير، وقد يعني بها بركة اتبعاه له على الحق و محبته له في الله و طاعته له في طاعة الله و قد يعني بها بركة معاونته له على الحق وموالاته في الدين ونحو ذلك، وهذه كلها معان صحيحة.
وقد يعني بها دعاءه الميت والغائب؛ إذ استقلال الشيخ بذلك التأثير، أو فعله لما هو عاجز عنه، أو غير قادر عليه، أو غير قاصد له: متابعته أو مطاوعته على ذلك من البدع و المنكرات ونحو هذه المعاني الباطلة. والذي لا ريب فيه: أن العمل بطاعة الله تعالى، ودعاء المؤمنين بعضهم لبعض، ونحو ذلك هو نافع في الدنيا والآخرة، وذلك فضل الله ورحمته.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسول الله و صحبه و من والاه , أما بعد :
هذا البحث في تفصيل الأسباب التي جعلها الله أسبابا، والأسباب نوعان:
سبب يعتقد الإنسان أنه سبب و هو ليس سببا هذا باطل و قد يكون مشركا و قد يكون دون ذلك , الأسباب التي لم يجعلها الله سببا هذه باطلة و لا يجوز للإنسان أن يفعلها.
النوع الثاني أسباب جعلها الله أسبابا هذه تفعل على أنها أسباب و لكن لا تجعل مع الله شركاء و لا أندادا ولا أعوانا تفعل على أنها أسباب كالرقية مثلا جعلها الله سببا للشفاء لكن لا تجعل مثلا الرقية شريكة لله أو ندا لله أو الرقية هي التي تؤثر بذاتها , لا , إنما تفعل على أنها سبب و السبب قد ينفع و قد لا ينفع إذا أراد الله أن ينفع نفع و إن لم يرد فلا ثم الإنسان لا بد له من أسباب أخرى تعينه و أمور أخرى تمنعه فإذا وجدت الأسباب التي تعين و انتفت الأسباب المانعة و أراد الله ذلك حصل المطلوب إذا فعل الإنسان السبب الذي جعله الله سببا و وجدت الأسباب المعينة و المساعدة و انتفت الأسباب المانعة حصل المطلوب , إذا الأسباب التي جعلها الله أسباب لا تجعل مع الله شريكا ولا ندا ولا معينا و إنما تفعل على أنها أسباب , أما التي لم يجعلها الله أسباب هذه لا تفعل.
و قول القائل ( قضيت حاجتي ببركة الشيخ ) المؤلف يفصل إذا قال ( قضيت حاجتي ببركة الشيخ ) يقول المؤلف : ( قد يعنى بها دعاءه ) قضيت حاجتي ببركة الشيخ يعني ببركة دعائه دعا الله فاستجاب الله له و هذا حق ( وأسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب.
وقد يعنى بها بركة ما أمره به وعلمه من الخير ) بركة الشيخ يعني بركة تعليمه الخير و أمره و نهيه يعني رجل صالح علمه الخير و أمره بالخير فامتثل لأمره فقضى الله حاجته.
النوع الثالث ( وقد يعني بها بركة اتبعاه له على الحق و محبته له الله و طاعته له ) هذا أمر آخر قوله ببركة الشيخ يعني ببركة إتباعه له على الحق اتبعه على الحق و أحبه في الله و أطاعه في الله فقضى الله حاجته.
الأمر الرابع (و قد يعنى بها بركة معاونته له على الحق وموالاته في الدين ونحو ذلك ) قد تكون أربعة أمور إذا قال القائل قضيت حاجتي ببركة الشيخ و كان رجلا صالحا فقد يعنى بها واحدا من هذه الأمور الأربعة إما أن يقول قضيت حاجتي ببركة الشيخ يعني بدعائه دعا الله فاستجاب الله أو قضيت حاجتي ببركة الشيخ بركة تعليمه له الخير له و أمره و نهيه بما أمر الله به و نهيه بما نهاه الله عنه فاستجاب فقضى الله حاجته الأمر الثالث قد يعنى بها بركة اتباعه له على الحق و محبته له في الله و طاعته له اتبعه في الحق و أحبه و أطاعه فقضى الله حاجته الأمر الرابع قد يعنى به بركة معاونته له على الحق و موالاته في الدين يعني أعانه على الحق و والاه في الدين فقضى الله حاجته.
( وقد يعنى بها دعاءه الميت والغائب ) و هذا شرك قوله قضيت حاجتي ببركة الشيخ بركة دعائه الميت و الغائب و هذا شرك هذا الأمر الخامس , فقد تكون أربعة أمور صحيحة عند قوله قضيت حاجتي ببركة الشيخ و الأمر الخامس ممنوع و هي أن يقول قضيت حاجتي ببركة الشيخ للميت بركة دعاء الميت و الغائب و هذا شرك.
يقول المؤلف ( إذ استقلال الشيخ بذلك التأثير، أو فعله لما هو عاجز عنه، أو غير قادر عليه، أو غير قاصد له متابعته أو مطاوعته على ذلك من البدع و المنكرات ونحو هذه المعاني الباطلة ) هذا الأمر الخامس إذا قال قضيت حاجتي ببركة الشيخ و عنى بذلك دعاء الميت و الغائب هذا باطل من البدع و المنكرات لأن الشيخ الميت و الغائب لا يستقل بالتأثير و لا يفعل ما هو عاجز عنه ( إذ استقلال الشيخ بذلك التأثير، أو فعله لما هو عاجز عنه، أو غير قادر عليه، أو غير قاصد له متابعته أو مطاوعته على ذلك من البدع ) كيف يقول قضيت حاجتي ببركة الشيخ بركة الميت و الغائب و الشيخ لا يستقل بالتأثير و لا يفعل الشيء الذي هو عاجز عنه و غير قادر عليه أو غير قاصد له فكونه يتابعه أو يطاوعه على ذلك من البدع و المنكرات.
قال المؤلف ( والذي لا ريب فيه أن العمل بطاعة الله تعالى، ودعاء المؤمنين بعضهم لبعض، ونحو ذلك: هو نافع في الدنيا والآخرة ) الذي لا ريب فيه أن العمل بطاعة الله و دعاء المؤمنين بعضهم ببعض ينفع المسلم في الدنيا و الآخرة , قال الله تعالى في دعاء المؤمنين في الآخرة وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
(المتن)
وأما سؤال السائل عن " القطب، الغوث، الفرد الجامع "؛ فهذا قد يقوله طوائف من الناس، ويفسرونه بأمور باطلة في دين الإسلام، مثل تفسير بعضهم أن " الغوث " هو الذي يكون مدد الخلائق بواسطته في نصرهم ورزقهم، حتى يقول: إن مدد الملائكة وحيتان البحار بواسطته. فهذا من جنس قول النصارى في المسيح ، والغالية في علي ، وهذا كفر صريح يستتاب منه صاحبه، فإن تاب وإلا قتل؛ فإنه ليس من المخلوقات لا ملك ولا بشر يكون إمداد الخلائق بواسطته، ولهذا كان ما يقوله الفلاسفة في " العقول العشرة " الذين قد يزعمون أنها الملائكة، وما يقوله النصارى في المسيح ونحو ذلك كفر صريح باتفاق المسلمين.
وكذلك إن عنى بالغوث ما يقوله بعضهم: من أن في الأرض ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، يسمونهم " النجباء " فينتقى منهم سبعون هم " النقباء " ومنهم أربعون هم " الأبدال " ومنهم سبعة هم " الأقطاب " ومنهم أربعة هم " الأوتاد " ومنهم واحد هو " الغوث " وأنه مقيم بمكة، وأن أهل الأرض إذا نابتهم نائبة في رزقهم ونصرهم فزعوا إلى الثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وأولئك يفزعون إلى السبعين، والسبعون إلى الأربعين والأربعون إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الواحد وبعضهم قد يزيد في هذا وينقص في الأعداد و المراتب و الأسماء ؛ فإن لهم فيها مقالات متعددة حتى يقول بعضهم: إنه ينزل من السماء على الكعبة ورقة خضراء باسم غوث الوقت، واسم خضره، على قول من يقول منهم: إن الخضر هو مرتبة وإن لكل زمان خضرا فإن لهم في ذلك قولين.
وهذا كله باطل لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ، ولا قاله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا من الشيوخ الكبار المتقدمين الذين يصلحون للاقتداء بهم , ومعلوم أن سيدنا رسول رب العالمين وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا كانوا خير الخلق في زمنهم، وكانوا بالمدينة؛ ولم يكونوا بمكة , وقد روى بعضهم حديثا في " هلال " غلام المغيرة بن شعبة، وأنه أحد السبعة، والحديث كذب باتفاق أهل المعرفة، وإن كان قد روى بعض هذه الأحاديث أبو نعيم في " حلية الأولياء " والشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في بعض مصنفاته، فلا يغتر بذلك؛ فإن فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، والمكذوب الذي لا خلاف بين العلماء في أنه كذب موضوع، وتارة يرويه على عادة بعض أهل الحديث الذين يروون ما سمعوا ولا يميزون بين صحيحه وباطله، وكان أهل الحديث لا يروون مثل هذه الأحاديث؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين .
(المتن)
هذا جواب السؤال السابع من الأسئلة السبعة التي وجهت للمؤلف رحمه الله في أول الرسالة، السؤال السابع : (و في من قال أن ثم قطبا غوثا فردا جامعا في الوجود) يعني ما حكم ذلك ! و لا شك أن هذا شرك , أنه ثم قطب غوث فرد جامعا في الوجود هذا من شرك الربوبية لأنه جعله إلها جعله يدبر هذا الكون و يصرف هذا الكون أعطاه حق الله.
يقول المؤلف ( وأما سؤال السائل عن " القطب، الغوث، الفرد الجامع "؛ فهذا قد يقوله طوائف من الناس ) هذا يقوله الصوفية ورد على الصوفية , الصوفية الملاحدة يقولون أن هناك قطبا غوثا فردا جامعا يفزع إليه الخلائق إذا نسوا الله إذا كان هذا القطب يفزع إليه و يتصرف في الكون إذاً ما بقي لله شيء نسأل الله العافية.
لذلك قال المؤلف ( و هذا قد يقوله طوائف من الناس ويفسرونه بأمور باطلة في دين الإسلام مثل تفسير بعضهم أن " الغوث " هو الذي يكون مدد الخلائق ) يعني هو الذي يمد الخلائق هناك غوث واحد يسمونه الغوث يكون مدد الخلائق , يمدهم بأي شيء يمدهم بالرزق و العافية و النصر ( هو الذي يكون مدد الخلائق بواسطته في نصرهم ورزقهم، حتى يقول: إن مدد الملائكة وحيتان البحار بواسطته ) يعني يمد الملائكة و يمد حيتان البحر بواسطته.
قال المؤلف ( فهذا من جنس قول النصارى في المسيح ، والغالية في علي ) يعني هذا كفر صريح.
