الشيخ : أما بعد:
فنحمد الله سبحانه وتعالى أن وفقنا لأداء مناسك حج بيته الحرام, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم, وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم وصوابا على هدي نبيه الكريم.
أيها الإخوان: إن أداء هذه المناسك نعمة عظيمة على من أقدره الله عليها, فعلى المسلم أن يغتبط بهذه النعمة, ويفرح بها, ويسأل الله القبول والتوفيق.
فهذا الركن العظيم 32: أيها المسلم, فاشكر الله على هذه النعمة, كم من أناس كثيرون يريدون أن يشاركونك في أداء هذا الركن, ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك, إما لعدم قدرتهم وفقرهم وحاجتهم, وإما لموتهم، لأن الآجال قد اقتربت منهم, وإما لضلالهم وانحرافهم.
وأنت - وفقك الله - فكنت من الأحياء وكنت من المهتدين, جعل الله لك رغبة ووفقت إلى أداء المناسك وأعطاك القدرة فاحمد الله على هذه النعمة, واسأل الله القبول, فنسأل الله القبول والتوفيق إنه ولي ذلك والقادر عليه.
نقرأ الآن بقية القواعد في الرسالة رسالة "المنهج لمريد الحج والعمرة" لسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –. نعم.
الطالب: بسم الله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: قال المؤلف – رحمه الله تعالى – :
(المتن)
وفاعل المحظورات السابقة له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم وعليه الفدية.
(الشرح)
المحظورات كما هو معروف: تسعة, وهي: تغطية الرأس بالنسبة للذكر تغطية الرأس, ولبس المخيط, وأخذ شيء من الشعر, وأخذ شيء من الأظافر, والطيب, وقتل الصيد, وعقد النكاح, والجماع, ومباشرة النساء [تسعة]:
الخمسة الأولى وهي: تغطية الرأس, ولبس المخيط, وأخذ شيء من الشعر, وأخذ شيء من الأظفار, والطيب.
إذا فعل واحدًا منها ناسيًا, أو جاهلًا, أو مُكرهًا؟ فلا شيء عليه على الصحيح.
وقال بعض العلماء: يجب الفدية حتى على الناسي, وحتى على الجاهل.
وقال آخرون من أهل العلم: المحظورات تنقسم إلى قسمين:
قسم فيه إتلاف مثل: تقليم الأظفار, وقص الشعر, فهذا فيه إتلاف تجب فيه الفدية.
والذي ليس فيه إتلاف مثل لبس المخيط, وأخذ شيء من الشعر, والطيب ليس فيه إتلاف فليس فيه الفدية, والصواب كما سبق: أنها كلها الناسي والجاهل والمُكره لا شيء عليهم.
أما قتل الصيد؟ فهذا لابد من جزائه.
عقد النكاح؟ لا يصح وليس فيه فدية.
الجماع؟ أشد المحظورات, إذا كان قبل التحلل الأول يفسد الحج, ويجب إتمامه, ويجب عليه بدنة, وقضاؤه من السنة القادمة.
وذهب بعض الصحابة: إلى أنه لا يُعذر فيه الجاهل, وأن كل "الجماع" لا يُعذر فيه الجاهل ولا الناسي, وقيل: يُعذر الناسي, والمباشرة أقل منها المباشرة دون الجماع إذا كان قبل التحلل الأول فيها الفدية, والحج صحيح.
فإذًا هذه المحظورات إذا فعل واحدًا منها ناسيًا أو مُكرهًا أو جاهلًا فلا شيء عليه.
إذا فعل واحدًا منها عامدًا محتاجًا, فيكون مريض ما يستطيع أن يتحمل البرد, فيلبس ثياب, أو يغطي رأسه, فهذا لا إثم عليه, ولكن عليه الفدية.
الحالة الثانية: أن يفعلها غير محتاج, متعمد, فهذا يلزمه أمران: [الفدية, والإثم].
فعليه التوبة من الإثم والمعصية, وعليه فدية.
والفدية واحدة من ثلاثة أمور:
إما أن يذبح شاة, أو يُطعم ستة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف, أو يصوم ثلاثة أيام.
والصيام في أي مكان في البلد أو في غيره, والإطعام والذبح يكون في مكة.
(المتن)
وفاعل المحظورات السابقة له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم وعليه الفدية.
(الشرح)
(آثم): يفعله بلا حاجة, أو متعمد آثم وعليه الفدية, الفدية يدفعها, والإثم عليه التوبة والاستغفار والندم وعدم العودة.
(المتن)
الحالة الثانية: أن يفعل المحظور لحاجةٍ إلى ذلك مثل أن يحتاج إلى لبس القميص لدفع برد يخاف منه الضرر؛ فيجوز أن يفعل ذلك وعليه فديته.
(الشرح)
ولا إثم عليه.
(المتن)
كما جرى لكعب بن عجرة رضي الله عنه حين حمل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر من رأسه على وجهه؛ فرخص له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحلق رأسه ويفدي.
الحالة الثالثة: (أن يفعل المحظور وهو معذور إما جاهلاً أو ناسياً أو نائماً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا فدية لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (الأحزاب: 5).