قال ( وهذا كفر صريح يستتاب منه صاحبه، فإن تاب وإلا قتل ) هذا أعظم الكفر هذا أشد و أعظم من كفر كفار قريش , كفار قريش ما وصلوا لهذا كفار قريش يؤمنون بالله و أنه الخالق الرازق المدبر المتصرف الذي يمد الخلائق لكن كفرهم في شركهم بالعبادة , عبدوا غير الله و صرفوا العبادة لغير الله أما هؤلاء شركهم في الربوبية أعظم و أغلظ من كفر كفار قريش قولهم إن هناك قطبا أو غوثا أو فردا أو جامعا يكون مدد الخلائق بواسطته يكون النصر و الرزق و الحفظ حتى يقولون إن مدد الملائكة و حيتان البحر بواسطته يعني حيتان البحر ما يأتي رزقها إلا بواسطته.
قال المؤلف ( و هذا من جنس قول النصارى في المسيح ) الذين عبدوا المسيح و قالوا إنه ابن الله (و من جنس قول الغالية في علي ) الغلاة الشيعة في علي الذين يقولون أن عليا هو الإله و أن الله حل في علي وأن عليا هو المدبر هذا أعظم الكفر و أغلظ الكفر و لهذا قال المؤلف رحمه الله ( و هذا كفر صريح ) صريح يعني لا لبس فيه واضح ( يستتاب منه صاحبه فإن تاب و إلا قتل ) من الذي يستتيبه ولي الأمر هو الذي يستتيبه ولي الأمر إذا كان ولي الأمر يعمل بالشريعة و يحكم الشريعة فإنه يرفع بهذا الشخص إلى الحاكم الشرعي فيستتيبه فإن تاب و إلا قتل و ضربت عنقه ولا يقتله سائر الناس و إلا تكون المسألة فوضى , إقامة الحدود إلى ولي الأمر إن كان كل أحد يستتيبه و يقتله لكانت الأمور فوضى كل من كره شخص و أبغض شخص ادعى أنه تكلم بكلمة الكفر و يقتله فتكون المسألة فوضى و هذا يكون لولاة الأمور , أما أنت بيدك النصح و التعليم و التخويف بالله فإن قبل وإلا فرفع الأمر لولي الأمر.قال المؤلف ( و هذا كفر صريح يستتاب منه صاحبه فإن تاب و إلا قتل ).
ثم بين المؤلف رحمه الله أن الله تعالى هو الذي بيده كل شيء و هو الذي يمد الخلائق بالنصر و الرزق و الحفظ و العافية , و لهذا قال المؤلف ( فإنه ليس من المخلوقات لا ملك ولا بشر يكون إمداد الخلق بواسطته، ولهذا كان ما يقوله الفلاسفة في " العقول العشرة " الذين قد يزعمون أنها الملائكة، وما يقوله النصارى في المسيح ونحو ذلك كفر صريح باتفاق المسلمين ) الفلاسفة يقولون أن هناك العقول العشرة تتصرف في الكون بعضهم يزعم أنه الملائكة و يقولون أن العقل عاشر مثل جبريل و الملائكة و أنه يتصرف في الكون , هذا باطل و هذا كفر , كفر صريح و كذلك ما يقول النصارى في عيسى و المسيح أنه ابن الله هذا أيضا كفر صريح لا لبس فيه.
إذن حكم من يقول بالقطب الغوث الفرد الجامع و أنه يكون مدد للخلائق هذا كفر صريح , كذلك الفلاسفة في العقول العشرة و يزعمون أنها تتصرف هذا كفر صريح , و كذلك أيضا النصارى يزعمون أن عيسى ابن الله و هذا كفر الصريح هذه ثلاثة أنواع من الكفر , أن القطب الغوث الفرد الجامع يصرف الكون هذا كفر صريح و الفلاسفة الذين يقولون بالعقول العشرة هذا كفر صريح النصارى الذين يزعمون أن عيسى ابن الله هذا كفر صريح .
يقول المؤلف ( وكذلك إن عنى بالغوث ما يقوله بعضهم ) يعني بعض الصوفية ( من أن في الأرض ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ) يعني لهم تصرف في الكون ( و قد يسمونهم " النجباء " فينتقى منهم سبعون ) ينتقى من هذا العدد الثلاثمائة و بضعة عشر سبعون يسمون النقباء و ينتقى من السبعين أربعون يسمون الأبدال و ينتقى من الأبدال سبعة يسمون هم الأقطاب و ينتقى من الأقطاب أربعة يسمون الأوتاد و منهم واحد هو الغوث و أنه مقيم بمكة ترجع الثلاثمائة و بعضة عشر في النهاية إلى واحد يسمى الغوث و أنه مقيم في مكة ( وأن أهل الأرض إذا نابتهم نائبة في رزقهم ونصرهم ) ماذا يفعلون ! أهل الأرض إذا نابتهم نائبة في رزقهم يحتاجون إلى رزق و نصرهم ( فزعوا إلى الثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ) ثم الثلاثمائة و بضعة عشر يفزعون إلى السبعين و السبعون يفزعون إلى الأربعين و الأربعون يفزعون إلى السبعة و السبعة يفزعون إلى الأربعة و الأربعة يفزعون الواحد ( وبعضهم قد يزيد في هذا وينقص في الأعداد و المراتب ) بعضهم يزيد أكثر من ثلاثمائة أو أكثر من سبعة بعضهم قد يزيد في هذا ( الأعداد و المراتب و الأسماء ؛ فإن لهم فيه مقالات متعددة ) لهم مقالات متعددة ذكر المحقق نقلا لشيخ الإسلام بعض لفظ آخر : "و قال شيخ الإسلام رحمه الله أما لفظ الغوث و الغياث فلا يستحقه إلى الله فهو غياث المستغيثين فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغير الله لا بملك مقرب و لا نبي مرسل و من زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم و نزول الرحمة إلى الثلاثمائة و الثلاثمائة إلى السبعين و السبعون إلى الأربعين و الأربعون إلى السبعة و السبعة إلى الأربعة و الأربعة إلى الغوث فهو كاذب ضال مشرك فقد كان المشركون كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاه و قال تعالى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعدة وسائط من الحجاب و هو القائل تعالى وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " هذا كلام شيخ الإسلام في مجموعة الرسائل و المسائل.
إذا هؤلاء حكمهم الذين يقولون أن هناك ثلاثمائة حكم من يقول هذا القول كاذب ضال مشرك حكمه كاذب ضال مشرك , كذب ليس هناك ثلاثمائة و لا أنقاب و لا أوتاد هذا كذب و ضلال و شرك.
يقول المؤلف رحمه الله ( فإن لهم فيها مقالات متعددة ) من المقالات الكفرية (حتى يقول بعضهم: إنه ينزل من السماء على الكعبة ورقة خضراء باسم غوث الوقت، واسم خضره، على قول من يقول منهم: إن الخضر هو مرتبة، وإن لكل زمان خضرا ) بعضهم يقول تنزل على الكعبة ورقة خضراء مكتوب عليها اسم غوث الوقت أو اسم خضر الوقت لأن بعضهم يقول كل زمان له خضر ما فيه خضر واحد , الخضر هو الذي لقيه موسى و قص الله علينا خبره بأنه خرق السفينة و قتل الغلام واحد خضر و هو نبي على الصحيح لكن هؤلاء الملاحدة الصوفية يقولون أن لكل زمان خضرا و هو خضر واحد , هذا كذب و ضلال.
قال ( فإن لهم في ذلك قولين ) يعني بعضهم يقول خضر واحد يأتي و موجود و باقي و لم يمت و بعضهم يقول كل زمان له خضر.
قال المؤلف ( وهذا كله باطل لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ، ولا قاله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا من المشايخ الكبار المتقدمين الذين يصلحون للاقتداء بهم ) ثم قال المؤلف رحمه الله إن هذا كله كفر و ضلال ( ومعلوم أن سيدنا رسول رب العالمين وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا كانوا خير الخلق في زمنهم ) خير الخلق يعني في زمنهم بعد وفات الرسول عليه الصلاة و السلام , خير الخلق بعد وفاة الرسول ﷺ أبو بكر الصديق ثم خير الخلق بعد وفاة أبي بكر عمر ثم خير الخلق بعد وفاة عمر عثمان ثم خير الخلق بعد وفاة عثمان علي ( وكانوا بالمدينة؛ ولم يكونوا بمكة ) و يقول إن الغوث ينزل بمكة و هم بالمدينة و هم خير الخلق و هم بالمدينة , و هؤلاء الصوفية يقولون إن الغوث بمكة و لم يكن بمكة.
( وقد روى بعضهم حديثا في " هلال " غلام المغيرة بن شعبة، وأنه أحد السبعة ) السبعة الذين يرجعون إليهم هلال مولى المغيرة بن شعبة ذكره بعضهم في الصحابة و جاء في قوله حديث لا يصح إذا هذا باطل بعضهم يقول يروي حديثا في هلال غلام المغيرة بن شعبة و أنه أحد السبعة الذين يتصرفون في الكون وهذا قال المؤلف ( والحديث كذب باتفاق أهل المعرفة ) الحديث كذب باطل باتفاق أهل المعرفة ( وإن كان قد روى بعض هذه الأحاديث أبو نعيم في " حلية الأولياء " ) أبو نعيم في حلية الأولياء المشهور قد يروي بعض الأحاديث الضعيفة و من ذلك هذا الحديث ( والشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في بعض مصنفاته ) قد يروي مثل هذه الأحاديث الضعيفة و الموضوعة ( فلا يغتر بذلك ) يعني لا ينبغي للإنسان أن يغتر بوجود مثل هذا الكتاب في حلية الأولياء لأبي نعيم أو بعض المصنفات لعبد الرحمن السلمي لماذا ! قال المؤلف ( فإن فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، والمكذوب الذي لا خلاف بين العلماء في أنه كذب موضوع ) إذا إذا وجدت مثل هذا الأحاديث في كتاب الحلية لأبي نعيم أو وجدته في كتاب الشيخ عبد الرحمن السلمي لا تغتر لأن هذه الكتب يجمع أصحابها فيها الحديث الصحيح و الحديث الحسن و الحديث الضعيف و الحديث المكذوب الذي لا خلاف بين العلماء في أنه كذب موضوع.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله كما ذكر المحقق : كل حديث يروى عن النبي ﷺ في عدة الأولياء و الأبدان و النقباء و النجباء و الأوثان و الأقطاب مثل أربعة أو سبعة أو اثني عشر أو أربعين و سبعين أو ثلاثمائة أو ثلاثة عشر أو قطب واحد فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي ﷺ ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ الأنداد , و روي فيهم حديث بأنهم أربعون رجلا و أنهم في الشام و هو في المسند في حديث علي و هو حديث منقطع و ليس بثابت , إذا هذه التي تروى عن السلف بعض السبعين و كذا كلها باطلة إلا حديث الأنداد و هو حديث أيضا ضعيف لا يصح.
و قال أيضا : و كذلك لفظ البدل جاء في كلام كثير منهم فأما الحديث المرفوع فالأشبه أنه ليس من كلام الرسول ﷺ.
و قال الإمام ابن القيم رحمه الله : حديث الأبدال و الأقطاب و الأغواث و النقباء و النجباء و الأوتاد كلها باطلة على رسول الله ﷺ يعني مكذوبة و أقرب ما فيها لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم البدلاء كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجل آخر ذكره أحمد و لا يصح أيضا فإنه منقطع.