وقال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة: 286).
فقال الله تعالى: "قد فعلت".
(الشرح)
وهذا في صحيح مسلم قال الله: "قد فعلت".
(المتن)
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وهذه نصوص عامة في محظورات الإحرام وغيرها تفيد رفع المؤاخذة عن المعذور بالجهل والنسيان والإكراه، وقال تعالى في خصوص الصيد الذي هو أحد محظورات الإحرام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (المائدة: 95). فقيد وجوب الجزاء بكون القاتل متعمداً، والتعمد وصف مناسب للعقوبة والضمان، فوجب اعتباره وتعليق الحكم به، وإن لم يكن متعمداً فلا جزاء عليه ولا إثم.
لكن متى زال العذر فعلم الجاهل وتذكر الناسي واستيقظ النائم وزال الإكراه فإنه يجب التخلي عن المحظور فوراً، فإن استمر عليه مع زوال العذر فهو آثم وعليه الفدية.
مثال ذلك: أن يغطي الذكر رأسه وهو نائم فإنه ما دام نائماً فلا شيء عليه، فإذا استيقظ لزمه كشف رأسه فوراً، فإن استمر في تغطيته مع علمه بوجوب كشفه فعليه الفدية.
ومقدار الفدية في المحظورات التي ذكرناها كما يأتي:
1- في إزالة الشعر والظفر والطيب والمباشرة لشهوة ولبس القفازين, ولبس الذكر المخيط, وتغطية رأسه, وانتقاب المرأة, الفدية في هذه الأشياء في كل واحد منها إما ذبح شاة، وإما إطعام ستة مساكين، وإما صيام ثلاثة أيام يختار ما يشاء من هذه الأمور الثلاثة، فإن اختار ذبح الشاة فإنه يذبح ذكراً أو أنثى من الضأن أو الماعز مما يجزئ في الأضحية، أو ما يقوم مقامه من سبع بدنة أو سبع بقرة، ويفرق جميع اللحم على الفقراء ولا يأكل منها شيئاً.
(الشرح)
لأنها جزاء يفرق اللحم ولا يأكل منها شيئًا لأنها جزاء, لكن هدي التمتع وهدي القران إن ذبحت يوم العيد تأكل منه وتهدي وتتصدق، لأن هذا جمع لذكر الله, والأول جمع جزاء, جمع الجزاء الذي يجب على الإنسان لكونه فعل محظور أو تجاوز الميقات ما يأكل منها كله يخرجه.
إذًا القران الذي يجب لكونه أتى بحج وعمرة في سفرة واحدة فهذا جمع تكرار يأكل ويهدي ويتصدق مثل: الأضحية يأكل ويهدي ويتصدق, وكذلك العقيقة.
(المتن)
وإن اختار إطعام المساكين فإنه يدفع لكل مسكين نصف صاع مما يطعم من تمر أو بر أو غيرهما، وإن اختار الصيام فإنه يصوم الأيام الثلاثة إن شاء متوالية وإن شاء متفرقة.
(الشرح)
وفي أي مكان سواء في مكة, أو في بلده, أو في أي مكان.
(المتن)
2- في جزاء الصيد فإن كان للصيد مثل، خير بين ثلاثة أشياء:
إما ذبح المثل وتفريق جميع لحمه على فقراء مكة.
(الشرح)
المثل: مثل ما قضى به الصحابة, مثل: الحمامة, إذا قصد حمامة فيه شاة, قضى به الصحابة, لأن قصده الحمامة 10:44
فقضى الصحابة بأن من قصد حمامة فعليه شاة, وكذلك أيضًا النعامة قضى فيه الصحابة ببعير, لأن النعامة تشبه البعير في طول الرقبة, فقضى الصحابة بأن من قتل نعامة فعليه ماذا؟ فعليه بعير.
فمن اصطاد نعامة وهو محرم فيذبح شاة ويفرقها ولا يأكل منها شيء, والذي يصيد حمامة يذبح شاة ويفرقها, هكذا, هذا الذي قضى به الصحابة.
(المتن)
وإما أن ينظر كم يساوي هذا المثل, ويُخرج ما يقابل قيمته طعاماً يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً.
(الشرح)
يعني هو مخير يعني شخص صاد حمامة يخير يقال له إما أن تشتري شاةً وتذبحها وتفرقها, أو تقدر قيمة الشاة كم قيمتها؟ أربعمائة مثلًا, تشتري بأربعمائة طعام بر ولا أرز وتدفع لكل مسكين كيلو ونصف, أربعمائة كم فيها من الطعام؟, كم تُقدر مثلًا كم صاع؟
الطالب: 12:21
الشيخ: نعم, إذا في العروض مثلًا إذا قلنا كم كيلو فيه؟
الطالب: خمسة عشر كيلو.