و بهذا تبين أن من يزعم أن هناك ثلاثمائة و سبعة و أربعة و واحدا و أقطابا كلها باطلة لا أصل لها و كلها كذب.
قال المؤلف رحمه الله ( وتارة يرويه على عادة بعض أهل الحديث الذين يروون ما سمعوا ولا يميزون بين صحيحه وباطله ) يعني أبو نعيم في الحلية و كذلك الشيخ عبد الرحمن السلمي يروون مثل هذه الأحاديث على عادة بعض أهل الحديث الذي يروي كل ما سمع و لا يميز بين الصحيح و الباطل يعني بعض العلماء الآن يؤلف كتابا و يجمع فيه الأحاديث كل ما روي من حديث من غير تمييز يحشو لك الكتاب و كل حديث روي يأتي به و يذكر لك السند و أنت ابحث عنه ذكر لك السند و هو لا يكلف نفسه أن يقول لك يميز هذا حديث صحيح أو حسن يريد أن يجمع لك كل ما ورد في الباب كل ما ورد من حديث في هذا الموضوع يأتي به يجعل مثلا للكتاب أبوابا باب كذا يأتي جميع ما ورد من حديث باب كذا يأتي جميع ما ورد من حديث و لا يميز بن الصحيح و الحسن و الضعيف و المكذوب أنت عليك أن تبحث و كان الناس في الأول عندهم علم يميزون يعرفون الأسانيد لذلك يقول الرواة من أسند فقد برئ إذا أتى بالإسناد.
فإذا وجدت حديثا ضعيفا في كتاب الحلية و عبد الرحمن السلم فلا تغتر ابحث عنه؛ و لهذا يقول ( وتارة يرويه على عادة بعض أهل الحديث الذين يروون ما سمعوا ولا يميزون بين صحيحه وباطله وكان أهل الحديث لا يروون مثل هذه الأحاديث ) أهل الحديث يعني المحققين لا يروون مثل الأحاديث الضعيفة و المكذوبة لماذا ! خشية الوعيد الذي ذكره النبي ﷺ قال ( لما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) و الحديث رواه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه و رواه الإمام أحمد في مسنده أيضا يقول النبي ﷺ من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَين و روي ( فهو أحد الكاذبِين ) في روايتين من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين من أحد الكاذبَين ! هو الكاذب الأول الذي وضع الحديث و الكاذب الثاني الذي رواه فصار الكاذبان اثنين الأول الذي وضع الحديث و الثاني الذي روى الحديث و سكت عنه من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين بدل من أن يكون كاذب واحد صار اثنان من هما ! الأول الذي وضع الحديث و الثاني الذي رواه و سكت عنه و روي أيضا برواية أخرى روي من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِين و يكون المعنى أنه لو رواه و هو يعلم أنه كذب يكون كاذبا من الكذبة كاذب من ضمن الكذبة .
(المتن)
وبالجملة فقد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بالمسلمين من النوازل في الرغبة والرهبة مثل دعائهم عند الاستسقاء لنزول الرزق، ودعائهم عند الكسوف، والاعتداد لدفع البلاء، وأمثال ذلك إنما يدعون في مثل ذلك الله وحده لا شريك له، لا يشركون به شيئا، لم يكن للمسلمين قط أن يرجعوا بحوائجهم إلى غير الله ؛ بل كان المشركون في جاهليتهم يدعون الله بلا واسطة فيجيبهم ، أفتراهم بعد التوحيد والإسلام لا يجيب دعاءهم إلا بهذه الواسطة التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ وقال تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ وقال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ وقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
والنبي ﷺ استسقى لأصحابه وصلى بهم للاستسقاء، وصلاة الكسوف، وكان يقنت في صلاته فيستنصر على المشركين، وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده، وكذلك أئمة الدين ومشايخ المسلمين، وما زالوا على هذه الطريقة. ولهذا يقال: ثلاثة أشياء ما لها من أصل: (باب النصيرية) و (منتظر الرافضة) و (غوث الجهال) : فإن النصيرية تدعي في الباب الذي هو له ما لهم من هذا الجنس وأنه الذي يقيم العالم، فذاك شخصه موجود؛ ولكن دعوى النصيرية فيه باطلة. وأما محمد بن الحسن المنتظر، والغوث المقيم بمكة، ونحو هذا: فإنه باطل ليس له وجود.
وكذلك ما يزعمه بعضهم من أن القطب الغوث الجامع يمد أولياء الله، ويعرفهم كلهم، ونحو هذا، فهذا باطل. فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكونا يعرفان جميع أولياء الله تعالى ، ولا يمدانهم، فكيف بهؤلاء الضالين المفترين الكذابين؟ ! ورسول الله ﷺ سيد ولد آدم إنما يعرف الذين لم يكن رآهم من أمته بسيما الوضوء؛ وهو الغرة والتحجيل، ومن هؤلاء من أولياء الله من لا يحصيه إلا الله تعالى. وأنبياء الله الذين هو إمامهم وخطيبهم لم يكن يعرف أكثرهم؛ بل قال الله تعالى له: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وموسى لم يكن يعرف الخضر، والخضر لم يكن يعرف موسى؛ بل لما سلم عليه موسى قال له الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ فقال له موسى: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. وقد كان بلغه اسمه وخبره، ولم يكن يعرف عينه. ومن قال: إنه نقيب الأولياء و أنه يعلمهم كلهم فقد قال الباطل.
والصواب الذي عليه المحققون : أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام ولو كان موجودا في زمن النبي ﷺ لوجب عليه أن يؤمن به، ويجاهد معه، كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون في مكة و المدينة، ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم .
(الشرح)
( ليرقع لهم سفينتهم ) يرقعها يضع مكانها شيء لأنه خرقها حتى يكون فيها عيب و لا يأخذها الملك الظالم خرقها بعدين رقعها وضع مكان الخرق خرقة ترقيع ليس الذي يرفع الذي يرقع .
(المتن)
أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم ولم يكن عن خير أمة أخرجت للناس مختفيا ، وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم.
ثم ليس للمسلمين به وبأمثاله حاجة لا في دينهم ولا في دنياهم؛ فإن دينهم أخذوه عن الرسول النبي الأمي ﷺ الذي علمهم الكتاب والحكمة، و قد قال لهم نبيهم: لو كان موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم
وعيسى ابن مريم إذا نزل من السماء إنما يحكم فيهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم، فأي حاجة لهم مع هذا إلى الخضر وغيره؟ ! والنبي ﷺ قد أخبرهم بنزول عيسى من السماء، وحضوره مع المسلمين، وقال: كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسي في آخرها؟! فإذا كان هذان النبيان الكريمان اللذان هما مع إبراهيم وموسى ونوح أفضل الرسل، ومحمد ﷺ سيد ولد آدم، ولم يحتجبوا عن هذه الأمة لا عوامهم ولا خواصهم، فكيف يحتجب عنهم من ليس مثلهم؟ ! وإذا كان الخضر حيا دائما فكيف لم يذكر النبي ﷺ ذلك قط، ولا أخبر به أمته، ولا خلفاؤه الراشدون؟ !
وقول القائل: إنه نقيب الأولياء، فيقال له: ومن ولاه النقابة وأفضل الأولياء أصحاب محمد ﷺ؟ وليس فيهم الخضر.
وعامة ما يحكى في هذا الباب من الحكايات بعضهما كذب، وبعضها مبني على ظن رجال مثل شخص رأى رجلا ظن أنه الخضر، وقال: إنه الخضر، كما أن الرافضة ترى شخصا تظن أنه الإمام المنتظر المعصوم، أو تدعي ذلك، ويروى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال وقد ذكر له الخضر من أحالك على غائب فما أنصفك, وما ألقى هذا على ألسن الناس إلا الشيطان, وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله استطرد في هذا الموضوع و حقق الكلام رحمه الله و هذا تحقيق بحث جيد كلام عظيم من هذا الإمام رحمه الله فينبغي لطالب العلم أن يعتني بهذا الأمر و يتفهم هذا الأمر و أن يتمعن هذه المعاني فإن كلام الشيخ رحمه الله كلام عظيم لا سيما أن فيه القطب و الغوث يكتب بماء الذهب فيه ردود رد على الصوفية و قمع لهم و إبطال لباطلهم بكلام رصين و موزون بالكتاب و السنة.
يقول المؤلف رحمه الله ( وبالجملة ) يعني هذه الخلاصة خلاصة ما سبق في القطب و الغوث ( و بالجملة فقد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بالمسلمين من النوازل في الرغبة والرهبة ) إنما يدعى في مثل ذلك الله علم المسلمون و تيقنوا أنه إذا نزلت فيهم نازلة في شيء يرغبون به أو شيء يخافون منه إنما يفزعون إلى من ! إلى الله , هذا معلوم في الدين بالضرورة من دين الإسلام أنه من الضرورة من دين الإسلام معلوم عند المسلمين كلهم خاصتهم و عامتهم أنه إذا نزل بهم نازلة فزعوا إلى الله سواء كانت هذه النازلة شيئا يرجونه أو شيئا يخافونه يفزعون إلى الله لا يفزعون إلى القطب ولا لغوث و لا إلى النجباء و لا إلى الأنداد و لهذا قال المؤلف رحمه الله ( و بالجملة فقد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بالمسلمين من النوازل في الرغبة والرهبة مثل دعائهم عند الاستسقاء لنزول الرزق، ودعائهم عند الكسوف، والاعتداد لدفع البلاء ) إنما يفزعوا إلى الله إذا حصل الجدب و القحط فزعوا إلى الله و دعوا الله و صلوا صلاة الاستسقاء لنزول الرزق و كذلك عند الكسوف إذا كسفت الشمس و القمر و كذلك عند الزلزلة يصلى صلاة الكسوف لدفع البلاء إذا نزلت فيهم نازلة الزلزلة يرى بعض العلماء أنه يصلى للزلزلة مثل صلاة الكسوف لرفع البلاء ( وأمثال ذلك ) يدعى من ! يدعى الغوث و القطب ! ( إنما يدعون في ذلك الله وحده لا شريك له، لا يشركون به شيئا، لم يكن للمسلمين قط أن يرجعوا بحوائجهم إلى غير الله ) هذا معلوم من الدين بالضرورة.
( بل كان المشركون في جاهليتهم يدعونه بلا واسطة فيجيبهم الله ) كان المشركون يدعون الله بلا واسطة و خصوصا إذا ركبوا في البحر و تلاطمت بهم الأمواج فزعوا إلى الله فإذا سلموا و نزلوا إلى البر عادوا إلى شركهم قال الله تعالى وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا قال سبحانه فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ و قال سبحانه وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فإذا كان المشركون و هم في شركهم يفزعون إلى الله في الجاهلية فهل يمكن أن يكونوا بعد الإسلام يفزعون إلى غير الله ! لا يمكن , إذا كان في الجاهلية يأتيهم يدعون الله بلا واسطة فيجيبهم يستجيب الله دعاءهم لضرورتهم الله يجيب المضطر أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ قد يكون المضطر كافرا , و لو كان كافرا قد يجيب الله دعاءه لأن الله أجابه لضرورته فيجيب الله تعالى لصدق اللجوء و الضرورة من جنس رزقه فالله تعالى يرزق المسلم و الكافر و يجيب الدعاء من المؤمن و الكافر و قد لا يجاب الدعاء من المؤمن إذا كثر السيئات أو الغفلة و الإعراض أو كونه متلبس بالحرام.
يقول المؤلف رحمه الله ( بل كان المشركون في جاهليتهم يدعونه بلا واسطة فيجيبهم الله أفتراهم بعد التوحيد والإسلام لا يجيب دعاءهم إلا بهذه الواسطة التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ ) ما يمكن , إذا كان الله إذا كانوا يدعون الله في الجاهلية و هم مشركون بلا واسطة فيجيب الله دعاءهم فلما من الله عليهم بالإسلام و التوحيد لا يجيب دعاءهم إلا بواسطة التي ما أنزل الله بها من سلطان ! هذا لا يمكن.
ثم استدل المؤلف بالآيات التي فيها أن الله يجيب الدعاء بلا واسطة , قال وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرّ المراد جنس الإنسان دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ و الشاهد في الآية أن الله كشف ضره بدون واسطة وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرّ دَعَانَا في جميع الأحوال يدعو لجنبه و قاعدا و قائما في جميع الأحوال فإذا كشف الله ضره مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّه إذا أجاب الله دعاءه بلا واسطة.
( وقال تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ) إذا إذا مسه ضر في البحر زال جميع الأشياء التي يدعون بها بواسطة إذا مسهم الضر في البحر يتجهون إلى الله و دعوا الله و أما الواسطات التي يدعونها زالت لأنهم يعلمون أنه لا يخلصهم إلا الله.
( وقال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ) إذا هذه الحال إذا أتاهم عذاب الله ساعة يدعون الله فيكشف ما بهم إن شاء و ينسون ما يشركون به من الوسائط التي يدعونها.
و قال تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ و لهذا المشركون يتضرعون و يدعون الله.
( والنبي ﷺ استسقى لأصحابه وصلى بهم للاستسقاء، وصلاة الكسوف، وكان يقنت في صلاته فيستنصر على المشركين ) يقنت يعني يدعوا الله و الصحابة يؤمنون و استنصره يقول اللهم انصرنا عليهم اللهم عليك بالمشركين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم انصرنا عليهم اللهم اهزمهم يستنصر على المشركين ( وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده ) و هذا رواه البخاري في كتاب الدعوات باب الدعاء على المشركين و مسلم أيضا في باب المساجد في البخاري و مسلم ( و كذلك خلفائه الراشدون من بعده ) إنما يقنتون و يستسقون و لا يسألون إلا الله , جاء في الآثار في الخلفاء الراشدين آثار ( وكذلك أئمة الدين ومشايخ المسلمين، وما زالوا على هذه الطريقة. ) يدعون الله و لا يدعون غيره.
( ولهذا يقال: ثلاثة أشياء ما لها من أصل ) ثلاث أشياء ما لها من أصل ( (باب النصيرية) و (منتظر الرافضة) و (غوث الجهال) : فإن النصيرية تدعي في الباب الذي هو له ما لهم من هذا الجنس وأنه الذي يقيم العالم، فذلك شخصه موجود؛ ولكن دعوى النصيرية فيه باطلة.) ما هو دعوى النصيرية ! ذكر المحقق في الحاشية قال : يرى النصيرية أن إمامهم محمد بن نصير البصري النميري هو الباب و الباب للإمام الثاني عشر الحسن العسكري , النصيرية يرون أن إمامهم محمد بن نصير البصري النميري هو باب للإمام الحادي العشر الحسن العسكري كما يرون أن الإمام الثاني عشر الغائب محمد المهدي بن الحسن العسكري لم يكن له باب بل بقيت صفة الباب مع محمد بن نصير البصري النميري و بعد وفاته حل محله باب آخر و هو أبو محمد عبد الله بن محمد الحنان الجمبلاني أو الجيلاني و هكذا صاروا يتوارثون هذه الصفة ذكر هذا في طائفة النصيرية و عقائدها , قال ( وأما محمد بن الحسن المنتظر ) محمد بن حسن العسكري ابن علي الهادي بن محمد الجوادي الثاني عشر من الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجة و هو الذي تزعم الرافضة الإمامية أنه المنتظر و القائم و المهدي و هو صاحب السرداب عندهم و كانت ولادته على ما قيل سنة مئتين و خمسة و خمسين و دخل السرداب و عمره أربع أو خمس سنين و نحو ذلك و الإمامية يقفون بالخيل على باب السرداب بسمراء و هم ينتظرون خروجه كل يوم و يصيحون به اخرج يا مولانا اخرج يا مولانا.
( والغوث المقيم بمكة، ونحو هذا: فإنه باطل ليس له وجود ) إذا المؤلف يقول و لهذا يقال ثلاثة أشياء ما لها من أصل يعني باطلة كلها باطلة مختلقة ( باب النصيرية ) النصيرية يزعمون أن إمامهم محمد بن النصير هو باب للإمام الحادي عشر و الثاني ( منتظر الرافضة ) و الرابع ( غوث الجهال ) كل هذه مختلقة , الرافضة يقال لهم الإمامية و يقال لهم الاثني عشرية و يقال لهم الجعفرية يزعمون أن النبي ﷺ نص على اثني عشر إمام و أنهم أئمة منصوصون معصومون و أنه نص على أنهم بعد علي بن أبي طالب ثم نص علي مثلهم بعد علي الحسن بن علي ثم نص بعدهم الحسين بن علي ثم البقية كلهم من نسل الحسين , بعد علي بن حسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقي ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم الإمام الثاني عشر الخلف الحجة المهدي المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل سرداب سامراء بالعراق سنة مئتين و خمسين و لم يخرج إلى الآن و مضى عليه , يقول شيخ الإسلام في زمانه مضى عليه سبعمائة سنة و نحن نقول في زمننا مضت عليه ألف و مئتين سنة و لم يخرج و هم في كل سنة يأتون على باب السرداب و يأتون ببغلة أو خيل و ينادون و يشهرون السلاح و ينادون يا مولانا اخرج يا مولانا اخرج يا مولانا اخرج يا مولانا اخرج و يقولون دخل السرداب و عمره أربع سنين أو سنتين و لم يخرج إلى الآن و من العجائب أن أباه الحسن بن علي العسكري مات عقيما و لم يولد له أبوه مات عقيما و لم يولد له فاختلقوا له ولدا و لما بلغ أربع سنين أدخلوه السرداب دخل السرداب و لم يخرج إلى الآن , هل يعيش إذا دخل السرداب ! و المعلوم أن هذا طفل يحتاج إلى حضانة يحتاج إلى عناية , ثم لو قدر أنه موجود و دخل السرداب و هو رجل صالح الله هو الذي ييسر له الأسباب و هؤلاء الذين يقفون الرافضة يقفون في كل سنة عند باب السرداب و في أماكن أخرى في الشرق و الغرب يقفون أناس و لا يصلون وقت الصلاة يقولون نخشى أن يخرج المهدي و نحن منشغلون بالصلاة و لا يصلون و يقولون إنا ننشغل بخدمته لو قدر هذا و قلنا أنه رجل صالح فالله ييسر له من يعينه ثم أيضا الرافضة يقولون أن الأمة الآن يعني الأمة لا عز لها و لا نصر لها حتى يخرج المهدي الذي يقودها المهدي المنتظر و أنه الطريق الموصل إلى الله هو عن طريق المهدي المنتظر , شيخ الإسلام يناقش الرافضة يقول : الآن المهدي المنتظر على فرض وجوده شخص لا حقيقة له أبوه مات عقيما ولم يولد له لكن على فرض أنه موجود هل يمكن أن يعيش هذه المدة أين عقولكم فكروا ألف و مئتين سنة موجود تحت السرداب هل هذا معقول أين عقولكم ألغيتم عقولكم , ثم لو قدر أنه موجود الآن و خرج و الأمة موقوفة الآن حتى يخرج المهدي لا تعرف الطريق الذي يوصلها إلى الله لا تعرف طريق السعادة إلا عن طريق هذا الشخص الذي في السرداب ! و ما حال الأمة الآن ! الأمة ما حالها ! ثم أيضا إذا خرج المهدي من السرداب هل يقر الرافضة على ما هم عليه أو يخالفهم ! إن كان يقر الرافضة على ما هم عليه لا حاجة إلى وجوده سواء خرج أو لم يخرج يقول الحق ما عليه الرافضة , و إن كان يخالفهم معناه أن الرافضة عملوا بخلافه فصاروا أشقياء أو الأشقياء و أول من يعذب هم الرافضة لأنهم ما عملوا بالطريق الذي يوصلهم إلى الله, هذه مناقشة لهم لأنه شخص موهوم لا حقيقة له إذا المهدي المنتظر لا حقيقة له أبوه مات عقيما و لم يولد له و اختلقوا و جعلوا له ولد و أدخلوه السرداب.
ثم أيضا جعلوا له بابا النصيرية جعلوا له بابا شخص آخر جعلوا لهذا الشخص الموهوم باب , النصيرية يقولون أن هناك باب النصيرية , باب النصيرية يرى النصيرية أن إمامهم محمد بن نصير البصري النميري هو الباب للإمام الحادي عشر الحسن العسكري.
و كذلك ( غوث الجهال ) و لهذا يقال ثلاثة أشياء ما لها أصل ( باب النصيرية ) إمامهم الذي يكون باب للإمام الذي دخل السرداب و هو باب له و يجعلون أيضا أبوابا إذا ذهب باب جاء مكانه باب مع أن الذي جعلوا له باب المهدي المنتظر لا حقيقة له شخص موهوم أبوه مات عقيما و لم يولد له و من العجائب أن الأئمة الاثني عشر الذين ذكروهم ما حصلت الإمامة إلا لمن ! ما حصلت لهم الإمامة , حصلت الإمامة لعلي و هو الخليفة ثم الحسن بن علي ولي على الخلافة ستة أشهر ثم تنازل لمعاوية بشروط حقن دماء المسلمين و تحقق فيه قول النبي ﷺ إن ابني هذا سيد و سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين و الحسين بن علي كاتب أهل العراق و كاتبوه و خدعوه و قتلوه و لم يحصل لأحد من الأئمة و هم يقولون إن النبي ﷺ نص على اثني عشر إماما و لكن أهل السنة أخفوا هذه النصوص وولوا أبا بكر زورا و بهتانا و ظلما ثم ولوا عمر زورا و بهتانا و ظلما ثم ولوا عثمان زورا و بهتانا و ظلما ثم وصلت النوبة إلى الخليفة الأول و هو علي بن أبي طالب هكذا يقول الرافضة و هذا موجود في كتبهم.