الشيخ: خمسة عشر كيلو كم يساوي؟
الطالب: 12:37
الشيخ: 12:39 مئة وخمسين خمسة عشر صاع, كيسين؟ ثلاثين صاع ثلاثمائة ريال, الكيس 12:50
وفيها خمسة وأربعين كيلو, والمسكين له كم؟ كيلو ونصف, كيلو ونصف خمسة وأربعين كم نصفها؟ يعني تسعين مسكين, تفرقها على تسعين مسكين, فإن صاد حمامة, إما أن تشتري شاة مثلا بأربعمائة وتفرقها, أو تشتري بقيمتها أربعمائة طعام, كم؟ خمسة أكياس أرز, تأتي لتطعم تقسمها على تسعين يوم, أو تصوم عن كل مسكين يوم تسعين يوم عن كل مد درهم إما أن تذبح الشاة, وإما أن تشتري بثمنها ماذا؟ بر, أو أرز, أو طعام وتقسمه, أو تصوم عن كل إطعام مسكين يوم تسعين يوم أو تسعين مسكين أو ذبح شاة واضح هذا.
(المتن)
وإما أن ينظر كم يساوي هذا المثل, ويُخرج ما يقابل قيمته طعاماً يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً.
(الشرح)
واضح هذا الذي له مثل.
(المتن)
فإن لم يكن للصيد مثل خير بين شيئين: إما أن ينظر كم قيمة الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعاماً يفرقه على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.
(الشرح)
نعم, هذا إذا كان الصيد الذي صاده ما قضى به الصحابة, هذا ما وُجد وما قضى به الصحابة, فماذا نعمل؟ نُقدر قيمته كم يساوي؟, فإذا قدرنا قيمته من الدراهم نشتري بالدراهم طعام, ونطعم كل مسكين كيلو ونصف ، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوم هذا الذي له مثل له ثلاثة أشياء, والذي ليس له مثل له شيئان.
(المتن)
مثال الذي له مثل من النعم الحمام ومثيلها الشاة, فنقول لمن قتل حمامة: أنت بالخيار إن شئت فاذبح شاة، وإن شئت فانظر كم قيمة الشاة وأخرج ما يقابلها من الطعام لفقراء الحرم لكل واحد نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يوماً.
ومثال الصيد الذي لا مثل له الجراد, فنقول لمن قتل جراداً متعمداً: إن شئت فانظر كم قيمة الجراد وأخرج ما يقابلها من الطعام لمساكين الحرم لكل مسكين نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يوماً.
(الشرح)
واضح هذا, الجراد ما قضى به الصحابة فخير بين شيئين: بين القيمة أن يخرجها, وبين الصيام.
(المتن)
الفائدة الثالثة: في إحرام الصغير:
الصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الحج، لكن لو حج فله أجر الحج ويعيده إذا بلغ، وينبغي لمن يتولى أمره .
(الشرح)
يعني الصغير إذا حج به والده يصح الحج, والحج للصغير لا لوالده, لأن امرأة رفعت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – صبيًا في المهد, فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم, ولكِ أجر".
فدل على أن الحج للصغير لكن لا يغنيه عن حجة الإسلام, فإذا بلغ لابد أن يحج, لقول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "أيما صبي حج ثم بلغ الحِنْثَ فعليه أن يحج حجةً أخرى".
(المتن)
وينبغي لمن يتولى أمره من أب أو أم أو غيرهما أن يحرم به.
(الشرح)
وليه يحرم به, إذا كان دون التمييز ينوي عن إحرامه وليه, يقول: لبيك عمرة عن فلان, عن فلان الطفل كذا, أو عن فلانة الطفلة, يقول: لبيك حج عن فلان.
أما إذا كان مميز فإنه يأمره وليه بالإحرام, فيحرم له.
(المتن)
وثواب النسك يكون للصبي ولوليه أجر على ذلك.
(الشرح)
نعم, ثواب الحج للصبي, والولي له أجر أو ليس له أجر؟ له أجر آخر غير أجر الحج, أجر الحج للصبي, والولي له أجر آخر وهو أجر الإعانة والسفر.
(المتن)
لما في الصحيح من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة رفعت صبياً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال" "نعم ولك أجر".
وإذا كان الصبي مميزاً وهو الذي يفهم ما يقال له فإنه ينوي الإحرام بنفسه, فيقول له وليه: إنوِ الإحرام بكذا، ويأمره أن يفعل ما يقدر عليه من أعمال الحج مثل الوقوف بعرفة والمبيت بمنى ومزدلفة، وأما ما يعجز عن فعله كرمي الجمار فإن وليه ينوب عنه فيه أو غيره بإذنه.
(الشرح)
يعني ما يقدر عليه يفعله الصبي المميز, كالوقوف بعرفة, ومنى, ومزدلفة, وما يعجز عنه ينوب عنه وليه مثل رمي الجمار, ومثل الطواف إذا كان ما يستطيع أن يطوف, يطوف هو, وإن كان يستطيع أن يمشي بنفسه يطوف هو.
(المتن)
فإن وليه ينوب عنه فيه أو غيره بإذنه إلا الطواف والسعي, فإنه إذا عجز عنهما يحمل ويقال له: إنو الطواف إنو السعي، وفي هذه الحال يجوز لحامله أن ينوي الطواف والسعي عن نفسه أيضاً.
(الشرح)
يعني يكون الطواف عن الاثنين: الصبي, ينوي عن الصبي يقول للصبي: أنوي الطواف؟ فينوي الطواف, وهو الصبي يطوف به في السعي أيضًا, فهو حامل الصغير, والصغير له طواف لأنه أمره وليه بأن ينوب عنه، وهو له طواف لأنه ينوي أيضًا لأنه نوى الطواف.
(المتن)
وفي هذه الحال يجوز لحامله أن ينوي الطواف والسعي عن نفسه أيضاً, والصبي عن نفسه فيحصل الطواف والسعي للجميع؛ لأن كلا منهما حصل منه نية، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" وإذا كان الصبي غير مميز فإن وليه ينوي له الإحرام ويرمي عنه ويحضره مشاعر الحج وعرفة ومزدلفة ومنى يطوف ويسعى به، ولا يصح في هذه الحال أن ينوي الطواف والسعي لنفسه وهو يطوف ويسعى بالصبي.
(الشرح)
هذا الصبي غير المميز, المميز ينوي عن نفسه, غير المميز ينوي الإحرام عنه وليه, ويحضره المشاعر منى وعرفة ومزدلفة, ويرمي عنه الجمار, ويطوف به, ولكن النية تكون للصبي ما يطوف عن نفسه وعن الصبي, لأن الصبي الآن ليس له نية ما ينوي, فمن ينوب عنه؟ وليه, فهو ناب عنه في النية فلا يمكن أن ينوي عن نفسه أيضًا يكون الطواف للاثنين لأن الصبي الآن ليس مميز, بخلاف إذا كان مميز ينوي يقول له: أنوِ الطواف لنفسك, الطواف في هذه الحالة للصبي غير المميز الطواف له لأنه ينوي ماذا؟ وليه نوى عنه, أما إذا كان مميز فالطواف للاثنين ولو كان محمول, إذا الصبي نوى قال له أنوي الطواف عن نفسك, والكبير ينوي عن نفسه, فصار الطواف للاثنين.
(المتن)
لأن الصبي هنا لم يحصل منه نية ولا عمل وإنما النية من حامله فلا يصح عمل واحد بنيتين لشخصين بخلاف ما إذا كان الصبي مميزا, لأنه حصل منه نية والأعمال بالنيات، هذا ما ظهر لي، وعليه فيطوف الولي ويسعى أولاً عن نفسه، ثم يطوف ويسعى بالصبي أو يسلمه إلى ثقة يطوف ويسعى به.
وأحكام إحرام الصغير كأحكام إحرام الكبير؛ لأن النبي - صلى لله عليه وسلم - أثبت أن له حجاً فإذا ثبت الحج ثبتت أحكامه ولوازمه، وعلى هذا فإذا كان الصغير ذكراً جُنب ما يجتنبه الرجل الكبير، وإن كانت أنثى جُنبت ما تجتنبه المرأة الكبيرة، لكن عند الصغير بمنزلة خطأ الكبير.
(الشرح)
يعني إذا تعمد الصغير غطى رأسه وهو محرم, هذا ماذا يعتبر؟ خطأ مثل خطأ الكبير, ما يكون عمدا لأن الصبي ما له عمد, فإذا تعمد مثلًا وغطى رأسه, أو قص من شعر رأسه أخذ مقص وقص من شعر رأسه؟ هذا خطأ, هذا ما يسمى عمدا وإن كان متعمد لكن الصبي عمده خطأ مثل خطأ الكبير.
(المتن)
فإذا فعل بنفسه شيئاً من محظورات الإحرام فلا فدية عليه ولا على وليه.
(الشرح)
يقول لا إثم عليه ولا على وليه.
(المتن)
فإذا فعل بنفسه شيئاً من محظورات الإحرام.
(الشرح)
يعني الصبي غطى رأسه أو تطيب, نعم.
(المتن)
فلا فدية عليه ولا على وليه.
الفائدة الرابعة: في الاستنابة في الحج:
إذا وجب الحج على شخص فإن كان قادراً على الحج بنفسه وجب عليه أن يحج، وإن كان عاجزاً عن الحج بنفسه فإن كان يرجو زوال عجزه كمريض يرجو الشفاء فإنه يؤخر الحج حتى يستطيع، فإن مات قبل ذلك حج عنه من تركته ولا إثم عليه.
وإن كان الذي وجب عليه الحج عاجزاً عجزاً لا يرجو زواله كالكبير والمريض الميئوس منه ومن لا يستطيع الركوب فإنه يوكل من يحج عنه؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - "أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم"، وذلك في حجة الوداع".
ويجوز أن يكون الرجل وكيلاً عن المرأة والمرأة عن الرجل.
(الشرح)
يعني الرجل يكفل المرأة, والمرأة تكفل الرجل..
(المتن)
وإذا كان الوكيل قد وجب عليه الحج ولم يحج عن نفسه فإنه لا يحج عن غيره بل يبدأ بنفسه أولاً لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة". رواه أبو داود وابن ماجة.