المؤلف رحمه الله يقول ( ثلاثة أشياء ما لها من أصل: (باب النصيرية) و (منتظر الرافضة) و (غوث الجهال) ) كل هذه اختلاق و كذب ما فيه باب للنصيرية ما هو باب النصيرية ! باب يكون بابا للإمام المنتظر , الإمام المنتظر لا وجود له من الأساس ولا حقيقة له فكيف يكون له باب ( باب النصيرية ) هذا لا أصل له و ( منتظر الرافضة ) هذا لا أصل له ( وغوث الجهال ) لا أصل له يقولون أن هناك غوثا فردا هو فرد غوث الجهال يرجع الناس إليه للمدد في رزقهم و نصرهم و عافيتهم.
قال المؤلف رحمه الله ( فإن النصيرية تدعي في الباب الذي هو له ما لهم من هذا الجنس وأنه الذي يقيم العالم ) النصيرية يدعون أن الباب هو الذي يقيم العالم ( فذلك شخصه موجود؛ ولكن دعوى النصيرية فيه باطلة. وأما محمد بن الحسن المنتظر، والغوث المقيم بمكة، ونحو هذا: فإنه باطل ليس له وجود ) ما هناك غوث و أنه موجود بمكة كل هذا باطل و كذب و كفر و ضلال.
قال المؤلف رحمه الله ( وكذلك ما يزعمه بعضهم من أن القطب الغوث الجامع يمد أولياء الله، ويعرفهم كلهم، ونحو هذا، فهذا باطل ) يزعمون أن هناك قطبا و غوثا يجاب لهم هذا هو الأصل يمد أولياء الله هو الذي يمدهم يعرفهم كلهم ما يخفى عليه واحد منهم.
المؤلف يقول هذا باطل أبو بكر و عمر أفضل أولياء الله بعد الأنبياء و لا يعرفون أولياء ما يعرفونهم بل حتى نبينا ﷺ يوم القيامة ما يعرف أصحابه ما يعرف المؤمن به , قالوا لرسول الله كيف تعرف ! قال : الله تعالى يجعل لهم علامة و أنهم غرا محجلين من أثر الوضوء , يعرفهم إذا وردوا على الحوض , الغرة بياض في الوجه و التحجيل في أماكن الوضوء اليدين و الرجلين يعرفهم , قالوا لرسول الله كيف تعرف أصحابك ! قال : أنهم يردون عليه غرا محجلين من أثر الوضوء أرأيتم لو كان لرجل خيل دهم يعني خيل فيها لون و هناك ألوان أخرى وخيل أخرى تخالفها في اللون ألا يعرفها لو كان لرجل خيل دهم و فيها أو كما قال عليه الصلاة و السلام : ألا يعرفها ! قالوا : بلا قال فإني أعرفهم يردون غرا محجلين من أثر الوضوء.
أبو بكر و عمر رضي الله عنهما أفضل الأولياء بعد الأنبياء ( و لم يكونا يعرفان جميع أولياء الله تعالى ، ولا يمدانهم، فكيف بهؤلاء الضالين المفترين الكذابين؟ ! ) يزعمون أنهم يمدون أولياء الله و أنهم يعرفونهم ( ورسول الله ﷺ سيد ولد آدم إنما عرف الذين لم يكن رآهم من أمته بسيما الوضوء؛ وهو الغرة والتحجيل ) الغرة في الوجه و التحجيل في اليدين و الرجلين.
يقول المؤلف رحمه الله ( ومن هؤلاء من أولياء الله من لا يحصيه إلا الله تعالى) أولياء الله كثيرون ما يحصيهم إلا الله و ما يعلمهم إلا الله ( وأنبياء الله الذين هو ) يعني محمد ﷺ ( إمامهم وخطيبهم لم يكن يعرف أكثرهم؛ بل قال الله تعالى له: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) حتى الأنبياء بعضهم يعرفهم و بعضهم لا يعرفهم ( وموسى لم يكن يعرف الخضر ) موسى رحل إلى الخضر سبب الرحلة أن موسى خطب الناس فقال لهم كما ورد في الحديث : فسأله سائل فقال : هل تعلم أحدا أعلم منك ! فقال : لا , فعتب الله عليه إذ لم يكل العلم إليه فقال الله : بلى عبدنا الخضر أعلم منك , فقال يا رب أين أجده ! قال في مجمع البحرين فركب البحر و مشى إليه سافر هذه الرحلة في طلب العلم نبي يرحل في طلب العلم ليتعلم و هو من أولي العزم و الخضر أقل منه مرتبة و مع ذلك تعلم منه لأن العلم قد يكون عند الأقل عند الأدنى ما ليس عند الأعلى و لم يكن يعرفه , هم يقولون أن الولي يعلم جميع الأولياء , موسى بحث عن الخضر و هو لا يعرفه لم يكن يعرفه و الخضر لم يكن يعرف موسى أيضا كل واحد لا يعرف الآخر , يعني ما يعرف عينه و لما وصل موسى إلى الخضر سلم عليه , قال له الخضر و كان عليه ملحفة : و أنى بأرضك السلام , استغرب من الرجل يسلم كأن هذه البلاد ما فيها مسلمين قال : و أنى بأرضك السلام ! قال له أنا موسى , قال : موسى بني إسرائيل ! قال : نعم , ما يعرفه , قال ما الذي جاء بك , قال جئت أتعلم منك , قال : ما يكفيك التوراة التي أنزلها الله عليك. قال ( وقد كان بلغه اسمه وخبره ) و هذا الحديث رواه البخاري في كتاب التفسير في سورة الكهف رواه مسلم أيضا في كتاب الفضائل ( و كان قد بلغه اسمه و خبره ولم يكن يعرف عينه ) موسى بلغه اسمه و خبره و كذلك الخضر قد بلغه و لم يكن يعرف عينه.
( ومن قال: إنه نقيب الأولياء و أنه يعلمهم كلهم فقد قال الباطل ) من قال أن هناك نقيبا للأولياء و أنه يعرف الأولياء كلهم فهذا القول باطل ( والصواب الذي عليه المحققون : أنه ميت ) يعني الخضر , من قال أن الخضر نقيب الأولياء و أنه يعلم الأولياء كلهم هذا باطل , في قول بعض الناس يقولون إنه نقيب الأولياء و أنه يعلم الأولياء كلهم نقول هذا باطل.
( و الصواب الذي عليه المحققون أنه ميت وأنه لم يدرك الإسلام ولو كان موجودا في زمن النبي ﷺ لوجب عليه أن يؤمن به، ويجاهد معه، كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره ) يعني الخضر اختلف فيه , قال بعض العلماء أن الخضر موجود إلى الآن و أنه معمر ما مات و القول الثاني أنه ميت و هذا هو الصواب و شيخ الإسلام ذكر في مجموع الفتاوى قولين , القول الأول أنه موجود و أنه في البحر و القول الثاني أنه ميت و هذا هو الصواب و لعله أحد القولين له لعله قال قولا ثم اختار القول الثاني و الصواب أن الخضر ميت للأدلة:
أولا من الأدلة ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي ﷺ قال في آخر حياته إن مئة سنة من الآن ينخرم ذلك القرن و لا يبقى أحد من أهل هذا الزمان قال في آخر حياته بعض مضي مائة سنة لا يمكن أن يكون أحد على الأرض موجود يموتون و يكون الباقي أحفادهم تخرم ذلك القرن فإن كان الخضر موجودا لمات يدخل فيها قال إنه على رأس مئة سنة من الآن ينخرم ذلك القرن و لا يبقى أحد ممن هم على أرضها الآنو هذا ثبت في صحيح البخاري و لو كان الخضر موجودا لمات يخرم ذلك القرن فهذا دليل.
و الدليل الثاني : أنه لو كان موجودا و هو نبي على الصحيح , اختلف في الخضر هل هو نبي أو رجل صالح , جمهور العلماء على أنه رجل صالح , و القول الثاني أنه نبي و هذا هو الصواب لأنه كونه الآن يخرق السفينة ثم يقتل الغلام هذا لا يفعله إلا بوحي لا يمكن أن يقتل غلاما بأي شيء يقتل الغلام ! يقول بعضهم بالعلم الذي عنده هذا باطل هذا فتح باب للصوفية لدعوى علم الغيب و لا يمكن أن يفعل هذا ولهذا قال الله تعالى عن الخضر أنه قال في آخر القصة وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي إذا فعله عن أمر الله فالصواب أنه نبي و الجمهور على أنه رجل صالح لكن الصواب بالأدلة من الآيات الكريمة تدل على أنه نبي فلو كان الخضر موجودا و هو نبي فلا يمكن أن يبقى منعزلا ينطوي على نفسه و لا يأتي إلى النبي ﷺ و الله تعالى أخذ الميثاق على الأنبياء لئن بعث محمدا ﷺ و أنت حي لتتبعنه و تنصره و تناصره وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فلا يمكن أن يكون نبيا من الأنبياء و هو الخضر أو رجلاصالحا على القول الثاني و يبعث النبي ﷺ و هو موجود على ظهر الأرض و لا يأتيه و لا يؤمن به و لا يناصره ما يمكن هذا , هذا مستحيل أن يكون هناك نبي أو رجل صالح يكون موجودا و لا يأتي إلى النبي ﷺ و يؤمن به و يتابعه.
و لهذا قال المؤلف رحمه الله ( ولو كان موجودا في زمن النبي ﷺ لوجب عليه أن يؤمن به، ويجاهد معه، كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره ) و ذكر المؤلف رحمه الله الكلام في الخضر المحشي ذكر المحقق : القول الذي عليه المحققون من أهل العلم أن الخضر ميت كما ذكر الشيخ رحمه الله و هو قول البخاري و إبراهيم الهروي و ابن مناوي و ابن الجزوي و ابن كثير وابن القيم و غيرهم و من أدلتهم على ذلك غير ما ذكر قول الله تعالى وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ لكن الذين يقولون إنه موجود يقولون ليس مخلد لكنه معمر و سيموت و قوله ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه ذات ليلة في آخر حياته أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد يعني مئة سنة تخرم ذلك القرن فلو فرض أنه كان حيا على عهد رسول الله ﷺ لكان قد مات بعد ذلك و ما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال يوم بدر اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الأرض لا تعبد في الأرض يعني أهل بدر و كانوا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم و أسماء آبائهم و ليس منهم الخضر و أن جميع ما ورد من روايات في الخضر ضعيفة أو موضوعة فالقول بحياته قول على الله بغير علم.
قال الحافظ ابن كثير بعد أن سرد الروايات و الحكايات الواردة في شأنه : كل من الأحاديث المرفوعة ضعيفة جدا لا يقوم بمثله حجة في الدين و الحكايات لا يخلو أكثرها عن ضعف في الإسناد وقصاراها أنها صحيحة فهو ليس بمعصوم من صحابي أو غيره أنه يجوز عليه الخطأ.
و قال ابن القيم رحمه الله : و الأحاديث التي يذكر فيها الخضر و حياته كلها كذب و لا يصح في حياته حديث واحد.
و قال الحافظ بن حجر : و الذي تميل إليه النفس من حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوام من استمرار حياته.
إذا كما سمعتم الآن أن هناك قولا بأن الخضر موجود لكن هذا قول ضعيف قول باطل لأنه لا يمكن أن يختفي و لا يأتي إلى النبي ﷺم و يؤمن به.