(الشرح)
نعم, هذا يدل على أن من لم يحج عن نفسه لا يمكن أن يحج عن غيره, يبدأ بالحج عن نفسه أولًا ثم يحج عن غيره.
(المتن)
والأولى أن يصرح الوكيل بذكر موكله فيقول: لبيك عن فلان، وإن كانت أنثى قال: لبيك عن أم فلان أو عن بنت فلان، وإن نوى بقلبه ولم يذكر الاسم فلا بأس.
(الشرح)
يعني لا بأس أن يذكر الاسم, يعني النية كافية نوى بقلبه أن هذا الحج لفلان, أو هذا لفلانة ولم يتكلم, لكن إذا تكلم قال: لبيك حجًا عن فلان أو فلانة أولى.
(المتن)
وإن نوى بقلبه ولم يذكر الاسم فلا بأس, وإن نسي اسم الموكل نوى بقلبه عمن وكله وإن لم يستحضر اسمه والله تعالى يعلمه ولا يخفى عليه.
(الشرح)
نعم, يعني إن ذكر اسمه فأولى، وإن نوى بقلبه أجزأ, وإن لم يستحضر اسمه؟ أي: نوى بقلبه أن هذه الحجة لمن وكله.
(المتن)
ويجب على الوكيل أن يتقي الله تعالى ويحرص على تكميل النسك لأنه مؤتمن على ذلك، فيحرص على فعل ما يجب وترك ما يحرم، ويكمل ما استطاع من المكملات للنسك ومسنوناته.
الفائدة الخامسة: "في تبديل ثياب الإحرام".
يجوز للمحرم بحج أو عمرة رجلاً كان أو أنثى تبديل ثياب الإحرام التي أحرم بها ولبس ثياب غيرها إذا كانت الثياب الثانية مما يجوز للمحرم لبسه.
(الشرح)
نعم, يجوز للمحرم أن يبدل ثياب الإحرام يشتري إزار أو رداء آخر ويبدله أو يغسله يخلعه ويغسله لا بأس, يعني تغيير ملابس الإحرام ملابس أخرى لا بأس, تطولها, تبدلها, تغسلها لا بأس, بشرط: أن يكون إزار ورداء.
(المتن)
كما يجوز للمحرم أيضاً أن يلبس النعلين بعد الإحرام وإن كان حين عقده حافياً.
(الشرح)
نعم, أن يلبس النعلين لا بأس, وإن كان انعقد الإحرام بدونها.
(المتن)
الفائدة السادسة: "في محل ركعتي الطواف"
السنة لمن فرغ من الطواف أن يصلي ركعتي الطواف خلف المقام، فإن كان المحل القريب من المقام واسعاً فذاك وإلا فصلاهما ولو بعيداً، ويجعل المقام بينه وبين الكعبة.
(الشرح)
نعم, إن صلى ركعتين يكون المقام أمامه, لقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[البقرة:125]: هذا الأفضل, وإن صلاهما في أي مكان من الحرم فلا بأس, حتى لو صلاها خارج المسجد الحرام في مكان آخر. نعم.
(المتن)
ويجعل المقام بينه وبين الكعبة فيصدق عليه أنه صلى خلف المقام، واتبع في ذلك هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر - رضي الله عنه - في صفة حج النبي أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل المقام بينه وبين البيت.
الفائدة السابعة: "في الموالاة في السعي بينه وبين الطواف".
الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف، فإن أخره عنه كثيراً فلا بأس مثل أن يطوف أول النهار ويسعى آخره، أو يطوف في الليل ويسعى بعد ذلك في النهار، ويجوز لمن تعب في السعي أن يجلس ويستريح ثم يكمل سعيه ماشياً أو على عربة ونحوها.
(الشرح)
إذًا الموالاة بين السعي والطواف أفضل يطوف ثم يسعى, لكن لو أخر السعي بعد الطواف يوم, أو من أول النهار أو من آخر النهار فلا بأس, لكن الأفضل الموالاة, والسعي يجوز أن يقف بين الأشواط ويستريح ويكمل السعي إذا اعتاد يكمل بعد ما يستريح, أو يكمل على عربة.
(المتن)
ويجوز لمن تعب في السعي أن يجلس ويستريح ثم يكمل سعيه ماشياً أو على عربة ونحوها, وإذا أقيمت الصلاة وهو يسعى دخل في الصلاة، فإذا سلم أتم سعيه من المكان الذي انتهى إليه قبل إقامة الصلاة.
(الشرح)
نعم, إذا أقيمت الصلاة وهو يسعى أو يطوف فإنه يصلي ثم يكمل بعد الصلاة الطواف والسعي من المكان الذي قطعه, وإن أتى به من أول الشوط فهو أفضل.
(المتن)
وكذلك لو أقيمت وهو يطوف أو حضرت جنازة فإنه يصلي، فإذا فرغ أتم طوافه من مكانه الذي انتهى إليه قبل الصلاة، ولا حاجة إلى إعادة الشوط الذي قطعه على القول الراجح عندي.
(الشرح)
نعم القول الراجح أنه لا يعيد الشوط.
والقول الآخر: أنه يعيد الشوط من أوله الذي قطعه, (ولا حاجة إلى إعادة الشوط الذي قطعه على القول الراجح عندي.
(المتن)
لأنه إذا كان القطع للصلاة معفواً عنه فلا دليل على بطلان أول الشوط.
الفائدة الثامنة: "في الشك في عدد الطواف أو السعي".
إذا شك الطائف في عدد الطواف، فإن كان كثير الشكوك مثل من به وسواس فإنه لا يلتفت إلى هذه الشك، وإن لم يكن كثير الشكوك فإن كان شكه بعد أن أتم الطواف فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك أيضاً إلا أن يتيقن أنه ناقص فيكمل ما نقص.
وإن كان الشك في أثناء الطواف مثل أن يشك هل الشوط الذي هو فيه الثالث أو الرابع مثلاً فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بالراجح عنده، وإن لم يترجح عنده شيء عمل باليقين وهو الأقل.
(الشرح)
نعم, هذا إذا شك في عدد الأشواط فإن كان كثير الشكوك 35:50
وإن كان ليس كثير الشكوك فإن كان بعد أن انتهى من السعي أو الطواف فلا يلتفت إليه بعد العبادة, وإن كان في أثنائها فإن ترجح عنده أحد الأمرين يعمل به, وإن لم يترجح أحد الأمرين عمل بالأقل خمسة أو ستة تكون خمسة.
(المتن)
وإن لم يترجح عنده شيء عمل باليقين وهو الأقل, ففي المثال المذكور إن ترجح عنده الثلاثة جعلها ثلاثة وأتى بأربعة، وإن ترجحت عنده الأربعة جعلها أربعة وأتى بثلاثة، وإن لم يترجح عنده شيء جعلها ثلاثة لأنها اليقين وأتى بأربعة.
وحكم الشك في عدد السعي كحكم الشك في عدد الطواف في كل ما تقدم.
الفائدة التاسعة: "في الوقوف بعرفة".
سبق أن الأفضل للحاج أن يحرم بالحج يوم الثامن من ذي الحجة, ثم يخرج إلى منى فيمكث فيها بقية يومه، ويبيت ليلة التاسع ثم يذهب إلى عرفة ضحى، وهذا على سبيل الفضيلة
(الشرح)
هذا أفضل وليس بواجب.
(المتن)
فلو خرج إلى عرفة من غير أن يذهب قبلها إلى منى فقد ترك الأفضل ولكن لا إثم عليه.
ويجب على الواقف بعرفة أن يتأكد من حدودها، فإن بعض الحجاج يقفون خارج حدودها إما جهلاً وإما تقليداً لغيرهم، وهؤلاء الذين وقفوا خارج حدود عرفة لا حج لهم لأنهم لم يقفوا بعرفة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة".
(الشرح)
فإذا لم يقف بعرفة من طلوع الشمس أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ليلة العيد لم يقف يوم عرفة، من لم تطأ قدمه أرض عرفة فإنه يفوته الحج هذا العام ويتحلل بعمرة.
(المتن)
وفي أي مكان وقف من عرفة فإنه يجزئه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف".
ولا يجوز لمن وقف بعرفة أن يدفع من حدودها حتى تغرب الشمس يوم عرفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف إلى الغروب وقال: "خذوا عني مناسككم".
(الشرح)
فإذا ترك الوقوف خرج من أرضها قبل الغروب ولم يرجع للوقوف فعليه دم عند أهل العلم. نعم.
(المتن)
ويمتد وقت الوقوف بعرفة إلى طلوع الفجر يوم العيد.
(الشرح)
هذا لمن جاء متأخرًا.
(المتن)
فمن طلع عليه الفجر يوم العيد ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج، فإن كان قد اشترط في ابتداء الإحرام إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني تحلل من إحرامه ولا شيء عليه.
(الشرح)
هذا إذا كان خائف يعني أن لا يتم نسكه.
قال: إذا حبسني حابس, ثم مُنع تحلل من إحرامه وليس عليه شيء.
(المتن)
وإن لم يكن اشترط وفاته الوقوف فإنه يتحلل بعمرة فيذهب إلى البيت ويطوف ويسعى ويحلق، وإذا كان معه هدي ذبحه، فإذا كانت السنة الثانية قضى الحج الذي فاته وأهدى هدياً فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام.
(الشرح)
يعني هذا لمن يفوته الحج, لمن يفوته الحج يتحلل بعمرة ثم يقضي هذا الحج من عام قادم ويذبح هدي, فإن لم يجد أو لم يستطع صام عشرة أيام بدل الهدي.
الطالب: 40:57
الشيخ: هذه لأجل فوات الحج,
(المتن)
ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
الطالب: 41:17
الشيخ: 41:17
(المتن)
الفائدة العاشرة: "في الدفع من مزدلفة".
لا يجوز للقوي أن يدفع من مزدلفة حتى يصلى الفجر يوم العيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بها ليلة العيد ولم يدفع منها حتى صلى الفجر, وقال: "خذوا عني مناسككم".