قال المؤلف رحمه الله تعالى ( ولو كان موجودا في زمن النبي ﷺ لوجب عليه أن يؤمن به، ويجاهد معه، كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره ولكان يكون في مكة و المدينة ) إذا كان موجودا يأتي لمكة و يأتي للمدينة أفضل البقاع يأتي إلى النبي ﷺ و يكون أيضا مع الصحابة في المدينة بعد هجرته ما يختفي في البحر ( ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم ) يعني يقول الخضر نبي و رجل صالح يختفي و لا يأتي إلى الرسول ﷺ و يؤمن به و لا يأتي إلى المدينة و يكون مع الصحابة و يجاهد مع النبي ﷺ أيهم أولى كونه يأتي إلى النبي ﷺ و يجاهد معه أو يرقع سفينة القوم لما ركب هو و موسى خرق السفينة و لما خرقها وضع فيها خرقة يرقعها لماذا ! قال لأن هذه السفينة لأناس مساكين و كان وراءئهم ملك ظالم يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأراد أن يجعل فيها عيبا حتى تبقى السفينة لهؤلاء الضعفاء المساكين و هذا دليل على أن المسكين يملك شيئا لأنهم مساكين و يملك سفينة لذلك المسكين أقل حاجة من الفقير إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين الفقير هو الذي لا يجد شيئا أو يجد أقل من نصف الكفاية و المسكين يجد نصف الكفاية فأكثر إلا أنه لا يجد الكفاية فهؤلاء مساكين و مع ذلك لهم سفينة يملكون سفينة فلو كان الخضر لا يمكن أن يأتي يرقع السفينة إشفاقا على المساكين حتى لا تؤخذ سفينتهم و لا يأتي إلى النبي ﷺ و يؤمن به و يجاهد معه و يكون مع الصحابة لو كان حي ! لا يمكن هذا.
قال ( ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم ولم يكن عن خير أمة أخرجت للناس مختفيا ، وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم ثم ليس للمسلمين به وأمثاله حاجة لا في دينهم ولا في دنياهم ) نقول الآن الخضر الآن ما يحتاج إليه المسلمين لا في الدين و لا في الدنيا في الدين أغنانا الله تعالى بكتاب ربنا و سنة رسولنا ﷺ و الدنيا لسنا نحتاج إلى الخضر فقولهم أن هناك خضرا و أن هناك باب و أن كل زمان له خضر و أن الخضر ترفع له الحوائج كل هذا باطل لسنا بحاجة إلى الخضر لا في الدين و لا في الدنيا.
قال ( فإن دينهم أخذوه عن الرسول النبي الأمي ﷺ الذي علمهم الكتاب والحكمة، و قد قال لهم نبيهم: لو كان موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ) و هذا الحديث رواه بنحوه الإمام أحمد و مسند الدارمي ( وعيسى ابن مريم إذا نزل من السماء ) متى ينزل في آخر الزمان و هو شرط من أشراط الساعة الكبار ( إذا نزل من السماء إنما يحكم فيهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم،) ﷺ و هذا رواه الإمام مسلم في كتاب الإمامة , عيسى إذا نزل يكون فردا من أفراد الأمة المحمدية يحكم بشريعة النبي ﷺ لا يحكم بشريعته هو شريعته نسخت متى ! ببعثة النبي ﷺ فإذا نزل حكم بشريعة النبي ﷺ و يكون فردا من أفراد الأمة المحمدية ثم يتوفاه الله و يموت فإذا عيسى هو نبي و هو من أمة محمد و أفضلها بعد نبيها و يقال نبي و يقال , من هو خير هذه الأمة ! خير هذه الأمة بعد نبيها عيسى و هو نبي ثم يليه أبو بكر الصديق , إذا من هو خير من أبي بكر في هذه الأمة يقال عيسى من هذه الأمة خير من أبي بكر لأن أبا بكر أفضل الناس بعد الأنبياء و عيسى نبي , و عيسى ابن مريم إذا نزل إنما يحكم فيهم بشريعة ربهم و سنة نبيهم ﷺ.
( فأي حاجة لهم مع هذا إلى الخضر وغيره؟ ! ) لا يحتاجون إلى الخضر ( فأي حاجة لهم مع هذا إلى الخضر وغيره؟ ! والنبي ﷺ قد أخبرهم بنزول عيسى من السماء، وحضوره مع المسلمين ) جاء هذا في صحيح مسلم ( وقال: كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسي في آخرها؟ ! ) و هذا الحديث رواه ابن جرير في تفسيره و صحح إسناده السيوطي و رواه ابن عساكر في تاريخه و نسبه في باب العمال إلى الحاكم كما ذكر المحقق.
( فإذا كان هذان النبيان الكريمان اللذان هما مع إبراهيم وموسى ونوح أفضل الرسل، ) من هما النبيان الكريمان اللذان هما مع إبراهيم و موسى و نوح ! يعني عيسى و محمدا فيكون أولوا العزم خمسة , من هم أولوا العزم ! خمسة , نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد عليهم الصلاة و السلام ذكرهم الله في سورتين في كتابه في سورة الأحزاب وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا و في سورة الشورى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ
( فإذا كان هذان النبيان الكريمان ) عيسى و محمد (اللذان هما مع إبراهيم وموسى ونوح أفضل الرسل، ومحمد ﷺ سيد ولد آدم، ولم يحتجبوا عن هذه الأمة لا عوامهم ولا خواصهم، فكيف يحتجب عنهم من ليس مثلهم؟ ! ) يعني الذين يقولون إن الخضر موجود يقولون احتجب عن الناس و محمد أفضل الناس ما احتجب عن الناس و عيسى ما احتجب عن الناس و أولوا العزم الخمسة ما احتجبوا عن الناس ما احتجبوا لا عن العوام و لا عن الخواص فكيف يحتجب من هو أقل منهم الخضر ( فكيف يحتجب عنهم من ليس بمثلهم ).
قال ( وإذا كان الخضر حيا دائما فكيف لم يذكر النبي ﷺ ذلك قط، ولا أخبر به أمته، ولا خلفاؤه الراشدون؟ ! ) لو كان الخضر حيا دائما لأخبر النبي ﷺ و قال هناك الخضر رجل حي دائم هذا لمن يقول له حي دائم و كيف يكون الخضر حي باقي و الرسول ﷺ ما أخبرنا بذلك و لا أخبر به أمته و لا خلفائه الراشدون.
( وقول القائل: إنه نقيب الأولياء ) يعني الخضر نقيب الأولياء , الشيخ يناقشه يقوله له ( فيقال له: و من ولاه النقابة ) هذه الولاية تحتاج إلى دليل (وأفضل الأولياء أصحاب محمد ﷺ وليس فيهم الخضر ) أفضل الأولياء أصحاب رسول الله ﷺ و لم يكن فيهم الخضر.
( وعامة ما يحكى في هذا الباب من الحكايات بعضهما كذب، وبعضها مبني على ظن رجال مثل شخص رأى رجلا ظن أنه الخضر، وقال: إنه الخضر ) الحكايات التي تروى في الخضر بعضها كذب لا أصل له و بعضها مبني على ظن شخص رأى في المنام رجلا و قال أنه الخضر يعمل بالمنامات.
قال (كما أن الرافضة ترى شخصا تظن أنه الإمام المنتظر المعصوم، أو تدعي ذلك ) يرون شخصا يقولون هذا الإمام المعصوم.
( ويروى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال وقد ذكر له الخضر من أحالك على غائب فما أنصفك ) الإمام أحمد لما قيل له إن الخضر و أنه كذا و أن الخضر موجود قال : من أحالك على غائب فما أنصفك , يحيلك على شخص غائب ! الذي يحيلك على شخص غائب ما أنصفك ما تستفيد من الغائب.
( وما ألقى هذا على ألسن الناس إلا الشيطان ) الشيطان هو الذي ألقى هذا على الناس و أن هناك الخضر و أنه كذا و أنه غائب و أنه كذا.
قال المؤلف ( وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع ) يعني المؤلف رحمه الله لسعة علمه يبسط الكلام أحيانا و يسترسل في الكلام أحيانا , يقول قد بسطنا الكلام على الخضر في أماكن متعددة و ما ذكره رحمه الله فيه كفاية .
(المتن)
وأما إن قصد القائل بقوله: " القطب الغوث الفرد الجامع " أنه رجل يكون أفضل أهل زمانه فهذا ممكن، لكن من الممكن أيضا أن يكون في الزمان اثنان متساويان في الفضل، وثلاثة وأربعة، ولا يجزم بأنه لا يكون في كل زمان أفضل الناس إلا واحدا، وقد تكون جماعة بعضهم أفضل من بعض من وجه و بعضهم أفضل من بعض بوجه، وتلك الوجوه إما متقاربة وإما متساوية.
ثم إذا كان في الزمان رجل هو أفضل أهل الزمان فتسميته: " القطب الغوث الفرد الجامع " بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تكلم بهذا أحد من سلف الأمة وأئمتها، وما زال السلف يظنون في بعض الناس أنه أفضل أو من أفضل أهل زمانه ولا يطلقون عليه هذه الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ لا سيما أن من المنتحلين لهذا الاسم من يدعي أن أول هؤلاء الأقطاب هو الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ثم يتسلسل الأمر إلى ما دونه إلى بعض المشايخ المتأخرين، وهذا لا يصح لا على مذهب أهل السنة , ولا على مذهب الرافضة. فأين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟ ! والحسن عند وفاة النبي ﷺ كان قد قارب سن التمييز والاحتلام.
وقد حكي عن بعض الأكابر من الشيوخ المنتحلين لهذا: أن " القطب الفرد الغوث الجامع " ينطبق علمه على علم الله تعالى وقدرته على قدرة الله تعالى، فيعلم ما يعلمه الله، ويقدر على ما يقدر عليه الله. وزعم أن النبي ﷺ كذلك، وأن هذا انتقل عنه إلى الحسن، ويتسلسل إلى شيخه، فبينت له أن هذا كفر صريح، وجهل قبيح، وأن دعوى هذا في رسول الله ﷺ كفر، دع ما سواه.
وقد قال الله تعالى: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَك وقال تعالى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون وقال تعالى: يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا الآية وقال تعالى: يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ وقال تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ وقال تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
والله قد أمرنا أن نطيع رسوله صلﷺ فقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وأمرنا أن نتبعه فقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه وأمرنا أن نعزره ونوقره وننصره، وجعل له من الحقوق ما بينه في كتابه وسنة رسوله ﷺ، حتى أوجب علينا أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا، فقال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وقال : قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
وقال ﷺ: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين وقال له عمر : يا رسول الله! و الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال: لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك قال: فأنت أحب إلي من نفسي، قال: الآن يا عمر وقال: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الِإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار.
وقد بين في كتابه حقوقه التي لا تصلح إلا له وحقوق رسوله ﷺ وحقوق المؤمنين بعضهم على بعض، كما بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وذلك مثل قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ فالطاعة لله ورسوله والخشية والتقوى لله وحده، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ فالإيتاء لله والرسول والرغبة لله وحده، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ؛ لأن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، وأما الحسب فهو لله وحده، كما قال: وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي يكفيك الله ويكفي من اتبعك من المؤمنين، وهذا هو الصواب المقطوع به في معنى هذه الآية؛ ولهذا كانت كلمة إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام حسبنا الله ونعم الوكيل.