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "استأذنت سودة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة تدفع قبله وقبل حطمة الناس وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة - فأذن لها فخرجت قبل دفعه، وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه".
وفي رواية: "وددت أني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بمنى فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس".
وأما الضعيف الذي يشق عليه مزاحمة الناس عند الجمرة فإن له أن يدفع قبل الفجر إذا غاب القمر، ويرمي الجمرة قبل الناس.
وفي صحيح مسلم عن أسماء: "أنها كانت ترتقب غيوب القمر, وتسأل مولاها: هل غاب القمر؟ فإذا قال: نعم, قالت: ارحل بي. قال: فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثم صلت -يعني الفجر- في منزلها فقلت لها: أي هنتاه - أي يا هذه - لقد غلسنا.
(الشرح)
"لقد غلسنا يعني: صرنا بغلس, الغلس هو اختلاط هو ضياء النهار بظلام الليل – هو اختلاط ظلام الليل بضياء الصبح, يقال هذا غلط, قال: فقد بكرنا, فقال: (ثم أذن للظعن)؟ الظعن يعني النساء كانت ... 44:22
و (هنتاه) يعني: يا هذا ارحلوا, فرحلت ورمت آخر الليل الجمر, فقالت: (لقد غلسنا) يعني: الليل قالت يا هذا أذن للظعن .
(المتن)
فقلت لها: أي هنتاه - أي يا هذه - لقد غلسنا, قالت: "كلا أي بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن".
(الشرح)
الظعن والظعينة.
الظعينة: المرأة التي تركب البعير.
والضعن: الجماعة من النساء – يعني أذن للنساء لضعفهن.
(المتن)
ومن كان من أهل هؤلاء الضعفاء الذين يجوز لهم الدفع من مزدلفة قبل الفجر فإنه يجوز أن يدفع معهم قبل الفجر.
(الشرح)
يعني أولياء الضعفاء معهم، يدفعون معهم، ولي الضعف معهم.
(المتن)
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث ابن عباس - رضي الله عنهما - في ضعفة أهله - صلى الله عليه وسلم - من مزدلفة بليل. فإن كان ضعيفاً رمى الجمرة معهم إذا وصل إلى منى؛ لأنه لا يستطيع المزاحمة, أما إن كان يستطيع زحام الناس فإنه يؤخر الرمي حتى تطلع الشمس لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أي بني لا ترموا حتى تطلع الشمس".
(الشرح)
لكن هذا الحديث ضعيف, لأنه من رواية الحسن العرني عن ابن عباس وهو لم يسمع منه. والصواب: أن الضعفاء يرمون.
(المتن)
[رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن ماجة].
فنخلص أن الدفع من مزدلفة ورمي جمرة العقبة يوم العيد يكونان على النحو التالي:
الأول: من كان قوياً لا ضعيف معه فإنه لا يدفع من مزدلفة حتى يصلي الفجر، ولا يرمي الجمرة حتى تطلع الشمس؛ لأن هذا هو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي فعله وكان يقول: "خذوا عني مناسككم" ولم يرخص لأحد من ذوي القوة في الدفع من مزدلفة قبل الفجر, أو رمي الجمرة قبل طلوع الشمس.
الثاني: من كان قوياً وفي صحبته أهل ضعفاء فإنه يدفع معهم آخر الليل إن شاء، ويرمي الضعيف الجمرة إذا وصل منى، وأما القوي فلا يرميها حتى تطلع الشمس لأنه لا عذر له.
الثالث: الضعيف فيجوز له الدفع من مزدلفة آخر الليل إذا غاب القمر، ويرمي الجمرة إذا وصل إلى منى.
ومن لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر ليلة العيد وأدرك الصلاة فيها وكان قد وقف بعرفة قبل الفجر فحجه صحيح لحديث عروة بن مضرس, وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شهد صلاتنا هذه - يعني الفجر - ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك نهاراً أو ليلاً فقد تم حجه وقضى تفثه".[رواه الخمسة وصححه الترمذي والحاكم].
وظاهر هذا الحديث: أنه لا دم عليه وذلك لأنه أدرك جزءاً من وقت الوقوف بمزدلفة وذكر الله تعالى عند المشعر الحرام بما أداه من صلاة الفجر فكان حجه تاماً، ولو كان عليه دم لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم.
الفائدة الحادية عشرة: "فيما يتعلق بالرمي".
1- في الحصى الذي يرمي به يكون بين الحمص والبندق لا كبيراً جداً ولا صغيراً جداً.
(الشرح)
مثل حبة الفول, مثل بعرة الغنم لا يكون مثل الحنطة صغير ولا يكون مثل التمرة لا هذا ولا هذا الكبير مثل التمرة ما تجزئ, والصغير مثل حبة الحنطة ما تجزئ, لكن تكون مثل ماذا؟ مثل حبة الفول.