و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و الحمد لله و حده والله أعلم وأحكم. وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله يناقش هذه المقالة و هي قول القائل ( إنه نقيب الأولياء ) سبق , ثم قال يبين احتمالا آخر لما ناقش قول ( إنه نقيب الأولياء ) قال هناك احتمال آخر و هو (أن يقصد القائل بقوله: " القطب الغوث الفرد الجامع " أنه رجل يكون أفضل أهل زمانه ) يعني إذا قال القطب الغوث الفرد الجامع يعني أنه يرجع إليه يرجع الناس إليه في رزقهم و نصرهم هذه ردة و هذا شرك أكبر شرك في الربوبية و لكن إذا كان يقصد الغوث الجامع أنه أفضل أهل زمانه أنه رجل يكون أفضل أهل زمانه نقول هذا ممكن لكن قد يكون في الزمان اثنان أو ثلاثة أو أربعة قد يكونون متساوين في الفضل من الذي أخبرك أنه أفضل أهل زمانه فإذا قال أنا أقصد بقولي القطب الغوث الجامع أنه رجل يكون أفضل أهل زمانه نقول هذا ممكن ( لكن من الممكن أيضا أن يكون في الزمان اثنان متساويان في الفضيلة، وثلاثة وأربعة، ) كل هذا محتمل فكونك تجزم تقول هذا هو أفضل زمانه شخص واحد هذا قول بلا علم لأنه قد يكون هناك شخص آخر يساويه في العلم لا تعلم عنه هذا علمه عند الله قد يكون ثلاثة أو أربعة متساوين ( ولا يجزم بألا يكون في كل زمان أفضل الناس إلا واحدا ) لا تجزم قد يكون جماعة بعضهم أفضل من بعض.
و لهذا قال المؤلف رحمه الله ( وأما إن قصد القائل بقوله: " القطب الغوث الفرد الجامع " أنه رجل يكون أفضل أهل زمانه فهذا ممكن، لكن من الممكن أيضا أن يكون في الزمان اثنان متساويان في الفضل، وثلاثة وأربعة، ولا يجزم بأنه لا يكون في كل زمان أفضل الناس إلا واحدا ) لا يجزم بأنه لا يكون في كل زمان أفضل الناس إلا واحد لا تجزم هذا قد يكون اثنان أو ثلاثة.
قال ( وقد تكون جماعة بعضهم أفضل من بعض من وجه و بعضهم أفضل من بعض بوجه، وتلك الوجوه إما متقاربة وإما متساوية ) يعني أيضا قد يكون احتمال جماعة بعضهم أفضل من بعض من جهة أفضل من بعض في الكرم و لكن بعضهم أفضل في الشجاعة و بعضهم أفضل في الدعوة إلى الله ما تستطيع تجزم أن تقول هذا أفضل أهل الزمان من جميع الوجوه , قد يكون أفضل أهل الزمان من وجه لكن غيره أفضل منه من وجه , هذا أفضل بالدعوة إلى الله و هذا أفضل في الكرم و هذا أفضل في الشجاعة و الإقدام و هذا أفضل في نفع الناس و الإحسان إليهم هذا علمه عند الله , الله تعالى هو الذي يعلم.
قال ( ثم إذا كان في الزمان رجل هو أفضل أهل الزمان فتسميته: " بالقطب الغوث الفرد الجامع " بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تكلم بهذا أحد من سلف الأمة وأئمتها ) إذا نقول لو فرضنا جدلا أنك تقصد بالقطب الغوث أنه أفضل أهل زمانه كيف تسميه القطب الغوث هذه التسمية بدعة , بدعة كفرية شركية ما أنزل الله بها من سلطان و ما تكلم بها أحد من سلف الأمة و أئمتها ما قالوا أنه قطب غوث جامع.
قال المؤلف ( وما زال السلف يظنون في بعض الناس أنه أفضل أو من أفضل أهل زمانه ولا يطلقون عليه هذه الأسماء ) يعرفون بعض الناس أنه رجل فاضل و أنه رجل فيه خير و لا يسمونه القطب و لا يسمونه الغوث و لا يسمونه القطب الجامع مثلا الناس كذلك يظنون سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في زمانه من أفضل الناس و أعلمهم و أورعهم لكن لا يسمونه القطب أو الغوث و لا الفرد و لا الجامع فهذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان فإطلاق هذه الأسماء ( التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ لا سيما أن من المنتحلين لهذا الاسم من يدعي أن أول هؤلاء الأقطاب هو الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ثم يتسلسل الأمر إلى ما دونه ) إذا إطلاق أن هناك غوثا فردا جامعا هذه بدعة و هي وسيلة إلى شر كبير لا سيما أن المنتحلين لهذا من الصوفية و غيرهم يزعمون و يدعون أن أول هذه الأقطاب الحسن بن علي بن أبي طالب ثم تنتقل عنه إلى غيره تنتقل إلى الحسين ثم تنتقل إلى العلي بن الحسين. و لهذا قال المؤلف ( ثم يتسلسل الأمر إلى ما دونه إلى بعض المشايخ المتأخرين ).
ثم قال المؤلف ( وهذا لا يصح لا على مذهب أهل السنة , ولا على مذهب الرافضة ) باطل , القول بأن أفضل أهل الزمان الحسن ثم تنتقل الولاية من الحسن إلى غيره حتى تصل للمتأخرين باطل على قول الرافضة و على قول أهل السنة , أما الرافضة فهم يرون أنه خاص بالأئمة لا تنتقل عنه إلى غيره و أما على قول غيرهم فإن أهل السنة لا يقولون بأن هناك قطبا و هناك غوثا منهم. و لهذا قول المؤلف ( و هذا لا يصح لا مذهب أهل السنة و لا مذهب الرافضة ).
ثم قال المؤلف ( فأين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟ ! ) أين هم عنها ! هم أفضل الناس و لا أحد يسميهم قطبا و لا غوثا.
و قال ( والحسن عند وفاة النبي ﷺ كان قد قارب سن التمييز ويليه الاحتلام ) يعني الذي يقول أن الحسن بن علي هو القطب و هو الغوث , هو عند وفاة النبي ﷺ صغير قارب سن التمييز و أبو بكر و عمر خير منه و عثمان و علي و هم أفضل الناس فكيف يقال أن القطب الغوث الحسن و هو صغير دون التمييز و لا يكون من الأولياء أبو بكر و عمر و عثمان و علي.
قال المؤلف ( وقد حكي عن بعض الأكابر من الشيوخ المنتحلين لهذا: أن " القطب الفرد الغوث الجامع " ينطبق علمه على علم الله تعالى وقدرته على قدرة الله تعالى، فيعلم ما يعلمه الله، ويقدر على ما يقدر عليه الله وزعم أن النبي ﷺ كان كذلك، وأن هذا انتقل عنه إلى الحسن، ويتسلسل إلى شيخه، فبينت له أن هذا كفر صريح، وجهل قبيح ) يقول المؤلف رحمه الله و قد حكي عن بعض الأكابر من الشيوخ المنتحلين لهذا يعني شيوخ الصوفية الشيوخ المرادين شيوخ الصوفية , حكي عن بعض الأكابر من الشيوخ الصوفية المنتحلين لهذا يعني الذين يدعون أن هناك قطبا و غوثا و فردا و جامعا يزعم بعض المنتحلين و بعض الشيوخ الصوفية يزعم أن القطب الغوث الفرد الجامع ينطبق علمه على علم الله و قدرته على قدرة الله تعالى فيعلم ما يعلمه الله و يقدر على ما يقدر عليه الله و زعم هذا أن النبي ﷺ كان كذلك يعني يعلم ما يعلمه الله و يقدر على ما يقدر عليه الله و أن هذا انتقل عنه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب و يتسلسل إلى شيخه.
قال المؤلف رحمه الله ( فبينت له أن هذا كفر صريح و جهل صريح ) هذا كفر لأنه زعم أن الرسول ﷺ و من بعده يعلم ما يعلمه الله و يقدر على ما يقدره الله هذا من خصائص الله , قال الله تعالى وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا و هذا عام لكل البشر كلهم فكيف نقول أن هناك من البشر من يعلم ما يعلمه الله و يقدر على ما يقدره الله.
قال المؤلف رحمه الله ( وأن دعوى هذا في رسول الله ﷺ كفر ) الذي يدعي أن الرسول يعلم ما يعلمه الله و يقدر على ما يقدر الله عليه هذا كفر ( دع من سواه ) يعني إذا كان من يقول إن الرسول يعلم ما يعلمه الله و يقدر على ما يقدره الله كفر فإذا قاله في غيره في غير الرسول ﷺ من باب أولى يكون كفرا و لهذا قال ( دع ما سواه ).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله نصوصا من كتاب الله تعالى التي تدل على أن الله تعالى مختص بالعلم و القدرة و أن الله تعالى لا يشاركه أحد في علمه و قدرته فقال ( وقد قال الله تعالى) لنبيه محمد قل يا محمد ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ) يعني ما أدعيها قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ) فكيف يقال أن الرسول ﷺ يعلم ما يعلمه الله و يقدر على ما يقدر الله عليه.
( وقال تعالى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إن أنا نذير وبشير لقوم يؤمنون ) إذا أمر الله نبيه أن يقول لهم إني لا أملك لنفسي نفعا و لا ضرا فكيف بغيري إلا ما شاء الله وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ لكن ما أعلم الغيب ما هي وظيفة الرسل ! قال إن أنا نذير وبشير لقوم يؤمنون
( وقال تعالى: يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) يعني المنافقين يعني ليس لهم من الأمر شيء ( وقال تعالى: يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) إذا الأمر لله و لا يمكن أن يشارك أحد فيه.
( وقال تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ خطاب لمن ! للنبي ﷺ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ نزلت هذه الآية لما اشتد أذى قريش على النبي ﷺ و دعا على بعض الصناديد فكان عليه الصلاة و السلام إذا صلى الفجر في الركعة الثانية فقال سمع الله لمن حمده قال اللهم العن فلانا و فلانا اللهم عليك بفلان و فلان بن فلان يسميهم الذين علوا و الصحابة يؤمنون و هو أفضل الخلق و الصحابة خلفه يؤمنون فأنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ و أسلم بعضهم من الذين دعا عليهم إذا الأمر لله الأمر بيد الله فإذا كان هذا حال الرسول ﷺ فكيف بغيره أنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ فوقف عن الدعاء عليهم لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ و أسلم بعضهم و حسن إسلامه.
( وقال تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) هذه الآية نزلت تسلية للنبي ﷺ لما مات أبو طالب على الشرك و حرص النبي ﷺ على هدايته و كان يحمي النبي ﷺ و يذوده و لما حضرته الوفاة جاء إليه النبي ﷺ و قال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله و كان عنده عبد الله بن أمية و أبو جهل فذكراه الحجة الملعونة و هي اتباع الآباء و الأجداد على الباطل فقال أترغب عن ملة عبد المطلب عن ملة عبد المطلب أبيك ! ملة عبد المطلب الشرك كأنه يقول عيب عليك أن تترك ملة أبيك و جدك عيب عليك فأعاد عليه النبي ﷺ يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فأعادا عليه و قالا أترغب عن ملة عبد المطلب فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب و مات على الشرك و أبى أن يقول لا إله إلا الله فحزن النبي ﷺ عليه و قال لأستغفرن لك ما لم أنه عنه فنهاه الله و أنزل الله مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ فنهي عن الاستغفار له لأنه مات على الشرك و أنزل الله تسلية له إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ و هذه هداية التوفيق و التسديد و خلق الهداية في القلوب، أما هدية الدلالة و الإرشاد يملكها، فالهداية هدايتان هداية التوفيق و التسديد و خلق الهداية في القلب و كونه يقبل الحق و يرضى به هذه منفية عن الرسول ﷺ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ و الهداية هداية الدلالة و الإرشاد و الوعظ و البيان و الإيضاح هذه ثابتة للنبي ﷺ و لغيره و هي قوله تعالى وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فالهداية هدايتان هداية دلالة و إرشاد يملكها الرسول ﷺ و غيره من الدعاة و هداية توفيق و تسديد و قبول الحق و الرضا به و هذه لا يملكها إلا الله و هي منفية عن الرسول ﷺ في قوله إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
يقول المؤلف رحمه الله ( والله قد أمرنا أن نطيع رسوله ﷺ فقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وأمرنا أن نتبعه فقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وأمرنا أن نعزره ونوقره وننصره، وجعل له من الحقوق ما بينه في كتابه وسنة رسوله ) هذه حقوق الرسول ﷺ ما هي هذه الحقوق:
أولا الطاعة مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ثانيا المحبة قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ثالثا التعزير و التوقير و النصرة أمرنا أن نعزره يعني أن نوقره و نعينه و نساعده و نوقره و ننصره و جعل له من الحقوق ما بينه في كتابه و سنة رسوله ﷺ.
(حتى أوجب علينا أن يكون أحب الناس إلينا من أنفسنا وأهلينا ) أوجب الله علينا أن يكون الرسول ﷺ أحب إلينا من أنفسنا و أهلينا ( فقال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أولى من أنفسهم يقدمون محبة النبي ﷺ على محبة أنفسهم ( وقال : قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) توعد الله من قدم واحدا من الأصناف الثمانية على محبة الله و رسوله هدده و جعله من الفاسقين من قدمه على محبة الله و محبة رسوله ﷺ, من قدم محبة الآباء أو محبة الأبناء أو محبة الإخوان أو محبة الأزواج أو محبة العشيرة أو محبة الأموال أو محبة التجارة أو محبة المساكن من قدم واحد من هذه الثمانية على محبة الله و رسوله و الجهاد في سبيله فعليه الوعيد الشديد و لهذا قال فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ يعني انتظروا ماذا يحل بكم من عقوبة الله و أنتم اتصفتم بالفسق وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ.
( وقال ﷺ: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين و هذا الحديث رواه البخاري و مسلم في صحيحه فالحديث متفق عليه.
لا يؤمن أحدكم يعني لا يؤمن الإيمان الكامل الواجب و إلا لو قدم محبة الله و شيئا على محبة الله و رسوله يكون ضعيف الإيمان محبة الله و رسوله هي أصل الإيمان من لم يحب الله و رسوله فهو كافر لكن كمال المحبة يكون يقدم محبة الله و رسوله هذه المحبة هي الواجب فإذا قدم شيء من ذلك يكون ضعيف الإيمان ناقص الإيمان لكن أصل المحبة في أصل الإيمان من لم يحب الله و رسوله فهو كافر لكن الواجب أن يقدم محبة الله و محبة رسوله على كل شيء على النفس و المال و على كل شيء و لهذا قال النبي ﷺ والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ( وقال له عمر ) يعني قال عمر للنبي ﷺ يا رسول الله! و الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي استثنى نفسه فقال: لا يا عمر يعني لا تبلغ المحبة الواجبة لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك قال: فأنت أحب إلي من نفسي يعني الآن قال: الآن يا عمر الآن بلغت المحبة الواجبة الآن يا عمر هذه الزيادة عند البخاري في كتاب الإيمان.
( وقال عليه الصلاة والسلام: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الِإيمان ) يعني لذته و طعم الإيمان , متى يجد الإنسان لذة الإيمان و طعم الإيمان ! إذا وجدت فيه هذه الأمور الثلاثة ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الِإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ) و هذا الحديث رواه البخاري و مسلم في الصحيح ثلاث من كن فيه وجد لذة الإيمان و حلاوة الإيمان و هي أن تقدم محبة الله و رسوله على ما سواهما و الثاني أن تحب المرء لا تحبه إلا لله تحب الشخص يكون مستقيما على طاعة الله لا لأنه قريب لك و لا لأنه زميل لك و لا لأن بينه و بينك مثلا معاملة أو شركة أو تجارة , لا , تحبه لأنه مستقيم على طاعة الله , و الثالث من يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار يكره الكفر كما يكره إلقائه في النار و هذا رواه الشيخان في صحيحهما.
قال المؤلف رحمه الله ( وقد بين في كتابه حقوقه التي لا تصلح إلا له وحقوق رسوله وحقوق المؤمنين بعضهم على بعض، كما بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع ) المؤلف رحمه الله يبسط الكلام و يتوسع في أماكن يقول المؤلف رحمه الله : الله تعالى بين في كتابه حقوقه و حقوق رسوله و حقوق المؤمنين بعضهم لبعض إذا الله له حقوق و الرسول ﷺ له حقوق و المؤمنون لهم حقوق لا تخلط الحقوق بعضها ببعض , حق الله ما هو ! العبادة , العبادة هذه حق الله لا يمكن أن تصرفها لغير الله و لا يمكن أن يستحقها أحد من عباده فمن صرف العبادة لغير الله للرسول أو لغيره فهو مشرك كافر و الطاعة مشتركة تكون لله و للرسول و الإيتاء مشتركة لله و للرسول و الحسب و الكفاية خاص بالله كما بين المؤلف.
انظر الآن المؤلف يقول ( وقد بين في كتابه حقوقه التي لا تصلح إلا له وحقوق رسوله وحقوق المؤمنين بعضهم على بعض، كما بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وذلكُ مثل قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ فالطاعة لله ورسوله ) إذا الطاعة حق مشترك لله و للرسول ﷺ و الخشية خاصة بالله من حقوق الله ما تقول : أن أخشى الله و أخشى الرسول , لا الخشية خاصة لله و التقوى من حقوق الله خاصة بالله ما تتقي الله و تتقي الرسول , التقوى حق الله و الخشية حق الله و الطاعة حق مشترك لله و للرسول و لهذا قال ( فالطاعة لله و للرسول والخشية والتقوى لله وحده)
وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ) الآية فيها ( الإيتاء ) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الإيتاء مشترك حق مشترك لله و للرسول و الرغبة خاص بالله حق لله إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ إذا وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ و الحسب في الآية خاص بالله , إذا الآية كم فيها من حق ! ثلاثة حقوق , الإيتاء حق مشترك لله و لرسوله و الحسب و هي الكفاية حق لله و الرغبة حق لله و لهذا قال المؤلف ( فالإيتاء لله والرسول والرغبة لله وحده).
وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا؛ لأن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله ) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا إذا يجب الأخذ بما جاء به الرسول ﷺ و الانتهاء عما نهى عنه لأن الحلال ما أحله الله و رسوله و الحرام ما حرمه الله و رسوله ( وأما الحسب فهو لله وحده ) الحسب هو الكفاية ( كما قال: وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ) يعني يكفينا الله ما قال حسبنا الله و رسوله , الحسب خاص بالله الحسب معناه الكفاية ( حسبنا الله ) ما تقول حسبي الله و الرسول , لا , هذا حق الله خاص به ( حسبنا الله ) ( ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله).
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) فسر المؤلف الآية قال ( أي يكفيك الله ويكفي من اتبعك من المؤمنين، وهذا هو الصواب المقطوع به في معنى هذه الآية ) يعني حسبك الله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يكفيك الله و يكفي من اتبعك حسبك الله و حسب من اتبعك من المؤمنين و بعض الناس يقول حسبك الله و يعطف من اتبعك من المؤمنين على الاسم الشريف و يكون المعنى حسبك الله و المؤمنون و هذا خطأ هذا باطل هذا تفسير باطل لأنه يجعل الكفاية لله و للمؤمنين فيقول حسبك الله و المؤمنون هذا خطأ , حسبك الله و من اتبعك من المؤمنين يعني يكفيك الله و يكفيك من اتبعك من المؤمنين هذا خطأ و المعنى أن الله يكفيك و يكفي أتباعك المؤمنين فالكفاية و الحسب لله , الكفاية من الله للرسول و للمؤمنين و المعنى يكفيك الله و يكفي أتباعك المؤمنين و ليس المعنى يكفيك الله و المؤمنون , فسرت بتفسيرين تفسير خاطئ و هي أن يكون و من اتبعك من المؤمنين معطوفة على الله يعني حسبك الله و المؤمنون , و التفسير الصواب والمقطوع به هو من اتبعك معطوف على حسب يعني حسبك الله و حسب أتباعك , و لهذا قال المؤلف ( أي يكفيك الله و يكفي من اتبعك ) هذا تفسير الآية و ليس المعنى يكفيك الله و المؤمنون المعنى يكفيك الله و يكفي من اتبعك من المؤمنين و ليس المعنى يكفيك الله و من اتبعك من المؤمنين و لهذا قال المؤلف ( وهذا هو الصواب المقطوع به في معنى هذه الآية ).
المحقق نقل عن شيخ الإسلام قال : قال شيخ الإسلام رحمه الله في كلامه على قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ فجعل الإيتاء لله و رسوله كما قال تعالى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا إذ كان الحلال ما أحله الله و رسوله و الحرام ما حرمه الله و رسوله و الدين ما شرعه الله و رسوله و جعل الحسب له وحده و الرغبة لله وحده فالله وحده هو حسب الرسول و جميع المؤمنين كما قال تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي هو وحده يكفيك و يكفي من اتبعك هذا معنى الآية عند جماهير السلف و الخلف , قائلة عظيمة لشيخ الإسلام.
قال المؤلف رحمه الله ( ولهذا ) يعني لما كان الحسب و الكفاية خاص بالله ( كانت كلمة إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام حسبنا الله ونعم الوكيل ) و في صحيح البخاري عن ابن عباس قال ( حسبنا الله و نعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي النار و قالها محمد ﷺ حين قالوا له بعد غزوة أحد إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ماذا كانت النتيجة ! فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ لما توكل النبي ﷺ على الله و اكتفى بالله و كذلك المؤمنون ماذا كانت النتيجة فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ( و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و الحمد لله و حده والله أعلم وأحكم. وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ) .
الحمد لله على التمام و بهذا نكون انتهينا من هذه الرسالة و صلى الله على محمد و آله و سلم .