(المتن)
ويلقط الحصى من منى أو مزدلفة أو غيرهما كل يوم بيومه، ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لقط الحصى من مزدلفة، ولا أنه لقط حصى الأيام كلها وجمعها، ولا أمر - صلى الله عليه وسلم - أحداً بذلك من أصحابه فيما أعلم.
ثانيا: لا يجب في الرمي أن تضرب الحصاة نفس العمود الشاخص، بل الواجب أن تستقر في نفس الحوض الذي هو مجمع الحصا، فلو ضربت العمود ولم تسقط في الحوض وجب عليه أن يرمي بدلها، ولو سقطت في الحوض واستقرت به أجزأت وإن لم تضرب العمود.
ثالثا: لو نسي حصاة من إحدى الجمار فلم يرم إلا بست حصيات ولم يذكر حتى وصل إلى محله فإنه يرجع ويرمي الحصاة التي نسيها ولا حرج عليه، وإن غربت الشمس قبل أن يتذكر فإنه يؤخرها إلى اليوم الثاني، فإذا زالت الشمس رمى الحصاة التي نسيها قبل كل شيء، ثم رمى الجمار لليوم الحاضر.
الفائدة الثانية عشرة: "في التحلل الأول والثاني".
إذا رمى الحاج جمرة العقبة يوم العيد وحلق رأسه أو قصره حل التحلل الأول وجاز له جميع محظورات الإحرام من الطيب واللباس وأخذ الشعور والأظافر وغير ذلك إلا النساء، فإنه لا يجوز له أن يباشر زوجته أو ينظر إليها لشهوة حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، فإذا طاف وسعى حل التحلل الثاني وجاز له جميع محظورات الإحرام حتى النساء, لكن ما دام داخل الأميال فإنه لا يحل له الصيد ولا قطع الشجر والحشيش الأخضر ...
(الشرح)
يعني – هذا للحرم ولو كان قد تحلل داخل حدود الحرم لا يقطع الشجر الأخضر ولا يقصر الثوب. نعم.
(المتن)
ولا قطع الشجر والحشيش الأخضر لأجل الحرم لا لأجل الإحرام؛ لأن الإحرام قد تحلل منه.
الفائدة الثالثة عشر: "في التوكيل في رمي الجمار".
لا يجوز لمن قدر على رمي الجمار بنفسه أن يوكل من يرمي عنه سواء كان حجه فرضاً أم نفلاً؛ لأن نفل الحج يلزم من شرع فيه إتمامه, وأما من يشق عليه الرمي بنفسه كالمريض والكبير والمرأة الحامل ونحوهم فإنه يجوز أن يوكل من يرمي عنه سواء كان حجه فرضاً أم نفلاً، وسواء لقط الحصى وأعطاها الوكيل أو لقطها الوكيل بنفسه فكل ذلك جائز.
ويبدأ الوكيل بالرمي عن نفسه ثم عن موكله لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ابدأ بنفسك", وقوله: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة".
ويجوز أن يرمي عن نفسه ثم عن موكله في موقف واحد. فيرمي الجمرة الأولى بسبعِ عن نفسه ثم بسبعِ عن موكله وهكذا الثانية والثالثة كما يفيده ظاهر الحديث المروي عن جابر قال: "حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم".رواه أحمد وابن ماجة.
وظاهره: أنهم يفعلون ذلك في موقف واحد, إذ لو كانوا يكملون الثلاث عن أنفسهم ثم يرجعون من أولها عن الصبيان لنقل ذلك, والله أعلم.
الفائدة الرابعة عشرة: "في أنساك يوم العيد".
يفعل الحاج يوم العيد أربعة أنساك مرتبة كما يلي:
الأول: رمي جمرة العقبة.
الثاني: ذبح الهدي إن كان له هدي.
الثالث: الحلق أو التقصير.
الرابع: الطواف بالبيت.
(الشرح)
هذا الترتيب أفضل, وإن قدم بعضها على بعض فلا حرج, والأحناف دون هذا يقولون أنه إذا قدم بعضها على بعض فعليه دم, والصواب أنه ليس عليه شيء.
(المتن)
وأما السعي فإن كان متمتعاً سعى للحج، وإن كان قارناً أو مفرداً فإن كان سعى بعد طواف القدوم كفاه سعيه الأول وإلا سعى بعد هذا الطواف، أعني طواف الحج.
والمشروع أن يرتبها على هذا الترتيب، فإن قدم بعضها على بعض بأن ذبح قبل الرمي، أو حلق قبل الذبح، أو طاف قبل الحلق، فإن كان جاهلاً أو ناسياً فلا حرج عليه، وإن كان متعمداً عالماً فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا حرج عليه أيضاً لما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه فقال: "لا حرج ".
وعنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فيقول لا حرج. فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح، قال: "اذبح ولا حرج". وقال: رميت بعدما أمسيت، قال: "لا حرج".
وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: "لا حرج".
وسئل عمن زار (أي طاف طواف الزيارة) قبل أن يرمي أو ذبح قبل أن يرمي فقال: "لا حرج" رواه البخاري.
وفي حديث عبد الله بن عمرو قال: "فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج".
(انتهى)